ملتقى أسبار: التقرير الشهري رقم (47) لشهر فبراير 2019

فبراير 2019

ناقش أعضاء ملتقى أسبار خلال شهر فبراير 2019م العديدَ من الموضوعات المهمة التي تمَّ طرحها للحوار على مدار الشهر، وشملت القضايا التالية:

  • مُهددات اللغّة العربية والسبل المُقتَرَحة لمواجهتها
  • نظام الحماية من العنف والإيذاء…. فجوات في التطبيق
  • برنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية
  • في اقتصاديات الدول المُنافِسة، المحتوى المحلي هو كل شيء

القضية الأولى:

مُهددات اللغة العربية والسبل المُقتَرحة لمواجهتها

–    كاتب الورقة: د. راشد العبد الكريم

  • المعقبان:

–    د. زينب الخضير

–    ضيفة الملتقى: د. حسناء القنيعير _ أستاذ اللسانيات المُشارِك بقسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود

–     إدارة الحوار: د. خالد الرديعان.

¤     الملخص التنفيذي:

لا شك أن هناك عوامل كثيرة أدَّت إلى ضعف لغتنا العربية، بعض من هذه العوامل جاء نتاجًا للمدنية والحداثة، والبعض الآخر نتيجة للتأثير الخارجي المتعمد الهادف إلى تفتتت الثقافات والهويات الوطنية فاسحًا المجال لظهور هوية عالمية، وغياب دور البيت والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام في حماية اللُّغة العربية وتنمية الحس الوطني بلغة القرآن الكريم وحمايتها من المُهدِدات التي تُنازِعها، بالإضافة إلى اللهجات العامية التي تعدُّ من أهم مُهدِدات اللُّغة الفصحى، وكذلك المناخ العام في البيت والمدرسة والعمل والشارع الذي يُخرِج هجينًا من اللُّغات واللهجات التي تهدِّد اللُّغة الأم في عقر دارها. كما أن الدافعية نحو تعلُّم اللُّغة العربية في عصر ”العولمة” تراجعت أمام متطلبات السوق ومساقات التدريس في الجامعات التي لم تَعد العربية فيها هي اللُّغة الأساسية، بل تجد منافسةً من اللُّغات الأجنبية في الجامعات العربية نفسها.

أشارت الورقة الرئيسة إلى أن اللُّغة العربية تعاني من ضعف شديد، أسهمت فيه أسباب مختلفة؛ سياسية وثقافية وحضارية. فالانهزام العسكري والسياسي والثقافي أثَّر سلبًا في اللُّغة العربية، كما أثَّر فيها أيضًا الضعف الفكري الذي أصاب المتحدثين بها.

وأكدت أنَّ من صور ضعف اللُّغة العربية، هو نُدرة الحديث بها في الأماكن العامة والإعلام وتناقص استخدامها في المؤسسات المالية والعلمية وبعض المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية.

وذهبت الورقة إلى أنه يمكن إجمال المهددات التي تحيط باللُّغة العربية في مهددين أساسيين، هما: اللُّغة الأجنبية، واللهجة العامية. وأننا نحتاج لتقوية اللُّغة العربية إلى إعادة الثقة في اللُّغة العربية، وبثِّ روح الاعتزاز باللُّغة، والحد من التوسُّع في التدريس باللُّغات الأجنبية.

وترى التعقيبات أن أهم التحديات التي تواجه اللُّغة العربية تتلخص في: الاغتراب الثقافي والفكري بين اللُّغة وأبنائها، لغة التواصل اليومية وانتشار العامية، تحدي العولمة، والتحدي التقني.

كذلك أشارت التعقيبات إلى أنه ليس ثمة خطرٌ من اللُّغات الأجنبية وتعريب الألفاظ ودخولها في الذخيرة اللُّغوية العربية، بل الخطر يكمن في زعزعة نظام اللُّغة العربية النحوي والصرفي وتشويهه، بإحلال غيره محله. والأشد خطورة من ذلك هو كتابة اللُّغة العربية بحروف لاتينية وهو ما يمثِّل انهيارًا جديدًا للُّغة العربية.

وذكرت المداخلات التي جرت على الورقة الرئيسة أن الإعلام يعدُّ من الأسباب الرئيسة لضعف اللُّغة في ذاتها ولضعف الطلاب فيها، ويعدُّ من مهدداتها، بالإضافة إلى عدم استخدام المدرسين وأعضاء هيئة التدريس للُّغة العربية الفصحى، وكذلك الكلمات الهجينة الدخيلة على اللُّغة العربية في المناهج التعليمية الجامعية، والترجمات الحرفية التي لها مقابل آخر باللُّغة العربية.

ويرى البعض أن من سُبل مواجهة هذه المهددات هو تجويد تعليم العربية، وأن الحد من الاستخدام الرسمي للعامية سيقلِّص الفجوةَ بدرجة كبيرة ويقل خطر العامية على الفصحى.

وفي نهاية النقاش طرح الملتقى عددًا من التوصيات، أهمها: البحث في سُبل استثمار تعليم اللُّغة العربية بوصفه سوقًا لإعادة الثقة في اللُّغة العربية، بثُّ روح الاعتزاز باللُّغة بوصفها روح الثقافة ومكونًا أساسًا من مكونات الوطنية، سنُّ التشريعات اللازمة للحفاظ على اللُّغة العربية بما يحدُّ من التلوث اللُّغوي وما لا يتعارض مع الانفتاح الثقافي الإيجابي، الحد من التوسُّع في التدريس باللُّغات الأجنبية خصوصًا في التعليم العام، تطوير تدريس اللُّغة العربية في المدارس من خلال مشروعات وطنية ذات مصداقية، وضع إستراتيجية إعلامية تتعلق بالحفاظ على اللُّغة العربية وتقويتها، الحد من توسُّع بعض المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية وغير الحكومية في استخدام العامية في الترويج لخدماتها، قيام وزارة الثقافة بواجبها في هذا الصدد خصوصًا فيما يتعلق بالشباب، استحداث مجمع لغوي في المملكة أسوة بما هو موجود في بعض الدول العربية، الاعتناء بتدريس القرآن الكريم – كمًّا وكيفًا – بطريقة صحيحة مناسبة للمرحلة النمائية للطفل، فهو أعظم رافد لكل فروع تعلُّم اللُّغة العربية والعمليات العقلية المتعلقة بها، ينبغي لوزارة التعليم تخصيص سنة دراسية كاملة لمعلمي اللُّغة العربية بعد تعيينهم ثم يُمنحون بعدها رخصة مزاولة المهنة، الاهتمام بدور الأسرة والأم تحديدًا حيث يُلاحظ تناقص استخدام الجيل الجديد للُّغة العربية بسبب دخول العاملة المنزلية والسائق وهما لا يتحدثان العربية، التأكيد على الجانب التعليمي للُّغة وخصوصًا المعلم والكتاب والطالب.

¤     مقدمة:

لم يبق هناك مَن يُنكِر أن لغتنا العربية مُهدَّدة، ولم يبق مَن يكابر في واقع واضح جلي لا يعز على أحد إدراكه، ولا يصعب تلمُّس مظاهره في أي شكل من أشكال التواصل باللُّغة، وعلى أي مستوى من مستويات هذا التواصل.

ولا شك أن هناك عوامل كيرة أدت إلى ضعف لغتنا العربية، بعض من هذه العوامل جاء نتاجًا للمدنية والحداثة، والبعض الآخر نتيجة للتأثير الخارجي المتعمد الهادف إلى تفتتت الثقافات والهويات الوطنية فاسحًا المجال لظهور هوية عالمية، فضلًا عن غياب دور البيت والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام في حماية اللُّغة العربية وتنمية الحس الوطني بلغة القرآن الكريم وحمايتها من المهددات التي تنازعها. بالإضافة إلى اللهجات العامية التي تعدُّ من أهم مهددات اللُّغة الفصحى، وكذلك المناخ العام في البيت والمدرسة والعمل والشارع الذي يخرج هجينًا من اللُّغات واللهجات التي تهدِّد اللُّغة الأم في عقر دارها.

كما أن الدافعية نحو تعلُّم اللُّغة العربية في عصر ”العولمة” تراجعت أمام متطلبات السوق ومساقات التدريس في الجامعات التي لم تعد العربية فيها هي اللُّغة الأساسية، بل تجد منافسةً من اللُّغات الأجنبية في الجامعات العربية نفسها.

لذا تُعد قضية “مُهددات اللُّغة العربية والسُّبل المُقتَرَحة لمواجهتها” من القضايا المهمة التي طرحها ملتقى أسبار من خلال ورقة العمل التي قدَّمها د. راشد العبد الكريم، وجرت حولها العديد من المداخلات ناقشت: (تفوُّق طالبات الطب في اللُّغة العربية، الآثار السلبية للثنائية اللُّغوية، المعاجم اللُّغوية العربية، اللُّغات الهجينة والترجمات الحرفية، إشكالية فَهْم اللُّغة العربية في واقعنا الحالي، أسباب ضعف اللُّغة العربية، ارتباط اللُّغة الإنجليزية بالتفكير في مقابل العربية، حسن التعبير باللُّغة، ترتيب لغات العالم بحسب الأهمية وأسبابه، عوامل ازدهار اللُّغة، اللُّغة وسيلة أم غاية؟ اللُّغة العربية بين التذوق الأدبي وانعدام الحس الجمالي، جماليات اللُّغة العربية، دور النشر واستخدام التحريف والتزوير، تنمية اللُّغة لدى الأجيال، أسباب عدم فهمنا للُّغة العربية، اللُّغة والاقتصاد الحديث). وفي النهاية طرح الملتقى عددًا من التوصيات المهمة. وفيما يلي نصُّ الورقة التي كتبها الدكتور راشد العبد الكريم، وعقَّبت عليها الدكتورة زينب الخضير، والدكتورة حسناء القنيعير.

كتب د. راشد العبد الكريم: من الأمور المُسلَّمة أن لغة أي أمة هي وعاء ثقافتها، وهي مفتاح رئيس لنهضتها وسيادتها؛ ولذلك تحرص الأمم القوية ذات اللُّغات الحية، التي تمتلك قرارها، على نشر لغاتها والحفاظ عليها وتعزيز مكانتها. كما أن اللُّغة ذات علاقة مباشرة بالتفكير _ كما تقول النظرية البنائية في التعلُّم _ بل إن بينهما علاقةً وطيدة، فضعف لغة الطالب يؤثِّر في عمق تفكيره.

وتعاني اللُّغة العربية من ضعف شديد، أسهمت فيه أسباب مختلفة؛ سياسية وثقافية وحضارية. فالانهزام العسكري والسياسي والثقافي أثَّر سلبًا في اللُّغة العربية. كما أثرَّ فيها أيضًا الضعف الفكري الذي أصاب المتحدثين بها.

ولا شك أن بنية اللُّغة العربية من حيث صعوبة تعلُّمها له دور في هذا الضعف، لكن هذه الصعوبة لم تكن العامل الرئيس، فنحن نعلم أن هناك لغاتٍ لا تقلُّ عن العربية صعوبةً (مثل: الفرنسية، واليابانية، وغيرهما) لكنها لم تعانِ ما تعانيه اللُّغة العربية في هذا العصر. كما أن صعوبة اللُّغة العربية ذاتها لم تكن عائقًا أمام تعلُّمها وانتشارها في وقت قوة متحدثيها العلمية والإبداعية والحضارية.

ولن يكون الحديث هنا عن تفصيل أسباب الضعف أو تقويم واقع اللُّغة العربية، فأعتقدُ أنه ليس مما يُختلَف عليه أو يصعب تقريره، فهو في حكم المُسلَّم به. ومن صور هذا الضعف:

-نُدرة الحديث بها في الأماكن العامة والإعلام، وتناقص استخدامها في المؤسسات المالية والعلمية وبعض المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية.

-ضعف استخدامها وتوظيفها في وسائل الإعلام، وضعف الإنتاج العلمي الرصين بها.

وأودُّ أن أبيِّن بدايةً ما أقصدُه بـ (اللُّغة العربية)، فأنا أقصدُ اللُّغة العربية “الصحيحة” التي تشمل – ولا تقتصر على _ (اللُّغة العربية الفصيحة) التي عادة يكون تداولها في المستوى الرسمي والتربوي والفكري وعلى مستوى فعاليات النُّخب والمثقفين خصوصًا على المستوى الكتَّاب، و(اللُّغة المحكية) ذات الأصول العربية من حيث الجملة، والتي تُتداول فيما سوى ذلك.

ويمكن إجمال المهددات التي تحيط باللُّغة العربية في مهددين أساسيين، هما:

1. اللُّغة الأجنبية، وخاصة الإنجليزية. وهذا المُهدِّد تشترك اللُّغات الأخرى مع اللُّغة العربية فيه، وهو مهدد قوي بفعل العولمة وما أفرزته من تمازج وتدافع ثقافي، مع تغول للُّغة الإنجليزية أوجبته اعتبارات شتى.

2. اللهجة العامية. وهي من حيث الأصل أمر طبيعي في جميع اللُّغات، وإذا تُعومل معها بطبيعية وبقيت في سياقها الطبيعي فإنها لا تكون مهدِّدًا خطيرًا. إنما يزداد خطرها إذا أقيم منها صيغة منافسة أو بديلة للُّغة العربية، وليست موازية لها بشكل طبيعي.

وغالبًا ما يتمازج هذان المُهدِّدان لِيُشكِّلا مُهدِّدًا ساحقًا للُّغة على مستوى الألفاظ وعلى مستوى الدلالة، والخطاب بشكل عام، بما يؤثِّر على مستوى الفكر. فإنه من الثابت علميًّا أن رُقِيَّ اللُّغة وصفاءها يُنتِج فكرًا مشابهًا، والعكس صحيح؛ ولذلك – كما أشار الزيَّات صاحب “الرسالة” – هناك تلازم بين علو اللُّغة وعلو الفكر في كل حقبة من الزمن. وقد يشهد لهذا ما نعانيه في عصرنا الحاضر في ثقافتنا العربية.

إن الاهتمام باللُّغة العربية، بالإضافة إلى مردوده الإيجابي على اللُّغة وتعزيز مكانتها، يمكن أن يفتح فرصًا كثيرة للعمل. فمن المعروف أن (تعلُّم الإنجليزية) يمثِّل جزءًا مهمًّا من الفرص الوظيفية في كثير من الدول. اللُّغة العربية لم تُستثمر في سوق العمل، ويتمثل ذلك في الآتي:

– معاهد لتعليمها للمقيمين والوافدين من الخارج.

– مؤسسات لإنتاج اختباراتها وتطبيقها.

– مراكز للتحرير والتصحيح اللُّغوي.

– مراكز الترجمة العلمية والتجارية والسياحية.

– مؤسسات لإنتاج المواد التعليمية.

– مؤسسات لإنتاج المصادر اللُّغوية (المعاجم ونحوها).

فالصناعة اللُّغوية – فيما يتعلق باللُّغة العربية – لم تُستثمَر كما ينبغي. وأعتقدُ أنه لو وُضع هذا على شكل مشروع يتولاه متخصصون لأمكن توليد عدد كبير ومتنامٍ من الوظائف.

كما أن الاهتمام باللُّغة العربية ونشرها من المملكة العربية السعودية يُعدُّ وجهًا من أوجه القوة السياسية والثقافية الناعمة التي لمَّا تُستثمَر بعدُ. فالاحتفاء باللُّغة العربية ونشر تعلُّمها واستقطاب متعلميها قناة تأثير ثقافي تحتاجها “الثقافة السعودية”، خصوصًا في هذا العصر الذي فيه (تكسرت النِّصال على النِّصال)، وكشح كل ذي عداوة لنا بعداوته، ورمتنا العرب والعجم، أو كادوا، عن قوس واحدة.

نحتاج لتقوية اللُّغة العربية إلى أمور:

1. إعادة الثقة في اللُّغة العربية، ويكون ذلك ببيان أنها لغة تمتلك من مقومات البقاء والنمو والفعالية ما لا يتوفر في كثير من اللُّغات.

2. بثُّ روح الاعتزاز باللُّغة بوصفها روحَ الثقافة ومكونًا أساسًا من مكونات الوطنية.

3. سنُّ التشريعات اللازمة للحفاظ عليها بما يحدُّ من التلوث اللُّغوي وما لا يتعارض مع الانفتاح الثقافي الإيجابي. ويشمل ذلك الحدَّ من “ترسيم” اللهجة العامية.

4. الحد من التوسُّع في التدريس باللُّغات الأجنبية خصوصًا في التعليم العام (والذي أراه جريمةً وطنية).

5. تطوير تدريس اللُّغة العربية في المدارس من خلال مشروعات وطنية ذات مصداقية. (وأؤكد – بوصفي متخصصًا في تدريس اللُّغة الإنجليزية – أنه لو بُذل في تدريس العربية ما يُبذل في تدريس الإنجليزية في مدارسنا من جهد ومال؛ لكان وضع العربية أفضل بمراحل مما هي عليه الآن).

6. وَضْع إستراتيجية إعلامية تتعلق بالحفاظ على اللُّغة العربية وتقويتها.

7. الحد من توسُّع بعض المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية وغير الحكومية في استخدام العامية في ترويجها لخدماتها.

8. قيام وزارة الثقافة بواجبها في هذا الصدد خصوصًا فيما يتعلق بالشباب. ولا ننس أن خدمة اللُّغة العربية هي في النهاية خدمة لكتاب الله ولسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم.

وعقَّبت د. زينب الخضير: منذ أن تشكَّل أول المجتمعات والتجمعات البشرية، كانت اللُّغة هي رمز الهوية، وهي البوابة لمعرفة هوية الشعوب، وتعرُّف ثقافاتهم وعاداتهم، فالتواصل بين البشر لا يتم إلا من خلال اللُّغة، فهي عند الإمام ابن جني: “أصواتٌ يعبِّر بها كلُّ قوم عن أغراضهم”. وهي وسيلةُ لإدراك العالم وتصنيف المُجتمعات، ونظرًا إلى أهميتها وشموليتها فهي مسؤوليةُ كلِّ الجِهات التي تكوِّن عناصر المجتمع؛ لأنها هي الوسيلة الفضلى للتعبير عن كل ما يختلج داخل الإنسان من مشاعر واحتياجات، كذلك هي تعبِّر عن طريقة تفكير الشعوب، وهي تكشفُ بوضوحٍ ثقافة وهوية الشعوب باختلاف زوايا النَّظر إلى اللُّغة؛ لذلك هي منظومة من مبادئ وأسس وطريقة حياة وتفكير، فهي كُلٌّ مكتمل يؤثر ويتأثر. وقد تناول د. راشد العبد الكريم مشكلات اللُّغة العربية من حيث ضعف اللُّغة العربية، والمهددات التي تحيط بها, فالإنسان بداخلة لغة وهوية متمثلة في فكره وانتمائه، وهما جوهره. فاللُّغة تعجز عن الدفاع عن نفسها لأنها ليست مستقلة، فهي مرتبطة بالواقع السياسي والاقتصادي والثقافي، فكلما قوي الواقع الاقتصادي والثقافي قويت اللُّغة؛ لذلك كان لا بد من بحث التحديات التي تواجه اللُّغة حتى نستطيع التوصل إلى حلول واقعية. وسوف أوجز بعض التحديات، وذلك على النحو التالي:

-الاغتراب الثقافي والفكري بين اللُّغة وأبنائها، فنحن نعيش في مرحلة الاستلاب الثقافي، وهو نظرتنا للغة والإحساس بأنها عاجزة ودونية أمام اللُّغات الأخرى، فالمجتمع يعاني من أزمة الهوية والهوية اللُّغوية.

-لغة التواصل اليومية، وانتشار العامية.

-تحدي العولمة: تسعى العولمة إلى الهيمنة والاحتكار لنمط عالمي واحد، مستغلةً قوة العلم وانتشار التكنولوجيا؛ لذلك أصبحت اللُّغة والهوية بين فكي تسلُّط الثقافة الكونية مقابل الهوية واللُّغة المحليتين. فالهوية واللُّغة تواجه طوفانَ جدل التغيير من هيمنة النظام العالمي، الذي يرفض صياغة عالم متعدد الثقافات ويسعى لفرض اللُّغة الأقوى بحكم قوة الفعل الاقتصادي العلمي والتقني؛ لذلك نحتاج إلى تعزيز هويتنا ولغتنا لتتماشى مع الحراك الكوني، ولنجعلها تتحرك كالند، تملؤنا قناعة جدوى لغتنا وهويتنا، ولنجعلها تتفاعل بإيجابية وانسجام مع كل التغييرات والتحولات التي فرضتها العولمة على مجتمعاتنا.

-التحدي التقني: بمعنى التطوُّر التكنولوجي الكبير والسريع؛ فاللُّغات المستعملة في شبكة المعلومات (النت) والمهيمنة عليها هي اللُّغة الإنجليزية والفرنسية، أما اللُّغة العربية فمحتواها ضعيف، وقليل جدًّا أن نجد برامج أو تطبيقات باللُّغة العربية.

والسؤال المطروح: كيف يمكن للفرد المحافظة على هويته عبر اللُّغة؟ وأرى أن ذلك لا يكون إلا من خلال اللُّغة التي تفضي إلى تعزيز حضور منظومات القيم الفكرية والثقافية والاجتماعية التي تكفل لنا الانتقالَ إلى المجتمع المدني المعتز بثقافته وهويته ولغته.

لذلك كان لا بد من العمل على الآتي:

-لا بد من أن نفكر في اللُّغة بوصفها قضية سيادة، والبحث في مستقبل اللُّغة وسط هذه التحولات والتغيرات.

-التخطيط اللُّغوي ووضع إستراتيجيات وإثراء شبكة الإنترنت.

-الحفاظ على التراث العربي واللُّغوي لن يكون إلا باستيعاب التقنيات الحديثة والاستفادة منها، وتطوير كلِّ ما يسهم في الترويج للغة والهوية في الفضاء الكوني، وإثراء المحتوى الرقمي العربي.

-الأخذ بأسباب التقدُّم العلمي والتقني ومحاولة اللحاق بالركب؛ لأن هذا وحده ما سيجعل مجتمعاتنا تفكُّ عقدة الاستلاب والتبعية، وبالتالي ستستعيد لغتنا وثقافتنا مكانهما المرموق بين الشعوب.

-تفعيل دور مجامع اللُّغة العربية، ويكون لدينا مثل جمعية حماية اللُّغة العربية في الشارقة.

-الانفتاح على الفكر اللُّغوي الحديث، وهو ما ينادي له د. فيصل الحفيان.

-إعادة النظر في تدريس مادة اللُّغة العربية، فالحالي لايتناسب مع لغة العصر.

-الإعلام ودورة في تصحيح مسار اللُّغة، فلا بد من إصدار تشريعات قانونية لحماية اللُّغة العربية، وكذلك عمل برامج تأهيلية للمذيعات والمذيعين ومنع استخدام المفردات العامية.

-تعريب العلوم بطريقة تجعلها قادرةً على نقل المعارف والمستجدات.

كما عقَّبت د. حسناء القنيعير: مما ينبغي الوقوف عنده فيما طرحه أ. د. راشد العبد الكريم عدة نقاط، منها:

-قوله: اللهجة العامية، وهي من حيث الأصل أمرٌ طبيعي في جميع اللُّغات، وإذا تُعومِل معها بطبيعية وبقيت في سياقها الطبيعي، فإنها لا تكون مُهدِّدًا خطيرًا. إنما يزداد خطرها إذا أُقيم منها صيغة منافسة أو بديلة للُّغة العربية، وليست موازيةً لها بشكل طبيعي.

فيما يخصُّ الجزء الأول، أقول: إنّ اللهجات العربية وُجِدت إلى جانب اللُّغة العربية الفصحى طوال عصورها تبعًا لاختلاف القبائل وظروفها الاجتماعية، ومن الدلائل على وجود اللهجات إلى جانب الفصحى ما ورد عن الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ من كلام عند لقائه الوفود العربية التي قدِمت لإعلان إسلامها، كذلك ما كتبه للملوك وزعماء العشائر العربية في الدعوة إلى الإسلام. بل إنَّ من أقوى الأسانيد في هذا الصدد القراءات القرآنية التي أُبيح للعرب القراءة بها تيسيرًا عليهم؛ بسبب اختلاف لهجات القبائل. وقد ورد في الحديث ما معناه: ” أُنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ، فاقرؤوا ما تيسر منه”.

وفي العامية كثير من الأساليب والكلمات التي نعدُّها الآنَ عامية، وبعضها يرجع إلى الفصحى، لكن لأنَّ الكلمة أو الأسلوب تدَّنى مستواه فلم يَعد مستخدمًا في الخطاب الفصيح قبع في حيز العامية، ففي كثير من البلاد العربية مادة لغوية عامية أصولها فصيحة. وفي بلادنا كثير من الألفاظ العامية ذات أصل فصيح، بل إنَّ كثيرًا من قواعدها وصرفها وأساليبها أصله من العربية الفصحى.

وكما تفضَّل د. راشد فإنَّ خطر العامية يتمثل عندما تُقام لها فعاليات رسمية على غرار شاعر المليون، واستخدامها في الإعلام وفي الإعلانات التجارية، وفي أسماء الأسواق والمطاعم، وغير ذلك من التلوث اللُّغوي الذي صار قاعدةً في أيامنا هذه وليس استثناءً، نحو ذلك الإعلان الذي انتشر في شوارعنا منذ يومين – على نحو لم تشهده بلادنا من قبلُ- وهو إعلان داود الشريان المغرق في العامية منذ أن كان يقدِّم برنامج الثامنة، وصيغة الإعلان بالعامية النجدية: (ما حنا بساكتين) عجبًا لهذا! وليس أسوأ من سكوته سكوت مَن لديه صلاحية إيقاف هذا العبث الذي كُتب عنه أيضًا عددٌ من المقالات لكن لا حياة لمِن تنادي. مما يؤلم أنَّ العربية الفصحى تُدَكُّ حرماتُها في موئل الوحي، وفي موطن الشعر العربي، منذ زمن شعر المعلقات حتى زمن شعر محمد الثبيتي وجاسم الصحيح.

-قوله: اللُّغة الأجنبية، وخاصة الإنجليزية. وهذا المهدِّد تشترك اللُّغات الأخرى مع اللُّغة العربية فيه، وهو مُهدِّد قوي بفعل العولمة وما أفرزته من تمازج وتدافع ثقافي، مع تغوُّل للُّغة الإنجليزية أوجبته اعتبارات شتى.

أما فيما يخصُّ التمازج والتدافع الثقافي، فقد دخل اللُّغةَ العربية كثيرٌ من الألفاظ الأجنبية منذ عصورها الأولى، وكان هذا مصدر إثراء لها، وهو سنة من سنن الكون، فالتلاقح اللُّغوي بين اللُّغات في كل العصور أمرٌ طبيعي، والنقاء اللُّغوي أمرٌ نادر، فقد كان العرب في جاهليتهم على اتصال بالأمم المجاورة لهم، كالفرس والأحباش والروم والسريان والنبط وغيرهم، ونتج عن هذا الاتصال (لا سيما في رحلات الشتاء والصيف حيث التبادل التجاري، وفي مواسم الحج) تبادلٌ لغويٌّ في الكلمات، وهذا أمر طبيعي لأنه من المتعذر أن تظلَّ لغ‍ة بمأمن من كل تأثير، فاللُّغ‍ات يقترض بعضها من بعض لسدِّ الفراغات المعجمية في رصيدها اللُّغوي. وقد جرت على ألسنة العرب بعض الألفاظ التي احتاجوا إليها بعد أن نفخوا فيها من روحهم العربية، فتلقفها الشعراء والأدباء وأدخلوها في أشعارهم وكتابتهم حتى صارت جزءًا من الكلمات المتداولة، وربما نسوا أصلها. وكانوا يأتون بالسلع التي تحمل أسماءً أجنبية لا معرفة للعرب بها، فتقبَّلوها ودخلت في الذخيرة اللُّغوية العربية قبل أن يعرفوا المعاجم، ولما جاء القرآن احتواها واستخدمها في خطابه، مثل: المشكاة، والزرابي، والسندس، والإستبرق، وأكواب، وأباريق، وزنجبيل، وقميص، كلها من الإغريقية.

فمن كان يظنُّ أن كلمة الصراط التي استخدمها القرآن للدلالة على ذلك الطريق بين الجنة والنار (الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه) غير عربية! وإنما هي من الإغريقية القديمة (ستراتا)، وفي اللاتينية: Strata. ولعلَّها أصل كلمة:Street في الإنجليزية المعاصرة، فأصبحت كلمة صراط معرَّبة على وزن من أوزان العربية وهو(فِعَال).

وذكر د. راشد أن من الأمور المُسلَّمة أن لغة أي أمة هي وعاء ثقافتها، وهي مفتاح رئيس لنهضتها وسيادتها. وهذا صحيح، فلقد نمت اللُّغة العربية نماءً واسعًا إبان قوة الدولة العربية الأموية فالعباسية، وقد كثرت العلوم العربية جمعًا وتأليفًا، كما اتسعت حركة التعريب وترجمة العلوم كالطب كالكيمياء والفلك من الأمم المختلفة، إذ بدأت في العصر الأموي على يد خالد بن يزيد، ثم ازدهرت في العصر العباسي ولا سيما في عهد المأمون من خلال بيت الحكمة الذي استقطب له المترجمين، فدخل اللُّغة العربية كثيرٌ من المصطلحات العلمية والألفاظ المعربة، وبهذا العمل امتزجت الثقافة المترجمة بالثقافة الأصلية، ورفدتها بعناصرَ جديدةٍ كان لها أثر في تنوُّع الثقافة العامة والعلوم وغيرهما.

مما سبق يتبين أنه ليس ثمة خطرٌ من اللُّغات الأجنبية وتعريب الألفاظ ودخولها في الذخيرة اللُّغوية العربية، بل الخطر يكمن في زعزعة نظام اللُّغة العربية النحوي والصرفي وتشويهه، بإحلال غيره محله؛ كأن تُستخدم الأفعال الأجنبية بدلًا من الأفعال العربية، مثل قولهم: سيِّف الرقمَ بدلًا من احفظه، وبلكه وبلكني، أو استخدام نظام الجمل الأجنبية وتراكيبها بدلًا من نظام الجملة العربية.

والأشدُّ خطورةً هو كتابة اللُّغة العربية بحروف لاتينية، وهو ما يمثِّل انهيارًا جديدًا للغة العربية، كما نرى في وسائل التواصل الاجتماعي، ومثل ذلك استخدام كلمات هجينة من العربية والإنجليزية الذي بات يعرف بالعربيزي، وذلك في أغلب كتابات الشباب عبر المواقع الاجتماعية، والشريط المتحرك أسفل شاشات الفضائيات.

-قوله: ولا شك أن بنية اللُّغة العربية من حيث صعوبة تعلُّمها له دور في هذا الضعف.

لا شكَّ أنه توجد صعوبة في اللُّغة العربية، لكن هذه الصعوبة لم تمنع من تعلُّمها والإبداع فيها، ولعلَّنا جميعًا نعرف كم هو قوي مستوى طلاب العلوم الشرعية في اللُّغة العربية، فمكمن الخلل يأتي من ضعف المعلمين وعدم قدرتهم على تدريسها كما يجب، فمعظمهم طلاب ضعاف لم يحصلوا على معدلات عالية في الثانوية تؤهلهم للالتحاق بالكليات العلمية، فيُلحَقون بأقسام الدراسات الإنسانية ومنها اللُّغة العربية، ثم يتخرجون ضِعافًا ويُعيَّنون معلمين ومعلماتٍ في المدارس، فكيف لمعلم ضعيف أن ينجح في تدريسه؟ ففاقد الشيء لا يعطيه. أضف إلى هؤلاء طلاب كليات المعلمين التي لا يقل بؤسها التعليمي عن الكليات الأخرى.

يُضاف إلى ضعف المعلم ضعف المناهج الدراسية التي بقيت عصيةً على التطوير، فكل البرامج التي استُحدثت لتطويرها لم تحقِّق شيئًا يُذكر؛ لأن مَن يتولَّون هذه البرامج ليسوا من ذوي المهارات بل من الأصدقاء والأقارب؛ ولهذا فشل كل ذلك على الرغم من المبالغ الطائلة التي رُصدت له.

لقد مرَّ زمنٌ كان يُقال فيه: يجب أن يكون كل المدرسين في التعليم العام والعالي يتقنون الحديث بالعربية الفصحى الخالية من اللحن ومن الأخطاء الكتابية نحوًا وإملاءً، ثم ضيقوا الدائرة فقُصِرَ الأمرُ على أساتذة اللُّغة العربية ولا سيما في التعليم العالي، حتى وصلنا إلى زمننا هذا الذي صار فيه أستاذ الأدب عندما يلحن أو يتحدث بالعامية يقول: أنا لستُ متخصِّصًا في علم اللُّغة أو النحو والصرف. وقد أصبحتِ العامية في كلِّ كليات الجامعة وأقسامها هي الشائعة، فعندما نحضر مناقشات رسائل علمية أو محاضرات أو ندوات، أو نمرُّ بقاعات المحاضرات، نسمع عاميةً يندى لها الجبين، وحتى لا أظلم الجميعَ، هناك مَن يحاول أن يتكلم بالفصحى لكنها فصحى يشوبها كثيرٌ من اللحن ناهيك عن الأخطاء الإملائية التي نراها على السبورات في بعض القاعات. بات أكثر هؤلاء لا يخجلون من هذه الأخطاء بحجة أنهم ليسوا من ذوي الاختصاص، فالشق بات أكبر من الرقعة. عندما نطالب بالحديث بالفصحى فنحن نطالب بالحد الأدنى منها.

-قوله: كما أن الاهتمام باللُّغة العربية ونشرها من المملكة العربية السعودية يُعدُّ وجهًا من أوجه القوة السياسية والثقافية الناعمة التي لمَّا تُستثمر بعدُ.

وهذا صحيح، لكننا للأسف ليس لدينا من مناحي الاهتمام سوى ذلك اليوم العالمي للغة العربية الذي تُقام فيه فعاليات، تُطوى ذكراها للعام الذي يليه أو مجرد كلمات عاطفية وشعارات لا تُسمن ولا تُغني من جوع، وترديد لقصيدة حافظ إبراهيم “أنا البحر في أحشائه الدُّرُّ كامن”. ومما يؤسف له أنه ليس في بلادنا مجمع للغة العربية يليق بمكانتها عربيًّا وإسلاميًّا على الرغم من وجوده في عدد من الدول العربية كمصر منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وكذلك سوريا والعراق والأردن والجزائر والإمارات العربية المتحدة. وكان قد أثير هذا الأمر منذ ست سنوات تقريبًا، وشُكِّلت له لجنة من المتخصصين لإعداد تصوُّر له وكنتُ من ضمنها، لكن المشروع مات في مهده.

-قوله: الحد من التوسع في التدريس باللُّغات الأجنبية خصوصًا في التعليم العام، والذي أراه جريمةً وطنية.

أقول: إنَّ اللُّغة الإنجليزية لم تكن عائقًا يعيق تعلُّم الفصحى، ولم تكن سببًا من أسباب ضعف طلابنا في لغتهم الأم، فكثيرٌ منهم ممَّن درس الإنجليزية منذ الروضة، وتلقى تعليمًا صحيحًا للغة العربية، أجاد اللُّغتين، وقد درَّستُ عددًا كبيرًا من طالبات كلية اللُّغات والترجمة وكليتي الطب والصيدلة موادَّ الإعداد العام، فوجدتهن متفوقاتٍ في اللُّغة العربية على نحو أفضل بمراحل من طالبات قسم اللُّغة العربية اللاتي تخرَّج معظمهن من التعليم العام حيث لا لغة إنجليزية، وتدريس اللُّغة العربية على النحو الذي نعلمه جميعًا.

ختامًا؛ فيما يتعلق بأن من صور هذا الضعف: ندرة الحديث بها في الأماكن العامة والإعلام، وتناقص استخدامها في المؤسسات المالية والعلمية وبعض المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية. وكذلك ضعف استخدامها وتوظيفها في وسائل الإعلام، وضعف الإنتاج العلمي الرصين بها.. وأن من آليات وأساليب تقويتها: الحدُّ من توسُّع بعض المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية وغير الحكومية في استخدام العامية في ترويجها لخدماتها.

أرى الحديث عن هذا الأمر موجعًا؛ لأنه استفحل في معظم المؤسسات، وصار مَن يطالب بإعادة تعديل المسار كمن يفكر خارج الصندوق، أو يغرِّد خارج السرب الذي استكان للوضع. الإعلام كارثة من الكوارث المستعصية على أي علاج، إنه إعلام الزمن الرديء، زمن هواة الإعلام، فلا ثقافة ولا تأهيل إعلامي، ولا محتوى جيد.

¤     المداخلات:

  • ·تفوُّق طالبات الطب في اللُّغة العربية:

تساءل د. خالد الرديعان: ما السرُّ في تفوق طالبات الطب والصيدلة في مواد اللُّغة العربية؟ هل جِدِّيَّتهن في تخصصاتهن العلمية سبب آخر لجديتهن في اللُّغة العربية؟ عقَّبت د. حسناء القنيعير بأن هذا صحيح، فهن أكثر جِدِّيَّةً ومتفوقات، وهذا ينعكس على مدى استيعابهن للغة وقدرتهن على الإبداع فيها. بل إنه نظرًا لتدني مفردات المقرر الذي هو متطلب عام لجميع الكليات كثيرًا ما يشعرن بالملل من تدريسهن قضايا يعرفنها مسبقًا؛ لذلك نعمل على تكثيف ما نقدِّمه لهن، وهو خلاف ما يحدث مع طالبات الكليات الإنسانية خصوصًا اللُّغة العربية والتاريخ والجغرافيا والاجتماع والتربية. ويرى د. خالد الرديعان أن طالبات الصيدلة والطب ربما ينظرن للغة العربية من زاوية تطبيقية كتخصصاتهن تمامًا، ومن ثَمَّ يبدعن بها وليس بالضرورة “تذوقًا”.

  • ·الآثار السلبية للثنائية اللُّغوية:

كما تساءل أيضًا د. خالد الرديعان: كيف نحدُّ من الأثر السلبي للثنائية اللُّغوية (فصحى مقابل عامية)، مع ملاحظة أن المشكلة موجودة في جميع الدول العربية؟

علَّق د. راشد العبد الكريم؛ بالنسبة لسؤال الثنائية، أعتقدُ أن تجويد تعليم العربية والحد من الاستخدام الرسمي للعامية سيقلِّص الفجوةَ بدرجة كبيرة، ويقلُّ خطر العامية على الفصحى.

أضاف د. خالد الرديعان، لكن التعليم والمكاتبات الرسمية والمادة الإعلامية تتم بالفصحى، فأين المشكلة؟ أجاب د. راشد العبد الكريم بأن الفجوة الكبيرة الآنَ في اللُّغة العربية بينها وبين العامية فوق المستوى الطبيعي، فيما يظهر لي. ومع التوجه لرسمنتها وأعلمتها (إدخالها في الإعلام) قد يتطور بها لتكون لغة فرعية.

من جانبه يعتقد م. أسامة الكردي أن المُدرِّس ثم المُدرس ثم المدرس (أو المُدرِّسة) هي أو هو العنصر الأساسي في تعليم اللُّغة العربية واستخدامها، وإعداد المدرسين خطوة أولى جذرية في التعامل مع مُهدِّدات اللُّغة العربية، من المقررات التي أثرت فيَّ كثيرًا في دراستي الجامعية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن كان مقرر كتابة التقارير الهندسية باللُّغة العربية.

  • ·المعاجم اللُّغوية العربية:

يرى د. خالد الرديعان أن هناك ظاهرةً قد يشاركني البعض فيها، وهي غياب “ثقافة القاموس العربي” وعدم استخدامه من قِبل الجميع تقريبًا؛ في حين أن أي أمريكي أو بريطاني وغيرهم من الأنجلو سكسون لا تخلو مكتباتهم أو بيوتهم من قاموس إنجليزي _ إنجليزي يرجعون إليه بصورة مستمرة، لعل أشهرها قاموس ويبستر. هؤلاء القوم يستخدمون قواميسهم بكثافة.

في الجانب الآخر، فإن القاموس العربي المبسط نادر الاستخدام حتى في المكتبات التجارية، وقلَّ أن رأيت طالبًا جامعيًّا أو موظفًا حكوميًّا أو سكرتيرًا ممَّن يحررون النصوص بشكل يومي يحمل أو يستخدم قاموس عربي-عربي. هذه الظاهرة تلفت الانتباه.

يرى أيضًا د. راشد العبد الكريم أن المعجم العربي مأساة مستقلة. أضاف د. خالد الرديعان؛ على سبيل المثال: كم واحدًا منَّا يعرف معنى كلمة “الصمد” أو “باخع” وهي كلمات قرآنية نقرأها دائمًا؟ لذلك يعتقد د. راشد العبد الكريم أن هذا جزء من الضعف اللُّغوي.

كما أن المعاجم اللُّغوية صناعة، وهي من روافد القوة الناعمة وترويج الثقافة من خلال المصطلحات. ولذلك – بالإضافة إلى أشياء أخرى – فيما يبدو، اهتم بها نصارى لبنان.

وتساءل م. أسامة الكردي: هل يمكن اعتبار المعجم أو القاموس إحدى وسائل مقاومة مُهدِّدات اللُّغة العربية؟ وكيف؟ أجاب د. راشد العبد الكريم بأن المعاجم المتطورة تسهل اللُّغة وتقرِّب المفردات، وتساعد في تطوير اللُّغة من جهة إحياء الألفاظ المهجورة التي تتجدد الحاجة لها، واستحداث ألفاظ جديدة للمستجدات تتوافق مع قواعد اللُّغة.

