مارس 2019
ناقش أعضاء ملتقى أسبار خلال شهر مارس 2019م العديدَ من الموضوعات المهمة التي تمَّ طرحها للحوار على مدار الشهر، وشملت القضايا التالية:
- منتدى التنمية الخليجي: أربعون سنة من الحوار التنموي
- برامج التحول الصحي …. خارطة الطريق نحو رؤية 2030
- زيارات ولي العهد: بوابة اقتصادية وسياسية نحوالشرق
- المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص
القضية الأولى: “منتدى التنمية الخليجي: أربعون سنة من الحوار التنموي“
كاتب الورقة: د. إبراهيم البعيز.
المعقبتان:
د. مها المنيف.
د. فوزية البكر.
إدارة الحوار: د. عائشة حجازي
القضية الثانية: “برامج التحول الصحي …. خارطة الطريق نحو رؤية 2030”
كاتب الورقة: د. خالد الفهيد.
المعقبان: د. فهد اليحيا.
د. الجازي الشبيكي.
إدارة الحوار: د. عبير برهمين.
القضية الثالثة: “زيارات ولي العهد:بوابة اقتصادية وسياسية نحوالشرق”
كاتبة الورقة: د. نوف الغامدي
المعقبون:
د. صدقة فاضل
م. سالم المري
أ. عبد الرحمن الطريري
مدير الحوار: أ. جمال ملائكة
القضية الرابعة: “المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص“
كاتبة الورقة: د. الجازي الشبيكي.
المعقبون:
د. حسين الحكمي.
د. يوسف الحزيم.
أ. منى أبوسليمان.
إدارة الحوار: د. خالد الرديعان.
القضية الأولى: “منتدى التنمية الخليجي: أربعون سنة من الحوار التنموي“
كاتب الورقة: د. إبراهيم البعيز.
المعقبتان:
د. مها المنيف.
د. فوزية البكر.
إدارة الحوار: د. عائشة حجازي
الملخص التنفيذي:
أشارت الورقة الرئيسة إلى أن منتدى التنمية الخليجي سعى منذ إنشائه إلى أن يصبح منبرًا يُوفِّر مناخًا فكريًّا من شأنه توطيد الصلة والتفاعل بين أبناء دول مجلس التعاون حول قضايا التنمية والصعاب التي تعترضها. وتحقيقًا لهذه الرسالة، يتم تنظيمسلسلة من اللقاءات السنويةيتم فيها عرض أوراق بحثية يكتبها أبناء وبنات دول مجلس التعاون من أعضاء المنتدى أو من خارجه. وتعمل اللجنة التنفيذية للمنتدى على جَمْع هذه الأوراق وما تم حولها من نقاش وتعليقات وتصدرها في كتاب يتم نشره ورقيًّا، ويُوضَع منه نسخة إلكترونية PDF علىموقع المنتدى متاحة مجانًا للمهتمين.
وأكدت التعقيبات على أن قيام المنتدى وهو غير حكومي واستمراره لأربعين عامًا يعدُّ إنجازًا بحد ذاته يُسجَّل للرعيل الأول ولا سيما أنَّ الكثير من المبادرات غير الحكومية في المنطقة ذات أفق زمني قصير في العادة. ولعلَّ قيام المنتدى من آن لآخر بتكريم ذلك الرعيل الأول ومنهم المرحوم الدكتور أحمد الربعي الذي سُمِّي اللقاء 39 باسمه تخليدًا لذكراه يُعدُّ بادرةً يُشكَر عليها.
أشارت أيضًا التعقيبات إلى أن مما يمتاز به هذا المنتدى منذ ظهوره هو ارتفاع سقف طروحاته وتناوله لمواضيع قد تكون شائكة، مثل: الديمقراطية والحياة الدستورية، والمشرع الخليجي والمواطنة الخليجية ومنظمات المجتمع المدني، إلى غير ذلك من القضايا التي ينظمها جميعًا اشتغالها بالتنمية والحرص على تجميع البيت الخليجي، وهو النمط الواضح من طبيعة مؤسِّسيه وأعضائه الذين يأتون من كافة دول الخليج حيث ضم المنتدى منذ تأسيسه أبرز الأسماء الخليجية، مثل: د. الرميحي، د. أسامة عبد الرحمن، تركي الحمد، النفيسي، د. عبد الله القويز، د. عبد العزيز الجلال، وغيرهم كثير من الأسماء ذات الوزن المعرفي والثقافي في دول الخليج.
يُضاف إلى ذلك أن المنتدى يأخذ الأمر بمنتهى الجدية في نقاشه لكافة القضايا رغم عدم وجود مظلة رسمية يمكن لها تبني بعض طروحاته، ويُسجِّل بجسارة ما يراه من قضايا حيوية، ويحاول إسماع صوته لصاحب القرار.
وأشارت المداخلات التي جرت على الورقة الرئيسة إلى أنَّ من أبرز مساهمات منتدى التنمية الخليجي مساهمته في تنظيم ٣٩ لقاءً ونَشْر ما يربو على ٣٠ كتابًا حول قضايا التنمية، فضلًا عن إسهامه في التواصل بين المهتمين بقضايا التنمية من أبناء وبنات دول مجلس التعاون.
وأوضحت المداخلات أن المنتدى استطاع خلال أعوامه الطويلة نسبيًّا أن يُوفِّر مظلة وجد من خلالها مثقفو الخليج متنفسًا للتعبير عن آرائهم بحرية لا تتيحها المناخات العامة في بلدانهم، وتنوَّعت الموضوعات التي يتناولها المنتدى ويجمعها إطار التنمية بمفهومها الشامل، وفي مقدمتها القضايا الاقتصادية ومنها المالية العامة، ومعضلة المياه، وقضايا الشباب، وإدارة التنمية… وغيرها.
وفي نهاية النقاش طرح الملتقى عددًا من التوصيات، أهمها: أن يكون لمنتدى الخليج التنموي فِرقَ عملٍ في كل دولة خليجية، ترصد أهم قضايا دولتها ثم تُجمع من باقي الدول وتُقدَّم للمنتدى الرئيس لاختيار القضايا ذات الأولوية المشتركة لطرحها في كل عام، توسيع قاعدة المشاركين في منتدى الخليج وتنويعهم من دول الخليج بقدر المستطاع، طباعة وتوزيع مخرجات المنتدى وأن تكون في متناول الباحثين والمهتمين، رَفْع توصيات ندوات وورش المنتدى إلى مجلس التعاون لدول الخليج لتكون بمثابة بوصلة للقادة، تزويد الحكومات بمخرجات المنتدى من الدراسات والأوراق البحثية لنشرها والاستفادة منها كمراجع يُستنار بها وقت الحاجة، تفعيل بث رسائل يومية عن المرئيات والتوصيات المقترحة في أثناء إقامة المنتدى بلغة مبسطة يفهمها الكل ليتسنى لأغلبية المواطنين في دول المجلس متابعة ما يستجد من نقاشات وتوصيات بخصوص قضايا حيوية وشائكة في مجتمعاتهم.
مقدمة:
إن منتدى التنمية الخليجي هو تجمُّع لعدد من المثقفين المهتمين بقضايا التنمية من دول مجلس التعاون، ولقد سعى منذ إنشائه إلى أن يصبح منبرًا يُوفِّر مناخًا فكريًّا من شأنه توطيد الصلة والتفاعل بين أبناء دول مجلس التعاون حول قضايا التنمية والصعاب التي تعترضها.
ويعمل منتدى التنمية الخليجي بعيدًا عن الأضواء والإعلام ولا علاقة له بأية مؤسسة رسمية، ويضمُّ ألوانَ الطيف السياسي والاجتماعي في دول مجلس التعاون.
لذا تُعدُّ قضية “منتدى التنمية الخليجي: أربعون سنة من الحوار التنموي” من القضايا المهمة التي طرحها ملتقى أسبار من خلال ورقة العمل التي قدَّمهاد. إبراهيم البعيز، وجرت حولها العديد من المداخلات ناقشت: (مساهمات المنتدى في تنمية دول الخليج، الصفة الاعتبارية للمنتدى، القضايا التي يهتم المنتدى بتناولها، مراجعة لنتائج المنتدى، عضوية المنتدى وآلية الانضمام، تقليدية المنتدى وعدم مواكبته للتطورات التكنولوجية، التعاون بين المنتدى والمكتب التنفيذي لوزراء العمل والشؤون الاجتماعية، المنتدى الخليجي ومنتدى أسبار وتجربة متبادلة، المنتدى وتجاوز تغطيته منطقة الخليج، المنتدى وتأثيره على صانع القرار وعلاقته بوزارات الإعلام الخليجية، وقفات وملاحظات حول المنتدى ومناقشات الورقة الرئيسة، مواقف المنتدى مع الأزمات الخليجية، آليات نقل النتاج الفكري للمنتديات والملتقيات). وفي النهاية طرح الملتقى عددًا من التوصيات المهمة. من خلال ورقة العمل التي كتبها الدكتور/ إبراهيم البعيز، وعقَّبت عليها الدكتورة/ مها المنيف، والدكتورة/ فوزية البكر.
كتب د. د. إبراهيم البعيز: منتدى التنمية الخليجي هو تجمُّع لعدد من الأكاديميين والمثقفين والناشطين المهتمين بقضايا التنمية بكل أبعادها: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئية.
سعى المنتدى منذ إنشائه إلى أن يصبح منبرًا يُوفِّر مناخًا فكريًّا من شأنه توطيد الصلة والتفاعل بين أبناء دول مجلس التعاون حول قضايا التنمية والصعاب التي تعترضها.
تعود بداية المنتدى إلى ندوة عُقدت في ديسمبر 1979 بعنوان: “التنمية في أقطار الجزيرة العربية المنتجة للنفط”، استضافها جهاز أبو ظبي للاستثمار، وبرعاية معالي وزير الخارجية رئيس مجلس إدارة الجهاز. ناقش الحضور (عددهم 90) دراسة أعدَّها الدكتور علي خليفة الكواري حول “كفاءة أداء المشروعات العامة في أقطار الجزيرة العربية المنتجة للنفط”. توالت اللقاءات بشكل سنوي لمناقشة دراسات حول التنمية في دول الخليج، حيث كان اللقاء الثاني في البحرين في ديسمبر 1980 لمناقشة دراسة أعدَّها الدكتور أسامة عبد الرحمن بعنوان: “إدارة التنمية في الأقطار المنتجة للنفط في الجزيرة العربية”، وتلا ذلك لقاء في الكويت لمناقشة ورقة بعنوان: “دور الصناعة في التنمية”، وهكذا إلى عام 1986 حين اتفق المنتظمون في حضور هذه السلسلة من اللقاءات على تسمية هذه اللقاءات بمنتدى التنمية، ووضعوا له إطارًًا تنظيميًّا ما زال معمولًا به حتى الوقت الحاضر.
للمنتدى لجنة تنفيذية أشرُف بعضويتها، وتضمُّ أيضًا كلًّا من: الأستاذ الدكتور سعد الزهراني أستاذ التربية في جامعة أم القرى (المنسق العام للمنتدى)، والأستاذ الدكتور محمد الرميحي (أستاذ الاجتماع بجامعة الكويت)، والأستاذ جمال فخرو (النائب الأول لرئيس مجلس الشورى في البحرين)، والدكتور خالد الجابر (أستاذ الإعلام في جامعة قطر)، والأستاذ الدكتور عبد الخالق عبد الله (أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات)، والأستاذ علي الموسى (رئيس مجلس إدارة البنك التجاري في الكويت)، والدكتور محمد الحارثي (أستاذ الاقتصاد في جامعة السلطان قابوس)، والدكتورة مشاعل العتيبي، والأستاذ مصطفى الزرعوني (رئيس تحرير الخليج تايمز)، والدكتورة موضي الحمود (رئيس الجامعة المفتوحة ووزيرة التربية في الكويت سابقًا)، والدكتورة هالة الصليبيخ (رئيسة الجمعية البحرينية للتخطيط الإستراتيجي)، والدكتورة ملك الرشيد (أستاذ الخدمة الاجتماعية جامعة الكويت).
تقوم الفكرة الأساسية للمنتدى على اختيار اللجنة التنفيذية موضوعًا للقاء السنوي، ويتم اختيار أحد الأعضاء من المتخصصين أو المهتمين بالموضوع ليكون مديرًا للقاء، ليتولى تحديدَ المحاور وترشيح مَنْ سيتم دعوتهم لكتابة الأوراق (من خمس إلى ست أوراق) لتكون منطلقًا للحوار في اللقاء السنوي للمنتدى الذي يكون في أول عطلة نهاية أسبوع (الجمعة والسبت) من شهر فبراير من كل عام، ويكون عادةً في دبي أو البحرين أو الكويت. يتم دعوة الأعضاء لحضور اللقاء وترشيح مَن يرون أنه سيثري اللقاء. المشاركة في اللقاء وحضوره يقتصر فقط على أبناء وبنات دول مجلس التعاون.
يتمُّ تسجيل ما يدور من حوارات ومداخلات وتعقيبات على الأوراق، ويتم تفريغ ذلك التسجيل ويُضمُّ مع الأوراق ليُشكِّلَ مادةً لكتاب، يتولى المنتدى الترتيب مع إحدى دور النشر لطباعته ونشره، كما يتم وضع نسخة إلكترونية PDF على موقع المنتدى.
حرص الأعضاء المُؤسِّسون على توفير وقف يُصرف من ريعه، ويتم تغذيته باشتراكات الأعضاء (50 دينارًا كويتيًّا) وتبرعاتهم. عضوية المنتدى مفتوحة فقط لأبناء وبنات دول مجلس التعاون، والحصول على العضوية يتمُّ بالتزكية من أحد الأعضاء أو بطلب بعد حضور ثلاثة لقاءات سنوية.
عقَّبت د. مها المنيف: كنت قد سمعتُ عن منتدى التنمية الخليجي كإطار غير حكومي للحوار حول قضايا التنمية في المنطقة الخليجية إلى أن دُعيت هذا العام لتقديم ورقة في لقاء المنتدى الـ 39 والمُخصَّص لموضوع المرأة الخليجية والتنمية، وكانت ورقتي حول موضوع “العنف ضد المرأة”، وهو ما كنتُ أمضيتُ أكثر من عشر سنوات من مسيرتي المهنية في متابعته تشريعيًّا وتنفيذيًّا وتوعويًّا في السعودية والمنطقة عمومًا. وأودُّ أن أُسجِّل تثميني لتناول المنتدى موضوع المرأة من عدة محاور أحدها المحور الذي تناولته ورقتي، وأودُّ أن أشيد أيضًا بمستوى النقاش خلال دورة المنتدى هذا العام، وبمستوى الحضور النخبوي حيث جاء الطرح علميًّا وموضوعيًّا ومن خلال تجارب خليجية ثرية.
ولفت انتباهي في هذا اللقاء المُخصَّص لموضوع المرأة ضعف تواجدها في المنتدى الذي يعود تاريخه لأربعين عامًا ويضمُّ نخبةً من مثقفي المنطقة وصانعي الرأي العام فيها. كانت نسبة مشاركة المرأة في هذا اللقاء هي الأعلى مقارنة باللقاءات السابقة ومع ذلك لم تتجاوز ٥٠٪؛ ولعل هذا يعود إلى “نخبوية” المنتدى، وربما عدم تعرُّف القائمين عليه على قيادات شبابية نسائية في دول المنطقة أسهمت خلال العقدين الماضيين في تناول قضية المرأة من جوانبها المختلفة، وحققت نجاحاتٍ في الإطارين التشريعي والحقوقي، كان من المفيد تواجدها في هذا اللقاء ودعوتها لإثراء الحوار.
وعلى الرغم من تلك الملاحظة إلا أن قيام المنتدى غير الحكومي واستمراره لأربعين عامًا يعتبر إنجازًا بحد ذاته يُسجَّل للرعيل الأول ولا سيما أنَّ الكثير من المبادرات غير الحكومية في المنطقة ذات أفق زمني قصير في العادة. ولعلَّ قيام المنتدى من آن لآخر بتكريم ذلك الرعيل الأول ومنهم المرحوم الدكتور أحمد الربعي الذي سُمِّي اللقاء 39 باسمه تخليدًا لذكراه، يعدُّ بادرةً يُشكر عليها، وأتمنى استمرار هذه البادرة التي تكرِّم مثقفي وصانعي الرأي العام في المنطقة.
وعقَّبت د. فوزية البكر:أُتيحت لي ولبعض الزملاء والزميلات من الأسباريين حضور ملتقى التنمية الخليجي لهذا العام، والذي عقد في الكويت في أول فبراير لهذا العام، وكان موضوعه حول المرأة الخليجية والتنمية حيث طُرِح عدد من الأوراق امتاز بعضها بارتفاع سقف تناولها لبعض الإشكاليات في علاقة الدين بالموروث عند تناول حقوق المرأة كما في ورقة الدكتور الأنصاري (المرأة الخليجية وحقوقها المدنية والسياسية من منظور نقدي).
لعلَّ ورقة د. الأنصاري توحي بما يمتاز به هذا المنتدى منذ ظهوره وهو ارتفاع سقف طروحاته وتناوله لمواضيع قد تكون شائكةً، مثل: الديمقراطية والحياة الدستورية، والمشرع الخليجي والمواطنة الخليجية ومنظمات المجتمع المدني، إلى غير ذلك من القضايا التي ينظمها جميعًا اشتغالها بالتنمية والحرص على تجميع البيت الخليجي، وهو النمط الواضح من طبيعة مؤسِّسيه وأعضائه الذين يأتون من كافة دول الخليج، حيث ضمَّ المنتدى منذ تأسيسه أبرز الأسماء الخليجية، مثل: د. الرميحي، د. أسامة عبد الرحمن، تركي الحمد، النفيسي، د. عبد الله القويز، د. عبد العزيز الجلال، وغيرهم كثير من الأسماء ذات الوزن المعرفي والثقافي في دول الخليج.
وقمتُ بمراجعة لنشاط الملتقى وإنتاجه منذ تأسيسه عام 1979 – 2016، قام بها د. عبد السلام الوايل السليماني وبمشاركة كاتب قضية هذا الأسبوع د. إبراهيم البعيز و أ. هدى الدخيل، وتعطي تغطيةً كاملة لكافة نشاطات المنتدى ومطبوعاته ولقاءاته وتعليقات أعضائه وضيوفهم حتى عام 2016. وهي مرجع حقيقي لمَن أراد التعرُّف عن قرب على المنتدى والاستفادة من طروحاته الجريئة والمتنوعة.
أعجبني كثيرًا أن المنتدى يأخذ الأمر بمنتهى الجدية في نقاشه لكافة القضايا رغم عدم وجود مظلة رسمية يمكن لها تبني بعض طروحاته، لكن كأي (Think tank) يُسجِّل بجسارة ما يراه من قضايا حيوية، ويحاول إسماع صوته لصاحب القرار، وأعجبني أكثر طول عمر المنتدى الذي ظلَّ صامدًا في وجه كلِّ العواصف التي ألمَّت بالمنطقة من حرب الخليج وغزو الكويت وتداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر… إلخ، لكنه أيضًا لم يكن قادرًا على الوصول إلى تجمعات ثقافية كثيرة تمتلئ بها دول الخليج قاطبةً سواء أكانوا فنانين أو أدباء أو من محبي الدراسات الفلسفية والاجتماعية.
كيف تمكَّن الملتقى من الصمود أمام الأنظمة السياسية وبشجاعة؟ لا أعلم هل يحتاج المنتدى أن يُجدِّد دماءه بإدخال أكثر للعناصر الشابة التي ستحمل بلا شك هموم المنتدى، وستُكرِّس حضوره في أوساط الشباب؟ الجواب: ربما.
المداخلات:
مساهمات المنتدى في تنمية دول الخليج:
تساءلت د. عائشة حجازي: الملتقى الذي بدأ منذ ١٩٧٩؛ إلى أي مدى استطاع الملتقى أن تكون له بصمة في تنمية دول الخليج من وجهة نظرك دكتور إبراهيم؟ أجاب د. إبراهيم البعيز بأن مقياس المساهمة معقد وشائك، لكن يمكن القول إن البصمة البارزة أنه أسهم في تنظيم ٣٩ لقاءً ونَشْر ما يربو على ٣٠ كتابًا حول قضايا التنمية، وأسهم في التواصل بين المهتمين بقضايا التنمية من أبناء وبنات دول مجلس التعاون.
علَّقت د. عائشة حجازي: إن هذا ما لمسته أثناء حضوري الدورة الأخيرة. فثمة حراك فكري وثقافي واقتصادي أسهم في إثرائه الحضور المختلف في اختصاصاته وتوجهاته الفكرية والثقافية.
كما تساءل د. خالد بن دهيش: لم يظهر لي أن المنتدى سبق أن عُقِد في المملكة، فهل هناك موانع؟ وهل الفترة التي تعيشها المملكة حاليًّا كفيلة بعقد المنتدى في المملكة؟ وكيف يمكن الحصول أو الاطلاع على منتجاته؟
علَّق على ذلك د. إبراهيم البعيز بأن ذلك صحيح، فقد عُقِد في الرياض حسب ما أذكر مرة في منتصف الثمانينيات، وأعتقد أن ذلك بجهود الدكتور عبد العزيز الجلال الذي كان وقتها مساعدَ أمين عام مجلس التعاون لقطاع الإنسان والبيئة، ولم يعقد بعدها، حيث لم يكن سقف الفضاء العام يحتمل ما يدور فيه من نقاشات ومداخلات. كذلك لم يُعقد في الدوحة إلا مرة واحدة، وكذلك في مسقط لم يُعقد إلا مرة واحدة.
أضافت د. عائشة حجازي أنه لعل الفرصة الآنَ سانحة لعقده في الرياض. وأضاف د. إبراهيم البعيز أن في العامين الأخيرين حرصت اللجنة التنفيذية أن يستمر عقده في الكويت من أجل إتاحة فرصة الحضور للأشقاء من قطر.
الصفة الاعتبارية للمنتدى:
وتساءل د. زياد الدريس عن الصفة الاعتبارية للمنتدى؟ هل هو إحدى أذرع مجلس التعاون؟ أم أنه مؤسسة خاصة يمكن تطويرها لتصبح NGO يومًا ما؟
ذكرت د. فوزية البكر؛ من أبرز ما لاحظت هو الصوت الديمقراطي وارتفاع نفس الحرية لمناقشة مواضيع ساخنة.
كما أن المنتدى استطاع خلال أعوامه الطويلة نسبيًّا أن يُوفِّر مظلة وجد من خلالها مثقفو الخليج متنفسًا للتعبير عن آرائهم بحرية لا تتيحها المناخات العامة في بلدانهم.
إضافة إلى أن المنتدى فرصة للربط بين الأشقاء من كل دول الخليج تأكيدًا لروابط الأخوة والمصير المشترك.
القضايا التي يهتم المنتدى بتناولها:
أشار د. ناصر القعود إلى أنني وبصفتي عضوًا في منتدى التنمية منذ التسعينيات الميلادية، أودُّ أن أذَكر أن المواضيع والقضايا التي تناولها المنتدى متنوعة ويجمعها إطار التنمية بمفهومها الشامل، وفي مقدمتها القضايا الاقتصادية ومنها: المالية العامة، ومعضلة المياه، وقضايا الشباب، وإدارة التنمية. ويعدُّ أحد اللقاءات للمنتدى أساسًا لوثيقة “أهداف وسياسات خطط التنمية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ” الصادرة في إطار مجلس التعاون، إضافة إلى ما ذكره د. إبراهيم، و د. فوزية.
في السياق نفسه تساءلت د. عائشة حجازي: ما مدى استفادة الملتقى ومواضيعه من قضايا المنتدى التي طُرحت؟ وما هي القضايا التي يمكن أن تُطرح في الملتقى لاحقًا؟
ذكر د. ناصر القعود أنه لا شك أن الهموم مشتركة للملتقى والمنتدى، وكل منهما يعرضها بطريقته وبما يقتضيه الوقت والمناسبة.
أضاف د. إبراهيم البعيز أن د. ناصر القعود من الأعضاء المؤسِّسين أيضًا. وبالنسبة للمواضيع التي صدرت في كتب، سأذكر ما طُرح في آخر عشر سنوات، وهي كالتالي:
– السياسة السكانية.
– تقييم تجارب التنمية في دول الخليج العربي.
– ظاهرة العنف والتطرف.
– دول مجلس التعاون ودول الجوار… العلاقة وتأثيرها على التنمية.
– قضايا وهموم المجتمع المدني في دول مجلس التعاون.
– الخليج وفرص وتحديات القرن الواحد والعشرين.
– دول الخليج والعولمة.
– متطلبات وتحديات التحوُّل الديمقراطي في دول مجلس التعاون الخليجي.
– الخليج العربي والمحيط الآسيوي: الفرص والتحديات.
– التنمية البشرية في دول مجلس التعاون الخليجي: النجاحات والإخفاقات.
– الإصلاح الجذري في دول مجلس التعاون.
– الولايات المتحدة والخليج: قراءة المتغيرات الدولية ورؤية المستقبل.
– اتجاهات الشباب في دول مجلس التعاون.
– الإعلام في دول الخليج: دوره التنموي ومساره المستقبلي.
– ماذا يجري في الخليج، وإلى أين يتجه؟
– الطفرة النفطية الثالثة وانعكاساتها على دول مجلس التعاون.
– المجالس التشريعية في دول مجلس التعاون الخليجي.
– التعليم العالي والتنمية في دول الخليج.
– السياسات العامة والحاجة للإصلاح في دول مجلس التعاون.
– سكان الخليج: مظاهر الخلل وآليات المواجهة.
– مستقبل مجلس التعاون الخليجي.
– المياه والتنمية المستدامة في دول مجلس التعاون للخليجي.
– الخليج والتحوُّلات الإقليمية والدولية.
– تقنيات الاتصال والمعلومات والتنمية في دول الخليج.
– المرأة الخليجية والتنمية.
والسؤال المقلق للبعض ثم ماذا؟ لعلنا نناقش جدوى مثل هذه المنتديات، وهل لها أهمية أم هي فقط حوارات نخبوية لا تصل إلى صانع أو متخذ القرار!
كما ذهبت د. مها المنيف إلى أنها تطرقت في ورقتها للمقارنة عن الوضع الراهن واستراتيجيات مناهضة العنف ضد المرأة في منطقة الخليج، ولاحظت أن أوضاع ومشاكل المرأة في دول الخليج متشابهة إلى حد ما؛ لذلك أعتقدُ أن أيَّ توصيات تأتي من منتدى التنمية الخليجي ستكون متوافقةً مع دول المنطقة.
فمثلًا، جميع دول الخليج وقَّعت على اتفاقية “سيداو” لمنع التمييز ضد المرأة، لكن الإمارات أخذت خطوة للأمام في تكوين مجلس التوازن الجنساني الذي يراقب تطبيق الاتفاقية الدولية، وكذلك التوازن بين الجنسين في المناصب القيادية.
مثال آخر؛ بعض الدول لديها نظام خاص لتجريم العنف مثل البحرين والسعودية، وبعضها في طور اعتماد نظام مثل الإمارات والكويت، والبعض الآخر لا يوجد أي محاولة لوَضْع نظام متخصص لمناهضة العنف. لكن باختصار، فإن الذي أعجبني في الملتقى ما يلي:
١. أنه ملتقى للنخبة من المهتمين والمثقفين في المنطقة.
٢. أنه ملتقى غير حكومي وبقي صامدًًا ٤٠ سنة.
٣. سقف المناقشة مرتفع لعدم تواجد الإعلام به.
٤. توصياته تُنشر في كتيبات، ولكن لا أعرف مدى نشاطهم في توصيلها إلى صانعي القرار.
وأضافت د. فوزية البكر أن د. ناصر القعود ذكر أن أحد لقاءات المنتدى كان هو الأساس لوثيقة أهداف وسياسات خطط التنمية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية). هذا يُقدِّم لنا الدليل بأن هذه اللقاءات رغم أنها نخبوية، إلا أنها تؤثِّر أحيانًًا في صانع القرار.
هذا يطرح السؤال، ألم تُفكِّر النُّخب التي تدير المنتدى أن تكون الأقرب إلى صانع القرار بدلًا من أن تتركه لمَن حوله حتى يمكن لها أن تؤثِّر على صُنع القرار؟ أعرف أن ذلك صعب على المستوى الشخصي، لكن من المهم أن تُسمِع النُّخب صوتَها لصانع القرار.
وعلَّق د. ناصر القعود أن عددًا من أعضاء المنتدىكانوا قريبين من صانع القرار، فبعضهم كانوا وزراء أو مفكرين قريبين من صانع القرار، خاصة في سنواته الأولى.
مراجعة لنتائج المنتدى:
أشار د. عبد السلام الوايل إلى أنه عمل قبل بضع سنوات مراجعة لنتاجات المنتدى بتكليف من القائمين عليه، غطت الدراسة فترة تاريخية حوالي ٤٠ عامًا.
وأضاف د. عبد السلام؛ سأحاول تقديم عرض سريع لورقة المراجعة لأول ستة وثلاثين عامًا من عمر المنتدى.
… غطت الورقة المحاور التالية:
– التنظيم: من لقاء يتمحور حول ورقة واحدة (أشبه بكتاب) إلى عدة أوراق في اللقاء الواحد، منذ ١٩٨٧.
– السياقات التاريخية للمواضيع: رَبْط لمواضيع المنتدى السنوية بما يلمّ بالخليج من أحداث.
الموضوعات:
١- مرحلة التركيز على موضوع التنمية ١٩٧٩-١٩٨٧.
٢- مرحلة توسُّع المنتدى لطَرْق مواضيع مختلفة.
– المنظور المؤسِّس للمنتدى: يمكن القول إن المنتدى تمحور في تأسيسه حول موضوع كيفية الاستفادة من الوفرة المالية المتأتية عن الطفرة النفطية نهاية السبعينيات في تنمية الخليج.
بعد ذلك انتقل المنتدى لمرحلة التوسُّع حيث هيمنت على جداوله محاور رئيسية تكررت، هي:
– محور السياسة (كانت السياسة موضوعًا لستة لقاءات).
– محور المواضيع الدستورية: أضخم محاور المنتدى (٨ لقاءات).
– محور المالية العامة: وهذا محور مثير، فأحيانًا ينعقد لمناقشة أفضل السُّبل للتعامل مع الفائض في المالية، وأحيانًا ينعقد لمناقشة أفضل السُّبل لمواجهة العجز المالي، بحسب الدورة النفطية).
– محور السكان: عدة لقاءات خُصِّصت لمناقشة الخلل السكاني جراء توافد العمالة الأجنبية.
– البعد الأيديولوجي للمنتدى: شهد المنتدى “تقلبات” أو تطوُّرات أيديولوجية في سعيه ليكون رافدًا معرفيًّا للتنمية. تمَّ عرض هذه المسيرة مع الإشارة إلى مواجهة أيديولوجية في لقاء ١٩٩٦، حيث ناقش العنف والتطرف، وتوزعت الأوراق الأربع بين ناقدين شهيرين لظاهرة الإسلام السياسي وكاتبين شهيرين في الدفاع عن الإسلام السياسي وقتها.
– تطوُّر المنتدى كعلامة على ظهور أنتلجنسيا خليجية: المنتدى في لحظة انبثاقه كان تعبيرًا عن ظهور تباشير أنتلجنسيا خليجية بادية في التشكُّل وأسهم المنتدى في تطورها.
– المنتدى والسلطة: يُظهر المنتدى محاولة لمساهمة “المثقف” في توجيه القرارات الماسة بمستقبل التنمية ومواضيع شتى مما تتخذ فيه الدولة قرارات وسياسيات.
عضوية المنتدى وآلية الانضمام:
تساءلت د. عائشة حجازي: كيف يمكن لمَن يرغب أن ينضم لعضوية المنتدى أو المشاركة فيه؟
أجاب د. إبراهيم البعيز: إن عضوية المنتدى متاحة لأبناء وبنات دول مجلس التعاون بعد حضور ثلاثة لقاءات ودفع الاشتراك 50 دينارًا كويتيًّا أو ما يعالها.
وفيما يتعلق بأهمية هذه المنتديات مثل ملتقى أسبار أو منتدى التنمية، فإن هناك شواهد تشير إلى أن الحوار سمة من سمات المجتمعات المدنية الحديثة ومؤشر على نضجها السياسي، أما الدول المتخلفة فهي غارقة في ثقافة سياسية تجعلها عاجزةً عن إيجاد الظروف والبيئة المطلوبة للحوار، فهي تفتقر إلى المؤسسات المهتمة والقادرة على تبني مشاريع ومبادرات للحوار في الشأن العام، بكافة أبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية.
وكما سبق أن قال الدكتور خالد الرديعان إن الحوار الجاد المستنير يسهم في بلورة رأي عام مستنير، تسترشد به المؤسسة السياسية، بحيث تأتي خطواتها متوافقةً مع رغبة المجتمع وتوجهاته العامة؛ وهو ما يساعد في قبول ما تقوم به المؤسسة السياسية، وعدم مقاومة إجراءاتها. وبشكل عام، فالحوار المستنير يُكرِّس الاستقرار الاجتماعي، ويحدُّ من التوترات.
أهمية الحوار بمثل ما قدَّمه ملتقى أسبار أو منتدى التنمية لا تقتصر على المستوى المجتمعي، بل يمكن النظر لها على المستوى الفردي أيضًا، ففيه إشباع لحاجة الفرد للاندماج في مجتمعه بالتواصل والتفاعل مع الآخرين، وتزداد حاجته للحوار لردم الفجوة المعرفية بين معرفته وما مرَّ به من تجاربَ محدودة وبين ما أثمرت عنه الإنجازات العلمية والمعرفية المتسارعة، ولا فرصة لتضييق تلك الفجوة إلا بالحوار الفعال. وتزداد أهميته لكونه يُعزِّز ثقافة احترام الرأي الآخر وتقبُّل النقد.
تقليدية المنتدى وعدم مواكبته للتطورات التكنولوجية:
أوضح د. حسين الحكمي أن قضية منتدى التنمية الخليجي يصعب الاسترسال فيها لعدة أمور، منها: أن هذا المنتدى وعلى الرغم من كل ما يُبذل فيه من مجهودات يُشكر القائمون عليه على عملهم وسعيهم لاستمراره وأهمية القضايا التي يطرحها ويناقشها؛ إلا أنني أرى أنه لا يزال يدور في فلك تقليدي من حيث أسلوب المناقشة، حيث إنه – وببساطة – عبارة عن موضوع للمؤتمر يتضمن عدة محاور، ويتم استضافة عدد من الضيوف لتقديم الأوراق مع دعوة لعدد من الأعضاء والمشاركين للنقاش، وهو الأسلوب نفسه منذ تأسيسه مع تغيُّر في القضايا فقط، فأنا أرى من خلال الطرح أنه لم يواكب التطور التكنولوجي والاستفادة من التقنية بشكل يواكب التغير السريع.
فلو قارنا بينه وبين ملتقانا، سنجد أن ملتقى أسبار أكثر تأثيرًا والعمل فيه أكبر، ولم يحدث في يوم ما إقصاء للآراء مثلًا أو مَنْع لطرح بعض القضايا أو الحوارات أو الموضوعات.
كما أن لأسبار منتداها الدولي الذي فاق ببون شاسع وفي فترة زمنية قصيرة ما لم يستطعه المنتدى الخليجي منذ تأسيسه.
التعاون بين المنتدى والمكتب التنفيذي لوزراء العمل والشؤون الاجتماعية:
تركزت مداخلة د. خالد الرديعان في مدى وجود تعاون علمي بين منتدى التنمية الخليجي (الإمارات)، والمكتب التنفيذي لوزراء العمل والشؤون الاجتماعية بدول مجلس التعاون (المنامة – البحرين).
فالمكتب التنفيذي وهو تابع لمجلس التعاون نشط جدًّا وينشر بكثافة، ويعقد ندوات وورشَ عمل. ورغم أنه يتبع المجلس، إلا أنه يتميز باستقلالية تقريبًا فيما ينشره ويتناوله من قضايا؛ فبعض الأعمال المنشورة تطرح نقدًا مباشرًا في محاولة لتلمُّس أفضل الحلول للقضايا الاجتماعية والتنموية في دول المجلس. والمكتب يرأسه بصورة دورية أحد أبناء المجلس بحيث تتعاقب على رئاسته الدول الست.
صحيح أن المكتب يتناول قضايا قد تقترحها عليه وزارات العمل والشؤون الاجتماعية والتنمية في دول المجلس، لكنه أيضًا يبادر بطرح قضايا تتبناها هذه الوزارات لاحقًا، ويعمل من أجلها دراسات يستقطب لها عددًا من الخبراء والمتخصصين من مختلف الدول العربية.
شخصيًّا، شاركت في إعداد دراستين للمكتب، نُشرت إحداهما سنة ٢٠١١ والأخرى سنة ٢٠١٣، إضافة إلى المشاركة بورقة عمل في حلقة نقاشية عُقدت في الكويت (٢٠١٤) حول سياسات الرعاية الاجتماعية بدول المجلس، وقد استُقطب لها عدد كبير من المتخصصين من دول المجلس ومن بعض الدول العربية.