فصناعة المعاجم الحديثة تحقِّق ثلاث غايات: قوة ناعمة، تقوية اللُّغة وتطويرها، وإيجاد فرص عمل.

أضافت د. عائشة الأحمدي أن ذلك صحيح، فالمعاجم اللُّغوية تثري المعجم اللُّغوي للأفراد، وتسهِّل فهم المدلولات اللُّغوية للمفردة، بل وأحيانًا كثيرة تُساعد في وضع المدلولات المختلفة للمفردة تجنُّبًا للاستهلاك في الكتابات الراقية.

  • ·اللُّغات الهجينة والترجمات الحرفية:

أشار د. حميد الشايجي إلى أن د. حسناء ذكرت إشكالية عدم استخدام المدرسين وأعضاء هيئة التدريس للغة العربية الفصحى مما يُضعف اللُّغة العربية، وهذه مشكلة في حد ذاتها. والإشكالية الأخرى هي الكلمات الهجينة الدخيلة على اللُّغة العربية التي ابتُلينا فيها في المناهج التعليمية الجامعية، ففي تخصص علم الاجتماع _ على سبيل المثال _ ترد الكلمات التالية:

– الدراسات الإمبريقية.

– والتحليل السوسيولوجي.

– وعلم اجتماع الفينومينولوجيا.

– والفانتازيا وغيرها من الكلمات الإنجليزية التي كُتِبت بلغة عربية.

كما أن هناك الترجمات الحرفية التي لها مقابل آخر باللُّغة العربية، مثل مصطلح الأسرة الذي يُترجم إلى family، والمشكلة أنه لا يوجد له تفريعات باللُّغة الإنجليزية.

ولذلك عندما أرادوا التفريق بين الأسرة الصغيرة والكبيرة استخدموا مصطلح Nuclear family وExtended family، وتُرجم ذلك بالأسرة النووية والأسرة الممتدة. بينما اللُّغة العربية غنية، فهناك الأسرة لتعبر عن الأب والأم والأبناء. والعائلة لتعبِّر عن الجدين والوالدين والأبناء وزوجاتهم والأحفاد، أي أن مصطلح العائلة يقابل ما يُعرف بالأسرة الممتدة.

أي أننا لسنا بحاجة لاستخدام الأسرة الممتدة والأسرة النووية؛ نظرًا لوجود بديل لهما، وهما الأسرة والعائلة.

  • ·إشكالية فهم اللُّغة العربية في واقعنا الحالي:

ذكر د. محمد الملحم؛ أودُّ أولًا أن أوضِّح تأييدي لمبدأ عدم مزاحمة كلٍّ من العامية (الفصيحة)، وكذلك الإنجليزية للُّغة العربية (في عمومها لا في فصاحتها الموغلة).

ونكاد نتفق على هذين المبدأين فيما أرى. أقصدُ عدم تأثير كلٍّ من العامية والإنجليزية على العربية؛ لذا فإن ما أودُّ أن يتوجه النقاش إليه هو تردي فهم اللُّغة العربية comprehensionوهو نتيجة طبيعية لعدة مشكلات، ألخِّصها في الآتي:

الأول: هو ضعف القراءة لدى الشباب، وما يوجد من إحصاءات حاليًّا يعكس قراءة الروايات (وليت شعري ما مستوى بلاغتها؟)، والتقارير الصحافية (خاصة الرياضية)، وهذه لها خصوصية عند الصحف في التجاوز اللُّغوي بشكل لافت.

الثاني: تردي تدريس مادة المطالعة أو القراءة ليكون هدفها نطق الكلمات والأحرف بالتشكيل الصحيح، وتتوقف هنا (وهو من أهداف الصفوف الأولى الابتدائية) ولا تحفل بمسألة الفهم القرائي حتى في المستويات العليا من التعليم.

الثالث: الإهمال في مادة التعبير وتردي مستويات المتعلمين في الارتجال، وهذا له إسقاطاته المهمة على فهم اللُّغة وتذوقها.

الرابع: مرتزقة النقد الأدبي والشللية التي ترفع أقوامًا وتضع آخرين، فتنتشر في المحافل والمطبوعات نصوصٌ ضعيفة بلاغيًّا فيظن الجيل الجديد أنها مقياس جودة.

الخامس: ضعف المعلمين (عمومًا وفي كل التخصصات) في الفهم القرائي، وهو ما لا يتوقع معه دعمهم لهذه المهارة في موادهم.

قديمًا كان معلم أي مادة (الجغرافيا مثلًا) يقول: افتحوا الكتاب، ويطلب من الطلاب القراءة ويعلِّق ويناقش. وهذا وإن كان لا يفعله كلهم لكنه ممارسة مميزة لا تحلم بها اليوم، وهو منهج حلقات طلب العلم الشرعي حيث يحلل الشيخ النص بما يفتح آفاق المتعلمين وينمي لديهم هذه الملكة.

السادس: غياب مشاريع دعم الفهم القرائي على المستوى الوطني لا للطلاب فقط بل لعامة الناس، فالمكتبات العامة هذا دورها ولا يقتصر على توفير الكتب فقط (أين المكتبات الوطنية؟!).

السابع: توعية الموظفين الحكوميين ورفع كفاءتهم في الفهم القرائي، وأتساءل: كم واحدًا منا لم يمر بمواقف دراماتيكية في سوء تفسير موظف لتعميم ما؟

  • ·أسباب ضعف اللُّغة العربية:

يرى د. راشد العبد الكريم أن الإعلام يعدُّ من الأسباب الرئيسة لضعف اللُّغة في ذاتها، ولضعف الطلاب فيها.

وأضيفُ أن اللُّغة لا يضعفها دخول (كلمات) أجنبية فيها، فما من لغة مهما عَظُمَت إلا وهي تستقبل كلماتٍ أجنبيةً. وأعتقدُ أن الإشكال في أمرين:

1- أن تكون هذه هي القاعدة، أي التوسع في استخدام المفردات الأجنبية دون حاجة ماسة.

2- أن لا تخضع هذه الألفاظ لمقاييس اللُّغة وأوزانها (التعريب)، بحيث مع كثرتها تصبح اللُّغة “رطانة”.

ولو لاحظنا طريقة العوام قديمًا (أجدادنا) في إدخال الألفاظ نجد أنهم كانوا في الغالب يعربونها سليقة.

من جانبه يعتقد د. خالد الرديعان أن د. حسناء أشارت إلى ذلك؛ أي الاقتباس والاستعارة من لغات أخرى، وأن ذلك لا يعيب اللُّغة. وقد ورد في القرآن كلمات ليست من أصول عربية لكنها أصبحت جزءًا من العربية الفصحى مع كثرة تداول استخدامها.

بينما تساءلت د. وفاء طيبة: ماذا عن استخدام كلمات من لغات أخرى، في حين تزخر اللُّغة العربية بنفس المعنى ومرادفاته؟ هل نحتاج إلى ذلك؟ أعتقد أن القرآن استخدمها لهدف قد يكون أن القرآن (للناس كافّة).

أضاف د. راشد العبد الكريم؛ بعض الترجمات فيها ما يضحك، حتى رأيت بعضهم إذا أعجزته عبارة استخدم العامية في ترجمتها. أضاف أيضًا د. خالد الرديعان أن بعض المصطلحات الأجنبية ليس لها مقابل بالعربية بسبب أن هذه المصطلحات وليدة بيئة معينة، وأعطى مثالًا على ذلك cattle comple، مَن يترجم هذا المصطلح سيقول: مركب الماشية، وهذا صحيح حرفيًّا، لكن المصطلح وهو أنثروبولوجي محمَّل ببُعد إيكولوجي غير موجود في بيئتنا، وبالتالي سيحتم ذلك استخدامه بلغته الأصلية للمزيد من الفهم، وهنا تأتي براعة المترجم وخبرته وتخصصه.

وذكر أ. إبراهيم آل سنان؛ فعلًا أصبح المترجمون الملمون للغة العربية نادرين للدرجة التي تجعلهم علاماتٍ بارزةً في الكتب وأهم من المؤلفين المُترجَم لهم، بل في معارض الكتب يُطلب بعض المترجمين بالاسم للغته واختياراته.

كما أن دور النشر أصبحت تتعامل مع الترجمة كتجارة، وتوقِّع مع مكاتب ترجمة، ويكتفون بالسرعة وأن تكون لغة مفهومة فقط.

ومن النوادر أن أحد المترجمين ترجَم روايةً عالمية ونُشرت في دار نشر بدون حقوق. رغم أنها نسخة غير قانونية إلا أن الطلب عليها أكبر من الترجمة لنفس الكتاب لدى دار نشر أخرى تملك حقوقَ النشر القانونية.

ويعتقد أ. محمد الدندني أن اللُّغة كائن حي تضعف وتموت بسبب أهلها، فالتخلف العلمي والأدبي أضعف اللُّغة، ولولا قيمتها الروحية المستمدة من القرآن والدين لكانت في وضع أسوأ مما هي عليه الآن.

وأتساءل: هل يصح تبني كلمات أجنبية _ وبالذات في العلوم والصناعة _ وكتابتها بحروف عربية؟ ألا يوجد كلمات عربية دخلت لغات أجنبية مع أنها لغات حية؟

  • ·ارتباط اللُّغة الإنجليزية بالتفكير في مقابل العربية:

ذكرت د. وفاء طيبة؛ في رأيي الشخصي أن عدم التوازن في تدريس اللُّغة الإنجليزية مع تدريس اللُّغة العربية له دور في انتشار استخدام اللُّغة الإنجليزية وفهمها والتفكير بها بين شباب اليوم.

عقل الإنسان يستطيع تعلُّم عدة لغات في الصغر في آن واحد على أن تكون في بيئات منفصلة وبقوة متساوية.

ما نسمعه الآنَ من كثير من الشباب الذين يستخدمون اللُّغة الإنجليزية في الحديث _ وهم كثر، حتى ممَّن لم يتعلموا في المدارس الأجنبية _ أنها أسهل لهم في التفكير! وهذا يعني أن هذه اللُّغة ارتبطت بالتفكير أكثر من اللُّغة العربية، وهذا معناه أنها هي اللُّغة الأم بالنسبة لهم.

كما أن المشاهَد أنه حتى التقارير الحكومية وبسبب وجود المستشارين الأجانب تُكتب ابتداءً باللُّغة الإنجليزية، أما في القطاع الخاص فلا أعرف، وأغلب الظن أن كتابة التقارير والنقاش يكون باللُّغة الإنجليزية في كثير منها؛ وكل ذلك يسهم في اضمحلال أهمية اللُّغة العربية.

  • ·حسن التعبير باللُّغة:

ذهب د. محمد الملحم إلى أنه عندما يستخدم الكاتب أو المتحدث العلمي أو المهني أيَّ مصطلح من أية لغة أخرى فهذا لا يعيبه، ولا يعيب لغته الأم، مشكلتنا مع مَن لا يجيدُ التعبير بلغته (التغريب)، وكذلك مَن لا يُحسِن التعبير بلغته، ومَن لا يفقه لغته؛ وهذا سبب كثير من الإخفاقات في كل الجوانب الأكاديمية الدراسية أو العلمية أو الإعلامية أو حتى في بيئة العمل.

كثيرًا ما أطرحُ السؤال التالي على أحد الشباب بعد أن أشرح له مسألة فيزيائية صعبة استعصت عليه (أتحدث عن طالب مجتهد): هل شرحتُ لك فيزياء؟ أم حلَّلْت السؤال لغويًّا حتى فقهت مسار الحل؟

علق د. خالد الرديعان بأن البعض قد يقلل من أهمية اللُّغة ويراها فقط وسيلة لتوصيل المعلومة، بل إن البعض يقول لك: لا تعقِّدها.

  • ·ترتيب لغات العالم بحسب الأهمية وأسبابه:

ذكر د. رياض نجم؛ قبل أن أعلِّق على مدى التزامنا باللُّغة العربية في تعاملاتنا على المستويين المهني والشخصي، دعونا ننظر لأهم اللُّغات في العالم وأسباب هذه الأهمية. معظم الدراسات صنَّفت ترتيب لغات العالم بحسب الأهمية كالتالي: (1- الإنجليزيـــــــة، 2- الصينية (الماندريـــــــن)، 3- الفرنسيــــــة، 4-الاسبانية، 5- العربية، 6- الروسية، 7- الألمانية).

أما أسباب هذه الأهمية فهي:

– الحصول على المعرفة.

– التواصل مع الآخرين.

– التنقل والسفر بسهولة.

– الإحساس بالحيوية.

– استيعاب واستهلاك وسائل الإعلام.

– التواصل الدبلوماسي والدولي.

إذا نظرنا إلى أسباب هذه الأهمية يمكننا بسهولة استيعاب أسباب عدم اهتمام (وربما العزوف أحيانًا) العرب بشكل عام والشباب بشكل خاص باللُّغة العربية في العصر الحالي. وبطبيعة الحال فإن التعامل مع هذه الإشكالات والسعي لحلها ليس بيد اللُّغويين ولا الأدباء.

نعم، نريد الاعتزازَ بلغتنا العربية والمحافظة عليها واستخدمها قدر الإمكان في حياتنا العملية، لكن إنجازنا في ذلك سيظلُّ محدودًا ما لم نتعامل مع مسببات انخفاض أهمية اللُّغة العربية على مستوى العالم. وكما قال أحد الزملاء: “لولا أن خصَّنا الله بأن القرآن نزل باللُّغة العربية وهو الملهم لما يزيد عن بليون من سكان الأرض؛ لكان اهتمام العالم (ونحن جزء منه) باللُّغة العربية أقل بمراحل كبيرة عما نشاهده الآن”.

وترى د. وفاء طيبة أن الحضارة لا تتجزأ، وهذا رأيي دائمًا. عندما كنَّا عظماء كان كل شيء ومن ضمنه اللُّغة عظيمًا، وعندما هبطنا بديننا وعلمنا سقط كل شيء معنا.

  • ·عوامل ازدهار اللُّغة:

وذكر د. زياد الدريس؛ ظللتُ سنوات طويلة منشغلًا بسؤال: أيهما أكثر تهديدًا للغة العربية: اللُّغات الأجنبية أم اللهجات العامية؟ وقبل أن أتوصل إلى جواب أن اللُّغات الأجنبية أشد تهديدًا، اكتشفت أن هناك تهديدًا أكبر منهما، لم ننتبه له وهو يتمدد وينتشر سريعًا سريعًا. أعني بذلك الاعتقاد الذي يتنامى عند الجيل الجديد خصوصًا بأن اللُّغة ليست وسيلة للتعبير عن الهوية بل هي وسيلة للتواصل فقط.   برسوخ هذا المفهوم المغلوط (الذي تكافحه اليونسكو بالمناسبة) ستصبح مقاومتنا للُّغات الأجنبية أو العامية ضربًا من العبث.

أتحدث هنا عن الذين لا يرون للُّغة أهميةً في التعبير عن الهوية، أما الذين لا يرون أهمية للهوية نفسها فهؤلاء قضية أخرى لا يطيقها نقاشنا الآن.

سبق أن قلت هنا، وفي أكثر من موضع، إنَّ التاريخ الإنساني القديم والحديث لم يسجل لنا حتى الآن حضارةً قامت بغير لغتها. فإذا كنا نتباكى كثيرًا على حضارتنا التي سادت ثم بادت، ونريد استئناف الحضارة، فيجب أن نعلم أن اللُّغة العربية هي الرصيف الذي يجب أن تنطلق منه سفن الحضارة.

هذا لا يعني أبدًا التقليل من أهمية إتقان اللُّغات الأجنبية المتنفذة، لكنه يعني التقليل من أهمية الاعتقاد بأن اعتمادنا على اللُّغات الأجنبية سيكفينا لصنع التحضر.

كلنا يعرف المقولة الشائعة بأن اللُّغة تعلو وتزدهر حين تعلو حضارتها، والعكس بالعكس. لكننا قد نتفاجأ بمقولة معاكسة يقولها بعض المتخصصين في تاريخ الشعوب، بأن الحضارة هي التي تعلو وتزدهر حين تعلو لغتها. لن أرجِّح أيّ المقولتين أصحُّ، بل سأترك ذلك لفرسان القضية الثلاثة ليفيدوننا برأيهم وللزملاء المهتمين في الملتقى.

في تصوُّر د. حسناء القنيعير، فإن الحضارة سببٌ من أسباب ازدهار اللُّغة وانتشارها، بمعنى أن الحضارة لا تصنع ثراءَ لغة ما وتمنحها قوتها وتألقها في حال كانت في ذاتها لا تملك ذلك، ولكن الحضارة تساعدها على النمو والازدهار، وهو ما حدث في الدولة العباسية حين ازدهرت حضاريًّا على الصُّعُد كافة. وهذا أسهم في ازدهار اللُّغة وتوسُّعها في حقول معرفية كثيرة لم يكن العرب يعرفونها، وتأتي ترجمة العلوم بجميع فروعها إلى اللُّغة العربية في مقدمة ذلك. وبفضل النمو الحضاري في بغداد استوعبت اللُّغة نثرًا وشعرًا كثيرًا من المفردات والمفاهيم الحضارية التي حُجبت عن المعجم العربي بسبب زمكانية فكرة الاحتجاج التي قيَّدت اللُّغة بزمان ومكان إنْ في البادية وإنْ في الأمصار.

والأمر نفسه ينطبق أيضا على الدولة الإسلامية في الأندلس، حين خرجت اللُّغة إلى آفاق أوسع وأرحب، فحدث التلاقح بينها وبين اللُّغات المجاورة لها في ذات المكان والزمان.

ما يعني أن الحضارة واللُّغة وجهان لعملة واحدة، وهو ما يعني أيضًا أن الحضارة لا ترفع من شأن لغة لا تملك مقومات القوة، فكما ذكر د. محمد الملحم: إن الدولة العثمانية التي على الرغم من مداها الحضاري لم تستطع فرض لغتها؛ لأنها لغة ليس لديها مقومات اللُّغات القوية ناهيكم عن انتشارها وازدهارها.

كما أن اللُّغة مهما توفَّر لها من قوة وحضور ربما لا تستطيع أن تزدهر أو تنمو دون مدٍّ حضاري يثريها. فاللُّغة العربية على الرغم من كونها لغةَ فصاحة وبلاغة بقيت لغةَ شعر وخطابة، ولم تنم وتتسع آفاقها إلا بعد مجيء الإسلام الذي ساعدها وبما تملكه من آليات النمو والتكاثر والتوالد بالاشتقاق والمجاز والتعريب، على أن تستوعب كلَّ المستجدات من مفاهيم ومصطلحات وعلوم لم يكن العرب يعرفونها، فنشأت علوم جديدة بدءًا من علوم العربية كالنحو والصرف والعروض والبيان والبديع، وعلوم التشريع وما تلا ذلك من تقعيد ووضع للمعاجم والمؤلفات بأنواعها، وصولًا إلى علوم الكلام والمنطق، ولاحقًا _في العصر العباسي تحديدًا _ وُضعت مختلف العلوم، كالطب والصيدلة والكيمياء والبصريات والهندسة والرياضيات، بفضل حركة الترجمة ودخول كثير من أهل الأمصار المفتوحة في الإسلام.

من جانبه يعتقد د. محمد الملحم أن ازدهار اللُّغة وسيلة مهمة لازدهار الحضارة، ولنأخذْ مثالين: الترجمة في العصر العباسي وازدهار علوم العرب، بل وتغلغل العربية في اللاتينية التي اقتبست من هذه العلوم ومن الحضارة أيضًا.

وهناك مثال معاكس؛ الحضارة العثمانية الممتدة (المعمار والسياسة والاقتصاد) هل أدى إلى انتشار اللُّغة العثمانية؟

في مداخلتي الأولى أشرت إلى “الفهم القرائي” كمشكلة لغة أعطيها أولوية على التفصُّح والفصاحة. وهذا من ذاك، أقصد أن الفهم القرائي الجيد للغتنا سيجعلنا نتفاهم أفضل، ونفهم ونتأمل وينمو الحس التأملي وهو أساس الاستكشاف والفتح العلمي.

اليوم مهمتنا عسيرة شيئًا ما، فعلينا واجبان لننافس: الحذق في لغتنا، وإتقان الإنجليزية.

أضافت د. وفاء طيبة؛ ومن هنا نجد خطر العامية واللُّغة الأجنبية في حال عدم التدريس القوي للُّغة العربية.

وكمثال لهذا الخطر، سبق أن ذكرت في هذه المجموعة تجربة د. عبد الله الدنان الذي جعل التعليم في مرحلة الروضة في تجربته باللُّغة الفصحى، وكيف أدى إتقان الفصحى إلى سرعة القراءة، حيث إنَّه يبدو أن المخ يتعامل مع الفصحى والعامية على أنهما لغتان منفصلتان ولكن متداخلتان.

  • ·اللُّغة وسيلة أم غاية؟

تساءل د. رياض نجم: هل اللُّغة وسيلة أم غاية؟ من السهل الاقتناع بأنها وسيلة لتحقيق الأهداف الستة التي تؤدي إلى أهميتها والتي ذكرتُها في المداخلة قبل السابقة. أما أن تكون اللُّغة هي الغاية وهي التي تزدهر حضارة الشعوب بسببها، فنحتاج إلى من يقنعنا بذلك.

أشار د. زياد الدريس إلى أن اللُّغة ليست غاية في حد ذاتها، لكنها أكبر من أن تكون مجرد وسيلة. اللُّغة ركنٌ أساسي في بناء الهوية، والاعتزاز بالهوية هو عنصر رئيس في بناء الحضارة والتقدم.

ولذا تمَّ تأسيس (احتفالية اليوم العالمي للغة العربية) لا لتكون مناسبةً لكيل المدائح المكرورة للُّغة الضاد، ولكن لتكون فرصةً لإعلاء منسوب الاعتزاز باللُّغة العربية عند الشباب خصوصًا؛ لأنني دومًا وتكرارًا أؤمن بأن “المدخل الحقيقي والفعال لرفع مكانة اللُّغة العربية لا يكمن في كثرة مديحها، بل في كثرة استخدامها”.

أضاف د. خالد الرديعان أنه مما يمكن ملاحظته في شوارعنا من عبث باللُّغة العربية وجود محلات تجارية كُتبت لوحاتها بلغة عربية ركيكة؛ فتجد بعضهم يُسقط ال التعريف من الكلمات، أو ينصب ويرفع ويجر دونما عناية بالقاعدة النحوية.

وقد تبين لي أن بعض خطاطي اللوحات هم من الجنسية الباكستانية والهندية الذين أخذوا هذه المهنة للاسترزاق، فاختفى الخطَّاط العربي والسعودي، وأصبحت العربية مستباحةً من العجم.

يوجد قرب منزلي محل خضار وفواكه كُتبت لوحته هكذا (محل بيع التمور وخضار)، وهناك أخطاء أشنع من ذلك مؤذية للبصر لا بد أن البعض منَّا شاهدها في شوارعنا.

  • ·اللُّغـــــة العربيـــــة بين التـــذوق الأدبــــي وانعـــدام الحـــــس الجمالـــــي:

ذكر د. خالد الرديعان؛ أشرتُ أكثر من مرة إلى قضية “التذوق الأدبي” وأنه ليس ضمن اهتماماتنا في العملية التعليمية، وأننا لا ننميه عند الناشئة منذ نعومة أظفارهم.

صحيح أنه يوجد مادة بهذا المسمَّى في المستوى الجامعي لكني لا أعرف طريقةَ تقديمها للطلاب، فما يلفت الانتباه هو أن كثيرًا من طلاب الجامعة ليس لديهم هذا الحس الجمالي باللُّغة العربية ومفرداتها وتراكبيها وأدبها من شعر وقصة ورواية.

وقد فكرتُ مليًا في هذه المسألة، أي “الحس الجمالي”، فتبين لي أن ذلك الحس ينعدم حتى في النظر للأشياء الأخرى؛ كالأعمال الفنية من لوحات ورسومات ومقطوعات موسيقية (وليس غناء)، وآثار وبقايا إنسانية تعود إلى حقب تاريخية قديمة.

وليس الأمر كذلك فحسب؛ بل إن انعدام الحس الجمالي يتعدى إلى مظاهر البيئة من نبات وحيوان وجبال ورمال؛ ولذلك نجد الطفل عندنا وبعض الكبار يعبثون بالبيئة بصورة مريعة، وكل ذلك بسبب عدم تقديرهم لجماليات البيئة، بل إنهم لا يرون تلك الجماليات. يتم بهذا الخصوص القضاء على الحيوانات بصيدها، وقطع الأشجار وإتلاف الآثار وربما طمسها وتغيير معالمها دونما حاجة إلى ذلك.

هذا العبث وانعدام الحس الجمالي ينسحب على لغتنا العربية التي تكتنز عددًا كبيرًا من الجماليات وخاصة في الشعر العربي من مختلف العصور؛ إذ قلَّ أن تجد عند الناشئة المتذوق للشعر الفصيح، بما في ذلك الشعر الحديث بتراكيبه التي تشذ عن قاعدة الشعر الكلاسيكي الموزون والمقفى. هناك انصراف شبه تام عن الشعر بدليل ندرة دواوين الشعر الفصيح التي تُعرض للبيع في معارض الكتب، وإن كان الاتجاه هو نحو اقتناء وقراءة الرواية.

ويرى د. محمد الملحم أن توحُّش الذائقة انعكاسٌ لتوحُّش الأخلاق والطباع. بينما في رأي د. وفاء طيبة، فإنه يمكن أن يؤدي تدريب الذائقة إلى أثر إيجابي على الأخلاق والطباع. أضاف د. محمد الملحم أنه لا شك ومما هو معروف عن الخط العربي واحترافه أنه يحسِّن الأخلاق، فهو يعلِّم الصبر والحلم واحترام النظام. في السياق نفسه، تساءل د. خالد الرديعان: كيف ننمِّي هذه الذائقة؟ أجاب د. محمد الملحم: إن ذلك يمكن أن يتم من خلال التعليم والإعلام، وتشجيع الفن الراقي، وتقليل السعار التشجيعي للكرة (عكس الجماليات هو الجانب الحركي).

  • ·جماليات اللُّغة العربية:

ذهب د. خالد الرديعان إلى أن من جماليات اللُّغة العربية التي لم نتناولها حروفها وطريقة كتابتها، إضافة إلى تنوُّع أشكال الخط العربي (نسخ، رقعة، ثلث، ديواني، كوفي… إلخ).

وهناك عددٌ كبير من الفنانين التشكيليين العرب وغير العرب ممَّن وظفوا الحرف العربي كموضوع للوحاتهم الفنية. ولعل أشهرهم الفنان المصري أحمد مصطفى (1943). وقد قال الرسام الإسباني بيكاسو: “إن أقصى نقطة أردت الوصول إليها وجدتُ الخط الإسلامي قد سبقني إليها منذ زمن بعيد”. والنقطة التي أراد الوصول إليها هي الحركة والتناغم الجمالي في اللوحة المرسومة.

وهناك من غير العرب من افتتن بالحرف والخط العربي وجمالياتهما، لعلَّ أشهرهم الخطاط التركي حامد الآمدي (1891-1982)، وهو من سكان ديار بكر، والذي حصل على عدة جوائز بسبب عنايته الفائقة بالخط العربي ووضعه في المكان اللائق به.

وقد يعود إلغاء الحرف العربي واستبداله بالحرف اللاتيني في تركيا أتاتورك (1923 وما بعد) إلى خوف الأتراك من طغيان الهوية العربية على ثقافتهم ممثلة في الحرف العربي وتعلُّق الأتراك به.

بوصفنا عربًا قد لا نعير اهتمامًا كافيًا للخط العربي بسبب اعتيادنا عليه، لكن غيرنا من المسلمين يحترمونه ويعطونه قدسيةً بالغةً بسبب ارتباطه بالقرآن الكريم، أقول ذلك من واقع ما لمسته من بعض الطلبة الأفارقة (العجم) ممَّن يتعلمون في جامعة الملك سعود.

  • ·دُور النشر واستخدام التحريف والتزوير:

أورد أ. إبراهيم آل سنان خبرًا عن دار ممدوح عدوان للنشر*، يفيد: ” انطلاقًا من أمنية في أن يقرأ كل العرب ما يستطيعون من التراث القديم، رجعت إلى رسالة الغفران أبي العلاء المعري لوضعها بين أيدي القراء عبر “إعادة صياغتها”، أي بشكل أساسي استبدلتُ الكلمات الغريبة البائدة بألفاظ عادية يفهمها القارئ، وقمتُ بإعادة صياغة بعض التراكيب والجمل”.

وعلَّق أ. إبراهيم على هذا الخبر ذاكرًا أنه يُعطي نموذجًا عن كيفية التعامل مع اللُّغة العربية. لم يكن من حقهم التغيير كون الكلمات التي يقولون عنها بائدة هي التراث الذي يُفترض بنا المحافظة عليه.

كما علق د. رياض نجم بأنه إذا كان هذا الاستبدال سببًا لاطلاع العموم على تراث قديم نعتز به، فلماذا نقاومه ونعترض عليه؟ أليس ذلك أفضل من أن تبقى تلك الكتب حبيسةَ الأرفف في المكتبات؟ ومَن يريدها بالمفردات القديمة يمكنه الرجوع إلى نسختها الأصلية.

من جانبه أضاف أ. إبراهيم آل سنان أنه إن كانت الحقوق مشاعةً لوفاة المؤلف وانتهاء فترة الحقوق الخاصة، يظلُّ أنه ليس من حق أي شخص تغيير المحتوى اللُّغوي الأصلي، ويُقبل في الترجمة للُّغات أخرى فقط. هذا من حيث أخلاقيات النشر العالمية والمتفق عليها ضمنيًّا. أما من حيث أخلاقيته العلمية والأدبية على مستوى اللُّغة نفسها، فإنه بتقادم المخطوطات والأعمال الأصلية عند تغييرها تصبح النسخ الجديدة بدائل للقديمة، والفكرة الأدبية هي لغتها الأصلية وليس معناها، ويمكن الشرح في الهوامش للمصطلحات الغريبة.

أضاف أيضًا د. رياض نجم أن المطبوعة التي أشرت إليها وحسب العنوان المخطوط على غلافها (صياغة معاصرة لنص…)، وبالتالي هي تفسير وتسهيل للصياغة الأصلية وليست بديلًا عنها. علَّق أ. إبراهيم آل سنان؛ أعلم ذلك. أقصد أنها مع التقادم في السنين ستصبح بديلةً لدى القراء، وصياغة معاصرة أو تحرير حديث أو أيًّا كان المسمَّى، والذي يعني تغيير لغة الكتاب الأصلية هي ليست من أخلاقيات النشر.

كما علقت أيضًا د. حسناء القنيعير؛ لا أحسب أن عاقلًا سيطمئن بعدُ إلى تلك الدار وصاحبها، وهو يجد إقرارًا صريحًا بالتحريف والتزوير.

قد يقال إني أحمِّل الأمر أكثر مما يحتمل، وهذا غير صحيح؛ لأمرين، أولهما: أن هذا العمل يتنافى ومنهجيات تحقيق المخطوطات التي تهدف إلى بعث الكتاب كما وضعه صاحبه، فقد تعلَّمنا وعلَّمنا طالباتنا أنه لا يجوز للمحقِّق أن يغيِّر أو يضيف أو يحذف شيئًا من النصِّ، وإن اضطر غير باغٍ ولا معتدٍ كما فعل ذلك الرجل، فدونه الهامش يثبت فيه ما بدا له أنه خطأ أو تحريف أو تصحيف، فيشير إليه في الهامش بعد أن يضع الكلمة بين قوسين وبعدهما رقم الإحالة. هذا في حال كنَّا نحقِّق كتابًا لم يسبق تحقيقه، فما بالنا في تحريف كتاب سبق تحقيقه على هذا النحو المشين.

الأمر الثاني أن منهجيات البحث العلمي تؤكِّد عند الأخذ من أيِّ كتاب على حفظ حق المؤلف، فعند اقتباس نص منه يجب إثبات ذلك بين مزدوجين وعدم تغيير أي كلمة منه. أما عند الاقتباس بالمعنى فيجوز التعبير بكلام الباحث دون تغيير الفكرة ولا حاجة إلى المزدوجين، وفي كلا الأمرين لا بد من الإحالة إلى المصدر وصاحبه في الهامش وهذا إثبات لحقه، ودون ذلك يعدُّ سرقة.

طبعًا كثير منكم يعرفون هذا لكني أوردته من باب تأكيد أخلاقيات البحث العلمي، فإن كان هذا واجب في كتب المعاصرين، فهو أكثر وجوبًا في كتب التراث التي هي مِلْكٌ للأمة كلها.

ولا أنسى أنَّ مما تعلمناه أيضًا فيما يخصُّ الترجمة، مقولة المترجم خائن، لأنه يخون صاحب النص في حال لم يترجم نصه كما وضعه. وكل هذا يؤكد حق المؤلف سواء أكان سابقًا أم لاحقًا.

إن هذا الاجتراء على كتاب رسالة الغفران يعدُّ اعتداءً صارخًا على التراث، وسلبًا لحق أبي العلاء، وخرقًا لحقِّ الملكية الفكرية في اصطلاح المعاصرين.

أخيرًا، لو شاع هذا النهج في الاجتراء على كتب التراث بحجة صعوبة ألفاظها، فسيفتح الباب واسعًا لكل الفاشلين العاجزين عن التأليف والمتكسِّبين بكتب التراث، كما سيؤدي صمت المؤسسات الثقافية العربية عن هذا الصنيع إلى التوسُّع في هذا، وهو ما لا نأمنُ معه من الاجتراء على شعر الشعراء وكتب التاريخ والسير وربما النصوص الدينية، وهذه أم الكوارث.

  • ·    تنمية اللُّغة لدى الأجيال:

بدأ أ. عبد الله الضويحي مداخلته بالحديث عن تجربة شخصية لأحدهم التقاه في سبتية د. محمد الرشيد رحمه الله، ويعتقد أنه سوري الجنسية، يقول: إنه اعتاد على مخاطبة أولاده باللُّغة العربية الفصحى منذ بداية تعلُّمهم الكلام فيما تخاطبهم والدتهم باللهجة العامية فنشؤوا مجيدين لهذه وتلك، يتخاطبون معه بالفصحى ومع والدتهم بالعامية، ومن الطريف عندما تقول الأم للولد على سبيل المثال: (روح يا ابني قل لباباك الغدا جاهز)، فإنه يذهب ويقول لوالده: “أبي، تقول لك والدتي الغداء جاهز”. فكأنما هو مترجم بين اللهجة واللُّغة، والعكس عندما ينقل الرسالة من والده لوالدته… وهكذا.

هذا يؤكد أن اللُّغة تنمو بالتعليم ثم الممارسة. على أنني أعتقدُ مضيفًا لذلك أن اللُّغة موهبة وملكة تُنمَّى بالقراءة والتعلُّم والممارسة.

وهناك عامل آخر مهم وعن تجربة، وهو قراءة القرآن في سن مبكرة جدًّا والمداومة عليه من شأنه أن يقوِّم اللسان وينمي اللُّغة.

جيلنا قليلٌ منهم الضعيف في اللُّغة العربية، عكس جيل اليوم القليل منهم مَن يجيدها حتى بعض المتخصصين فيها، وأعرفُ معلمي لغة عربية يُخطِئون في الإملاء والإعراب. والسبب – في نظري – أننا كنَّا نقرأُ القرآنَ كاملًا في المرحلة الابتدائية، وندرس الإملاء والخط والمطالعة والتعبير في مرحلة مبكرة، والقواعد في الصف الرابع، والتجويد في الصف الخامس، وفي المرحلة المتوسطة بعض القصص والروايات، مثل: بطل السند، وبلال بن رباح، والمهلهل سيد ربيعة، والنصوص الأدبية، وغيرها، وفي الأول الثانوي مقرر النقد والبلاغة والمعلقات… إلخ. هذا إلى جانب الخطابة وغيرها في الحفلات المدرسية والمراكز الصيفية. هذه النشاطات وهذه المقررات مع جودة معلميها حَبَّبَت لنا القراءةَ فصرنا نقرأ الصحف والكتب، وهو ما كوَّن لدينا ثروةً لغوية جيدة.

الآنَ؛ لا يوجد شيء من هذا، وإن وُجد فهو قليل، والتعليم أصبح وظيفةً ولم يَعد مهنة، والصحافة هي الأخرى تعجُّ بالأخطاء خاصة الإلكترونية وكذلك وسائط التواصل الاجتماعي- دون داعٍ للإطالة في الشرح وذكْر الأسباب، وإذاعات الإف إم كل برامجها ومذيعيها يتحدثون بلغةٍ هي مزيج بين الإنجليزية والعامية، والإعلانات والرسائل الإعلامية تعتمد العامية لأنها الأسرع، ولأهداف تسويقية.

القضية ليست قرارًا يصدر، ولا برنامجًا يُنفَّذ. أعتقدُ أننا بحاجة لخطة طويلة المدى تُنفَّذ على مراحل من خلال جهة مستقلة تتولى هذه المهمة. أما المقررات المدرسية والمعلمون والإشراف التربوي، فهذه الأمور تحتاج إلى إصلاح، ويجب أن تكون أدوات تنفيذية للخطة بعيدة المدى.

  • ·    أسباب عدم فهمنا للغة العربية:

ترى د. عبير برهمين أن أهمَّ أسباب عدم فهمنا للغة العربية يرجع لعدة أمور:

1-أهمها، هو عدم أو قلة القراءة. قراءة القرآن الكريم وأمهات الكتب في السنة أو التفسير ابتداءً، وكل الكتب القديمة بما فيها كتب الطب والعلوم. فللأسف أمة اقرأ لا تقرأ.

2-أساليب تدريس اللُّغة العربية في المدارس والجامعات يكاد يخلو من الاعتزاز والشغف بذات الشيء، فتصل عادةً للملتقي رسائل لا إرادية عن دونية المادة كمادة، ناهيك عن ضعف عام في أساليب التحفيز والابتكار بشكل عام لتدريس اللُّغة العربية إلا مَن رحم ربي.

 3- أتفقُ مع أن اللُّغة كائن متجدِّد يؤثِّر ويتأثر بكثير من اللُّغات الأخرى لا سيما في المفردات التقنية المتصلة بعلوم الحاسبات، فأصبحت كلمة “جوجلها” مثلًا شائعة الاستخدام ومقبولة بشكل كبير لدى الناطقين بالعربية، إذ تدل على البحث عنها في محرك جوجل. وفي رأيي مثل هذه المفردات أصبحت جزءًا من لغتنا العربية المحكية شئنا أم أبينا.

وفي النسق نفسه، لي تحفُّظ على ما ورد في سياق النقاش عن موضوع اللُّغة العربية، والقائل إن كلمة الصراط مشتقة من لغة غير عربية. ورغم وجاهة الشرح والتبرير فإن رأيي الشخصي هو معاكس لهذا الرأي، فالله جلَّ في عُلاه قال عن كتابه: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: آية 195]، أي أنه في واسع وسابغ عِلمه تعالى أوضح لنا ماهية كتابه ومفرداته، فلا أقبلُ بفكرة الاشتقاق من لغة أخرى خصوصًا فيما يتعلق بمفردات القرآن الكريم، ولكني أقبلُ بالعكس تمامًا.

4- الاعتزاز والشغف باللُّغة هو جزء من الهوية، واستخدامها بشكل يومي هو انعكاس لمدى حبِّنا واعتزازنا. إلا أن الفكر الاستعماري بفرضه فكرة المناطقية والحدود الجغرافية بين الدول كان لها تأثيرها الطاغي على اللُّغة، وخاصة تعزيز فكرة اللهجة العامية أو اللُّغة المحكية وأنها أسهل وأسرع في التواصل الاجتماعي. فأصبحت مع الزمن عاملًا من عوامل الهدم والانسلاخ عن استخدام اللُّغة العربية الفصحى.

 5- ميزان القوى والتقدم الحضاري لدول دون غيرها يفرض سيادة لغة على غيرها. ولذلك كانت اللُّغة العربية في أوجِّ عزها وانتشارها في عصر صدر الإسلام وامتدت إلى حقبة ما يُعرف في الغرب بعصر القرون الوسطى أو المظلمة؛ لأن التقدُّم الحضاري كان في الدولة الإسلامية باختلاف عصورها في أوجِّه، حتى قيل إن الرجل الغربي يستخدم لفظة “أحبك وحبيبتي” باللُّغة العربية للتعبير عن مشاعره، ولاستعراض حصيلته اللُّغوية ومستوى تعليمه وثقافته في ذاك العصر.

6- يثير حفيظتي وحنقي كثيرًا أن أرى يوميًّا أخطاءً إملائية ولغوية في كل ما يُكتب على صفحات الإنترنت أو الصحف اليومية المطبوعة، وتجاوز ذلك ما يتم لفظُهُ في وسائل الإعلام المقروء والمرئي. فرحِم الله عصرًا كان “اللحن في القول” من أكبر المعيبات في حق أي شخص ناطق باللُّغة العربية.

ختامًا؛ قد تضعف اللُّغة العربية وتمرض لكنها لن تموتَ، فهي باقية إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، طالما أنها هي لغة القرآن فقد تكفل الله بحفظه، فقد قال سبحانه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [ الحجر: آية 9].

  • ·    اللُّغة والاقتصاد الحديث:

أشارت د. نوف الغامدي إلى أن اللُّغة بالنسبة للاقتصاد الحديث _ أي “اقتصاد السوق” في مقابل “اقتصاد المعيشة”_ مسألة محورية مثل النقود، وتنشأ أهميتها الحاسمة من كون النشاط الاقتصادي يعتمد على الاتصال بدرجة كبيرة للغاية، وأن العناصر الأساسية للاتصال الاقتصادي عناصر لغوية. وعلى الرغم من عدم وجود نشاط اقتصادي من دون اتصال، فإن الاتصال يستلزم تكاليف ترجع جزئيًّا إلى التعدُّد اللُّغوي في العالم.  فالقرار الذي تتخذه وحدة اقتصادية معينة سوف يعتمد في الغالب على التكاليف النسبية للبدائل، حيث يمكن افتراض أن القوة الاقتصادية للغات المستخدمة تقوم بدور مهم.

كما أن الاستثمار في اللُّغة بوصفها رأسمالًا إنسانيًّا أو بوصفها سلعةً _ يحتاج إلى اعتماد مالي بقدر كبير أو صغير، وسواء أكان هناك فهم اقتصادي أم لم يكن على الإطلاق، فإن الاستثمار في لغة معينة لغرض أو آخر هو مسألة تكاليف وأرباح، ووضع هذه المسألة في الاعتبار أمر أكثر أهميةً بالنسبة للمشروع الخاص مما هو بالنسبة للحكومات.

إن انتشار اللُّغة كثيرًا ما يكون دلالةً على الظروف الاقتصادية، وفي بعض الحالات يكون نتيجةً للتطوُّرات الاقتصادية؛ لأنَّ تغيُّر أوضاع الاقتصاد يجبِر المجتمعات على أن تُعدِّل ذخيرتها الكلامية وأنماط اتصالها.

يقول فلوريان كولماس في كتابه الرائع (اللُّغة والاقتصاد): اقتصاديات اللُّغة تعالج الأنظمة الفعلية، ومركز اهتمامها هنا هو: لماذا تكون لغات معينة على ما هي عليه؟ أي لماذا تسود خصائص معينة ولا تسود أخرى؟

تُوصف لغتنا العربية في التعبير الدارج بأنها بنت سوق، حيث نشأت وترعرعت بين أحضان التجارة، وهي الحرفة الرئيسة _بعد الرعي_ التي كان العرب يلتمسون بها أسباب الرزق، وكان لها أثر بالغ في مضاعفة أغراض اللُّغة العربية وتنمية ثروتها اللفظية والدلالية من خلال التعاملات التجارية التي كانت تُجرى سواء بين القبائل في أرجاء الجزيرة العربية وبعضها البعض أو عن طريق احتكاكهم بالشعوب المجاورة لهم في قوافـــل رحلاتهم التجارية الموسمية، ومنها رحلتا الشتاء والصيف.

ومما يدل على توسُّع العرب في المسائل الاقتصادية، كثرة ألفاظ اللُّغة العربية الدالة على المال، فإن منها بضعة وعشرين اسمًا، لكل منها معنى من المعاني الاقتصادية التي ترجع إلى الاستثمار وغيره، منها:

– التلاد (المـال الموروث).

– الركاز (المال المدفون).

– الضمار (المال لا يُرجى).

– الطارف (المال المستحدث).

– التالد (المال القديم).

إن توجيه رأس المال نحو الاستثمار في مشاريع معالجة اللُّغة العربية له عائد كبير للمستثمر نفسه وللغة أيضًا، وذلك للأسباب الآتية:

1- قابلية هذه الاستثمارات للنمو؛ نظرًا لاتساع سوق اللُّغة العربية في المنطقة العربية، وتزايد الطلب على برامج المعالجة اللُّغوية.

2- تفاعل الثقافة العربية والإسلامية مع ثقافات العالم المختلفة عبر شبكة الإنترنت، وتنامي رغبة المستخدم العربي في إثبات ذاته من خلال لغته العالمية وإقبال غير العرب على برامج تعلُّمها.

3- قدرة ومرونة اللُّغة العربية _ وهي السلعة في هذا الوضع_ على استيعاب التقنيات المختلفة؛ لتعدُّد خصائصها وتفرُّدها، وهو ما يجعلها حقلًا خصبًا للدراسات التنظيرية اللُّغوية بصفة عامة؛ مما يضمن رواجًا لها في حركة البيع والشراء عند الطلب، وتناميًا في وسائل العرض.

للنهوض باللُّغة العربية اقتصاديًّا:

أولًا: لا بد أن يغار رجال الأعمال العرب على لغتهم، وألا يؤثروا عليها المشاريع ذات النفس القصير والربح السريع الوفير، ومن ثَمَّ يقدمون على المشاريع التي تخدم اللُّغة لا سيما من خلال التقنيات الحديثة، فالعرب أولى بلغتهم من الشركات وبيوت الخبرة الأجنبية التي يتفرق دم اللُّغة عليها، فلا يحسنون التعامل مع منظومتها في ظل تقاعس أبنائها عنها، واستغلال أموالهم في كل شيء ما عدا ما يخصُّها، ومن الخزي أن تقوم بعض الدول الآسيوية الصغيرة التي تعرف هي الأخرى من أين يُؤكل الكتف العربي، بتصدير الدُّمى و”فوانيس رمضان” التي تنطق بلغتنا العربية، في حين يكتفي العرب بمجرد الطرب لها!

ثانيًا: أن تعيَ الحكومات أن الاهتمام باللُّغة العربية هو من أوليات مسؤولياتها، أو على الأقل تعطيها من الرعاية والاهتمام ما تعطيه للأمور الترفيهية التي يُعدُّ التمسك بها على حساب الجوهر في بناء شخصية المواطن مدعاةً لفقدان ثقة هذا المواطن في قدرة هذه الحكومات على الرقي به، والإخلاص للمسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقها تجاه شعبها ودينها ولغتها.

ثالثًا: أن يدرك الشعب نفسه أن مستقبل الأجيال رهنٌ برعاية اللُّغة والنهوض بها، وأن عبء النهوض لا يجب أن يُلقى كلُّه على جهة واحدة، وإنما يشترك الجميع كلٌّ بأداء دوره المنوط به تحت رايـة النهوض بلغتهم، ويمكن أن يضطلع المجتمع بالدور الرئيس تجاه اللُّغة بعد غياب أو تغييب الدور الفاعل والمؤثر للبعض من رجال الأعمال والمسؤولين.

¤     التوصيات:

  1. البحث في سُبُل استثمار تعليم اللُّغة العربية بوصفه سوقًا لإعادة الثقة في اللُّغة العربية، ويكون ذلك ببيان أنها لغة تمتلك من مقومات البقاء والنمو والفعالية ما لا يتوفر في كثير من اللُّغات.
  2. بثُّ روح الاعتزاز باللُّغة بوصفها روحَ الثقافة ومكونًا أساسًا من مكونات الوطنية.
  3. سنُّ التشريعات اللازمة للحفاظ على اللُّغة العربية بما يحدُّ من التلوث اللُّغوي وما لا يتعارض مع الانفتاح الثقافي الإيجابي، ويشمل ذلك الحدَّ من “ترسيم” اللهجة العامية.
  4. الحدُّ من التوسُّع في التدريس باللُّغات الأجنبية خصوصًا في التعليم العام.
  5. تطوير تدريس اللُّغة العربية في المدارس من خلال مشروعات وطنية ذات مصداقية.
  6. وَضْع إستراتيجية إعلامية تتعلق بالحفاظ على اللُّغة العربية وتقويتها.
  7. الحد من توسُّع بعض المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية وغير الحكومية في استخدام العامية في الترويج لخدماتها.
  8. قيام وزارة الثقافة بواجبها في هذا الصدد خصوصًا فيما يتعلق بالشباب.
  9. أن تعمد المؤسسات التربوية والثقافية إلى توجيه احتفالية (اليوم العالمي للغة العربية) من مجرد مظاهر احتفالية ومدائحية إلى مناسبة حولية لصنع مبادرات عملية تهدف إلى تعزيز استخدام اللُّغة العربية عند الشباب.
  10. استحداث تخصص تعليم القراءة – وقد يكون في كلية التربية أو في تخصص النطق والسمع في كلية العلوم الطبية أو في كلية اللُّغة العربية – وذلك كتخصص عالٍ في الماجستير. حيث ثبت بالتجربة أن مدرسي اللُّغة لا يعرفون آلية تعامل عقل الطفل مع مفردات اللُّغة.
  11. استحداث مجمع لغوي في المملكة أسوة بما هو موجود في بعض الدول العربية.
  12. الاهتمام بتدريس الكتابة (التأليف) بما لا يقل عن أربع ساعات في الأسبوع في مستويات التعليم العام.
  13. الاعتناء بتدريس القرآن الكريم – كمًّا وكيفًا – بطريقة صحيحة مناسبة للمرحلة النمائية للطفل، فهو أعظم رافد لكل فروع تعلُّم اللُّغة العربية والعمليات العقلية المتعلقة بها.
  14. ينبغي لوزارة التعليم تخصيص سنة دراسية كاملة لمعلمي اللُّغة العربية بعد تعيينهم، يُمنحون بعدها رخصة مزاولة المهنة.
  15. الاهتمام بدور الأسرة والأم تحديدًا، حيث يُلاحظ تناقص استخدام الجيل الجديد للغة العربية بسبب دخول العاملة المنزلية والسائق وهما لا يتحدثان العربية.
  16. الإفادة من تجربة د عبد الله الدنان في نشر اللُّغة العربية.
  17. التأكيد على الجانب التعليمي للغة وخصوصًا المعلم والكتاب والطالب، فكلنا متفقون على ضعف هذا الجانب في بلادنا.
  18. مراقبة لوحات المحلات التجارية والإعلانات التي تُكتب بلغة عربية معتلة، ومنع ذلك وإيقاع المخالفات على مَن يشوِّهون اللُّغة العربية.
  19. الاهتمام بفنون الخط العربي ومدارسه، وتشجيع الإقبال على دراسته وتعلُّمه في كليات وأقسام الفنون.
  20. التأكيد على أن اللُّغة العربية ليست مجرد وسيلة تواصل فحسب، ولكنها أيضًا جزءٌ من الهوية العربية والإسلامية، وهو ما يعطيها بُعدا ثقافيًّا ونفسيًّا وسياسيًّا كذلك.
  21. إيجاد الهيئات التي تُعنَى بتأليف أدب الصغار واليافعين والشباب باللُّغة العربية بما يتماشى مع ذائقتهم العصرية، وبعيدًا عن النمط الوعظي.
  22. أن يعمل “مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام” على توقيع مذكرة تفاهم مع “مركز الملك عبد الله الدولي لخدمة اللُّغة العربية”، تتضمن منظومةً من البرامج والأنشطة المتعلقة بدعم اللُّغة العربية والعرب في علاقتهم بها.
  23. العمل على تعزيز العلاقة بين مركز الملك عبد الله الدولي لخدمة اللُّغة العربية” والجامعات السعودية، من خلال تطوير شراكات تدريبية وبحثية في اللُّغة العربية واستخداماتها.
  24. فتح أقسام لتدريس أدب الطفل في الجامعات السعودية؛ وذلك بهدف تطوير مهارات الكتابة الأدبية عند الكتَّاب والمهتمين، وتوظيف جماليات اللُّغة العربية في أدب الأطفال.
  25. تعزيز العلاقة مع اللُّغة العربية من خلال التركيز على تذوق جماليات الخط العربي، والعمل على نشر هذا الفن من خلال المعارض الفنية والمسابقات وفِي تزيين الأماكن العامة. كما يمكن توظيف الخط العربي في تعزيز القيم والهوية العربية الإسلامية باستخدامه في لوحات جمالية عن الآيات والأحاديث والمأثورات القيمية التي كانت متداولةً تاريخيًّا.

 

القضية الثانية

نظام الحماية من العنف والإيذاء…. فجوات في التطبيق”

 

–    كاتبة الورقة: د. مها المنيف.

  • المعقبون:

–    ضيفة الملتقى د. مرام بنت موسى الحربي مدير عام الإدارة العامة للحماية الاجتماعية بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية.

–    د. هند بنت خالد الخليفة.

–    د. حميد الشايجي.

–    إدارة الحوار: أ. سمير الزهراني.

 

¤     الملخص التنفيذي:

إنَّ جميع الأطفال في المملكة وكذلك الفتيات والسيدات الكبار لهم الحق في الحماية من العنف والاستغلال والإيذاء، إلاّ أن الكثير منهم من جميع الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والفئات العمرية يعانون يوميًّا من العنف والاستغلال والإيذاء. وهناك آخرون منهم معرَّضون للمخاطر.

ويُعدُّ صدور نظام الحماية من الإيذاء في المملكة خطوةً موفقةً ومهمة جدًّا لحماية فئة مستضعفة تحتاج للحماية والرعاية من ولي أمرها، وهو الذي لا يتصور أن يقوم بإيذائها، وبعد ثبوت عدد من جرائم الإيذاء والتعذيب للأطفال والنساء من قبل أولياء أمورهم. وقد شمل النظام جميع أنواع الإيذاء الجسدي واللفظي والجنسي لأي شخص، وهذا مؤشر إيجابي لحماية الطرف الضعيف من الإيذاء بشتى أنواعه وصوره.

أشارت الورقة الرئيسة إلى أن نظام الحماية من العنف والإيذاء في المملكة يعدُّ نظامًا قويًّا لم يغفل أي مرحلة من المراحل الأربع لعلاج العنف الأسري، كما أن موادَّه عامة تعطي المنفذين مساحةً واسعة لوضع آليات تنفيذية صارمة.

والمملكة أحرزت تقدُّمًا ملحوظًا في هذا الملف منذ الاعتراف بالمشكلة في عام 2000 إلى الآن مقارنة بدول الجوار، والفجوات الموجودة في تطبيق النظام هي بسبب ضعف قدرات العاملين على هذا الملف، وقلة الموارد البشرية، وضعف الإرادة المؤسسية سواء من الشرطة أو وزارة العمل والتنمية الاجتماعية.

وذهبت التعقيبات إلى أن نظام الحماية من الإيذاء ولائحته التنفيذية بوصفه نظامًا تشريعيًّا يعدُّ نظامًا قويًّا متى ما اكتملت منظومة العمل بين كافة الجهات ذات العلاقة، إلا أن استثمار الفائدة من هذا النظام يتطلب إيجاد تنظيم مؤسسي متكامل، يستند على لوائح وآليات تنفيذية تطبيقية، ومراجعة وتقويم للكفاءات والإجراءات التي تمَّ اعتمادها في نظام الحماية.

وترى التعقيبات أيضًا أن هناك عددًا من المشكلات التي يواجهها العمل الميداني والتدخل لكن هذه المشكلات تعيها الوزارة وتسعى لتفاديها، حيث إنَّ هدفها هو التميُّز في تقديم الخدمة، وقد خُصِّص لإدارة الحماية الاجتماعية عددٌ من المبادرات التي تلمست تلك الاحتياجات، منها: تأسيس جهة للحماية الأسرية، تطوير حملات توعوية لوقاية المجتمع من العنف الأسري ونشر الوعي في المجتمع السعودي حول العنف من أجل الوقاية، تغطية احتياجات ضحايا العنف الأسري، تطوير آليات التعاون بين جميع الجهات المعنية بالعنف الأسري، تطوير اللائحة التنفيذية لنظام الحماية من الإيذاء والعنف الأسري لسدِّ الفجوات التشريعية.

كذلك أشارت التعقيبات إلى أن اللائحة التنفيذية للنظام مناسبةً كموادَّ. أما التطبيق الواقعي فيشوبه عدة مشكلات، والحل الأمثل لتحسين الوضع إنشاء هيئة مستقلة تضمُّ مركز البلاغات والشرطة المجتمعية ومراكز الحماية ومكتبًا قانونيًّا وممثِّلًا عن وزارة العدل ووزارة الصحة ووزارة الداخلية وحقوق الإنسان والجهات الأخرى ذات العلاقة. وتُزوَّد بالإمكانات المادية والكوادر البشرية الكافية للقيام بمهامها؛ لأن الوضع الحالي مهما تمَّ تعديلُه سيظلُّ ناقصًا في أدائه لمهامه.

وذهبت المداخلات التي جرت على الورقة الرئيسة إلى أن برنامج الأمان هو أفضل مثال للمناصرة والتأييد في قضية العنف الأسري عبر مؤسسات الدولة، إذ يعمل على رفع الوعي بالحملات والمؤتمرات، وبناء قدرات العاملين بالتدريب المتخصص لكل تخصص، وعمل على دراسات عديدة لمعرفة نسبة الانتشار، كما يعمل على تقديم مشاريع وطنية، مثل: مشروع شباب الأمان، ومشروع التنمر، ومشروع تأهيل النساء المعنَّفات.

واتفقت المداخلات على أن ثقافة المجتمع لها تأثير على علاقة الرجل بالزوجة والأبناء، ولكن المشكلة الكبرى أن هذه الثقافة تؤثِّر على الأنظمة والقوانين والإجراءات؛ ولذلك وبالقانون، فإن المرأة تعاني من العنف وانتهاك الحقوق في حالات كثيرة، والواقع يعكس ذلك.

كما أكدت المداخلات أن إحدى الفجوات المهمة في نظام الحماية من العنف والإيذاء في مرحلة التأهيل والوقاية هي نُدرة البرامج التأهيلية للمُعَنِّفِين والمُعَنَّفين، فهناك ضعفٌ شديد في هذه البرامج، وتكاد تنعدم في حالة مرتكبي العنف.

وفي نهاية النقاش طرح الملتقى عددًا من التوصيات، أهمها: تحويل وحدات الحماية إلى مراكز تكاملية ودعمها بالموارد البشرية والمالية اللازمة، إنشاء جهة تشريعية رقابية تنفيذية مختصة بالحماية، من الضروري أن يصطبغ “التعهُّد” المأخوذ من الشخص الذي قام بالعنف بالصبغة القانونية اللازمة، العمل على توعية المجتمع بخطورة العنف ومكافحة أي ثقافة تشجِّع عليه، ترشيد الولاية وزيادة وعي الرجل بالمسؤولية الملقاة على عاتقه وعدم استغلال الولاية للإضرار بمَن وُلِّي عليهن، صياغة مذكرة دقيقة وواضحة تُحدِّد “صلاحيات الولي” أين تبدأ ومتى تنتهي، تطوير الإحصائيات المتعلقة بقياس نسبة العنف الأسري في مختلف مناطق المملكة، تكثيف البرامج التوعوية للمعنِّفين والمعنِّفات، وللمعنَّفين والمعنَّفات، تحسين البيئة الداخلية لدور الرعاية والإيواء وتطوير أنظمة عملها الداخلية، العمل على معالجة بعض الثقافات التي تبخس المرأة حقَّها، إنشاء شرطة مجتمعية “شرطة الأسرة”، المعالجة لمسببات العنف أيًّا كان مصدرها سواء من الرجل أو المرأة، إشاعة مفهوم الوقاية كحلقة أولى في مواجهة العنف والإيذاء الأسري، استحداث برامج تأهيلية لمعالجة المعنِّفين والمعنِّفات، وتطوير البرامج القائمة لتأهيل ومعالجة المعنَّفين والمعنَّفات.

¤     مقدمة:

جميع الأطفال في المملكة وكذلك الفتيات والسيدات الكبار لهم الحقُّ في الحماية من العنف والاستغلال والإيذاء، إلا أن الكثيرَ منهم من جميع الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والفئات العمرية يعانون يوميًّا من العنف والاستغلال والإيذاء. وهناك آخرون منهم معرَّضون للمخاطر.

قد يرتبط التعرُّض للمخاطر بالعمر؛ فالأطفال الأصغر سنًا يكونون أكثر عرضةً لأنواع معينة من العنف، وتختلف المخاطر بتقدُّمهم في السنِّ، وهناك أدلةٌ كثيرة على أن العنف والاستغلال والإيذاء يمكن أن يؤثِّر في صحة الأطفال الجسدية والنفسية على المديين القصير والطويل، وهو ما يضعِف قدرتهم على التعلُّم والاندماج في المجتمع، ويؤثرِّ في انتقالهم إلى مرحلة البلوغ مع آثار سلبية لاحقًا في الحياة. كما أن ظاهرة العنف ضد المرأة تعدُّ أخطر المشكلات الاجتماعية الشائعة في المملكة.

وكثيرًا ما يُمارس العنف والاستغلال والإيذاء من قِبل شخص معروف للطفل أو الفتاة أو المرأة، بما في ذلك الآباء والأمهات والأزواج وغيرهم من أفراد الأسرة وكذلك المربون والمعلمون وأرباب العمل والجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية والأطفال الآخرون. وثمة نسبة صغيرة فقط من أعمال العنف والاستغلال والإيذاء يتم الإبلاغ عنها والتحقيق فيها، ويتعرض عددٌ قليل من الجناة للمساءلة. ويحدث العنف والاستغلال والإيذاء في البيوت والأسر والمدارس ونُظُم الرعاية والعدالة وأماكن العمل والمجتمعات المحلية في جميع السياقات، بما في ذلك نتيجة للصراعات والكوارث الطبيعية.

وبالتالي فإن صدور نظام الحماية من الإيذاء في المملكة يُعدُّ خطوةً موفقةً ومهمة جدًّا لحماية فئة مستضعفة تحتاج للحماية والرعاية من ولي أمرها، وهو الذي لا يتصور أن يقوم بإيذائها، وبعد ثبوت عدد من جرائم الإيذاء والتعذيب للأطفال والنساء من قِبل أولياء أمورهم. وقد شمل النظام جميع أنواع الإيذاء الجسدي واللفظي والجنسي لأي شخص، وهذا مؤشر إيجابي لحماية الطرف الضعيف من الإيذاء بشتى أنواعه وصوره.

لذا تُعدُّ قضية “نظام الحماية من العنف والإيذاء…. فجوات في التطبيق” من القضايا المهمة التي طرحها ملتقى أسبار من خلال ورقة العمل التي قدَّمتها د. مها المنيف، وجرت حولها العديد من المداخلات ناقشت: (دراسات وإحصاءات تحصر حالات العنف في المجتمع، مدى فعالية برنامج الأمان الأسري الوطني في الحد من حالات العنف والإيذاء، عوائق تطبيق الحماية الاجتماعية للمعنَّفات، المعنَّفات ما بين تعنيفهن ومشاكل دور الحماية، دور الحماية كمراكز تكاملية لضحايا التعنيف، إنشاء إدارة مستقلة للحماية بصلاحيات الشرطة المجتمعية، العنف في المجتمع والحلول الإجرائية، التداخل بين مفهومي الإيذاء والتأديب، غياب الاهتمام بقضية العنف ضد كبار السن والمعاقين، الوعي المجتمعي والتقليل من العنف، حالات الإيذاء البسيطة والتكافل الأسري، تأهيل تثقيف القائمين على دور الحماية، بعض الملاحظات على قضية الحماية من العنف والإيذاء، أسباب الخلل في التطبيق، الإيذاء المسكوت عنه والحلول المقترحة، قضايا العنف الأسري في المجتمع السعودي). وفي النهاية طرح الملتقى عددًا من التوصيات المهمة. وفيما يلي نصُّ الورقة التي كتبتها الدكتورة/ مها المنيف، وعقَّب عليها الدكتورة مرام الحربي، والدكتورة هند الخليفة، والدكتور حميد الشايجي.

كتبت د. مها المنيف: قبل الخوض في الحديث عن فجوات تطبيق نظام الحماية من الإيذاء أودُّ أن أعطيَ نظرةً شاملةً عن تاريخ اعتماد هذا النظام ومواده.

-التاريخ: قامت مؤسسة الملك خالد بعمل دراسة عن العنف الأسري في بداية الألفية الجديدة بعد أن أصبحت قضية العنف الأسري هي حديث المجتمع وقضية رأي عام. وكان من ضمن الدراسة مقترح لنظام الحماية من الإيذاء. قُدِّم هذا النظام عن طريق برنامج الأمان الأسري الوطني إلى الوزارات المعنية ومجلس الوزراء في عام 2006، وَحُوِّلَ إلى هيئة الخبراء لصياغته. وقد شرُفتُ بأن أكون من المساهمين في صياغته كوني المرأة الوحيدة في هذه اللجنة في هيئة الخبراء، وقد استغرق العمل بها 7 سنوات من 2006 – 2013م حتى صدر النظام (كان هناك مقاومة كبيرة من فئات من المجتمع لظهور النظام، واضطررنا إلى تغيير بعض مواده تماشيًا مع أرض الواقع). كان لمجلس الشورى دورٌ كبير أيضًا في مراجعة النظام وإضافة مواد جيدة حَسَّنت من صورته النهائية.

صدر نظام الحماية من العنف والإيذاء في سبتمبر 2013م، ويتكون من 17 مادة.

1- 2 تعريفات والجهة المختصة وأهداف النظام.

3 – 6 مواد معنية بمرحلة التبليغ وأهمها المادة الثالثة التي أكدت على إلزامية التبليغ ومعاقبة المتساهلين من العاملين مع النساء والأطفال، وحماية المبلِّغ حسن النية، وإلزام الشرطة والوزارة بمباشرة البلاغ.

7 – 8 مواد معنية بالاستجابة، وأهمها: إلزام الشرطة ووزارة العمل بالاستجابة الفورية حسب حدة الحالة ودخول المنزل دون أخذ موافقة ولي الأمر أو موافقة جهات أخرى وحماية الضحايا، وتحويلهم لدور الإيواء، ولا نحتاج موافقة ولي الأمر لأخذ الأطفال والمرأة من المنزل وإيداعهم دار الإيواء، وكذلك إلزام القطاعات الأخرى كالمستشفيات بالاستجابة.

9 – 14 مواد متخصصة لتحديد أساليب التدخل، منها: وجود دور إيواء ومراكز (وحدات) حماية في كل المناطق، وإلزام الوزارات المعنية الأخرى بتقديم الخدمات. أما المادة 13 فمخصصة لعقوبة العنف الأسري وهي الغرامة 5000 – 50 ألف والحبس من شهر إلى سنة (هذا خارج نظام العقوبات الجزائية عندما يمثِّل العنف الأسري جريمة).

15 ركزت هذه المادة على أساليب الوقاية من رفع الوعي وإصلاح ذات البين، وأبحاث ودراسات… إلخ.

16 – 17 مواد إدارية لتطبيق النظام، ومنها عمل آليات أو إجراءات التنفيذ، ويحق للوزير تعديل الآلية كل سنتين.

وكما نرى فهو نظام قوي لم يغفل أي مرحلة من المراحل الأربع لعلاج العنف الأسري، كما أن مواده عامة تعطِي المنفذين مساحةً واسعةً لوضع آليات تنفيذية صارمة.

إذًا، أين نحن مِن تطبيق هذه المراحل الأربع؟

-التبليغ: اعتمدت الوزارة التبليغ الإلكتروني وخط هاتف ساخن 1919 يعمل على مدار الساعة، كذلك هناك موقع على تويتر mlsd_1919@ يستقبل بلاغات العنف. في الـ 9 شهور الأولى من عام 2018 (من يناير إلى سبتمبر) استقبل الخط 32 ألف بلاغ عنف لأطفال ونساء تمَّ تحويلها إلى مراكز الحماية والشرطة ودور الإيواء في مناطق المملكة حسب الحالة، وهذه المرحلة ناجحة لأن الوزارة استقطبت شركة تقنية خاصة تقوم بتلقي البلاغات، وقد وظَّفت عددًا كافيًا من النساء المؤهلات لاستقبال البلاغ، ولديهنَّ قاعدة معلومات جيدة من الممكن أن يُستخلَص منها نسبة العنف وأنواعه وخصائصه.

-الفجوة: على الرغم من وجود أخصائيات اجتماعيات في المركز إلا أنه لا يقدِّم استشارات، فدوره فقط استقبال البلاغ. وحاولنا الآنَ تغيير هذا النمط والتفاعل الأفضل مع المتصلين من النساء والفتيات. وهناك مبادرة في رؤية 2030 لتحسين هذا المركز وخُصِّص لها ميزانية.

-مرحلة الاستجابة: وهنا تظهر بعض فجوات التطبيق الفعلي للنظام، فالحالات أو البلاغات الشديدة الخطورة تُحوَّل مباشرةً إلى الشرطة (لا تستجيب الشرطه إلا بأوراق رسمية وفاكس من مركز البلاغات) التي تأخذ وقتًا، ولكن تستطيع أن تداهم المنزل وتنقل الضحايا لدور الإيواء.

أما الحالات المتوسطة الخطورة والقليلة الخطورة والتي تمثل في رأيي 80-90٪ من مجموع الحالات فإنها تُحوَّل إلى مراكز أو وحدات الحماية الاجتماعية بالمناطق التي تستجيب في اليوم الثاني (وفي بعض الأحيان بعد عدة أيام) حسب خطورة الحالة.

-فجوة: (اتصال الوحدات بالمرأة المعنَّفة يعرضها للخطر) يتم الاتصال بناءً على وقت الأخصائية، ومن الممكن أن يكون المعنِّف بجانب الضحية فتخاف من الرد أو تُلغي البلاغ وتنسحب. نسبة الانسحاب بعد تقديم البلاغ 40٪.

مرحلة التدخل التي يشوبها الكثير من المشاكل والفجوات بسبب ما يلي:

1. قلة الموارد البشرية والمادية: فمثلًا، نسبة الأخصائيين العاملين في المراكز (أو ما يُسمَّى وحدات الحماية الاجتماعية) لعدد السكان هي تقريبًا أخصائي لكل 60 ألف من السكان، في حين أن في الدول المتقدمة النسبة هي واحد لكل 2000 من السكان (مثلًا، مدينة الرياض بها مركز واحد به 50 موظفًا يخدم أكثر من 5 ملايين نسمة).

2. ضعف تدريب العاملين فيها، وضعف قدراتهم الفنية ومعرفتهم بأصول العمل في هذا المجال.

3. ضعف آليات العمل المعمول بها، فمثلًا العمل بالمراكز مكتبي 100٪ وليس ميدانيًّا، فالزيارات المنزلية ومباشرة الحالات ميدانيًّا تكاد تكون معدومةً، والبيروقراطية للقيام بزيارة واحدة تأخذ أسبوعًا، وينتهي الأمر بإحضار الطرفين للمركز وكتابة تعهُّد على المعتدي، هذا التعهد ليس له أي صفة قانونية.

كذلك في هذه المرحلة لدينا شُحٌّ كبير في عدد دُور الإيواء (لدينا 9 دُور فقط وجزء كبير منها ملحقة بدار رعاية أو تأهيل وليست متخصصةً بالعنف)، إضافةً إلى أن آليات العمل بها مأخوذة من آليات العمل بدور الرعاية الأخرى بالوزارة، وتتميز بالشدة والأبوية والحماية ضد رغبة الضحية، ولا يوجد بها برامج لتمكين المرأة وحل مشكلتها. كذلك هذه المراكز تتبع الوزارة 100٪، وتواجد الجهات الأخرى بالمراكــــز معدوم، فهـــــي ليست مراكز تكاملية أو متعددة القطاعات أو ما يُسمَّى الآنَ one stop shop يعني مراكز تقدِّم خدمة متكاملة، اجتماعية وأمنية وحتى قضائية للضحية في نفس المكان. هنا (مرحلة التدخل) توجد الفجوة الكبيرة في تطبيق النظام، وهناك مبادرة في رؤية 2030 لإشراك القطاع الثالث في تقديم خدمات التدخل وإنشاء مراكز حماية تكاملية ودُور إيواء، لكن البيروقراطية تحدُّ من تطبيق هذه المبادرة الرائعة.

4. المرحلة الأخيرة وهي مرحلة التأهيل والوقاية والوعي تكاد تكون معدومة، فلا يوجد برامج تأهيلية للمعتدي ولا برامج تمكين للمرأة (يوجد برنامج واحد يقوم به برنامج الأمان الأسري مع السبرنج بورد)، وبرامج رفع مستوى الوعي المجتمعي متناثرة وفردية وليست مبنيةً على البراهين.

– الحلول:

1. تمَّ البدء في تحسين مرحلة التبليغ والعمل مع الشركة الخاصة لتحسين آليات العمل، وتوظيف أخصائيات اجتماعيات للرد على المكالمات وتدريبهن، وعمل تطبيق إلكتروني للدردشة وتقديم بلاغ (أتمنى أن يرى النور قريبًا). وكذلك عمل موقع على تويتر لتلقي البلاغ mlsd_1919@ الذي تمَّ افتتاحه من شهرين. وتشجيع الأخصائيات على تقديم استشارة واحتواء الضحية عند الاتصال وليس فقط أخذ معلومات البلاغ.

2. تحويل وحدات الحماية  الحالية إلى مراكز  تكاملية one stop shop ودعمها بالموارد البشرية وإدارتها من قِبل القِطاع الثالث (الجمعيات الخيرية)، وتعمل الوزارة الآنَ على هذا الملف.

3. الزيارات المنزلية ووجود الشرطة والنيابة في هذه المراكز التكاملية لتقديم الدعم للأخصائيات والعمل مع الضحايا.

وقُدِّمت كراسة لشركة استشارية عالمية لإعطاء الوزارة النموذج العالمي لهذه المراكز، وآليات العمل بها وبدور الإيواء. ونتمنى أن تتحقق هذه المبادرة.

4. في رؤية 2030 هناك مبادرة أخرى لإنشاء جهة مختصة بالحماية. وأقترحُ أن لا تكون فقط جهة تشريعية رقابية أسوة بهيئات كثيرة بالحكومة، بل يجب أن تكون  تنفيذية ومنفصلة عن وزارة التنمية حتى تستطيع التواصل مع الجهات الأخرى المسؤولة (طبية، أمنية، وقضائية)، وتقديم خدمة متكاملة للضحايا.

في كثير من الدول تُقدَّم الخدمات للضحايا من قِبل القطاع الثالث والقطاع الخاص، ويجب الأخذ بهذا النموذج.

5. تغير التعهُّد القائم إلى تعهد يأخذ صبغةً قانونيةً بحيث يتمُّ أخذه مباشرة من الجهات الأمنية الموجودة بالمراكز بدون رفع قضية والذهاب إلى المحاكم، وفي حال كسر هذا التعهد تُحال القضية للمحاكمة أو استخدام العقوبة الموضحة بالنظام.

6. أخيرًا يجب أن لا نغفل تأثير ثقافة المجتمع في تطبيق نظام الحماية من الإيذاء، فالكثير من العاملين في المجال سواء من أخصائيات أو أفراد شرطة أو قضاة لا يعترفون بأنواع كثيرة من العنف، ويبررون أنواع عنف كثيرة تحت ثقافة التأديب وثقافة الملكية وثقافة العيب، ومن المعروف أن تغيير ثقافة أي مجتمع تأخذ وقتًا أطول وتؤثر على تطبيق القانون.

كلمة حق أخيرة؛ فقد أحرزت المملكة في هذا الملف تقدُّمًا ملحوظًا منذ الاعتراف بالمشكلة في عام 2000 إلى الآن مقارنة بدول الجوار، والفجوات الموجودة في تطبيق النظام هي بسبب ضعف قدرات العاملين على هذا الملف، وقلة الموارد البشرية، وضعف الإرادة المؤسسية سواء من الشرطة أو وزارة العمل والتنمية الاجتماعية.

عقَّبت د. مرام الحربي: لعلِّي أبدأُ حسب تقسيم ورقة د. مها، فتاريخ (الإدارة العامة للحماية الاجتماعية) بدأ بقرار وزاري عام (1425هـ 2005م) المحدد لأهداف الإدارة باتخاذ التدابير لحماية بعض أفراد المجتمع المعرضين للإيذاء حماية إيوائية وشرعية ونفسية واجتماعية، بما يحقِّق الأمن الاجتماعي ويراعي مصالحهم، تنظم من خلالها آلية لتعبئة الجهود وصياغة السياسات وأدوات التنفيذ العامة والأهلية وذلك عن طريق الجهات ذات العلاقة. كما حدَّد القرار الفئات التي تخدمها الإدارة مبدئيًّا (الطفل وفقًا للسن الذي حددته اللوائح العالمية 18 سنة وما دون، المرأة أيًّا كان عمرها لحمايتها من الإيذاء الجسدي أو النفسي أو الجنسي)، على أن تكون هناك أقسام محددة داخل الدور الاجتماعية الإيوائية تكون مستقلة للحالات التي تتعرض للإيذاء. على أن تتولى الإدارة العامة للحماية الاجتماعية ما يلي: دراسة المشكلات الاجتماعية التي تؤدي إلى الإيذاء في المجتمع السعودي، واقتراح تنظيم المشاركة في المؤتمرات وورش العمل ذات العلاقة بمهام الإدارة، والتدخل السريع في حالات الإيذاء والتنسيق الفوري مع الجهات ذات العلاقة مثل إمارات المناطق والمحاكم الشرعية والشرطة، وتنسيق الجهود الحكومية والأهلية التي تبذلها القطاعات ذات العلاقة بهذه الخدمة وتسهيل منظومة العمل الاجتماعي، وتفعيل دور القطاع الأهلي والجمعيات الخيرية في أعمال هذه الإدارة والتشجيع على إنشاء جمعيات خيرية متخصصة للقيام بأدوار الحماية الاجتماعية للفئات الضعيفة في المجتمع، ومن بينهم فئة الأطفال والنساء الذين قد يتعرضون للأذى داخل أسرهم.

وتم إنشاء مركز للبلاغات كخط ساخن لاستقبال البلاغات على مدار الساعة، ولاستقبال بلاغات العنف الأسري.

وفي عام 1429هـ صدر قرار مجلس الوزراء الذي نصَّ على (وزارة الشؤون الاجتماعية) اتخاذ ما يلزم للحد من مشكلة العنف الأسري، وجاء في ذلك عدد من القرارات، كان من أهمها: الإسراع في افتتاح وحدات للحماية الاجتماعية في المناطق والمحافظات، وإعداد الخطط الإعلامية والتوعوية، وإعداد إستراتيجية وطنية شاملة للتعامل مع المشكلة على جميع المستويات، وتكليف (وزارة التربية والتعليم) بتضمين مناهجها الدراسية مفاهيم واضحة تحثُّ على التسامح ونبذ العنف.

إلى أن جاء النص ” وعلى جميع الجهات التي تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية بوصفها الجهة المسؤولة عن كل ما يخصُّ الشؤون الاجتماعية”.

إلى أن صدر نظام الحماية من الإيذاء 2013م ولائحته التنفيذية، والذي بوصفه نظامًا تشريعيًّا يعدُّ نظامًا قويًّا متى ما اكتملت منظومة العمل بين كافة الجهات ذات العلاقة، وهو ما تسعى له الوزارة من خلال التعديل الأخير للائحة التنفيذية حيث قامت بتوزيع أدوار ومهام توضِّح مسؤوليات كل جهة، وقد صدر الشهر الماضي من عام 1440هـ.

أما فيما يتعلق بما ذكرته د. مها حيال الفجوة بعدم وجود استشارات سابقًا لمركز البلاغات فتعلمون أنه ليس كل أخصائي مستشارًا أو مرشدًا، وهذا الأمر يحتاج إلى اختصاصيين مدربين، وقد اعتمدت الوزارة فيما سبق على مركز الاستشارات السابق، ومن خلال مبادرة تطوير مركز بلاغات العنف الأسري تسعى الآنَ ضمن عدد من التطوُّرات إلى إضافة خدمة الاستشارات ومتابعة الخدمات وتقييمها وقياس رضا المستفيد وكذلك الربط الإلكتروني مع الجهات ذات العلاقة (الصحة، الداخلية911) بالإضافة لعدد من الاتفاقيات، وقد تمت اتفاقيات (العدل، النيابة)، وفي طور توقيع اتفاقية مع الداخلية، والأمن العام، والتعليم، والصحة، وذلك لمزيدٍ من التنظيم ضمن منظومة العمل الاجتماعي.

أما ما ذكرته دكتورة مها حيال توقيع تعهُّد على المعنِّف من قِبل وحدات الحماية، فإن هذا يتمُّ مزامنةً مع الرفع للجهات المعنية من قِبل جهات الضبط والنيابة العامة، وكثير من البلاغات ليس لديها البينة فيكون توقيع التعهد جانبًا وقائيًّا ورادعًا. وتسعى الوزارة الآنَ ومن خلال الاتفاقيات الموقعة وكذلك التي بصدد توقيعها إلى إيجاد فرق تكاملية من كافة القطاعات ذات العلاقة كخدمة شاملة تغطي كافة مجالات البلاغ، التدخل والاستجابة، العلاج، التأهيـــــل. أو ما تعرف (one stop shop).

علمًا أن الوزارة وقَّعت مذكرة تفاهم مع برنامج الأمان الأسري لتدريب العاملين، ونُفِّذ عدد من الدورات، إلا أنه لا يزال هناك احتياج أكثر؛ نظرًا لعدد الوحدات والفرق الذي تجاوز 25 مركزًا.

لا ننكر أن هناك عددًا من المشكلات التي يواجهها العمل الميداني والتدخل، لكن هذه المشكلات تعيها الوزارة وتسعى لتفاديها حيث إنَّ هدفنا هو التميُّز في تقديم الخدمة، وقد خُصِّص لإدارة الحماية الاجتماعية عددٌ من المبادرات التي تلمست تلك الاحتياجات ضمن دراسة إستراتيجية قامت بها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لصالح الوزارة معتمدة على دراسة علمية طُبِّقت على شريحة من كافة مناطق المملكة وعلى فئات متعددة.

ويسرني أن أوردَ بعضًا من المبادرات ذات العلاقة والتي نتطلع بأن يكون هناك تحولٌ في العمل الاجتماعي المعتمد على جودة الخدمة بكفاءة وفاعلية.

من هذه المبادرات:

-تأسيس جهة للحماية الأسرية تتألف من أصحاب القرار، وتكون قادرة على القيام بحوكمة وتشريع ومتابعة جميع الأعمال المتعلقة بالحماية الأسرية في المملكة العربية السعودية والإشراف عليها.

-تطوير حملات توعوية لوقاية المجتمع من العنف الأسري، ونشر الوعي في المجتمع السعودي حول العنف من أجل الوقاية. تعريف الأفراد لحقوقهم وواجباتهم والخدمات المقدَّمة لهم في حال تعرُّضهم للعنف.