والمكتب عمومًا يطرح قضايا اجتماعية تتقاطع كثيرًا مع اهتمامات منتدى التنمية الخليجي، في حين أن التنسيق بين المكتب التنفيذي والمنتدى الخليجي كما يبدو غير ظاهر (على الأقل بالنسبة لي)؛ لذلك كان لديَّ هذا التساؤل، فالمكتب التنفيذي ليس ببعيد عن فكرة (الثنك تانك)، ويمكن الدخول إلى موقعه للاطلاع gcclsa.org على نشاطه ومنشوراته وخصوصًا سلسلة الكتب والدراسات الاجتماعية التي بلغت حتى الآن ١١٧ إصدارًا، وأغلبها دراسات منهجية رصينة بدأ إصدارها في عام ١٩٨٣، وكان آخر ما اطلعتُ عليه دراسة عن “تصميم البرامج الاجتماعية وقياس مؤشراتها”، وتقرير عن “المخاطر الاجتماعية في دول المجلس وسُبُل مواجهتها” (٢٠١٦).
مداخلتي تتركز في التساؤل عن سبب غياب التنسيق بين المنتدى الخليجي والمكتب التنفيذي لتوحيد الجهود وعدم الوقوع في التكرار، بل والإفادة من قاعدتي البيانات في المكتب التنفيذي والمنتدى الخليجي، بحيث يتمُّ التكامل بين الجهتين بصورة تخدم شعوبَ المنطقة.
اتفق د. إبراهيم البعيز مع د. خالد في هذا الاستفسار المهم، وهذه الملاحظة الجديرة بالنظر؛ لكنه استدرك أنه يمكن تفسير ذلك بأن المنتدى لا يقتصر فقط على الجوانب الاجتماعية، فاهتمامه تدخل فيها المحاور السياسية والاقتصادية، وأيضًا الثقافية والبيئية.
من جانب آخر، تشابه الاهتمامات لا يعني بالضرورة وجوب التنسيق، خصوصًا حينما يكون الأمر مؤسسة مجتمع مدني وجهات حكومية.
وأشار د. زياد الدريس إلى أننا بحاجة ماسة إلى تنمية ثقافة المنتديات الحرة والمستقلة، فهي كانت ذراعًا أساسية في تطوير المجتمع المدني في الغرب، وفي تطوير مؤسسات الحوكمة فيه. وبالمثل أيضًا في الدول المتقدمة في الشرق. ردًّا على ذلك، ذكرت د. فوزية البكر أنه لكونه خليجيًّا، والموقع الرئيس في البحرين التي تعرف كيف تتعامل مع العواصف.
أضافت د. الجازي الشبيكي، أن مَن كان من الزملاء والزميلات في المنتدى يتذكر أني في إحدى مداخلاتي ذكرت أنه جديرٌ بالمنتدى أن يُشَكِّل قوة فاعلة لدى صنَّاع القرار الخليجيين من خلال العلاقات ليكون بمثابة إحدى الهيئات غير الرسمية التابعة لمجلس التعاون الخليجي أسوةً بالهيئات والمنظمات غير الرسمية التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة. اتفق معها د. زياد الدريس، وأضاف: قد سألت د. البعيّز في إحدى مداخلاتي على هذه الورقة عن إمكانية تطوير المنتدى ليصبح NGO ثم ليكون قادرًا على حضور لقاءات المنظمات غير الحكومية في الأمم المتحدة واليونسكو وغيرهما، ليفيد من تبادل الخبرات مع التجارب الدولية المشابهة.
المنتدى الخليجي ومنتدى أسبار وتجربة متبادلة:
ذكر د. حسين الحكمي أن منتدى التنمية الخليجي قد يكون له أثرٌ في بعض الدول الخليجية لكن أرى أن بصمته وتأثيره في المجتمع السعودي محدود؛ لأنه وسيلة قد لا تتناسب مع طبيعة المجتمع السعودي.
يمكن أن يستفيد منتدانا من تجربة المنتدى الخليجي في أن لا يقع فيما وقع فيه ويستمر في التطوُّر ومواكبة متغيرات العصر، وأيضًا يمكن أن يتم إصدار عضويات لأعضاء المنتدى ويتم عمل ملتقى سنوي يناقش القضايا التنموية والاجتماعية والثقافية بمنظور حضاري مختلف عن منتدى أسبار السنوي، وأقل نوعًًا ما في ترتيباته وتجهيزاته.
وحول ما ذكره د. إبراهيم البعيز من أن هناك وقفًا يُصرف من ريعه على المنتدى ويُغذَى من اشتراكات الأعضاء، تساءل د. رياض نجم: هل تبرُّع المؤسِّسين في هذا الوقف يغطي تكاليف المنتدى وفعالياته ومخرجاته؟ أم أن هناك مصادر تمويل أخرى من تبرعات تأتي من رجال أعمال ومؤسسات؟ لا أتوقع أن اشتراكات الأعضاء تغطي إلا جزءًا يسيرًا من التكاليف. وهل يمكن لملتقى أسبار الاستفادة من تجربة منتدى التنمية الخليجي؟
علَّق د. إبراهيم البعيز بأن الوقف كان من تبرعات جمعها المنتدى من أعضائه (عدد منهم من رجال الأعمال).
المنتدى وتجاوز تغطيته منطقة الخليج:
ذكر أ. محمد الدندني؛ لنخرج قليلًا من باب موقع المملكة جغرافيًّا وسياسيًّا. شخصيًّا، لا أودُّ أن تُوصَف المملكة كليةً كدولة خليجية فقط. إنها شبه الجزيرة العربية من البحر الأحمر إلى الخليج العربي، ومن حدود بلاد الشام إلى اليمن. الخليج جزء من تركيبة المملكة، وكلها به وبحجازها ونجدها وشمالها وجنوبها.
لا نقصان بما ذكرت، والحاجة لمثل هذا المنتدى ضرورة ومفيدة لمنطقة مهمة بموقعها وشعوبها، ولكن من الملاحظ التركيز على الخليج العربي الذي يفوق الاهتمام بدول حوض البحر الأحمر، والتي رأينا أهميتها بتأسيس منظومة التعاون لدول البحر الأحمر. وإن شاء الله، نراه بأكثر فاعلية مع اليمن التي لها أهمية لا تقل عن دول الخليج العربية إن لم تكن أهم من بعضها. ولا ننسى دول المشرق العربي وبالذات في صراعنا مع إيران الملالي.
دولتنا السعودية لها مركز وقدر لا مناص منه في موقعها ومسؤولياتها؛ ولذا تقوية وتفعيل مثل هذه المنتديات مع محيطنا له نفس الأهمية؛ لأسباب كثيرة: أمنية، واجتماعية، واقتصادية.
المنتدى وتأثيره على صانع القرار وعلاقته بوزارات الإعلام الخليجية:
أوضحت أ. فائزة العجروش أنها تتفق مع ما ذهبت إليه د. فوزية البكر من أن المنتدى بحاجة لتجديد دمائه بإدخال العناصر الشابة؛ بصفتنا شعوبًا شابة، فهم بلا شك سيشاركوننا همومًا أخرى مستجدة تهمُّهم وقد تخفى علينا، وفي الوقت نفسه ستُحفِّز أوساط الشباب بأهمية حضوره.
وإقرارًا بالدور الذي يؤديه المنتدى بوصفه جهةً فاعلةً في الميدان الخليجي، أثقُ أنه على الرغم من أن هذه اللقاءات نخبوية إلا أنها ستُؤثِّر عاجلًا أو آجلًا في صانع القرار؛ كونها تُوجِّه الانتباه إلى قضايا حيوية، وتُوفِّر التحليلات والخبرات التي ترصد الوضع الحالي وطريق لتوقعات مستقبلية لمواضيع قد تكون شائكة، وتعمل على اطلاع الحكومات بشواغل المواطنين؛ لذلك أميل إلى ما نادى به د. زياد الدريس أن يصبح المنتدى NGO قادرًا على تبادل الخبرات مع تجارب دولية مشابهة، ستكون خطوة هادفة ومؤثرة بكل المقاييس.
ولديَّ تساؤل: هل تتعاون وزارات الإعلام في دول الخليج مع إدارة المنتدى لتزويد الحكومات بعينات من منشوراته ومواده الإعلامية بصورة منتظمة؟
وفي الوقت نفسه تعمل على الترويج للقاء السنوي والمناسبات التي يقوم بها المنتدى لتركيز انتباه مواطني دول الخليج على أهم وأبرز القضايا المهمة التي تواجه بلدانهم، والتي يتم نقاشها خلال أيام المنتدى بشكل مركز، ومن خلال رسائل يومية مكثفة؛ ومن جهة أخرى لإبراز الجهود التي يقوم بها المنتدى لصالح المجتمعات الخليجية بشكل يليق به.
علَّق د. إبراهيم البعيز؛ فيما يتعلق بسؤال أ. فائزة العجروش عن مدى تعاون وزارات الإعلام في دول الخليج مع إدارة المنتدى لتزويد الحكومات بعينات من منشوراته ومواده الإعلامية بصورة منتظمة؛ فإنني أرى أن المنتدى ليس له منشورات ولا مواد إعلامية. المنتدى ينشر أوراقًا وحوارات اللقاءات السنوية في كُتب (بعضها بالترتيب مع دور نشر)، ويرسل نسخًا منها للجهات ذات العلاقة بالموضوع.
وأعتقدُ أن قضيتنا لا يُفترض أن تتمركز حول منتدى التنمية الخليجي بقدر ما هي عن الدور التنموي اللقاءات الحوارية، وخاصة تلك التي تتجاوز الحدود السياسة للوطن، وأخذنا منتدى التنمية فقط مثالًا، لكن هناك غيره، مثل: منتدى الفكر العربي، ومركز الخليج للأبحاث، وغيرهما.
أضافت أ. فائزة العجروش أن هذا ما تقصده بالضبط. المقترحات والتوصيات المستخلصة من اللقاءات والحوارات التنموية ودورها للوصول والتأثير على صانع القرار، لماذا لا تكون بطريقة منظمة ودورية بالتعاون بين الحكومات وإدارة المنتدى، لتضمن نشرَها ووصولَها للجهات المعنية تزامنًا مع وقت إقامة اللقاء السنوي، لنجني الفائدة المرجوة منها؟
وقفات وملاحظات حول المنتدى ومناقشات الورقة الرئيسة:
أشار أ. عبد الله الضويحي إلى أن لديه ثلاث وقفات حول ما طُرح من مناقشات:
الأولى: حول ما أشارت له د. فوزية حول دخول عنصر الشباب في المنتدى، وما أشار إليه د. إبراهيم البعيز في ورقته إلى أن الفرصة متاحة لكل مَن يرغب في الانتماء للمنتدى؛ وهذا يعني إمكانية تواجد الشباب فيه، لكن السؤال الأكثر أهميةً في نظري: هل اللجنة التنفيذية للمنتدى هي مَن يُحدِّد المدعوين للتحدُّث فيه؟ وهل يُشترط أن يكون المتحدِّث عضوًا في المنتدى؟ إذا لم يكن كذلك، فهل من الممكن دعوة عناصر شابة للتحدُّث ومناقشة قضاياهم؟
الثانية: وهذه عامة لكل المنتديات المشابهة، وهذا المنتدى على وجه الخصوص، لماذا تظل الرياضة بعيدة عن اهتمامات هذه المنتديات؟ لا أعني قضاياها ولكن ماذا عن دورها في التنمية؟ اليوم أصبحت الرياضة جزءًا من منظومة التنمية، وتلعب دورًا مهمًّا في علاقات الشعوب، وأحيانًا العكس بتقويضها من خلال التعصُّب الرياضي.
وهل لعدم اهتمام القائمين على هذه المنتديات دورٌ في ذلك، أم نظرتهم الدونية للرياضة؟ أم أنهم يرون الرياضة مستقلةً بذاتها ومؤتمراتها ومنتدياتها وشؤونها وشجونها؟
الثالثة: ماذا قدَّمت هذه المنتديات لدولِها وللمنطقة عمومًا؟ لنأخذْ منتدى التنمية الخليجي، ماذا قدَّم على مدى أربعة عقود؟ هذه اللقاءات والأوراق والبحوث ما مدى تأثيرها على المجتمع الخليجي والقرار الخليجي؟ هل هناك دراسات لدى المنتدى لقياس هذا التأثير؟ هل لاحظ القائمون على المنتدى مدى فائدته وأثره على المنطقة؟ وكيف؟
وذهب د. محمد الملحم إلى أن لديه عددًا من الملاحظات فيما يتعلق بموضوع منتدى التنمية الخليجي؛ أولاها: موضوعات المنتدى، حيث أغلبها يدور حول التنمية والاقتصاد وموضوعاتهما الفرعية بالإضافة إلى الثقافة والفن، وهذا طبيعي باعتبار الموضوعات السياسية ذات حساسية. كما أن الموضوعات العلمية لا بيئة لها خارج المؤسسات، ومع ذلك يظلُّ الطرح المجرد من الإسقاطات السياسية ناقصًا وغيرَ فعَّال.
ثانيتها: التمثيل، حيث لا ترتبط هذه المجموعات بمؤسسات رسمية تنفخ فيها الروح، وهذا ما يدعو كثيرين للشك في فعاليتها. بيد أن ذلك ليس شرطًا، بل حتى اللقاءات الرسمية المنبثقة من المؤسسات الرسمية تعاني نفس الأعراض، فلا تُفعَّل توصياتها إلا بما يتناسب مع ما يقره أفراد أو مجالس عليا، وهذا يدعو إلى التساؤل حول جدوى مثل هذه المنتديات أو الملتقيات. بيد أن الجدوى متوفرة من حيث وفرة هذه اللقاءات والزخم الذي تصنعه توصياتها المنشورة (أو شبه المنشورة) في الوعي العام وتأصيل الفكر ودعم القرار في مراحل لاحقة.
وأعتقدُ أن الأسئلة التي طرحها بعض الزملاء حول المنتدى الخليجي ليست بعيدة أيضًا عن منتدانا أو ملتقانا أو مؤسسات أخرى، مثل: الفكر العربي، أو مجموعة الأغر، وغيرها.
غير أن تكاثر هذه المجموعات هو بحد ذاته نوعٌ من الوعي الثقافي الحضاري الذي سينضج يومًا ويؤتي أكله. لنتذكَّر أن إعلامنا بدأ بصُحف ومجلات شخصية، واليوم هو مؤسسات ضخمة لها تأثيرها المهم.
مواقف المنتدى مع الأزمات الخليجية:
وتساءل د. خالد الرديعان: هل للمنتدى موقف واضح من الأزمة الخليجية؟ وهل يشارك القطريون في لجان ونشاطات المنتدى؟ أجابت د. عائشة حجازي: من خلال حضوري للمنتدى، لاحظت أنَّ هناك بُعدًا كبيرًا عن مناقشات الأزمة السياسية. وقد جلستُ مع عددٍ من الزملاء من دولة قطر كانوا حذرين جدًّا من الحديث أو حتى التعليق.
أضافت د. فوزية البكر أن اللقاء كان في الكويت للسنتين الأخيرتين – كما ذكر د. البعيز – تفاديًا لأي حساسيات سياسية.
في هذا السياق تساءل أيضًا د. خالد الرديعان: بما أن المنتدى يتناول القضايا السياسية، فلماذا لم يبلور رؤية حول ما يجري بهدف رَأْب الصدع، أو الخروج بمبادرة يقبلها الجميع؟ ردَّ د. إبراهيم البعيز بأن المنتدى لا يرى نفسه حزبًا سياسيًّا يجب أن يكون له موقف في كل القضايا السياسية، المنتدى تجمُّع ثقافي فكري، واللجنة التنفيذية حريصة على الابتعاد عن الخلافات السياسية، وحريصة على القواسم المشتركة.
نعم، هناك أشقاء وشقيقات من قطر أعضاء في المنتدى منذ تأسيسه ويحضرون اللقاءات بشكل منتظم، والدكتور خالد الجابر أستاذ الإعلام من جامعة قطر عضو في اللجنة التنفيذية للمنتدى.
آليات نقل النتاج الفكري للمنتديات والملتقيات:
أشار د. عثمان العثمان إلى أن ما يخصُّ المنتديات والملتقيات الثقافية والفكرية، فجميل ما تقوم به من نشاط ثقافي فكري مؤسَّس ورصين، يُضاف للإنتاج الإنساني الفكري.
غير أن تحويل هذا النشاط إلى منتج حضاري واقعي يسهم في تطوُّر الإنسان قيميًّا أو اقتصاديًّا أو غيرهما، يحتاج إلى إعادة نظر وتأمُّل في الوسائل المناسبة للمتلقي، بحسب كل موضوع وفئته المستهدفة.
ويبقى السؤال: مَن المسؤول عن إيصال نتاج الملتقيات والمنتديات وغيرها من مراكز الإنتاج الفكري إلى المتلقي؟ هل هو المثقف أو الإعلامي أو الأستاذ في المدرسة والجامعة، أو هي عملية ديناميكية شبكية وخليط من هذا كله؟
والخلاصة: نقل النتاج الفكري إلى مستهدفة بحاجة إلى وسيلة تستهوي المستهدف.
التوصيات:
- أن يكون لمنتدى الخليج التنموي فِرقَ عمل في كل دولة خليجية، ترصد أهمَّ قضايا دولتها ثم تُجمع من باقي الدول وتُقدَّم للمنتدى الرئيسي لاختيار القضايا ذات الأولوية المشتركة لطرحها في كل عام.
- توسيع قاعدة المشاركين في منتدى الخليج وتنويعهم من دول الخليج بقدر المستطاع.
- طباعة وتوزيع مخرجات المنتدى، وأن تكون في متناول الباحثين والمهتمين.
- رَفْع توصيات ندوات وورش المنتدى إلى مجلس التعاون لدول الخليج لتكون بمثابة بوصلة للقادة.
- من الأفضل تزويد الحكومات بمخرجات المنتدى من الدراسات والأوراق البحثية لنشرها والاستفادة منها كمراجع يُستنار بها وقت الحاجة.
- تفعيل بثِّ رسائل يومية عن المرئيات والتوصيات المقترحة في أثناء إقامة المنتدى بلغة مبسطة يفهمها الكل، ليتسنى لأغلبية المواطنين في دول المجلس متابعة ما يستجد من نقاشات وتوصيات بخصوص قضايا حيوية وشائكة في مجتمعاتهم.
- أن يخرج المنتدى من تقليديته سواء في أسلوب المناقشات أو آلية عقد المنتدى ودعوة الأعضاء، وأن يعمل على مواكبة التطور التكنولوجي والاستفادة من التقنية بشكل يواكب التغير السريع.
- إيجاد نوع من التنسيق بين المنتدى الخليجي والمكتب التنفيذي لوزراء العمل والشؤون الاجتماعية بدول مجلس التعاون (المنامة – البحرين)؛ لتوحيد الجهود وعدم الوقوع في التكرار، بل والإفادة من قاعدتي البيانات في المكتب التنفيذي والمنتدى الخليجي بحيث يتم التكامل بين الجهتين بصورة تخدم شعوب المنطقة.
- تجديد دماء المنتدى وفَتْح المجال أمام مشاركة العناصر الشابة.
- أن يهتم المنتدى ببلورة رؤية حول ما يجري في الأزمة الخليجية بهدف رَأْب الصدع، أو الخروج بمبادرة يقبلها الجميع.
القضية الثانية: “برامج التحوُّل الصحي: خارطة الطريق نحو رؤية 2030”
كاتب الورقة: د. خالد الفهيد
المعقبان:
د. فهد اليحيا
د. الجازي الشبيكي
إدارة الحوار: د. عبير برهمين
الملخص التنفيذي:
تطمح برامج التحوُّل الصحي إلى تحسين كفاءة استخدام وإنفاق الموارد المتاحة إلى جانب تحسين كفاءة وفعالية قطاع الرعاية الصحية من خلال تكنولوجيا المعلومات والتحوُّل الرقمي، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في مختلف مجالات الاقتصاد. مع استهداف رفع حصة القطاع الخاص من الإنفاق على الرعاية الصحية.
أشارت الورقة الرئيسة إلى أن برامج التحوُّل في القطاع الصحي هي خارطة طريق طويلة تهدف إلى رفع جودة الرعاية الصحية في السعودية. وتتحدد هذه البرامج في: التحوُّل المؤسسي ونموذج الرعاية الصحية، مشاركة القطاع الخاص، الحوكمة، القوى العاملة، الصحة الإلكترونية.
وكشفت الورقة عن أنه يُؤمل مساهمة هذه البرامج في رفع كفاءة خدمات الرعاية الصحية، وأن يصاحبها تعزيز الجانب الوقائي برفع درجة التثقيف الصحي، والاهتمام بالأغذية الصحية والرياضة في المجتمع، والكشف المبكر عن الأمراض المزمنة.
وأكدت التعقيبات على أن برنامج التحوُّل الوطني في القطاع الصحي طموح ويُقدِّم تغييرًا جذريًّا. كما أنه يطمح إلى تحقيق أهدافه عبر الخصخصة عن طريق إنشاء شركات خدمات وتأمين حكومية من جهة ومشاركة القطاع الخاص من ناحية أخرى، ويتحول دور الوزارة إلى التخطيط والإشراف والحوكمة… إلخ.
أشارت التعقيبات أيضًا إلى أن هذا التحوُّل سيرتكز على وزارة الصحة كمنظمة والشركات كمقدِّمة للخدمات وشركات التأمين الوطنية كمُموِّلة، وأن المواطن سيكون في نهاية الأمر هو المُستفيد الأول من جودة الخدمات الصحية. لكن نجاح تلك النقلة النوعية الكبيرة في القطاع الصحي يستلزم توفيرَ العديد من المتطلبات اللوجستية والتشريعات والتنظيمات الإدارية مع كل الجهات والأطراف ذات العلاقة، وهو ما يحتاج من القائمين عليه التركيز على الفكر الإستراتيجي الذي يؤسِّس لنظام قوي متين طويل المدى.
وأشارت المداخلات التي جرت على الورقة الرئيسة إلى أن أكبر تحدٍ أمام برامج التحوُّل الصحي هو إدارة التغيير، فإدارة التغيير ضمن الكادر العامل بالقطاع الصحي هي أصعب بكثير من إدارة التغيير لدى متلقي الخدمة، ولا سيما أن برامج التحوُّل الصحي تُخرِج عدة جهات وقطاعات من دائرة الأمان بإعادة رسم الأدوار والصلاحيات وَفْق فلسفة جديدة خلاف ما هو مُتبع منذ سنين، وعلى رأس هذه الجهات وزارة الصحة نفسها. كما أن أحد التحديات المهمة تكمن في مدى قبول المواطنين لآليات الخدمة الصحية الجديدة. بالإضافة إلى التضارُب بين جهود وزارة الصحة والجهات الأخرى، وَتَحَوُّل وزارة الصحة من مُزوِّد ومُنظِّم خدمة إلى مُنظِّم فقط.
كما أوضحت المداخلات أن برنامج التحوُّل الصحي بوصفه أحد أهم برامج رؤية المملكة ٢٠٣٠ إضافةً إلى أنه يسعى لرفع كفاءة الخدمات الصحية المقدَّمة؛ فهو يركز على مواقع الخلل في تزايد الطلب على الخدمات الصحية، ويسعى لمعالجتها لتقليل حاجة المواطن والمقيم لهذه الخدمات، وحتى يعيش حياةً بجودة أعلى دون الذهاب للمستشفيات.
وفي نهاية النقاش طرح الملتقى عددًا من التوصيات، أهمها: تعزيز الجانب الوقائي برفع درجة التثقيف الصحي والاهتمام بالتغذية الصحية والرياضة والكشف المبكر عن الأمراض المزمنة، التأكد من وجود التشريعات والتنظيمات الإدارية اللازمة التي تنظِّم العلاقة بين الجهات والأطراف المعنية ببرامج التحوُّل الصحي، ضرورة تفصيل الخدمات المشمولة بالتأمين الصحي وآلية تقديم الخدمة بوضوح، توفير حوكمة واضحة لنظام التأمين الصحي وشروط التعويضات والتقاضي للمستفيد ومقدِّم الخدمة وشركات التأمين الصحي، إدخال الذكاء الاصطناعي لخدمات الصحة لتشخيص المرض عن بُعد وتقديم الرعاية الصحية الأولية، رَدْم الفجوة بين مناهج التعليم والتطبيق العملي لتواكب التطلعات المرجوة، ضرورة التحوُّل بمراحل متدرجة لضمان تنفيذ للبرامج بجودة عالية، بالإضافة إلى توفير رعاية صحية خاصة مجانية بالكامل لبعض الفئات غير المشمولة بالتأمين الصحي، مثل المتقاعدين والعاطلين والأطفال وكبار السن، وكذلك توفير الإحصائيات ذات الطابع الفني الدقيق لتساعد المشرِّع على معرفة ما هو متاح من خدمات صحية قائمة، وأن يكون إعداد برامج الوقاية من اختصاص الوزارة وتنفيذها عن طريق العيادات الأولية.
مقدمة:
تسعى وزارة الصحة فيما يخصُّ برامج التحوُّل الصحي ورؤية المملكة 2030، إلى استحداث نظام صحي يستوعب احتياجات المملكة الصحية الحالية والمستقبلية، فهناك حاجة إلى نظام جديد مبني على أسس غير تقليدية في طريقة تمويله وإدارته وتقييمه وتطويره.
وتطمح برامج التحوُّل الصحي إلى تحسين كفاءة استخدام وإنفاق الموارد المتاحة إلى جانب تحسين كفاءة وفعالية قطاع الرعاية الصحية من خلال تكنولوجيا المعلومات والتحوُّل الرقمي، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في مختلف مجالات الاقتصاد، مع استهداف رفع حصة القطاع الخاص من الإنفاق على الرعاية الصحية من 25% إلى 35% بحلول 2020، وهو ما سيجلب فرصًا جديدة للمستشفيات الخاصة، وكذلك زيادة تركيز وزارة الصحة على الدور الإشرافي والتنظيمي لتحسين القطاع الصحي بأكمله.
لذا تُعدُّ قضية “برامج التحوُّل الصحي: خارطة الطريق نحو رؤية 2030” من القضايا المهمة التي طرحها ملتقى أسبار من خلال ورقة العمل التي قدَّمهاد. خالد الفهيد، وجرت حولها العديد من المداخلات ناقشت: (تحديات أمام برامج التحوُّل الصحي، خدمات التأمين الصحي وتعميمه على فئات المجتمع، ملاحظات حول موضوع برامج التحوُّل الصحي، مجال القوى العاملة في المجال الصحي، برامج الرؤية والتركيز على معالجة مواقع الخلل في الخدمات الصحية، أهداف برامج التحوُّل الصحي الاقتصادية، مراحل تأسيس وتكاملية التحوُّل، تعميم تجربة إقامة المستشفيات الميدانية المؤقتة). وفي النهاية طرح الملتقى عددًا من التوصيات المهمة، وذلك من خلال ورقة العمل التي كتبها الدكتور/ خالد الفهيد، وعقَّب عليها الدكتور/ فهد اليحيا، والدكتورة/ الجازي الشبيكي.
كتب د. خالد الفهيد: القطاع الصحي من أهم القطاعات الحيوية في أي بلد إنْ لم يكن أهمها على الإطلاق؛ لارتباطه الوثيق بحياة جميع شرائح المجتمع اليومية، كما أنه تعتمد عليه جميع المجالات التنموية الأخرى بشكل مباشر حيث أهمية وجود مجتمع صحي خالٍ من الأمراض.
وبإلقاء نظرة على بعض المؤشرات في القطاع الصحي يتضح أنه في نهاية عام ١٤٣٨ وصل عدد المستشفيات في المملكة إلى ٤٨٤ مستشفى مختلفة الأحجام، منها ٣٢٦ مستشفى حكومي بما يعادل نسبة ٦٧٪، فيما وصل عدد الأسرّة بمستشفيات القطاعين العام والخاص إلى ٧٣ ألف سرير تتوزع بين مناطق المملكة، منها حوالي ١٩ ألف في الرياض، تليها مكة المكرمة بنحو ١٦ ألف، ثم المنطقة الشرقية بأكثر من ١٣ ألف، وتتوزع باقي أعداد الأسرّة بين باقي مناطق المملكة بأعداد مختلفة. ويبلغ معدل نصيب كل ١٠٠ ألف فرد من السكان ١٠,٥ مستشفيات، ويبقى هذا المعدل أقل من المأمول؛ لأنه – وللأسف – تُحوِّل معظم المناطق النائية مرضاها إلى مستشفيات مرجعية (مستشفيات المدن الرئيسة)؛ وذلك لقلة التجهيزات الطبية والكادر الطبي المؤهل بها، في حين أن المستشفيات المرجعية لم تعد تتحمل الضغط عليها، حيث لم يتم زيادة السعة السريرية منذ فترة ليست بالقصيرة لتواكب الزيادة في عدد السكان وانتشار الأمراض وتنوُّعها، ويدلل على ذلك صعوبة توفُّر سرير للمريض أو التأخُّر في الانتظار على قائمة المواعيد، ورغم ذلك هناك ترجمة للجهود التي يقوم بها المسؤولون عن القطاع الصحي وما يحظى به من دعم في ميزانية الدولة، والسعي باستمرار لرفع كفاءة الخدمات المقدمة للمستفيدين من خدماته، وهناك ومضات إيجابية حيث تحققت إنجازات نوعية رغم تلك التحديات، ومنها:
– تجاوز متوسط الأعمار في المملكة المعدل العالمي (٧٠ عامًا) ليصل إلى (٧٤ عامًا).
– ارتفعت معدلات التطعيم ١٣٧٪ خلال ٣٥ عامًا.
ومن التحديات التي تواجه وزارة الصحة:
– عدم القدرة على توفير الخدمة الصحية اللازمة في الوقت والمكان المناسبين.
– ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة، واستمرار خطورة تفشي الأوبئة والأمراض المعدية.
– تنامي المخاطر في المنشآت الصحية بسبب تفاوت معايير الجودة الطبية ومعايير سلامة المرفأ.
– الاعتماد المتزايد على الكوادر الأجنبية في ظلِّ تزايد المواطنين المؤهلين الباحثين عن العمل.
– الازدياد المتسارع في تكلفة الرعاية الصحية في وقت تواجه فيه المملكة تحديات اقتصادية متنامية.
– عدم وجود نظام متكامل لتكنولوجيا المعلومات لخدمات الرعاية الصحية.
وفي ظل معطيات تقديم خدمات الرعاية الصحية حاليًّا لأكثر من 31 مليون نسمة من السكان بالإضافة إلى 18 مليون زائر سنويًّا خلال فترتي الحج والعمرة، في ظل هذه التحديات توجَّهت وزارة الصحة إلى البدء في مبادرات للتحوُّل الوطني في القطاع الصحي لتذليلها.
وبرنامج التحوُّل في القطاع الصحي هو خارطة طريق طويلة تهدف إلى رفع جودة الرعاية الصحية في السعودية، وله برامج هي:
- التحوُّل المؤسسي ونموذج الرعاية الصحية، وذلك من خلال:
• التركيز على الوقاية من الأمراض، وبناء نظام قوي للرعاية الصحية الأولية يكون بمثابة بوابة الأمان للمرضى.
• التركيز على نماذج الرعاية خارج المستشفى.
• دمج تخطيط القدرات وتوفير الرعاية عبر القطاعات.
• نَقْل مهمة تقديم الخدمات الصحية إلى شبكات مستقلة من الشركات الحكومية.
• برنامج الضمان الصحي وشراء الخدمات الصحية.
• تأسيس مركز وطني للتأمين الصحي مع تعميم التأمين الصحي بصفة تدريجية.
• توليد التمويل من مصادر إضافية.
- مشاركة القطاع الخاص، وذلك من خلال:
• مضاعفة مشاركة القطاع الخاص من خلال تيسير أو إدارة الخدمات الصحية.
• دعم توطين تصنيع الأدوية والأجهزة الطبية على نحو فعَّال مع الاستفادة من مشتريات الوزارة.
- الحوكمة، وذلك من خلال:
• الإشراف والتنظيم ورسم السياسات الصحية والرقابة المستمرة لتنفيذها من قِبل المؤسسات الشقيقة.
• وضع الآليات اللازمة لتحقيق التوازن بين المؤسسات الشقيقة التي تتوافق مع أعلى المعايير الدولية.
- القوى العاملة، وذلك من خلال:
• تعزيز جودة القوى العاملة من خلال زيادة الطاقة الاستيعابية وتحسين معايير الترخيص وجَعْل المهن جذابة.
• تأسيس وحدة وطنية لتخطيط القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية من أجل التنسيق للإجراءات بين الأطراف المعنية الأساسية لوزارة التعليم ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية.
- الصحة الإلكترونية، وذلك من خلال:
• توفير الأدوات الرقمية (التطبيقات) للخدمات الذاتية للمرضى، والوقاية من الأمراض، والرعاية المتصلة وفعالية القوى العاملة.
ونتطلع جميعًا أن تسهم هذه البرامج في رَفْع كفاءة خدمات الرعاية الصحية، وأن يصاحبها أيضًا تعزيز الجانب الوقائي برَفْع درجة التثقيف الصحي، الاهتمام بالأغذية الصحية، والرياضة في المجتمع، والكشف المبكر عن الأمراض المزمنة.
عقَّب د. فهد اليحيا: إن برنامج التحوُّل الوطني في القطاع الصحي طموح، ويقدِّم تغييرًا جذريًّا. فبحسب الدليل التعريفي الخاص به تمَّ تخصيص عامي 2017 و2018 لدراسة الاحتياجات والتقييم وتطوير الإطار القانوني والفني والمالي. ومن المنتظر أن يكون عام 2019 لتنفيذ المشاريع واختبارها لكل مبادرة من مبادرات القطاع الخاص حاليًّا، وأيضًا حتى 2022 سيتم تنفيذ نماذج مشاركة القطاع الخاص التي أثبتت نجاحها بالتدريج لتطبيقها على مستوى مناطق المملكة، وقسَّم البرنامج المملكة إلى خمس مناطق هي: الشمالية، والشرقية، والوسطى، والجنوبية، والغربية.
يهدف البرنامج إلى تطوير وتحسين وتوفير الخدمات الصحية والارتقاء بجودتها كما أوضح د. خالد الفهيد. ومن الواضح أن البرنامج يطمح إلى تحقيق أهدافه عبر الخصخصة عن طريق إنشاء شركات خدمات وتأمين حكومية من جهة ومشاركة القطاع الخاص من ناحية أخرى. ويتحول دور الوزارة إلى التخطيط والإشراف والحوكمة… إلخ.
وهنا تراود البعض المخاوف، منها الخبرات غير الإيجابية مع خدمات القطاع الخاص، ومنها التأمين الصحي الذي يقدِّم حدًّا أعلى قدره 500 ألف ريال لا غير، وهذه لا تكفي للعمليات الكبيرة، مثل زراعة الكبد أو غيرها، لكن المُرتجَى أن يقوم الإشراف وشركة التأمين الحكومية ببثِّ الطمأنينة من هذه الناحية.
وفي موازنة 2019 بلغ مجموع ما خُصِّص لقطاعات الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية نحو 172 مليار ريال، متضمنةً نحو 47.7 مليار لمبادرات تحقيق الرؤية السعودية 2030، هذا المبلغ المرصود لتحقيق الرؤية مُوجَّه في قسم منه لإنشاء “شــركة وطنيــة قابضــة، تمتلــك خمــس شــركات مُقسَّــمة علــى المناطـق جغرافيـًّا، بحيـث تتولـى الإشـراف علـى تجمُّعـات صحيـة متكاملـة فـي جغرافيتهـا المحـددة لحيـن اسـتقلال هـذه التجمُّعـات بشـكل كامـل، وبالتالـي تُحوِّلهـا إلـى منظمـات رعايـة متكاملـة.
ويُقصــد بالتجمُّــع الصحــي أنــه شــبكة متكاملــة مــن مُقدِّمــي خدمــات الرعايــة التــي تشــمل العيــادات الأوليـة والمستشـفيات والمـدن الطبيـة، وتخضـع لإدارة هيـكل مؤسسـي. ويتـم تشـكيل هـذه التجمعـات بنـاء علـى المرافـق المتاحـة والبيانـات السـكانية الخاصـة بـكل منطقـة. حيـث تتولـى إدارة تقديـم الخدمات الطبيـة، والقيـام بمهـام الإدارة والتشـغيل التـي تُحدِّدهـا الشـركة الحكوميـة مسـتقبلًا.
فكرة التجمعات مستوحاة من تجربة ناجحة في كندا بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي، وتجلت إيجابياتها في سهولة حركة المريض، والاستفادة المثالية من الكوادر الصحية، وزيادة مقاعد التدريب وكفاءة البحث العلمي… إلخ.