-تطوير حزمة متكاملة من الخدمات لتغطي احتياجات الضحايا والمعتدين أثناء العنف الأسري وبعده.

-تغطية احتياجات ضحايا العنف الأسري، كتوفير الزيارات العائلية واحتضان أطفال العنف الأسري فهذه تُعد من الخدمات المقدمة حاليًا وتغطي كافة احتياجات الضحايا. كما أن هذه الخدمات المقدَّمة حاليًّا تشمل خدمات لتأهيل المعتدين والعمل على مساعدتهم.

-تطوير آليات التعاون بين جميع الجهات المعنية بالعنف الأسري.

-إعداد برتوكول تعاون بين المؤسسات الأهلية والحكومية المعنية بمنظومة الحماية الاجتماعية، يشمل صياغة آليات واضحة وتعريفات محددة للعنف الأسري.

-الشراكة مع القطاع الثالث لزيادة التغطية الجغرافية لجهات الحماية الاجتماعية، وبناء شراكات مع القطاع غير الربحي، وإنشاء فروع لتقديم خدمات الحماية الاجتماعية في مناطق مختلفة من المملكة بهدف الوصول إلى الفئات الأكثر احتياجًا والتي  لم تتمكن من الوصول إلى خدمات الوزارة.

-تطوير اللائحة التنفيذية لنظام الحماية من الإيذاء والعنف الأسري لسد الفجوات التشريعية وتحقيق الاتساق بين كافة الأنظمة الخاصة بالحماية الاجتماعية. بالإضافة إلى تحديث وتطوير اللوائح التنفيذية لنظامي الحماية من الإيذاء وحماية الطفل.

نعود إلى أننا لا نَدَّعِي الكمال لكن من حقِّنا أن نسعى له وسط حرص واهتمام الدولة ومسؤوليها ووسط كافة الممكنات المتاحة، ولا ننكر ما يواجه الميدانيون من صعوبات، فالعنف الأسري يتم داخل الأسرة ذاتها والتي يُفترض أنها ذلك السياج الذي يتخذ دور الحماية لأفراده ويوفِّر لهم الأمان، فكيف بها تصبح سببًا لتعريض حياتهم للخطر وسط هذا الدور، وهو ما يشكِّل حتمًا تدخُّلًا حساسًا يقع من خلاله الأخصائي والعاملون بالحماية الاجتماعية في ضغوط وسط نزعات بعض منها قد لا يتلمسون له أثرًا، وهو ما يوقعهم في حيرة، على العكس من العنف الواضح والمثبت بقرائن والذي تتم إحالته للجهات الأمنية ومتابعته.

العمل دؤوب والوزارة بقيادتها تولِي هذا الملف الاهتمامَ، وتسعى للحد من هذه الظاهرة ضمن منظومة عمل مشترك بين كافة القطاعات الحكومية والأهلية بمؤسسات المجتمع المدني، كُلٌّ حسب دوره ومسؤولياته، وعلى اعتبار أن المدافع الأول والشريك الأساسي لنا هو المجتمع، وبإطلاقنا للهاشتاق (#مجتمع_لا_يقبل_العنف)، وبذلك نحمِّل المجتمع الرسالةَ، فالعنف قضية المجتمع، وهو مَن يضعُ لها الحدَّ.

وعقَّبت د. هند الخليفة: إن مشكلة العنف الأسري ومدى فعالية نظام الحماية من العنف والإيذاء في حماية الضحايا وتوفير بدائل تحقِّق الأمان والاستقرار لهم _ تعدُّ من القضايا المهمة؛ لأنها تدخل في عمق حياتنا، وتغوص داخل بيوتنا حيث تُغلَق الأبواب عليها ويصمت عنها الحديث.

‏قدَّمت د. مها المنيف مشكورةً نبذةً شاملة عن تاريخ اعتماد نظام الحماية من العنف والإيذاء في المملكة، وظهر في استعراضها لبنود هذا النظام شمولية مواده وتغطيتها للمراحل التي يمرُّ بها العنف الأسري. وتستوقف المراجع للمراحل التي مرَّ بها نظام الحماية طول الفترة الزمنية التي استغرقها هذا النظام ليخرج إلى النور، إذ إنَّ بداية الاعتراف الرسمي بالمشكلة كانت في عام 2000، تلاها المناقشات الرسمية لأهمية التدخل القانوني في الحد من مشكلة العنف الأسري في المملكة والتي بدأت في العام 2006، واستمرت إلى العام 2013 حين ظهر مشروع نظام الحماية من العنف الأسري. وبالرغم من الأهمية الكبيرة لإقرار نظام الحماية، وكونه خطوةً إيجابية نحو حفظ حقوق الإنسان وحمايته؛ إلا أنَّ بُطء وتيرة التقدم نحو استكمال دائرة الحماية المستدامة للمعنَّفين يثير القلق حول سرعة تطبيق اللوائح التنفيذية للإجراءات التي وردت في مواد نظام الحماية ومتابعتها ومراجعتها للتحقُّق من فعاليتها ومن كفاءة الإجراءات والعاملين على تطبيقها.

نتفق جميعًا على أن مشكلة العنف الأسري هي مشكلة قائمة في المجتمع السعودي شأنه شأن غيره من المجتمعات، كما نثمِّن إقرار وصدور نظام الحماية، إلا أن استثمار الفائدة من هذا النظام يتطلب إيجاد تنظيم مؤسسي متكامل، يستند على لوائح وآليات تنفيذية تطبيقية، ومراجعة وتقويم للكفاءات والإجراءات التي تمَّ اعتمادها في نظام الحماية. ولعلَّ الشواهد والإحصاءات بالإضافة إلى الأمثلة التي أشارت لها د. مها المنيف في مناقشتها لتطبيق النظام تُظهِر قصورًا واضحًا في آليات التطبيق وضرورة استكمال العمل لتتحقق الأهداف المرجوة.

يعدُّ نظام حماية الطفل الذي صدر في عام 2015 جزءًا من توجُّه المملكة نحو مأسسة الحقوق وتقنينها. ويتكون هذا النظام من 25 مادة نظامية، تتميز بالشمولية وتناول حقوق الطفل في الأسرة والمجتمع بكافة مؤسساته. ويُلاحظ اتساق نظام حماية الطفل مع ما جاء في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، والتي وقَّعت عليها المملكة عام 1996، وبالتالي أصبحت ملزمةً بتطبيق ما جاء في هذه الاتفاقية، ماعدا ما تحفَّظت عليه المملكة وكان غير متوافق مع الشريعة الإسلامية، كنظام التبني والذي وضعت المملكة نظام الكفالة بديلًا عنه.

مرة أخرى، يُلاحظ طول الفترة الزمنية الفاصلة بين توقيع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وصدور نظام حماية الطفل في المملكة.

 ويعاني نظام الحماية كما هو حال نظام حماية الطفل من الفجوة في آليات التطبيق، والتي من أهمها:

-العمومية في التعامل مع القضايا، وضعف استخدام منهجية دراسة الحالة للتعامل مع كل قضية واتخاذ اللازم نحو معطياتها.

-عدم مناسبة البدائل والحلول التي تُقدَّم للضحية، وعدم اكتمال دائرة الحماية التي من شأنها توفير الأمان للضحية؛ وهو ما يؤدي إلى انسحابها من القضية والعودة إلى المعنِّفين.

-غياب الشراكة مع منظمات المجتمع المدني، وتهميش دورها في الوقاية والحماية والتمكين لفئات المجتمع الأكثر تعنيفًا؛ النساء والأطفال.

-ضعف التواصل بين القطاعات المختلفة ذات العلاقة بتقديم الحماية من العنف الأسري. وتظهر هنا أهمية التشبيك بين هذه القطاعات في مراحل العمل المختلفة: التخطيط، والتنفيذ، والتقييم والمراجعة.

-عدم تطوير مهارات العاملين لتتوافق مع أهداف أنظمة الحماية المستحدثة في المملكة؛ وهو ما يؤدي إلى إخفاقات في التطبيق وتعميق الفجوة بين النظام كدستور نظري وما يحقِّقه عمليًّا على أرض الواقع.

-ضعف الوعي الحقوقي، وتعزيز الثقافة المحلية لبعض فئات المجتمع للأساليب التربوية القائمة على استخدام السلطة في العلاقات ولا سيما السلطة الوالدية في حرمان الأطفال من حقوقهم.

وتبقى أنظمة الحماية المستحدثة في المجتمع السعودي خطوةً إيجابيةً مهمة على الصعيدين المجتمعي والفردي، وتتطلب العمل الجاد في التطبيق وجني الثمار.

كما عقَّب د. حميد الشايجي: أودُّ في البداية تصحيح مسمَّى النظام، فهو نظام الحماية من الإيذاء، ولم يرد فيه كلمة العنف. والنظام يعدُّ نقلةً نوعيةً في المملكة للتعامل مع مشكلة العنف الأسري. وطال انتظاره كثيرًا. وقد شاركتُ في لجنتين للنظام ودراستين عن العنف الأسري. حيث شُكِّلت لجنة في الوزارة لوضع نظام للعنف الأسري في بدايات الألفية الثانية، وتمَّ إعداد النظام ورفعه للوزارة وظل يدور في أروقتها بين مسؤول مؤيد وآخر معارض ثم تمَّ وَأْدُهُ.

وبعد صدور النظام الجديد شُكِّلت لجنة لوضع اللائحة التنفيذية للنظام وصدرت اللائحة في 8/5/1435هـ، والتي تكونت من 18 مادة. وسأتناولُ أهم المواد في اللائحة التنفيذية لتوضيح ما أشارت إليه د. مها عند تناولها مواد النظام.

– المادة الثانية أشارت إلى:

لتحقيق أهداف النظام تقوم الوزارة بما يلي:

1-إجراء البحث الاجتماعي والنفسي للحالات التي تعرَّضت للإيذاء.

2-توفير أماكن الإيواء أو الاستضافة للحالات المحتاجة إليها والتي ثبُت تعرُّضها للإيذاء، وبالقدر الذي يحقِّق حمايتها وإدماجها في المجتمع.

3-تقوم الوزارة بالتنسيق مع الجهات العامة والخاصة ذات العلاقة، لضمان تقديم الخدمات اللازمة للحالات التي تعرَّضت للإيذاء.

4-في سبيل إيجاد بيئة خالية من حالات الإيذاء، تقوم الوزارة باقتراح التدابير الوقائية المناسبة للحماية من الإيذاء، وذلك بالتعاون مع الجهات العامة والخاصة ذات العلاقة بالحماية من الإيذاء.

-المواد الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة كانت إجرائية حول مركز البلاغات ووجوب التبليغ وسرية هوية المبلِّغ وآليات التدخُّل.

-المادة السابعة تناولت إجراءات التدخُّل بعد تلقي البلاغ، وجاء ذلك في 6 فقرات مهمة وواضحة، إلا أن المشكلة تكمن _كما ذكرت د. مها _ في آلية التنفيذ، حيث توجد فجوات تطبيقية ميدانية لا تساعد الضحية وتحميها.

-المادة الثامنة مكونة من 6 فقرات تناولت الفقرات الخمس الأُوَل منها تحديد حالات الإيذاء وخطورتها والإجراءات التي يجب اتخاذها حيال كل حالة. ويُلاحظ في الحالات متوسطة الخطورة والبسيطة اتخاذ إجراءات غير فاعلة في الحماية من العنف المستقبلي كالإصلاح والتهدئة والتعهُّد، وهذه الإجراءات غير ملزمة وفيها خلل، فالتعهُّد _ مثلًا _ غير رسمي، أي أنه لا يحمل الصفة القانونية أو القضائية.

أما الفقرة 6 من م 8 فهي تتعلق بشروط الإيواء، ويُلاحظ فيها التشديد على مدة الاستضافة بأنها 3 أيام قابلة للتمديد إلى شهرين ومن الممكن استثناءً تمديدها لأكثر من ذلك.

ويُلاحظ أن هناك تمييزًا ضد الرجل في هذه الفقرة، حيث قصرت الإيواء على النساء والأطفال ولم تشتمل على حالات خاصة من الرجال المعنَّفين؛ كالمريض، والمعاق، وكبير السن.

-المادة التاسعة تناولت إجراءات الاستجابة والعلاقة بين وحدة الحماية والشرطة، والآنَ التدخل يكون من مهمة الشرطة.

-المواد 10 و11 و12 تناولت هذه المواد القواعد التي يجب الالتزام بها عند التعامل مع حالات الإيذاء.

-المادتان 13 و14 تناولتا العلاقة بين وحدة الحماية والمحكمة والعقوبات البديلة للمعنِّف.

-المادة 15 تتناول الجانب الوقائي للحماية من الإيذاء، كالتوعية وإجراء الدراسات وجمع البيانات.

-المواد 16 و17 و18 أحكام عامة.

ويُلاحظ مناسبة اللائحة التنفيذية كمواد. أما التطبيق الواقعي فيشوبه عدة مشكلات ذكرَتْها د. مها. والحل الأمثل لتحسين الوضع إنشاء هيئة مستقلة تضمُّ مركز البلاغات والشرطة المجتمعية ومراكز الحماية ومكتبًا قانونيًّا وممثلًا عن وزارة العدل ووزارة الصحة ووزارة الداخلية وحقوق الإنسان والجهات الأخرى ذات العلاقة. وتُزوَّد بالإمكانات المادية والكوادر البشرية الكافية للقيام بمهامها؛ لأن الوضع الحالي مهما تمَّ تعديله سيظلُّ ناقصًا في أدائه لمهامه.

ولي ملاحظة على أحد مقترحات د. مها حول فجوة التبليغ، حيث ذكرت أن تقوم متلقيات البلاغ بتقديم الاستشارات، وهذا أمر ليس مهنيًّا، فالمتطلبات والمهارات المطلوبة في مستقبلات البلاغات غير تلك الواجب توافرها في المستشارات؛ لذلك بالإمكان استخدام أسلوب الإحالة، بحيث يتم توظيف عدد من المستشارات المتخصصات يتم إحالة الحالات التي تتطلب استشارة لهن. كما أن تولي مستقبلات البلاغات عملية الاستشارة سيعطِّل عملية تلقي بلاغات جديدة؛ لأن العاملات مشغولات بالاستشارة.

¤   المداخلات:

  • ·     دراسات وإحصاءات تحصر حالات العنف في المجتمع:

بدأ أ. سمير الزهراني مداخلته بتساؤل عام، ما مدى انتشار العنف والإيذاء في الأسر في السعودية؟ وهل هناك دراسات وإحصاءات تحصر حالات العنف في المجتمع؟

علَّق د. حميد الشايجي: بالنسبة للعدد الفعلي للحالات فهو غير معروف بشكل دقيق؛ وذلك للأسباب التالية:

1- بعض أصناف العنف لا تعتبر عنفًا في عُرف البعض، كالعنف اللفظي والعنف النفسي؛ وبالتالي هذه الحالات لا يُبلَّغ عنها ولا تدخل في إحصاءات العنف الأسري.

2- العنف الجسدي والجنسي هي الأنواع التي يتمُّ التعامل معها، ومع ذلك بعضها لا يتمُّ الإبلاغ عنه؛ إما لاعتباره شأنا داخليًا، أو لاعتباره تأديبًا، أو لخوف الضحية من الجاني أو من أحد أفراد الأسرة أو العائلة، أو للخجل والخوف من الفضيحة. فبسبب كل هذه العوامل مجتمعةً لا توجد أرقام دقيقة لحالات العنف الأسري الحقيقية التي تحدث في المجتمع.

وهناك رأي اجتماعي حول عدم دقة إحصاءات الجريمة، يرى أن الرقم المُعلَن للجريمة ما هو إلا قمة الجبل الجليدي Tip of the iceberg، في حين أن بقية الجبل مغمور تحت الماء.

ويذهب البعض إلى أن أرقام الجريمة المُعلَنة لا تمثِّل إلاّ 10٪ من الرقم الحقيقي للجريمة، أي أنك إذا أردت أن تعرف الرقم القريب من الحقيقة تقوم بضرب الرقم المطروح في 10، وذلك بناءً على الدراسات التي أُجريت حول ما يُعرف بـ Self reported delinquency  وSelf reported criminality، وكلها أثبتت أن هناك عددًا كبيرًا من الجرائم تُرتكب ولا يتمُّ اكتشافها، وحتى إذا اكتُشفت لا يُبلَّغ عنها، وبالتالي لا تدخل ضمن الإحصاءات الرسمية للجريمة.

وقياسًا على ذلك، فإن الإحصاءات الرسمية لحالات العنف الأسري لا تمثل الرقم الحقيقي لكل حالات العنف المرتكبة في المجتمع السعودي، فالواقع _ وللأسف _ أكبر بكثير.

وذهبت د. مها المنيف إلى أنه فيما يتعلق بنسبة حدوث العنف incidence، فتشير الدراسات وبصفة عامة أن لكلِّ حادثة عنف تمَّ التبليغ عنها هناك 20 حالة خلف أبواب المنازل.

أَسَّسَ برنامج الأمان الأسري الوطني قاعدةَ معلومات للقطاع الصحي، وهي تسجِّل جميع حالات العنف التي وردت إلى القطاع الصحي بالمملكة، وسنويًّا نسجل من 1500 -2000 حالة فقط (نساء وأطفال)، وهذه بالنسبة لعدد السكان تعتبر ضئيلة.

أما نسبة انتشار العنف بالدراسات prevalence فهناك عدة دراسات ميدانية أكدت أن انتشار العنف ضد المرأة بالسعودية يتراوح بين 25-40٪، وهذا يعني أن امرأة من كل 3 نساء قد تعرَّضت للعنف، وهو مقارب للنسبة العالمية.

في دراسة قامت بها منظمة الصحة العالمية في 79 دولة كانت النسب تتراوح بين 10 70٪، وهي نسبة عالية في الدول النامية مقارنة بالدول المتقدمة. نحن لسنا الأسوأ وكذلك لسنا الأفضل عالميًّا.

  • ·     مدى فعالية برنامج الأمان الأسري الوطني في الحد من حالات العنف والإيذاء:

كما تساءل أ. سمير الزهراني: ما مدى فعالية برنامج الأمان الأسري الوطني في الحد من حالات العنف والإيذاء؟

ذكرت د. مها المنيف أن برنامج الأمان هو أفضل مثال للمناصرة والتأييد في قضية العنف الأسري عبر مؤسسات الدولة، إذ يعمل على رفع الوعي بالحملات والمؤتمرات، وبناء قدرات العاملين بالتدريب المتخصص لكل تخصص، وعمل على دراسات عديدة لمعرفة نسبة الانتشار، كما يعمل على تقديم مشاريع وطنية، مثل: مشروع شباب الأمان، ومشروع التنمر، ومشروع تأهيل النساء المعنَّفات… إلخ. ولكن برنامج الأمان لا يستطيع أن يقدِّم خدمات للمتضررين من العنف؛ كونه يعمل تحت مظلة وزارة الحرس الوطني.

  • ·     عوائق تطبيق الحماية الاجتماعية للمعنَّفات:

يعتقد د. خالد الرديعان أن أكبر عائق في عملية تطبيق الحماية الاجتماعية للمعنَّفات ليس له علاقة مباشرة بالإجراءات الحكومية.

المسألة أبعد من ذلك بكثير، وتتعلق “بثقافة ومتواضعات” مجتمع بأكمله. مجتمع يتأسس على بنية بطركية (أبوية) يصعب معالجُتها بقوانين وإجراءات نظامية. مجتمع يولي أهميةً كبيرة لسلطة الولي الذكر سواء كان أبًا أو زوجًا. هذه السلطة مركزية في نسق الأسرة، ويصعب التقليل من دورها في ظل الظروف الحالية.

إنَّ أي فتاة أو سيدة تتقدم بشكوى من عنف الولي ستخسر كثيرًا، وهو ما يجعلها تُحجم عن تقديم الشكوى أو تتنازل عنها في مرحلة ما، فهي في النهاية ستعود للعيش مع أسرتها ولن تستغني عنها مهما كان حجم الضرر الذي وقع عليها، كالعضل على سبيل المثال.

لقد تأكدنا من حالات ممَّن تقدَّمن بشكوى من عنف الأب وكيف اعتبر بعض الآباء أن ذلك عقوقٌ، وتقدموا بشكاوى مضادة للتدليل على ذلك، وكيف أن بعض المحاكم وقفت إلى جانب الأب في هذه المسألة. وأبلغ دليل على ذلك قصة الطبيبة التي بلغت الأربعين عامًا من العمر والتي كان والدها يرفض تزويجها لكلِّ مَن تقدَّم لها بحجة عدم تكافؤ النسب، وكيف أن المحاكم أخذت بموقف الأب بحكم ولايته في الزواج حيث اعتبروا السيدة عاقَّة لوالدها.

وليس المقصود من هذا الكلام نزع الولاية عن الأب أو الزوج ولكن ترشيدها وتقنينها، وزيادة وعي الرجل عامة بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، وعدم استغلال الولاية للإضرار بمن يُولَّى عليهن.

وأعتقد أن أكبر تأثير على الولي قد يأتي من شيوخ القبائل وأئمة المساجد والخطباء ودورهم في رفع الوعي في هذه المسألة الحساسة؛ وذلك لارتباط ما يمسُّ المرأة بقضية سمعة الأسرة والتي يلزم حفظها بطريقة لا تخل بالنظام القرابي والتراتبية الأسرية؛ فالمرأة في مجتمعنا غير مستقلة مهما قلنا غير ذلك، فهي تحتاج الولي سواء في عقود الزواج أو السفر، وهي قضايا أساسية بالنسبة للمرأة.

ما هو مطلوب ومُلحّ في المرحلة الحالية هو صياغة مذكرة دقيقة وواضحة تحدِّد “صلاحيات الولي” وأين تبدأ ومتى تنتهي، بحيث تمنع تعسُّفه وفي الوقت نفسه لا تلغي دوره، وأن يتم عقد ورش وندوات إعلامية للترويج لهذه المذكرة ليكون الجميع على اطلاع عليها.

وفي حال الخلاف الذي قد يبرز بين الولي ووليته، فإنه يلزم أولًا معالجة ذلك من خلال مكاتب استشارية أسرية وإصلاح ذات البين، تسترشد برأيها كذلك المحاكم إذا وصل الأمر للقضاء. ولا بد أن تكون هذه المكاتب ذات صلاحيات واسعة بحيث تنسق مع دور الحماية والجهات الأخرى، وأن تتسم بالسرعة والفاعلية في معالجة القضايا التي تصل إليها.

اتفقت د. مها المنيف مع ما ذهب إليه د. خالد حول دور الثقافة؛ لأنها هي المفتاح الأساسي الذي يشرح لنا واقع المجتمع، إذ إن هذه الثقافة تفرز سلوكيات لا يتأثر بها المعتدي والضحية فحسب، بل مقدمو الخدمات من العاملين بالحماية؛ لأن الجميع مؤمن بثقافة الدونية للمرأة؛ فالشرطي لا يستجيب، والأخصائية تحاول إقناع المرأة بهذه الثقافة، والقاضي يحكم للرجل بناءً على هذه الثقافة التي تبرِّر العنف وتقلِّل من شأنه. هذه الثقافة أثرت في القوانين، فنحن إما  لدينا نقص كبير في القوانين الحديثة التي تناسب العصر أو وجود قانون ينصف المرأة ولكن لا يُطبَّق مثل  قانون الولاية، والحل هو المساواة القانونية بين الرجل والمرأة.

من جانبها أشارت د. هند الخليفة إلى أنها تتفق مع هذا الطرح فيما يتعلق بتأثير ثقافة المجتمع على علاقة الرجل بالزوجة والأبناء، لكن المشكلة الكبرى أن هذه الثقافة تؤثِّر في الأنظمة والقوانين والإجراءات؛ ولذلك وبالقانون، فإن المرأة تعاني من العنف وانتهاك الحقوق في حالات كثيرة. والواقع يعكس ذلك، ففي حلقات تدريبية مع عدد من المرشدات الاجتماعيات في المدارس تحدثن عن أشكال مختلفة من الإيذاء تتعرض لها البنات من الآباء أو الإخوة، بما فيه الإيذاء الجنسي. وبعد التبليغ عن الحالات تتراجع الأم بسبب عدم الحماية القانونية وعدم مناسبة البدائل، إذ إنَّ تقديم شكوى ضد الأب تعني ترك المنزل، ومن ثَمَّ عدم وجود مكان للسكن للأم وبناتها. هذا أحد الأمثلة، وهناك أوضاع مختلفة تؤكد على أن الواقع الاجتماعي خلق واقعًا قانونيًّا لا يوفِّر للمرأة أمانًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا.

ويرى د. خالد الرديعان أن المفروض تحديد شروط ولاية الرجل على المرأة وترشيدها حتى لا نُفاجأ بهاربات بسبب ظلم وعنف الولي.

أمس استمعتُ إلى مداخلة فتاة سعودية هاربة تقيم في السويد (ش. م)، وكان معظم كلامها يدور حول هذا الموضوع. في السياق نفسه، تساءل د. حميد الشايجي: ما هي حدود نظام الولاية؟ وهل تتوقعون أن نظام الولاية موجود في السعودية فقط؟

علَّق د. خالد الرديعان أنه في موضوع اللجوء السياسي لا بد من وَضْع مبررات مقنعة، ولا يوجد شيء أكثر إقناعًا من عقوبة القتل؛ ولذلك يثير البعض موضوع الإلحاد والعنف الأسري لكسب التعاطف مع طلبه للجوء مع أنه داخليًّا قد يكون خلاف ذلك.

ومع ذلك فإن رأيي هذا يبقى مجرد تخرُّصات إن لم يكن مبنيًا على نتائج دراسات علمية موضوعية محايدة تحدِّد الخصائص والعوامل والأسباب.

أضاف د. حميد الشايجي أن إحدى الفجوات المهمة التي أثارتها د. مها في مرحلة التأهيل والوقاية هي ندرة البرامج التأهيلية للمُعَنِّفِين والمُعَنَّفين. وللأسف، هناك ضعف شديد في هذه البرامج، وتكاد تنعدم في حالة مرتكبي العنف. أقصى ما يحدث هو حكم بالسجن أو تعهُّد أو مناصحة مؤقتة، ولكن لا توجد برامج تأهيلية جادة موجَّهة للشخص العنيف ذكرًا كان أو أنثى.

  • ·     المعنَّفات ما بين تعنيفهن ومشاكل دور الحماية:

أشار م. أسامة الكردي إلى أنه من الواضح أننا نحتاج إلى تطوير الإحصائيات لنتعرف على حجم المشكلة وحتى يتم توزعها جغرافيًّا، ولكن الأهم من ذلك كله النظر _ عند تطبيق النظام_ في وضع المعنَّفات وما يحصل لهن بعد تقديم شكواهن، ولماذا يسحبن شكواهن؟ كما أنني أسمعُ من بعض المعنَّفات أن التعنيف أسهل عندهم من دور الحماية التي يشبِّهنها بالسجن. وبهذا أصبح العلاج جزءًا من المشكلة.

أضاف د. حميد الشايجي: بالنسبة لدور الحماية _ للأسف _ هي أشبه بالسجون المخففة، فهناك ضوابط للدخول والخروج والحركة، والهدف منها تنظيم الأمور كما يقول القائمون على الدار.

أكدت على ذلك د. هند الخليفة، وذكرت أن دور الحماية ودور الرعاية بيئة طاردة، بل قد تعزِّز السلوكيات السلبية ولا تقدِّم بديلًا مناسب للمعنَّفات اللاتي يتركن بيوتهن بحثًا عن الأمان. الأنظمة في هذه الدور غير مناسبة وسلطوية، والعاملات فيها ينقصهن التدريب والمهارات التربوية والإرشادية اللازمة للاحتواء والتوجيه. أضافت أيضًا د. وفاء طيبة أنه من الضروري دراسة لماذا يتم سحب الشكوى؟ وكيف يمكن أن يُسهم تحديث النظام ولائحته التنفيذية في التقليل من عدد مَن يسحبن الشكوى؟ وهل يستمر الإيذاء أو العنف بعد سحب الشكوى؟ وهل يزيد أو يتغير؟

من جانبها تعتقد د. مها المنيف أن أسباب سحب الشكوى كثيرة، منها:

1- فقدان الخصوصية والسرية، فيتم الاتصال بالضحية في أوقات تناسب الأخصائية لكن لا تناسب الضحية.  والحل _ في رأيي _ أن تُعطى المرأة رقم خاص أو تطبيق معين تتواصل هي بالأخصائية.

2- ضعف صلاحيات العاملين بالحماية، فهم معتمدون كليًّا على الجهات الأخرى التي تقدِّم الخدمة، فهذه الجهات تقلِّل من شأن هذا النوع من الشكاوى، مثل الشرطة والمحاكم. والحل هو وجود أفراد من الشرطة والنيابة منتدبين بالحماية، لديهم صلاحيات القبض والتحقيق وإعطاء تعهُّد له صبغة قانونية. فتصبح وحدات الحماية مراكز تكاملية one stop shop.

3- فقدان الثقة في الحماية من قِبل العامة مع أن الإدارة العامة للحماية تقوم بجهد كبير، لكن ضعف الموارد المالية والبشرية المخصَّصة لها تؤثر سلبًا على أدائهم.

  • ·     دور الحماية كمراكز تكاملية لضحايا التعنيف:

يرى د. خالد الرديعان أنه يُفترض أن يتوفر في دور الحماية عددٌ من المحامين لديهم إلمام كافٍ بنظام الحماية وتبعاته. فالأخصائي الاجتماعي أبعد ما يكون عن الجوانب القانونية بحكم طبيعة تخصصه. ولحل هذه المشكلة، أقترحُ أن يأخذ الأخصائي الاجتماعي دورة قانونية لمدة لا تقل عن ستة أشهر بحيث يلم بالجوانب القانونية بصورة تمكِّنه من أداء عمله بحرفية.

علَّقت على ذلك د. وفاء طيبة؛ كذلك أرى حتى في الشرطة لا بد أن يكون هناك متخصص في كل مركز حصل على دورة مناسبة للتصرُّف في مثل هذه الحالات أو سرعة التصرُّف.

ذكرت د. مها ود. مرام أن (الوزارة الآنَ ومن خلال الاتفاقيات الموقعة والتي بصدد توقيعها تسعى إلى إيجاد فرق تكاملية من كافة القطاعات ذات العلاقة كخدمة شاملة تغطي كافة مجالات البلاغ، والتدخل والاستجابة، والعلاج، والتأهيل. أو ما يُعرف one stop shop. فكيف؟ وهل يمكن إيضاح آلية العمل فيها؟

أجابت د. مها المنيف بأن One stop shop (oss) أو المراكز التكاملية: هي مراكز تتوفر فيها كل الخدمات لضحايا العنف، ففيها الخدمات الاجتماعية (أخصائيون اجتماعيون ونفسيون)، والأمنية (الشرطة)، والتحقيق (النيابة/محامون)، والقضائية (قضاة)، ويعمل بها فرق ميدانية تقوم بالزيارات المنزلية ومتابعة الحالات.

هذا ما ذكرته د. مرام بشأن توقيع اتفاقيات تعاون مع النيابة والعدل والداخلية، وذلك لوجود مندوبين من هذه الجهات بالمراكز التكاملية بشكل يومي ودائم. وأتفقُ مع ما ذُكر بأن يكون هناك شرطة مجتمعية، وأن تكون إدارة الحماية أو برنامج الأمان هو النواة لهيئة مستقلة تقوم بآليات التنفيذ.

وذهبت أ. علياء البازعي إلى أنها لا تعلم إن كان خيار “الأسر المضيفة” قد تمت دراسته كخيار لإقامة الأطفال أو المتعرضين للإيذاء بشكل مؤقت لحين حل المشكلة.

  • ·     إنشاء إدارة مستقلة للحماية بصلاحيات الشرطة المجتمعية:

أشار د. حميد الشايجي إلى أننا لا نزال بانتظار إنشاء الشرطة المجتمعية أو شرطة الأسرة، وسيحل ذلك جزءًا من المشكلة. ولذلك لو أُنشئت إدارة أو هيئة مستقلة تضمُّ تحت مظلتها ممثلين عن كلٍّ مِن:

-الشرطة.

-النيابة العامة.

-الأحوال المدنية.

-وزارة الصحة.

-حقوق الإنسان.

-مركز تلقي البلاغات.

-ستشارين وأخصائيين اجتماعيين ونفسيين وشرعيين.

-محامين.

ويرى د. خالد الرديعان أنه يمكن فصل إدارة الحماية عن وزارة العمل وجعلها مستقلة وتزويدها بطواقم كافية وصلاحيات شرطة مجتمعية. أضاف د. حميد الشايجي أن هذا الذي أُوصِي به، وهو ما نادت به د. مها؛ لأن الإدارة الآنَ مكبَّلة بالروتين الوزاري.

  • ·     العنف في المجتمع والحلول الإجرائية:

ذكرت أ. علياء البازعي أن القضية التي تطرحها الورقة الرئيسة من القضايا المهمة، وفي وقتها. وبالتأكيد توصياتها ستحظى باهتمام من صاحب القرار “موضوع الساعة”.

يوجد لدينا مشكلة كبيرة في الإحصائيات على مستوى كثير من القطاعات، فما بالنا بموضوع لا تُسجَّل معظم أو كثير من حالاته حتى لا أبالغ!

في سنوات عملي مع طالبات ذوات إعاقة شهدت كذا حالة إيذاء جسدي/جنسي برواية الطالبة، وحينما يتمُّ تبليغ المختصين يتم التعامل مع القضية بطريقة لا نعرفها، ومن ثَمَّ تختلف رواية الطالبة وتنفي ما قالت مسبقًا “قبل الخط الساخن”. ويتم تحذيرنا كمعلمات من التدخل. أتفهم حساسية الموضوع، ولكن ماذا عن البنت؟ وكيف يُعالج الموضوع؟ لا أعلم إن كانت الإجراءات تغيرت أم لا. هذه حالة أكيد لم تُسجَّل، ومثلها الكثير بالتأكيد!

وتساءل أ. سمير الزهراني، هل الإسهاب في الحلول الإجرائية سيقضي على المشكلة؟ أجابت أ. علياء البازعي أنها لا تعتقد أنه سيقضي لكن قد يخفف منها وبخاصة إذا صاحب هذه الحلول حزمة برامج علاجية وتأهيلية لكل الأطراف.

وترى د. مها المنيف أن الدول التي سبقتنا في هذا المجال – كأمريكا مثلًا – (عملت على القضية من الأربعينيات من القرن الماضي) لا يزال العنف الأسري يُمارس بها، ولكن الإحصائيات تؤكد على انخفاض نسبة العنف ضد الطفل والمرأة منذ التسعينيات من القرن السابق، فالقانون والإجراءات الصارمة تقلِّل من نسبة حدوث العنف.

  • ·     التداخل بين مفهومي الإيذاء والتأديب:

ذهب د. خالد الرديعان إلى أنه فيما يخصُّ إيذاء الأطفال والعنف الأسري ضدهم، هناك قضية التداخل بين الإيذاء والتأديب (الدسبلين)، وبالتالي يُفترض أن يكون هناك وعي للتفريق بينهما، فضرب الطفل – مثلًا – يُفترض عدم اللجوء إليه، وإنْ تمَّ ذلك يكون في أماكن محددة من الجسم بحيث لا يكون على الوجه أو مُدميًا، وأن لا يكون بأداة بل ضرب على القفا وباليد، وأن لا يكون الضرب أمام الآخرين.

وأشارت د. مها المنيف إلى أنه في السابق كان يُسمح بقليل من الضرب التأديبي الذي ذكرت.

الآنَ الضرب التأديبي بالمنزل ممنوع بالقانون في حوالي 70 دولة في العالم، بدأته السويد بوصفها أول دولة تضع هذا القانون في عام 1977؛ لأن الدراسات أكدت أن بداية الإيذاء هو قبول مبدأ الضرب التأديبي.

علقت أيضًا د. وفاء طيبة؛ أذكرُ أننا تناقشنا من قبلُ في هذا الملتقى على موضوع الضرب. وقناعتي أن الضرب لا يجوز إلا على شيء في مستوى الصلاة (ولا يوجد شيء بأهمية الصلاة)، وبعد سن عشر سنوات، وقد حاولنا تعليم هذا الطفل الصلاة 5 مرات يوميًّا لمدة 3 سنوات بالرفق واللين، وحتى لو اضطرنا الطفل بعد هذه المحاولات إلى ضربه على الصلاة فهو ضرب تأديبي يمسُّ النفس أكثر من إيلامه للجسد، وليس انتقامًا من الطفل أو تفريغًا للغضب كما يحدث.

ويعتقد د. خالد الرديعان أن صلب القضية هو كيف نُفرِّق بين التأديب والإيذاء؟ لننسَ موضوع الضرب، وأعطي مثالًا آخر: هل حرمان الطفل من مصروفه كعقاب على سلوك سيئ ارتكبه يُعدُّ إيذاءً أم تأديبًا؟

يرى أ. إبراهيم آل سنان أن الضرب إن أفاد للصلاة فما دونه أسهل بدون ضرب. فمتى التزم الطفل بصلاته سهُل عليه الالتزام بأشياء كثيرة. أضافت د. وفاء طيبة أن الوالد إنْ علِم أن هذا الطفل لو حرمه من مصروفه مرة سوف يسلك السلوك الصحيح يعتبر تأديبًا، ولكن لو هذا النوع من العقاب اضطر الطفل إلى سلوك أسوأ – كالسرقة مثلًا – فلا يكون هذا العقاب مناسبًا للطفل. عند اختيار العقاب لا بد أن يكون مناسبًا (في شدته) للجرم، وللطفل بذاته.

وأعتقدُ أننا في جميع الأحوال لا بد من الرجوع للنظام إذا كنَّا نتحدث عن إيذاء من الناحية القانونية، أما تربويًّا فالتعزيز والتشجيع والعلاقة الطيبة مقدَّمة على العقاب، ويكون كلٌّ من التعزير والعقاب حسب شخصية الطفل، فما يصلح لعمرو قد لا يصلح لزيد.

وأضافت د. فوزية البكر: هل تتذكرون قصة الأب الذي جعل ابنته تمشي إلى المدرسة في الشتاء القارس على قدميها لمدة خمسة كيلومترات بعد أن علِم بتنمُّرها الذي حاول مرارًا نهيها عنه ولم ترتدع، فقرر في صباح بارد أن يرفض إيصالها إلى المدرسة، وهو الأمر الذي كانت ابنته تعتبره حقًّا مشروعًا، وطلب منها أن تمشي إلى المدرسة، وقام بتصوير كل ذلك ووضعه على حسابه في الفيس بوك. تباينت آراء الناس لكن سلوك التنمُّر لدى الفتاة اختفى بعد حركة التأديب هذه. أعتقدُ أن القصة حدثت في أمريكا في ديسمبر الماضي.

علَّق على ذلك د. حميد الشايجي بأن هذا يدلُّ على وجود أنواع مختلفة من وسائل التأديب غير الضرب المبرح. بعض الأمهات تكوي ابنها بملعقة محمية على النار لتأديبه، وهناك من تعظُه، وهناك من تضربُه بالعصا أو بسلك التوصيلة، وغيرها من الأدوات.

أشارت د. فوزية البكر إلى أن هذا فيما أرى كان متبعًا قديمًا. أمهات الوقت الحاضر معظمهن متعلمات ولا يقمن بهذه الأفعال ويعتنين بأطفالهن جيدًا. وحدث عن الأب وإهماله أو حتى عنفه ربما يحدث القليل منه، والقليل فقط، فلا مقارنة بين الأجيال المتعلمة الشابة (رجالًا ونساء) والأجيال الماضية.

ويرى د. حميد الشايجي أن الحرمان من الخروج لوقت محدد، أو الحرمان من اللعب في الآيباد لوقت محدد، والحرمان من مشاهدة التلفاز، والخصم من المصروف، وغيرها من الوسائل الآمنة.

أنا أقول إن العنف حلقة مستمرة، الأقوى يمارسها على الأضعف، الزوج على الزوجة والأبناء، والزوجة على الأبناء، والأبناء على بعضهم وعلى مَن هم أضعف منهم، وهناك حالات قليلة جدًّا من عنف المرأة الجسدي على الرجل، إلا أن عنفها اللفظي والنفسي أعلى ولكنه لا يُنظر إليه.

من جانبه يرى أ. جمال ملائكة أنه يجب إعادة النظر في موروثات “الضرب” فيما جاءت به الروايات، وشخصيًّا أشكُّ أن الرسول – عليه السلام – يأمر بالضرب للصلاة! ما هي الشخصية التي سيكون عليها الشخص بعد ضربه للصلاة؟ هل هذا فعل الرسول؟ هل القرآن قال بهذا؟ ولا ننسى أن الناس بصفة عامة إذا ضربوا فهم يضربون بقسوة ولا يعرفون معنى الضرب اللين (مع تحفظي على الضرب أصلًا)، كما سبقت الإشارة مني أكثر من مرة في الملتقى إلى أن معنى الضرب في آية الناشز هو الضرب بمعنى “الانفصال”، وهو مرحلة ما قبل الطلاق، وهذا أصحُّ تفسير للآية، في رأيي ورأي الكثيرين. الحديث والآية لهما دور كبير في موضوع ضرب الزوجات والأبناء؛ لذا يجب القبول بتفسير الآية حسب المشار إليه بعاليه، وإعادة دراسة حديث ضرب الطفل على الصلاة.

إذا صحَّحنا هذا الفهم في الموضوعين أعلاه فسيتم تقليص العنف والضرب بشكل كبير جدًّا، ذلك أن الوعي الجمعي يعتقد ويؤمن بالضرب؛ لأن لذلك علاقة بالدين والشرع، وهذا – في رأيي – سبب مباشر لما نلمسه من عنف في المجتمعات المسلمة. كما أعتقدُ أن الضرب مشكلة عامة، وأهم شيء ألَّا يُقنن بأنه دين؛ لأنه ليس كذلك.