بيد أن جانب التمويل ليس واضحًا وينحو في اتجاه النظام الأمريكي وهو مغاير للنظام الصحي الكندي الذي يقدِّم خدماته مجانًا، ويقوم على نظام الفواتير (Billing System) حيث تدفع وزارة الصحة الكندية تكاليف العلاج. وجديرٌ بالذكر أنَّ عدد سكان كندا يبلغ نحو 30 مليون نسمة، وهو مقارب لعدد السكان في السعودية، لكن ميزانية وزارة الصحة الكندية تبلغ أكثر من ثلاثة أضعاف مثيلتها السعودية.
ويشير الدليل إلى: “يوفِّــر البرنامــج التغطيــة الصحيــة الشــاملة المجانيــة التــي تُســهِّل حصــول جميــع فئــات المجتمــع الســعودي علــى خدمــات الرعايــة الصحيــة اللازمــة وقــت الحاجــة إليهــا بجــودة وفعاليــة عاليــة دون تعــرُّض المســتفيد إلــى أي مشــقة ماليــة، حيــث يُقــدِّم البرنامــج حزمــة منافــع واضحــة وأساســية. كمــا يعطــي الخيـار لتأميـن إضافـي اختيـاري يعطـي المسـتفيد مزايـا مختلفـة مقابـل رسـوم إضافيـة يتحملهـا الفـرد أو صاحــب العمــل”؛ لكن الدليل لا يُوضِّح المدى الذي تشمله الخدمات الأساسية. ومن جانب آخر يضرب مثلًا في الخدمات الاختيارية المدفوعة الثمن هو “عمليات التجميل”. في نظري، هذا الجانب بحاجة إلى توضيح وتفصيل.
يشير الدليل إلى أهمية تعزيز السلامة المرورية، ويرى أنها تعكس الجوانب الثلاثة التالية:
1- الوفيات.
2- الإصابات والحوادث.
3- انتشار الانتهاكات (المخالفات) الخطيرة.
ويَعتبِر السلامةَ المروريةَ الهدفَ الإستراتيجي الرابع، ويجعل له مبادرتين؛ الأولى: “تطويــر الأنظمــة واللوائــح المروريــة لجعــل العقوبــات أكثــر فاعليــة فــي الالتــزام بالنظــام”، والثانية: “مبادرة سلامة الطرق لتقليل وفيات حوادث السير”. وينيط مسؤولية تطبيق الأولى بوزارة الداخلية – إدارة المرور، والثانية بوزارة النقل.
تُقدَّر التكلفة المالية لحوادث الطرق بـ 21 مليارًا. وتحصد حوادث المرور 8000 شخصٍ في العام، وهؤلاء مَن تُوفّوا ساعة الحدث. وفي دراسة استقصائية تبين أنه يُتوفَى قرابة الـ 4000 شخص خلال أسبوعين جراء مضاعفات الحوادث. وتشغل حوادث المرور ما يقارب 20% من أقسام الطوارئ.
وتشير بعض الإحصائيات إلى انخفاض في الوفيات والإصابات، إذ سجلت أعداد الوفيات انخفاضًا من 9031 في عام 1437هـ إلى 6025 حالة وفاة في 1439هـ، فيما انخفضت أعداد الإصابات من 38.120، في 1437هـ إلى 30.217 في عام 1439هـ. ويُعزى هذا إلى ارتفاع قيمة الغرامات والتوسُّع في استخدام ساهر من ناحية، وإلى سرعة تقديم الخدمات الإسعافية وتحسُّن مستوى جودتها من ناحية أخرى.
إلا إنني أرى أن المرور ما زال مُقصِّرًا بدرجة كبيرة، ودعوت وأدعو إلى برنامج وطني تشترك فيه إدارة المرور ووزارة الصحة ووزارة الإعلام وغيرها لنشر الوعي ابتداءً من المدارس، وتطوير أنظمة المرور، وتبني فلسفة الحزم، والسرعة في تطبيق المخالفة بدلًا من تغليظ قيمتها المالية، والاستعانة بجهاز من أفراد المجتمع بنظام الدوام الجزئي أو المكافآت لرصد المخالفات ويكون رديفًا للمرور.
وعقَّبت د. الجازي الشبيكي: مما لا شك فيه أن رؤية المملكة 2030 تضمنت خطة واضحة تستهدف نقلة نوعية لجميع الخدمات بما فيها الخدمات الصحية، حيث سيتم تحويل أداء وزارة الصحة إلى نظام الشركات ضمن خطة لخصخصة القطاع الصحي، بحيث تُفصل المستشفيات والمراكز الصحية عن الوزارة وتتحول إلى شركات حكومية تتنافس على أسس الجودة والكفاءة الإنتاجية، ويقتصر دور الوزارة على التنظيم والإشراف والمتابعة.
ومع ثقتنا جميعًا في حَرْص الدولة على مصلحة جميع مواطنيها إلا أن مثل هذا التوجُّه قد يُخشى من نتائجه وانعكاساته على الفئات ذات الدخل المحدود والإمكانات البسيطة، لكن التطمينات في هذا الجانب تُفيد بأنه سيتم إنشاء برنامج الضمان الصحي وشراء الخدمات الصحية التابعة لوزارة الصحة وفقًا لأساليب الشراء الإستراتيجي التي تضمن توفير الحوافز اللازمة لتقديم خدمة عالية الجودة بدون تحميل المواطن أي تكاليف إضافية.
ومما يُلفِت النظر في هذه البرامج التحوُّلية هو تركيزها على مفهوم الوقاية ضمن منظومة متكاملة مع الجهات ذات العلاقة المرتبطة بجودة الحياة وحركة الناس وأنماط حياتهم وغذائهم السليم والسلامة المرورية وغيرها، وكذلك التركيز على تطوير الرعاية الصحية الأولية باعتبارها خط الدفاع الصحي الأول، وباعتبارها قناة الربط مع المواطن ليس في تقديم العلاج والتحويل للمستشفيات العامة أو التخصصية فحسب، ولكن في نَشْر التثقيف والتوعية بأساليب الحياة الصحية السليمة في الأحياء والمدارس وغيرها من مؤسسات ومنظمات المجتمع.
كما أن إنشاء المجمعات الطبية المتكاملة سيُوفِّر على الموطنين الكثيرَ من أعباء التنقل والازدواجية؛ لما تحويه تلك المجمعات من خدمات الرعاية الصحية الأولية والمستشفيات العامة والخدمات التخصصية.
والخلاصة أن هذا التحوُّل سيرتكز على ثلاثة عناصر رئيسية: وزارة الصحة كمُنظِّمة، والشركات كمُقدِّمة للخدمات، وشركات التأمين الوطنية كمُموِّلة. وسيكون المواطن في نهاية الأمر هو المُستفيد الأول من جودة الخدمات الصحية بعون الله. لكن نجاح تلك النقلة النوعية الكبيرة في القطاع الصحي يستلزم توفيرَ العديد من المتطلبات اللوجستية والتشريعات والتنظيمات الإدارية مع كل الجهات والأطراف ذات العلاقة، وهو ما يحتاج من القائمين عليه التركيز على الفكر الإستراتيجي الذي يؤسِّس لنظام قوي متين طويل المدى بعيدًا عن مجرد الاهتمام بالمنجزات الآنية السريعة.
المداخلات:
تحديات أمام برامج التحوُّل الصحي:
أشار أ. فهد القاسم إلى أنه يتحفظ على بعض التحديات المذكورة في ورقة د. خالد الفهيد، والتي ذكر فيها: ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة واستمرار خطورة تفشي الأوبئة والأمراض المعدية، تنامي المخاطر في المنشآت الصحية، الاعتماد المتزايد على الكوادر الأجنبية في ظل تزايد المواطنين المؤهلين الباحثين عن العمل، الازدياد المتسارع في تكلفة الرعاية الصحية في وقت تواجه فيه المملكة تحديات اقتصادية متنامية؛ وهذه تحتاج إلى مقارنة بين فترتين بالمؤشرات والمدى الزمني.
من جهة ثانية، أرى أن أحد التحديات المهمة في مدى قبول المواطنين لآليات الخدمة الصحية الجديدة، وتدرُّجها ما بين الاستشارة الهاتفية ومراجعة طبيب الأسرة ثم الاستشاري، وكذلك المستشفى العام والمستشفى التخصصي، والتنويم طويل المدى والخدمة الصحية المنزلية.
ومن جهة ثالثة، هناك تحدٍ للتضارُب بين جهود وزارة الصحة والجهات الأخرى، ومنه مثلًا: جهود مكافحة التدخين وعلاج متعاطيه، وحوافز هيئة الترفيه بوجوده كأحد مكملات الترفيه (متمثلًا في المقاهي والمعسل).
وذكرت د. عبير برهمين أنها تتفق مع د. فهد القاسم في تحفُّظه وفي التحديات التي ذكرها. وأضافت؛ برأي أن أكبر تحدٍ هو إدارة التغيير Change management في برامج التحوُّل الصحي. فإدارة التغيير ضمن الكادر العامل بالقطاع الصحي أصعب بكثير من إدارة التغيير لدى متلقي الخدمة، لاسيما أن برامج التحوُّل الصحي تخرج عدة جهات وقطاعات من دائرة الأمان comfortable zone بإعادة رسم الأدوار والصلاحيات وَفْق فلسفة جديدة خلاف ما هو متبع منذ سنين، وعلى رأس هذه الجهات وزارة الصحة نفسها.
وإذا كانت برامج التحوُّل الصحي ترتكز بشكل كبير على الطب الوقائي وتعزيز الصحة وجودة الحياة عمومًا، وتحوُّل وزارة الصحة من مُقدِّم تقليدي للخدمة إلى مشرف على جودة الخدمة، والاعتماد بشكل كبير على القطاع الخاص ليقوم بتقديم الخدمات الصحية؛ فأتساءل: هل الجهات التي تعتبر المرتكزات الأساسية للتغيير أعلاه ستستجيب للتغيير المراد تحقيقه بنفس السرعة؟ وما هي مخاطر تفاوت الجهات المعنية في الاستجابة للتغيير؟
من جانبه أوضح د. خالد الفهيد أن ما أشار له د. فهد القاسم من تحفُّظات على التحديات التي تمَّ إدراجها في الورقة الرئيسية لقضية الأسبوع، مرجعها الدليل التعريفي الخاص ببرنامج التحوُّل الوطني في القطاع الصحي الذي أعدته وزارة الصحة ونشرته على موقعها الإلكتروني. وفي رأيي هي تحديات منطقية لوجود المتغيرات الصحية المتسارعة في مجتمعنا، وهو ما يتطلب أهمية التطبيق الفعلي للبرنامج في حال توفُّر المقومات التي تساعد على ذلك لتذليل مثل هذا النوع من التحديات.
خدمات التأمين الصحي وتعميمه على فئات المجتمع:
في مداخلتها تساءلت د. وفاء طيبة: متى نتوقع تعميم التأمين الصحي من المركز الوطني المذكور على جميع فئات المجتمع؟ بمعنى، أن نصبح مثل البنش مارك الذي اتبعناه (كندا)، ويكون العلاج متوفرًا ومجانيًّا لجميع الأفراد؟ وما مدى معرفتكم أو شعوركم بإمكانية نجاح فكرة الخصخصة في الصحة لدينا؟ وهل يتوفر أو يجري العمل على تنظيم إداري أو آلية سهلة لربط الجهات الثلاث التي يُتوقع إشرافها على الصحة مستقبلًا (وزارة الصحة، والشركات التي تقدِّم الخدمات، وشركات التأمين)؟ أخيرًا؛ هل يمكن بالفعل تطوير هذه الرؤية الطموحة بهذه الميزانية؟ وحسب علمي المتواضع ميزانية كندا للصحة تفوق ميزانيتنا بأكثر من ٣ أضعاف (كما ذُكر في التعقيب).
أجابت د. عبير برهمين؛ أتصوّرُ أن التأمين الصحي يجري العمل عليه حاليًّا، وإيجاد نقطة توازن تجمع بين طموح متلقي الخدمة (نحن) والمتمثل في علاج مجاني على أعلى معايير الجودة. وما بين طموح رؤية التحوُّل من الخصخصة والمكاسب التي يمكن أن تحققها شركات التأمين هو التحدي الأكبر في هذا المحور، متى سينطلق؟ أرجو أن يكون قريبًا، وعِلْم ذلك عند ربي. لكن الأهم برأي هو الأخذ برأي المستفيدين من الخدمة وكيفية تصوُّرهم ومدى رضاهم، فهم قبلة هذا التحوُّل.
من جانبها تتوقع د. الجازي الشبيكي أن يشمل التأمين الصحي جميع فئات المجتمع خلال السنوات الأربع القادمة، وسيغطي كافة الأمراض المزمنة وكافة أنواع علاجات الأسنان وكذلك زراعات الأعضاء، حفظنا الله جميعًا من كل مرض وسوء.
الخصخصة في الصحة – من وجهة نظري – سترفع من مستوى تقديم الخدمات المقدَّمة للمواطنين؛ لأنها ستُقدَّم من خلال شركات، وفي الوقت نفس ستتكفل شركات التأمين بالدفع عن المواطن.
كما جاء في مقابلة وزير الصحة في روتانا خليجية، فإن هناك إدارة موحدة ستشرف على تنسيق وتنظيم عمل الجهات الثلاث: الصحة، والشركات، وجهات التمويل.
علَّق د. خالد الرديعان بأن التأمين الصحي قد يحلُّ كثيرًا من المشكلات. أنا فقط أسأل عن كبار السن وطريقة تأمينهم صحيًّا، فهم أكثر فئة معرضة للأمراض، وبالتالي قد تكون حاجتهم للرعاية الصحية أكثر من الفئات الأخرى. وهل يُعامل الجميع على قدم المساواة أم أن هناك شرائح سعرية لكل فئة؟
في هذا السياق ذكرت د. عبير برهمين من المعلوم أن هناك فرقًا بين ما هو مخطَّط له على الورق (كخطة التحوُّل الصحي في الدليل أعلاه) وبين التطبيق على أرض الواقع؛ لذا فالأسئلة التي طرحها د. خالد تُساعد في تقليص هذا الفارق. وأنا أيضًا أتساءل، إذ إن البنوك وشركات تقسيط السيارات – على سبيل المثال لا الحصر – تستثني كبار السن والمتقاعدين من خدماتها حاليًّا، وأرجو أن لا ينسحب ذلك على الرعاية الصحية المستقبلية.
أيضًا تساءل د. خالد الرديعان: هل يكون التأمين مسطرة واحدة تُطبَّق على الجميع أم أن فيه تفاوتًا في الأسعار تنعكس على طريقة تقديم الخدمة الصحية؟ كما تساءلت د. وفاء طيبة: إذا كان سينسحب على الرعاية الصحية، فلماذا نُسابق من أجل زيادة العمر المتوقع للإنسان السعودي؟
أشار د. فهد اليحيا إلى أن التأمين الصحي لمَن يعرفه حقيقته ليس كما قد يبدو لكثير من الناس أنه الملاذ الآمن للخدمات الصحية.
تحويل الخدمة الطبية إلى علاقة مالية يُفرِّغ المهنة من أبعادها الإنسانية، والتجارب الناجحة في تحويل الخدمات الصحية الحكومية المقدَّمة للمواطن إلى علاقة تأمينية ناجحة، محدودة جدًّا حسب علمي. وتحديات التأمين الصحي كثيرة جدًًّا، ومن أبرزها:
1- تكاليف التأمين الضخمة.
٢- الاحتياجات العالية بشريًّا وفنيًّا ومهنيًّا للمراجعة والمتابعة لمطالبات شركات التأمين
٣- الاحتكار القائم لصناعة التأمين الطبي.
٤- صياغة العلاقة بين مثلث العلاقة في تقديم الخدمات الطبية (دافع الخدمة، شركة التأمين، مُقدِّم الخدمة).
٥- ثقافة التأمين المجتمعية.
علَّقت د. وفاء طيبة بأنها فعلًا نقاط مهمة جدًّا، حيث إن التوازن بين المال والإنسانية عملية صعبة. والتأمين الصحي الذي ندفع ثمنه الآن بالآلاف لا نجده ملاذًا آمنًا، بل مهما كان مستوى التأمين تشعر بالذل أحيانًا في الحصول على الموافقات من الشركات لإجراء فحوصات ضرورية.
ملاحظات حول موضوع برامج التحوُّل الصحي:
ذهب د. خالد الرديعان إلى أن لديه مجموعة من الملاحظات حول موضوع برامج التحوُّل الصحي:
– الملاحظة الأولى: يستهلك القطاع الصحي نحو ٧٪ من الميزانية العامة. ويُؤخذ بعين الاعتبار أن العلاج في المملكة للمواطنين مجاني في المستشفيات والمراكز الحكومية، وهو ما يُشكِّل عبئًا ماليًّا على الدولة، بل وصعوبة في تقديم الخدمة. كثير من الدول تعاني من المشكلة نفسها بما فيها دول متقدمة، ولا يوجد حلول لهذه المشكلة ربما إلا من خلال التأمين الصحي، بحيث يتحمل المواطن جزءًا بسيطًا من تكلفة العلاج، وتتحمل الدولة الجزء الآخر، على أن يكون هناك حماية للمواطن من جشع شركات التأمين؛ وهو ما يستوجب أن تكون شروط التأمين واضحةً ليعرف المواطن ماذا يغطي التأمين وما الذي لا يغطيه. وكقاعدة، يقول صديق يعمل في التأمين: “عندما تريد شراء بوليصة تأمين، فاحرص على معرفة ما لا يمكن تغطيته، فهذا يساعدك أكثر”.
– الملاحظة الثانية: مراكز الرعاية الصحية الأولية يُفترض أن تظلَّ مجانية أو برسوم بسيطة، على أن تُدعَم بكوادر وتجهيزات مناسبة وكافية تغني عن لجوء المريض للمستشفيات العامة مع إلزام سكان الحي بالتسجيل بها كما تفعل بريطانيا. إجراء كهذا سيُخفِّف عن الدولة الكثيرَ ويحلّ مشكلات تكدُّس العيادات الخارجية بالمرضى في المستشفيات العامة.
– الملاحظة الثالثة: هناك هدرٌ في صرف الأدوية واستخدامها، ولعلَّ الجهات المسؤولة تفكِّر بطرق مبتكرة في صرف الأدوية الضرورية فقط، ولا مانع من اللجوء للطرق القديمة في تقنين صرف الأدوية (عدّ الحبوب وتقديم الكمية المطلوبة)، فكثيرٌ من المرضى قد لا يستخدم كامل العلاج، ويضطر للتخلص منه في النهاية. يلزم كذلك ضبط سعر الأدوية في الصيدليات التجارية، فهناك تفاوت حادٌّ في الأسعار من صيدلية إلى أخرى، ومن مصنع أدوية إلى آخر.
– الملاحظة الرابعة: ضرورة رَفْع الوعي الصحي عند المواطنين حول أهمية الغذاء الصحي والرياضة بتوفير أماكن كافية للمشي، وضبط أنظمة المرور بصرامة متناهية للتخفيف من حوادث السير ومن ثَمَّ خفض أعداد الإصابات، وهو ما يُشكِّل ضغط على المستشفيات العامة.
– الملاحظة الخامسة: ضرورة دعم المستشفيات الخاصة بنسب معينة، وتحويل بعض المرضى إليها عند الحاجة ضمن التأمين الحكومي للتخفيف من معاناة المستشفيات الحكومية.
– الملاحظة السادسة: ضرورة إعادة النظر في رواتب العاملين في القطاع الصحي عمومًا من أطباء وفنيين، وتقديم مغريات كافية لهم تحدُّ من تسرُّبهم للمستشفيات الخاصة أو الهجرة إلى دول أخرى.
– أخيرًا؛ العيادات التعاونية: لتفعيل القطاع الثالث (الجمعيات التعاونية) قد يكون من المفيد جدًّا التفكير مليًا في المستشفيات والعيادات التعاونية، بحيث يتم تأسيسها كجمعيات تعاونية تحقق أرباحًا معقولة لكي تستمر.
النشاط التعاوني في القطاع الصحي غير موجود عندنا، وهو نشاط ناجح في كثير من الدول. صحيحٌ أنه يتم محاربة القطاع التعاوني أحيانًا بحكم أنه يهدِّد مصالح البعض، لكنه في النهاية قد يكون حلًّا مناسبًا للأخذ به في القطاع الصحي ولا سيما في المناطق الريفية ومدن الأطراف.
وأن يشترك السكان في هذا النوع من النشاط التعاوني فإنه مما يحفِّزهم على إنجاحه. وأؤكد أنه من خلال استعراضي لبعض التجارب التعاونية في عدة دول، فإن هذا النشاط ناجح جدًّا، ويقدِّم حلولًا رديفة للتأمين الصحي، بل ويزيد من فرص المنافسة بين الجهات التي تقدِّم الرعاية الصحية.
علَّقت أ. فائزة العجروش أنه فيما يخصُّ الملاحظة الثالثة الخاصة بالهدر في صرف الأدوية، يُلاحظ أن هناك تغيرًا وتقنينًا في صرف الأدوية في جميع المستشفيات الكبرى التابعة لوزارة الصحة أو للقطاعات العسكرية الأخرى، بحيث أصبح المعمول به حاليًّا، عدم صرف العلاج إلا لمدة شهر أو شهرين حتى لو كانت مراجعة الطبيب بعد ستة أشهر مع إعطائهم وصفة لإعادة تكرار العلاج؛ وذلك لعدة أسباب:
– التأكد من استلام جميع المرضى العلاج الخاص بهم بدلًا من الطريقة السابقة بإعطاء مريض علاج لمدة ستة أشهر فيما يتعذر توفير نفس العلاج لمريض آخر.
– التأكد من الخطة العلاجية للمريض، والتي من الممكن أن تتغير بعد استخدام العلاج لسبب تحسسي أو لنتيجة مخالفة لتوقعات الطبيب.
– وَقْف هدر صرف الأدوية خصوصًا أن معظم المستشفيات لا يمكنها الاستفادة من إرجاع المريض للأدوية المصروفة له سابقًا ولم يستخدمها خوفًا من عدم حفظها بالطريقة الصحيحة.
أما ما يخص النقطة الخامسة فهذا معمول به حاليًّا ومنذ فترة ليست بالقصيرة حسب ما أعرف، وهي معرفة مبنية على تجربة شخصية، فعندما لا يتوفر سرير في المستشفى الحكومي وحالة المريض تستدعي التدخل الطبي السريع يتم توجيه المريض لمستشفى خاص كالحبيب، والمواساة؛ لإجراء العملية والإقامة على حساب الدولة.
وبالنسبة لإشارة عدد من الأعضاء عن مدى الاستفادة من خاصية الذكاء الاصطناعي واستثمار التقنيات الحديثة في تعزيز التواصل مع المستفيدين من خدمات وزارة الصحة، وإتاحة الفرصة لهم للحصول على الاستشارات الطبية من المختصين؛ أعلنت وزارة الصحة عن توسيع نطاق خدماتها في الطب الاتصالي بطرح تطبيق (صحة) لتقديم الاستشارات الطبية المرئية، بإتاحة الفرصة لجميع المواطنين ومن أي مكان للحصول على استشارة طبية وجهًا لوجه مع أطبائهم في جميع مناطق المملكة؛ بهدف زيادة أعداد المستفيدين من هذا التطبيق وتمكينهم بشكل أكبر من الحصول على الاستشارات الطبية المرئية من المختصين عبر الهواتف الذكية، وللتغلب على مشكلة نقص الكوادر الطبية الحاد على الأخص في القرى والهجر.
من جانبها ذكرت د. عبير برهمين أنها تتفق مع معظم ملاحظات د. خالد الرديعان.
إلا أنه فيما يخصُّ الملاحظة الثالثة المتعلقة بالهدر في صرف الأدوية واستخدامها، فإنني أعتقدُ أن الاتجاه هو أن يتم تقليص الصيدليات داخل المستشفيات وقصرها على بعض الأدوية narcotic and controlled drugs إضافةً إلى احتياجات المنومين. أما صيدليات العيادات الخارجية فسيتم تحويلها إلى عدد من الصيدليات الخارجية الخاصة لصرف الدواء الذي سيكون بالمجان أو برسوم منخفضة جدًّا. الهدف هو تقليص المستودعات العامة وشراء وتخزين الأدوية ودعم الصيدليات الخارجية الخاصة، وتقليل نسبة التلاعب في أسعار الأدوية.
أما ما يتعلق بالملاحظة الخامسة، فأرى أنه ليس كل المستشفيات الخاصة لديها التخصصات النادرة أو العناية الفائقة التي قد تتطلبها بعض الحالات الحرجة، ومن هنا المدن الطبية والمستشفيات التخصصية سيستمر دورها في توفير العناية الفائقة للحالات الدقيقة.
وأضيفُ أن العيادات التعاونية التابعة لجمعيات المجتمع المدني موجودة، فمثلًا، في مكة هناك جمعية زمزم وجمعية شفاء، إذ تقوم الجمعية الأولى بتوفير العلاج والدواء المجاني لفقراء الحرم من مواطنين ومقيمين، وتهتم بالفئة الأقل حظًّا Underserved community، في حين تقوم الثانية بدعم مرضى السكري لمن لا يتوفر له العلاج. وهي تجارب ناجحة جدًّا وقدمت خدمات جليلة، إلا أن المطلوب هو توفير عدد أكبر من مثل هذه الجمعيات التعاونية الصحية في عدد من مدن ومناطق المملكة.
أضاف د. خالد الرديعان: يُفترض عدم الخلط بين الجمعيات الخيرية كجمعية زمزم وشفاء في مكة، والجمعيات التعاونية التي تُقدِّم خدمات رعاية صحية. النشاط التعاوني عمومًا ليس نشاطًا خيريًّا، بل هو اقتصاد ثالث في منزلة بين المنزلتين.
وعلَّقت د. عبير برهمين بأن التحديات كثيرة والطموح كبير جدًّا، ومقومات النجاح متوفرة إن شاء الله. نحتاج فقط أن نتأكد من أن الجميع لديه تصوُّرٌ عن دوره بوضوح في هذا التحوُّل، ويعمل جاهدًا لتحقيق المطلوب منه. الموضوع شائك ويثير العديد من التساؤلات والمخاوف.
علَّقت أيضًا د. وفاء طيبة أنه في بعض المستشفيات الخاصة الكبرى عندما يكتب الطبيب الدواء لأحد المرضى يعطيه ورقة صغيرة ليس عليها إلا اسم الدواء! بمعنى أنه لا يمكن صرف الدواء إلا من صيدلية هذه المستشفى. وحدث لي أن استلمت كيس الدواء من الصيدلية وبه دواء لم يتم مناقشته مع الطبيب وبكميات كبيرة لا حاجة لها، وأصبحتُ أراجعُ الكيسَ وأرفض استلام بعض المسكنات بكمية كبيرة مثلًا أو ما شابه ذلك. المشكلة أن الصيدلي لا يصرف دواءً بدون إذن طبيب، فهل يكتب الطبيب بعض الأدوية الجانبية لأسباب غير مشروعة، خاصة أن التأمين سيقوم بالدفع؟ ولماذا توافق الوزارة على هذه الآلية في المستشفيات الخاصة؟ ولماذا لا يُعطى المريض الحرية في شراء الدواء من أي صيدلية يرغب فيها؟
من قراءتي لبرنامج التحوُّل في الصحة، في الفوائد المستمدة في التحوُّل المؤسسي وفي بند مقدمي الرعاية: هل التحدي بالنسبة لمُقدِّمي الرعاية الصحية هو في تهيئة بيئة جاذبة وتحسين القدرة على اتخاذ القرار فقط، أم في منافسة الطبيب غير السعودي للطبيب السعودي مهما كانت إمكانياته؟
كما أرى أنه من الضروري بالنسبة للبعثات في المجال الصحي أن تهتم الوزارة من حيث تطوير برنامج القوى العاملة فيها بالتشجيع على التخصصات النادرة التي نحتاج لها، فإنْ كنا ومن خلال هذا البرنامج الطموح نسعى إلى رَفْع العمر المتوقع للسعودي من ٧٤ إلى ٨٠؛ فلا بد أن نفهم أن هذا يعني أنه وبالمعيار الحالي سيعيش الإنسان السعودي ٢٥٪ من عمره تحت مسمَّى كبير السن، ومن ثَمَّ لا بد من تشجيع الأطباء وغيرهم من التخصصات الطبية المساندة في هذا التخصص Geriatrics، وهم ندرة الندرة حاليًّا.
ومن جهة أخرى، أرى أهميةَ التشجيع على تخصص الطب النفسي، أيضًا للندرة، ولارتباط هذا التخصص ارتباطًا وثيقًا بالثقافة في كثير من الحالات، وبالتالي يكون المعالج السعودي أجدرَ من غيره.
من جانبها ترى د. عبير برهمين أنَّ من حقِّ المريض مناقشة الأدوية التي سيتناولها والبدائل المتوفرة، واستخدام كل دواء ومدى احتياجه له بالتفصيل. هذه أحد حقوق المرضى.
كما أنَّ تخصصات العناية بكبار السن والصحة النفسية هي من الاختصاصات التي يُشجَّع عليها في الابتعاث وتُعطى أولوية.
لكن منافسة الطبيب السعودي لغير السعودي تحتاج إلى صبر ووقت. يُبتعث الأطباء لتخصصات دقيقة لكن مدة الابتعاث تحتاج إلى متوسط ٨-١٠ سنوات، ليعود بتخصص دقيق، ويظلُّ عامل الخبرة عاملًا آخر يحتاج إلى تطوير بالنسبة للطبيب السعودي. لا تزال الاستعانة بغير السعوديين من الأطباء حاجة ملحة حتى وقت طويل، لكن الأهم هو الاستعانة بأطباء بمستويات عالية، فيحسن مستوى الخدمة ويرفع التنافسية في الأداء.
في السياق نفسه، أشار أ. محمد الدندني إلى أن تفعيل طبيب العائلة بمتابعة جيدة لتلافي تطوُّر أي مرض إن وُجد، وتثقيف العائلة صحيًّا وبالذات الأمراض الوراثية.
كذلك يجب تفعيل الطب الموازي والصيدلة والتمريض لتخريج كادر طبي يُعنى بالطب العام في المراكز الصحية في الأحياء. هنا تقلُّ عدد سنوات الدراسة، فهل أحتاج ٧ سنوات لصيدلي ليقرأ وصفة الطبيب؟
أيضًا لا بد من النظر في خطة الحزام الطبي بمستشفيات متخصصة في المناطق لتقليل السفر وازدحام المستشفيات في المدن الثلاث، عندما يُحوَّل مريض من منطقته إلى الرياض فوزارة الصحة تدفع تكاليف تذكرة السفر.
إضافةً إلى أهمية إدخال الـ artificial intelligence لخدمات الصحة، حيث سيأتي اليوم الذي يستطيع فيه الدكتور تشخيص المرض عن بُعد من خلال دائرة اتصال صوت وصورة.
وأوضحت د. عبير برهمين أنه فيما يتعلق بتفعيل طبيب العائلة، فنحن ككليات طب نحثُّ كثيرًا ونُشجِّع على تخصص طب الأسرة والمجتمع، إلا أن الدولة عليها أن تُقرُّ بعض التعديلات لتصبّ في هذا الاتجاه، فمثلًا، أن يتم اشتراط العمل مدة سنة أو اثنتين على الأقل كطبيب أسرة في مراكز الرعاية الصحية الأولية أو ما يُعرف بـ General practicinr GP قبل التحاقه في أي برامج زمالة تخصصية، لاكتساب الخبرة أولًا وفك الضغط وتفعيل دور مراكز الرعاية الصحية الأولية، ولتحفيز الإقبال على تخصص طب الأسرة والمجتمع.
أما بالنسبة لتخصص الصيدلة فهناك برنامجان: أحدهما ٦ سنوات، والآخر ٧ سنوات على مسمى صيدلاني وصيدلي إكلينيكي. كلاهما لا يقتصر عمله على قراءة وصفة الطبيب، إذ يتعدى دورهم ذلك بمراحل، على سبيل المثال لا الحصر: معرفتهم بإخطار تداخل الأدوية مع بعضها واقتراح البدائل الآمنة، وتصحيح الجرعات الدوائية للطبيب.
أخيرًا؛ بالنسبة لإدخال الذكاء الاصطناعي في الخدمات الصحية، فأرى أنه حلم أرجو أن يتحقق في الواقع عن القريب، فالتطبيقات موجودة في بعض الدول، إلا أن البنية التحتية للتقدُّم التقني في بلدنا أمامها شوط كبير لتقطعه.
مجال القوى العاملة في المجال الصحي:
ذكر د. خالد بن دهيش أن مداخلته تُركِّز على مجال القوى العاملة في المجال الصحي. فعندما ننظر إلى برنامج التحوُّل الصحي وفقًا لرؤية المملكة ٢٠٣٠، نأمل أن يكون هناك تركيزٌ على برامج تعليم العلوم الصحية بالمملكة.
لقد تمَّ في السنوات العشر الأخيرة توسُّع كبير في مجال التعليم الطبي والعلوم الصحية التي تحتاجها المملكة بجميع مناطق المملكة، لتوفير القوى العاملة لتقديم خدمات صحية عالية الجودة تُعنى بصحة الإنسان؛ كون الخطأ في تقديمها قد يؤدي – لا سمح الله – إلى الموت أو الإعاقة الدائمة، حمانا الله جميعًا من الأخطاء الطبية.
لذلك، وحتى تتحقق أهداف التحوُّل الصحي لا بد من المراجعة المستمرة لبرامج التعليم الطبي في كليات الطب وكليات العلوم الصحية التطبيقية بالتنسيق الدائم بين الجهات المعنية بالصحة والجهات المعنية بالتعليم والتدريب من خلال الآتي:
• التأكيد على ضمان جودة مخرجات التعليم في المجال الطبي ومجال العلوم الصحية لإعداد كوادر بشرية تتميز بمهارات مهنية عالية، مع المراجعة المستمرة والمواكبة السريعة للمستجدات الطبية من خلال عقد شراكات مع الجامعات والمراكز الطبية والتعليمية ومراكز الأبحاث العالمية.
• بناء برامج متقدمة من الدراسات العليا وبرامج التعليم الطبي المستمر.
• تشجيع إجراء ونَشْر البحوث الصحية والوقائية الإبداعية خاصة التي تعتني بالمجتمع المحلي وصحة البيئة والتغذية والرياضة، للحماية الوقائية من الأمراض التي قد يتعرض لها مجتمعنا المحلي.
• تهيئة البيئة التعليمية المناسبة للتعلُّم باستخدام تقنيات تعليمية مباشرة أو عن بُعد لمتطلبات الحاضر وتطور المستقبل في المجال الطبي. فالملاحظ أن هناك قصورًا في مجال التأهيل والتدريب المواكب للتغيرات السريعة في المجال الصحي، مع أهمية توفير المحفزات التشجيعية المادية والمعنوية للملتحقين بالتأهيل والتدريب.
• مراجعة التخصصات المطروحة وتطويرها وطرح التخصصات المستحدثة، وتوفير المعامل والمختبرات اللازمة لذلك.
• تكثيف الابتعاث الخارجي للدول المتقدمة طبيًّا للتخصص في المجالات المستجدة والسريعة.
اتفقت معه في ذلك د. عبير برهمين، وذكرت أن تطوير الإنسان شيء ضروري، وتطوير المناهج ومواكبة التطور ضرورة وحاجة. كليات الطب والعلوم الصحية نشطة في هذا المجال، وتخصص التعليم الطبي أصبح من التخصصات العلمية المعتمدة لتطوير بناء وتصميم المناهج. التوأمة والعمل في نظم شراكات دولية مع جامعات مرموقة لتطوير المناهج أصبح ملاحظًا في كثير من كليات الطب. فنحن في كلية طب جامعة أم القرى لنا تجربة شراكة من نوع خاص مع UCL لندن، وطب جامعة طيبة لها شراكة مع Unversity of Manchester، وجامعة الدمام مع Mounach وغيرها.
برامج الرؤية والتركيز على معالجة مواقع الخلل في الخدمات الصحية:
ذهب د. رياض نجم إلى أن برنامج التحوُّل الصحي لا شك هو أحد أهم برامج رؤية المملكة ٢٠٣٠، ليس فقط لأنه يسعى لرفع كفاءة الخدمات الصحية المقدمة؛ لكن لأنه يركِّز على مواقع الخلل في تزايد الطلب على الخدمات الصحية ويسعى إلى معالجتها لتقليل حاجة المواطن والمقيم لهذه الخدمات، وحتى يعيش حياة بجودة أعلى دون الذهاب للمستشفيات، هذا هو الجانب الذي يلزم التركيز عليه. والتحدي الكبير هو أن هذه المعالجات ليست في وزارة الصحة وإنما في قطاعات أخرى، مثل: (المدارس، الجامعات، المرور، النقل، تلوث البيئة، الغذاء، التوعية، وسائل الإعلام، استخدام وسائل الاتصال… إلخ).
فكيف نستطيع أن ننفِّذ هذا الجزء من برنامج التحوُّل؟ وهل هناك مؤشرات يمكن بواسطتها قياس تأثير هذه العوامل على حجم الخدمات الصحية المطلوب تأمينها؟
التحدي الكبير الآخر هو في تحوُّل وزارة الصحة من مزوِّد ومُنظِّم خدمة إلى مُنظِّم فقط. النموذج على الورق واضح، لكن كيف يمكن تطبيقه من الناحية العملية والتنظيمية، خصوصًا التعامل مع ٢٤٠،٠٠٠ موظف حاليًّا في وزارة الصحة؟ معظم هؤلاء لن تحتاجهم الوزارة عندما تتحول إلى مُنظِّم فقط.
أضافت د. عبير برهمين أنها تشارك د. رياض نفس التساؤل؛ لأن طريقة التنفيذ تبدو مبهمةً حاليًّا بالنسبة لعدد كبير من منسوبي الصحة، إذ إن هناك هاجسًا عمَّا ستكون عليه أدوارهم في المستقبل القريب، وما إذا كان الأمان الوظيفي للوظائف الحكومية يتلاشى؟ وغيرها من الأسئلة تدور في أذهان الكثير منهم حاليًّا. التخلي عن دور مُقدِّم الخدمة إلى مجرد مراقب ومشرف الهدف منه تجويد العمل، لكن لا أعرف ما هي مؤشرات الأداء التي ستُعتمد لتحقيق الأهداف المنشودة. والأيام وحدها كفيلة بإثبات نجاح اختيار المؤشرات من عدمه.
أهداف برامج التحوُّل الصحي الاقتصادية:
أوضح م. حسام بحيري أنَّ برامج التحوُّل الصحي لا تزال في طور التأسيس ولا يجب أن تقفز إلى مراحل متقدمة بدون أن يكون لها بنية أساسية قوية تعتمد عليها. لعقود طويلة، خطة وزارة الصحة تنطوي على تقديم الخدمات الصحية اللازمة في جميع أنحاء المملكة بالشكل المطلوب، ومازال هناك مشوار طويل أمامها للتمكُّن من تزويد سكان المملكة بالخدمات الصحية الشاملة، وخصوصًا في الأقاليم التي تفتقد المراكز الصحية المتخصصة، مثل مراكز علاج الأورام والكبد والعلاج الإشعاعي وما شابهها. هناك فَرقٌ كبير بين توفير خدمات صحية عامة وخدمات صحية متخصصة، وهي دائمًا تكون مكملةً لمنظومة البرامج الصحية الشاملة لكي تتمكن من الاستفادة من استثمارات القطاع الخاص في توفير الخدمات الطبية عن طريق برامج التأمين الصحي. وزارة الصحة لمَّا تصل لهذا الهدف حتى الآن؛ ولذلك مازال مبكرًا تقديمُ برامج تأمين صحي شاملة في جميع أنحاء المملكة؛ لأن القطاع الخاص لن يستثمر في منظومة غير مكتملة، وسيكون مطلوبًا منه توفيرُها للمشتركين. البدء في توفير التأمين الصحي في المدن الرئيسة التي يوجد فيها منظومة صحية متكاملة وطرحها على القطاع الخاص سيكون خطوةً في الطريق الصحيح، أما الأقاليم فما زال أمامها مشوار طويل لاكتمال المنظومة.
نقطة أخرى وهي أن سياسة توفير الخدمات الصحية المجانية أصبحت عالة كبيرة على ميزانية الدولة، ولا يمكن الاستمرار فيها على المدى الطويل، لا بد من قصر تقديم الخدمات الطبية المجانية على فئة محدودة من المواطنين غير المشمولين بتغطية طبية تحت شروط ومتطلبات محددة، مثل: المتقاعدين، والعاطلين، والأطفال، وذوي كبار السن.
أما موظفو القطاع الخاص فلا يشملهم؛ لأن القانون يلزم المؤسسات والشركات بتوفير التأمين الصحي لمنسوبيه.
اتفقت د. عبير برهمين مع ما ذهب إليه م. حسام في أن برامج التحوُّل الصحي تحتاج إلى وقت طويل لتنفيذها على أرض الواقع، وحتى التحوُّل الكامل لا بد من استمرار بعض مراكز تقديم الخدمات الصحية التخصصية – كما أشرتُ – مثل علاج الأورام وغيرها. ونعم، ستكون هناك فئة لن تكون مغطاة بالتأمين الصحي، وتحتاج إلى رعاية مجانية بالكامل. السؤال: ماذا لو شعر مَن يدفعون التأمين الصحي بعدم العدالة تجاه هذه الفئات؟ كيف سيمكن إقناعهم؟
أضاف م. حسام بحيري أنه يعتقد أن عدم العدالة في تقديم الخدمات الصحية هي أن لا تشمل الجميع بطريقة أو بأخرى. من الطبيعي أن الشخص الذي لديه تأمين صحي سيكون لديه خدمات مختلفة أفضل من الشخص الذي ليس لديه تأمين. المهم أن يكون هناك رعاية صحية أساسية على الأقل تُقدَّم للأشخاص غير المشمولين بتأمين طبي. هذا لا يعني أن تكون على نفس مستوى الرعاية التي تُقدَّم للأشخاص الذين يتوفر لديهم التأمين الطبي.
علق م. أسامة الكردي بأن هذا دور العيادات الأولية حسب الخطة. التأمين للسعودي مسؤولية الوزارة (أو صاحب العمل)، ولغير السعودي مسؤولية صاحب العمل. وفي حالة عدم تغطية التأمين لخدمة معينة للسعودي تصبح هذه مسؤولية الوزارة.
من جانبه تساءل د. رياض نجم: هل الغرض الأساسي من برنامج التحوُّل الصحي هو توفير الأموال على ميزانية الدولة؟ لا أظن ذلك؛ بل الغرض هو توفير هذه الخدمات لجميع المواطنين في جميع المناطق بعدالة وجودة عالية. الغرض هو تغيير نموذج العمل حتى يصبح أكثر كفاءةً وشموليةً وليس بالضرورة توفير التكاليف.
في النهاية، الدولة ستقوم بدفع قيمة التأمين الصحي للمواطنين المستحقين، والمواطن المقتدر يتحمل جزءًا من هذه التكاليف أو يتحملها كلها.
إلا أن م. حسام بحيري يرى أن ذلك ليس الهدف الأساسي ولكن العامل الاقتصادي يعتبر أحد أهم أهداف البرنامج؛ لأن المخططين في وزارة الصحة يعلمون أن عامل الوقت ضدهم، فبدون ضخ أموال طائلة في القطاع الصحي لن يتمكنوا من تقديم الخدمات الصحية المناسبة. فالتكلفة التشغيلية لأي سرير طبي في مستشفيات وزارة الصحة يتعدى الـ ٣ مليون ريال سنويًّا خلال عقد الألفين الميلادي.
أضافت د. عبير برهمين أن تقليل الإنفاق على القطاع الصحي هو أحد الأهداف المنشودة إضافةً إلى تجويد الخدمة وتقليل وقت الانتظار.
ويرى م. أسامة الكردي أن الأدوية والصيدلانيات جزءٌ مهمٌّ وكبير ومنفصل، وأن المستوصفات والعيادات جزءٌ مهم وكبير ومنفصل. ومنه تبدأ قواعد المعلومات الطبية. كما أنَّ المستشفيات وهي الجزء الأهم سيتم تحويلها إلى شركات Corporatize تديرها (مؤسسات) حكومية عددها بعدد مناطق المملكة أو أقل. هذه المستشفيات تعالج المرضى بموجب تأمينهم الصحي، هذا التأمين بالنسبة للمواطن تشتريه الحكومة من شركات التأمين؛ لأن هذا أقل تكلفةً بمراحل من العلاج المباشر حاليًّا. كما تتكفل الحكومة بتكاليف العلاج الذي لا يغطيه التأمين (كما هو الحال في نظام التأمينات الاجتماعية). وتعمل المستشفيات على أساس تجاري بتقديم الخدمة لكل مَن يحمل تأمينًا صحيًّا من السعوديين والأجانب وتُخصَّص لاحقًا. ومن المتوقع أن ينتج من هذا التنظيم انخفاض كبير في التكاليف يصاحبه توفُّر أوسع للخدمة، ومستقبلًا ارتفاع نوعية الخدمة. وهذه الخطة طرحها منذ سنين طويلة أحد وزراء الصحة السابقين، وهو ما يجري تنفيذه حاليًّا.
مراحل تأسيس وتكاملية التحوُّل:
يعتقد د. عبد الله بن صالح الحمود أن التحوُّل – أي تحوُّل – يُعدُّ منظومةً متكاملة من البنى التحتية والأساسية؛ ولذا لا يمكن إغفال أي مجال يُعدُّ مكملًا للآخر، التحوُّل الصحي المنظم والمكتمل الخدمات يُفترض أن يؤسَّس على مراحل متعددة الأوجه، ومنها ما يلي:
– توافر الإحصائيات ذات الطابع الفني الدقيق الذي يعطي ويمكِّن المشرع من معرفة ما هو متاح من خدمات صحية قائمة.
– أعداد المواطنين والمقيمين على حد سواء.
– التعرف على نسبة الأمراض المعدية والمستعصية.
– التعرُّف على الأسباب الناقلة للأمراض بيئيًّا، فضلًا عن النسب السنوية للإعاقات التي تحدث جراء الحوادث المرورية، والأمراض الوراثية.
– إعداد الكوادر الصحية الوطنية التي قد تحلُّ محل الوافدة تدريجيًّا القائم منها والمتوقع دخولها في القطاع الصحي.
– معرفة أعداد المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية منها والخاصة، واختصاصاتها ودرجة كفاءة كل قطاع على حدة.
– الموازنة المالية المرصودة حاليًّا للقطاع الصحي الحكومي، وما قد يتم رصده في حال تطبيق التأمين الصحي.
– مدى جدوى التمويل الصحي للإقراض الحكومي والإقراض من البنوك التجارية للقطاع الصحي الخاص.
– التعرف على أعداد الكليات الصحية لكافة التخصصات، ومدى إمكانياتها الحالية في قبول خريجي المرحلة الثانوية الراغبين في دراسة الطب البشري والأسنان والتطبيقية والتمريض.
من هنا نبدأ نتعرف عن الإمكانات الحالية التي تدعم بناء مرحلة جديدة، والتي تهدف إلى نَشْر وعي صحي متكامل البناء، فبلوغ الأهداف لن يأتيَ من خلال جهد أو عامل واحد؛ بل لا بد من بناء منظومة متكاملة الأوجه، يكون من خلالها الإستراتيجية التنسيقية بين القطاعات الحكومية مترابط ومتكافئ في العطاء، فالتحوُّل لن يتم من خلال جهة واحدة من وزارة الصحة فحسب، فهناك الجامعات والقطاع الخاص ومراكز التمويل ووزارة الشؤون البلدية والقروية؛ كل هذه الجهات يُفترض أن يكونوا شركاء أساسيين مع وزارة الصحة.
أكدت على ذلك د. عبير برهمين، وأضافت: إننا نحتاج فعلًا إلى مراحل متعددة لتحقيق التحوُّل المنشود، ونحتاج تضافرَ الجهود. وقد وضع د. عبد الله يده على نقطة مهمة جدًّا وهي توفير الإحصائيات ذات الطابع الفني الدقيق. لا أقول إنه لا تتوفر لدينا إحصائيات، ولكن أقول إن بعض الإحصائيات غير دقيقة، فنحن كشعب لا توجد لدينا ثقافة التعامل مع الإحصائيات بأمانة؛ لعدم اقتناع عدد كبير من الشعب بجدواها.
تعميم تجربة إقامة المستشفيات الميدانية المؤقتة:
ترى أ. فائزة العجروش أنه وبما أن تجربة المملكة ممثلة في وزارة الصحة تعتبر ناجحةً بكل المقاييس فيما يخصُّ إقامة المستشفيات الميدانية المؤقتة في أثناء فترة الحج لخدمة وتثقيف وعلاج ملايين الحجاج من مختلف الجنسيات، والشيء نفسه ينطبق على المستشفيات الميدانية في الحد الجنوبي، والعلاج في تلك المستشفيات كان في بعض الأحيان يستلزم إجراءَ عمليات جراحية بالغة الدقة ووجود غرف إنعاش وطاقم طبي على مستوى عالٍ من المهنية والحرفية؛ لذلك لماذا لا تستفيد جميع مناطق المملكة وهجرها النائية من تعميم هذه التجربة الناجحة، بإقامة مستشفيات ميدانية تجوب أنحاء المملكة لخدمة الهجر والقرى النائية أسوةً بالمستشفيات العائمة في مناطق مختلفة من العالم لخدمة المواطنين من كافة المناطق القريبة منها، شريطة توفُّر العوامل التالية:
1. تقديم الرواتب والمزايا الجاذبة للطاقم الطبي الوطني للعمل في تلك المناطق، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: العمل لمدة ثلاثة أشهر متواصلة في المستشفى الميداني يعقبها شهران “إجازة مدفوعة الراتب”.
2. التعاون مع هيئة الإحصاء العامة للعمل سويًا مع وزارة الصحة بعمل استبيان؛ يهدف لمعرفة الحاجة الطبية تتركز في أي مناطق من المملكة أكثر من غيرها لتواجد مثل هذه المستشفيات.
3. يتم اختيار عدة أماكن متوسطة جغرافياً لإقامة مثل هذه المستشفيات لتخدم أكبر شريحة متواجدة في تلك المنطقة والمناطق القريبة منها، ويتغير هذا المكان دوريًّا حسب حاجة سكان المناطق طبيًّا، والمبنية على نتائج الاستبيان المُشار إليه أعلاه.
4. يتم التعاون بين هيئة الإحصاء ووزارة الصحة في توفير قاعدة بيانات صحية شاملة (وهذا ما أشار إليه د. عبد الله الحمود في مداخلته، وأتفق معه تمامًا في هذه النقطة) من خلال حصر وفرز المراجعين، وتحديد نوعية الأمراض المنتشرة في كل منطقة دون غيرها؛ لِيُستنار منها في تحديد أسباب ظهور تلك الأمراض وطرق العلاج والوقاية منها مع العمل المستمر في الوقت نفسه على الثقيف الصحي لمراجعي وساكني تلك المناطق.
5. تزويد مراكز الأبحاث العلمية الطبية بتلك التقارير والبيانات (المشار إليها أعلاه في النقطة 2)؛ للاستفادة منها في وَضْع قاعدة بيانات تُساعد في معرفة جدوى إقامة مستشفيات ثابتة في تلك المناطق من عدمها.
6. إعطاء دورًا أكبر لشركات القطاع الخاص السعودية بمشاركة مع وزارة الصحة في هذا الجانب لبناء وتشغيل مثل هذه المستشفيات، ورفع وتيرة التنسيق فيما بينها لتحقيق الأهداف الوطنية المشتركة، وضمان سرعة الإنجاز في المشروعات، وتحقيق الاستدامة في العمل والأثر عبر المراجعة الدورية لمستوى التنفيذ وتقييم الأداء.
7. حثُّ مواطني تلك القرى والهجر النائية للتبرع بالدم أثناء تواجد المستشفيات الميدانية لديهم، وتكون فرصةً سانحةً لمراكز الأبحاث لإجراء مزيد من البحوث التي قد تساعد على اكتشاف بعض الأمراض الجينية مبكرًا، كما تساعد أيضًا في الحد من انتشار الأوبئة، وتبحث في أسباب ظهور أمراض معينة في منطقة بعينها دون أخرى وتحديد طرق الوقاية منها.
8. التعاون مع الجهات ذات العلاقة للاستفادة من فترة إقامة تلك المستشفيات الميدانية المتنقلة، بإقامة ندوات ومحاضرات لتثقيف مواطني تلك المناطق دينيًّا وتعليميًّا وصحيًّا، وبأهداف التنمية المستدامة… إلخ.
ومما لا شك فيه أن أهمية نجاح تطبيق مثل هذه الخطوة ستتضح فيما يلي:
• رفع مستويات الرضا عن الخدمات الصحية في جميع مناطق المملكة.
• بناء القدرات والإمكانات اللازمة لتحقيق الأهداف الطموحة لـ رؤية 2030 في مجالات عدة، منها: مجتمع حيوي وصحي، زيادة مساهمة القطاع الخاص، تحقيق أهداف الاستدامة، زيادة عدد الأبحاث العلمية.
• بناء الثقة في المستشفيات الميدانية المتنقلة.
• تخفيف العبء على المستشفيات في المدن الرئيسية.
• تقليل المصاريف العلاجية للمريض ومرافقيه عند انتقالهم من منطقتهم للعلاج في إحدى المدن الكبرى.
التوصيات:
- تعزيز الجانب الوقائي برفع درجة التثقيف الصحي، والاهتمام بالتغذية الصحية والرياضة، والكشف المبكر عن الأمراض المزمنة.
- ضرورة رَفْع الوعي المروري والتقليل من الحوادث المرورية بالتعاون مع إدارة المرور ووزارة الصحة ووزارة الإعلام والتعليم.
- التأكُّد من وجود التشريعات والتنظيمات الإدارية اللازمة، والتي تنظِّم العلاقة بين الجهات والأطراف المعنية ببرامج التحوُّل الصحي.
- ضرورة عمل الجهات المعنية بتناغم دون تضاد. فمثلًا، الترخيص بتوفير المعسلات والتدخين كمحفِّز من هيئة الترفيه للمطاعم والمقاهي يتعارض وتوجه برامج التحوُّل الصحي المعني بجودة الحياة وتعزيز الصحة العامة.
- ضرورة تفصيل الخدمات المشمولة بالتأمين الصحي وآلية تقديم الخدمة بوضوح.
- توفير حوكمة واضحة لنظام التأمين الصحي وشروط التعويضات والتقاضي للمستفيد ومُقدِّم الخدمة وشركات التأمين الصحي.
- إعادة النظر في آلية استقبال المستشفيات التخصصية والمدن الطبية للحالات الطارئة والحرجة التخصصية.
- تفعيل دور القطاع الثالث (الجمعيات التعاونية في القطاع الصحي) وخصوصًا في المناطق الريفية ومدن الأطراف.
- تفعيل دور طبيب العائلة لتقليل خطر الأمراض الوراثية، وتثقيف العائلة صحيًًّا.
- إدخال الذكاء الاصطناعي لخدمات الصحة لتشخيص المرض عن بُعد، وتقديم الرعاية الصحية الأولية.
- المراجعة المستمرة لبرامج التعليم الطبي في كليات الطب والكليات الصحية لضمان جودة المخرجات في المجال الصحي عمومًا.
- بناء برامج متقدمة من الدراسات العليا، وتشجيع إجراء ونَشْر البحوث الصحية والوقائية الخاصة بالمجتمع المحلي.
- رَدْم الفجوة بين مناهج التعليم والتطبيق العملي لتواكب التطلعات المرجوة.
- التركيز على بعض التخصصات الطبية اللازمة للفترة المقبلة والمواكبة للمجالات المستجدة، مثل: تخصص أمراض الشيخوخة والصحة النفسية، وتخصص العلاج الجيني، وغيرها.
- ضرورة اعتماد مؤشرات أداء لقياس تأثير العوامل المختلفة على حجم الخدمات الصحية المطلوبة.
- ضرورة التحوُّل بمراحل متدرجة لضمان تنفيذ البرامج بجودة عالية.
- ضرورة توفير رعاية صحية خاصة مجانية بالكامل لبعض الفئات غير المشمولة بالتأمين الصحي، مثل: المتقاعدين، والعاطلين، والأطفال، وكبار السن.
- تقليل الهدر المالي في ميزانية الصحة بتقنين آلية صرف الدواء، مع ضرورة ضَبْط صرف الدواء في المستشفيات الخاصة وصرفه من أي صيدلية خارج المستشفى على حساب التأمين.
- توفير الإحصائيات ذات الطابع الفني الدقيق لتساعد المُشرِّع على معرفة ما هو متاح من خدمات صحية قائمة.
- دراسة مدى جدوى التمويل الصحي للإقراض الحكومي والإقراض من البنوك التجارية للقطاع الصحي.
- معرفة أعداد الكليات الصحية والتخصصات التي تقدِّمها، وعمل خطة تتناسب واحتياج المرحلة المقبلة من الكوادر الصحية المؤهلة والعمل على توفيرها.
- أن يكون إعداد برامج الوقاية من اختصاص الوزارة، وتنفيذها عن طريق العيادات الأولية.
القضية الثالثة: “زيارات ولي العهد: بوابة اقتصادية وسياسية نحو الشرق”
كاتبة الورقة:
د. نوف الغامدي
المعقبون:
د. صدقة فاضل
م. سالم المري
أ. عبد الرحمن الطريري
إدارة الحوار: أ. جمال ملائكة
الملخص التنفيذي:
أشارت الورقة الرئيسة إلى أن زيارة ولي العهد إلى ثلاث دول محورية في الشرق بداية من باكستان ثم الهند ثم الصين، تعبِّر عن نهج السياسة الخارجية للمملكة، والذي تُحدِّده محاور رئيسية، منها: “محور الثوابت”، ومحور “المتغيرات والمستجدات” على الساحة الدولية. وذهاب سموّه إلى هذا الاتجاه وتلك الدول يخلق للسعودية بُعدًا شرقيًّا مهمًّا وضروريًّا.
كما تعكس الزيارة قوة وثقل السياسة والاقتصاد السعودي عالميًّا؛ خصوصًا في استعراض سمو الأمير محمد بن سلمان للرؤية السعودية 2030 والتحوُّل الاقتصادي 2020م والخصخصة، وإدارة الاحتياطيات النقدية، وجميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، وهو ما يؤكِّد متانة وقوة الاقتصاد السعودي. ومكانة المملكة ووزنها عالميًّا في دعم وصياغة القرار السياسي والاقتصادي المحلي والإقليمي والعالمي، إضافة إلى أنها تبدو رسالة بأن المملكة سوف تبني علاقاتها على أسس جديدة وحديثة، وتقنية متطورة واقتصادية، وسياسية وإستراتيجية. كما أنها ستفتح المجال نحو استثمارات مشتركة ومهمة بين آسيا والمملكة.
وأكدت التعقيبات حول الورقة الرئيسة على أن هذه الجولة استهدفت العمل على تحقيق المصالح المشتركة.
أشارت أيضًا التعقيبات إلى أن هذه الزيارة الآسيوية لسمو ولي العهد أتت لتؤكد إصرار المملكة على تنويع تحالفاتها، وبالتالي خياراتها العسكرية والاقتصادية، بل تحويل العلاقة مع اقتصادات مهمة إلى مرحلة الشراكة.
وأشارت المداخلات التي جرت على الورقة الرئيسة إلى أن سمو ولي العهد يقوم منذ سنوات بدعم علاقات المملكة شرقًا لأسباب عديدة؛ منها الجيو إستراتيجي، ومنها الاقتصادي، ومنها الأمني. وهذا الدعم يتمثل في الاستمرار في تطوير العلاقات مع الصين وروسيا تحديدًا، وتنمية العلاقة مع الهند لأهميتها على المسرح العالمي، حيث تمثِّل هذه الدول الثلاث بُعدًا إستراتيجيًّا مهمًّا سواء من ناحية التوازن السياسي، أو خلق أسواقٍ للمنتجات السعودية، أو “توسيع” الصادرات النفطية، أو التعاون في مجال مكافحة التطرف والإرهاب اللذين تكتوي بنارهما بعض هذه الدول إن لم يكن كلها.
وأوضحت المداخلات أن الوقت قد حان لتعمل وزارة التجارة والاستثمار وصندوق الاستثمارات العامة على وضع برنامج خاص لدعم نشاطات التجارة الخارجية للشركات السعودية. كما أن المملكة تحتاج حاليًّا إلى توظيف الدبلوماسية الناعمة في باكستان والهند والصين من حيث تكثيف الزيارات بين قيادات اجتماعية وفكرية ونظرائهم في هذه الدول. وكذلك التواصل على مستوى المؤسسات العلمية لتبادل الخبرات والتجارب. بالإضافة إلى أهمية موقعنا الروحي في العالم الإسلامي وهو ما يخدم قيادتنا لهذا العالم.
كما أكدت المداخلات على أنه من المهم أن لا يكون هذا التحرك نحو الشرق على حساب التفريط في العلاقات مع الغرب والولايات المتحدة، ولا يجب أن نخرج من احتكار الغرب لنرمي أنفسنا في احتكار الشرق.
وكان من أهم التوصيات التي نجمت عن الحوار:تشجيع الاستثمارات مع هذه الدول وخاصة الصغرى والمتوسطة. فتح مكاتب ملحقية تجارية محترفة ومتمكنة وعلى دراية بالقوانين التجارية في هذه الدول وفي المملكة. ضرورة النظر للصين كسوق مهم للسياحة وليس كدولة استيراد فقط، والاهتمام بالعوامل الجاذبة للسياح من السوق الصيني. التعريف والترويج للمنتجات السعودية من خلال تواجد البعثات السعودية في الخارج. بذل أكبر جهد ممكن وبالتعاون مع الدول المحورية في العالم العربي والعالم الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي لنزع فتيل أزمتي كشمير والإيغور. دعم وتشجيع الأنشطة الخيرية والإنسانية السعودية في هذه الدول. دعم السفارات السعودية في كلٍّ من الصين والهند وباكستان واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية وإندونيسيا بكوادر عالية التأهيل والثقافة والتدريب. تشجيع الفرق التراثية والفنية والأفلام السعودية مع ترجمات محترفة. إقامة معارض ثقافية ودينية وفنية مشتركة. إقامة مركز ثقافي سعودي وبفروعٍ له في كل الدول الآسيوية المركزية. تبني المملكة لمراكز ثقافية تُعنى بتعليم اللغة العربية في هذه الدول. فتح باب ودعم قيام الباحثين وأعضاء هيئة التدريس بتلك الدول ومن المملكة للعمل على مشاريع بحثية وأكاديمية في الجامعات والمراكز ذات العلاقة ضمن كل هذه الدول. التوسُّع في الابتعاث لطلاب الجامعات والدراسات العليا إلى هذه الدول في الجامعات المعترف بها. إعطاء منح لطلاب هذه الدول للدراسة في المملكة. وكذلك دعم إنشاء مراكز أبحاث محلية ذات تأهيل عالٍ لدراسة كل دولة وتاريخها وتوجهاتها السياسية والاجتماعية… إلخ، ومن ثَمَّ تقديم اقتراحات لكيفية التعامل معها. بالإضافة إلى تعريف المواطنين السعوديين في الخارج بالمؤسسات الرسمية الوطنية الخيرية والنسائية، وتشجيعهم للانخراط في الأعمال التطوعية معهم؛ كالمساعدة عند تقديم المعونات والمساعدات التي يقدِّمها مركز الملك سلمان للأعمال الإنسانية والإغاثية في بلد ما لاكتساب الخبرات وتطوير المهارات في العمل التطوعي من جهة، ومن جهة ثانية إبراز صورة مشرفة عن المواطن السعودي، ومن جهة ثالثة زيادة أعداد المتطوعين اتساقًا مع رؤية 2030.
مقدمة:
إن زيارات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لبعض الدول الكبرى في آسيا لها مدلولات كبيرة في دعم مشروع الشراكة مع دول العالم المؤثرة اقتصاديًّا وسياسيًّا، ولها كذلك أهمية جغرافية إستراتيجية واقتصادية اجتماعية، فضلًا عن أهميتها من أجل تحقيق رؤية المملكة 2030. وهي كذلك ترمي إلى الإسهام في تنويع اقتصاد المملكة، وإلى الاستثمار والخبرة الأجنبية.
لذا فقد طرح ملتقى أسبار هذه القضية من خلال ورقة العمل التي قدَّمتها د. نوف الغامدي، وجرت حولها العديد من المداخلات ناقشت: (استثمار المبادرات الاقتصادية لزيارات سمو ولي العهد، التعاون الاقتصادي مع دول جولة ولي العهد، الجانب الاقتصادي لزيارة سمو ولي العهد الآسيوية، سمو ولي العهد وتدعيم علاقات المملكة الخارجية، التحالفات الإستراتيجية في زيارات ولي العهد، الاتجاه نحو الشرق: الأهمية والدلالة، البُعد الإستراتيجي في التحالف مع باكستان، وساطة المملكة بين الهند وباكستان، تنويع العلاقات الدبلوماسية للمملكة، مراكز الدراسات البحثية المتخصصة في دراسة الدول، توظيف وتفعيل القوة الناعمة للمملكة، المملكة والأخذ بأسباب القوة، تماسُك المجتمع من الداخل وقوته قاعدة للقوة الناعمة، رحلة الهند والصين في مؤتمر وزراء الخارجية لدول منظمة التعاون الإسلامي، المملكة بين (الغرب) و(الشرق)، التواصل الثقافي والحضاري مع الشرق: قراءة في زيارات ولي العهد، تفعيل دور زوجات الدبلوماسيين). وفي النهاية طرح الملتقى عددًا من التوصيات المهمة، وذلك من خلال ورقة العمل التي كتبتها الدكتورة نوف الغامدي، وعقَّب عليها كلٌّ من الدكتور صدقة فاضل، والمهندس سالم المري، والأستاذ عبد الرحمن الطريري.
كتبت د. نوف الغامدي: السياسة السعودية اليوم أصبحت قادرةً على إحداث التغيير في إطارين مهمين؛ داخلي وخارجي، وذلك بفضل التغلُّب التدريجي على الكثير من المعوقات والتعقيدات التي كانت تتشكل حول نمطية المملكة وتقليديتها وقيمها المشحونة بطريقة غير مناسبة. والمتابع لسياسة المملكة سيجد أن نهج السياسة الخارجية السعودية تحدِّده محاور رئيسة، ومن تلك المحاور “محور الثوابت”، فمنذ أن تأسست المملكة العربية السعودية على يد الملك الراحل عبد العزيز آل سعود وهي تسير على منوال ومنهج ثابت في سياستها الخارجية، والمبادئ الأساسية التي حكمت ولا تزال تحكم هذا النهج لم تتغير أو تتبدل على مرِّ الزمن، وهي تتمثل في أن أي قرار أو تحرُّك سياسي خارجي تقوم به المملكة العربية السعودية ينبع أساسًا من حقيقة أولية مؤدَّاها أنها جزءٌ من الأمة العربية الإسلامية، ومن الثوابت المهمة أيضًا إيمان المملكة العربية السعودية الراسخ بالسلام العالمي، وبالاستقرار الدولي والإقليمي، كهدف أساس من أهداف سياستها الخارجية، ووضع أسس للعدالة في التعامل بين الدول في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ لقناعتها الثابتة بأنه بدون الاستقرار لن يتسنى للشعوب تحقيق تنميتها وازدهارها ورخائها.
أما المحور الثاني فهو “المتغيرات والمستجدات” على الساحة الدولية، إذ إن هناك عددًا من المستجدات والمتغيرات التي فرضت نفسها على العلاقات الدولية، وحظيت بعناية فائقة من قِبل صانعي القرار السياسي في المملكة، ويتم التعامل معها بكثير من الموضوعية والحكمة والاهتمام، ومنها: قضايا الإرهاب، وحوار الحضارات، وتأثير ثورة الاتصالات والمعلومات على أساليب الدبلوماسية المعاصرة، والتغيُّر في هيكلية العلاقات الدولية. وأخيرًا، “محور التحديات”، فالتهديد الإيراني للأمن والاستقرار في المنطقة يأتي في مقدمة هذه التحديات، ولا ننسى تدخل إيران السافر في الشؤون الداخلية للدول، فمنذ قيام ما يُسمَّى بالثورة الإسلامية في إيران في عام 1979م، وحتى الآن وجدت المملكة العربية السعودية نفسها في مواجهة مستمرة مع التحدي الإيراني الذي أخذ عدة أشكال وصور.
عودة خط الحرير: إنَّ خط الحرير يعود مرة أخرى من خلال زيارة ولي العهد إلى ثلاث دول محورية في الشرق، ويعيد خط الحرير إلى الوجود من خلال قارة آسيا بداية من باكستان ثم الهند، فوجود ولي العهد في هذه المناطق أثبت أنه داعم للخير من خلال ضخ عدد كبير من المشاريع الكبيرة التي سوف تحيي البلدان الثلاثة، وتحيي المملكة من حيث الأيدي العاملة أو العقود التي تعود للمملكة، والعقول التي يقابلها في البلدان الثلاثة؛ ما يعني نوعًا من الشراكة في الشرق الأوسط. لقد أثبتت المملكة أنها تعيد الأمن والاستقرار لعدد كبير من الدول التي تزعزعت، وذهاب سموّه إلى هذا الاتجاه وتلك الدول يخلق للسعودية بُعدًا شرقيًّا، ونتوقّع أن تكون الرؤية ممتدّةً إلى جميع العالم، وكما ذكر سموه ستكون هناك أوروبا جديدة، حيث استطاع ولي العهد أن يغيِّر العقول للأماكن التي ذهب إليها من خلال زياراته، وسبقه إليها خادم الحرمين الشريفين.
زيارة ولي العهد لباكستان:
– (الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني): من خلال الاستقبالات الضخمة التي حصلت في باكستان، وكسر البروتوكولات من أجل السعودية ومن أجل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ فذلك دليل على مكانة السعودية عالميًّا وأهميتها سياسيًّا، وتأتي زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لباكستان في إطار تمييز العلاقات الأصيلة بين البلدين في عامها الـ 72 لتأكيد هذه العلاقة الإستراتيجية بين البلدين في ظل تحولات إستراتيجية تشهدها السياسة العالمية وخاصة المحيط الإقليمي لكليهما، والتحديات التي يواجهها الجانبان، فبعد فترة الاسترخاء الإستراتيجي الذي شهدته سياسة المملكة تجاه منطقة جنوب آسيا، يسعى الأمير محمد بن سلمان لإعادة صياغة علاقات المملكة مع حليفها الآسيوي التقليدي في إسلام آباد، والقوة النووية الإسلامية البارزة في العالم.
ولعل ما يدعم تلك التوجهات المشتركة والتقارب الإستراتيجي بين البلدين، مجموعة من المعطيات التي تدفع في تلك الاتجاهات. فالأزمة التي يعاني منها الاقتصاد الباكستاني، فضلًا عن التحوُّلات الإستراتيجية التي تشهدها منطقة جنوب آسيا مع اتجاه الصين نحو تبني المشروع الاقتصادي المسمَّى “الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني”، كلُّ ذلك يدفع القيادة الباكستانية للتعويل على الدعم السعودي في مواجهة هذه التحديات. ومن جانب آخر، فإن المملكة العربية السعودية تدرك جيدًا تحولات توازنات القوى العالمية، وأهمية باكستان في تلك التحوُّلات، ولا سيما مع الدور الذي تلعبه إسلام آباد مع الصين عبر محور اقتصادي عالمي، وهو ما يجعل المملكة حريصة على الاستفادة من تلك التوجهات الجديدة في السياسة العالمية.
فضلًا عمَّا سبق؛ باكستان كما السعودية لم تسلم من التدخل الإيراني في شؤونها الداخلية، منذ تمكنت ثورة الخميني من الاستيلاء على الحكم في إيران عام 1979. وكالعادة تضرب إيران على الوتر الطائفي على الرغم من عدم ظهور نغمة السنّة والشيعة في باكستان وتعايش الطائفتين فيما بينهما على مدار التاريخ؛ ولذلك يمثِّل السلوك الإيراني الداعم للفوضى وعدم الاستقرار في المحيط الإقليمي لكلا البلدين – سواء في منقطة الشرق الأوسط أو المحيط الآسيوي – محفِّزًا يشجع الجانبين على تعزيز العلاقات السعودية الباكستانية. أيضًا من القواسم المشتركة بين البلدين أنهما من أكثر دول العالم تضرُّرًا واستهدافًا من الإرهابيين، ولديهما تاريخ طويل ومشرف في مكافحة الإرهاب بشتى صوره وأشكاله؛ ولذلك يعمل البلدان معًا على مكافحة الإرهاب والتطرف الذي يعتبر عدوًا مشتركًا لهما عبر تبادل الخبرات؛ لتعزيز سبل هذه المكافحة وفق الأساليب العلمية المدروسة، التي تضمن القضاء على الإرهاب وملاحقة الإرهابيين.
ولقد ذكر مركز بيو الأمريكي للدراسات (Pew Research Center) المتخصص في إجراء أبحاث الشعوب، أن 95% من أبناء الشعب الباكستاني يفضلون ويحترمون العلاقات مع السعودية. ولعلها نسبة عالية ومتفرّدة لا تحدث بالنسبة لخيارات الشعوب، بمختلف فئاتها وأطيافها وتصنيفاتها، في مختلف القارات، من هذا المنطق الإحصائي الدقيق، أصبحت باكستان من أقرب الحلفاء من غير العرب بالنسبة للسعودية، ومن أقرب الحلفاء المسلمين أيضًا، ولعل تقارُب المواقف في منظمة التعاون الإسلامي وعبر التحالف العسكري الإسلامي خيرُ دليل على ذلك. ويشهد التاريخ على مرِّ السنوات الـ 72 من العلاقات بين الرياض وإسلام آباد، أن أقل وصف يُقال عنها إنها “تاريخية ووثيقة وودية للغاية”؛ وهو ما يدعو الطرفين دائمًا إلى تطوير هذه العلاقة الثنائية لأبعد مدى ممكن.