  • ·     غياب الاهتمام بقضية العنف ضد كبار السن والمعاقين:

تساءلت كذلك د. وفاء طيبة عن العنف ضد كبار السن والمعاقين، هل هناك إحصائيات؟ هل له صفة معينة تحتاج إلى تعديل في النظام، أم أن النظام يغطي جميع أنواع الإيذاء لكبار السن والمعاقين؟ هل من دراسات؟ أجاب د. حميد الشايجي بأن النظام يغطي ذلك، لكن كما ذكرتُ في تعليقي إن اللائحة التنفيذية فيها تحيز للمرأة والطفل أكثر من الرجل، فلم يُذكَر الرجل المسن أو الرجل المعاق.

  • ·     الوعي المجتمعي والتقليل من العنف:

وتساءل أيضًا أ. سمير الزهراني: هل يمكن المراهنة على وعي الناس في التقليل من العنف؟ هل المشكلة في الذهنية الأبوية في التربية التي لا تزال منتشرة ومطبقة في مجتمعنا؟ وكيف نعالجها؟

علَّق د. حميد الشايجي بأن المعالجة يجب أن تكون شاملة وليست جزئية، تشمل العنف الأسري الصادر من كل أطراف الأسرة ذكورًا كانوا أأو إناثًا (الجد والجدة، الأب والأم، الزوج والزوجة، والأخ والأخت)، فكلهم من الممكن أن يرتكبوا العنف، كما أنهم قد يكونون ضحايا للعنف. فيجب أن نغيِّر في أذهاننا النظرةَ الذكورية لمرتكب العنف (فهناك عنف النساء والأطفال النابع من عوامل أخرى غير التربية الذكورية)، هذا إذا ما أردنا أن نعالج العنف بطريقة شمولية صحيحة.

كما يجب معالجة كل أصناف وأنواع العنف، حيث إنَّ الخفيف منها يقود إلى الآخر الأقوى، فالمسألة تبدأ بالعنف اللفظي وتنتهي بالعنف الجسدي في الموقف التصاعدي.

لذا لزِم توعية أفراد المجتمع بكيف يحافظون ويقون أنفسهم من أن يضعوها في موقف تصاعدي يؤدي إلى العنف الشديد. فالعنف الجسدي في الغالب يكون الخطوة الأخيرة التي يلجأ إليها المُعنِّف في موقف جدالي تصاعدي حاد خصوصًا بين الزوجين. فمن الأمور التي يجب أن يُوعَّى بها الأشخاص: كيف أعرفُ الموقف التصاعدي، وكيف أستطيعُ أن أضعَ حدًّا لتصاعده لكي لا أتحول إلى ضحية عنف أسري، فهذا النوع من الوعي الوقائي أيضًا مهم.

وأشارت د. هند الخليفة إلى أن الوعي العام والوعي الأسري عاملان أساسيان في الحد من العنف والإيذاء، يدخل في ذلك توعية المعتدي والمعتدى عليه.

إن دائرة العنف تستمر لأسباب متعددة، من بينها جهل الضحية بحقوقه وكيفية التصرف لمنع تكرار وقوع الإيذاء عليه. التأديب يختلف عن التعذيب والعقاب، فالتأديب يعني انضباطَ المربي أولًا، ووضوح توقعاته من الطفل، وتوضيح نواتج السلوك قبل وقوع الخطأ أو التهاون من قِبل الطفل، ثم بعد ذلك التزامه بما تمَّ الاتفاق عليه من نتائج للسلوك. فإذا وعد بمكافأة يقدمها، وإذا شرح بأن النتيجة حرمان من زيارة أصدقاء أو اللعب أو غير ذلك من أمور يحبها الطفل، فعليه أن يلتزم بذلك. وفِي كل مرة يتكرر السلوك تتكرر النتيجة. فلكي نربي طفلًا مسؤولًا لا بد من توضيح التوقعات والنتائج، والالتزام بها. باستخدام هذا الأسلوب من التربية الفعالة، ليس هناك حاجة إلى التسلُّط والقسوة.

فلسفة التربية التي تجعل من علاقة الراشدين بالأطفال علاقة سلطوية، وتعتبر الطفل جاهلًا والبالغ راشدًا. هذه الفلسفة بحاجة إلى تغيير وتعديل، وهذا العمل بحاجة إلى شراكة وتوعية وإعادة تأهيل للمربين في مواقعهم المختلفة. العنف الذي يقع على الأطفال هو نتاج لهذه الفلسفة.

  • ·     حالات الإيذاء البسيطة والتكافل الأسري:

ذكر أ. محمد الدندني؛ ورَد في المداخلات أن بيت العنف أفضل من دور الرعاية؛ لذا ما المانع أن تكون دار الرعاية ضمن التكافل الأسري؟ أي تختار الجهات المسؤولة أن تنتقل المعنَّفة أو ينتقل المعنَّف لبيت الأعمام أو الأخوال. هل نُوقِش هذا على مستوى الشؤون الاجتماعية؟ وقبله هل هو مقترح مقبول؟

علَّق د. حميد الشايجي بأن اللائحة التنفيذية لنظام الحماية من الإيذاء في المواد التالية: م7 /2 وم7/ 5 وم8/ 5 تحثُّ في حالات الإيذاء البسيطة على أن تُحلَّ المشكلة داخل الأسرة وبقاء الضحية فيها إذا تمَّ التأكُّد من عدم استمرار العنف، كما أشارت إلى أنه بالإمكان إبقاء الضحية لدى بعض الأقرباء بعد التأكُّد من مناسبة ذلك.

إلاّ أن أ. محمد الدندني يتساءل: كيف يُكتفى بالحثِّ وحل المشكلة داخل العائلة وبداية العنف واضحة؟ هذا ربما يطمئِن المعنِّف وينزع الثقة لدى المعُنَّف.

  • ·     تأهيل وتثقيف القائمين على دور الحماية:

يرى أ. عبد الله الضويحي أننا قبل أن نفكِّر في وضع اللوائح والقوانين للحماية من الإيذاء أو لحماية المعنَّفين علينا أن نرفع مستوى تأهيل وثقافة القائمين على دور رعاية الفتيات أو دور الحماية أو ما شابهها، فالاسم ليس مهمًا بقدر أهمية الدور المنوط بها.

للأسف أن كثيرًا من العاملين والعاملات أو المشرفين والمشرفات في هذه الدور يتعاملون مع الضحية _ إن جازت التسمية _ على أنها مذنبة ومتهمة خاصة إذا كانت فتاةً ولا يحترمون إنسانيتها، ولا احتمال مظلوميتها، ولا كونها بشرًا معرضة للخطأ ويمكن تصحيحه.

هذا ما عرفته من البعض، ولعلَّ الزميلات الفاضلات هنا يدركن أكثر من غيرهن بحكم زيارتهن لتلك الدور أو الزملاء الأفاضل الذين تسنى لهم ذلك. لذلك يخرج هؤلاء من عُنف إلى عُنف، ومن إيذاء إلى آخر.

من ناحية أخرى، فإن مَن يدخل أو يُرسَل لهذه الدور يُسمَّى نزيلًا أو نزيلة، ورغم صحة المصطلح لغةً ودلالة إلا أن هذا اللفظ ارتبط بالسجون، وهذا له تأثيره النفسي عليهم.

ماذا لو تمَّ استبدالها بـ “الضيف” و”الضيوف”، كما عمدت بعض الفنادق بدلًا من “نزيل” و”نزلاء”، فهما كلمتان مترادفتان في اللُّغة العربية ولهما نفس المعنى والدلالة.

وأضاف أ. محمد الدندني: لا أعتقدُ أن مستوى الخدمات في كثير من أمورنا جيد. نعم، هناك تفاوت في جودة الخدمة حتى لا أعمم، ولكن الظاهرة العامة هي سوء الاهتمام والعناية. وكمبدأ، ما الفرق بين موظف يسوِّف ويكذب ويعطِّل مواطنًا يجري لمصلحته ورزقه، وبين مَن يعمل في دور الإيواء؟ عدم الشعور بالمسؤولية وعدم الاعتزاز بما يقوم به الموظف أينما كان ليس بالمستوى المطلوب، ولا حتى الحد الأدنى.

  • ·     بعض الملاحظات على قضية الحماية من العنف والإيذاء:

ذكرت د. نورة الصويان؛ من خلال خبرتي المتواضعة كممارسة في المجال ومنذ سنوات عديدة، فإنني أؤكد أننا _بحمد الله وتوفيقه _ قد حقَّقنا إنجازاتٍ واضحةً نفتخر بها _ وفي فترة زمنية قصيرة _ على أرض الواقع في هذا المجال مقارنة بالفترة الماضية، ولأننا دائمًا ما نطمح للأفضل فلديَّ بعض الملاحظات:

أهم التحديات:

-الثقافة المجتمعية السائدة، وخاصة (العاملين/العاملات، قادة المؤسسات ذات العلاقة) وتأثير ذلك في التعامل مع الحالات المعنَّفة وخاصة (المرأة والفتاة).

-لا يوجد نظام تحويل وطني موحَّد.

-عدم قناعة المرأة المعنَّفة بجدوى تبليغها لما تتعرض له من عنف، وتخوُّفها من تبعات ذلك.

-نقص في الكوادر البشرية الواعية والمؤهلة والملتزمة في العمل في هذا المجال.

-النظام موجود ولكن ليس هناك قانون مُلزِم لتطبيقه.

-ضعف التشبيك والتنسيق بين كافة القطاعات العاملة في المجال، بل للأسف الملاحظ أن هناك تنافسًا ولا سيما بين القطاع الصحي والاجتماعي.

-لا توجد آلية للمتابعة بعد خروج الحالة المعنَّفة أو بعد إحالتها لجهة أخرى.

-ضعف في التوثيق والرصد وتوفير قاعدة بيانات.

مرئيات:

-رفع مستوى القدرات والمهارات والوعي والتشبيك للعاملين في المجال.

-إعداد دليل إجراءات موحدة لكافة القطاعات ذات العلاقة.

-تشكيل فرق وآليات للرصد والمتابعة والتقييم.

-إدراج مساق تعليمي حول العنف الأسري والعنف المبني على النوع الاجتماعي، يلتحق به منسوبو القطاعات ذات العلاقة من: قيادات وأخصائيات/أخصائيين من أفراد الشرطة…إلخ.

علق على ذلك د. خالد الرديعان: كان لدينا مادة في مستوى الماجستير (الماجستير الموازي) بعنوان: العنف المجتمعي، وكانت مفيدة للغاية، بحكم أن العنف مستشرٍ في مجتمعاتنا ويأخذ عدة صور؛ بما في ذلك عنف الشارع، وعنف قائدي المركبات، وصور أخرى.

بينما ترى د. فوزية البكر أن ملاحظات د. نورة غاية في الأهمية، وتوصيات نابعة من ممارسة عملية. وأرى أننا ربما نحتاج إلى الشرح لبعض النقاط. مثلًا: ما طبيعة القيم الثقافية التي لاحظت انتشارها وخصوصًا بين العاملين والقادة في المجال، وتؤثر على اتخاذ القرار خاصة ما له علاقة بالمرأة والفتاة؟ وما المقصود بعدم وجود نظام تحويل وطني موحَّد؛ نموذج؟

وذهبت د. مرام الحربي إلى أن ثقافة الوعي بحقوق الإنسان هو بداية الوقاية من تهميش فئة أو إقصائها لتحقيق تماسك اجتماعي يحقِّق النهوض المدني الذي تسعى له رؤية المملكة 2030.

كما أرى أن الملاحظات التي ذُكرت هي حقيقة وسلبيات فعلًا موجودة، لكن تلمُّس الحقيقة هو البدء بمعالجتها، وهذا ما تسعى إليه الوزارة حقًّا، وثمة اهتمام كبير من معالي الوزير ومعالي النائب، وهو واجب وطني منوط بالجميع. نتفاءل جدًّا بالقادم الجميل. ولم أجد ملاحظة ذكرها المناقشون للقضية لم تتلمسها الوزارة وتُعالَج ضمن المبادرات. التحديات موجودة والتطلعات عالية” بهمة كجبل طويق لن تنكسر”.

مبادرات التحوُّل الوطني مبنية على دراسة علمية لإستراتيجية وطنية للوقاية والتصدي للعنف الأسري في المجتمع السعودي.

من جانبها تعتقد د. نورة الصويان أن التعامل مع المرأة المعنَّفة أو الفتاة من منطلق أنه شأن عائلي وليس من منطلق حقوقي، وبالتالي تكون في الغالب الخيارات المتاحة على حساب المعنَّفة. نعم، لا بد أن تكون النماذج والآلية موحدة، ولكن للأسف كلٌّ يجتهد لحاله بمعزل عن الجهات الأخرى ذات العلاقة، والمعنَّفة تتعامل مع أكثر من جهة في الوقت نفسه، وهذا طبعًا تداخل وإضاعة للجهد والوقت.

وذكرت د. وفاء طيبة: كنا نواجه في جمعية حقوق الإنسان مشكلة أن المعنِّف وفي حالة إصابة المعنَّف إصابة شديدة يأخذه للمستشفى، ثم عند تكرار التعنيف يأخذه/ يأخذها إلى مستشفى آخر أو عيادة أخرى لعدم اكتشاف تكرار التعنيف، وفي جميع الحالات يكون هناك كذبٌ في شرح السبب. فلو كان هناك ربط إلكتروني برقم الهوية للملف الصحي لكان اكتشاف مثل هذه الحالات سهلًا. وبالطبع هذا الربط له فوائد كثيرة من الجانب الصحي، ليس مجال شرحها الآن.

علَّقت د. مها المنيف أن هذا تمَّ الآن. فهناك قاعدة معلومات أنشأها برنامج الأمان الأسري تربط 53 مركزًا أو فريق حماية بالقطاع الصحي في جميع مستشفيات المملكة، وأي حالة ترد للمستشفى سواء للأطفال أو البالغين تُسجَّل برقم الهوية، فيتم التعرُّف عليها لو حضرت لمستشفى آخر.

  • ·     أسباب الخلل في التطبيق:

كما أضافت د. مها العيدان أن هناك أسبابًا تؤدي إلى خلل في التطبيق من جميع الأطراف سواء كانوا المعنَّفين أو العاملين على البرنامج، وأرى أن أهم سبب هو ثقافة العيب والخوف من الفضيحة، والدليل على ذلك _ كما ذكرت د. مها _ أن المنسحبات بعد تقديم البلاغ 40%، بالإضافة إلى ثقافة المجتمع الذكورية مع ضعف الوعي الحقوقي للأفراد.

في مقابل ذلك سوء دور الإيواء وما تمثله من وصمه عار لمرتاديها، بالإضافة إلى الجانب الإداري، وهو ما يعني أننا ما زلنا نحتاج إلى منظومة مكتملة بين كافة الجهات ذات العلاقة بحماية أفراد المجتمع.

  • ·     الإيذاء المسكوت عنه والحلول المقترحة:

ذهبت د. عبير برهمين إلى أن قضية العنف الأسري شائكة جدًّا. وجميل أن يكون لدينا لوائح وأنظمة في هذا الصدد، والأجمل أن تكون شاملةً ومتكاملةً وتُنفَّذ على أرض الواقع وبشكل صحيح. العنف أو الإيذاء قد يكون لفظيًّا أو جسديًّا أو نفسيًّا، وله مسببات كثيرة. إلا أن حجم الإيذاء المسكوت عنه والذي لم يُبلَّغ به كبير. وعدد البلاغات الرسمية هي فقط قمة جبل الجليد. من المهم أن يكون هناك توعية للأفراد والأسر بحقوق المعنَّفات أو المعنَّفين كآدميين يجب أن يُحترموا ويُقدَّروا. ويجب أن يستطيعوا تمييز التأديب من الإيذاء. وكذلك يعرفون متى يلجؤون للجهات المخوَّلة لطلب المساعدة، ويعرفون حجم المساعدة التي سيحصلون عليها. بعض الأسر تفسِّر القوامة والوصاية والولاية بشكل خاطئ لتدخل لحيز الجور والتعدي والإيذاء.

من المهم كذلك أن يحتوي النظام على مادة تنصُّ على وجوب الإبلاغ عن حالات الإيذاء ممَّن يلحظ ذلك من الجيران أو المعلمين أو الأصدقاء أو العاملين في المستشفيات لإنقاذ الضحايا، إذ عادةً تكون الفئة المعنَّفة أو التي تعرضت للإيذاء غير قادرة على الإبلاغ خوفًا من بطش أكبر وإيذاءٍ متصاعد. كذلك يجب أن تكون هناك متابعة وإعادة تأهيل نفسي وعلاج. نعم، يجب أن يتم إيواء المعنَّفين أو المعنَّفات في ملاجئ آمنة توفِّر الحماية ولا تكون شبيهة بالسجون. كما بجب إجبار العائلة حضور دورات تأهيلية وتثقيفية. ويحب متابعة المعنَّف فيما بعد إرجاعه لأسرته. إعادة التأهيل مهمة بقدر العلاج حتى نضمن قدرة المعنَّفين على المضي قدمًا بحياتهم. كما يتعين كذلك أن تكون هناك محاسبة لمن يدعِّي التعرُّض للتعنيف والإيذاء طمعًا في الهرب من سطوة العائلة لأسباب واهية. السؤال الأهم: هل الكادر المعني بهذه المشكلة مؤهل بطريقة احترافية للتعامل مع المعنَّفين ومَن تعرَّض للإيذاء؟ وهل العدد كافٍ للقيام بهذه المهمة؟

  • ·     قضايا العنف الأسري في المجتمع السعودي:

يرى د. مساعد المحيا أن قضايا العنف الأسري في مجتمعنا تظلُّ مرتبطةً بالثقافة المجتمعية التي تشكِّل العلاقة بين الرجل والمرأة ونمط إدارة الأسرة. فكلما كانت البيئة الاجتماعية والثقافية تقوم على تقدير الآخر وتبادل الاحترام واستشعار مسؤولية الجميع تجاه الأسرة والأبناء قلَّ أن يكون هناك عنف أو إيذاء.

لذا من المهم العمل على الاهتمام بإيجاد المناخ المناسب لتكوين بناء أسرة صحيحة وسليمة. وحين يتعذر ذلك أو يصعب، فليس هناك من طريق سوى المضي في تطبيق هذه الأنظمة التي تحدُّ من سُبل الإيذاء والعنف، والعمل على تطبيقها بحزم وعدالة وشمولية، وأن تكون كل أجهزة الأمن قادرةً على تحقيق هذا الضبط وَفْق لوائح هذه الأنظمة، وأن لا يشعر المعنَّف أو والده وأسرته بأن هناك إجراءات طويلة في المحاكم للوصول لحقوقهم الطبيعية، إذ إنَّ إتاحة تطبيق هذه الأنظمة من قِبل الأجهزة الأمنية يختصر الكثير من الإجراءات ويردع كلَّ مَن تُسوِّل له نفسه إيذاء الآخرين. فاللوائح والأنظمة مهمة وضرورية وجميل وجودها، لكن عدم تطبيقها أو الخلل في تطبيقها على أرض الواقع يمنح الذين يجترئون على تعنيف الناس فرصًا لا حد لها في استمراء العنف والتعنيف تحت ذرائع لا تنتهي.

¤     التوصيات:

  1. تحويل وحدات الحماية إلى مراكز تكاملية ودعمها بالموارد البشرية والمالية اللازمة.
  2. إنشاء جهة تشريعية رقابية تنفيذية مختصة بالحماية.
  3. من الضروري أن يصطبغ “التعهُّد” المأخوذ من الشخص الذي قام بالعنف بالصبغة القانونية اللازمة.
  4. العمل على توعية المجتمع بخطورة العنف ومكافحة أي ثقافة تشجِّع عليه.
  5. ضرورة تقوية الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني.
  6. ترشيد الولاية وزيادة وعي الرجل بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، وعدم استغلال الولاية للإضرار بمَن وُلِّي عليهن.
  7. صياغة مذكرة دقيقة وواضحة تحدِّد “صلاحيات الولي” أين تبدأ ومتى تنتهي.
  8. تطوير الإحصائيات المتعلقة بقياس نسبة العنف الأسري في مختلف مناطق المملكة.
  9. تكثيف البرامج التوعوية للمعنِّفين والمعنِّفات، وللمعنَّفين والمعنَّفات.
  10. تحسين البيئة الداخلية لدور الرعاية والإيواء وتطوير أنظمة عملها الداخلية.
  11. العمل على معالجة بعض الثقافات التي تبخس المرأة حقها.
  12. احتواء دور الحماية لمحامين قانونيين لهم إلمام كافٍ بنظام الحماية وتبعاته ومتخصصين في قضايا الأسرة لدور الحماية الاجتماعية.
  13. إنشاء شرطة مجتمعية “شرطة الأسرة”.
  14. العمل بمقترح “الأسر المضيفة” جنبًا إلى جنب مع مراكز الحماية.
  15. المعالجة لمسببات العنف أيًّا كان مصدرها سواء من الرجل أو المرأة.
  16. استبدال مفردة “نزيل” المستخدمة في مراكز الإيواء بمفردة “ضيف”.
  17. إعداد دليل إجراءات موحد لكافة القطاعات ذات العلاقة.
  18. تشكيل فرق وآليات للرصد والمتابعة والتقييم.
  19. رفع مستوى القدرات والمهارات والوعي للعاملين والعاملات في هذا المجال وفي هذا القطاع، من خلال تقديم دورات حول الأبعاد الثقافية والاجتماعية لمشكلات الإيذاء الأسري.
  20. إدراج مساق تعليمي حول العنف الأسري والعنف المبني على النوع الاجتماعي، يلتحق به منسوبو القطاعات ذات العلاقة، من قيادات وأخصائيات وأخصائيين من أفراد الشرطة… إلخ.
  21. تغيير الخطاب الثقافي واللُّغة المستخدمة تجاه المرأة.
  22. من المهم أن تحتوي المخرجات التعليمية على التخصصات المطلوبة للانخراط المهني في هذا المجال.
  23. تضمين المناهج التعليمية المهارات الحياتية وحقوق الإنسان.
  24. ارتباط المناهج التعليمية النظرية بالتطبيقات العملية.
  25. إشاعة مفهوم الوقاية كحلقة أولى في مواجهة العنف والإيذاء الأسري.
  26. استحداث برامج تأهيلية لمعالجة المعنِّفين والمعنِّفات، وتطوير البرامج القائمة لتأهيل ومعالجة المعنَّفين والمعنَّفات.
  27. بناء قدرات العاملين في المجال بخطوات وإجراءات التوثيق والرصد.

 

القضية الثالثة

برنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية

–    كاتب الورقة: م. أسامة محمد الكردي.

  • المعقبان:

–    د. نبيل المبارك.

–    د. ناصر القعود.

–    إدارة الحوار: م. حسام البحيري.

 

¤     الملخص التنفيذي:

يستهدف برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية في المجالات الواعدة للنمو، بما يولِّد فرص عمل وافرة للكوادر السعودية، ويعزِّز الميزان التجاري ويعظِّم المحتوى المحلي.

أشارت الورقة الرئيسة إلى أن البرنامج _ في نظري _ أحد أهم الاثني عشر برنامجًا التي تتكون منها رؤية المملكة 2030، كما أنها ترى في هذا البرنامج علامات واضحة وبينة لكل ما يُطمح إليه في الرؤية فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل للاقتصاد السعودي.

كذلك ترى الورقة أن هذا البرنامج ليس له سابق في تاريخ المملكة من عدة نواحٍ، أهمها شموله الواسع للعديد من النواحي الاقتصادية في المملكة، ومشاركة جميع الجهات الحكومية المعنية، وتركيزه على المميزات التنافسية للمملكة؛ ولكن لا بد كذلك من النظر في التحديات التي ستواجه الجهات الحكومية المسؤولة عن تنفيذ البرنامج، والتي أهمها: طول وصعوبة إجراءات الحصول على التمويل، والتعديل المتكرر للأنظمة والإجراءات، والحماية من الإغراق، واهتمام الكثير من الدول بتقليل وارداتها وتعظيم صادراتها.

وأكدت التعقيبات أن هذا البرنامج بلا ريب برنامج طموح جدًّا لمواكبة الثورة الصناعية الرابعة. وقد رفع مستوى الطموح لدى الجميع بلا شك، بقيادة صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان ولي العهد وصاحب الرؤية. فنحن لدينا الموقع الجغرافي وبالذات للخدمات اللوجستية، ولدينا التجربة، ولدينا الثروات الطبيعة للانطلاق منها.

كذلك ذهبت التعقيبات إلى أن من أبرز مزايا برنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية هو تكامل البرنامج وشموله وترابطه، وأنه سيسهم في إنجاز أكثر من 30٪ من أهداف الرؤية، وسيحقِّق هذا البرنامج تنويعًا حقيقيًّا لمصادر الاقتصاد السعودي، بالإضافة إلى أن تنفيذ البرنامج يعتمد على مشاركة فعَّالة من قطاع الأعمال السعودي والأجنبي مع دعم وتحفيز من الحكومة.

وأشارت المداخلات التي جرت على الورقة الرئيسة إلى أن مما يلفت الانتباه في البرنامج هو غياب لمؤسسات التعليم الجامعي والمهني. فالبرنامج بمبادراته ومشاريعه يحتاج لقوى بشرية سعودية على جميع المستويات الإدارية والهندسية والمهنية، إذ إنه من المتوقع أن يقود المملكة إلى مصاف دول صناعية كبرى كانت أو متوسطة، وبالتالي فلا بد أن يُؤخذ في الاعتبار التزامن لهذه الانطلاقة نحو تدريب وتأهيل الشباب والشابات السعوديين للمشاركة المستقبلية الفاعلة لبناء مثل هذه المشاريع، صناعية كانت أو لوجستية.

كما أننا نحتاج إستراتيجية كاملة للنهوض بالتعليم التقني لمواجهة حاجات مشروعنا الصناعي، وللوصول إلى مستوى التميز في الأداء لتحقيق حاجة البرنامج الصناعي واللوجستي، وللمنافسة في سوق العمل خاصة أن أسواق العمل التي تمد سوق العمل السعودي لم تصل في معظمها لاحتياجات الطاقة والتعدين المستهدفة.

كذلك أكدت المداخلات على أهمية إنشاء قاعدة بيانات للكوادر الوطنية، كما أن الاستفادة من خبرات المتقاعدين ذوي التخصصات مطلوبة لإنشاء البرامج المختلفة، ولا سيما أن الدولة أنفقت أموالًا طائلة في تدريبهم وتكوين خبراتهم.

وفي نهاية النقاش طرح الملتقى عددًا من التوصيات، أهمها: تطوير السياسة التعليمية لتتناسب مع التطورات المعرفية والمهارية لمتطلبات التنمية وبرامج رؤية المملكة 2030، إعطاء الجامعات ومراكز الأبحاث والتطوير فيها دورًا أكبرَ ورئيسًا للمشاركة في هذا البرنامج الطموح وأن يتم عقد شراكات بهذا الخصوص، رسم خطة ضمن البرنامج لتجاوز القيود أو العقبات التي تفرضها الدول الصناعية في نقل وتوطين التقنية للدول النامية، ضرورة تحديد مراحل زمنية لتحقيق أهداف البرنامج اتساقًا مع السنوات القادمة للوصول إلى رؤية 2030 وللوصول إلى تكامل منشود، إنشاء حاضنات عالية الكفاءة لصقل الكفاءات البشرية المستهدفة للعمل في البرنامج بعد أن يتم تدريبهم الأوليّ في مراكز التدريب المتخصصة للصناعة المتطورة والخدمات اللوجستية حيث تعدُّ الحاضنات بيئات فكرية متقدمة، اتخاذ الإجراءات الأولية للبدء في تنفيذ جسر الملك سلمان (السعودية مصر) إذا لم يتم البدء فيه، إجراء دراسات جدوى أولية للمشاريع الاستثمارية في البرنامج وتوزيعها بدون مقابل لتعم الفائدة للجميع وكسبًا لمشاركات وطنية مؤملة، العمل على إيجاد ممكنات الأعمال للثورة الصناعية الرابعة وهي بالدرجة الأولى معامل للذكاء الصناعي والبحث العلمي، بناء خطة إستراتيجية للبيانات الضخمة؛ الأمر الذي يسهم في تحقيق نجاحات عمل البرنامج.

¤     مقدمة:

يصبو برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية إلى تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية في المجالات الواعدة للنمو، بما يولد فرص عمل وافرة للكوادر السعودية، ويعزِّز الميزان التجاري ويعظِّم المحتوى المحلي.

يركز البرنامج كذلك على أربعة قطاعات رئيسة، هي: الصناعة، والتعدين، والطاقة، والخدمات اللوجستية. ويشمل البرنامج تصميم وتوفير الممكنات اللازمة؛ بما في ذلك تطوير السياسات واللوائح، والتمكين المالي، البنية التحتية، والأراضي الصناعية، والمناطق الخاصة، والرقمنة، والبحوث العلمية، والابتكار، والتدريب، ورفع الكفاءات، وغيرها. كما أن الأهداف المتوقع أن تتحقق من خلال هذا البرنامج هي في حد ذاتها تغطي أهدافًا متعددة ومباشرة من الأهداف المتضمنة في رؤية 2030.

لذا تُعدُّ قضية “برنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية” من القضايا المهمة التي طرحها ملتقى أسبار من خلال ورقة العمل التي قدَّمها م. أسامة محمد الكردي، وجرت حولها العديد من المداخلات ناقشت: (غياب لمؤسسات التعليم الجامعي في البرنامج، البرنامج وتحويل المملكة إلى قوة صناعية ومنصة لوجستية عالمية، المؤسسات التعليمية ودورها في تحقيق أهداف البرنامج، الجامعات ومراكز البحث العلمي ودورها في تطوير الصناعة، رفع مستوى القدرات التدريبية والتعليمية والمهارية، الاستفادة من البنية الأساسية المحلية في البرنامج، نقاط مهمة وتساؤلات مثارة حول البرنامج، الخدمات اللوجستية في مجال النقل، الطاقة البشرية في المملكة والمشروعات الصناعية، الثورة الصناعية الرابعة ومَن يديرها حاليًّا، توطين الصناعات التقليدية، برنامج تطوير الصناعة ومزيد من الحلول المقترحة). وفي النهاية طرح الملتقى عددًا من التوصيات المهمة، وذلك من خلال ورقة العمل التي كتبها المهندس أسامة محمد الكردي، وعقَّب عليها الدكتور نبيل المبارك، والدكتور ناصر القعود.

 

كتب م. أسامة الكردي: زاد إيماني في رؤية المملكة 2030 بدرجة كبيرة جداً وأنا أرى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله يعتمد المرحلة الأولى من محفزات وممكنات برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، وهذا البرنامج في نظري هو أحد اهم الثلاثة عشر برنامجاً التي تتكون منها روية المملكة 2030، أما سبب ذلك فإني رأيت في هذا البرنامج علامات واضحة وبينة لكل ما كنت أطمح إليه في الرؤية فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل للاقتصاد السعودي كما وجدت فيه التركيز على القطاع الخاص الوطني والدولي حيث عرضت عليهم 65 فرصة استثمارية، وهو أمر لاشك سيساهم في رفع مساهمة القطاع الخاص إلى 65٪ من الناتج القومي حسب متطلبات الرؤية. ولاحظت تخصيص 27 مليار ريال لتنفيذ مبادرات البرامج المتعددة.

ولابد هنا من الإشارة إلى المميزات الكثيرة التي يتميز بها هذا البرنامج وهي أنه يشمل قطاعات أربعة مهمة جداً للاقتصاد السعودي هي الطاقة والصناعة والتعدين واللوجستيات (النقل والتخزين والخدمات الكثيرة المصاحبة لهما). كما أن البرنامج يتميز بمشاركة 30 جهة حكومية في تنفيذه منها وزارة النقل والطيران المدني وهيئة الموانئ وهيئة الاستثمار وهيئة الجمارك ووزارة الإسكان وغيرهم. وهذا يعني بالنسبة لي فرصة كبيرة لنجاح البرنامج عندما يسجل النجاح لصالح كل هذه الجهات.

ويرى وزير الطاقة أن هذا البرنامج يمثل المرحلة الاقتصادية الثالثة للمملكة بعد الأولى التي بدأت ببناء قطار الدمام إلى الرياض والثانية التي بدأت ببناء مدينة الجبيل الصناعية ومدينة ينبع الصناعية، وقال أن هذا البرنامج هو مدخل المملكة إلى الثورة الصناعية العالمية الرابعة.

ولعله من المناسب أن نستعرض هنا أهداف البرنامج قبل أن نتحدث عما تم توقيعه مؤخراً من عقود. وعليه فإن أحد الأهداف الرئيسية للبرنامج هو تطوير القطاع الصناعي ليصبح قطاعاً فاعلاً على المستوى الدولي مع رفع نسبة المحتوى المحلي فيه وتحسين الربط المحلي والإقليمي والدولي لشبكات التجارة والنقل، كما يهدف إلى جعل المملكة منصة عالمية للخدمات اللوجستية، خاصةً عند اكتمال سكة حديد الرياض إلى جدة، مما يوفر طريقاً مختصراً بين البحر الأحمر والخليج العربي، ثم بحر العرب. وفي تفاصيل إسهامات البرنامج نرى أن البرنامج سيؤدي إلى إضافة قيمة يصل مقدارها إلى 1.2 تريليون ريال إلى الاقتصاد المحلي في 2030 وتوفير استثمارات تصل قيمتها إلى 1.7 تريليون ريال وإحداث 1.6 مليون وضيفة وأكثر من تريليون ريال من الصادرات غير النفطية وهذه الصادرات _ في نظري _ هي بيت القصيد في تنويع مصادر الدخل في اقتصادنا.

من المهم التعرف على دور الجهات الحكومية المشاركة في البرنامج والتي لابد لها من اتخاذ إجراءات محددة تدعم تحقيق أهداف البرنامج. ففي هذا الإطار أعلن صندوق التنمية الصناعي زيادة رأس ماله من 65 إلى 105 مليار ريال وإضافة منتجات تمويلية جديدة منها تمويل الاستحواذ على الشركات، كما أعلنت وزارة النقل إنشاء خمسة مطارات جديدة وألفي ميل من خطوط السكة الحديد وأعلنت هيئة الاستثمار خطة لتسهيل وتعديل وتسريع إجراءاتها المتعلق بإصدار التراخيص وخدماتها الأخرى، كما أعلنت هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية (الجديدة) عن خططها لتفعيل نشاطاتها، كما أُعلن عن تخصيص 44 مليار ريال لتطوير صناعة السيارات في المملكة. ومن الإجراءات التي اتخذتها الجهات الحكومية التعاقد بين أرامكو والجمارك لإنشاء منطقة إيداع وإعادة تصدير في (سبارك) قرب أبقيق، وكذلك التعاقد بين صندوق التنمية الصناعية ومدينة الملك عبد العزيز لتمويل المصانع النموذجية للثورة الصناعية الرابعة بمبلغ 3 مليار ريال، والتوسع في برنامج تمويل الصادرات، غيرها الكثير من الإجراءات التي قامت بها الجهات الحكومية.

أما فيما يتعلق بالقطاع الخاص فقد تم توقيع عدة عقود مهمة. أولها عقد أرامكو وسابك لمشروع تحويل النفط إلى بتروكيماويات، وثانيهما عقد إنشاء وتشغيل مصنع بان آسيا الصيني في جيزان، وثالثها عقد مصنع المواد العسكرية لشركة تاليس الفرنسية.

وفي رأيي المتواضع فإن هذا البرنامج ليس له سابق في تاريخ المملكة من عدة نواحي أهمها شموله الواسع للعديد من النواحي الاقتصادية في المملكة ومشاركة جميع الجهات الحكومية المعنية في تنفيذه وتركيزه على المميزات التنافسية للمملكة. ولابد هنا من الربط بين هذا البرنامج ومؤشر المحتوى المحلي المؤشر المهم في الرؤية، وهذا المؤشر يتطلب أن تصل نسبة المحتوى المحلي في عام 2030 إلى 50% في قطاع المشتريات العسكرية وقيمته 50 – 70 مليار دولار وفي قطاع السيارات وقيمته 30 مليار دولار وفي قطاع الترفيه وقيمته 22 مليار دولار.

ولكن لابد كذلك من النظر في التحديات التي ستواجه الجهات الحكومية المسؤولة عن تنفيذ البرنامج. فمن هذه التحديات طول وصعوبة إجراءات الحصول على التمويل والتعديل المتكرر للأنظمة والإجراءات والحماية من الإغراق واهتمام الكثير من الدول بتقليل وارداتها وتعظيم صادراتها، كما أن أحد أهم التحديات هي تعدد الجهات المعنية بتصاريح الأعمال والرقابة على أعمال الشركات ومتابعة نشاطاتها مثل وزارة التجارة والزكاة والإعلام والغرف التجارية والعديد غيرها. كما أن الحاجة إلى التنسيق المستمر بين كافة الجهات الحكومية المعنية مع ارتفاع عددها قد لا يكون أمراً سهلاً وسيتطلب مجهوداً كبيراً ويحتاج إلى متابعة متواصلة.

 

عقب د. نبيل المبارك: أودُّ التركيز على بعض النقاط حول كيفية تنفيذ تلك الوعود وأسلوب المحفزات وكذلك ماهية الممكنات التي نحتاجها للبرنامج، وهو بلا ريب برنامج طموح جدًّا لمواكبة الثورة الصناعية الرابعة. وقد رفع مستوى الطموح لدى الجميع بلا شك، بقيادة أمير الشباب صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان ولي العهد وصاحب الرؤية. علمًا بأن لدينا من مفاتيح القوة الكثير، فالتاريخ يشهد بوجود النظرة البعيدة للقيادة، وأرامكو وسابك ومعادن وغيرها من القرارات التي كانت محل شك، وأثبتت الأيام عمق الرؤية. ولدينا الموقع الجغرافي وبالذات للخدمات اللوجستية، فالموقع عالمي بامتياز. لدينا التجربة، وإن كانت التحديات القادمة أصعب. ولدينا الثروات الطبيعة للانطلاق منها ولكن ليس الركون لها.

والبرنامج من أربعة عناصر، وهي الطاقة والصناعة والتعدين والخدمات اللوجستية، وقد يكون عنصر التعدين الأهم والأوفر حظًّا (5 تريليونات ريال)، وهي امتداد للثروات الطبيعة التي وهبنا الله إياها مثل النفط. وتبقى التحديات في الطاقة والصناعة، وهي تحديات حقيقة. أما الخدمات اللوجستية فهي ضمن مشاريع البنية التحتية، وأعتقدُ أننا قطعنا شوطًا ممتازًا في تنفيذها.

وما شدَّ انتباهي في البرنامج الذي أُقِرّ في يوليو 2017م الحديث عن ضرورة التركيز على الثورة الصناعية الرابعة، وهو أمر يحتاج إلى طرح سؤال كبير جدًّا؛ ما هي متطلبات المنافسة في الثورة الصناعية الرابعة؟ إذا كان هذا أحد الأهداف، يعني فقط _ على سبيل المثال وليس الحصر_ شركة لوكهيد مارتن التي بدأت في استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لقطــــع طيارات (F-35)، إذًا الفجوة كبيرة ونحتاج معها إلى عمل جبار لتقليصها. إذًا التعدين والخدمات اللوجستية بإذن الله سوف تتحقق، ويبقى التحدي في مجالي الطاقة والصناعة اللذين نحتاج فيهما للنجاح إلى توافر مكونات الثورة الصناعية الرابعة.

وهذه الثورة، أقصد الصناعية الرابعة، بدأت تخلق تغييرًا عالميًّا سريعًا جدًّا، وسوف تؤثِّر على الحكومات والمجتمع المدني، كما أحدثت تغييرات في الطبيعة السكانية؛ ومن ثَمَّ يجب توافر عناصر محددة للمنافسة في هذه الثورة. حتى الدول التي تقود تلك الثورة تتخوف من خسارة المنافسة فيها؛ لأن قوانين اللعبة تتغير، وقدرة الدول على السيطرة تتقلص تدريجيًّا لصالح قوى أخرى ليست تقليدية.

إذًا كيف يمكن أن تقود أعمالك للنجاح في هذه الثورة للحكومات والشركات؟

أولًا: التعاون والعمل ضمن قوانين جديدة كليًّا، وهذا يعني انه لا يمكن أن نعمل بالأسلوب القديم والهياكل الإدارية والفنية القديمة.

ثانيًا: التخطيط للتعامل مع تلك الموجة من الجميع، وليس من جهة أو مسؤول واحد.

ثالثًا: قصر دورات الإنتاج بمختلف صورها. وهذا تحدٍ للاستثمار الرأسمالي والعائد عليه، فعادةً الصناعة تأخذ ربع إلى نصف قرن، سابك مثلًا. اليوم الحديث عن خمس إلى عشر سنوات فقط. وغدًا أقل من خمس سنوات. فالثورات الأولى والثانية والثالثة كانت تأخذ مئات السنوات، وتقلَّصت إلى عقد فقط، وقد يكون لدينا ثورة صناعية خامسة في غضون الخمسة عشر عامًا القادمة.

رابعًا: التعاون بين الجهات ذات العلاقة والمؤثرة والمتأثرة بهذه الثورة، بما في ذلك قوى العمل التي تتطلب مهارات وقدرات مختلفة عن مهارتنا وطريقة تفكير. والترابط الكاثوليكي مع العالم، إذ يجب أن نربط أنفسنا بالعالم بشكل تكاملي.

وعليه، هل يتضمن البرنامج وتلك الوعود كيفية تأهيل الجيل القادم لتلك الثورة؟ وهل النظام التعليمي جاهز لإعطائنا مخرجات لهذه الثورة؟ فلم نر كيف سيتم التعامل مع الذكاء الاصطناعي، ونماذج العمل ذات المرونة العالية؛ لأن الدورات سوف تكون قصيرة جدًا، وبالتالي التغيير هو دائم.