ولقد وقَّعت المملكة العربية السعودية وباكستان مجموعةً من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، بلغت قيمتها الإجمالية 20 مليار دولار، وتضمُّ الاتفاقيات ثلاث مذكرات تفاهم للاستثمار في قطاعات النفط والطاقة المتجدّدة والمعادن خلال الزيارة التي يقوم بها ولي العهد السعودي لباكستان، كما شملت الاتفاقيات مصفاة أرامكو في ميناء جوادر الباكستاني بقيمة 10 مليارات دولار، وهي الأكبر في العالم. كما ركزت الاتفاقيات على توفير الفرص للشباب لتمكينهم من لعب دور رئيس في التنميتين الاجتماعية والاقتصادية. إن إجمالي الصادرات غير النفطية من السعودية إلى جمهورية باكستان الإسلامية خلال الأعوام الخمسة الماضية 17 مليار ريال، وبلغت صادرات المواد الغذائية منها أكثر من 191 مليونًا، ومن مواد البناء أكثر من 365 مليون ريال، وتعيد باكستان – الواقعة في واسطة العقد بين العملاق الصيني شرقًا، ومنطقة الخليج العربي غربًا – اكتشاف أهمية موقعها الإستراتيجي في حركة التجارة العالمية، من خلال ما يُعرف بالكوريدور الاقتصادي الصيني الباكستاني، الذي سيجعل البضائع الصينية تصل للمرة الأولى برًا إلى ميناء Gawader على بحر العرب، ومنها إلى نواحي الأرض، وهنا تكمن أهمية الاستثمار السعودي الذي يعطي دفعًا كبيرًا لهذا الخط الإستراتيجي، الذي يعدُّ جزءًا أساسيًا من طريق الحرير الجديد.
زيارة ولي العهد للهند:
– (علاقات تاريخية وشراكة تجارية): تعدُّ السعودية مصدرًا حيويًّا للطاقة بالنسبة إلى الهند التي تستورد كل احتياجاتها تقريبًا من النفط الخام من السعودية، كما يضيف تعزيز التعاون الأمني بُعدًا جديدًا في العلاقات الثنائية بين نيودلهي والرياض، إذ يُشكِّل الإسلام أيضًا رابطًا حضاريًّا قويًّا بين السعودية والهند؛ نظرًا إلى كون الهند تضمُّ ثالث أكبر عدد من المسلمين في العالم.
العلاقة بين الهند والسعودية، التي لا تزال مقتصرة على الشراكة المتمحورة حول الطاقة منذ عقود، سيجري تطويرها وتحويلها إلى علاقة إستراتيجية متعددة الأبعاد، وقد لعب الأمير محمد بن سلمان ولي العهد دورًا كبيرًا في هذا السياق، كما أظهرت حكومة مودي استعدادًا خاصًّا للتعاون مع السعودية بشأن مجموعة متنوعة من القضايا الأمنية، مثل: التدريبات العسكرية المشتركة، وتبادل المعلومات الاستخبارية، ومكافحة الإرهاب، وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى بذل جهود مشتركة لمكافحة التطرف الديني. وكان ظهور الإرهاب والتطرف مسألة مثيرة للقلق بشكل خاص لكلٍّ من الهند والسعودية. ولأنها لاعب رئيسي في الجغرافيا السياسية الإقليمية، لا تزال السعودية تواجه تحدياتٍ أمنية داخلية وإقليمية.
كما أصبحت السعودية مستثمرًا رئيسًا في الهند، خصوصًا في قطاع البتروكيماويات، وشريكًا مهمًا في الحوار حول القضايا الإستراتيجية، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخبارية ومكافحة الإرهاب.
في المقابل، تعدُّ السعودية بالنسبة إلى الهند شريكًا لا غنى عنه؛ لأنها رابع أكبر شريك تجاري لها بعد الصين والولايات المتحدة والإمارات، وتوفِّر 19% من احتياجات الهند من الطاقة، وكان الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز – رحمه الله – قد قام بزيارة تاريخية للهند عام 2006م، أرسى خلالها أسسًا صلبة للعلاقات الهندية السعودية. وشدَّد “إعلان دلهي” الموقَّع بين البلدين خلال زيارته، على أن الإرهاب آفة “ستقوم الحكومتان بالتعاون الوثيق والفعَّال” فيما بينهما لمحاربته. تبع ذلك “إعلان الرياض” الذي تمَّ توقيعه في عام 2010 خلال زيارة رئيس الوزراء آنذاك “مانموهان سينغ” للسعودية، والتي تنص على التعاون في مجال تبادل المعلومات حول الإرهاب. وقد عزَّزت زيارة مودي في شهر إبريل (نيسان) 2016 للمملكة هذه الشراكة المتنامية.
وشهدت زيارة مودي لعام 2016 إدانة كلا البلدين للإرهاب، والتعهُّد بتعزيز تعاونهما في مكافحته، وتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، بما في ذلك مجالات التعاون الأمني والدفاعي، مع تأكيد البيان المشترك على الحاجة إلى زيادة تبادل زيارات السفن والطائرات وتوريد الأسلحة والذخائر وتطويرها المشترك، وتمَّ تدريب دفعتين من الطلاب العسكريين السعوديين في أكاديمية الدفاع الوطني، الأكاديمية العسكرية الهندية.
وحسب الكاتب الصحافي “راجيف شارما”، “كانت الهند العام الماضي ضيفَ الشرف في مهرجان الجنادرية السعودية، ودعوة السعودية للهند كضيف شرف لمهرجان تراثي وثقافي وطني يحمل رمزية دبلوماسية مهمة للغاية، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أهمية الهند المتنامية بالنسبة إلى السعودية.
حاولت الهند في العصر الحديث، أو منذ عام 1947 بالتحديد، الحفاظ على علاقات قوية مع السعودية، التي تعدُّ قاعدةً تجاريةً مهمة في غرب آسيا. ومع بداية الخمسينيات قام الملك سعود بزيارة تاريخية لنيودلهي، تلتها زيارة رئيس الوزراء جواهر لال نهرو للمملكة عام 1956، لتكون الأساس القوي الذي قام عليه الاحترام المتبادل بين البلدين. وعندما هبطت أنديرا غاندي في السعودية في أكتوبر عام 1982، كانت زيارتها لحظةً فاصلةً في سبيل تعزيز العلاقات الثنائية. وخلال زيارتها التي استغرقت أربعة أيام، لقيت غاندي ترحيبًا وإشادةً رسمية.
ويصف المحللون من نيودلهي اجتماع رئيس الوزراء الهندي مودي مع الأمير محمد بن سلمان في بوينس آيرس، بأنه استمرار للمسار الطبيعي للسياسة الخارجية الهندية في غرب آسيا التي تتسم بروح الاستقلالية الإستراتيجية في جوهرها.
وحسب الكاتب الصحافي “سريموي تالوكدار”، فإنه خلال قمة مجموعة العشرين التي أقيمت في ديسمبر في الأرجنتين، التقى ناريندرا مودي مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في بوينس آيرس في اجتماع ثنائي، وصفه وزير الخارجية فيجاي غوخالي بأنه دافئ وَوديّ، أكد مودي بشكل أساسي أن (التملُّق لن يُحدِّد السياسة الخارجية الهندية)، وقد كان وصول مودي إلى السعودية جزءًا فقط من هذه العملية ذات الأهمية الوطنية، التي تمَّت خلالها مناقشة الاستثمار والشراكات بين البلدين في الكثير من المشاريع سواء في بناء الموانئ والطرق السريعة وغيرها من المشاريع، إضافة إلى الاستثمار في قطاعات التكنولوجيا والزراعة في الهند.
وبينما شكَّلت الاستثمارات جانبًا محدَّدًا من اللقاء، كان دافع مودي الحقيقي هو ضمان قدر من الاستقرار في أسعار الطاقة، حيث تتوجه الهند إلى الانتخابات العامة في غضون بضعة أشهر. وبصفتها أكبر مورد للنفط في العالم، يمكن للسعودية لعب دور حيوي في استقرار أسعار النفط.
زيارة ولي العهد لـ “الصين”:
– (مبادرة الحزام والطريق): تُعدُّ المملكة أكبر شريك تجاري للصين بمنطقتي غرب آسيا والشمال الإفريقي، في وقت تمتد خلاله جذور العلاقات بين البلدين لقرابة 75 عامًا، وتطوَّرت إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة في عام 2016، مع دخول المملكة كشريك طبيعي للصين في مبادرة الحزام والطريق؛ الأمر الذي يجعل بدوره زيارة الأمير محمد بن سلمان لبكين تحمل طابعًا خاصًّا على وقع إستراتيجية اقتصادية غير مسبوقة ترسم ملامح المستقبل، من خلال المواءمة بين “رؤية المملكة 2030” ومبادرة “الحزام والطريق” الصينية وصولًا بالتعاون الاقتصادي بين البلدين إلى أقصى مستويات الشراكة، والتنمية المستقبلية المستدامة، وتحقيق التوافق السياسي، وتوثيق التعاون الأمني والعسكري.
وتتطلع المملكة بتوثيق وتقوية علاقاتها مع الصين إلى مشاركة بكين في خُطط رؤية المملكة 2030، حيث تنظر الرياض لبكين كقوة تتطور بوتيرة متناهية السرعة ولا سيما باقتصادها الذي يحتل المرتبة الثانية عالميًّا، وقدراتها الصناعية، وتكنولوجياتها المتطورة، ومعدل صادرتها الضخم للعالم، إضافةً إلى كونها أكبر دول العالم تعدادًا للسكان وتملك واحدًا من أكبر جيوش الأرض، في حين تسير المملكة نحو الريادة العالمية بمشروعات رؤية 2030 التي تضمُّ عشرات البرامج التنموية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل، وتجهيز المملكة لمرحلة ما بعد النفط، ورَفْع نسبة الصادرات غير النفطية إلى 50 في المئة من الناتج المحلي، وتقدُّم المملكة إلى المراتب الأولى إقليميًّا بمؤشر أداء الخدمات اللوجستية، ورَفْع الاستثمارات الأجنبية، وتحويل البلاد لقوة صناعية كبرى.
أمَّا الصين فتتطلع بقوة إلى تعاون وثيق مع المملكة في مبادرة “الحزام والطريق” التي تهدف لإعادة طريق الحرير القديم للربط الاقتصادي بين أكثر من 70 دولة، وضخ استثمارات تزيد على تريليون دولار بصورة مبدئية، حيث تعي بكين قوة ودور الرياض كعضو عربي وحيد في مجموعة العشرين التي تشكِّل اقتصاد الأرض، وأكبر مصدر للنفط الخام في العالم، وقلب العالمين العربي والإسلامي، وعاصمة القرار العربي، ومن ثَمَّ إمكانية تحويل المملكة كدولة محورية برؤيتها الطموحة إلى عنصر رئيس في مبادرة “الحزام والطريق” بدعم دور الرياض كمركز إستراتيجي واقتصادي حيوي في منطقة الشرق الأوسط والعالم، ومصدر جذب للعديد من الشركات الصينية الطامحة في دخول السوق السعودي الواسع، ومنطلق إقليمي للتحالفات الاقتصادية؛ وهو ما يجعل السعودية معبرًا رئيسًا للحركة التجارية من التنين الصيني إلى دول العالم.
وهنا يبرز التساؤل الأهم: ما القواسم المشتركة بين رؤية 2030 ومبادرة الحزام والطريق التي تُحقِّق النفع للشعبين السعودي والصيني؟
يشكِّل انصهار “رؤية 2030” مع مبادرة “الحزام والطريق” بقواسمهما المشتركة قوةً اقتصادية شاملة تدفع عجلة التطور والتنمية المستدامة في المنطقة والعالم من خلال توافق الأهداف والإستراتيجيات التي يتقدمها “العنصر الجغرافي” في وقت تتمتع خلاله المملكة بموقع إستراتيجي يتيح لها سهولة الوصول إلى القارات الثلاث “آسيا وإفريقيا وأوروبا”، فيتلاقى ذلك مع أهم أهداف مبادرة “الحزام والطريق” التي تسعى في المقام الأول للربط بين هذه القارات الثلاث.
وتتقاطع الرؤية مع المبادرة في تعزيز “الجانب الاستثماري”، فتعمل رؤية 2030 على رفع نسبة مساهمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الناتج القومي للمملكة لتصل إلى 5.7 في المئة خلال الفترة المقبلة، في حين تستهدف مبادرة “الحزام والطريق” توجُّه الشركات الصينية للاستثمار الخارجي بمليارات الدولارات في دول الطريق الجديد، وإقامة مناطق لوجستية تعزِّز الدخول القومية للدول، وتفيد شعوب العالم.
وتتلاقى “الرؤية” مع “المبادرة” في خَفْض مستويات البطالة، حيث تعمل رؤية المملكة على خفض معدل البطالة من نسبة 11.6 في المئة إلى 7 في المئة بمخرجات الرؤية خلال الفترة المقبلة، وكذلك تمكين المرأة السعودية ورفع مساهمتها في الاقتصاد المحلي، في وقت تستهدف خلاله المبادرة الصينية تشغيل الملايين من الجنسين من أبناء دول “الحزام والطريق” في مشروعاته الضخمة من البنى التحتية وآليات تحفيز التجارة البينية.
وترتبط الرؤية السعودية بالمبادرة الصينية في تحدي “تعزيز الاستدامة”، فتسعى المملكة عبر رؤيتها نحو تحقيق “التنمية المستدامة” بأبعادها الثلاثة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، فأولت اهتمامًا واسعًا بقطاع الطاقة المتجددة، وإنتاج الطاقة النووية السليمة، وتُخطِّط لإنتاج أكثر من 200 جيجا واط طاقة متجددة بحلول العام 2030. كما أولت اهتمامًا كبيرًا بالاقتصاد الرقمي، بتعزيز مجالات تقنية المعلومات والاتصالات، وتشجيع الاستثمار فيها، وهذا ما يتلاقى بقوة مع طموح التنين الصيني في جعل مبادرة “الحزام والطريق” منطلقًا لتحقيق التنمية المستدامة من خلال نَشْر الاستثمارات الصينية والإقليمية في مجالات الطاقة المتجددة، واقتصاد المعلومات.
وتتقاطع رؤية 2030 مع مبادرة الحزام والطريق في عنصر “التوازن المالي” الذي يعني تساوي إيرادات الدولة مع نفقاتها، فتعمل الرؤية السعودية على الوصول إلى التوازن المالي بحلول العام 2023، عبر 5 محاور أساسية تشمل تصحيح أسعار الطاقة، وزيادة الإيرادات الحكومية، ورَفْع كفاءة الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي، وتنمية القطاع الخاص، وتوجيه الدعم لمستحقيه؛ ومن ثَمَّ زيادة نسبة العائدات الحكومية غير النفطية من 163 مليار ريال حاليًّا إلى تريليون ريال، وهذا ما يتماشى مع أهداف المبادرة الصينية التي تستهدف ربط الدول المنضمة لها بشبكة تجارية قائمة على التكاملية الاقتصادية الهادفة إلى تعزيز الدخول المحلية لهذه الدول بإتاحة المشروعات والبنى التحتية، والمدن الاقتصادية اللازمة لدعم ميزانياتها وصولًا للتوازن المالي.
كما تتلاقى الرؤية السعودية مع المبادرة الصينية في هدف “تحقيق الأمن الغذائي والمائي”، فتبنت المملكة خططًا عبر رؤية 2030 تستهدف الإسهام في تحقيق الأمن الغذائي والمائي من خلال 59 مبادرة تشمل ابتكار الحلول لتعزيز استدامة الأمن الغذائي والمائي، والحفاظ على البيئة، ورَفْع كفاءة الخدمات المختلفة؛ في حين تستهدف مبادرة “الحزام والطريق” دَعْم شعوب الدول النامية في تحقيق الأمن الغذائي من خلال تنشيط التجارة، والاستثمار في المجالات الزراعية، وتوفير تقنيات محطات تحلية المياه.
ويفتح توافق الأهداف والإستراتيجيات بين “رؤية 2030” ومبادرة “الحزام والطريق” الأبوابَ أمام التكامل الاقتصادي بين البلدين، في وقت توفِّر خلاله رؤية المملكة فرصًا لا مثيل لها أمام الاستثمارات الصينية، فالسعودية تظلُّ مصدرَ النفط الموثوق عالميًّا الذي يوفِّر نسبةً كبيرة من واردات الصين من الطاقة، ويبرز عدد من العوامل المساعدة للجانب الصيني في الاستثمار بالمملكة يتقدمها التكلفة المنخفضة لأراضي المملكة المتاحة للمصانع، وازدهار السوق السعودية وشموليتها لأسواق المنطقة، وتوفُّر البيئة الداعمة لتدريب الموارد البشرية.
وتُشجِّع الرؤية السعودية دعم الشركات الصينية العملاقة بفرص استثمارية في المملكة، بمشروعات البنى التحتية، والإسكان، والصناعات التحويلية، ومجالات الفضاء والطاقة المتجددة، والتصنيع، والمنتجات البتروكيميائية، وقطاعات الثقافة والسياحة، والتواصل الفكري، وتعميق الحوار الحضاري، وتوثيق التعاون الأمني والعسكري، والعديد من المجالات الأخرى ذات الأولوية ضمن رؤية 2030، ويعزز دور المملكة في بناء مبادرة الحزام والطريق من الرؤية المستقبلية للتنسيق الإستراتيجي وترسيخه بين البلدين، والدفع بعجلة النمو للاقتصاد الإقليمي والعالمي.
كما تنقل المواءمة بين الرؤية والمبادرة مستوى التعاون العلمي والثقافي إلى آفاق أرحب مع وجود أكثر من 1000 مبتعث سعودي في الصين، غالبيتهم يتحدثون اللغة الصينية.
أمَّا على الصعيد السياسي، فتدفع المواءمة بين رؤية 2030 ومبادرة “الحزام والطريق” الرياض وبكين نحو علاقات سياسية متينة، في وقت تريد خلاله بكين منطقة الخليج خاليةً من الفوضى والاضطرابات حفاظًا على مصدر طاقتها الرئيس، وكونها محورًا أساسيًّا لطريق الحرير الجديد، إضافة لكون الخليج وجهةً أساسية للصين تعمل كمتنفس جيد لها في حربها الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وترغب الصين في ضمان حالة الاستقرار في المنطقة؛ لزيادة أسواق التبادل التجاري والتصدير، ومنع تأثُّرها بمحاولات الهيمنة الخارجية، فضلًا عن العمل مع السعودية على حلحلة العديد من الأزمات الدولية، ونزع فتيل الصراعات، والتصدي لظاهرة الإرهاب، لتحقيق السلم المنشود.
ختامًا؛ لدينا أصدقاء آخرون حول العالم. تعكس الزيارة قوة وثقل السياسة والاقتصاد السعودي عالميًّا، خصوصًا في استعراض سمو الأمير محمد بن سلمان للرؤية السعودية 2030 والتحوُّل الاقتصادي 2020م والخصخصة، وإدارة الاحتياطيات النقدية، وجميع الأنشطة الاقتصادية، والاستثمارية، وهو ما يؤكد متانة وقوة الاقتصاد السعودي. ومكانة المملكة ووزنها عالميًا في دعم وصياغة القرار السياسي والاقتصادي، المحلي والإقليمي والعالمي. إن المملكة سوف تبني علاقاتها على أسس جديدة وحديثة، وتقنية متطورة واقتصادية، وسياسية وإستراتيجية، وستفتح المجال نحو استثمارات مشتركة ومهمة بين آسيا والمملكة.
وتبدو رسالة السعودية إلى الغرب مزدوجة: فعبر التوجُّه إلى أمم كبرى ومهمة في آسيا، تقول السعودية: “لدينا أصدقاء آخرون حول العالم وهم سعداء بالتعاون التجاري معنا”؛ وعبر إرسال سفيرة شابة إلى واشنطن، تقول السعودية: “نعلم أن لدينا مساحةً لنتجمل، ومن ثَمَّ فنحن سعداء بأن نستمع لما يجب أن تقولوه”.
عقَّب د. صدقة فاضل: كما نعرف، فإن أبرز تحالفات المملكة تتم مع أمريكا والغرب المتنفذ. كما تحتفظ المملكة بعلاقات طيبة مع أغلب دول العالم، غربيها وشرقيها. وتظلُّ سياسة المملكة الخارجية تدور في أربعة محاور: الدائرة الخليجية، الدائرة العربية، ثم الإسلامية والنامية، ثم دائرة الدول الكبرى والعظمى. وتهتم السياسة الخارجية كغيرها، مع كل طرف دولي تتعامل معه، بالشؤون الثنائية، ثم بالقضايا ذات الاهتمام المشترك.
ارتباط المملكة بأمريكا والغرب المتنفذ هو الارتباط الأقوى سياسيًّا وأمنيًّا. ولكن البلاد أخذت منذ عقود تعمل على “تنويع” التحالفات السعودية، لتشمل دولًا مختلفة في مقدمتها أمريكا والغرب المتنفذ، ومنافسيهم الأكثر بروزًا، وفي مقدمتهم روسيا والصين والهند واليابان… إلخ. اتجهت السياسة السعرية شرقًا، ولم تحصر علاقاتها وتحالفها مع الغرب فقط، وهذا عين الصواب. فمن أفضل التوجهات السياسية الخارجية أن تحتفظ الدولة – أي دولة – بكل الدول كأصدقاء، وأن تحرص على أن لا يكون لها أعداء (صفر مشاكل)، بصرف النظر عن مدى اختلافها القيمي والمصلحي معهم.
وفي هذا الإطار تمت الجولة الميمونة التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لكل من باكستان والهند والصين. هذه الجولة استهدفت العملَ على تحقيق المصالح المشتركة، واتقاء الأخطار المشتركة كأفضل ما يكون ذلك التحقيق وهذا الاتقاء. والمتوقع أن يتحقق هذا الهدف الكبير، ويعود بالخير على كل الأطراف المعنيين. وهناك ما يُعرف بالنفوذ الحتمي والتلقائي للدول على بعضها البعض. فالدولة الأقوى تكون أقدر على تحقيق أهداف سياساتها الخارجية من الدولة الأضعف، والدولة الأقوى تكون أقوى على الأضعف منها، وأضعف أمام الدول الأقوى منها. ولكن هناك تفاوت في مدى القوة والنفوذ بين الدول. الدولة القوية داخليًّا، والتي لديها برلمان تمثيلي حقيقي، تكون أقوى نسبيًا. ويصعب على الدول الأقوى منها أن تُخضِعها لأوامرها، كما تخضع، وربما تبتز الدولة التي ليس لديها برلمان حقيقي. من هنا تأتى قوة الدولة الخارجية من قوتها الداخلية.
وعقَّب م. سالم المري: أتفقُ مع د. نوف في إمكانية تعليل وإرجاع التوجه الجديد للسياسة السعودية نحو الشرق إلى محورين رئيسيين يمكن تسميتهما: محور الثوابت ومحور المتغيرات في السياسة المعاصرة، ويمكن بالإضافة إلى ما ذكرت د. نوف حول المحورين السابقين أذكر ما يلي:
أولًا: محور الثوابت:
– البعد العربي والإسلامي: مجريات وأحداث القضايا العربية والإسلامية القديمة والمعاصرة تحتم على أي دولة محورية تعتبر نفسها أصل العرب ومنبع الإسلام كالسعودية؛ النظر بعين الشك والارتياب في نوايا الغرب وسياساته تجاه قضايا العالم العربي والإسلامي وخاصة قضية فلسطين.
وقد كانت ومازالت مشكلة القادة العرب والسعوديين على وجه الخصوص مع الدول الغربية وخاصة مع الدولتين البروتستانتيتين المدعيتين للعلمانية (الأمريكان والإنجليز) هي أن بعض الشخصيات المسيطرة على السلطة متطرفة دينيًّا، وهم صهاينة بالاختيار، ويرون أن صهيونيتهم واجب ديني قبل كونه اتجاهًا سياسيًّا؛ ولذلك فهم منحازون بفجاجة ظالمة في الصراع العربي الصهيوني، والإسرائيليون في نظرهم شعب الله المختار وقوى الخير، والفلسطينيون والعرب هم قوى الشر.
وهناك سابقة تاريخية في تحوُّل مسار السياسة الخارجية السعودية بسبب القضايا العربية والإسلامية وذلك عندما حوَّل الملك المؤسِّس بوصلة السياسة الخارجية السعودية من بريطانيا إلى الولايات المتحدة. وكان لمواقف بريطانيا من القضية الفلسطينية وتواطؤ الانتداب البريطاني مع اليهود ضد الفلسطينيين (في رأيي) الدور الأكبر لتحوُّل البوصلة السعودية من الإنجليز إلى الأمريكان سياسيًّا واقتصاديًّا آنذاك.
والتاريخ اليوم يعيد نفسه، ولكنَّ الأمريكان هذه المرة يُعتبَرون الأب الروحي لتغوُّل العدوان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة. والشواهد كثيرة على انحياز الولايات المتحدة لصالح إسرائيل على حساب المصالح العربية، ومن ذلك العدد الهائل من قرارات الفيتو في مجلس الأمن ضد الشعب الفلسطيني.
– الاستقرار والسلم العالميين: المتتبع للأحداث في العقود الماضية يدرك مدى أهمية الاستقرار والسلم لدولة نامية تعتمد على تصدير ثروة طبيعية كالنفط دخلًا رئيسيًا لها، وتستورد معظم احتياجاتها من الخارج، وفي الوقت نفسه نجد أن الدول الغربية بما في ذلك روسيا وخاصةً الولايات المتحدة ركنًا أساسيًا في معظم القلاقل والحروب التي شهدتها المنطقة والعالم، بل قد لا يكون من المبالغة إذا قلنا إن الاستعمار القديم قد عاد كما هو إلى المشرق العربي (المحيط الإقليمي للسعودية) بمباركة الدول الغربية. وقد تفننت الدول الغربية الكبرى في اللعب بالاستقرار مُستخدِمةً قدراتها التسليحية سواء في المبالغة في أسعار السلاح أو في حظره عن الدول التي لا تروقها سياساتها أو في ترجيح كفة على أخرى بنوعية التسليح. والمثال الشاهد الاعتراض المتكرر للكونجرس الأمريكي على بيع أي سلاح متقدِّم للعرب؛ لمنع تحقيق أي توازن في القوى مع إسرائيل التي يعتبرها العرب القوة المعادية الرئيسة في المنطقة، ومن ذلك الاعتراض الشهير على بيع الأواكس للسعودية في الثمانينيات وسياسات خفض مواصفات وميزات الطائرات الأمريكية التي تُباع للدول العربية.
– المصالح الاقتصادية: ومن المعروف أن الأسواق الصاعدة المحتاجة لاستهلاك الطاقة هي أيضًا من أولويات السياسة السعودية لتصريف منتجاتها من البترول والصناعات المعتمدة على ذلك، والصين ودول القارة الهندية من أكثر مناطق العالم كثافةً سكانية وتستهلك نسبة كبيرة من البترول، ومن المتوقع أن تزيد وارداتها في المستقبل وتصبح المستهلك الرئيس للمنتجات البترولية. وفي المقابل كشَّرت الولايات المتحدة عن أنيابها وبشكل مكشوف كقوة استعمارية تضغط لاستغلال الموارد البترولية لخدمة مصالحها الاقتصادية، وتتدخل في السياسات الداخلية للدول الأخرى.
ثانيًا: المتغيرات السياسية المعاصرة:
تعرَّضت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة لمواقف سياسية خشنة من بعض الدول الغربية الكبرى، ومن الولايات المتحدة على وجه الخصوص، والتي عبَّرت عن بعض سياساتها بفجاجة وبطرق مهينة سواء في عهد الجمهوريين الذين سلَّموا العراق لإيران وتجاهلوا مصالح وأمن حلفائهم العرب، أو عهد الديمقراطيين الذين قرروا تفتيت العالم العربي لصالح قوى إقليمية كإيران وإسرائيل وتركيا، أو في العهد الحاضر للجمهوريين والتصريحات ذات الطابع الاستعماري المتغطرس التي يطلقها ترامب من حين إلى آخر؛ كالتوعد بجعل الخليجيين يدفعون، وإصدار التصريحات التي تتدخل في السياسات البترولية بشكل علني وفج دون اعتبار لمصالح دول حليفة وصديقة وقفت معهم لعقود طويلة، مثل السعودية وبعض الدول العربية الأخرى.
وما يحصل الآن من إطالة لأزمة اليمن، دليلٌ واضح على كيفية تأثير استغلال الدول الغربية لسلاحها كعامل ضاغط ومحدد لسياسات دول التحالف العربي خاصة المملكة والإمارات. وكذلك ما يحاول القيام به الآن بعض أعضاء الكونجرس من سنِّ تشريع يعطي الكونجرس الأمريكي حق التحكُّم في صفقات نقل التكنولوجيا النووية للسعودية، في حين تركت الولايات المتحدة الحبل على آخره لإيران وإسرائيل للحصول على تكنولوجيا تصنيع الصواريخ والتكنولوجيا النووية. كل هذه السياسات العدائية والاستعمارية تجعل من الصعب على أي سياسي عربي قوي مخلص عدم البحث عن بديل.
– المصالح المشتركة مع دول الزيارة:
باكستان: هي أقرب حلفاء السعودية من بين الدول الإسلامية، وتربطهما علاقات عسكرية وسياسية وثيقة وقديمة، وباكستان هي الدولة المسلمة الوحيدة التي تملك أسلحةً نوويةً وتملك جيشًا من أكبر الجيوش في العالم، وهو ما يجعلها ذات أهمية خاصة للسعودية التي تسعى لتحقيق توازن رادع في القوة العسكرية بينها وبين القوتين الإقليميتين (إسرائيل وإيران)، مما يجعلها بحاجة للاستفادة من الخبرات الباكستانية في مجال تقنية الصواريخ البالستية والطاقة النووية. وسبق وصرَّحت هيئة الإذاعة البريطانية عام ٢٠١٣م أن السعودية استثمرت في المشاريع النووية الباكستانية برغم نفي الدولتين لهذا النبأ. وتتسم سياسات الدولتين بالتوافق تجاه القضايا الإقليمية كقضية فلسطين وأفغانستان والتدخلات الإيرانية في المنطقة، إضافةً إلى ذلك يجمعهما كونهما دولتين محوريتين في مبادرة الجار الصيني الكبير “الحزام والطريق”.
الهند: جمهورية الهند ثالث أكبر اقتصاد آسيوي، ومن الدول التي يُتوقَّع أن تشهد نموًّا اقتصاديًّا يتراوح بين 7 إلى 8% في المدى المنظور، وهو ما يجعل استهلاكها للنفط في تزايد مطّرد. وتحتل المملكة المركز الثاني بين موردي النفط للهند. وتُصنَّف السعودية بأنها الشريك التجاري الرابع للهند بعد الصين والولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة، كما أن إطلالة الهند على المحيط الهندي وتأزُّم علاقاتها مع باكستان يجعل لعلاقاتها بالمملكة أهميةً قصوى للحفاظ على السلم في منطقة جنوب غرب آسيوي.
الصين: تعتبر السعودية اليوم أكبر مورد للنفط الخام للصين منذ نهاية ٢٠١٨م، وتحتل الصين المرتبة الأولى من بين أكبر 10 دول مستوردة من المملكة، والمرتبة الأولى كذلك من بين أكبر 10 دول مصدرة للمملكة، كما أن الصين عضو في مجلس الأمن الدولي ودولة كبرى تملك حق النقض (الفيتو). ولدى الصين تقنية مجربة في تقنية الطاقة النووية، إضافة إلى القدرات الصناعية الصينية الفائقة التي غزت العالم.
وجميع العوامل السابقة تعتبر أسبابًا رئيسة ومؤثرة تُعلِّل منطقية التوجه السعودي إلى الشرق.
ولذلك ليس من الغريب أن تتحرك بوصلة السياسة السعودية في العهد السعودي الجديد بقيادة الملك سلمان وولي عهده إلى قوى جديدة صاعدة، ليس لها مواقف معادية، ولا تتعارض مصالحها مع المصالح أو الثوابت السعودية.
وختامًا؛ أتساءل: كيف يمكن أن نجعل هذا التوجه قابلًا للتحقق على أرض الواقع؟ وكيف يمكن تلافي سلبيات مواقف الدول الغربية المتضررة من هذا التوجه؟
كما عقَّب أ. عبد الرحمن الطريري: أتت الزيارة الآسيوية الأولى لسمو ولي العهد -في هذا المنصب – لتؤكد إصرار المملكة على تنويع تحالفاتها، وبالتالي خياراتها العسكرية والاقتصادية، بل تحويل العلاقة مع اقتصادات مهمة إلى مرحلة الشراكة.
الهند والصين يُعَدَّان من أهم الاقتصاديات في العالم، وقد تأخرنا كثيرًا في تطوير علاقاتنا بالهند تبعًا لطبيعة العلاقة التاريخية مع باكستان، والنزاعات المستمرة بين البلدين، واليوم نجحت المملكة في صنع علاقة متوازنة بين الطرفين، يجعلها أحد أكثر الأطراف قدرةً على عقد الوساطة بين الطرفين.
باكستان شريكٌ إستراتيجي للمملكة، لديها حدود تمتد لـ2600 كلم مع أفغانستان، وهي البلد الذي لو شهد استقرارًا فإن ذلك سيقضي على فرص نمو الإرهاب بشكل كبير، وخلال زيارتنا لإسلام آباد تبين نجاح هذا البلد في القضاء على الإرهاب خلال العقد الأخير.
لكن باكستان من ناحية أخرى، تعاني من وضع اقتصادي سيئ جدًّا، فقد خُفِّض تصنيفه من B إلى B-، ويعاني من انخفاض في الاحتياطي الأجنبي حيث يبلغ حوالي 8 مليارات دولار فقط، ويستعد ليكون أحد أهم مسارات طرق الحرير إلى بحر العرب، عبر ميناء جوادر الذي أصبح فيه أكبر استثمارات أرامكو بمصفاة تبلغ قيمتها عشرة مليارات دولار، وهو ما يعزز شراكة المملكة في هذا الطريق، ويعطي لباكستان مساحة للتفاوض مع الجانب الصيني.
باكستان لديها طبيعة خلابة، وجبال تتجاوز جبال سويسرا، وتنوُّع جغرافي كبير، لكنها أرضٌ خام على المستوى السياحي، وتفتقر إلى البنية التحتية من مرافقَ سياحية وشبكات نقل وخلافه، وهذا يفتح فرصه للمستثمرين السعوديين لتحقيق عوائد جيدة، والإسهام في نمو الاقتصاد الباكستاني، ولا سيما أنها البلد الثاني في عدد الشيعة بعد إيران، وهناك مساعٍ كبيرة لاختراقها من جانب طهران.
اللافت للنظر في باكستان أيضًا أنَّ لديها خبرةً واسعة في مجال الموسيقى والأفلام، إذ يقول وزير الإعلام الباكستاني حين التقيته، إن الأفلام تُصنع في الهند بموسيقى باكستانية، كما أنها خلال فترة الستينيات والسبعينيات الميلادية كانت ثالث أكبر منتج أفلام في العالم، وهذا يفتح أيضًا مجالًا للتعاون.
بالطبع كانت باكستان أكثر الدول الثلاث التي شهدت ترحيبًا شعبيًا بالزيارة، تأكيدًا بما للمملكة ولسمو ولي العهد من مكانة دولية.
في الهند كان الترحيب كبيرًا على المستوى الرسمي، وتكرر كسر البرتوكول كما في إسلام آباد. وعلى الرغم من أهمية النفط في العلاقة بين السعودية والهند، إلا أن ما يميز هذه الزيارة هو تجاوز العلاقة النفطية، وترسيخ التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، والتعاون في المجالات التقنية، ودخول المملكة في الاتحاد الذي أسسته الهند للطاقة الشمسية.
خلال لقائنا مع كُتَّاب وصحفيين من الهند، كان لافتًا تعليقهم على أن مصادرهم حول المملكة هي الصحافة الغربية، وأننا لا نملكُ منصات تتواصل مع آسيا، فالهند والصين تمثِّلان أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية، وكثير منهم لا يتحدث الإنجليزية بطلاقة، فنحتاج أن نكلِّم الشعوب بلغتهم، ولعلَّ إقرار اللغة الصينية خطوةً جيدة في هذا السياق، خاصة أن الصين وإن بدت دون أجندة سياسية في الشرق الأوسط، إلا أن ميزانيات التسليح الكبيرة، وطرق الحرير التي تصل إلى إفريقيا، لا تعني أنهم بلا أجندة سياسية، بل على الأرجح إنه لما يحن الوقت المناسب لإعلانها بعدُ.