لم نر كيف سوف تُصنع قيادات التغيير في كل مكونات هذه الثورة، الصغيرة قبل الكبيرة! مهما كانت قدرات أرامكو وسابك، فالثورة الصناعية الرابعة تقوم على مستويات صغيرة (Small scale)؛ لأنها بحاجة إلى اختراعات من عقول بشرية وليس من مكائن يمكن أن تُشترى.

لم نشاهد دورًا للبيانات الضخمة وكيف يتم إنشاؤها والاستفادة منها، ونحن من أقل الدول في البيانات الأساسية، فما بالك بالبيانات الضخمة! عانيت على مدار قرن في إنشاء شركة بيانات واحدة من رفض للفكرة، فما بالك بالاستفادة منها واستخدام تلك البيانات في عمليات اتخاذ القرارات!

ولا نعرف كيف سوف يتم التعامل مع التطورات التكنولوجية والتي هي جزء أساسي من تلك الثورة، فنحن لا نقود تلك التطورات التكنولوجية للأسف، وليس لدينا محركات لها؛ وبالتالي هل سوف نتعامل معها كما تأتي أو يجب أن يكون لدينا مختبرات للتطوير التكنولوجي؟

في الختام، أنا متفائل بالحراك والمحاولات والجهود المبذولة، وكلما كانت الأسئلة أقوى وأعمق سمح ذلك لنا بتفادي الإخفاق. وبالتالي فالسؤال لا يعني عدم القناعة، ولكنه يعني سبر أغوار التحديات للتعامل معها، وبالتوفيق للوطن ولقيادة الوطن ولكل أفراده: النساء والرجال، الشيب والشباب، المواطن والمقيم.

 

وعقَّب د. ناصر القعود: فيما يلي أُجمل أبرز مزايا برنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية، وفق ما أراه:

1- تكامل البرنامج وشموله وترابطه، حيث يشمل الصناعة والطاقة بأنواعها والتعدين والخدمات اللوجستية.

والتركيز على الخدمات اللوجستية مهم جدًّا، فلكي تؤتي القطاعات الثلاثة أكلها لا بد من توفير خدمات لوجستية مميزة ومتنوعة؛ بما في ذلك الطرق وسكك الحديد وتطوير الموانئ والمطارات، وإيجاد مناطق اقتصادية حرة، ووسائل تمويل، وشبكة لوجستية ذكية تحقِّق لهذه القطاعات التكامل والترابط داخليًّا وخارجيًّا مع اقتصادات العالم.

2- هذا البرنامج هو الثالث عشر من برامج تحقيق رؤية المملكة 2030، والأهم، حيث سيسهم في إنجاز أكثر 30٪ من أهداف الرؤية، فضلًا عن تأثيره في برامج الرؤية الأخرى وتأثُّره بها.

3- سيحقِّق هذا البرنامج تنويعًا حقيقيًّا لمصادر الاقتصاد السعودي، فمن المتوقع بحلول عام 2030، أن تسهم هذه القطاعات في الناتج المحلي بـ 2.1 تريليون ريال، وتحفِّز استثمارات بـ 7.1 تريليون ريال، وترفع حجم الصادرات غير النفطية إلى أكثر من تريليون ريال، وتؤدي إلى استحداث 6.1 مليون وظيفة، ضمن فوائد أخرى مثل توطين التقنية وتحقيق تنمية مستدامة.

4- يعتمد تنفيذ البرنامج على مشاركة فعَّالة من قطاع الأعمال السعودي والأجنبي مع دعم وتحفيز من الحكومة، وذلك يبشِّر بسرعة الإنجاز، ورفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الذي هو هدف أساس من أهداف الرؤية.

5- تم إطلاق البرنامج بعد الإعداد الجيد له، وصدور كتاب يحدِّد الفرص الاستثمارية في كل قطاع، وتزامن مع بدء تنفيذ بعض المبادرات. وقد ذكر المهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية في حفل إطلاق البرنامج، أنه تم طوال الفترة الماضية وَضْع الخطط وإعداد المبادرات واستقطاب المستثمرين وترجمة المبادرات إلى مشروعات تنموية مستدامة.

وقد تضمن البرنامج 330 مبادرة، بُدِئ بتفعيل 130 منها من خلال 37 اتفاقية، إضافة إلى مذكرات تفاهم واتفاقات أخرى.

وقد صاحب إطلاق البرنامج إطلاق الوعود والمحفزات والممكنات الحكومية لهذا البرنامج، والتي شملت إطلاق خمس مناطق اقتصادية خاصة، وزيادة رأس مال صندوق التنمية الصناعي إلى 105 مليارات ريال، واعتماد 45 مليار ريال لتحفيز وتوطين صناعة السيارات، وتبني سياسات محفِّزة وإجراءات وآليات داعمة.

6- ختامًا؛ يهدف البرنامج إلى تحويل المملكة إلى منصة صناعية ولوجستية عالمية تربط قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا من خلال التركيز على أربعة قطاعات حيوية، هي الصناعة والتعدين والطاقة والخدمات اللوجستية، فهو يكمل ويتكامل مع بقية برامج الرؤية، لتحقيق الرؤية بكل أبعادها.

 

¤     المداخلات:

  • ·      غياب لمؤسسات التعليم الجامعي في البرنامج:

ذكر د. حمزة بيت المال أن ما لفت انتباهه في الموضوع هو غياب لمؤسسات التعليم الجامعي والمهني. فبرامج ومبادرات ومشاريع بهذا الحجم تحتاج لقوى بشرية سعودية على جميع المستويات الإدارية والهندسية والمهنية.

وأرى أهمية أن يكون لكل من هذه الجهود برامج تعليمية موازية. على سبيل المثال، الدعم اللوجستي أو البيانات الضخمة: هل هناك أقسام أو برامج في الجامعات تهتم بمثل هذه التخصصات المعاصرة؟ والحديث ينسحب أيضًا على صناعة السيارات: هل المعاهد المهنية الحالية تقدِّم برامج تعليمية في هذا المجال؟

  • ·      البرنامج وتحويل المملكة إلى قوة صناعية ومنصة لوجستية عالمية:

يرى د. عبد الله بن صالح الحمود أنه بعد أن أقرَّت لجنـة الإدارة الإستراتيجية التابعـة لمجلـس الشـؤون الاقتصادية والتنميـة ميثـاق برنامـج تطويـر الصناعـة الوطنيـة والخدمـات اللوجسـتية بتاريـخ 25 رمضـان 1438 هــ الموافـق 15 يوليـو 2017م، أتت القراءة الأولية للتعريف ببرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، حيث ظهر لنا أن المشروع يهدف إلى تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية في المجالات الواعدة للنمو (مع التركيز على الجيل الرابع للصناعة). ولا شك أن برنامج بهذا التوجه وبهذه الدرجة العالية من الضخامة لا بد أنه سيأتي بدعم اجتماعي واقتصادي كبير وكبير للغاية، وفي الوقت نفسه – وهذا ما ذهبت إليه التوقعات والدراسات – أن ذلك مؤدَّاه توليد فرص عمل للكوادر السعودية، وتعزيز للميزان التجاري، فضلًا عن تعظيم للمحتوى المحلي.

البرنامج سيركز على أربعة قطاعات رئيسة، هي الصناعة والتعدين والطاقة والخدمات اللوجستية، إضافةً إلى شموله لتصميم وتوفير الممكنات اللازمة؛ بما في ذلك تطوير السياسات واللوائح، والتمكين المالي، والبنية التحتية، والأراضي الصناعية، والمناطق الخاصة، والرقمنة، والبحوث العلمية، والابتكار، والتدريب، ورفع الكفاءات، وغيرها.

إضافة إلى أن البرنامج يهدف إلى تحقيق (11) هدفًا مباشرًا من أصل (96) هدفًا من أهداف رؤية المملكة 2030.

وقد قام البرنامج بربط الأهداف المباشرة مع القطاعات الرئيسة الأربعة بالإضافة إلى المحتوى المحلي والممكنات.

ويغطي البرنامج 23 هدفًا غير مباشر من المستوى الثالث ضمن رؤية 2030.

وقد حدَّد البرنامج أكثر من 300 مبادرة تتوزع على 24 ممكنًا، منها الجيل الرابع من الصناعة، وممكن البحث والابتكار، وتتوزع ملكية البرنامج على أكثر من 30 جهة من ضمنها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وتشمل تلك المبادرات عددًا من المبادرات ذات المكاسب السريعة، والمبادرات المحورية، والمبادرات ذات الأسبقية، وغيرها من المبادرات.

من هذا المنطلق، وأمام هذا الزخم الكبير والمتوقع له _ بإذن الله تعالى _ من أن يقود المملكة إلى مصاف دول صناعية كبرى كانت أو متوسطة؛ لا بد أن يؤخذ في الاعتبار التزامن لهذه الانطلاقة نحو تدريب وتأهيل الشباب والشابات السعوديين للمشاركة المستقبلية الفاعلة لبناء مثل هذه المشاريع، صناعية كانت أو لوجستية.

فالمحتوى المحلي بقدر ما ينشد الجميع أن يكون محققًا لناتج محلي عالي الكفاءة، بقدر ما يتأمل الجميع أن تكون السواعد الوطنية شريكًا رئيسًا في هذا المحتوى، والمقصود هنا هو ألا تتكرر مرحلة إنتاج صناعات وطنية من خلال سواعد وافدة، والأمر هنا لا يعني الاستغناء ألبتة عن الوافد كشريك في التنمية؛ إنما أن تكون المشاركة الوطنية آخذةً النصيب الأكبر في البناء.

مسألة مهمة في هذا الشأن؛ وهو أن التحديد الزمني لتحقيق أهداف البرنامج هو أمر ضروري؛ لذا كنت أرجو من وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية أن توضِّح لنا مراحل مُدد الإنجاز التي تتفق مع كل توجه من هذا المشروع، سواء أكان صناعيًّا أم لوجستيًّا.

  • ·      المؤسسات التعليمية ودورها في تحقيق أهداف البرنامج:

وتساءل م. حسام بحيري: هل نحتاج إلى إنشاء مؤسسات تعليمية جديدة، أو المشاركة مع مؤسسات في دول صديقة؟ هل المؤسسات التعليمية الوطنية عندها القدرة على توفير الكوادر؟

يعتقد أ. محمد الدندني أنه مع انطلاقة الرؤية 2030 كان من الأفضل إيجاد شراكات علمية وعملية مع كليات ومعاهد فنية من دول صناعية، على سبيل المثال لا الحصر: كليات الـ polytechnic في بريطانيا، أو غيرها. ولا أعتقدُ أن معاهدنا وكلياتنا الفنية قادرةٌ على إعداد الكوادر المطلوبة.

منحى آخر وهو ربما الأكثر تخصصًا وقربًا؛ أن يكون لكل قطاع من القطاعات الأربعة معهدٌ على مستوى عالٍ مرتبط به، تكون مهمته تغذية القطاع المعني بالكوادر المطلوبة. ولا بأس بأن يكون مشتركًا مع معاهد متخصصة في دول متقدمة في هذا القطاع.

وأرى أن هذا المقترح ليس جديدًا، فهو الذي قامت عليه أرامكو منذ بدايتها تقريبًا، من خلال برنامج التدريب لحملة الكفاءة قديمًا والآن لحملة الثانوية، وله مسارات متعددة إدارية وفنية. هي الفكرة ليس إلا.

أيضًا لحقت سابك بهذا الطريق، ولديها معاهدها للتدريب. وربما تكون هذه المعاهد أيضًا مركزًا للتدريب المستمر، من حيث إعطاء دورات في تخصصات دقيقة لمن تَخَرَّج منها أو من غيرها.

أضاف د. خالد بن دهيش أن المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني قامت بدعوة مؤسسات تعليمية وتدريبية أجنبية، وأطلقت يدها لتشغيل بعض من كلياتها التقنية وأسمتها كليات التميز. والذي أراه أن يكون تخصص هذه الكليات منصبًا على تدريب وتأهيل الشباب السعودي من الجنسين لاحتياجات برنامج الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية.

وكليات التميز عددها تقريبًا 30 كلية للبنين والبنات، وتُدار من قِبل مؤسسات تعليمية وتدريبية أوروبية وأمريكية وأسترالية من خلال تقديم برامج تأهيلية دولية، ولكنَّ المدربين جلُّهم عرب، ولا أعلم عن مدى منافسة خريجيها لسوق العمل.

  • ·      الجامعات ومراكز البحث العلمي ودورها في تطوير الصناعة:

أشار د. حامد الشراري إلى أنه من القراءة الأولية للأوراق التي قدَّمها الزملاء الكرام، وعدم تضمين قائمة بأسماء الجهات الثلاثين التي تقوم بتنفيذ هذا المشروع الوطني الضخم والشامل، والاطلاع السريع على وثيقة البرنامج الرائعة التي تقع في 307 صفحات؛ فإنني لم أر إشارةً لدور الجامعات ومراكز البحث والتطوير فيها بشكل واضح أو تفصيلي، أو آلية توثيق العلاقة بين الجامعات وقطاع الصناعة التي هي أساس تطوير الصناعة في الدول الصناعية المتقدمة وتكاملها مع القطاع الصناعي، عدا الحديث عن البحث والتطوير والابتكار وتنمية رأس المال البشري، وذِكْر أربع جهات لها علاقة بنقل التقنية، هي: (كاوست، مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وجامعة الملك فهد، وشركة تطوير المنتجات البحثية).

أيضًا نجد أن وزارة التعليم والمؤسسة العامة للتعليم الفني والتقني ذكرها بشكل ضيق، كما أُشير له في القسم السادس في الوثيقة. ولعلَّ هذا الدور المأمول يأتي في وقت متقدم عند التنفيذ. ​

لا يختلف اثنان على الدور المهم للبحث العلمي الجامعي في تطوير الصناعة وحل المشكلات الفنية التي تواجهها، ولا شك أن البحث العلمي التطبيقي أصبح شريكًا في حل غالب المشاكل التي تواجه القطاع الصناعي، كما أنه ركيزة ومنطلق لكل تطوُّر صناعي وتقدُّم اقتصادي في الدول المتقدمة. بل أضحى نشاطًا من الأنشطة الاقتصادية، ويؤدي دورًا كبيرًا ومهمًّا في تقدُّم الصناعة والاقتصاد ونموهما، ومن العناصر الأساسية في نقل التقنية وتوطينها. علاقة الصناعة بالجامعات والمعاهد والمراكز البحثية وأهميتها، أثرى نقاشًا ودراسة وبحثًا في مختلف الوسائل في السابق ولا يزال؛ لكون تلك العلاقة وثيقة ومتبادلة وتكاملية بينهما، فللبحث العلمي الجامعي دورٌ في خدمة التطور الصناعي، وللصناعة دور في خدمة البحث العلمي الجامعي. ​

رغم كل هذا الاهتمام بأهمية الجامعات ومراكزها البحثية، ومن التجارب السابقة، إلا أنها لم تُعطَ الفرصة الكافية للمشاركة في تقديم دراسات وبحوث للقطاع الصناعي والمساعدة في حل المشاكل التي تواجهه.

وليس هناك شك أنه سيُستفاد من التجارب العالمية والجامعات ومراكز البحث والتطوير الدولية في تحقيق أهداف البرنامج من خلال الشراكات، إلا أن ما أودُّ التأكيد عليه هو أن يكون للجامعات ومراكز البحث والتطوير الوطنية دورٌ رئيس وفاعل في تنفيذ مثل هذا البرنامج، ويُحدَّد هذا الدور بشكل واضح في الوثائق التفصيلية عند تنفيذ البرنامج. ​

  • ·      رفع مستوى القدرات التدريبية والتعليمية والمهارية:

ذهب د. خالد بن دهيش إلى أنه يتفق مع ما طرحه د. حمزة فيما يتعلق بغياب لمؤسسات التعليم والتدريب والتأهيل لمتطلبات الثورة الصناعية الرابعة أو برنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية. فبدون إعطاء هذا الجانب التركيز الموازي للبرنامج لن يحقق أهدافه، إذا كنَّا نرى أن الثورة الصناعية الرابعة معظم متطلباتها لا تتوفر في مؤسسات التعليم والتدريب الحالية.

إنَّ بناء القدرات لتحقيق الريادة يتم عبر رفع مستوى القدرات التدريبية والتعليمية والمهارية في مؤسسات التعليم والتدريب للوصول إلى مستوى التميُّز في الأداء لتحقيق حاجة البرنامج الصناعي واللوجستي، وللمنافسة في سوق العمل خصوصًا أن أسواق العمل التي تمدُّ سوق العمل السعودي لم تصل في معظمها لاحتياجات الطاقة والتعدين المستهدفة.

فالرفع من المستوى المهاري للسعوديين يحتاج إلى ثورة تدريبية موازية للثورة الصناعية؛ من خلال مراجعة للخطط والبرامج التعليمية والتدريبية الحالية لتحقيق أهداف المرحلة الصناعية القادمة، وكذلك رفع مستوى الطاقة الاستيعابية في مؤسسات التدريب والتعليم وربطها باحتياجات البرنامج الصناعي واللوجستي، وكذلك تطوير معايير الجودة والاعتماد للبرامج التعليمية والتدريبية ونقل وتوطين البرامج الدولية من الدول المتقدمة، وتبادل الخبرات المعرفية والتقنية. لذلك لا بد من إنشاء معاهد وكليات متخصصة للصناعات التي تضمَّنها البرنامج الصناعي واللوجستي كما حصل لمشروعي الجبيل وينبع عندما تمَّ إنشاء كليات متخصصة للصناعات البتروكيميائية في الجبيل وينبع حتى أصبحت مصانعها تُدار بأيادٍ سعودية ماهرة.

  • ·      الاستفادة من البنية الأساسية المحلية في البرنامج:

وتساءل م. حسام بحيري: كيف سنتمكن من الاستفادة من البنية الأساسية المحلية سواء من الموارد البشرية أو الصناعية أو التقنية المتوفرة لدينا؟ هل دورها يقتصر على المساهمة في البرامج أم نحتاج إلى تأسيس بنيات صناعية وتقنية وبشرية جديدة لإنجاح البرامج؟

أشار أ. محمد الدندني إلى أن د. نبيل المبارك ذكر ضرورة إنشاء قاعدة بيانات، وأعتقدُ أنها ستوفِّر إحصائيات دقيقة عن الكوادر الوطنية بكل مستوياتها وتخصصاتها. حينها يمكن الاستفادة من هذه الكوادر من حيث وضع الكادر المناسب في المكان المناسب، أو أنَّ منهم مَن هو في سن مناسب لإعادة التدريب والتأهيل، أما مَن بلغ السن التقاعدي أو قريبًا منه ولا يجد رغبةً في العطاء أو لا يمكن إعادة تدريبه فيُعطى حقوقه، والتقاعد أفضل.

هنا نقطة مهمة وهي: هل موظفو الدولة وبخاصة في الوزارات والهيئات المعنية قادرون على مواكبة التحوُّل والتغيير؟ ولا ننسى تكلفة رواتب موظفي الخدمة المدنية، وكيف ستستمر مع إنتاجية متدنية!

علق م. حسام بحيري أن ذلك اقتراح رائع، فتكوين قاعدة بيانات للكوادر الوطنية أمر أساسي، والاستفادة من خبرات المتقاعدين ذوي التخصصات مطلوبة لإنشاء البرامج المختلفة ولا سيما أن الدولة أنفقت أموالًا طائلة في تدريبهم وتكوين خبراتهم.

هناك عامل مهم جدًّا وهو تمويل البرامج، فلا شك أن التكلفة ستكون عالية؛ لذلك أتساءل: هل المؤسسات التمويلية المحلية قادرة على الوفاء بالمتطلبات، أم سنحتاج إلى سد العجز إن وُجد عن طريق شركات تمويلية دولية؟ وهل سيكون هناك قبول من رجال الأعمال للاستثمار في هذه البرامج أم لا؟

  • ·      نقاط مهمة وتساؤلات مثارة حول البرنامج:

أثار د. حميد الشايجي في مداخلته نقاطًا مهمة؛ حيث يرى أنه مضى الآنَ حوالي سنة ونص على طرح هذا البرنامج الوطني الطموح، وتساؤلي: هل هناك تقويم ومتابعة لمراحل التنفيذ؟ ماذا تمَّ إلى الآن؟

كما أنه نظرًا لضخامة المشاريع فحتمًا سيفتح المجال للمستثمر الأجنبي، ولكن البيئة الاستثمارية فيها قرارات متضاربة تؤثر في ثقة المستثمر الخارجي ورغبته في الاستثمار، فالرسوم خلقت بيئةً طاردة في ظلِّ عدم وجود الكفاءات المحلية.

أضيفُ أيضًا أن م. أسامة ذكر أن البرنامج سيوفِّر أكثر من مليون وظيفة، فهل السوق المحلية فيها عدد كاف من العمالة المحلية المدربة والمؤهلة في المجالات المطروحة؟ وأثني على الرأي الذي ذهب إلى ضرورة تهيئة البيئة المحلية لتوفير الأيدي العاملة الفنيّة القادرة على المشاركة في هذه القطاعات، وبالتالي الشراكة مع المؤسسات التعليمية والتدريبية ضرورة لا مناص منها.

  • ·      الخدمات اللوجستية في مجال النقل:

فيما يتعلق بالخدمات اللوجستية (النقل تحديدًا)، تساءل د. خالد الرديعان: ما الجدوى الاقتصادية لوجود خط سكة حديد تبدأ من جيزان وتنتهي بتبوك (نيوم)، محاذية للبحر الأحمر قرب الساحل بعيدًا عن السلسلة الجبلية (السراوات)؟ هذا الخط _على افتراض أن الفكرة معقولة _ سيربط الجنوب بالشمال، ويلتقي بمحطة جدة في المنتصف، والتي سترتبط بالرياض.

أجاب د. حامد الشراري بأنه قد يكون هناك أولوية، وذلك على النحو التالي بالنسبة للتوسُّع في سكة الحديد:

1- الرياض جدة.

2- الرياض أبها نجران.

ولا أعتقد أن سكك الحديد يُنظر لها كجدوى اقتصادية مباشرة؛ كونها خدمة نقل مثل مشاريع الطرق. مثل هذه المشاريع هي مشاريع وطن، وعادةً يمولها صندوق الاستثمارات العامة، وعوائدها تكون على مدى طويل.

  • ·      قراءة في برنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية:

أوضح م. أسامة الكردي أن الإعلان عن البرنامج شمل إصدار كتاب يحوي 65 فرصة استثمارية تحدث عنه د. ناصر القعود، وهو متوفر لديه ويصعب سرد محتوياته هنا.

وعلى الرغم من اهتمام البرنامج بتوطين الوظائف، فإن النشاط العلمي ليس من اهتمامات البرنامج باعتبار أنه من اهتمام برامج أخرى في الرؤية.

كما يبدو من تفاصيل البرنامج أن إنشاء بنية تحتية جديدة ليست واردة في البرنامج باعتبار أن المدن الاقتصادية التابعة لهيئة مدن الجبيل 1 و2 وينبع 1 و2 والمدن الاقتصادية في رابغ وجيزان والمدينة المنورة وحائل (عند اكتمالها) بالإضافة إلى مدينة الملك سلمان قرب بقيق _ قد تكون كافية.

كذلك فإنه ليس هناك ثقافة أو معدل لأجور العمالة، ولكن هناك قواعد عامة يتم استخدامها عند دراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع الصناعية، وإن كان هذا يمر بمرحلة تغيير بالنظر لسياسات توطين الوظائف.

أما موضوع التمويل فأعتقدُ أنه مهم جدًّا بطبيعة الحال، وطبيعة المشاريع الاستثمارية أن تستخدم القنوات التمويلية المتوفرة في البلد المعني وليس بالضرورة أن يكون تمويل المشروع ذاتيًّا. وتوفُّر التمويل في المملكة هو إحدى ميزاتها التنافسية المهمة، ولهذا شمل البرنامج زيادة رأس مال صندوق التنمية الصناعي إلى 105 مليارات ريال، وأضاف منتجات تمويلية جديدة.

وأضيفُ أن هذا البرنامج قد أُعلن عنه منذ مدة ولكنه لم ينطلق سوى الآن، ويتضح من حجم البرنامج ونطاقه ملاحظة عدم الخلط بين هذا البرنامج وبرنامج التحوُّل الوطني.

كذلك أعتقد فعلًا أن الرسوم لا تسهم في جذب المستثمر الأجنبي ولا المحلي خصوصًا مع ارتفاع الاحتياطيات.

أما من ناحية العدد، فإن سوق العمل يحتاج أكثر كثيرًا من الـ 6.1 مليون، وتوزيع العمالة المطلوبة حسب تخصصاتها وتأهيلها يتم ضمن برامج أخرى، وإن كنت أعتقدُ أنه بالإمكان توفير التأهيل المطلوب إذا نظرنا إلى إحصائيات طلبة الجامعات العلمية.

أخيرًا، فإنني أرى أنه ليس لكل مشاريع البنية التحتية جدوى اقتصادية مباشرة، بل يمكن أن تكون الجدوى الاقتصادية غير مباشرة، وأهم من ذلك جدوى تنموية اجتماعية.

أضاف د. صدقة فاضل أنه كان يتمنى أن يُربط الاستثمار وانسيابه وتكثيفه بعنصر الاستقرار الذي يعتبر مهما لأي مجتمع أهميةَ الماء والهواء. تصعيد وترشيد الاستثمار يؤدى إلى دعم الاستقرار، وقوة الاستقرار تدعم الاستثمار والازدهار الاقتصادي. يجب _ في رأيي _ عدم تجاهل عنصر الاستقرار في أي تحليل جاد وعملي ونافع للاستثمار.

كما أثنى أ. إبراهيم آل سنان على تعريج م. أسامة الكردي على مفهوم أجور الأيدي العاملة. وأضاف: إننا عندما نتكلم عن تطوير الصناعات لدينا في كل المجالات؛ على سبيل المثال وليس الحصر: التقنية، فلو نقلنا التكنولوجيا وفتحنا المصانع، فكم ستكون تكلفة المنتجات؟ بالطبع، ستكون مرتفعة، وهذا ما يخيف المستثمرين. أمريكا نفسها نقلت صناعاتها التقنية إلى الصين واليابان، وأصبحت تُجمَّع في ماليزيا وفيتنام؛ لأن أجور الأيدي العاملة منخفضة.

وأعتقدُ أن التقنيات ليست المشكلة سواء من حيث الاختراع أو نقلها، المشكلة في تصنيعها. لمصر تجربةٌ جميلة مع توشيبا العربي وشارب وكذلك سيارات الـ (بي ام دبليو)، تُجمَّع وتُصنَّع بعض التقنيات في مصر، والمنتجات تُصبح أقلَّ تكلفةً وأسعارها مقبولة على مستوى الشعب المصري كقوى شرائية. ولو فكَّرنا في مصانع يشغِّلها فيتناميون وصينيون وهنود بأجور منخفضة فكأننا لم نفعل شيئًا. لم نستفد سوى التوطين الجغرافي وليس التنموي والصناعي بتوفير وظائف ومهن.

ألمانيا رحَّبت بالمهاجرين ليس لأنها إنسانية ولكن لأنَّ أجورهم كأيدي عاملة منخفضة إلى أقل من النصف مقارنة بالألماني، وترامب يحارب دخول المكسيكيين لأنهم كأجور أقل من الأمريكان، وصارت المصانع تفضِّلهم حتى لو مهاجرين غير شرعيين.

في لقاء أتذكره مع صاحب ماركة نايك للأحذية تحدث عن أجر 6-10 دولار للساعة للأمريكي، وفي إندونيسيا 0.50 دولار، سنتات قليلة.

علق م. أسامة الكردي بأن كافة الاستثمارات المقصودة ليست مستخدمة بكثافة للعمالة، وهو ما يعني ارتفاع تكاليف العامل بما يناسب السعوديين ولا يضر المستثمرين. بقسمة حجم الاستثمار المتوقع على عدد الوظائف يتضح أن كل مليون ريال يحدِث وظيفة واحدة، وهذا متناسب مع استثمارات التقنية المتقدمة.

أضاف أيضًا أ. إبراهيم آل سنان؛ لديَّ معلومة تأكدتُ منها مؤخرًا عن طريق حجوزات السفر والشراء على المواقع، وهي أن المواقع والتطبيقات التي تقدِّم الحجوزات أو المنتجات تتغير أسعارها أحيانًا بدرجات كبيرة وأحيانًا بدرجة صغيرة اعتمادًا على مكان المستخدم. فالفنادق في مصر كمثال، فإن الحجز للسعودي أغلى منه للمصري أو الأردني سواء على التطبيق أو شخصيًّا. كما أن أحدهم قال لي إن المنتجات تُقدَّر تكلفتها حسب القوى الشرائية لكل بلد، ومن خلال استخدام أمازون كبائع لبعض المنتجات وجدتُ بالفعل خدمة تحديد السعر حسب المنطقة والبلد، وكيف يمكن لي أن أبيعَ منتجًا بدولار في مصر، وبمئة دولار في السعودية.

  • ·      الطاقة البشرية في المملكة والمشروعات الصناعية:

من جانبها تساءلت د. وفاء طيبة: أين موقع مشروع وعد الشمال من هذا؟ كانت لي فرصة أن زرت المشروع، ورأيتُ ما يشرح الصدر ويرفع الرأس، رأيت شبابًا سعوديًّا يحمل المشروع على كتفيه، مشروع مدينة متكاملة ذكرتني بأرامكو، كان ذلك منذ عدة سنوات، هل بدأ المشروع في العطاء؟

حقيقة ما يؤرقني في المشروع الصناعي العظيم هو الطاقة البشرية، كليات التقنية لا تماري هذا المشروع العظيم، ويبدو لي أن الابتعاث في المجالات التقنية الصناعية ضعيف، فمن أين لنا أن نُغطي حاجة هذه المصانع؟ هل سنعتمد على العمالة الأجنبية مرة أخرى؟ هل معاهد تدريب سابك وأرامكو عامة؟ لا أعتقد، وحتى لو كانت كذلك فلن تعطيَ العدد ولا التنوُّع. وعلى حد علمي، تم ضمُّ التعليم والتدريب التقني لوزارة التعليم، ولكننا لا نسمع عن أيِّ تطورات في هذا المجال.

في السياق نفسه، تساءل م. حسام بحيري: هل يمكن ربط سياسة التعليم المستقبلية مع خطة إنشاء البرامج لإعداد الكوادر البشرية المطلوبة محلية؟ علقت د. وفاء طيبة أنه لا بد من ربطها، ولا بد من العمل على رفع مستوى قبول العمل التقني المهني في المجتمع.  وفي رأيي، قد يكون ربط هذا النوع من التعليم بالجامعات المعروفة في المملكة من باب تحسين النظرة إلى الخريج وزيادة إقبال الشباب على هذه التخصصات.

نحتاج إلى إستراتيجية كاملة للنهوض بالتعليم التقني لمواجهة حاجات مشروعنا الصناعي.

من المهم أيضًا الكشف عن هذه المهارات في مرحلة مبكرة وتشجيعها وتوجيهها. قد ينقسم التعليم الثانوي العام إلى علمي وأدبي وتقني مثلًا، بدلًا من علمي وأدبي فقط، ويكون ذلك بناءً على اختبار للقدرات والمهارات، ثم بعد ذلك يتوجه الجميع إلى الجامعات حسب التخصص.

قابلت في حياتي بعض الشباب الماهرين جدًّا في الأعمال اليدوية، ولكنهم لا يستطيعون متابعة التعليم المعتمد على الذاكرة أو الأكاديمي، مهارتهم في أيديهم، وهذه أيضًا قدرة ونعمة يجب أن تُقدَّر ويجب أن تُشجَّع، مثلها مثل القدرات العلمية الأخرى. في كثير من دول أوروبا ومنها فنلندا يتوجه 60٪ من خريجي الثانوية العامة إلى التعليم التقني.

وأوضح م. حسام بحيري أن مجتمعنا يفتقد لطبقة ذوي الياقات الزرقاء، وهي الطبقة التي تتمتع بالتعليم الفني والمهني وتشكِّل عماد أي مجتمع صناعي؛ لذا فإننا نحتاج لترويج وتشجيع أهمية التعليم الفني والمهني في مجتمعنا.

وذكر د. خالد بن دهيش؛ إن سياسة التعليم هي الخطوط العامة التي تقوم عليها العملية التعليمية. فمن الأسس العامة التي يقوم عليها التعليم تهيئة فرص النمو أمام الطالب للمساهمة في تنمية المجتمع في الحاضر والمستقبل، ليتمكن من العيش فيه والإفادة من هذه التنمية التي شارك فيها.

ومن غايات التعليم تزويد الطالب بالقدر المناسب من المعلومات والثقافة والخبرات والمهارات المختلفة التي تجعل منه عضوًا عاملًا في المجتمع. ولكل مرحلة تعليمية أهداف مرتبطة بإستراتيجيات وخطط التنمية العامة للدولة. ومن المهم جدًّا أن تُراجع هذه السياسات التعليمية وفقًا للمتغيرات التنموية كرؤية المملكة 2030 وبرامجها المختلفة، وهذا ما نُوصي به في قضيتنا هذا الأسبوع.

كما أكد أ. محمد الدندني أنه يشارك د. وفاء فيما ذهبت إليه من حيث عدم توافر الكوادر الفنية لدينا للصناعات التقليدية، فكيف هو الحال بالنسبة للصناعات المتقدمة؟ كذلك فإن الصناعة منظومة معقدة من المواد الأولية وتجهيزها للاستخدام. هب أننا بنينا مصنعًا للسيارات، فهل لدينا الصناعة الأساسية لسبك الحديد وتشكيله؟ وهل لدينا تخصصات في علم المعادن والعناصر، مثلًا metal casting and forging, إن كانت معادن وحيدةً أو خليطًا alloyed، وعلوم أخرى مهمة للصناعة؟

  • ·      الثورة الصناعية الرابعة ومَن يديرها حاليًّا:

حول ما أشار إليه د. نبيل المبارك من الثورة الصناعية الرابعة، تساءل م. حسان بحيري: هل البرامج المطروحة تسهم في تطبيقها محليًّا؟ أجاب د. نبيل المبارك: إن الثورة الصناعية الرابعة تتكون من عناصر ثلاثة: الذكاء الصناعي، والبيانات الضخمة، والبلوك تشين. وفي كل عنصر عوالم بذاتها تتداخل وتتطور بتسارع مخيف حتى لمسيِّريها، ومن ثَمَّ فعناصر الإنتاج الصناعي بمفهومها العام لم تعد بنفس المفهوم الصناعي السابق؛ وبالتالي فالعقول والآلة قبل الأيدي هي مَن يدير الثورة الصناعية الرابعة.

والبلوك تشين هي تقنية للتخزين والتحقُّق من صحة وترخيص التعاملات الرقمية في الإنترنت بدرجة أمان عالية، ودرجة تشفير قد يكون من المستحيل كسرها في ظل التقنيات المتوفرة اليوم. وهي عبارة أيضًا عن صندوق تتم داخله كل العمليات من خلال نظام تقني يتحدث مع نظام تقني مع آليات تدقيق وتأكيد دون تدخل بشري، وهو ما يعني أن مهنًا كثيرة سوف تختفي من الوجود وبالتالي وظائف بالملايين، ومن ضمنها عمليات المحاسبة والمراجعة _ على سبيل المثال _ لن يكون لها وجود، ومن ثَمَّ لا حاجة للمراجعة والتدقيق المحاسبي، والمبيعات والعمليات الإدارية، وهو ما يعني أن الآلات تتحدث مع الآلات.

  • ·      توطين الصناعات التقليدية:

أكد د. حامد الشراري أننا نريد توطينَ الصناعات التقليدية الموجودة في الدول الصناعية والتي نحن بحاجة لها. القضية كيف نتجاوز القيودَ التي تمنع تملُّك تلك الصناعات لدول العالم الثالث (النامي)… وهذا لا يمنع أن نجاريَ الدول في الثورة الصناعية الرابعة وما بعدها، ونضاعفَ الجهود كي نفك تلك القيود التي تفرضها الدول الصناعية على الدول النامية في نقل أسرار الصناعة المتقدمة.

بينما يرى أ. إبراهيم آل سنان أنه ليست هناك أسرار، وإنما جدوى ينظر لها المستثمر، والصناعات التقليدية أو غير التقليدية في النهاية ستقدِّم منتجات. والتصنيع العسكري سيكون أسرع وأكبر؛ لأن ما ينتجه له عميل معروف ومضمون، ولن يصنع إلا ما يريده العميل.

ولتوضيح فكرة القيود، علق د. حامد الشراري بأن دول أمريكا الجنوبية _ كبقية دول العالم النامي _ فُرِضت عليها قيودٌ شديدة من قِبل الدول الصناعية المتقدمة لتوطين التقنية وإعادة إنتاجها محليًّا، منذ القرن الماضي من خلال سن التشريعات والقوانين الصارمة؛ كبراءات الاختراع، وحقوق الملكية الفكرية وتسجيلها، وسرية الصنعة، والاتفاقيات، والتحكم في المنظمات الدولية ذات العلاقة… إلخ، وهو موضوع حسَّاس للدول المنتجة للتقنية؛ لأنه يمسُّ صلب اقتصادها وليس من السهل أن تفرط في ملكيته ومعرفة سر صنعته، إلا أنه في العقدين الأخيرين بالرغم من تلك القيود برزت بعض دول أمريكا الجنوبية كقوة اقتصادية منافسة ومؤثرة في الصناعة المتقدمة والثقيلة كالبرازيل، وبدأت منتجاتها تغزو أسواق العالم.

وأتساءل: كيف نستطيع أن نستفيد من تجارب الآخرين في فك بعض تلك القيود لكي ينجح هذا البرنامج الطموح في مجال توطين التقنية بوجه خاص؟ في السياق نفسه وإجابة عن هذا السؤال، يرى أ. محمد الدندني أن ذلك ممكن من خلال الشراكات الحصرية لمَن يوافق على توطين التكنولوجيا، والمشاركة في براءات الاختراع إن كانت دولًا أو شركات، مع رفع التعاون التجاري مع هذه الدول إن كان هناك استيراد من الشركات أو الدول.

وكذلك من خلال الاستثمار في الحاضنات العلمية شرقًا وغربًا، وشراء نسبة مسيطرة قبل أن تصل لمستوى التجار، وفي الوقت نفسه إدراج هذه الحاضنات في سوق المال تحت تصنيف منفصل عن الشركات المدرجة للتداول، وتفعيل الحاضنات الخاصة ومراكز الأبحاث في داخل المملكة والاستثمار فيها من القطاعين الحكومي والخاص، وإعطاء الأفضلية لمَن يتعاون من الدول المتقدمة؛ كاليابان والصين وكوريا وغيرها شرقًا، ودول أوروبا والأمريكيتين غربًا.

بالإضافة إلى تبني النوابغ من الطلبة العرب في الغرب والدول العربية، وإنشاء حاضنات لاستيعابهم وتجنيسهم، فهذا يضيف ثراءً للمجتمع، والبحث عن النوابغ ممَّن يحتاجون تمويل لإكمال دراساتهم العليا أو أبحاث ما بعد الدراسات العليا؛ وبهذا نشارك في أي اختراع أو اكتشاف كملكية علمية ورأسمالية.

  • ·      برنامج تطوير الصناعة ومزيد من الحلول المقترحة:

أوضح د. مساعد المحيا أن هذا البرنامج الذي يشتمل على إطلاق عدد من المحفزات والوعود مع أنه جزء من برامج الرؤية المعلَن عنه سابقًا إلا أنه يأتي في إطار ضعف أو ركود اقتصادي، وهو ما يعزِّز إمكانية أن يكون لهذه المحفزات أثرٌ في بَعْث حراك اقتصادي جيد.

‏فالمملكة على الرغم من ارتفاع العائدات النفطية خلال السنوات الماضية إلا أنها عانت من التأثيرات السلبية ممَّا يُسمَّى بالإدمان على النفط؛ لذا كان من أهم ما عُنيت به القيادة السعودية مؤخرًا هو تطبيق خطة طويلة الأجل سُمِّيت برؤية المملكة 2030 بقصد تحقيق التنوع في الصادرات والدخل الحكومي، ومن ثَمَّ تنويع القاعدة ‏الإنتاجية.

‏المملكة تعدُّ من أكبر الدول المنتجة والمصدر للنفط في العالم، فهي تملك احتياطيات نفطية هائلة؛ لذا فالسؤال الدائم المهم.. مادامت المملكة بلدًا منتجًا للنفط وتستمد من حيث الواقع إيراداتها المالية منه، فهل ستظلُّ تُعاني مما عانت منه معظم الدول المصدِّرة للنفط أو غيره من الموارد الطبيعية من تأثيرات سلبية على اقتصادها برغم اختلاف حالتها وفقًا لطبيعة تركيبة اقتصادها؟

‏لذا لا بد أن تستحضر الحلول المقترحة والناجعة لكيفية تعامل الدول النفطية من خلال سياساتها الاقتصادية مع تحديات السوق النفطية ومع التقلبات الكبيرة في العائدات النفطية. إضافةً إلى طبيعة القيم الاجتماعية التي تشكلت لدى الفرد بسبب ريعية الدولة تجاه الشعب والإدمان النفطي، وذلك بغرض الوصول لنجاح حقيقي تقود إليه خطة عملية وسياسات اقتصادية تبعدها عن الإدمان النفطي بشكل يسهم في تنويع القاعدة الإنتاجية وتنويع مصادر دخلها بعيدًا عن الصهيل الإعلامي.

السؤال الآن: هل هذه البرامج والمحفِّزات الكبيرة اليومَ يمكن النظر إليها على أنها محفزات بعيدة عن هذا الإنتاج النفطي؟ ‏هذا هو السؤال الحقيقي لمعرفة مدى علاقتنا بالاقتصاد النفطي، وما إذا كان هناك فعلًا عمل لإيجاد تنوُّع حقيقي وإيجاد قواعد إنتاجية أخرى.

هذه المحفزات والوعود هي الأمل بالفعل في أن تنجح في وَضْعنا على بداية الطريق، فهل سيكون هناك برامج لتقوية مهارات العمل لدى الفرد السعودي كي يرى المستثمرون في الداخل والخارج بدايةَ القدرة على الوصول إلى تحقيق الأهداف الحقيقية؟

كما أن من المهم هنا معرفة ‏إلى أي مدى يمكن أن نقول إن هناك مؤشرات حقيقية نستطيع استخدامها لتقويم تجربة وأثر هذه المحفِّزات والوعود للمساهمة في تحقيق هذا التنوع الاقتصادي بحيث تكون محققةً للأهداف الحقيقية.

وبالتالي، ‏كيف يمكن أن ننجح في تقويم هذه المحفِّزات وكونها قادرة على أن تسهم في توسيع حقيقي في القاعدة الإنتاجية الصناعية والزراعية وفقًا لمبدأ تعزيز الشفافية والحوكمة ودعم أجهزة الرقابة وتطوير البيئة التشريعية والقانونية؟

دون شك، فإن توسيع الصادرات السلعية من خلال تعدُّد السلع المصدَّرة للخارج أو تنويع الأسواق الخارجية بدلًا من الاعتماد على تصدير سلعة واحدة تتأثر سلبًا وإيجابًا سيكون هو التنويع الاقتصادي بمفهومه الواسع، وهو سياسة تنموية تقوم على استغلال كل الموارد المتاحة لتوسيع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد. فلعل هذه البرامج والمحفزات تفي بذلك.

هناك دول نجحت في تجاربها في تنويع اقتصادها، مثل: سنغافورا، والمكسيك، وإندونيسيا، وماليزيا… وغيرها. الإشكال الحقيقي هو الاختلاف في البيئة الاجتماعية لدينا، إذ يصعب وجود الأيدي العاملة الرخيصة.

رؤية المملكة 2030 تعتمد على ثلاثة محاور رئيسة: مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح. وتحقيق هذه الرؤية يقوم على تنفيذ عدد من البرامج التنفيذية التي يُتوقع أن يكون لها دورٌ في تحقيق أهدافها. والتحديات التي تواجه تطبيق الرؤية متعددة، من أبرزها العمل على ترشيد وتخفيض الإنفاق الحكومي، ومن ثَمَّ ‏فإن هذا الإنفاق إذا استمر على شكل محفِّزات دون تقدُّم سيكون استمرار ذلك ضروريًّا، وبالتالي فإن أي تخفيض لهذه المحفِّزات أو عدم تحقيقها سيكون له – بلا شك – تأثيرٌ سلبيٌّ على الاقتصاد وعلى الركود الذي أصبحنا نعيشه اليومَ ونرى بعض مظاهره، مثل الانخفاض في الدخل المتاح للاستهلاك، مما يقلل من ضعف الإنفاق الحكومي الذي يحرِّك النشاطات الاقتصادية؛ وهو ما يعني انخفاض مساهمة الدولة في الناتج المحلي نتيجة التوقف أو تأجيل الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري. ‏

يبدو لي أن الواقع اليومَ يؤكد استمرار سيطرة الإيرادات النفطية على إجمالي الإيرادات العامة، وهذا في معظم السنوات الماضية. ومع هذا التحسُّن الذي طرأ في بعض الإيرادات غير النفطية، ووجود أرقام ربما يُنظر إليها على أنها أرقام مجردة لا تتناسب مع ارتفاع نسبتها المئوية، والسبب في ذلك أن انخفاض الإيرادات العامة رفَع نسبة مساهمة الإيرادات غير النفطية دون الزيادة في حجمها، إضافةً إلى ضعف استمرار مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي حيث لم تتجاوز 2.6%. إضافةً إلى أن نسبة مساهمة الصناعة التحويلية لا تزال ضئيلةً جدًّا رغم ما صُرف عليها من أموال طائلة حيث لم تتجاوز 12.2٪ في عام 2017، وهو تحسُّن قليلٌ يعود إلى التحسُّن في صناعة تكرير الزيت، وليس التحسُّن في الصناعات الأخرى.

إذًا فإن النمو في الناتج المحلي الإجمالي يسير جنبًا إلى جنب مع النمو في القطاع النفطي، وهو ما يدل على أن النفط هو المكينة التي تُحرِّك الاقتصاد.

وثمة أمر آخر أيضًا وهو انخفاض ‏مساهمة الصادرات غير النفطية ‏بالنسبة لإجمالي الصادرات. أضف لهذا تزايد الواردات مع تزايد الصادرات غير النفطية، وهو ما يعزز مسألة الإدمان النفطي، إذا ‏لا تزال الصادرات النفطية عالية مقارنة بإجمالي صادرات المملكة. ومع أن هناك انخفاضًا قليلًا في نسبة الإيرادات النفطية إلا إن ذلك يُعزى إلى فرض الرسوم والضرائب وخفض الإعانات وزيادة أسعار المنافع العامة، ومع ذلك فهناك مؤشرات مبدئية إيجابية مع بداية تطبيق الرؤية.

كما أنَّ بيوت الخبرة المالية العالمية كصندوق النقد والبنك الدولي أو وكالة موديز ووكالة فيتش للتصنيف الائتماني أعطت نظرةً إيجابية للاقتصاد السعودي، ورفعت سقف معدلات نمو وتحسين بيئتها الاستثمارية، وهذا ما يعزِّز الأمل واستشراف المستقبل المشرق بإذن الله.

¤     التوصيات:

  1. تكوين قاعدة بيانات للكوادر الوطنية من العاملين أو المتقاعدين، لسهولة استقطابهم ومشاركتهم في أعمال البرنامج.
  2. تطوير السياسة التعليمية لتتناسب مع التطوُّرات المعرفية والمهارية لمتطلبات التنمية وبرامج رؤية المملكة 2030.
  3. إعطاء الجامعات ومراكز الأبحاث والتطوير فيها دورًا أكبر ورئيسًا للمشاركة في هذا البرنامج الطموح، وأن تتم عقد شراكات بهذا الخصوص.
  4. أن يكون ضمن توجُّه البرنامج الاستحواذ على الشركات أو المصانع في بعض الدول التي لديها مشكلات مالية كالديون أو الإفلاس، إضافةً إلى تملُّك حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع.
  5. رسم خطة ضمن البرنامج لتجاوز القيود أو العقبات التي تفرضها الدول الصناعية في نقل وتوطين التقنية للدول النامية.
  6. يُفترض تحديد مراحل زمنية لتحقيق أهداف البرنامج اتساقًا مع السنوات القادمة للوصول إلى رؤية 2030، للوصول إلى تكامل منشود.
  7. إنشاء حاضنات عالية الكفاءة، لصقل الكفاءات البشرية المستهدفة للعمل في البرنامج بعد أن يتم تدريبهم الأوليّ في مراكز التدريب المتخصصة للصناعة المتطورة والخدمات اللوجستية، حيث تُعدُّ الحاضنات بيئات فكرية متقدمة.
  8. الاهتمام بدرجة أكبر بالشحن البري لأهميته في قطاع اللوجستيات بجانب خدمات السكة الحديد والمترو.
  9. تطوير قواعد عمل الموانئ بما يسمح لها بالمنافسة مع الموانئ في منطقتنا.
  10. اتخاذ الإجراءات الأولية للبدء في تنفيذ جسر الملك سلمان (السعودية مصر) إذا لم يتم البدء فيه.
  11. إجراء دراسات جدوى أولية للمشاريع الاستثمارية في البرنامج وتوزيعها بدون مقابل لتعم الفائدة للجميع وكسبًا لمشاركات وطنية مؤمَّلة.
  12. تطوير أسلوب عمل هيئة الصادرات وبنك الصادرات ليتناسب مع متطلبات البرنامج.
  13. إعداد تقرير ونشره شهريًّا عن تقدُّم العمل في البرنامج ومبادراته لإطلاع المستثمرين على ما حقَّقه البرنامج أولًا بأول.
  14. التأكد من أن الاستثمارات المستهدفة هي موجَّهة للقطاع الخاص المحلي والدولي فقط.
  15. إعداد خطة تعريفية محلية ودولية للبرنامج وعقد ندوات تعريفية للمستثمرين، إضافة إلى عقد ورش عمل بصفة دورية للتطوير من أعمال البرنامج.
  16. العمل على إيجاد ممكنات الأعمال للثورة الصناعية الرابعة، وهي بالدرجة الأولى معامل للذكاء الصناعي والبحث العلمي.
  17. بناء خطة إستراتيجية للبيانات الضخمة؛ الأمر الذي يسهم في تحقيق نجاحات عمل البرنامج.
  18. المبادرة الآنية نحو تحقيق إحدى مبادرات البرنامج، وهي تسهيل وتسريع إصدار التراخيص اللازمة للمشاريع الاستثمارية المتاحة ضمن أهداف البرنامج.

 

القضية الرابعة

في اقتصاديات الدول المُنافِسة، المحتوى المحلي هو كل شيء

–    كاتب الورقة: د. إحسان علي بوحليقة.

  • المعقبان:

–    د. نوف الغامدي.

–    أ. محمد الدندني.

–    إدارة الحوار: د. عبد الله بن صالح الحمود.

¤     الملخص التنفيذي:

إن مصطلح المحتوى المحلي جاء في أكثر من موقع في “رؤية المملكة 2030” لتعكس مدى أهميته كأحد الأسس الفاعلة لجعل “الرؤية” واقعًا يتحقق، فأحد أهداف محور “اقتصاد مزدهر” تُرجمت إلى زيادة المحتوى المحلي. كما أن سلسلة القيمة المضافة السعودية مليئة بالموارد التي يمكن استغلالها وتوطينها بشكل سريع. فالاقتصاد الوطني مليء بالمواد الخام إضافةً إلى استثماراته الهائلة في مراكز البحث والتطوير في قطاعي النفط والبتروكيماويات؛ الأمر الذي سيسهِّل العمل على زيادة المحتوى المحلي ويكثِّف عملية توسيع القاعدة الصناعية الوطنية.

وقد أشارت الورقة الرئيسة إلى أن اهتمام “رؤية 2030” بالمحتوى المحلي كان إيذانًا بعهدٍ جديد فيما يتصل بزيادة الاعتماد على الموارد البشرية المواطنة، واقتصاص حصة متعاظمة لتكون من نصيبها من أي نشاط اقتصادي يُمارس، وهذا ينطبق على الواردات والصادرات من سلع وخدمات.

كذلك ترى الورقة أن في اقتصاد الدول “المحتوى المحلي هو كل شيء”، هو “الوعاء” الذي تُغرف منه “القيمة المضافة”، ومحصلة القيمة المضافة هو الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يقيس قيمة ما يولِّده الاقتصاد من سلع وخدمات في عام. كذلك فإن تنمية وتعزيز المحتوى المحلي قد تعني توجهات اقتصادية جديدة، فهي سياسة قد تضع الاقتصاد أمام خيارات جديدة، أو تتطلب اتخاذ قرارات محددة انسجامًا مع سياسات أخرى.

وأكدت التعقيبات على أن “المحتوى المحلي” من الموضوعات المهمة والإستراتيجية في المنظورين القريب والبعيد، وبه قوة الدولة والمجتمع ونموهما التنافسي محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، وهو القوة الناعمة للسياسة الخارجية.

وذهبت التعقيبات أيضًا إلى أن من أكبر العوائق التي واجهت المحتوى المحلي منذ انطلاق الرؤية هي التنظيم والقوانين؛ ولذلك جاء الأمر الملكي الكريم بإعطاء صلاحيات لهيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية لتكون لها اليد العُليا على هذه الشركات الكبرى في المملكة، لفرض الإمكانيات المتاحة في السوق على هذه الشركات، حيث إنَّ إنشاء الهيئة استهدف تعظيم مشاركة المنشآت الاقتصادية في الناتج المحلي وزيادة الطلب على المحتوى المحلي، وكذلك رفع معدل النمو الاقتصادي للقطاع الصناعي.

وأشارت المداخلات التي جرت على الورقة الرئيسة إلى أن المحتوى المحلي هو بُعد إستراتيجي لا بد من الاهتمام به، ويجب ألا ينخفض نسبيًّا عن الـ 50%، بل الطموح أن يتجاوز ذلك على الدوام.

وأكدت المداخلات على أن القيمة المُضافة يمكن أن تكون من رأس المال الوطني أو المواد الخام الوطنية أو أي مدخلات وطنية، وبالتالي لا يُحمَّل المحتوى المحلي أكثر مما يتحمله فيما يتعلق بالقوى العاملة الوطنية.

بينما ترى بعض المداخلات أن الدراسات أثبتت عدم جدوى سياسة المحتوى المحلي على المدى البعيد؛ لذا فإنه لا بد من استحداث سياسات مختلفة عن المحتوى المحلي لتعزيز الاقتصاد ومعالجة التحديات الداخلية، وأن تستهدف هذه السياسات خلق بيئة تجارية وتنظيمية جيدة، والحد من الحواجز التجارية والاستثمارية، واستهداف سياسة الابتكار وتطوير البنية التحتية.

وفي نهاية النقاش طرح الملتقى عددًا من التوصيات، أهمها: الاعتماد والاهتمام بالأرقام والإحصائيات في أعمال هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية، بما يخدم تنمية الموارد البشرية والموارد الطبيعية، والتعريف بالواردات التي يمكن التعامل معها كفرص صناعية. العمل الجماعي والتنسيق مع كل الجهات التي تُعنى بالمحتوى المحلي وبالذات وكالة وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية لشؤون الصناعة. التركيز على الخبرات والتجارب الوطنية في أنشطة المحتوى المحلي، واقتصار الاستشارات الخارجية على أفراد مختصين وبارزين في هذا المجال للاحتياج الفعلي والنادر. التركيز على التعليم الفني والتقني، وحث كل منشاة اقتصادية أن يكون لديها قاعدة بيانات لإعداد كوادر وطنية ذات كفاءة عالية، وإعادة تقييم المخرجات الجامعية بما يتواءم ومتطلبات المحتوى المحلي. الظهور الإعلامي المتوازن من الإنجازات المستمرة للمحتوى المحلي، وتعريف المجتمع بدور الهيئة في تنمية المحتوى المحلي. تطوير منصة اعتماد بحيث تشمل كل ما يعني ويهم المحتوى المحلي دعمًا للشفافية من ناحية وزيادة للتعريف الشامل بالدور المنوط بمنصة اعتماد. الحرص على مبدأ التوازن والمواءمة بين الصناعة والخبرات المحلية وما يماثل ذلك دوليًّا تفاديًا لحدوث انخفاض متوقع للصادرات المحلية، حفاظًا على النسبة المستهدفة للميزان التجاري وعلاقات المملكة في التجارة البينية. تعظيم دور المحتوى المحلي في المجالات ذات المزية النوعية التي تحظى بها المملكة خصوصًا في النفط والبتروكيماويات والمعادن.

¤     مقدمة:

إن مصطلح المحتوى المحلي جاء في أكثر من موقع في “رؤية المملكة 2030” لتعكس مدى أهميته كأحد الأسس الفاعلة لجعل “الرؤية” واقعًا يتحقق، فأحد أهداف محور “اقتصاد مزدهر” تُرجمت إلى زيادة المحتوى المحلي. كما أن سلسلة القيمة المضافة السعودية مليئة بالموارد التي يمكن استغلالها وتوطينها بشكل سريع. فالاقتصاد الوطني مليء بالمواد الخام إضافة إلى استثماراته الهائلة في مراكز البحث والتطوير في قطاعي النفط والبتروكيماويات؛ الأمر الذي سيسهل العمل على زيادة المحتوى المحلي ويكثف عملية توسيع القاعدة الصناعية الوطنية.

لذا تُعدُّ قضية “في اقتصاديات الدول المُنافِسة، المحتوى المحلي هو كل شيء” من القضايا المهمة التي طرحها ملتقى أسبار من خلال ورقة العمل التي قدمها د. إحسان علي بوحليقة، وجرت حولها العديد من المداخلات ناقشت: (المحتوى المحلي ونسبة الـ 50%، المستثمرين في القطاع الزراعي خارج المملكة، أثر التعليم الأكاديمي والفني والمهني على المحتوى المحلي، المحتوى المحلي والقوى العاملة الوطنية، صناعة المؤتمرات والمنتديات كأحد الموارد الاقتصادية للمحتوى المحلي، توظيف المحتوى المحلي (LCR)، فرصة تطوير المحتوى المحلي في المملكة، المعنى العملي للمحتوى المحلي في المملكة، الموازنة بين تعظيم المحتوى المحلي والمحافظة على الجودة والتنافسية، القطاع الخاص وتعزيز المحتوى المحلي، دور التعليم ووزارة التعليم والجامعات في بناء المحتوى المحلي، ما يجب علينا فعله للاستفادة من المحتوى المحلي لدينا). وفي النهاية طرح الملتقى عددًا من التوصيات المهمة، وذلك من خلال ورقة العمل التي كتبها الدكتور إحسان علي بوحليقة، وعقب عليها الدكتورة نوف الغامدي، والأستاذ محمد الدندني.

كتب د. إحسان أبو حليقة: في اقتصاد الدول، المحتوى المحلي هو كل شيء، هو “الوعاء” الذي تُغرف منه “القيمة المضافة”، ومحصلة القيمة المضافة هو الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يقيس قيمة ما يولِّده الاقتصاد من سلع وخدمات في عام. والمحتوى المحلي ليس فكرة جديدة، بل مرتكزًا يُعنى بمدخلات إنتاج سلعة أو خدمة أن تكون محلية، وهذا يشمل أول ما يشمل الموارد البشرية. وبذلك فاهتمام “رؤية 2030” بالمحتوى المحلي كان إيذانًا بعهدٍ جديد فيما يتصل بزيادة الاعتماد على الموارد البشرية المواطنة، واقتصاص حصة متعاظمة لتكون من نصيبها من أي نشاط اقتصادي يُمارس، وهذا ينطبق على الواردات والصادرات من سلع وخدمات، تدريجيًّا بالتأكيد. وفي هذا السياق، لا بد من بيان ما أعلن عنه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن أن المحتوى المحلي للتعاقدات العسكرية لن يقل عن 50 في المئة بحلول العام 2030. وزيادة المحتوى المحلي هو المرتكز لتحقيق الإحلال في الموارد البشرية، وهنا نأخذ بعين الاعتبار أن السلعة لن تعتبر سعوديةً إلا بتحقيق حد أدنى من المحتوى المحلي، وإن حققت ذلك الحد فبوسعها الاستفادة من الحوافز كونها منتجًا وطنيًّا. وتجدر الإشارة إلى أن عددًا متزايدًا من الدول أخذت مؤخرًا في مراجعة سياساتها فيما يتصل بالمحتوى المحلي، وقد أثر ذلك بالفعل على حركة التجارة الدولية، فمثلًا: يُشترط للسماح لمستثمرين لتأسيس صناعة معينة أن يتحقق محتوى محلي لا يقل عن 70 في المئة. وهنا نجد أن ذلك سيضع فاصلًا بين الصناعات والخدمات التي تقوم هنا لتكون موجهة للاستفادة من الموارد المحلية. وبالقطع فإن ذلك قد يتعارض مع أسس التنافسية، أي أن ذلك قد يعني أن ما ننتجه محليًا ليس الأكثر تنافسيةً مقارنةً بما يُنتج في الدول الأخرى، إذا أصررنا على تطبيق معايير المحتوى المحلي، لكن يمكن الرد على هذه النقطة بما يلي: (1) أن دعم الاقتصاد المحلي من حيث التوظيف هو هدفٌ أعلى من مجرد التهام سلع لا تولِّد وظائف للمواطنين. (2) أن المبرر لتحفيز صناعة معينة هو إما أن تحلَّ محل واردات أو تنمِّي الصادرات، فإن لم يكن بوسعها تحقيق على الأقل أحد الأمرين من خلال المدخلات المحلية، فما أهمية القيمة المضافة التي تولِّدها؟  بمعنى أن إقامة هذه الصناعات هنا قد يكون عبثيًّا، إلا إذا كانت تقوم على استجلاب قيمة أمنية أو إستراتيجية لا غنى عنها.

وهكذا نجد أن تنمية وتعزيز المحتوى المحلي قد تعني توجهات اقتصادية جديدة، فهي سياسة قد تضع الاقتصاد أمام خيارات جديدة، أو تتطلب اتخاذ قرارات محددة انسجامًا مع سياسات أخرى؛ فمثلًا، لطالما كان التوجُّه فيما يتصل بالصناعة التحويلية غير النفطية هو الإحلال محل الواردات كأولوية؛ ولذا قامت السياسة الصناعية ابتداءً على منح حوافز وإعفاءات، بما في ذلك توفير البنية التحتية الصناعية من خلال المناطق الصناعية، ومنح القروض الميسرة، والإعفاءات على استيراد مدخلات الإنتاج، كل ذلك في سبيل التصنيع محليًّا، تلبيةً للطلب المحلي. وبالقطع لم يكن أولويةً تحقيقُ التنافسية؛ والدليل أن النهج كان منذ البداية وحتى انضمام المملكة لعضوية منظمة التجارة العالمية هو فرض رسوم حمائية على الواردات، ومنح تفضيلات في المشتريات الحكومية للمنتج المحلي. وكما أن التنافسية لم تكن ضمن الأولويات كذلك نسبة المحتوى المحلي، فلم تكن النسبة تمثِّل فارقًا بل لم تكن تُحسب، وحتى عندما أخذت نسبة القيمة المضافة تُحسب كان ذلك تحقيقًا للحماية ضمن منظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث كان لا بد من أن يحقِّق المنتج حدًا أدنى من القيمة المضافة المحلية حتى يعتبر منتجًا خليجيًّا.

ما تقدم يبرر لنا القول إننا الآنَ أمام واقع جديد، يتجه لفسح المجال للمنتجات ذات المحتوى الأعلى، بمعنى أنَّ تحديد إنْ كان المنتج وطنيًّا أم لا أمرٌ لا تحدِّده جنسية رأس المال وسجله التجاري، بل إذا كانت مدخلات الإنتاج محلية، أو على الأقل تحقيقها للحد الأدنى، وهذا يعني أن العنوان العريض “الإحلال محل الواردات” لم يعد مجردًا أو تجريديًّا بل يرتبط باستخدام مدخلات إنتاج محلية، ولا سيما الموارد البشرية السعودية، وإنْ لم يحقِّق ذلك فليس ثمة فرقٌ بين المنتج المحلي ونظيره المستورد. وهذه السياسة ستُلقي بظلالها على سياسة تشجيع الصادرات، فالمنتجات المحلية ستتجه لتحقيق الحد الأدنى من المحتوى المحلي حتى تستفيد من الحوافز والتفضيلات، وبالتالي من الطلب في السوق المحلية؛ وهذا قد يعني أن المنتجين قد يضحون للمنافسة خارجيًّا في سبيل اكتساب حصة من السوق المحلية. والسبب أن توظيف المدخلات المحلية قد لا يكون الخيار الأنسب من حيث التكلفة، لكنه شرطٌ للاستفادة من تفضيلات المنشآت التي تحقِّق اشتراطات المحتوى المحلي، ومنها بالتأكيد المشتريات الحكومية. أيهما أهمُّ استغلال الموارد المحلية أم فتح السوق على مصرعيها للواردات الأجنبية؟ سؤال ستتبين إجابته ليس من تصريحاتنا بل مما سنصلُ له ونُحقِّقه في القادم من الأيام.

عقَّبت د. نوف الغامدي: حقيقة حدَّدت رؤية 2030 أهدافًا طموحة للمملكة العربية السعودية وذلك لإحداث نقلة نوعية في الاقتصاد السعودي؛ بما في ذلك زيادة إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة مساهمة القطاع الخاص غير النفطي، وتخفيض مستويات البطالة. وتعتبر زيادة المحتوى المحلي إحدى الركائز الأساسية لتحقيق هذه الأهداف، وستسهم – بإذن الله – سياسات المحتوى المحلي التي تمَّ تبنيها في تعزيز الصناعات والخدمات المحلية القادرة على المنافسة عالميًّا وزيادة الاستثمار المحلي، كما تعزِّز من التنمية الاقتصادية المستدامة، وحماية المال العام ومنع تأثير المصالح الشخصية واستعمال النفوذ، وتحقيق كفاءة الإنفاق وترسيخ مبدأ الشفافية، وتعزيز التنافسية والشفافية وتكافؤ الفرص والعلانية.

يُعرَّف المحتوى المحلي بالقيمة المضافة الحقيقية التي ترافق التصنيع لترفع من نسبة مساهمة الأنشطة الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي، سواء كان ذلك من خلال جذب الاستثمارات ونقل التقنية أو توطين الوظائف أو إحلال الواردات وزيادة الصادرات. ونظرًا لأنَّ النظام التجاري العالمي يحثُّ دول العالم على الاستفادة القصوى من مزاياها التنافسية لتنويع مصادر دخلها وزيادة صادراتها؛ تبنَّت هذه الدول مبدأَ المحتوى المحلي منذ عقود طويلة لتفي بمتطلبات التنمية وتعزيز قدراتها التنافسية، فأصبح المحتوى المحلي هدفًا إستراتيجيًّا في الصناعة والزراعة والخدمات وتقنية المعلومات لتأسيس القدرة المعرفية ذات القيمة المضافة العالية.

إنَّ من أكبر العوائق التي واجهت المحتوى المحلي منذ انطلاق الرؤية هي التنظيم والقوانين؛ ولذلك جاء الأمر الملكي الكريم بإعطاء صلاحيات للهيئة لتكون لها اليد العُليا على هذه الشركات الكبرى في المملكة، لفرض الإمكانيات المتاحة في السوق على هذه الشركات؛ وذلك لأن الشركات الكبرى تشترط متطلبات لا تتوافق مع الإمكانيات الموجودة عند المنشآت الصغيرة والمتوسطة، والتي سيكون لها الدور الأكبر في إثراء المحتوى المحلي وتوليد الوظائف.

ولقد استهدفَ إنشاء هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية تعظيم مشاركة المنشآت الاقتصادية في الناتج المحلي وزيادة الطلب على المحتوى المحلي، وكذلك رفع معدل النمو الاقتصادي للقطاع الصناعي، وكجزء من مأسسة عمليات الشراء الحكومي بعد اعتماد نظام المنافسات والمشتريات الجديد، وكذلك منصة اعتماد التي تسهم في تمكين الجهات الحكومية من إدارة مواردها بفاعلية وتحقِّق حوكمة الدورة المستندية فضلًا عن زيادة الشفافية من خلال إتاحة المنافسة العادلة للقطاع الخاص، كما أن للهيئة دورًا في تعزيز شفافية الإجراءات من خلال توحيد المشتريات الحكومية بشكل يضمن المنافسة العادلة وخلق منافسة عالية بين الشركات لتقديم خدمة أفضل بأسعار تنافسية.

وفي هذا السياق، فإن من أهم أهداف الهيئة تأسيس قاعدة بيانات شاملة للموردين وتصنيفهم، وهو ما يمكِّنها من زيادة المرونة في إجراء تعديلات على مواصفات الإنتاج بسبب القُرب من المصنِّعين، والتوافق مع متطلبات الحكومة في دعم المكون المحلي. ومما يؤكد أهمية تأسيس هذه الهيئة في هذا الوقت – في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه العالم – أنه يتم صرف ما يقارب نسبته 15_ 20% من الناتج المحلي عالميًّا على المشتريات الحكومية، كما أن المشتريات الحكومية تعتبر محركًا رئيسيًّا لخلق أسواق جديدة للشركات الناشئة، ووجود الهيئة سيسهم في تعزيز هذا الاتجاه، وبشكل ينعكس على الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص وظيفية للمواطن.

ومن المهم أن نذكر أن هيئة المشتريات الحكومية والمحتوى المحلي ستسهم من خلال جهودها وأهدافها إلى تحويل حصة كبيرة من هذا الإنفاق داخل المملكة، كما أن للهيئة دورًا مهمًّا جدًّا في تسريع خُطى نقل التكنولوجيا مع تنويع قاعدة العملاء، ومشاركة المخاطر من خلال التمويل والأعمال المشتركة وتسهيل فرص الحصول على التمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وزيادة فرص الابتكار والتحديث وتعزيز القدرة التنافسية.

وللهيئة أثرٌ مباشر على خفض فاتورة الواردات الصناعية وتقليل تكاليف التشغيل المتعلقة بالمشتريات الحكومية مثل التخزين والنقل، وتساهم في توفير قيمة مضافة في التفاوض مع الموردين لضمان الحصول على أسعار تنافسية للمشتريات الحكومية لكافة المنتجات، وكذلك ستساعد الهيئة على توجيه المشتريات الحكومية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وزيادة توطين التكنولوجيا، ولكن علينا قياس قدرة الشركات على تصميم سياسات المحتوى المحلي وتقدير الأثر المالي لها.

هناك تحديات قد تكون لها تأثيرات سلبية على الهيئة، منها: عدم وجود إستراتيجية جديدة للصناعة السعودية، فلم يتم إعادة كتابة إستراتيجية الصناعة السعودية وفقًا لمبادئ رؤية المملكة 2030، ومازالت تُطبِّق مبادئ الإستراتيجية التي كُتِبت عام 1430هـ، وهذا بدوره سوف يحوِّل الدعم الكبير للصندوق الصناعي للتمويل الذي تضاعف في ميزانية 2019 ليصل إلى 80 مليار ريال، وهو ما أدى إلى توفير مزيد من الوظائف للأجانب، كما نصت عليه إستراتيجية الصناعة القديمة وذلك بتخصيص 70% من عمالة المصنع للأيدي العاملة الأجنبية، وهي بخلاف مبدأ الرؤية الذي نصَّ على محتوى محلي يبدأ 100% وللصناعات الدقيقة 50%، كما أن عدم وجود إستراتيجية جديدة سوف يستمر باختيار نوع صناعة لا تناسب المملكة، فهي تُكلِّف الدولة فاتورةً عالية من الدعم ولا تدرُّ الأرباح إلا على صاحب المصنع الذي يستأثر بقيمة الدعم الكبرى. حيث توجه الإستراتيجية القديمة الإنفاق المالي نحو زيادة عدد المصانع فقط، دون النظر إلى ما يوفِّره من وظائف أو حتى منافسة منتجه خارج المملكة. والرؤية تنصُّ على أن الإنفاق المالي من أجل التوظيف، وهذا المبدأ من الرؤية سوف يُحدِث استدارةً كبيرة في الصناعة السعودية ويحوِّل اختيار المستثمرين لمصانع وتقنيات تناسب وتوجهات الإستراتيجية الجديدة، بتوفير وظائف للمواطن للحصول على دعم الدولة، وتناسب شخصية المواطن السعودي في اختيار الوظيفة، بمعنى صناعة تُفصَّل على شخصية المواطن وليس المواطن هو الذي يُفصَّل على صناعة لا توفِّر له وظائف تناسبه.

أيضًا حالة النفور ما بين الصناعة المحلية والمشتريات الحكومية، ونمو فاتورة شراء السلع الخارجية للمملكة حتى وصلت إلى 230 مليار ريال سنويًّا، وهو ما يدل على حالة تأخُّر الصناعة المحلية لمواكبة هذا النمو الكبير. وما ينقص الصناعة السعودية هو ليس مزيدًا من القرارات لحث الأجهزة الحكومية على الشراء بل إيجاد آلية لمحاسبة الأجهزة الحكومية على عدم الشراء من المصنع المحلي الذي تحمَّل توفير وظائف عالية الأجر للمواطن السعودي، وهذا يحصل عندما يتم تغيير طريقة حساب نسبة السعودة، لتدخل النسبة في كل سلعة وكل خدمة تستخدمها المنشأة الحكومية بدلًا من احتساب نسبة السعودة بالطريقة الحالية الكئيبة التي تقتصر على أعداد الموظفين السعوديين في سجل التأمينات الاجتماعية للمنشأة.

أيضًا، كتابة معايير للصناعة السعودية، فلا يمكن أن توجد صناعة دون أن توجد معايير محددة مكتوبة تخصُّ كل بلد لجودة المنتج وسلامة إنتاجه. المدن الصناعية قامت لدينا دون وجود معايير سعودية مكتوبة ومحددة تستطيع المحافظة على جودة المنتج وتستطيع كسب ثقة المستهلك المحلي والعالمي، والاستيراد من الخارج لدى شركات الحكومة، مثل أرامكو والكهرباء ومعادن، تتمسك بهذه المعايير وتضعه عائقًا دون شرائه من المصنع المحلي.

أخيرًا؛ إن النمو الاقتصادي الشامل والمستدام يتطلب تطوير بيئات الأعمال الوطنية، وجعلها أكثر سهولةً في ممارسة الأنشطة الاستثمارية، وذلك ما أسهم في تقديم عدد من النماذج الاقتصادية التنافسية على المستوى العالمي خلال العقود الأخيرة، حيث نجحت بعض الدول في تطوير اقتصاداتها من خلال بناء محتوى محلي مرن ومنفتح على الاستثمارات المحلية والدولية.

وعقب أ. محمد الدندني: لقد سلَّط د. إحسان بو حليقة في ورقته الضوء على تعريف المحتوى المحلي وما يمكن اعتباره محتوى محليًا من حيث نسبة الأيدي العاملة الوطنية ونسبة الموارد المادية سواء أكانت المواد الخام أو التحويلية، وعلاقة هذا بالتنافسية.

سبق أن طُرِق هذا الموضوع وكان تحت اسم: “المحتوى المحلي للعمل والأعمال”، وأيضًا عُرِّج عليه في موضوع تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية، وأيضًا لم تَخلُ قضية طُرحت إلا وكان لهذا الموضوع ذكرٌ ونصيبٌ؛ ولهذا أصاب د. إحسان حينما سمَّى المحتوى المحلي بأنه كل شيء. إنه موضوع كبير وإستراتيجي في المنظورين القريب والبعيد، وبه قوة الدولة والمجتمع ونموهما التنافسي محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، وهو القوة الناعمة للسياسة الخارجية.

لا بأس من استقراء التجارب مِمَّن سبقونا في تفعيل المحتوى المحلي شرقًا وغربًا والاستفادة من التجارب، وأن نتحاشى البدء من الصفر قدر المستطاع، وبهذا يجب أن نعيَ وَنُقَدِّر مقوماتنا بشجاعة وشفافية، وأقصد هنا الموارد البشرية حيث إنَّ الموارد المادية واضحة ومعروفة، والتعامل معها أسهل بكثير من التعامل مع العامل البشري الذي هو إحدى ركائز رؤية المملكة 2030. ولنسأل سؤالًا جريئًا: هل اقتصاد الوطن وموارده الكثيرة _والحمد لله _ أكبر من المواطنين والمواطنات كمًا ونوعًا؟ الجواب حاليًّا نعم، وهذا بسبب تراكمات السياسة الرعوية التي أنتجت وضعًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا يتعارض مع ما نصبو إليه من خلال الرؤية وقائدها سمو ولي العهد، حفظه الله. هذه التراكمات تقودنا إلى الاهتمام بالشق الاجتماعي من عادات وتقاليد ومنهج حياة، وأغلبها طارئة وليست أصيلة في مجتمعنا. ما أودُّ قولَه هو التوازن في التحوُّل في شقيه الاجتماعي والاقتصادي.

أعودُ لنقطة الإدارة المحلية ممثلةً في الوزارات والهيئات الخدمية التي – في نظري – حان الوقت لإعادة النظر في تركيبتها الإدارية وطريقة العمل، ولدقة تحديد صلاحياتها ومسؤولياتها. التغيير يحتاج سرعة القرار ومن ثَمَّ الإنجاز؛ لذا يجب القضاء على بيروقراطية هذه المنشآت بتخفيف المركزية حيث تكون السياسات والقرارات مركزيةً والعمل أو الإنجاز لامركزيًّا. الحل هو إعطاء المناطق الثلاث عشرة دورَ الوزارة التنفيذي، وتفريغ الوزارات للتفكير والتخطيط والمتابعة من حيث كفاءة العمل والعاملون والنزاهة.

نأتي للتنافسية؛ فلم يكن ولن يكون سهلًا لأي دولة أرادت وتريد تفعيل المحتوى المحلي، فالبدايات صعبة والأخطاء واردة، ولكن عندما يكون القرار وطنيًّا وإستراتيجيًّا بهما المصلحة العليا فتطويع الصعاب واجب، ويجب أن يكون ممكنًا، فهذا ليس خيارًا، إنها مسألة نكون أو لا نكون. بجانب الصعاب المحلية والتنافسية وأسميها صعابًا فنية، هناك مصاعب إقليمية ودولية لا تريد لنا البروزَ إقليميًّا ودوليًّا لنكون دولة إقليمية راسخة.

كل مَن يريد أن يرفع علينا عصا منظمة التجارة العالمية فلينظر لما يقوم به من دعم للمحتوى المحلي، ومنها الدول الصناعية الكبرى، فهذا هو ترامب وما يقوم به، ونتذكر ما تقوم به كوريا الجنوبية من دعم الحكومة لصناعاتها وخدماتها في الداخل والخارج، وأيضًا ما تفعله أوروبا وأمريكا من دعم لمزارعيها لضمان الاستقرار والمنافسة. هنا أودُّ أن نفرِّق بين الصناعة والخدمات. لا بأس أن يكون القطاع الخدمي أقل نسبةً في المحتوى المحلي من القطاع الصناعي؛ وذلك بسبب عزوف المواطن إلى حد أكبر عن القطاع الصناعي، وكذلك _ وهو الأهم _ أن الصناعة في غالبها تمسُّ الموارد الطبيعية كالنفط والتعدين والزراعة حيث القيمة نافذة مع الوقت، ويجب رفع نسبة المحتوى المحلي والحرص عليها.

لا أرى سرد معوقات التوطين، فقد نوقشت مرارًا وبالذات في ورقة المحتوى المحلي للعمل والأعمال، ولكن من الأهمية بمكان التركيز على التعليم ثم التعليم بشقيه الأكاديمي والفني أو المهني.

أرى أن يكون جزءٌ من الاستثمار في أي مشروع مهمٍّ وإستراتيجي إنشاءَ معهد خاص لتزويد هذا المشروع بالأيدي العاملة الكفؤة، والتدريب المستمر.  وقد أثبتت التجارب المحلية والعالمية نجاعة هذا النهج.

الأمر الآخر هو النظر في الحد الأدنى من الراتب والدخل، ولا بأس من أن يكون شرائح حسب أهلية العامل أو الموظف، ويجب أن يشمل شريحة مَن لا يملكون أيَّ تأهيل علمي أو فني؛ وذلك لرفع مستوى المنتج، واستقطاب المؤهلين وغير المؤهلين، فلا يهمُّ هنا الشهادة بل نوع العمل والإنتاج. أما العمالة الأجنبية فيجب أن تكون المرتبات قريبةً أو منافسةً للدخل العالمي حيث يجب أن نستقطب الكفاءات، ولا سيما أننا نعاني من رداءة العامل الأجنبي بدءًا من العامل البسيط إلى الطبيب والمهندس. أصبحنا أكبر مركز تدريب في العالم للتدريب، والنتيجة رداءة الخدمة والمنتج، ناهيك عن أخلاقيات العمل السيئة التي وردت إلينا مع هذه النوعية. فإذا كان الحد الأدنى يتعارض مع ربحية المنشأه، فما المانع من وجود صندوق يساهم في جزء من الراتب لفترة معينة، حيث إنه جزء من نجاح المحتوى المحلي؟ ربما يكون المورد لهذا الصندوق من دخل الضريبة المضافة ومن مصلحة الزكاة والدخل، لمعرفة وتحديد المصدر.

أودُّ أن أُعرِّج على مجال لم يلق الاهتمام الكافي وهو التجارة خارجيًّا. من المعروف أن من خصائص أهل الجزيرة العربية والمملكة بالذات في هذا المجال، حيث هاجرت بيوتات كثيرة قبل اكتشاف النفط، وبرزت ونجحت في دول عديدة، ومن هذه البيوتات مَن عاد إلى الوطن واستمر في نجاحه. نعم، اختلفت الآليات والسياسات ولكن هناك مِن الخبرات الكثيرة لدى القطاع الخاص مما يستوجب الخروج للعالمية في دول معينة؛ على سبيل المثال لا الحصر: لماذا أرى شركة هندية تفتح في بلدي سلسلة أسواق (سوبر ماركت أو مول) ولا أرى التاجر السعودي يعمل النشاط نفسه في الهند وغيرها؟  لدينا القوة السيادية الممثلة في تطويع أي عقبات من حيث ما تحصل عليه هذه الدول والشركات من فرص استثمارية في بلادنا. سيقول أحدهم: وما دخل هذا في المحتوى الوطني؟  أقول: إنه يعتبر دخلًا غير مباشر؛ فهو جلب للعملات الصعبة إلى الوطن، وكسب الخبرات من باب إتاحة فرص عمل للمواطنين في الخارج.

ختاما؛ ما يتعلق بإنشاء هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية. شخصيًّا لا أعرف عنها إلا اسمها واسم رئيسها. لم أعثر على تفاصيل مسؤولياتها وصلاحياتها. نعم، الكل أو الغالبية فرحت بالإعلان عنها، وكانت إحدى التوصيات في الورقة السابقة، وكان القصد أن تكون هيئة لها مسؤولية وَضْع القوانين والأنظمة ومراقبة المحتوى المحلي في القطاعين الخاص والحكومي. أرجو ذلك من باب عدم ترك هذا الموضوع المهم لكل منشأة، وإلغاء سياسات الجزر المتناثرة، وبعضها جميل ولكن نحتاج توحيد الجهود وعدم التكرار والهدر. وهنا يحضرني أهمية إنشاء أرشيف وطني يحوي الكوادر الوطنية صغيرة وكبيرة، حيث لا يُعلَى على لغة الأرقام والإحصائيات.