الصين تُعدُّ سُوقًا كبيرة للنفط السعودي والبتروكيماويات، واستمرار النمو يوفِّر سوقًا مثاليًا للمملكة، يساعدها في تحقيق خطط الرؤية، كما أن العديد من المستثمرين في الهند والصين متحمسون للاستثمار في المملكة، وخصوصًا في المشاريع الواعدة مثل نيوم. واستمرار التعريف بالفرص الاستثمارية والحوافز مهمٌّ بعد الزيارة كذلك، ودعوة المستثمرين لزيارة المشاريع السعودية سيحقق أثرًا كبيرًا.
المداخلات:
استثمار المبادرات الاقتصادية لزيارات سمو ولي العهد:
أوضح د. عبد العزيز الحرقان أن المؤسسات القادرة على استثمار المبادرات الاقتصادية لزيارات سمو ولي العهد هي الشركات العالمية الضخمة، ولكن الشركات السعودية الكبرى والمتوسطة الصغيرة غير قادرة على دخول الأسواق العالمية. تحتاج هذه الشركات إلى المساعدة في التعامل القانوني والتجاري مع هذه الدول، وفي دعم تمويل صادراتها، وفي تمويل عملياتها التشغيلية.
وقد يكون الوقت قد حان لتعمل وزارة التجارة والاستثمار ووزارة التجارة وصندوق الاستثمارات العامة لوضع برنامج خاص لدعم نشاطات التجارة الخارجية للشركات السعودية.
التعاون الاقتصادي مع دول جولة ولي العهد:
أكد د. خالد الرديعان أن جولة سمو ولي العهد الآسيوية (باكستان، الهند، الصين) ضرورية للغاية، وتأتي في وقت مناسب جدًّا. ولا شك أن أهداف الزيارة اقتصادية، وهذا في حد ذاته يعدُّ مبررًا كافيًا، دون أن نتوقع الكثير من هذه الدول الآسيوية على الصعيد السياسي والتأثير على مجريات السياسة العالمية، باستثناء الدور المحدود والخجول للصين في مجلس الأمن، وهو دور غير فاعل بدرجة كافية مقارنة بالدول الأربع الأخرى؛ فدور الصين لا يتوافق مع حجمها وقوتها الاقتصادية المتنامية.
لعلَّ الزيارة تكون فاتحةَ خير في تعاون اقتصادي بَنَّاء بين هذه الدول لخَلْق توازن مطلوب عوضًا عن الاعتماد التام على الغرب الذي يمارس الابتزاز واستخدام كل الذرائع للضغط على المملكة، وآخرها الموقف الألماني من بيع الأسلحة للسعودية. العلاقة القوية مع الصين ستخلق توازنًا مطلوبًا يُخفِّف من حدة الاعتماد على الغرب؛ شريطة أن لا تكون هذه العلاقة مؤقتةً أو مناورة للضغط على الغرب، والقول لهم إن هناك بديلًا عنكم؛ وهو ما يعني ضرورة تطوير هذه العلاقة وترسيخها بكل السبل.
وفي الوقت ذاته يُفترض أن تستمر العلاقة مع الولايات المتحدة في عقود الأسلحة وتوفير مظلة أمنية للمملكة، فالمنطقة غير مستقرة بسبب الخطر الإيراني وصعوبة التنبؤ بما ستقوم به إيران مستقبلًا.
أما الهند وباكستان فمن الضروري العمل معهما؛ لتوفير العمالة المطلوبة الفنية، وعمل شراكات صناعية واقتصادية مع الدولتين.
وأعتقدُ أن تقوية العلاقة مع باكستان أهم بكثير من العلاقة مع الهند؛ لكون باكستان محاذيةً لإيران، ووجود تنسيق عسكري مع باكستان سيبعث برسالة قوية لإيران للتوقُّف عن عبثها بأمن الخليج. هناك بالطبع برامج تعاون عسكرية مشتركة مع باكستان لكن تطوير هذه الشراكة سيكون مفيدًا للغاية للمملكة لدواعي إستراتيجية، ولا سيما أن باكستان تظلُّ ضمن “بيت الطاعة الأمريكي”، وهي شريك أساسي في مكافحة الإرهاب من خلال بوابة أفغانستان.
أما العلاقة مع الهند – كما ذكرتُ – فتظل ضروريةً بسبب قدرة هذه الدولة على تزويد المملكة بالعمالة الفنية التي تحتاجها، ولما تمتلكه الهند من قاعدة صناعية ومعلوماتية متقدمة نسبيًّا بحيث يمكن الاعتماد عليها دون إثارة حفيظة الباكستانيين الذين يكنُّون عداءً تاريخيًّا للهند بسبب قضية كشمير. أيضًا قد تلعب المملكة دورًا إيجابيًّا في حل هذه القضية بحكم توازن علاقتها مع الطرفين وتغليب الطرفين للمصالح الاقتصادية.
ويرى د. حمد البريثن أن الدول الثلاث لديها تعداد سكاني كبير جدًّا، ونسبيًّا الأيدي العاملة فيها رخيصة، وهذا الوضع يُمثِّل بيئةً خصبةً للاستثمار حسب ما هو معمول به عالميًّا. أضاف أ. جمال ملائكة أن أحد الأسباب الرئيسة للاستثمار هي فعلًا تكلفة العمالة المنافسة، إلا أنه بالطبع هناك أسبابٌ أخرى تمثِّل مع انخفاض تكلفة العمالة عواملَ جاذبة للاستثمار.
الجانب الاقتصادي لزيارة سمو ولي العهد الآسيوية:
وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي لزيارة سمو ولي العهد الآسيوية، ذكر د. عبد الله بن صالح الحمود في مداخلته؛ إن هذه الزيارة التاريخية التي أظهرت للجميع زيادةً في الوضوح والشفافية عن معطيات الاقتصاد السعودي، مشاركة محلية وإقليمية، فضلًا عن منافسة دولية مشهود لها في المحافل الدولية، ولا أدل على ذلك مما يشهده الاقتصاد السعودي من متانة وظهور مُشَرِّف.
ولبناء أسس قوية تُدَعِّم الحفاظ على توازن اقتصادي منشود ومنتظم لا بد من الإتيان بعوامل تُكمل أركان هذا الاقتصاد، ومن هذا المنطلق يُفترض أن تزداد الشفافية في كل بيئة عمل تهدف إلى مزيد من استقطاب وتحفيز المستثمر المحلي والإقليمي والدولي على حد سواء، ومن هذا تسهيل الإجراءات التجارية خصوصًا تصاريح الأعمال، وإعادة النظر في نسب الضرائب. كما أرى أن يُعاد النظر في تملُّك الأجانب للعقارات، وألا يقتصر ذلك على مسكن للمستثمر وعمالته ومقر أنشطته. وثمة نقطة مهمة تعدُّ إحدى الركائز الداعمة للتعريف بالفرص الاستثمارية، ويتمثل ذلك في فتح مكاتب لملاحق تجارية في أغلب السفارات السعودية في البلدان الآسيوية ذات التعامل القوي مع المملكة. ولدعم الكوادر البشرية الوطنية فإن فتح تخصصات لدراسة اللغة الصينية في الجامعات يُعدُّ أمرًا مهمًّا لتطوير العلاقة السياسية والاقتصادية.
سمو ولي العهد وتدعيم علاقات المملكة الخارجية:
أشار أ. جمال ملائكة إلى أن سمو ولي العهد يقوم منذ سنوات بتدعيم علاقات المملكة شرقًا لأسباب عديدة؛ منها الجيو إستراتيجي، ومنها الاقتصادي، ومنها الأمني، وهذا التدعيم هو الاستمرار في تطوير العلاقات مع الصين وروسيا تحديدًا، وتنمية العلاقة مع الهند لأهميتها على المسرح العالمي، حيث تُمثِّل هذه الدول الثلاث بُعدًا إستراتيجيًّا مهمًا سواء من ناحية التوازن السياسي، أو خلق أسواقٍ للمنتجات السعودية، أو “توسيع” الصادرات النفطية (لأسبابٍ لا تخفى على المراقب الاقتصادي)، أو التعاون في مجال مكافحة التطرف والإرهاب اللذين تكتوي بنارهما بعض هذه الدول إن لم يكن كلها.
وهناك بُعدٌ إستراتيجي خطير يتعلق بما تقوم به إيران من تهديد خطير للعالم العربي، يرى الجميع نتائجه في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وحتى في البحرين التي تمَّ وَأْد المؤامرة الإيرانية فيها بالتدخل السعودي الحاسم والحازم.
وبالنسبة لباكستان فلا يَخفى علينا أهمية علاقة المملكة الإستراتيجية معها؛ لما تمثله من عمق إستراتيجي للمملكة أمام أي تهديدٍ عسكري، ووجود جالية باكستانية تصل إلى ٢ مليون شقيق باكستاني على أراضي المملكة ودورهم المهم في دفع العجلة الاقتصادية والتنموية للبلاد. كما لا يفوتنا أن التلكؤ في تطوير العلاقات مع باكستان تحديدًا سيترك المجالَ لإيران لاختراق هذا البلد المحوري والمهم، وقد رأينا محاولات وتحركات إيرانية في ذلك الاتجاه بالفعل.
كما لا يَخفى على أحد ما تقوم به بعض الدول التي كنَّا نعدُّها من “الحلفاء” من اللعب بالمنطقة ومحاولة إثارة الفوضى فيها تمهيدًا لغايات خطيرة على تماسك الدول العربية واستقرارها وتهديد أمنها الوطني خدمةً لأهداف خبيثة تتدثر بثوب نَشر الديمقراطية الكاذب، بل ورأينا كيف هدَّد بعضها بمنع إمدادات السلاح وفرض عقوبات علينا لهذه القضية أو تلك.
لذلك فإن تنويع وتدعيم وتوثيق علاقاتنا مع كافة الدول وخاصة الكبرى منها لم يَعُد ترفًا أو خيارًا بل هو أمرٌ يفرضه الأمن الوطني السياسي والاقتصادي والأمني.
أيضًا، تساءلت د. وفاء طيبة: لماذا لم تشمل زيارة سمو الأمير محمد إندونيسيا؟ وهل ترون أنها زيارة مهمة مثل زيارة الدول الثلاث؟ علَّق أ. جمال ملائكة بأنه سؤال مهم، لكنه أيضًا لم يزر اليابان، وفي الغالب ستكون هناك زيارات في المستقبل، كما أنَّ الأمير سبق أن زار اليابان، والملك زار إندونيسيا.
من جانبها ترى د. وفاء طيبة أن إندونيسيا دولة كبرى آسيويًّا وإسلاميًّا، والملك سلمان هو الذي زار إندونيسيا عند توليه الحكم، وأعتقدُ أن الزيارة كانت الأولى منذ عهد الملك فيصل.
وأوضح د. يوسف الحزيم أن إندونيسيا دولة ذات عدد سكان قرابة 270 مليونًا، وهم قوة إسلامية عددية محبة للمملكة، وسوق نامية ولا سيما مع رئيس وزرائها الأخير، فضلًا عن ذلك بها موارد اقتصادية جيدة. تاريخيًّا لم يُنظر لها بجدية وذلك لعدة أسباب، منها: سيطرة الصين وماليزيا كقوى استثمارية، وضعف القوانين والتشريعات، وعدم الإصرار من جانبنا كإستراتيجية النفس الطويل. إندونيسيا تستحق عبر التحالف مع الحضارم مثلًا، أو في صناديق مشتركة مع ماليزيا أو مع الصين.
التحالفات الإستراتيجية في زيارات ولي العهد:
أوضح د. حامد الشراري أننا نناقش تقوية العلاقة مع ما يُمثِّل نصف عدد سكان الكرة الأرضيّة من خلال استثمار الإيجابيات بقدر المستطاع، وتبيين السلبيات مع وَضع مقترحات حلول لمعالجتها.
بالنسبة لباكستان وما تربطنا معها من علاقة وثيقة متجذرة، لا يمكن أن يمر موقف البرلمان الباكستاني حيال حربنا مع الحوثيين الذي كان غير موافق ومُحبِط للعلاقة التي طالما نتغنى فيها؛ لذا من المهم النظر بعين ثاقبة وبإستراتيجية واضحة لما حدث ومعالجته جذريًّا.
وما يتعلق بالهند؛ فمن المهم توثيق العلاقة معها في التقنية الناعمة. نعرف أن مَن يدير غالب شركات التقنية هم هنود، فمعاهد مثل IIT أتمنى أن أرى لها فرعًا في المملكة أو تعاونًا وثيقًا مع جامعاتنا.
أما موقف الصين وبيعها لنا صواريخ، وتعاونها معنا بالرغم من أنه لا يوجد علاقة بيننا آنذاك، وكان من أهدافها الرئيسيّة دعم اقتصادها في حينه، فهو مؤشر أن الصين لا تضع قيودًا على التعاون في أي مجال. ذاك الموقف الإيجابي يجب أن يقوى ويُستثمر ويُوثَّق كإحدى الركائز والمرجعية للعلاقة بين البلدين.
وأضيف أنه قد يُنظر في إيجاد حلف إستراتيجي قوي بين ثلاث دول (باكستان، السعودية، مصر)، وهذا سيكون له جوانب إيجابية؛ سياسية واقتصادية كبيرة على الدول الثلاث، ويُحقِّق توازنًا سياسيًّا وعسكريًّا، وهو ما قد يكون له دورٌ في استقرار المنطقة، وهذا بكل تأكيد ينعكس بالإيجاب على تنميتها.
من جانبه تساءل أ. جمال ملائكة: كيف سيكون ردُّ فعل قُوَى الغرب وتحديدًا الولايات المتحدة لخطوات المملكة الواضحة لتنويع علاقاتها الإستراتيجية شرقًا، ومن ثَمَّ تضييق لهامش المناورة معنا؟
ويتوقع م. سالم المري أن تكون ردة الفعل سياسات الجزرة والعصا لمحاولة إفشال هذا التوجُّه، حتى يفقد الطرف الثاني الثقةَ في جدية التحرُّك السعودي؛ ولذلك من المهم أن يتبع هذا التحرُّك فتح قنوات وارتباطات إستراتيجية على أرض الواقع دون التفريط في العلاقات مع الغرب والولايات المتحدة، أي أننا يجب ألا نخرج من احتكار الغرب لنرمي أنفسنا في احتكار الشرق؛ بل نُركِّز على فك القيود التي تحدُّ من قدرة سياساتنا على خدمة أهدافنا الوطنية والقومية (أو جعل تلك القيود غير فاعلة)، وهذا يتأتى بتطوير القدرات الذاتية وإيجاد البدائل لاحتياجاتنا الإستراتيجية؛ كتأمين خيارات في التسليح الإستراتيجي والصناعات المهمة، ومن ذلك مثلًا: فتح المجال للتقنيات النووية الصينية، وتنويع مجالات الاستثمار، وأخذ الاحتياطيات اللازمة للتأكُّد من سلامة الاستثمارات في الخارج عن طريق توزيعها وتوجيهها تدريجيًّا إلى أماكن ومجالات متنوعة وذات مخاطر منخفضة.
كما يعتقد د. صدقة فاضل أن الغرب المتنفذ بقيادة أمريكا لن يقبل أيَّ تحالف جدي مع الشرق، وذلك يُمثِّل تحديًّا كبيرًا.
إلا أن أ. جمال ملائكة لا يعتقد أن المملكة تريد تحالفًا بمعنى التحالف، ولكن بناء علاقات قوية في كافة المجالات لزوم التوازن.
الاتجاه نحو الشرق: الأهمية والدلالة:
ذكر أ. عبد الله الضويحي؛ عندما قرأتُ العنوان “زيارات ولي العهد.. بوابة اقتصادية وسياسية نحو الشرق” تبادر لذهني رواية عبد الرحمن منيف: “سباق المسافات الطويلة.. رحلة نحو الشرق”. حيث كتب في صفحتها الأولى عبارة حسبي أنها مضمون الرواية: “مَنْ يملكِ الشرقَ يملكِ العالمَ”.
فقارة آسيا تحتل ما يقارب ثلث أراضي العالم، وتعدادها السكاني يمثِّل 60% من سكان العالم، فيما تُمثِّل الصين والهند مجتمعتين ثلثَ مساحة آسيا تقريبًا وأكثر من نصف عدد سكانها، وما يزيد عن ثلث سكان العالم؛ وهي تملك ثالث أكبر ناتج إجمالي محلي على مستوى القارات، بعد أمريكا الشمالية وأوروبا.وفيها قامت أكبر عدد من الحضارات القديمة؛ كحضارات الهند، وبابل، وسومر، والفرس، والصين، وحضارة وادي السند، إلى جانب الحضارة الإسلامية.
الصين سياسيًّا عضو دائم في مجلس الأمن، وهذا له دلالاته وأهميته. واقتصاديًّا عضو مجموعة العشرين التي تستحوذ على ثلثي التجارة العالمية، ويزيد إجمالي ناتجها المحلي عن 20 تريليون دولار، وتزيد قيمة صادراتها عن 2 تريليون دولار حيث تعتمد عليها بشكل كبير.
أما الهند فالناتج المحلي لها يزيد عن 2.5 تريليون دولار، وتُشكِّل تكنولوجيا المعلومات واجهتها الاقتصادية، وتُعدُّ أسرع القطاعات نموًا، بعد أن كانت الزراعة تمثِّل الواجهة حتى استقلت اقتصاديًّا ثم تراجعت مساهمتها في الناتج المحلي إلى 25% منه. كما تعتبر الهند أهم متعامل عالمي في مجال البرمجيات والأعمال الإدارية ومعالجتها.
ولا تقلُّ باكستان أهميةً بحكم ارتباطها التأريخي والديني بالمملكة، ومحاذاتها لأفغانستان وإيران.
ولكل من هذه الدول الثلاث عمقٌ إستراتيجي لمكانتها الإقليمية أو الدولية، وطبيعة المصالح المشتركة بينها وبين المملكة.
ولهذا – في نظري – اختارت المملكة هذه الدول الثلاث كبداية للانفتاح على الشرق، حيث شهدت توقيع اتفاقيات استثمارية ضخمة وتعهدات باستثمارات بلغت 148 مليار دولار.
هذه الجولة كما تبيَّن اقتصاديةٌ في الدرجة الأولى ثم سياسية، لكن أليس بالإمكان أن نتجاوز هذين الجانبين إلى جوانب أخرى، تُمثِّل قوى ناعمة داعمة للقوة السياسية والاقتصادية؟
آسيا تملك إِرثًا حضاريًّا وثقافيًّا ورياضيًّا، وتنمية علاقاتنا معها في هذه الجوانب وجوانب أخرى يمكن أن يُمثِّل قوى ناعمةً داعمة للقوة السياسية والاقتصادية.
لقد أكدت هذه الجولة لسمو ولي العهد مكانةَ المملكة العربية السعودية وقيمتها ليس على المستوى الرسمي فحسب بل وعلى المستوى الشعبي، وإذا كنا اختصرنا المسافة بالتوجُّه إليهم، فقد أثبتت أن المصالح مشتركة، وأنها لا تسير في اتجاه واحد.
تبقى لديَّ سؤالان:
الأول: هل تأخَّرنا في الاتجاه شرقًا؟ ولقد مررتُ شخصيًّا بثلاثة مواقف لعلها تجيب على ذلك:
١- في إحدى زياراتي لكوريا الجنوبية في منتصف الثمانينيات، كان الكوريون يقولون لنا: انتظرونا بعد 20 عامًا، وها هي كوريا الآن! وهي رسالة تؤكِّد أن آسيا هي مستقبل العالم وقائدته.
٢- في نوفمبر 1981 كان لنا مباراة مع الصين في تصفيات كأس العالم ورفضنا السفر إلى هناك أو قدومهم إلى هنا، والسبب معروف (كدولة شيوعية)، ولعبنا في ماليزيا كبلد محايد، وخسرنا.
٣- في نهاية أغسطس 1985 سافرنا ضمن وفد مع الأمير فيصل بن فهد إلى موسكو (أول وفد سعودي يزور موسكو)، واحتجنا لإذن رسمي من الملك فهد (رحمه الله)، وأن نغادر مباشرةً بعد انتهاء المهمة، ومُنِحنا تأشيرة على ورقة فيها جميع أسماء أفراد الوفد.
الثاني: هل هي رسالة للغرب؟ وما موقف الغرب منها؟ تقول التايمز اللندنية: إن الزيارة الآسيوية إلى باكستان والهند والصين كشفت أن السعودية وآسيا لا تلتفتان إلى الانتقادات الأوروبية، ولا تؤثِّر عليهم في المقابل؛ تؤكد أن “المملكة أقوى”.
تعليقًا على ذلك تساءل أ. عبد الرحمن الطريري: هل اتجهنا إلى الشرق متأخرين؟ يجب القول إن بعضًا من الصحف الهندية تناولت الزيارة كردة فعل حول بعض التوترات مع الغرب.
ولهذا فبناء الثقة في أننا شريكٌ باقٍ وموثوق مهما اتجهت رياح العواصف، هو ما سيمنحنا فرصَ جني ثمار هذه الاستثمارات على المدى الطويل.
أضاف أ. جمال ملائكة أن هذه العلاقات السياسية والاقتصادية تأخذ وقتًا طويلًا؛ لذلك ينبغي الصبر والبناء المتواصل.
وذهب أ. جمال ملائكة إلى أنه بالنسبة للتوجه شرقًا، فهناك قضيتان في غاية الخطورة قد تؤثران على توجُّهنا:
١- قضية كشمير بين الهند وباكستان.
٢- قضية الإيغور في الصين.
القضيتان بالنسبة لنا مهمتان جدًّا؛ أولًا لتدعيم العلاقة الإستراتيجية مع هاتين الدولتين كوننا مَوئِل وحُماة الحرمين وقبلة المسلمين، ثم لبدء تفعيل قوتنا الناعمة لتصبح مقبولةً عندهما. كما أن علاقتنا مع باكستان محورية، ويهمنا أن تكون علاقتنا مع الهند كبيرة، وبالتالي من مصلحتنا العمل على حل هذه المشكلة المزمنة.
نقترح أن تقوم المملكة بالتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي وجهات حيادية في الأمم المتحدة وغيرهما، بعمل منظَّم وقوي وفاعل؛ أولًا لفهم القضيتين فهمًا عميقًا، وللتدخل الدبلوماسي المحايد لبدء حل هاتين المشكلتين حلًّا نهائيًّا. على أن يكون ذلك ضمن احترام السيادة الهندية على الجزء الهندي لكشمير، وأن يتم تفهُّم شكاوى مسلمي كشمير إن كانت ترتكز على مظالم واضحة؛ (شخصيًّا أعتقدُ أن هناك دولًا تُؤجِّج مسلمي كشمير لأهداف سياسية، منها الخبيث ومنها ما دون ذلك).
كما علينا فهم قضية الإيغور ضمن السيادة الصينية، والعمل مع الصين لضمان احترام معتقدات المسلمين هناك، وفَهم وجهة النظر الصينية فيما قامت به من قرارات شديدة جدًّا، ينبغي التعامل معها بحنكة ودبلوماسية عالية جدًّا.
يعتقد أ. محمد الدندني أنَّ هناك مَن يُؤجِّج القضيةَ في الصين، والدليل أن المسلمين لم يتعرضوا في عهد الشيوعية لاضطهاد أو تهديد لحياتهم. ما الذي حصل في وقت أفضل من عهد “ماو” وجبروته؟
البُعد الإستراتيجي في التحالف مع باكستان:
يرى أ. جمال ملائكة أنه نظرًا إلى مشاكل باكستان الاقتصادية، وحسب ما نسمع، تفشي الرشاوى، وضعف البنية التحتية… إلخ؛ لذا أتساءل: كيف ستستثمر المملكة في المشاريع السياحية سواءً من قِبل صندوق الاستثمارات العامة أم من قِبل الأفراد؟
أفاد أ. عبد الرحمن الطريري أنَّ هناك جهدًا مطلوبًا من صندوق الاستثمارات العامة وهيئة الاستثمار بالإضافة لوزارة التجارة للتواصل مع الجانب الباكستاني، ومناقشة سُبُل تحفيز المستثمرين السعوديين، ووضوح الإجراءات وخصوصًا من ناحية التقاضي، وكذلك سهولة إخراج المال بالنسبة للمستثمر متى شاء؛ أما ضعف البنية التحتية فهو المجال الذي يجب أن يبدأ فيه الاستثمار.
وعلَّق د. خالد الرديعان أنَّ دولةً مثل باكستان قد لا تكون مكانًا مناسبًا للاستثمار، فهذه دولة غير مستقرة، وفيها فساد على نطاق واسع ولا سيما عند الطبقة السياسية، وهو فسادٌ يصعب السيطرة عليه. كما أن باكستان دولة ذات بنية قبلية ليست بعيدة عن تركيبة أفغانستان السكانية، والاستثمار فيها قد يكون مجازفةً. أفضل ما يمكن الحصول عليه من باكستان – ربما – برامج التدريب العسكري المشتركة، والعمالة الرخيصة والأطباء.
من جانبه يرى أ. عبد الرحمن الطريري أن الفساد موجود في كل مكان. كما أن الاستثمارات وخَلْق فرص العمل تعزِّز المكاسب السياسية والاقتصادية للمملكة، ولا تترك المسرح بالكامل للصين وإيران. وهو ما اتفق معه أ. جمال ملائكة، وأضاف أن ذلك قد يمنع جذب باكستان لإيران المتربصة والتي زوَّدها الأمريكان أيام أوباما بأموال هائلة، وعلينا دخول المعترك مهما كانت العوائق.
أضاف أيضًا أ. محمد الدندني أن إيران ليس لديها استثمارات أو ضعيفة، ولكنها تدخل من باب الطائفية. الصين تاريخيًّا على علاقة طيبة بباكستان منذ الحرب الباردة، والهند مع السوفييت والروس الآن. كما أنني أتفقُ مع مَن يرى أن جذب باكستان إلينا مهمٌّ الآن بسبب إيران، وأيضًا في المستقبل بسبب قربها، ومهمٌّ أن لا تنجذب للمعسكر التركي، ولدى باكستان تكنولوجيا عسكرية وبالذات غير التقليدية، وهذا هو الأهمُّ؛ الاستثمار الزراعي جيد أيضًا.
وساطة المملكة بين الهند وباكستان:
أشار أ. محمد الدندني إلى أنه من حسن الطالع، ولعل الخبر صحيح: (وزير الدولة لشؤون الخارجية عادل الجبير إلى نيودلهي بتكليف من سمو ولي العهد للوساطة مع الباكستان). يرى في ذلك أ. جمال ملائكة أنها خُطوة دبلوماسية رائدة و”ضربة معلم”. وقد سبقَ وناديتُ عدة مرات أن تقوم منظمة التعاون الإسلامي بدور الوساطة، فسبقت السعودية جميع المترددين.
كما أن السياسة الداخلية لباكستان خاصة المخابرات والجيش لها دور هناك، ويبدو أن عمران خان طراز مختلف من القادة. وهو ما يراه د. صدقة فاضل؛ وأضاف أن عمران خان رجل دولة نابه، كما أنه يختلف تمامًا عن نواز شريف. فالرجل نزيهٌ وجادٌّ، إضافةً إلى أنه يقف ضد التطبيع والمطبعين مع الكيان الصهيوني.
كذلك يرى أ. محمد الدندني أن الجيش في باكستان مازال له دوره. مصر وباكستان وتركيا كانت مضرب المثل في سيطرة العسكر. نفذت تركيا ولو مع هذا المتلون، وبقيت مصر وباكستان.
كما أتصور أن الاقتصاد ربما يكون المحرك الأساس للسياسات الداخلية والخارجية، وتنعم المنطقة بشيء من الاستقرار والتنمية. ومن صالح المملكة وخططها الاستقرار في المنطقة؛ لأنه كما ذكرتُ سابقًا، القلاقل تسحبنا للأسفل وتؤخِّر التنمية.
تنويع العلاقات الدبلوماسية للمملكة:
ذكر د. زياد الدريس؛ إن هذه القضية تلامسني من الداخل، فأنا مسكونٌ منذ سنوات بأهمية وجدوى تنويع العلاقات الدبلوماسية (وما يتبعها من العلاقات الاقتصادية والثقافية) لبلادي مع بلدان العالم من مختلف الجهات، ليس غربها فقط بل وشرقها أيضًا، وليس شمالها بل وجنوبها.
هذا التنويع الذي تمثَّل في زيارة سمو ولي العهد إلى روسيا مسبقًا، ثم إلى باكستان والهند والصين مؤخرًا، لا يعني أبدًا القطيعة أو حتى التراخي في العلاقات مع الحلفاء القدامى في الغرب؛ فتنويع مصادر الدخل التي تعمل عليها رؤية ٢٠٣٠ تستلزم تنويع مصادر التعاون الإستراتيجي.
وحين زار الملك عبد الله – يرحمه الله – روسيا في عام ٢٠٠٣، بعد انقطاع العلاقات لسبعة عقود، كتبتُ مقالة، وكنت مقيمًا في موسكو حينذاك، نشرتُها في صحيفة الشرق الأوسط، جعلت عنوانها: (حارة الكون تتسع لصديقين بدلًا من صديقٍ واحد). ثم أعدتُ غربلة وتطوير المقالة وإعادة نشرها في صحيفة الحياة بالتزامن مع زيارة سمو الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا في يونيو ٢٠١٥م، وسأضع الآنَ بعضَ النقاط منها، يمكن إنزالها على زيارة الصين خصوصًا:
– “إذا كان قانون السياسة البراغماتي هو أنه ليس ثمةَ صديقٌ دائم ولا عدوٌّ دائم، فإن الزيارة السعودية إلى روسيا هي زيارة سياسية بامتياز، إذ ذهبت باتجاه نفي الظن بأن روسيا عدو دائم، وكذلك خلخلة الاعتقاد بأن أمريكا صديق دائم.
بشكل أدق فإن الزيارة لا تتجه لنفي مبدأ الصداقة أو العداوة، لكنها تنفي ديمومة هذا أو ذاك”.
– “الحكاية أن أمريكا الآنَ بحكم أنها الأقوى بين دول العالم، تمارس دورها الطبيعي – وليس حقَّها الطبيعي – في فرض سياستها ومعاييرها الخاصة بها على الآخرين. هذا ليس تبريرًا لأخلاقيات أمريكا، لكنه تفسير لها. هل يعني هذا أن يكون موقفنا إزاء هيمنة أمريكا هو محاولة التبرير “التأمرك”، أو محاولة الاغتيال “التعنف” فقط؟ إنَّ السياسة كمفهوم، يتيح لك التعامل مع أحداث الكون في مساحة تمتد من شرق الأرض حتى غربها، ومن شمالها حتى جنوبها، بل وامتدادًا رأسيًّا من أعلى الأرض “الأقمار الصناعية وما حولها” حتى أسفلها “النفط وما جاوره”.
إذا كنتَ طفلًا تقلقك تهديدات وضغوط طفل الجيران الأقوى منك، فإن هناك طُرُقًا عديدة للحدِّ من هذا التهديد تتجاوز مجرد الانسحاب من مسرح الحارة، والانزواء مسجونًا في بيتك في انتظار موت الطفل الجبار. الحياة لعبة أطفال كبار، كانوا في طفولتهم يلعبون بالألعاب النارية، ثم كبروا واستمروا يلعبون بالصواريخ النووية، وابن الحارة الصغير لا يزال منزويًا في بيته يخشى صاروخًا نوويًّا. هل يكفي هذا لإيضاح إشكال وتبعات تفرُّد بطل واحد بالهيمنة على الحارة؛ حارة الكون التي تتسع وتضيق، تتطور وتتوحش، تتقارب وتتباعد؟
– “من منظور آخر، فقد فسَّرتْ بعض وسائل الإعلام الغربية، والروسية أيضًا، الزيارة السعودية المفاجِئة بأنها قد تكون مجرد نكاية وكيد لأمريكا التي هادنت إيران كثيرًا في برنامجها النووي. فلتكن الاتفاقيات السعودية مع روسيا ثم مع فرنسا هي نكاية وكيد، أليس الكيد من أدوات السياسة المعتبرة والفعَّالة؟
إذا كانت النكاية والكيد سيجديان في إعادة وزن التحالفات في المنطقة ورسم خطوطها الواضحة فلا بأس من استخدامهما مع مَن تجدي فيهم تلك الأدوات السياسية. المؤكد بأن شعورنا أن لنا صديقين خيرٌ لنا من شعورنا بأن لنا عدوًّا واحدًا.
أضاف أ. جمال ملائكة أنه حتى الأمريكيين والغرب يعرفون قواعد اللعبة وتهديداتهم لها حدود خصوصًا مع دولة عمقها الإستراتيجي هو العالم الإسلامي بطوله وعرضه. ليس هذا تهوينًا من محاولات لَيّ ذراعنا لاتباعنا هذه السياسة، إلا أني أُجزم أن القومَ يعرفون أن الأمور في السياسة ليست أبيضَ أو أسود، وعندنا سوابق؛ كشراء الصواريخ الصينية، والتعاون الضخم في موضوع النفط مع روسيا، بل إن رأيي أن هناك تفاهمًا في موضوع سوريا مع روسيا.
مراكز الدراسات البحثية المتخصصة في دراسة الدول:
كما تساءلت د. وفاء طيبة: هل لدينا في المملكة مراكز أبحاث خاصة بالدول (سواء الصديقة أو العدوة أو التي نرغب في مصادقتها)؟ في ظني، الجواب: لا. ومن جانبي أعتقدُ أنَّ هذه المراكز لها دورٌ فاعل في فهم الطرف الآخر (الدولة) وطريقة التعامل معه؛ بمعنى أن يكون لدينا مركز أبحاث الشرق الأقصى، ومركز أبحاث الدول العربية، ومركز أبحاث أوروبا، وهكذا.
ويرى د. صدقة فاضل أن الدعوة لإنشاء هذه المراكز قديمة. أذكرُ أنني كتبتُ عن هذا الموضوع قبل حوالي عشرين عامًا؛ ومع الأسف لا يُعطى تصريحٌ لأي مركز دراسات سياسية، وإن كان يُصرَّح لما عداه. وفي معهد الدراسات الدبلوماسية (معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية) توجد مراكز مصغرة وأحيانًا مؤقتة لدراسة هذه الدول، وتُسمَّى هذه الدراسات في علم السياسة area study. لقد أصبح من الضروري وجود مثل هذه المراكز البحثية المهمة والتي تساعد مخرجاتها صانع القرار على اتخاذ القرارات المناسبة تجاه القضايا المختلفة.
أضاف د. زياد الدريس أن مركز دراسات إيران يرأسه د. محمد السلمي، ومركز دراسات روسيا يرأسه د. ماجد التركي، ومركز دراسات تركيا يرأسه د. عبد الله الشمري. في السياق ذاته تساءل د. صدقة فاضل ود. وفاء طيبة: هل هذه المراكز مستقلة أم تابعة لمعهد الدراسات الدبلوماسية؟ وهل يمكن أن يكون لهذه المراكز دورٌ فاعل في علاقتنا مع الدول المذكورة؟ وهل نوصي بإنشاء مثل هذه المراكز، أم نوصي بتفعيل الموجود أولًا؟ أجاب د. يوسف الحزيم بأن المراكز الحالية تحتاج إلى دعم في ثلاثة أمور: استقلالية إدارية ومالية مع مجالس إدارة ذات نفوذ فكري وشبه حكومي، رَفْع سقف حرياتها من أجل إبداع أكبر، دعم مادي وسياسي ومعلوماتي. أما عن المراكز الجديدة؛ فالصين والأمة الملاوية وباكستان تستحق لمراكز تفكير جديدة. وأضاف د. عبد العزيز الحرقان أن المعهد الدولي للدراسات الإيرانية يبدو بدون مرجعية، أو تعريف بالكيان التابع له، ولا بتسجيله لدى جهات الاختصاص في السعودية، وصفحة الأمناء خالية.
توظيف وتفعيل القوة الناعمة للمملكة:
ترى أ. آمال المعلمي أننا نحتاج كذلك إلى توظيف الدبلوماسية الناعمة في باكستان والهند والصين من حيث تكثيف الزيارات بين قيادات اجتماعية وفكرية ونظرائهم في هذه الدول.
نعمل حاليًّا على مقترح لتفعيل القوى الناعمة وتوظيف ١٠ مقومات أساسية لدى المملكة، ويمكن الاستفادة منها في هذا الشأن. في رأيي أننا لم نوظِّف جيدًا جانب القيادة الروحية للعالم الإسلامي بدليل تراجع دورنا بشكل ملحوظ في منظمة التعاون الإسلامي، إضافة إلى المشاكل المحيطة بمجلس التعاون الخليجي والحالة الواهنة في جامعة الدول العربية.
ويعتقد د. صدقة فاضل أن تنمية ودعم القوة الناعمة لأي دولة أصبحت ضرورةً حتميةً، ولا بد من حملة كبرى لدعم قوتنا الناعمة، تبدأ بالالتزام الفعلي بمبادئ حقوق الإنسان الرئيسة. إضافةً إلى تفعيل وسائل القوة الناعمة الرئيسة، ومنها إقامة المراكز الثقافية السعودية في أكبر عدد ممكن من الدول التي تهمُّنا ونهمُّها.
كما أشار د. حميد الشايجي إلى أن السياسة الناعمة للملك فيصل (رحمه الله) كانت تصبُّ في هذا المجال، حيث تمَّ إنشاء جامعة الملك فيصل في باكستان، وغيرها من المراكز، وهو ما ساعد على الحضور المتميز للمملكة. ولكن عندما انحسرت هذه السياسة تُرِكَ المجال للتمدُّد الإيراني الصفوي في كثير من البلدان.
بينما في تصوُّر د. وفاء طيبة أن التواصل العلمي ضروري أيضًا، فلا بد أن نطلع على ما لديهم من علوم علمية واقتصادية، فالهند وباكستان كلتاهما تمتلك قنابل نووية، ومن المعروف أن كثيرًا من رؤساء الشركات الكبرى في أمريكا هم خريجو جامعة معينة في الهند تهتم بالتكنولوجيا، يتسابق الشباب الهندي لدخولها، ومن المؤكد أن كلَّ هذه الدول وخاصة الصين لديها علوم طبية واقتصادية يمكننا الاستفادة منها بتبادل الزيارات والبعثات العلمية.
أضاف أ. جمال ملائكة أنها لفتة مهمة جدًّا، والدولتان لديهما جامعات ومراكز أبحاث على مستوى عالٍ جدًّا، وربما نزيد من أعداد المبتعثين لهما (قوة ناعمة أيضًا). وفي رأي د. وفاء طيبة؛ قد تكون مبادرة تجمُّع عدة جهات لتغطية المجالات المطلوبة، أي مبادرة للقوة الناعمة.
وذهب د. عبد العزيز الحرقان إلى أن الدول الكبرى وضعت مركزًا لتفعيل دور القوى الناعمة لها، ويكون مركزًا إستراتيجيًّا، ويتم تنفيذ إستراتيجياته بالتنسيق مع مؤسسات الدولة.
كل المؤسسات والجهات الحكومية المذكورة هي لا شك مهمة ولكنها تختصُّ بمحاور محددة وليست بإستراتيجية موحَّدة وبرنامج شامل. علَّقت د. وفاء طيبة بأنها فكرة جيدة تحتوي على مبادرة للقوى الناعمة، وتضع لها إستراتيجية وآليات للتنفيذ، وتُحدِّد الجهات المسؤولة ودور كل جهة.
وأوضح أ. نبيل المبارك أنَّ هناك ضرورةً لأن يتم ابتعاث طلاب من تلك الدول للجامعات السعودية حيث يعتبر ذلك من القوى الناعمة على المدى الطويل، ولكن ليس فقط في التخصصات الدينية. بالإضافة إلى تفعيل وسائل التواصل بلغات تلك الدول، وبأساليب مبتكرة؛ للوصول لتقارب الاجتماعي، إذ إن عامل اللغة يحدُّ من هذا التقارب بشكل مباشر، ولكن التكنولوجيا اليوم تسمح بأنواع من الابتكارات للتواصل.
أضاف د. عبد العزيز الحرقان أن محاور القوة الناعمة للدولة تنقسم إلى ستة محاور: الثقافة (والدين)، مؤسسات الدولة، التعليم، التفاعل الدولي المؤسسي، المعايير السياسية للدولة، والرقمنة والحضور الرقمي. كل هذه تتولى تنفيذها جهات حكومية ومؤسسات ضمن أعمالها اليومية الطبيعية، وتكون مهمة المركز هو التنسيق والتنظيم.
أخيرًا، يرى د. صدقة فاضل أن القوة الناعمة حتى تحقِّق تأثيرها لا بد أن تكون هناك سياسات منطقية وإيجابية، تمثِّل الأغلبية المعنية. ولا بد أن يكون هناك التزامٌ فعلي بحقوق الإنسان.
المملكة والأخذ بأسباب القوة:
تساءل أ. جمال ملائكة: هل تحصين أنفسنا قاصرًا على وجود برلمان منتخب فقط، أم أنَّ هناك مجالات أخرى لتحصين أنفسنا داخليًّا؟
علق د. صدقة فاضل. لا شك أنَّ هناك أمورًا كثيرة يجب علينا الأخذ بها تقويةً لذاتنا. تقوية الذات عملية مستدامة، وتتضمنُ عدةَ أمور، أهمها وجود برلمان فعلي، ومن ثَمَّ الشروع في تبنى بقية عناصر التنمية السياسية والاقتصادية المعروفة، ومنها دعم الانصهار الوطني؛ أي دعم الجبهة الداخلية وتقويتها تجاه ما قد يواجهها من تحديات تأتي من الغير.
إمكانات الصين هائلة وضخمة وتؤهلها لمكانة الدولة العظمى، وقد حظيت بقلة قيادية مصلحة، ولكن على المدى الطويل لا بد من التغيير. الصين إن أرادت أن تتفادى مصير الاتحاد السوفيتي، فإن عليها أن تقبل بالتعدد الحزبي عاجلًا أم آجلًا.
إلا أن أ. جمال ملائكة يرى أن هناك دولًا مثل الصين ليس لديها برلمان بمعنى برلمان، وأصبحت قوة عالمية كُبرى. عقَّب د. صدقة فاضل بأن الصين لديها برلمان؛ ولكن عيبه الرئيس أنه مكون من حزب واحد، وأنَّ كل أعضائه تقريبًا انتُخبوا من حزب واحد. كما أن الصين في سبيلها للانفتاح سياسيًّا بعد انفتاحها عالميًّا. إنها مسألة وقت فقط، ويصبح في الصين تعدُّد حزبي، وقبضة الحزب الشيوعي الصيني على السلطة واحتكاره لها لن تدوم طويلًا بعد انفتاحها اقتصاديًّا.
بينما يرى أ. جمال ملائكة أنَّ هذا لم يمنعهم حتى الآن من أن يصبحوا قوةً عالميةً، ونموذجهم في رأيي يصلح للدول العربية على الأقل لـ ٥٠ سنة قادمة ضمانًا للاستقرار، والتدرُّج في الإصلاح، والمؤمَّل حل المشكلة الفلسطينية، وانحسار المؤامرات (أمل أكثر منه نتيجة محتومة).
ويعتقد أ. محمد الدندني أن المجتمع العربي غير جاهز لنسخة الديمقراطية الغربية، وليس صعبًا إيجاد قنوات وأنظمة تُحقِّق الشفافيةَ والمراقبةَ لتسريع التنمية ومحاربة الفساد الإداري والمالي. المهم أن تُستحثَّ الطاقات ومصادر التنمية بكل أمانة وشفافية.
وذكر أ. جمال ملائكة أنه يتفق جزئيًّا، والفكرة هي أنه ليس شرطًا أن يكون لديك برلمانٌ منتخَب وديمقراطية على شاكلة الدول الغربية لتصبح دولةً قويةً.
تماسُك المجتمع من الداخل وقوته قاعدة للقوة الناعمة:
أضاف أ. محمد الدندني أن السياسة الداخلية وقوة المجتمع وبناء دولة المؤسسات هي القاعدة للقوة الناعمة، كيف نحافظ على مجتمعنا وقيمنا؟ وتجتمع كلها في الهوية السعودية العربية الإسلامية.
في هذا السياق تساءل أ. جمال ملائكة: هل هذا يكفي، أو هو مكمل لخطوات أخرى في موضوع القوة الناعمة؟ وهل هما متلازمان؟ أجاب أ. محمد الدندني بأنها لا تكفي، ولكنها أكثر من مكمل، بل قاعدة مهمة يُبنى عليها خطوات أخرى.
وإضافةً إلى ما ذكره د. عبد العزيز فيما يتعلق بمحاور عناصر القوة الناعمة والتي تتمثل في الثقافة والدين والتعليم… إلخ؛ أرى أنَّ المحتوى المحلي مهمٌّ جدًّا، وعنصر من عناصر القوة الناعمة، فمحتوانا المحلي سيعكس درجة جدية المجتمع والدولة في التنمية البشرية والمادية.
الإنتاج المادي مهمٌّ؛ ورفع مستوى المعيشة ليس الدخل فقط بل المستوى الصحي والتعليمي. فدور الأبحاث والنشر وحتى الترجمة من إنتاج الدول القوية. علينا أن نُري العالم أن مَن يقوم بالنهضة والتحوُّل والرؤية أيادٍ وعقول سعودية. كما أن الإنتاج الصناعي وزيادة التبادل التجاري من شروط القوة الناعمة.
رحلة الهند والصين في مؤتمر وزراء الخارجية لدول منظمة التعاون الإسلامي:
ذكرت أ. مها عقيل أن الحديث عن الهند والصين كان حاضرًا بقوة في مؤتمر وزراء الخارجية لدول منظمة التعاون الإسلامي الذي عُقد مؤخرًا في أبوظبي، وخصوصًا موضوع كشمير والإيغور فقد كانا محورَ النقاش حول الهند والصين؛ وبما أن المنظمة مقرُّها السعودية، وأمينها العام سعودي، فهي تعكس إلى حد ما توجُّه وسياسة السعودية؛ لذلك يعدُّ موضوع الهند والصين وزيارة سمو ولي العهد لهما ولباكستان في إطار السياسة الخارجية للسعودية أمرًا مهمًّا للمنظمة.
يوجد في كلٍّ من الهند والصين عددٌ كبير جدًّا من المسلمين، وفي كلٍّ من البلدين يعانون من اضطهاد وتمييز لكونهم مسلمين، وخاصة في السنوات الأخيرة زادت هذه الممارسات ضدهم بشكل عنيف. وفي كلا البلدين يتمُّ الربط بين الإرهاب والتطرف بالإسلام والمسلمين، وعندما تتحدث الحكومة الهندية والصينية عن مكافحة الإرهاب والتطرف فهم يقصدون المسلمين.
السعودية هي مهبط رسالة الإسلام وقبلة المسلمين، وبالتالي عليها مسؤولية الدفاع عن الإسلام وحماية المسلمين، وإذا خفت صوتها أو تراجعت قليلًا عن القيام بذلك سيستغل ذلك المتربصون من الدول المعادية والذين لا تخفى علاقاتهم ومصالحهم مع الدول التي تعادي المسلمين، ولكن من باب الدعاية الغوغاء لنفسها وإثارة الشوشرة والشبهات حول السعودية.
أتفقُ جدًّا مع أهمية أن يكون للسعودية علاقات قوية وإستراتيجية مع دول الشرق لتوازن علاقاتها مع الغرب، وأن تكون هذه العلاقات طويلة الأمد، ومبنية على الثقة والمصالح المشتركة وفي عدة توجهات وليس فقط الجانب الاقتصادي. ومن المهم الدبلوماسية الناعمة كما تفضلتم من خلال الابتعاث والمناسبات الثقافية والعلمية والإعلامية والدينية أيضًا لتحافظ السعودية على مكانتها، عبر مبادرات لبناء مساجد تمَّ هدمها، واستضافة الحجَّاج الصينيين، وغيرها.
الإمارات دعت الهند لتكون ضيفَ شرف مؤتمر وزراء الخارجية لمنظمة التعاون الإسلامي، ودعت وزيرة الخارجية للتحدُّث في الجلسة الافتتاحية، وهو ما أثار حفيظة باكستان، وتدخلت السعودية لتهدئة باكستان؛ وهذا مؤشر على توجُّه الخليج وتقرُّبهم من الهند لأسباب ومصالح اقتصادية في المقام الأول، وأيضًا تقنية وموارد بشرية، ولكن قضية كشمير تظلُّ عقبةً رئيسةً، ولا بد من العمل على حل هذه القضية وإلا قد تعتبر باكستان أن الخليج ينحاز إلى الهند، وتبدأ في التقرُّب إلى إيران وتركيا.
علق أ. جمال ملائكة بأنه يتفق مع ما ذكرته أ. مها في مداخلتها، خاصة أنها تُميط اللثام عن وقائع وواقع المشكلات التي قد تواجهنا في توجُّهنا شرقًا نحو بعض الدول، وأهمية الدبلوماسية والحكمة في هذا التوجُّه الجيو إستراتيجي.
المملكة بين (الغرب) و(الشرق):
تحت عنوان “نحن.. بين الغرب والشرق”. ذكر د. عبد الله بن ناصر الحمود؛ يبدو أننا قدر الغرب، وأن الغرب قدرنا، وبخاصة الولايات المتحدة. فالمصالح الإستراتيجية العميقة جدًّا بيننا وبينهم، وطبيعة الأدوار المتبادلة في صيانة (الكينونة) (السعوغربية) أو (الغربسعودية) مترسخة بالقدر الذي لا ينافسه في المنظور القريب أي أدوار خارج هذه الكينونة. فكيف يمكن – في نظري – فهم ضرورة دعم وترسيخ علاقاتنا مع الشرق؟
ربما لا يمكن فهم ذلك في إطار التحالفات الإستراتيجية الكبرى، ولكن تبدو لي ضرورات تكتيكية مهمة لصيانة التوازنات الإستراتيجية للتحالف القائم مع الغرب من جانب، بعد ما أصاب هذا التحالف من تغيّرات أفقية خلال الحقبتين الرئاسيتين الأخيرتين لأوباما وترامب؛ ومن جانب آخر، وهو الأهم في نظري، لتغيير موازين القوى وقواعد العمل السياسي في منطقة الشرق الأوسط والخليج بالذات.
من هنا، يبدو لي أن إعادة ترميم علاقاتنا مع قوى الشرق، عملية مهمة وملحة وذكية جدًّا، لاتقاء مخاطر التحوُّلات المنظورة في السياسات الدولية في منطقتنا، وما تتمخض عنه تلك المخاطر والتحوُّلات من تحالفات غريبة ظهرت مؤخرًا، ومن أطماع باتت تُقال في العلن وتصدقها الأحداث في كلٍّ من اليمن والعراق وسوريا ولبنان والسودان وإثيوبيا وليبيا. إضافة إلى تحولات خطيرة على المستويات الجيوسياسية في كلٍّ من ثلاثي: إيران وتركيا وقطر، بشكل خاص، وتداعيات هذا التكتل الثلاثي على سُلَّم التحالفات مع القوى الدولية.
لقد عبث الديمقراطيون كثيرًا خلال حقبة أوباما، بمصالحنا الإستراتيجية مع الغرب، ومع أمريكا تحديدًا. وكادت أو هي تغيرت كثير من قواعد الفعل الإستراتيجي في منطقتنا. ولولا توفيق الله ثم حكمة القيادة السعودية وعمق تجربتها، فلربما كانت التداعيات السلبية حينذاك أعمق وأكثر إيذاءً لنا.
اليوم، وبذات الحكمة والدراية للقيادة السعودية، نحن نستبق أحداثًا جسامًا تلوح في أفق شرقنا الأوسطي وخليجنا، جَرَّاء سعي قوى المنطقة لتحقيق مصالحهم على حساب تاريخنا واستحقاقاتنا. ولذلك، أفهم زيارات سمو ولي العهد، في هذا السياق. ففيها تعزيزٌ وترسيخ لعلاقاتنا الممتدة مع باكستان، وتعميق لها مع الهند، وبلورة لها مع الصين، لتكتمل مع علاقاتنا الجيدة بشكل عام مع الروس؛ فنكون بذلك قد (فَطِنّا) لأهمية القفز على كل محاولات الآخرين (لتطويقنا) بكبار الشرق، ووضعنا أمام الأمر الواقع.
أعتقدُ أن الزيارات قد نجحت في تحقيق أهدافها، ليبقَ الغرب في عمومه صديقنا، ولتبقَ أمريكا حليفتنا الإستراتيجية الكبرى، ولنكوِّن مع قوى الشرق حلفاء توازن مهم لسلامة كينونتنا، وبخاصة في منطقتنا (ملتقى النزاعات) ومرتع الولاءات والبراءات.
وأوضح أ. نبيل المبارك أن العالم يمرُّ بمخاض صعب سوف يتمخض عن عالم جديد سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، ويجب أن نكون أصحاب مبادرة في كافة المجالات مع جبهة داخلية واضحة المعالم لخوض غمار تلك التحديات، وكذلك قراءة ممتازة للمستقبل القريب والبعيد.
وأتساءل: هل يمكن تحت أي سيناريو أن يدعم الغرب (وتحديدًا أمريكا) تركيا في إعادة الخلافة العثمانية بإخراج جديد؛ لأن تركيا تعطيها كلَّ ما تريد، وليس لديها خطوط حمراء عكس ثوابتنا؟ إذا ما شعرت أمريكا والغرب بأننا قد نُشكِّل تهديدًا لإسرائيل ولإمكانية نفوذ قوى أخرى من خلالنا للمنطقة، أو تعاون أمريكي إيراني بشكل مختلف، فالسياسة لا تعرف عداوات أو صداقات دائمة.
التواصل الثقافي والحضاري مع الشرق:
يرى د. عثمان العثمان أننا لا شك أهملنا التواصلَ الحضاري مع الشرق لزمن طويل، وركَّزنا على التوجُّه للغرب.
نحن بحاجة إلى التواصل الفعَّال مع الشرق؛ للتعريف بثقافاتنا، ولكسب “العقول والقلوب” في خضمِّ التدافع الكوني بجميع أبعاده الثقافية والسياسية والاقتصادية. وأرى أن هناك عوامل تساعد على هذا التواصل، منها:
– عدم وجود مواجهات تنافسية مع الشرق، على الأقل خلال القرون القليلة الماضية، وهو ما يعني عدم وجود خصومات متوارثة لدى الأجيال المتأخرة.
– ما زال هناك جهل بنا وبثقافتنا لدى الشرقيين، وإذا أخذنا هذا إيجابيًّا، فيعني ذلك عدم وجود نظرة سلبية بناء على مواقف سابقة، وهو ما يسهل الحوار.
– وجود قواسم مشتركة، مثل التركيز على قيم الأسرة وغيرها.
وربما أسباب أخرى؛ لذا ففي رأيي أن التواصل مع الشرق ثقافيًّا وعلميًّا ضرورة.
من جانبه علق أ. محمد الدندني أنه بالإضافة إلى ذلك؛ حتى مع الغرب للأسف كُنَّا مغلقين في التبادل الثقافي والتفاعل مع المجتمعات المدنية، وبالذات في أمريكا وبريطانيا. القوة الناعمة تحتاج الانفتاح على الآخرين، لعقود كنَّا مجتمعًا مغلقًا.
ثم ماذا عن منطقتنا التي تعصف بها الحروب وعدم الاستقرار وانعدام التنمية؟ في نظري، أنها تسحبنا للأسفل، وتشغل صاحب القرار. السؤال: هل نكتفي للالتفات للداخل ومن ثَمَّ الانطلاق كقوة إقليمية، أو نأخذ بالجهدين إقليميًّا وعالميًّا لنعرف الدول الأهم حولنا وما هو السبيل للاستفادة والإفادة؟ استقرار المحيط ووجود تنمية يساعد في تصفير المشاكل من حولنا.
قراءة في زيارات ولي العهد:
تحددت مداخلة د. يوسف الحزيم في أربع نقاط تُمثِّل قراءة لرحلة سمو ولي العهد الخارجية:
الأولى: الذهاب شرقًا؛ وأعتقدُ أنها قرار إستراتيجي قديم، لم يأخذه الشرقيون على محمل الجد، ذلك أنهم يقولون: كلما تأزمت علاقتكم بالغرب؛ توجهتم لنا من أجل استخدامنا كورقة ضغط (فقدان ثقة)؛ في حين أنَّ في عهد الملك سلمان رعاه الله؛ جارٍ سد ضعف الثقة تدريجيًّا نحو المصداقية.
الثانية: الشرق عندنا يعني: باكستان، والهند، والصين، واليابان، وماليزيا وإندونيسيا، منها ثلاث دول كبرى. وأقترحُ في هذا الصدد أن تكون إستراتيجيتنا في الدول الإسلامية تختلف عنها في الأخرى. كما يمكن أن يكون لدينا إستراتيجية مع الصين لوحدها؛ فيما نحتفظ بعلاقات في حدها الأدنى مع اليابان والهند لأسباب جيوسياسية وتاريخية تنافسية، في حين نحتاج إلى علاج جذري للفتور الذي اعترى علاقاتنا بماليزيا وإندونيسيا، وقبله باكستان التي حلت مؤخرًا. يقتضي كما ذُكر أن يوازي هذا التوجه الجديد، وبالتوازي: القوة الناعمة تقودها الدبلوماسية الرسمية والقطاع الخيري والمدني والغرف التجارية ومنظمة سعودية (منظمة التنمية السعودية)، وكذلك منظمة العون السعودي على غرار النموذج الأمريكي.
الثالثة: أن العلاقات الاقتصادية أحادية الجانب، لا تُشكِّل لوحدها ثقلًا اقتصاديًّا ذا أثر سياسي كبير؛ وعليه فإن إصلاح منظومة مجلس التعاون الخليجي، وكذلك مجلس الدول العربية المطلة على ساحل البحر الأحمر، تحت قيادة سعودية إستراتيجية سيجعلنا “ترانزيت” وشريكًا اقتصاديًّا وسياسيًّا من الشرق مرورًا بمجلس التعاون وصولًا للقارة السوداء.
أما الرابعة: فإنني أرى أن إدارة دبلوماسيتنا لهذا التوجه الإستراتيجي تحتاج إلى إعادة تعريف وهيكلة سفاراتنا في الخارج، وتحديدًا في الدول المحورية لمستقبلنا السياسي والاقتصادي والثقافي والأمني، ويحتاج أيضًا مع الهيكلة سفراء من طراز خاص.
علَّق أ. جمال ملائكة بأنه يعتقد أن الاحتفاظ بعلاقات في حدها الأدنى مع دول في حجم اليابان والهند قد يكون له ثمن قاسٍ في المستقبل، والتوازن هو المطلوب، ولا يجب أن ننسى أن الصين دولة عظمى يجب “الانتباه” في التعامل معها.
ويرى د. يوسف الحزيم أن سياسة مسك العصا مع الوسط، سياسة عقيمة في العلاقات الدولية، ولا سيما أن العالم في مرحلة إعادة تشكُّل لنظام عالمي جديد، وانهيار نظام ما بعد الحرب العالمية الأولى، فلا يمكن أن تكون علاقاتك ممتازة مع الهند وفي الوقت ذاته ممتازة مع الصين وباكستان.
تفعيل دور زوجات الدبلوماسيين:
أشارت د. الجازي الشبيكي إلى أنه مما يلفت النظر في أحيانٍ كثيرة تفاوُت حجم نشاط الدور الذي تقوم به زوجات السفراء والدبلوماسيين السعوديين في الخارج، ولكنه في الغالب دورٌ يتسم بالضعف ولا يعكس الصورة الحقيقية لدور المرأة المتصاعد في المشاركة التنموية في البلاد.
دور زوجة السفير أو القنصل أو الدبلوماسي خارج البلاد يجب أن يُعتنى بتفعيله، ولا بأس من التدريب المكثف لها على أن تكون سفيرةً هي الأخرى لبلادها ولها أنشطتها المنظَّمة التي تعكس الصورة الحقيقية لنشاط وجهود وإنجازات المرأة السعودية.
وأرى أنه لا يجب أن يكون هذا الدور رسميًّا، نحن هنا نتحدث عن القوى الناعمة. ومن المعروف على نطاق واسع أن زوجات السفراء والقناصل ينظمن أنشطةً اجتماعيةً وبازارات خيرية ويفعِّلن المناسبات الوطنية والأعياد باللقاءات والاحتفالات غير الرسمية، كما أنَّ لزوجات السفراء بشكل عام أدوارًا إغاثية.
في هذا السياق ذكرت أ. فائزة المجروش أنها تتفق كثيرًا مع ما طرحته د. الجازي، وأضافت: أنا ومِن منطلق خبرة ذاتية مررتُ بها كوني زوجةَ دبلوماسي في الخارج لسنوات عدة وفي أكثر من دولة، وفي ضوء قناعتي الشخصية بأن الأنشطة الخيرية والثقافية والاجتماعية، تمثِّل أهم أدوات التعارف والتقارب بين الشعوب، بما يؤدي إلى تعزيز العلاقات الثنائية في مجملها.
وحول تفعيل دور زوجات الدبلوماسيين، أذكر أن الصورة الذهنية السائدة والمتعارف عليها لدينا عن زوجات الدبلوماسيين لا تتعدى أنهنَّ واجهة اجتماعية وحضارية لأزواجهن في المناسبات الرسمية والاجتماعية المهمة فقط، ولكن في حقيقة الأمر هذه الصورة ينقصها الكثير من التفاصيل عن الدور الذي مِن المفترض أن يقمن بتأديته في حياة أزواجهن وسفارة بلادهن، والدول اللائي يخدمن بها؛ فالدور الذي تقوم به زوجات السفراء لا يقلُّ أهميةً عن البعثة الدبلوماسية حتى أن هناك بعض الدول تدرس إعطاء راتب شهري لزوجة السفير؛ فزوجة السفير أو القنصل أو أي رجل دبلوماسي تُعدُّ واجهةً مكملةً لنجاح زوجها في جوانب عدة، منها: الأنشطة الدبلوماسية الرسمية، والاجتماعية، والتطوعية.
ولكن لاحظتُ خلال مدة تمثلينا الدبلوماسي أنَّنا كزوجات دبلوماسيين نحتاج لمزيد من الدورات التدريبية والتثقيفية لنقل صورة مشرفةً عن المملكة من خلال إعطائنا الفرصة لتقديم أنفسنا بالشكل الذي يعكس ثقافتنا وحضارتنا، ويبعث الشغف والفضول لمعرفة المزيد عن هذه الحضارة؛ ولا أغفل هنا الكثير من الاجتهادات والمبادرات الشخصية من بعض الزوجات للاندماج في المجتمعات الدبلوماسية المتواجدة في البلد المُضيف، والمشاركة بشكل منفرد في الأعمال الاجتماعية والتطوعية.
ومن هذا المنطلق، نُشدِّد على أهمية دور زوجة الدبلوماسي بشكل عام وزوجة السفير بشكل خاص، والتي تتحمل أعباءً عدة، تبدأ من فتح قنوات التواصل مع زوجات السفراء بدولة الاعتماد، وسيدات المجتمع من الشخصيات العامة، والهيئات والمؤسسات الثقافية والاجتماعية والخيرية والإنسانية؛ الأمر الذي سيساعد على توسيع دائرة نشاطها، ومن ثَمَّ تفعيل العديد من الأنشطة التي مِن المفروض أن تقوم بها، خاصة بعد التطور الذي حدث خلال العقدين الأخيرين للعمل الدبلوماسي، حيث لم يَعُد الأمر لم يعد مقتصرًا على الجوانب السياسية والاقتصادية المعتادة؛ بل برزت مصطلحات: “الدبلوماسية الثقافية، الدبلوماسية العامة، الدبلوماسية الشعبية، الدبلوماسية الرياضية”، التي فتحت آفاق جديدة للعمل الدبلوماسي، سواء للسفراء، أو لزوجاتهم.
لذا من التوصيات المهمة المقترحة في هذا الجانب ما يلي:
– قد يكون من الأهمية عند اختيار دبلوماسي ما لتمثيل بلاده في الخارج، العمل على تدريب زوجته بشكل فوري ومكثف لتأهليها بشكل دبلوماسي مشرف لتلبية الدعوات الرسمية، والمشاركة في الاحتفالات في الأعياد والمناسبات الوطنية للدولة، بالإضافة لأهمية مشاركتها بدور فعَّال في الأنشطة والفعاليات الإنسانية والخيرية والتطوعية وغيرها؛ من أجل ترسيخ المكانة الرائدة للمملكة.
– العمل على توفير كافة الضمانات لزوجة الدبلوماسي فيما يخصُّ الاحتفاظ بوظيفتها مع العمل على استمرار سنوات الخدمة لها، كونها تُمثِّل الدولة ولا تُحسب كما هو معمول به حاليًّا باحتسابها إجازة استثنائية تُعطِّلها عن كثير من الترقيات والتطوير الوظيفي، وهذا يمنع البعض منهن من مرافقة زوجها وتفضيل البقاء في المملكة؛ خوفًا من ضياع وظيفتها، ولا يخفى عليكم آثار وتبعات ذلك.
– إعادة النظر في اكتشاف مَن مِن زوجات الدبلوماسيين في الخارج، وإن صَغُر منصب زوجها، لكن تتوفر لديها حزمة مكتملة من الصفات لاستغلالها كقوة ناعمة لتمثيل المملكة خير تمثيل، ومن هذه الصفات: (المتعلمة المثقفة والتي حصلت على عدد من الشهادات الجامعية والمهنية، التي تتحدث عدد من اللغات الأجنبية، الدارسة لتاريخ المملكة، والواعية بثقافتها وحضارتها، والقادرة على نقلها بصورة مشرفة للغير، واسعة الاطلاع في مجالات المعرفة المختلفة، ومُلمة بالمثل بذات الجوانب في دولة الاعتماد، لَبِقَة في الحديث، ذات مظهر مشرّف في الدعوات والمناسبات واحتفالات الأعياد الوطنية للدولة، مَن تتوفر لديها القابلية على تنمية صفاتها وتطويرها وإثرائها من خلال مشوارها الدبلوماسي مع زوجها، القادرة على الانفتاح على الثقافات المختلفة، والتعاون الذي يساعد على إتمام ما يُوكل إليها من أنشطة وبرامج بسهولة).
وكانت أهم التوصيات التي اقترحها أعضاء الملتقى بعد مناقشة القضية، ما يلي:
- أوصى المشاركون بالعمل على تشجيع الاستثمارات مع هذه الدول، وخصوصًا الصغرى والمتوسطة.
- القيام بفَتْح مكاتب ملحقية تجارية محترفة ومتمكنة وعلى دراية بالقوانين التجارية في هذه الدول وفي المملكة.
- أهمية النظر للصين كسوق مهم للسياحة وليس كدولة استيراد فقط، والاهتمام بالعوامل الجاذبة للسياح من السوق الصيني.
- ضرورة بذل أكبر جهد ممكن، وبالتعاون مع الدول المحورية في العالم العربي والعالم الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي، لنزع فتيل أزمتي كشمير والإيغور.
- الدعوى إلى تفعيل ما يُعرف بالاتصال البينثقافي Intercultural-Communication لتشييّع اللغة الصينية وغيرها من اللغات العالمية لمَن هم خارج منظومة التعليم، ليكون جسرًا فاعلًا نحو بلدان ومجتمعات وثقافات موالية وخادمة لمصالحنا.
- أن يتم دعم السفارات السعودية في كلٍّ من الصين والهند وباكستان (واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية وإندونيسيا) بكوادر عالية التأهيل والثقافة والتدريب.
- العمل على إقامة معارض ثقافية ودينية وفنية في هذه الدول.
- تشجيع الفرق التراثية والفنية والأفلام السعودية (مع توفير ترجمات محترفة لها)، وغيرها من القوى الناعمة والدبلوماسية الشعبية وجمعيات الثقافة مع هذه الدول.
- العمل على إقامة مركز ثقافي سعودي وبفروعٍ له في كل الدول الآسيوية المركزية.
- القيام بإنشاء معاهد لتعلُّم اللغة الصينية في المملكة، وإدخال اللغة الصينية كمادة تخصص لغوي في الجامعات. وتقوم جهة مثل وزارة الثقافة أو وزارة التعليم بدراسة طُرق تعليم هذه اللغة باستخدام التقنية الحديثة.
- أن تقوم المملكة بتبني مراكز ثقافية تُعنى بتعليم اللغة العربية في هذه الدول.
- التأكُّد من إجادة كل أو معظم موظفي السفارات السعودية في هذه الدول للغة المحلية.
- أن يتم دعم إنشاء مراكز أبحاث محلية ذات تأهيل عالٍ، لدراسة كل دولة وتاريخها وتوجهاتها السياسية والاجتماعية… إلخ؛ ومن ثَمَّ تقديم اقتراحات لكيفية التعامل معها.
- أن يُعتنى بتبادل الوفود الشبابية والثقافية وتشجيع الزيارات والرحلات السياحية مع هذه الدول؛ للتعريف بالجانب الثقافي للمملكة العربية السعودية ووجهها الحضاري، على أن يتم اختيار الشباب والبرامج بعناية تامة تُحقِّق الأهداف المرجوة منها.
- أن يتم التعريف والترويج للمنتجات السعودية من خلال تواجد البعثات السعودية في الخارج.
- العمل على الإشادة بقصص النجاح التي حقَّقها عددٌ من السعوديين في الخارج في مختلف المجالات رجالًا ونساء (علماء، أطباء، ناشطين في العمل الخيري… إلخ)، وتكريمهم بسفارات المملكة، والعمل على نَشْر قصص نجاحهم وترويجها ضمن فعاليات العمل الدبلوماسي السعودي في كل دولة.
- الاهتمام بدعم وتشجيع الأنشطة الخيرية والإنسانية السعودية في هذه الدول.
- أن يتم تعريف المواطنين السعوديين في الخارج بالمؤسسات الرسمية الوطنية الخيرية والنسائية، وتشجيعهم للانخراط في الأعمال التطوعية معهم، كالمساعدة عند تقديم المعونات والمساعدات التي يقدِّمها مركز الملك سلمان للأعمال الإنسانية والإغاثية في بلد ما؛ لاكتساب الخبرات وتطوير المهارات في العمل التطوعي من جهة، ومن جهة ثانية إبراز صورة مشرِّفة عن المواطن السعودي، ومن جهة ثالثة زيادة أعداد المتطوعين لتحقيق رؤية 2030 الرامية لوصول عدد المتطوعين إلى مليون شخص.
- التوسع في الابتعاث لطلاب الجامعات والدراسات العليا إلى هذه الدول في الجامعات المعترف بها.
- القيام بتشجيع وإعطاء منح لطلاب هذه الدول للدراسة في المملكة.
- فتح باب ودعم قيام الباحثين وأعضاء هيئة التدريس بتلك الدول ومن المملكة للعمل على مشاريع بحثية وأكاديمية في الجامعات والمراكز ذات العلاقة ضمن كل هذه الدول.
- إقامة منصة إلكترونية يتمكن من خلالها المغترب السعودي في أي دولة من التفاعل معها وتبادل الآراء والمعلومات، وتوعيتهم بثقافة ودواخل هذه الدول ليكونوا هم أيضًا سفراء لبلادهم كقوة ناعمة. كما يتم من خلالها تزويد المغتربين بالجهات الخيرية والإنسانية في هذه الدول، وتشجيعهم على التطوُّع بها، وزيادة عدد المتطوعين السعوديين المسجل في تلك المنظمات.
- التأكيد على دور المغتربين المهم سواء أكانوا مقيمين أو موظفين أو طلابًا، وما تتوفر لديهم من إمكانيات يمكن استغلالها لتعزيز دورهم كسفراء للمملكة في الخارج.
- أن تُعقد دورات تدريبية لزوجات السفراء وموظفي السفارات والقنصليات من خلال المعهد الدبلوماسي، لتدريبهم على لغات هذه الدول وثقافاتها، وكيفية التواصل مع مجتمعات الفنون والثقافة والأعمال الخيرية وغيرها في هذه الدول.
- وفي ظل انتهاج الدولة لسياسة تمكين المرأة بشكل متميز، والسعي الجاد لتحقيق التوازن بين الجنسين في كل المجالات ولا سيما رفع المشاركة السياسية والاقتصادية للمرأة وزيادة تمثيلها في السلك الدبلوماسي؛ نجد من المناسب العمل على الآتي:
– ضرورة التشديد على الدور الاستثنائي الذي من الممكن أن تلعبه المرأة الدبلوماسية أو زوجة الدبلوماسي التي تمثِّل الدولة في الخارج وعلى الأخص زوجات السفراء، وما تعكسه من صورة مُشرِّفة للمملكة، ودعمها وتعزيز دورها من خلال صقل مهاراتها، وتوفير البرامج التدريبية المتخصصة.
– إعداد كوادر نسائية في مجال السلك الدبلوماسي، قادرة على تحقيق التوازن بين الحياتين الاجتماعية والمهنية، من خلال الوقوف على التحديات القائمة، واستخلاص التوصيات التي تدفع بمسيرتها المهنية إلى الأمام، وتزيد من فرصها؛ لتكون قادرةً على القيام بمهامها كامرأة عاملة، تضطرها مهامها الوظيفية إلى الإقامة خارج الدولة أحيانًا، والقيام بدورها كزوجةً وأمًّا تَرعى أسرتها.