¤     المداخلات:

  • ·       المحتوى المحلي ونسبة الـ 50%:

يرى م. أسامة الكردي أنه كان من الصواب اختيار نسبة الـ 50٪ للمحتوى المحلي في مكانها؛ لأن رفع هذه النسبة يشكِّل خطرًا على أي اقتصاد فيما يتعلق بعلاقات الدولة الخارجية. فكما يعلم الجميع أن الاقتصاد في السنوات العشر الماضية تقدَّم على السياسة في العلاقات الدولية، ولا يصبح اقتصاد أي دولة له هذه الأهمية إلا بقدر ما يتفاعل مع الاقتصاديات الدولية تصديرًا واستيرادًا، وبطبيعة الحال استثمارًا كذلك.

من جانبه يعتقد د. عبد الله بن صالح الحمود أن المحتوى المحلي إذا فاض عن الـ 50٪ لا يعني تحديًّا لدول خارجية، بقدر ما يعني تفوقًا للاقتصاد المحلي، وهذا ما تنشده الدول التي تسعى إلى الوصول إلى أعلى درجات الاكتفاء الذاتي.

وفي الوقت نفسه لا يعني الارتفاع النسبي للمحتوى المحلي الابتعاد عن نمو لجسور العلاقات الاقتصادية بين البلدان، فعلى سبيل المثال أمريكا والصين، تجد درجة المحتوى المحلي لديهما عالية، ومع ذلك لا يستغنيان عن الاستيراد وتبادل قائم للتجارة البينية.

والمقصود هنا أن المحتوى المحلي هو بُعد إستراتيجي لا بد من الاهتمام به، ويجب ألا ينخفض نسبيًّا عن الـ 50٪ بل الطموح أن يتجاوز ذلك على الدوام.

ولأن الإرادة الملكية أمرت بتأسيس هيئة تختصُّ بالمحتوى المحلي تحت اسم (هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية). وبالاستماع إلى مقابلة مع معالي رئيس الهيئة أ. غسان الشبل، نفهم المزيد عن دور الهيئة تجاه تعزيز دور المحتوى المحلي والدعم المتوقع للشفافية حول المشتريات الحكومية وعلاقاتها بالقطاع الخاص خصوصًا المنشآت الصغيرة والمتوسطة، يقول: إن الهيئة المسؤولة عن المشتريات الحكومية والمحتوى المحلي لها دور كبير في تحفيز الاقتصاد. والواقع أن إحدى الركائز الأساسية للتنويع الاقتصادي الذي تشهده المملكة هو زيادة مقدرتها المحلية من خلال زيادة قاعدتها الصناعية وتعزيزها.

واليوم لا يخفى على الجميع أن المشتريات الحكومية تلعب دورًا كبيرًا، وهي محرك رئيس للأسواق وللشركات الناشئة في الواقع في المملكة العربية السعودية، وكذلك من خلال علاقاتها مع الشركات العالمية من خلال قوتها الشرائية التي تعتمد عليها.

وبالتالي تعزيز دور المشتريات الحكومية والمحتوى المحلي، وإشراكها بشكل مباشر في تحقيق الهدف المأمول من توسيع القاعدة الاقتصادية وتعزيزها.

     علق م. أسامة الكردي: لم أر ما يشمل الاستثمار في الخارج ضمن المحتوى المحلي، وفي حديثي مع المسؤولين في الهيئة أفادوا أنهم يقومون حاليًّا بإعداد إستراتيجية لعملهم.

  • ·       المستثمرون في القطاع الزراعي خارج المملكة:

أشار د. خالد الرديعان إلى أنه بخصوص المحتوى المحلي، لديَّ تساؤل حول المستثمرين في القطاع الزراعي خارج المملكة ممَّن يؤجِّرون مساحات شاسعة في بعض الدول (مصر، والسودان، والهند، وأوكرانيا) لزراعتها والاستفادة من إنتاجها وتصديره للمملكة أو لدول أخرى.

وبالتأكيد، العمالة التي تدير هذه المزارع وتعمل بها هي من نفس البلد، ولا يوجد سعوديون يعملون في هذه المزارع أو يديرونها عدا المالك أو عدد صغير من أقاربه. أين موقع هذه الأنشطة من المحتوى المحلي؟ وكيف يمكن اعتبار ذلك قيمة مضافة للاقتصاد الوطني؟

يدرك الجميعُ أن النشاط الزراعي في المملكة مُكَلِّف بسبب شُحِّ المياه في معظم المناطق أو صعوبة استصلاح الأرض أو عدم توفُّر الأيدي العاملة في الزراعة، ومن ثَمَّ يلجأ بعض المستثمرين إلى دول مجاورة لممارسة الإنتاج الزراعي أو الحيواني.

بينما في ظن د. عبد الله بن صالح الحمود، فإن الأنشطة الدولية لا ترتبط بالضرورة بالمحتوى المحلي؛ فهي أنشطة تحقِّق اكتفاءً ذاتيًّا محليًّا أفضل من الاستيراد المباشر من الغير، والسبب الرئيس لهذه الأنشطة بالذات هو حول ما ذكرت عن شُح المياه، وهذا يُعدُّ هدفًا إستراتيجيًّا في الحفاظ على الثروة المائية المحلية ومنفعة غذائية في الوقت نفسه.

  • ·       أثر التعليم الأكاديمي والفني والمهني على المحتوى المحلي:

ذكر د. عبد الله بن صالح الحمود؛ لا شك أن الصناعة والزراعة نشاطان مهمَّان، إلا أن البعض قد يرى أن الاستفادة منهما اقتصاديًّا قد لا تكون مجديةً في حال عدم توافر الموارد الطبيعية ورُخص الموارد البشرية. وأتساءل: كيف يكون للتعليم الأكاديمي والفني أو المهني أثرٌ على المحتوى المحلي؟

علَّق أ. محمد الدندني أنه من المفترض أنَّ أهل الشأن قد درسوا قطاع الصناعة، وربما يوجد مَن يرى ما ذهبتُ إليه من عدم جدواها اقتصاديًّا، فلسنا الوحيدين في العالم مَن يواجه عدم رُخص الأيدي العاملة، فهذه أوروبا وأمريكا مع خروج مصانع كثيرة إلى المناطق الأرخص، إلا أن لديها صناعات جبارة ما زالت في موطنها مع غلاء الأيدي العاملة والحقوق المكلفة. وقد أوردت الزراعة كمثال لدعم الدول لها ضمن موضوع منظمة التجارة العالمية، مع أنه لا يجب أن نهمل الزراعة بشرط تطبيق الأحدث تكنولوجيًّا في توفير المياه واستصلاح الأراضي.

التعليم الفني والأكاديمي مهمَّان جدًّا، فيجب أن يُستثمَر في المواطن، ومهما كانت التكلفة فمردوده بطريقة أو بأخرى إلى السوق المحلي، ويبقى أرخص من الأجنبي، ناهيك عن أمر الاستقرار السياسي والأمني بالقضاء على البطالة أو الحد منها.

أتفقُ مع الرأي الذي يرى أن اختراق الأسواق سيكون صعبًا في البداية، ولكن جودة المنتج سيجد طريقه إلى الأسواق، وهنا يجب اعتماد أقوى المعايير في المواصفات، فعلى سبيل المثال: هناك بعض المنتجات الصينية لا تأتي لأسواقنا ولا حتى أسواق الخليج والسبب غلاؤها، ولكنها تجدَ طريقَها إلى الأسواق في غرب أوروبا وشمال أمريكا.

أضاف م. حسام بحيري أننا إذا أردنا أن نَدْخل في مجال الصناعة، فلا بد من التركيز على صناعات النفط والغاز والمواد الكيماوية والأجهزة المتطورة، مثل الإلكترونيات والمعدات الثقيلة والمواد التي تتوفر خاماتها بكثرة في الدولة. الدخول في صناعة منتجات رخيصة لننافس دولًا آسيوية لن يكون له جدوى اقتصادية. الأهمية في هذه الإستراتيجية تكمن في التركيز على تدريب اليد العاملة السعودية على الصناعات المتقدمة والتي تمَّ ذكرها. الإنتاج الصناعي الأمريكي اليوم ينتج ضعفي المواد التي كان ينتجها في الثمانينيات الميلادية (Total production output) وبأقل من نصف العمالة المطلوبة في الثمانينيات الميلادية. من الأفضل أن نركِّز على الاستثمار في تدريب أيادٍ عاملة ماهرة ومحترفة. إذا كان المصنع سيدفع مبلغ ٥٠ ريالًا في الساعة للموظف إذًا من الأفضل أن يتم تدريبه على صناعة كمبيوترات أو سيارات أو معدات ثقيلة بدلًا من ملابس أو ملاعق أو معدات نظافة. العمالة المدربة الماهرة ستساهم إيجابيًّا في إنتاج المحتوى المحلي.

 

  • ·       المحتوى المحلي والقوى العاملة الوطنية:

يعتقد م. أسامة الكردي أننا حمَّلنا المحتوى المحلي أكثر مما يتحمله فيما يتعلق بالقوى العاملة الوطنية، وكأننا نقول إنه إذا لم تكن القيمة المُضافة أغلبها في القوى العاملة السعودية فإنه لا يمكن اعتبار المنتج أو الخدمة منتجًا وطنيًّا يدخل ضمن المحتوى المحلي، ونسينا أن القيمة المُضافة يمكن أن تكون من رأس المال الوطني أو المواد الخام الوطنية أو أي مدخلات وطنية. وكما لاحظتُ في قضية الأسبوع الماضي، فإن عددَ الوظائف المحدثة في قطاع الصناعة قد انخفض إلى وظيفة واحدة لكل مليون ريال استثمار. ويمكن ملاحظة ذلك بقسمة عدد الوظائف على حجم الاستثمار المتوقع في برنامج الصناعة الوطنية واللوجستيات.

اتفق أ. محمد الدندني مع ذلك، حيث يرى أنه يجب أن تكون القيمة المضافة من رأس المال الوطني ولا يُراد تحميل المحتوى المحلي أكثر من طاقته. الكل متفق على نسبة معينة من الأيدي العاملة وليس بالضرورة أن تكون 100٪، وهذا معروف، فاقتصاد البلد كبير والحمد لله. ببساطة، إذا استوعبنا الأيدي العاملة فلا خطأ من وجود العنصر الأجنبي الكفؤ. أما أن نأتي بالأجنبي ولا نُعطي أبناء وبنات البلد أدوات العمل والمنافسة فلا أعتقد أن هذا مقبولٌ.

أيضًا يجب أن نُعَرِّف رأس المال الوطني، هل هو الدولة أم رجل الأعمال؟ نمو المال الخاص هو لأهله وليس للوطن خصوصًا، إنه لا يدفع ضريبة الشركات التي تساعد في الصرف على البنية التحتية والتعليم والصحة. في الغالب، وفِي المشاريع الضخمة والإستراتيجية سيكون هناك شريك أجنبي، وربما هذا المشروع الصناعي يعتمد على مواد خام كالنفط ومشتقاته وصناعة البتروكيميكال وهي ملك الدولة، فهل من المعقول ألا يكون المحتوى الوطني بنسبة جيدة وحقيقية؟ أما الخدمات فلا ضرورة أن تكون نسبة الأيدي العاملة كما هي في نسبة التصنيع. الأهم والقاعدة تفضيل المحلي وما نقص يكون للأجنبي. وأتفقُ مع أنه لا يُعطل مشروع أو مصنع بسبب جزئية الأيدي العاملة الوطنية، إذا كان هذا المشروع فيه قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، بشرط أن ترشح منه قيمة مادية ومعنوية للدولة والمواطن.

قريبًا من هذا الموضوع؛ كيف سنستقطب رأس المال الأجنبي الذي سيكون شريكًا للدولة أو القطاع الخاص، ونحمِّله ضريبة كما في نظام هيئة الاستثمار، والسعودي لا يدفع سوى الزكاة؟

  • ·       صناعة المؤتمرات والمنتديات كأحد الموارد الاقتصادية للمحتوى المحلي:

أورد د. عبد الله بن صالح الحمود مقالًا للأستاذ حسين شبكشي، وهو “إعلاميٌّ ورجل أعمال سعوديّ وعضو مجلس إدارة شركة شبكشي للتّنميّة والتِّجارة وعضو مجلس إدارة مؤسسة عُكاظ للصحافة والنَّشر”، نُشر بصحيفة الشرق الأوسط* بتاريخ 10 فبراير 2019، تحت عنوان: “قمة الحكومات في دبي”.

المقالة تتحدث عن الاهتمام بصناعة المؤتمرات والمنتديات، وهي تُعدُّ أحد الموارد الاقتصادية التي تصبُّ في مصلحة المحتوى المحلي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، خصوصًا أن هذه الصناعة تستجلب موارد بشرية متعددة الاختصاصات.

جاء بالمقالة: (لا أعلم عددَ المؤتمرات والمنتديات التي دُعيت إليها طيلة حياتي، ولا عدد الدعوات التي تصل إليَّ سنويًّا. من كثرتها وتنوعها لم يعد من الممكن حصرها بالشكل الدقيق. فهناك مؤتمرات تُعقد لأجل “العلاقات العامة” وأخرى تُعقد تقليدًا للآخرين. ولكنَّ هناك مكانًا واحدًا للتميُّز في صناعة المؤتمرات والمنتديات، وأعني هنا تحديدًا دبي التي تسخِّر كلَّ طاقتها ومواردها لإنجاح المناسبات التي تُقام على أرضها. ولعلَّ إحدى أهم المناسبات التي تقام فيها وأصبحت علامة فارقة ونوعية على مستوى المناسبات الشبيهة حول العالم هي: القمة العالمية للحكومات.

    لقد تحولت هذه المناسبة إلى دورة مركزة جدًّا للأفكار الجديدة والمميزة، وأصبحت مسرحًا لعرض أهم التجارب الحكومية الإدارية الناجحة من حول العالم، كما صارت معملًا مخبريًّا تُعرض فيه أهم الأفكار المستقبلية التي تُقدِّم حلولًا مبتكرة لمشكلات عصية تواجه الحكومات والشعوب، ويتم من خلالها استغلال عناصر التقنية والإدارة والمال والعلوم بشكل إيجابي ومدهش وفعال.

القمة تجذب بقوتها وحسن إدارتها أهم العقول والأسماء المميزة من مجالات ثرية ومميزة من حول العالم، لأجل غاية في منتهى البساطة، وهي تمكين الحكومات من إدارة نفسها بشكل أكثر فاعلية وأقوى تأثيرًا لأجل توفير حياة أفضل لشعوبها، وهذه غاية تختصر آلاف الشعارات والكلمات الوعظية البراقة. وعندما تُعقد القمة في مكان “حقق” و”أنجز” حكومة وأسلوب إدارة تحقق السعادة والعيش الآمن والكريم لكل من يعيش عليها، فهذا ما أنجزته حكومة دبي بشكل مميز واستثنائي.

في هذه الأيام، تستضيف دبي القمة العالمية للحكومات التي تحضرها مجموعة مهمة ومنتقاة من الساسة والاقتصاديين والأكاديميين والعلماء والإعلاميين لمدة أربعة أيام، تتحول فيها المناسبة إلى ورشة عمل كبرى، وحالة فريدة من العصف الذهني الخلاق والمبدع، كلُّ ما يُطرح فيها هو أفكار مبهرة تأتي من خارج الصندوق وخارج “المنطقة المريحة”، والمستفيد الأول من هذه المناسبة الفريدة هي دبي نفسها؛ لأنها دومًا ما تكون المكان الأول الذي يسارع لتطبيق الأفكار المقترحة مما يرسخ سمعة دبي كحكومة صديقة للعيش الكريم، وبالتالي يزيد من “قيمتها” في ذهن الناس وترسيخ قصة نجاحها بشكل أكثر عمقًا. صناعة المؤتمرات والمنتديات فنٌّ لا يتقنه إلا القليل، على الرغم من انتشار كثير من المقلدين.

هذه النوعية من المناسبات إذا لم تنعكس بالإيجاب المباشر والفعال على حياة الناس، وأسهمت في تحسين العلاقة بين الحكومات والشعوب أصبحت مجرد فرصة للاستعراض النظري وطرح صالح لحملات العلاقات العامة المدفوعة القيمة. شكل الحكومة سيتغير مستقبلًا وأدوارها سيُعاد هيكلتها في ظل التطور العظيم والهائل للتقنية الحديثة ووسائل الاتصالات وأدوات التواصل وتنامي الشراكة والمهام المشتركة بين القطاع الخاص والقطاع العام. أيضًا لا يمكن إغفال معايير قياس جديدة ومستحدثة باتت هي عين الرقابة على التميز الحكومي في الأداء، مثل: الالتزام البيئي، ورضا العملاء، ومعيار السعادة، وغير ذلك من المستجدات.

الحكومات بشكلها التقليدي تُعاد هيكلتها تمامًا لتواكب المستجدات، والحكومات التي تدرك ذلك مبكرًا وجيدًا ستكون الأقدر على مواجهة التحديات بشكل استباقي، وتخفف عن كاهلها إحباطات الشعوب منها.

  • ·       توظيف المحتوى المحلي (LCR):

أشارت د. وفاء طيبة إلى أن LCR تعني توظيف المحتوى المحلي. وبالرغم من أني أؤمن بأهمية المحتوى المحلي إلا أن هناك الكثيرَ من البحوث التي نشرتها OECD عن الـ LCR ترجح وتثبت بالأرقام أحيانًا أنها أصبحت اليوم سببًا مباشرًا لانخفاض عدد الخبراء العالميين، والتقليل كذلك من المنافسة العالمية. وبأن إلزام الشركات بالالتزام بالمحتوى المحلي _ مثلًا، بالبترول والغاز_ كان له دور في التأثير على القطاعات الأخرى على المدى المتوسط، فانخفضت بسبب الـ LCR’s صادرات الكثير من الدول، مثل الهند والبرازيل.

مما يرجح أهمية استحداث سياسات مختلفة عن المحتوى المحلي لتعزيز الاقتصاد، ومعالجة التحديات الداخلية. فالدراسات أثبتت أن سياسة المحتوى المحلي على المدى البعيد غير مجدية. فتوفُّر السياسات الأفقية على مستوى الاقتصاد أفضل بيئة ممكنة للاقتصاد للتوسُّع على طول المناطق ذات الميزة النسبية، مع السماح بتنمية مناطق نمو جديدة.

يجب أن تستهدف هذه السياسات خلق بيئة تجارية وتنظيمية جيدة، والحد من الحواجز التجارية والاستثمارية، واستهداف سياسة الابتكار وتطوير البنية التحتية. سوف تؤدي التحسينات في هذه المجالات المكملة للسياسات إلى نتائج تجارية أكثر استدامةً على المدى الطويل. ولا أنكرُ أنه في بعض الحالات يمكن النظر في سياسات أكثر استهدافًا، مثل تطوير المهارات.

علق أ. محمد الدندني بأن الهند والبرازيل مثالان للمحتوى المحلي خاصة البرازيل، والمستغرب هو نظرتهم للمحتوى المحلي في النفط والغاز. وتجربة النرويج كتاب في هذا المجال. والمدهش أن كلَّ هذه الدول لديها منظومة للمحتوى المحلي، وهي طبعًا في أغلبها دول صناعية ناضجة، ومع هذا لم تهمل المحتوى المحلي.

أيضًا أوضح د. عبد الله بن صالح الحمود أن المحتوى المحلي يعتبر مزرعة لا ينضب ثمارها إذا أُحسِن إدارته، والنفط ومشتقاته يفترض أن يكون بعيدًا عن الأدوات المستخدمة لبناء المحتوى المحلي، فالمحتوى المحلي يجب أن يتأتى بناؤه من صناعات محلية وتنمية بشرية، إضافةً إلى بعضٍ من الصناعات غير التقليدية.

بينما يرى أ. محمد الدندني أن أدواته تختلف فعلًا، ولكن زيادة القيمة المضافة من الصناعات والخدمات تحتاج برنامجَ محتوى محلي. الآنَ الوقت متأخر، ولكن مازال هناك فرص ومنتجات نستطيع تفعيل المحتوى المحلي لها.

كما أنني أتساءل: ما المانع أن نستثمر في الأفكار في حاضنات دولية؟ وقد زرتُ بعضها وتابعتُ نجاحاتها. لا يمكن تخيل كم قيمة الاستثمار في الفكرة مقابل القيمة التجارية لاحقًا.

  • ·       فرصة تطوير المحتوى المحلي في المملكة:

ذهب أ. جمال ملائكة إلى أنه لا شك لدى المملكة فرصة ضخمة لتطوير المحتوى المحلي كمًّا ونوعًا؛ وذلك لضخامة حجم الاقتصاد الوطني وحجم الاستيراد، ووجود بنية تحتية متطورة… إلخ. وأودُّ أن أشير إلى أنني قد اطلعتُ على جهود مجموعة الـ B 20 لتقليل نسبة المحتوى المحلي لتشجيع التجارة الدولية، وأعرف أن أكثر الدول ومنها الولايات المتحدة قد عارضت هذا بشدة. وبالتالي فعلينا ألا نخشى من أي رد فعل ولا سيما في وجود تعاظم للسياسة الحمائية عالميًّا، ونظرًا لوضع الاقتصاد الوطني الجاذب للموردين العالميين.

وعليه فالاقتراح هو أن تقوم هيئة المحتوى المحلي بتفصيل كافة السلع المستوردة وحجمها وأسعارها.. إلخ، وبالتوازي خلق فريق عمل منها، ومن:

  1. وزارة الصناعة.
  2. الصناعات العسكرية.
  3. الصندوق الصناعي.
  4. وزارة التجارة.
  5. هيئة المواصفات.

بحيث يتم الخروج بلائحة منتجات ومواد وحساب حجمها الاقتصادي للتصنيع واحتساب هامش كمي للتصدير ليصبح الإنتاج اقتصاديًّا، ووضع شروط لتوظيف العمالة السعودية وتدريبها، وحد أدنى للرواتب لكل وظيفة، وكذلك دراسات للأسواق الخليجية ودولتي مصر والسودان وبعض دول إفريقيا… إلخ. وكذلك القرب الجغرافي لاقتصاديات النقل وعدم وجود ضرائب جمركية بين الدول العربية، ومن ثَمَّ احتساب جدواها الاقتصادية.

بقي أن أضيفَ أن هناك عائقًا ضخمًا أمام الصناعة المحلية وهو الضريبة الجمركية المفروضة علينا في دول الاتحاد الأوروبي، وعدم تمكننا في المملكة ودول الخليج من الوصول إلى اتفاقية تجارة حرة بين الطرفين، وهو ما يحرمنا من فرص تصديرية ضخمة، وللأسف لا يوجد شفافية بين المعنيين وبين مجتمع الأعمال لفهم الأسباب الحقيقية لعدم التوصُّل لهذه الاتفاقية التي ستساعدنا كثيرًا في التصنيع، وبالتالي زيادة المساهمة في المحتوى المحلي.

موضوع المحتوى المحلي فرصة تاريخية وضخمة ويجب تشجيعها بقوة، وعدم السماح لأي عائق أن يعوقها مهما كلَّف الأمر.

اتفقَ معه في ذلك د. عبد الله بن صالح الحمود خصوصًا ما يتعلق بجهود مجموعة الـ B 20 الرامية لتقليل نسبة أداء المحتوى المحلي لتشجيع التجارة الدولية، وهو ما أكده أ. جمال ملائكة من أنه من واجب هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية أن تقوم بتفصيل السلع المستوردة وحجمها وأسعارها ليتفق ذلك مع معطياتنا المحلية.

  • ·       المعنى العملي للمحتوى المحلي في المملكة:

في بداية مداخلته، تساءل د. نبيل المبارك: هل نحن متفقون على معنى عملي للمحتوى المحلي لدينا؟ فقد دُعيت لاجتماع مع هيئة المحتوى المحلي، وهم أنفسهم إلى الآن يدرسون ويحلِّلون مكونات المحتوى المحلي، وقدَّمُوا عرضًا مرئيًّا حول بعض المقترحات لتحديد العناصر التي تعتبر محلية لقياس مساهمة المحتوى المحلي للشركة ومن ثم للقطاع ومن بعد ذلك للناتج المحلي ككل، وأعتقدُ أنهم بصدد تعميد إحدى الجهات الاستشارية لهذا الغرض.

الفكرة والطموح ممتازان، ولكن لدينا واقع علينا تحليل معطياته، ومن ثَمَّ تحديد نُقط الانطلاق لتحقيق المعادلة، مثال ذلك: عناصر الإنتاج هي المواد الخام والآلات والمعدات والأيدي العاملة، وعلى افتراض أن المواد الخام من الممكن أن تكون محليةً، ماذا عن الآلات والمعدات (والتي يوميًّا يزداد ذكاؤها)؟ هل سوف نستثمر في إنتاج الآلات والمعدات، التي خلال سنوات قليلة كلها سوف تكون جزءًا من الذكاء الصناعي؟

الأيدي العاملة يجب أن تكون جزءًا من الإنتاج المحلي وأهم جزء، ولكن ما هو مستوى الكفاءات المطلوبة؟ وزارة الصناعة _مثلًا_ ومنذ ثلاث سنوات، تحاول أن تشجِّع المصانع على التحوُّل من الإنتاج المعتمد على الأيدي العاملة (رخيصة) وغير وطنية إلى الاعتماد على المعدات الحديثة، وذلك ممتاز؛ ولكن النتيجة واحدة إن لم يكن الخيار الثاني أكثر تكلفةً! فقد تكون تكلفة إنتاج الأيدي العاملة أرخص – وإن تم تحويل الأموال للخارج – من شراء معدات متطورة تحتاج إلى صيانة وتشغيل يتطلب كفاءات عالية وتكاليفَ وإحلالًا مستمرًا، إلا إذا صاحَب ذلك استثمارٌ في رأس المال البشري المشغِّل، وأيضًا؛ إلا إذا كان لدينا خطط لإنتاج الآلات والمعدات الحديثة.

التحرك مطلوبٌ ومحمودٌ، ولا بد من الانطلاق في هذا المشوار الطويل، وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة.

أكَّد ذلك أيضًا د. عبد الله بن صالح الحمود، حيث إنَّ عناصر الإنتاج عامةً تتأتى من ثلاثة عناصر رئيسة، وهي: (المواد الخام، الآلات والمعدات، المورد البشري)، وكما ذهب د. نبيل من توافر المواد الخام محليًّا، وهذا – في ظني – يعدُّ محورًا رئيسًا في أي عملية إنتاجية. وبالنسبة للآلات والمعدات فمن الطبيعي أنها آليات تسابق الزمنَ، ومع هذا من الطبيعي أننا سنواجه ذلك التحديث المستمر في زمن أضحت الفكرة صناعةً، وهو أمرٌ يعدُّ تحديًّا لكل منتج، أما المورد البشري فهو محور رئيس أيضًا في الإنتاج؛ لذا كان لزامًا أن تدرك الهيئة الوليدة هذا الأمر، بأن تسعى نحو توافر تأهيل بشري يتفق والمرحلة الحالية.

  • ·       الموازنة بين تعظيم المحتوى المحلي والمحافظة على الجودة والتنافسية:

ذكر د. رياض نجم أن د. إحسان بدأ ورقته بأن (المحتوى المحلي هو كل شيء)، فهل هو فعلًا كذلك؟ أم يجب أن نوازن بين تعظيم المحتوى المحلي والمحافظة على الجودة والتنافسية فيما ننتجه من سلع وخدمات؟

فعلى سبيل المثال، يمكن أن نصنع منتجًا بمحتوى محلي 100٪، لكنه مرتفع السعر عن مماثله المصنَّع في الخارج، وبالتالي لا يمكننا تصديره، وإذا استخدمناه في الداخل قللنا من كفاءة الاقتصاد.

نعم، المحتوى المحلي مهمٌّ جدًّا، وعلينا أن نسعى لزيادته ولكن ليس على حساب الجودة والتنافسية، وإلا أضعفنا أجزاءً أخرى من الاقتصاد.

علينا التركيز على تعظيم المحتوى المحلي فيما لدينا ميزة نوعية فيه، مثل النفط والبتروكيماويات وبعض المعادن.

إحدى الفرص التي يمكننا من خلالها زيادة المحتوى المحلي هي وضع حد أدنى لهذا المحتوى في المشاريع العملاقة التي تُنفَّذ في المملكة من قِبل شركات دولية، سواء أكانت هذه المشاريع حكومية أو خاصة.

وافقه في ذلك د. عبد الله بن صالح الحمود، وأضاف: لا شك أن مسألة التكلفة الإنتاجية أمرٌ مهم للغاية، ويجب ألا يكون الإنتاج المحلي على حساب تكلفة باهظة تطغى تكلفتها على مواد مستوردة، ولكن إذا سارت الهيئة حسب ما نسمع ونقرأ من رؤية 2030 بأن من بناء المحتوى المحلي هو التدريب والتأهيل للمورد البشري من لدن الشركات الأجنبية المزمع مشاركتها داخليًّا في التصنيع المتعدد الأوجه؛ فلا خوف أو إشكال سيواجه بناء المحتوى المحلي كما خُطِّطَ له.

وأضيفُ أيضًا بالنسبة لهيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية فإن الجهات الحكومية وشبه الحكومية وغير الحكومية أيضًا يمكن أن تبني شراكات معها لبناء منظومة متكاملة تجعل من المحتوى المحلي على الأقل في السنوات الخمس الأولى من عمر الهيئة ينمو تدريجيًّا لا تناقصيًّا.

  • ·       القطاع الخاص وتعزيز المحتوى المحلي:

تساءلت د. وفاء طيبة: كيف لنا أن نطالبَ القطاع الخاص بتعزيز المحتوى المحلي، في حين أن المظلة الكبرى تعتمد على الشركات الأجنبية في الاستشارات والتصميم والترفيه والصناعات عالية الجودة؟ أجاب د. عبد الله بن صالح الحمود: هنا، وحتى نحكم على قطاعنا الخاص عن مدى كفاءته أو تفوقه أو مماثلة أدائه مع الأجنبي، لا بد أن يقدِّم نفسه تعريفًا به وبمنهجيته التي منها يثبت إمكانياته التي منها ما هو مطلوب لبناء شراكات للنهوض بالمحتوى المحلي، والأمر هنا ليس تحديًّا بالقول بقدر ما هو تبيان للإمكانات كافة لتكون شاهدةً على الجميع من عزم وقدرة القطاع الخاص السعودي لإثبات النفس.

أضافت د. وفاء طيبة: إذًا، دعونا لا نُلزِم القطاع الخاص القبولَ بالأقل في سبيل نصرة المحتوى المحلي. فإذا نظرنا إلى أهداف هيئة المحتوى المحلي بالوزارة ستجد أنها تجعل من شركات القطاع الخاص التي تتقدم بالمحتوى المحلي أولوية للعقود الحكومية والجوائز التحفيزية، في حين أن المحتوى المحلي قد لا يكون هو الخيار الأفضل للقطاع الخاص على المديين المتوسط والطويل، فبناءً على تجارب الهند والبرازيل مثلًا، حيث انخفضت صادراتهما بشكل مخيف؛ لأنهما أصبحتا غير قادرتين على المنافسة العالمية لغياب الخبرات والجودة.

من جانبه يعتقد د. عبد الله بن صالح الحمود أن غياب الخبرات والجودة يأتي بسبب عدم مواءمة الإنتاج مع متطلبات الأسواق محليًّا ودوليًّا، فضلًا عن ضعف مواجهة التحديات الخارجية. اليوم سيخرج من أي سوق مَن لا يكون مواكبًا للمتغيرات المتسارعة، كمثال ذكره د. نبيل المبارك حين أشار إلى الغول القادم في عملية الإنتاج وهو (الذكاء الاصطناعي)، فهو أحد التحديات الحالية أيضًا.

وأشار د. إحسان بو حليقة إلى أن المحتوى المحلي ضرورة في بلد يمتلك مواردَ لكنه لا يستغلها الاستغلال الأمثل، ومن شواهد ذلك أننا نبيع نفطنا خامًا، ونعاني من البطالة ومن انخفاض مستوى المشاركة. وفي بلد مثل السعودية، ليس أمام اقتصادنا أفقٌ بدون سياسة متوازنة للمحتوى المحلي.

في دول OECD تنظر للمحتوى المحلي من الناحية الأخرى، فهي دول بالإجمال مصدِّرة للسلع والخدمات، ولا تحبِّذ أن تلجأ الدول المستوردة لسياسات المحتوى المحلي.

  • ·       دور التعليم ووزارة التعليم والجامعات في بناء المحتوى المحلي:

ذكر د. مشاري النعيم؛ لاحظتُ أنَّ النقاش لا يُقحِم التعليم ووزارة التعليم والجامعات في بناء المحتوى المحلي، في حين أن المسألة بالدرجة الأولى تعتمد على كفاءة الموارد البشرية. أتذكَّرُ قبل أكثر من 10 أعوام كان هناك اجتماع لعدد من رجال الأعمال في المملكة وطرحوا فكرة أن يصبح التعليم الثانوي “مهنيًّا” vocational، وتم طرح هذه الفكرة في الإعلام لتسويقها كونها تدعم بناء المحتوى المحلي، وتمكِّن الدولة من الاستغلال الأمثل للموارد، وتزيد من القدرة المحلية البشرية على تحمُّل مسؤولية التنمية؛ ولكن لم تنجح الفكرة.

في اعتقادي أن أي محتوى محلي يعتمد في بنائه على أيدٍ خارجية هو ليس محليًّا، ويمكن أن نفقده في أي لحظة.

  • ·       ما يجب علينا فعلُه للاستفادة من المحتوى المحلي لدينا:

يرى أ. محمد الدندني أنه علينا أن لا نُسقِط مصطلحات معروفة ومتداولة في هذا الشأن، وبالذات في تعريف المحتوى المحلي. فلنا ظروف قلَّما مرَّت بها دول غيرنا، وهي معروفة وقد أشرت لها في تعقيبي، وهي مواجهة حقيقة مقوماتنا، فليس لدينا تجارب صناعية بحتة، فأغلبها أو كلها تجميع وإعادة تصدير مع بعض المواد الأولية المحلية. لذا لا أميل للصناعة المتكاملة، أي أن نُصنِّع سيارةً أو تليفزيونًا. فمعروف أن الصناعة المتكاملة تتضمن سلسلة من الصناعات _ كما يُقال _ من الصامولة إلى المكينة، وهذا مكلِّفٌ وقتًا ومالًا. علينا بالصناعات المكمِّلة والجزئية مع شركات عالمية اعتمدت توزيع مفاصل وأجزاء من صناعتها وإنتاجها خارج حدودها. النموذج الآخر هو التوجُّه للصناعات المتقدمة وما يُسمَّى بالثورة الصناعية الرابعة، وهنا من الواجب تفعيل وحدة ضمن هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية مهمتها فقط تلقي الأفكار وتقييمها علميًّا وتجاريًّا، أي تشجيع الـ industrial entrepreneurs ومن ثَمَّ إطلاقها في منصة استثمارية للقطاع الخاص وللخارج لاستقطاب رأس المال.

المرجو من الهيئة الاعتماد على كفاءات الوطن في الدراسات، ليس فقط من باب الوطنية ولكن لإثبات مهمتها في قيادة المحتوى المحلي ومن ثَمَّ توطين هذه المهمة والبناء عليها، وهنا لا بأس من توظيف خبرات عالمية كأشخاص وليس كمؤسسات استشارية.

نأتي للقطاع الخاص؛ كما ذُكر لا بد من إعادة التفكير في مساهمته بل في وجوده لمواكبة المرحلة. قطاعنا الخاص جزءٌ من الوضع وهو شبه رعوي؛ لذا وكما يُقال التفكير خارج الصندوق أو خارج المألوف. القطاع الصناعي الخاص في الدول المتقدمة هو محرِّك الاقتصاد وعربة القطار. حان الوقت للاندماجات والشراكات الكبيرة كي تستطيع المنافسة مع الشركات الأجنبية المستثمرة في اقتصادنا. مثلًا في صناعة السيارات، لا أرى صناعةَ سيارة ولكن على الوكلاء أن يشاركوا المصنع في صناعة أجزاء مهمة من هذا المنتج، وقس عليه في وكلاء المنتجات الأخرى، والتي من المؤكد أن لها جدوى اقتصادية وتجارية.

من غير أن يُعلن عنه، فالهيئة الجديدة هي مؤسسة سيادية بكل معنى الكلمة، ويجب النظر لها هكذا حتى تكون منتجاتها في موقع وطني جدير بالاهتمام من كل فئات المجتمع؛ سواء كان قطاعًا عامًّا أو خاصًّا أو أفرادًا.

¤   التوصيات:

  1. الاعتماد والاهتمام بالأرقام والإحصائيات في أعمال هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية، بما يخدم تنمية الموارد البشرية والموارد الطبيعية، والتعريف بالواردات التي يمكن التعامل معها كفرص صناعية.
  2. العمل الجماعي والتنسيق مع كل الجهات التي تُعنى بالمحتوى المحلي، وبالذات وكالة وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية لشؤون الصناعة.
  3. التركيز على الخبرات والتجارب الوطنية في أنشطة المحتوى المحلي، واقتصار الاستشارات الخارجية على أفراد مختصين وبارزين في هذا المجال للاحتياج الفعلي والنادر.
  4. التركيز على التعليم الفني والتقني، وحثّ كل منشاة اقتصادية أن يكون لديها قاعدة بيانات لإعداد كوادر وطنية ذات كفاءة عالية، وإعادة تقييم المخرجات الجامعية بما يتواءم ومتطلبات المحتوى المحلي.
  5. التشجيع والتحفيز لشباب وشابات الوطن لتلقي وعرض أفكارهمindustrial entrepreneurs، واحتضانهم والعمل على الاستفادة من جهودهم لتصل إلى المنفعة التجارية.
  6. عقد ورش عمل مع المهتمين بدور المحتوى المحلي في القطاع الخاص للمشاركة الجماعية، للتعريف بمتطلبات المرحلة.
  7. الظهور الإعلامي المتوازن من الإنجازات المستمرة للمحتوى المحلي، وتعريف المجتمع بدور الهيئة في تنمية المحتوى المحلي.
  8. تطوير دراسات الجدوى الاقتصادية للقطاعات المعنية بالمحتوى المحلي، مثل (العسكرية وصناعة السيارات ومشاريع الترفيه)، لحث المستثمرين في القطاع الخاص نحو المشاركة الفاعلة في هذا المضمار الجديد.
  9. تطوير منصة اعتماد بحيث تشمل كل ما يعني ويهمُّ المحتوى المحلي، دعمًا للشفافية من ناحية، وزيادةً للتعريف الشامل بالدور المنوط بمنصة اعتماد.
  10. الحرص على مبدأ التوازن والمواءمة بين الصناعة والخبرات المحلية وما يماثل ذلك دوليًا، تفاديًا لحدوث انخفاض متوقع للصادرات المحلية، وحفاظًا على النسبة المستهدفة للميزان التجاري وعلاقات المملكة في التجارة البينية.
  11. العمل على تطوير المعايير الأساسية لتحديد وقياس كفاءة المحتوى المحلي، بهدف الحفاظ على هذه الكفاءة أمام تحديات عالمية تنشط بين وقت وآخر.
  12. الاهتمام بالشأن الإعلامي لأعمال ومناشط المحتوى المحلي من خلال منصة إعلامية عالية المستوى، لتكون مرجعًا للتعريف بجهود الهيئة ونَشْر إحصائيات عن أعمالها، فضلًا عن التعريف بالمستوى الذي وصل إليه المحتوى المحلي.
  13. تعظيم دور المحتوى المحلي في المجالات ذات المزية النوعية التي تحظى بها المملكة خصوصًا في النفط والبتروكيماويات والمعادن.
  14. المشاركون في مناقشات هذا التقرير:

    (الترتيب حسب الحروف الأبجدية)

    • أ. إبراهيم آل سنان.
    • د. إحسان بوحليقة.
    • م. أسامة الكردي.
    • أ. جمال ملائكة.
    • د. حامد الشراري.
    • م. حسام بحيري.
    • د. حسناء القنيعير (ضيفة ملتقى أسبار).
    • د. حمزة بيت المال.
    • د. حميد الشايجي.
    • د. خالد الرديعان.
    • د. خالد بن دهيش.
    • د. راشد العبد الكريم.
    • د. رياض نجم.
    • د. زياد الدريس.
    • د. زينب الحضير.
    • أ. سعيد الزهراني.
    • د. صدقة فاضل.
    • د.عائشة الأحمدي.
    • أ. عبد الله الضويحي.
    • د. عبد الله بن صالح الحمود.
    • د. عبير برهمين.
    • أ. علياء البازعي.
    • د. فوزية البكر.
    • أ. محمد الدندني.
    • د. محمد الملحم.
    • د. مرام الحربي (ضيفة ملتقى أسبار).
    • د. مساعد المحيا.
    • د. مشاري النعيم.
    • د. مها العيدان.
    • د. مها المنيف.
    • د. ناصر القعود.
    • د. نبيل المبارك.
    • د. نورة الصويان.
    • د. نوف الغامدي (رئيس لجنة التقارير).
    • د. هند الخليفة.
    • د. وفاء طيبة.

تحميل المرفقات: التقرير الشهري 47

تحميل المرفقات

وقت البيانات لتقنية المعلومات شركة برمجة في الرياض www.datattime4it.com الحلول الواقعية شركة برمجة في الرياض www.rs4it.sa