– النظر في إنشاء شبكات تواصل اجتماعية خاصة بالمرأة السعودية بدعم من سفارات المملكة بالخارج؛ تدعم وتُقنِّن مساهمتها في التعريف عن المملكة وإبراز الصورة الإيجابية والحضارية للمرأة السعودية وما تتمتع به من إمكانيات وقدرات علمية وعملية في كافة المجالات، وفي الوقت نفسه العمل على الترويج للمملكة كبيئة آمنة ومُشجِّعة للمرأة، مع إبراز ما تمَّ إنجازُه مؤخرًا من إجراءات وتطوير للبيئة التشريعية لتمكين المرأة السعودية وتعزيز دورها في المجتمع مع التحديث المستمر للمستجدات.
القضية الرابعة: “المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص”
كاتبة الورقة: د. الجازي الشبيكي
المعقبون:
د. حسين الحكمي
د. يوسف الحزيم
أ. منى أبو سليمان
إدارة الحوار: د. خالد الرديعان
الملخص التنفيذي:
إن مسؤولية القطاع الخاص تجاه المجتمع كبيرة وعظيمة ومطلوبة في كل الأحوال والظروف، للمساهمة في توفير بعض الخدمات التي يحتاجها المجتمع؛ كإنشاء مستشفيات خيرية للفقراء والمحتاجين ومساكن خيرية للمطلقات والأرامل من النساء ودور عجزة المسنين، والعمل على تأهيل الشباب من خلال عمل برامج تدريبية لهم وتوظيفهم وتقديم قروض لهم بدون فوائد، وغيرها من أعمال الخير التي تصبُّ في صالح المجتمع، وتعود على أصحابها بالأجر العظيم. فنحن نعيش في مجتمع مسلم يدعو إلى التكافل بين أفراده، ويحثُّ على فعل الخيرات وبذل العطاء والصدقات.
أشارت الورقة الرئيسة إلى أن المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص تعني التزام الشركات والمؤسسات والمراكز التجارية بالمساهمة في التنمية المستدامة، لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم أهداف التجارة ويُحقِّق مصالح المجتمع. كما أن من فوائد المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص أن الشركات التي تُحقِّق المسؤولية الاجتماعية يزيد معدل الربحية فيها عن 18٪ عن تلك التي ليس لديها برامج في المسؤولية الاجتماعية.
ومن التحديات التي تواجه المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص: ضعف وجود إطار أو مرجعية موحدة، ونقص المعلومات والبيانات، وضعف التنسيق والمتابعة والتقييم والتقويم.
وأكدت الورقة على أن من أولويات المسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات الربحية في المملكة العربية السعودية: التركيز على برامج التأهيل والتدريب لسد الفجوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل، إلى جانب دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ودعم مراكز الأبحاث، والتنسيق مع مؤسسات العمل الخيري لتنفيذ مشاريع خيرية ومشاريع اجتماعية تنموية.
وأوضحت التعقيبات أن المسؤولية الاجتماعية هي مسؤولية كل فرد يعمل بالمؤسسة وليست مسؤولية الإدارة العليا أو إدارة بذاتها كما يحصل أحيانًا بأن يُلقى باللوم على إدارة المسؤولية في المؤسسة من بعض الموظفين ظنًّا منهم أن لا علاقة لهم بذلك.
وذهب البعض إلى أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية قفز بشكل كبير في السنوات العشر الأخيرة وحقَّق إنجازات جيدة، ويحتاج إلى تدخل إستراتيجي حكومي مُمثَّل في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، والغرف التجارية، وهيئة سوق المال، وهيئة الزكاة والضرائب.
كما أكدت التعقيبات على أن رؤية 2030 أسهمت في تغير النظرة لقسم المسؤولية الاجتماعية ووضع بعض المعايير له، ولكن الوضع الاقتصادي قد لا يسمح بالتغيير الشمولي الذي نحتاجه.
وأشارت المداخلات التي جرت على الورقة الرئيسة إلى أن على القطاع الخاص العمل سويًا مع الحكومة ممثَّلة في الجهات المعنية، لمواجهة عدد من المشاكل الاجتماعية الكثيرة والشائكة التي تؤثِّر بشكل أو بآخر في مجريات الحياة الاقتصادية والتنموية في المملكة، ومحاولة إيجاد حلول لها.
وأوضحت المداخلات أن الكثيرَ من المسؤولين في الغرف التجارية يمنعون القطاع الخاص من القيام بمسؤوليته الاجتماعية في العقود الماضية باعتبار أن الحكومة ليست في حاجة إلى (صدقاتهم)، واستمر هذا الوضع حتى اختفى الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية لدى القطاع الخاص بمعناها الواسع، واستمر القطاع الخاص في صرف مبالغ المسؤولية الاجتماعية كصدقات وتبرعات.
كما يرى البعض أن قضية المسؤولية الاجتماعية فيها تقصير كبير، ليس من القطاع الخاص بل حتى من الحكومة نفسها، فلم تخلق البيئة التشريعية والتطبيقية لأن تتنافس الشركات والبنوك على تقديم خدمات للمجتمع.
وفي نهاية النقاش طرح الملتقى عددًا من التوصيات، أهمها: هناك حاجة ماسة لدراسات متخصصة تحدِّد مفهوم المسؤولية الاجتماعية تجنُّبًا لتداخل هذا المفهوم مع مفهوم “العمل الخيري”. ضرورة قياس حجم المشاركة الفعلية للشركات وتوضيح حجم المشاركة المأمولة. ضرورة خلق البيئة التشريعية والتنظيمية والتطبيقية الكفيلة بتنافس جميع شركات القطاع الخاص لتقديم خدماتها للمجتمع، بإعادة صياغة جميع القوانين والأنظمة الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية من كافة الجوانب المتعلقة بها. تقديم كافة التسهيلات الإدارية والقانونية والمُحفِّزة للشركات التي قطعت شوطًا في مساهمتها الاجتماعية، الكفيلة بتحفيزها لزيادة مشاركتها واستمراريتها. من المفيد جدًّا التقدير اللائق لكل مَن يسهم بخبرته ووقته في المسؤولية الاجتماعية، مع توجيه وإدارة جميع المتطوعين التوجيه الصحيح في برامج المسؤولية الاجتماعية؛ منعًا لاستغلالهم باسم التطوُّع في برامج لا تمتُّ بصلة للمشاركة المجتمعية. ضرورة حث الشركات على تجويد نوعية عملها الأساسي بأن يكون وَفق مسؤولية اجتماعية نابعة من ذاتها، بعدم التقصير في أداء واجباتها الأصلية تجاه المجتمع. أهمية قيام الغرف التجارية بالدور المأمول منها، بصناعة تشريعات حديثة تتفق والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع السعودي، اتسامًا مع توجهات رؤية المملكة 2030 في بناء منهجية رفيعة المستوى للمسؤولية الاجتماعية. أهمية إنشاء قاعدة بيانات خاصة تُساعد في تحليل الوضع القائم، ووضع توقُّع مستقبلي للمسؤولية الاجتماعية تكون بمثابة “خارطة طريق للمسؤولية الاجتماعية” تُحدِّد وتُقنِّن وتوجِّه جميع أنشطة المسؤولية الاجتماعية. أهمية غَرْس مفهوم المسؤولية الاجتماعية عند الأفراد منذ الصغر، وذلك بتوجيه قدرات الشباب نحو القيم الإنسانية والعطاء وقيمة الإيثار altruism وغرسها عند الأطفال.
مقدمة:
مما لا شك فيه أن للقطاع الخاص دورًا مهمًّا ومسؤولية اجتماعية في معظم دول العالم ولا سيما الدول المتقدمة؛ كالولايات المتحدة الأمريكية واليابان وأوروبا وكذلك الدول النفطية الغنية، حيث يكون للقطاع الخاص بشركاته ومؤسساته وبنوكه ومستشفياته وكذلك رجال المال والأعمال الأثرياء من المجتمع دورٌ مهمٌّ وحيوي ورائد في مساعدة أفراد المجتمع وفئاته من المحتاجين والطبقة الكادحة والفقراء والمطلقات والذين لا يستطيعون توفير لقمة عيشهم ولا يستطيعون توفير مصاريف علاجهم المكلفة، في ظل الأزمات المالية التي نعيشها كالغلاء وانهيار الأسهم التي أدخلت الناس في ديون لا نهاية لها.
والمملكة لديها شركات ضخمة ومؤسسات وبنوك وغيرها من مؤسسات القطاع الخاص، التي لها مساهماتها الفعالة في هذا المجال الخاص بخدمة المجتمع مقتنعةً بأن مسؤولية اجتماعية، وأنه لا بد من مشاركة القطاع الخاص في ذلك من مبدأ التكافل الاجتماعي الذي حثنا عليه ديننا الحنيف ومساعدة الأغنياء للفقراء؛ ولكن في الوقت نفسه هناك بعض الشركات والبنوك والمؤسسات وأصحاب رؤوس الأموال تظل مشاركتهم ضعيفة جدًّا، بل قد تكون معدومة، ويصل الحد للبعض منهم إلى التهرُّب من دَفْع الزكاة المفروضة على المال، بالرغم من أن هذه الشركات والمؤسسات والبنوك تُحقِّق أرباحًا خيالية جدًّا نتيجة ما يوفِّره الاقتصاد السعودي من فرص استثمارية كبيرة جدًّا تُحقِّق عوائدَ كبيرة جدًّا، إضافةً إلى عدم وجود ضرائب تُفرض على أنشطتهم التجارية والطبية والاقتصادية والصناعية، كما يحصل في كثير من دول العالم باستثناء الزكاة الشرعية المفروضة، والتي للأسف الشديد يتهرب كثير منهم عن سدادها.
ومن هنا؛ فإن مسؤولية القطاع الخاص تجاه المجتمع كبيرة وعظيمة ومطلوبة في كل الأحوال والظروف للمساهمة في توفير بعض الخدمات التي يحتاجها المجتمع؛ كإنشاء مستشفيات خيرية للفقراء والمحتاجين ومساكن خيرية للمطلقات والأرامل من النساء ودور عجزة المسنين، والعمل على تأهيل الشباب من خلال عمل برامج تدريبية لهم وتوظيفهم وتقديم قروض لهم بدون فوائد، وغيرها من أعمال الخير التي تصبُّ في صالح المجتمع، وتعود على أصحابها بالأجر العظيم. فنحن نعيش في مجتمع مسلم يدعو إلى التكافل بين أفراده، ويحثُّ على فعل الخيرات وبذل العطاء والصدقات، قال الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾[ المائدة: آية 2].
لذا تُعدُّ قضية “المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص” من القضايا المهمة التي طرحها ملتقى أسبار من خلال ورقة العمل التي قدَّمتها د. الجازي الشبيكي، وجرت حولها العديد من المداخلات ناقشت: (المسؤولية الاجتماعية لبعض البنوك، دور القطاع الخاص في مواجهة المشكلات الاجتماعية، محفزات للقطاع الخاص لأداء دوره الاجتماعي، مؤشر لقياس مساهمات الشركات الاجتماعية، جوانب مهمة للمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص، المشاركة في المسؤولية الاجتماعية في الغرب، عدم وضوح الدور الفعلي للقطاع الخاص تجاه المجتمع، آليات وأنظمة تضمن مساهمة القطاع الخاص في برامج المسؤولية الاجتماعية، مسؤوليات الدولة في تفعيل مساهمة القطاع الخاص في برامج المسؤولية الاجتماعية، قراءة في مساهمات القطاع الخاص في برامج المسؤولية الاجتماعية وأولوياتها، الحرب على المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص، الأفراد العاديون ومشاركتهم في المسؤولية الاجتماعية، البيروقراطية والمعوقات في العمل الاجتماعي، المسؤولية الاجتماعية ورؤية المملكة 2030، تجارب في مشاركة القطاع الخاص في المسؤولية الاجتماعية، دور الجامعات في قضية المسؤولية الاجتماعية). وفي النهاية طرح الملتقى عددًا من التوصيات المهمة. من خلال ورقة العمل التي كتبتها الدكتورة/ الجازي الشبيكي، وعقَّب عليها الدكتور/ حسين الحكمي والدكتور/ يوسف الحزيم والأستاذة/ منى أبو سليمان.
كتبت د. الجازي الشبيكي: مع تنامي دور القطاع الخاص في البرامج التنموية في أغلب المجتمعات، سعت كثيرٌ من منظماته ومؤسساته إلى تبني برامج للمسؤولية الاجتماعية لمساندة الجهود الحكومية في التخفيف من الظروف والمشكلات التي تواجهها الفئات الأكثر احتياجًا؛ سعيًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بمرتكزاتها الثلاثة: النمو الاقتصادي، والتقدم الاجتماعي، وحماية البيئة.
ونعني بالمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص: التزام الشركات والمؤسسات والمراكز التجارية بالمساهمة في التنمية المستدامة، لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم أهداف التجارة ويحقق مصالح المجتمع.
والميثاق العالمي للمسؤولية الاجتماعية هو إستراتيجية مقررة من قِبل الأمم المتحدة، يُقدِّم منبرًا للأعضاء من أجل تحقيق مصالحهم وتعزيز الالتزام نحو الاستدامة وروح المشاركة والمسؤولية الاجتماعية.
ومصطلح المسؤولية الاجتماعية بدأ استخدامه تاريخيًّا في القرن الثامن عشر الميلادي حين أعلن الفيلسوف الاقتصادي “آدم سميث” أن احتياجات ورغبات المجتمع سوف تتحقق على أفضل وجه بفضل التعاون بين المنظمات والمؤسسات الاقتصادية والمجتمع، ثم شاع استخدام المصطلح في أواخر الستينيات والسبعينيات، وهو يغطي مجموعةً واسعةً من القضايا التي غالبًا ما يُشار إليها بركائز ثلاثية (الربح، والناس، والبيئة الاجتماعية).
وقد مرَّت علاقة المسؤولية الاجتماعية بالقطاع الخاص بعدة مراحل:
1) مرحلة أداة تعظيم الأرباح (ما هو جيدٌ لي جيدٌ للوطن).
2) مرحلة أداة الوصاية (ما هو جيد للشركاء والمساهمين جيد للوطن).
3) أداة نوعية الحياة (ما هو جيد للمجتمع هو جيد للأفراد والشركاء والوطن).
وللمسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص عدة أبعاد جاءت في إحدى دراسات مؤسسة الفكر العربي على النحو التالي:
- المسؤولية الاجتماعية تجاه العملاء:
– ممارسات تسويقية أخلاقية وقانونية.
– سلامة المنتجات والخدمات وجودتها.
– علاقات أخلاقية.
- المسؤولية الاجتماعية تجاه الموظفين:
– الشفافية والعدالة في التعيين والتعويضات والترقيات والاستقرار الوظيفي.
– تعيين المواطنين والأقليات وذوي الإعاقة وترقيتهم وظيفيًّا.
– توفير الصحة والسلامة في مكان العمل
- المسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع:
– الممارسات التجارية الأخلاقية والقانونية.
– صحة المجتمع ورفاهيته.
– التخفيف من وطأة الفقر.
- المسؤولية تجاه البيئة:
– مباني صديقة للبيئة ونباتات طبيعية.
– التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه.
– المحافظة على المياه وتجنُّب تلوثها.
– الحفاظ على الطاقة واستخدام الطاقة البديلة.
– تفادي تضرر البيئة بشكل عام.
من فوائد المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص:
1) يشير عدد من التقارير الاقتصادية إلى أن الشركات التي تحقِّق المسؤولية الاجتماعية يزيد معدل الربحية فيها عن 18٪ عن تلك التي ليس لديها برامج في المسؤولية الاجتماعية.
2) أظهرت دراسة أجرتها (coparate giving guid lines ,2011) أن 76٪ من المستهلكين يفضِّلون التعامل مع المؤسسات التي تُطبِّق برامج المسؤولية الاجتماعية أكثر من تعاملهم مع المؤسسات صاحبة العلامات التجارية الشهيرة، كما أظهرت الدراسة ذاتها أن الموظفين في المؤسسات التي تُطبِّق برامج في المسؤولية الاجتماعية لديهم ولاء لمؤسساتهم بنسبة تصل إلى 87٪ أكثر من الموظفين في المؤسسات الأخرى، وأن 83٪ من الموظفين الجدد يرغبون في العمل لدى تلك المؤسسات.
ومن متطلبات نجاح برامج المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص:
– ضرورة وجود إدارة متخصصة معنية بالمسؤولية الاجتماعية داخل الشركات والمؤسسات التجارية تتولى التخطيط والتنفيذ لتلك البرامج والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وأن تتبع للإدارة العليا مباشرة.
– على الحكومات وَضْع التشريعات والقوانين اللازمة لتفعيل الشراكة المطلوبة في مجال عمل المسؤولية الاجتماعية بين القطاع العام والقطاع الخاص.
– ضرورة اهتمام وسائل الإعلام بالتوعية بنَشْر ثقافة المسؤولية الاجتماعية ومبادئها الصحيحة، وتعزيز ثقافة ووعي أفراد المجتمع بمتطلبات المسؤولية الاجتماعية ومجالات عملها المختلفة.
– دعم مراكز الأبحاث التي تولي اهتمامًا بالمسؤولية الاجتماعية ودراسات المجتمع، وكذلك دعم المؤتمرات والملتقيات التي من شأنها النهوض بالمجتمع بصفة عامة.
– وضع آليات تحفيزية من قِبل الدولة وتشجيع ودعم التنافسية الاجتماعية المسؤولة.
ومن التحديات التي تواجه المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص:
1) ضعف وجود إطار أو مرجعية موحدة.
2) نقص المعلومات والبيانات.
3) ضعف التنسيق والمتابعة والتقييم والتقويم.
ويرى بعض المهتمين بالمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص أن من أولويات المسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات الربحية في المملكة العربية السعودية: التركيز على برامج التأهيل والتدريب لسد الفجوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل، إلى جانب دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ودعم مراكز الأبحاث، والتنسيق مع مؤسسات العمل الخيري لتنفيذ مشاريع خيرية ومشاريع اجتماعية تنموية.
عقَّب د. حسين الحكمي: أرى أن المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص من الجوانب المهمة التي تغفل عنها كثير من مؤسسات القطاع الخاص.
وإذا اتفقنا أنَّ مصطلح المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص أو ما يُعرف بالمسؤولية الاجتماعية للشركات: هو كل ما تقوم به الشركات، أيًّا كان حجمُها أو مجال عملها، طواعيةً من أجل تعظيم قيمتها المضافة للمجتمع ككل؛ فإننا نُعطي بذلك أهم ثلاثة جوانب، وهي الإنسان والبيئة والاقتصاد.
إنَّ المسؤولية الاجتماعية لمؤسسات القطاع الخاص هي مسؤولية كل فرد يعمل بالمؤسسة وليست مسؤولية الإدارة العليا أو إدارة بذاتها كما يحصل أحيانًا، بأن يُلقى باللوم على إدارة المسؤولية في المؤسسة من بعض الموظفين ظنًّا منهم أن لا علاقة لهم بذلك.
تبدأ المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص من التزامه بالقوانين المختلفة وخصوصًا تلك المتعلقة بحقوق العاملين، والحفاظ على البيئة وتنمية المجتمع؛ إذ الجانب المجتمعي المتعلق بالناس وخدماتهم أكثر الجوانب وضوحًا بسبب أنه مرتبط بالناس واحتياجاتهم، وتُركز عليه وسائل الإعلام؛ لذا يظن البعض أن قيام أيٍّ من مؤسسات القطاع الخاص بتقديم الخدمات للفقراء والمحتاجين وذوي الإعاقة وتقديم المساعدات العينية والنقدية، وفي أحسن الأحوال يرون أن ما تقوم به مؤسسات القطاع الخاص من تدريب وتأهيل للشباب أو في التوظيف وخلق فرص عمل هو المسؤولية الاجتماعية فقط؛ بلا شك هذا جزء من المسؤولية الاجتماعية لكنه ليس كل شيء، فالقطاع الخاص مطلوبٌ منه مشاركات مجتمعية أخرى ذات أثر مهم على فئات أخرى من المجتمع، مثل البيئة. كثيرٌ من مؤسسات القطاع الخاص وبالذات التي تعمل في الصناعة تستفيد في منتجاتها من الموارد البيئية، وهنا من الواجب على مثل هذه المؤسسات أن تعمل على المحافظة على هذه الموارد من النضوب أو من الاستخدام الجائر من خلال الاستخدام المناسب، وكذلك خلق بدائل جديدة للمحافظة على الموارد التي تؤثر على البيئة والتغير البيئي ربما سلبًا. فهناك مَن يستخدم موادَّ من الأشجار أو من المياه أو من المعادن والتي هي مكسب للبيئة التي توجد فيها، وعند فنائها ستنعكس سلبًا على البيئة ويتأثر الإنسان. من جانب آخر، على هذه المؤسسات أن تراعي مسألة كيفية التعامل مع النُّفايات أو المنتجات التي لا يمكن الاستفادة منها، بأن تعمل على التخلُّص منها دون الإضرار بالبيئة، أو من خلال إعادة تدويرها مرة أخرى. فمثلًا، شركات البطاريات والبتروكيماويات والأجهزة الإلكترونية إذا لم يتم تدويرها أو التخلص منها بشكل سليم؛ فإن آثارها على البيئة ستظهر مستقبلًا، وبشكل سيئ يؤدي إلى تأثُّر الإنسان.
الجانب الثالث الأخير وهو ما يحصل فيه كثير من النقاش وهو المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات في الجانب الاقتصادي، وهو يتعلق بالحرص على نجاح المؤسسة وربحيتها واستفادة المنتسبين لها وكذلك المساهمون. فنجاح المؤسسة وربحيتها ينعكس بشكل إيجابي على المجتمع، فيوفِّر اقتصادًا قويًّا يخدم العاملين في المؤسسة والمساهمين وأفراد المجتمع من خلال توفير وظائف ومنتجات تشبع احتياجات المجتمع.
لدينا في المجتمع السعودي مشاركات من القطاع الخاص في جانب المسؤولية الاجتماعية لكنها لا تزال ضعيفة ولا تليق بمجتمع دستوره الدين الإسلامي الذي يدعم كافة جوانب المسؤولية نحو المجتمع بكل جوانبه وفئاته.
نلاحظ أنَّ هناك مؤسسات وشركات استخدمت المسؤولية الاجتماعية كنوع من التسويق لها، وهذا حسن ولا ضيرَ فيه؛ لكن للأسف أنَّ مِن تلك الشركات مَن استخدمته بأسلوب سلبي فاستغلت حاجة الناس للمساعدة بأن عزفت على وتر العاطفة بأنها تقدِّم مساعدات للفئات المحتاجة وتصوِّر ذلك بشكل قد يصل إلى حد الإهانة للمستفيدين. كما أن بعض الشركات استغلت حُبَّ الشباب السعودي للتطوع وبدأت في جذبهم للمشاركة في عملها للمسؤولية الاجتماعية بـأن صوَّرت لهم أن عملهم كي يكون تطوعًا فإنه يكون مجانيًّا؛ وبذلك استغلت حُبَّ الشباب للخير والعمل التطوعي بأن شغَّلتهم في أعمال يُفترض أنها مدفوعة الأجر.
وعقَّب د. يوسف الحزيم: اتسمت الورقة الرئيسة التي قدَّمتها د. الجازي الشبيكي بالتماسك المنهجي والشمولية ووضوح المفاهيم؛ في حين افتقدت إلى الممارسات التطبيقية والدراسات والأبحاث ذات العلاقة بالموضوع في الشأن السعودي.
ثم إنَّ كوني عضوًا في مجلس المسؤولية الاجتماعية بمنطقة الرياض والتابع للغرفة التجارية فيها؛ فقد خضتُ التجربة من كثب، وكان ثمارها: 1- دراسة معمقة ومرموقة عن المسؤولية الاجتماعية دوليًّا وآلياتها. 2- معرض المسؤولية الاجتماعية السنوي. 3- جائزة المسؤولية الاجتماعية. 4- مؤشر رصد الاستدامة في مجال المسؤولية الاجتماعية. 5- دورات متخصصة لتأهيل أخصائي المسؤولية الاجتماعية. إن الغرفة والمجلس قاما بدور ممتاز ومشهود في مرحله ما؛ ولكن غابت تاليًا الاستدامة لظروف خاصة. الجدير ذكره أن تجربة المجالس موجودة في الغرف التجارية في أنحاء المملكة.
وأذكرُ أنني شاركت بوصفي خبيرة في تنفيذ برامج المسؤولية الاجتماعية في دولة البحرين بالتعاون مع الشبكة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية، حيث تُعدُّ الأكثر بروزًا عربيًّا وخليجيًّا في منح الشهادات الدولية كترخيص مزاولة مهنة، وكذا شهادة فحص ومطابقة الشركات للمعايير الدولية، وهي مستقاة من الأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية. وللشبكة مؤتمرات سنوية وجائزة عربية وتقرير رصد سنوي. تعاني الشبكة من ضعف مخرجاتها، وهي أقرب إلى نَشْر الوعي والعلاقات العامة، والسبب يعود إلى مركزية القرار بيد شخصية قيادية خليجية تُحرِّك الشبكة مع تمتعه بالكاريزما العاطفية والتشتت.
كما أنني اطَّلَعْت على تجارب القطاع الخاص السعودي الذي يكاد ينحصر في قطاع البنوك والشركات شبه الحكومية والشركات العائلية الكبرى، وأستطيع أن أقسّمها إلى خمس ممارسات في المسؤولية الاجتماعية: 1- مشاركة المصارف خجولة جدًّا باستثناء بنك الجزيرة. 2- مشاركة الشركات شبه الحكومية الكبرى، وأبرزها سابك التي تعدُّ التجربة الرائدة، فيما تعدُّ شركة أرامكو ظاهرة صوتية واستدركت أخيرًا بمركز إثراء. 3- الشركات التجارية الكبرى، وتنقسم إلى ثلاث: شركات أسَّست مؤسسات خيرية خاصة، مثل: (الجميح، والسبيعي، وصالح كامل، وعبد اللطيف جميل)، شركات تنفق أموالها في البلدان التي يعود جذور مالكيها لها: (سعودي أوجيه، وبن لادن، وبقشان، والعيسائي)، شركات تساهم بناءً على طلب أمراء المناطق، مثل: (الجريسي والراشد)، شركات كبرى لا تُنفق مطلقًا، أو النذر اليسير، ولا توجد بها وحدات للمسؤولية الاجتماعية. (4) غياب شبه تام للمسؤولية الاجتماعية في المؤسسات المتوسطة والصغيرة. (5) غياب شبه تام للشركات الأجنبية باستثناء شركة شل في ريادة الأعمال.
الخلاصة؛ إن مفهوم المسؤولية الاجتماعية قفز بشكل كبير في السنوات العشر الأخيرة وحقَّق إنجازاتٍ جيدةً، ويحتاج إلى تدخل إستراتيجي حكومي ممثل في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية والغرف التجارية وهيئة سوق المال وهيئة الزكاة والضرائب عبر ما يلي: 1- تأسيس إطار قانوني (تشريع) يخطِّط وينظِّم وينسِّق الجهود مع خلق شراكات دولية مع المنظمات الإقليمية والدولية ذات العلاقة، على أن تقوم الدولة بسنِّ تشريعات ملزمة تشمل حوافز وجزاءات، وعلى أن تدرج المسؤولية الاجتماعية كأحد شروط الإفصاح في المراكز المالية، مع فرض تأسيس وحدات داخل الشركات تُعنى بالمسؤولية الاجتماعية. أضف إلى ذلك اعتماد المسؤولية الاجتماعية كمحور من محاور الحوكمة، ناهيك عن إطلاق برنامج محترف لترخيص مزاولة المهنة، وإطلاق جائزة وطنية كبرى.
كما عقَّبت أ. منى أبو سليمان: من المؤكد أن المسؤولية الاجتماعية أيضًا أخذت حيزًا في رؤية 2030 كطريقة لدعم القطاع الثالث وتحفيز التوظيف به.
إلا أنني أرى أن قسم المسؤولية الاجتماعية – للأسف- لم يرقَ لما يحتاجه المجتمع، وفي كثير من الأحيان يكون تحت إدارة مدير التسويق، فيصبح القسم جزءًا من ذلك، فضلًا عن وجود قلة فقط من مديري أقسام المسؤولية الاجتماعية لديهم الأدوات والعلم والعلاقات التي تساعدهم في تكوين خطة حقيقية تدعم احتياجات المجتمع والوطن والبيئة. وكثيرًا ما نسمع عن مبادرات تُعلن لا نَرى منها إلا صورة أو خبرًا في صحيفة.
تعاني مؤسسات القطاع الثالث من قلة الدعم المالي، وضعف مستوى الموظفين، وعدم اهتمام الشركات بهم خارج دعم بعض المشاريع ذات الأثر. والمؤسسات الخيرية محتاجة لخبرات القطاع الخاص الإدارية، كما تحتاج للدعم الكافي لتنفيذ مشاريعها. غير أنَّ معظم الدعم المالي يذهب لعدة مؤسسات خيرية كبيرة ومعروفة فيسبب نقصًا شديدًا للمبادرات غير المدعومة من الوجهاء (مثلًا، مبادرات البيئة، أو مبادرات دعم العلاج النفسي).
معظم الشركات اهتمت بالتدريب والتأهيل، والكثير فشل في ذلك؛ لأنه لم يدعم المشاريع بطرق تكاملية من بناء البرنامج المناسب، ودعم الطلبة ماليًّا خلال التدريب، ثم العمل معهم لإيجاد الوظائف.
البرامج المجتمعية الناجحة تتكون من سلسلة مبادرات تتعاون لحل مشكلة معينة من مختلف الأوجه، وفي معظم الأحيان يتم دعم جزء فقط وتفشل المبادرة في حل المشكلة بحل جذري.
كذلك فإن تكلفة البرامج الجيدة كبيرة، وعندما يكون الهدف إعلاميًّا لا نجد تعاونًا ما بين الشركات من القطاع نفسه، وبناء شراكات مع بعضها البعض لدعم الشباب دعمًا حقيقيًّا متكاملًا.
إذا أردنا حقًّا أن تنجح برامج المسؤولية الاجتماعية فلا بد من فصلها من إدارة التسويق (مع العلم أن نجاح مبادراتها يسهم في بناء البراند)، وتحديد أولويات العمل على حسب احتياجات المجتمع المحيط، وعن طريق حصر الدراسات التي تمت بوزارات التخطيط والشؤون الاجتماعية والمؤسسات المعنية بالقطاع الخيري (مثل مؤسسة الملك خالد والجميح)، لتكوين مبادرات مبنية على أسس صحيحة ومتكاملة. طبعًا بعض الشركات مثل سابك عملت برامج ممتازة، لكن لو كان ذلك العادي لما كان حال القطاع الثالث على ما هو عليه.
أخيرًا؛ أتصور أن رؤية 2030 أسهمت في تغيير النظرة لقسم المسؤولية الاجتماعية ووضع بعض المعايير له، ولكن الوضع الاقتصادي قد لا يسمح بالتغيير الشمولي الذي نحتاجه.
المداخلات:
المسؤولية الاجتماعية لبعض البنوك:
أشار د. خالد الرديعان إلى أنه وحتى لا نُعمّم ونظلم بعض البنوك، فأشير إلى أن البنك الأهلي له ريادته في برامج المسؤولية الاجتماعية من خلال دَعْم الأسر المنتجة وتقديم القروض للسيدات، إضافة إلى برنامج أهالينا الذي ينفذه البنك.
حسب نشرات البنك، فإنه يستهدف في برامج الأُسر المنتجة نحو ٨٥٠ ألف سيدة بهدف تقديم التدريب والقروض لهن، وكذلك تسويق منتجاتهن لضمان نجاح ما يقوم به ويصبُّ في التنمية المستدامة. اتفق معه في ذلك د. يوسف الحزيم، وأضاف أن هذا كان في الماضي حينما كانت حصة المحفوظ حصة وازنة، أما بعد تغيُّر حصص الملكية وإعادة الهيكلة؛ ضعف هذا الحضور.
بينما في ظنِّ د. حميد الشايجي أن تقديم القروض لا يدخل ضمن برنامج المسؤولية الاجتماعية. ويرى د. خالد الرديعان أنها قروض صغيرة دون أرباح، لكن لا ننسى أن البنك يقدِّم تدريبًا وتسويقًا، وهما – في رأيي – أهم من القروض.
وترى د. وفاء طيبة وكما ذكر د. يوسف، أن بنك مثل سامبا ظلَّ يُقدِّم رواتب كل موظفين ومكافآت كل الطالبات والطلبة في الجامعة، ولم يقدِّم أيَّ شيء للجامعة، ولا لغير الجامعة حسب علمي.
دور القطاع الخاص في مواجهة المشكلات الاجتماعية:
ذهبت أ. فائزة العجروش إلى أن على القطاع الخاص العمل سويًا مع الحكومة ممثَّلة في الجهات المعنية لمواجهة عدد من المشاكل الاجتماعية الكثيرة والشائكة التي تؤثِّر بشكل أو بآخر في مجريات الحياة الاقتصادية والتنموية في المملكة، ومحاولة إيجاد حلول لها، ومن أهمها: استحداث فرص عمل جديدة للشباب لخفض معدلات البطالة، ودعم مراكز البحوث والدراسات، والمساعدة في حل مشكلة الإسكان، وإقامة المشاريع التنموية، والمساهمة في مختلف الأنشطة التي تسهم في استدامة التنمية المجتمعية. وكذلك نضيف إقامة الحملات التثقيفية والتوعية لمكافحة التلوث بكافة أشكاله في الجزء الخاص بالمسؤولية تجاه البيئة.
محفِّزات للقطاع الخاص لأداء دوره الاجتماعي:
تساءل د. خالد الرديعان: ما هي المحفزات التي يمكن تقديمها للقطاع الخاص لكي يضطلع بمهمة المسؤولية الاجتماعية؟
علقت أ. فائزة العجروش بأن الإجابة عن هذا التساؤل تنقسم لشقين؛ أولهما: لا بد من التطرق لأهمية دور الحكومة في مساعدة شركات القطاع الخاص بالقيام بدورها المأمول منها في المسؤولية الاجتماعية بتحقيق ما يلي:
– إعطائها الأولوية في المناقصات الحكومية.
– تطبيق ما يُعرف بالاستثمار المسؤول اجتماعيًّا Socially Responsible Investing (SRI)، بجعل المسؤولية الاجتماعية جزءًا من منظومة اختيار الاستثمارات، وتقديم تسهيلات قانونية وإدارية للشركات الملتزمة بتلك المعايير.
– تقديم الحوافز التشجيعية للشركات والمؤسسات الرائدة في تحقيق المسؤولية الاجتماعية بدافع ذاتي.
أما الشق الثاني فهو عن عدم إغفال أهمية الغرف التجارية والدور المأمول منها، والذي من شأنه دَفْع وتحفيز القطاع الخاص للمساهمة بدور بارز في المسؤولية الاجتماعية من خلال ما يلي:
– العمل على سنِّ الأنظمة التي تساعد وَتُسهِّل تمكين القطاع الخاص من القيام بمسؤولياته الاجتماعية.
– جَعْل المسؤولية الاجتماعية في قائمة الأولويات في الشركات والمؤسسات الخاصة.
– نَشْر ثقافة المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص بإقامة الندوات والمحاضرات وكافة الوسائل.
– تقديم جائزة سنوية لأكثر المؤسسات ريادةً في هذا المجال.
– الترويج الإعلامي اللائق للشركات التي قطعت شوطًا في مساهمتها الاجتماعية.
من جانبها ذهبت د. الجازي الشبيكي إلى أن ممَّا يُحفِّز القطاع الخاص للاضطلاع بمهمة المسؤولية الاجتماعية ما يلي:
1) وجود تشريعات وقوانين واضحة مُنَظمة للشراكة بينه وبين الدولة.
2) وجود آليات تحفيزية من قِبل الدولة تُشجِّع وتدعم التنافسية الاجتماعية المسؤولة.
3) تسهيلات وأولويات في الإجراءات الحكومية في تبني المشاريع وترسية المناقصات.
4) تخفيف في المتطلبات الضريبية.
5) دعم إعلامي ومجتمعي.
في هذا السياق تساءل أ. محمد الدندني: أليس من المفروض أن تكون بلا تقنين ولا تشجيع، تكون من عرفان رجل الأعمال والغني والمقتدر لإعادة جزء من مساهمة المجتمع لكونه القوة الشرائية التي نَمَّت ثروته… إلخ، وتكون مساهمة جامعة تخدم قطاعًا كبيرًا من المجتمع؟ علقت د. الجازي الشبيكي بأنه لا تتفق مع رؤية أ. محمد، فنحن الآنَ في عصر التقنين والمأسسة. كذلك فإن مفهوم المسؤولية الاجتماعية اليومَ أوسع من مجرد عطايا البر والإحسان من الأغنياء ورجال الأعمال.
مؤشر لقياس مساهمات الشركات الاجتماعية:
أوضحت أ. بسمة التويجري أن هناك انتقالًا لمفهوم المسؤولية الاجتماعية من الإطار الضيق المرتبط بالأعمال الخيرية (philanthropic) إلى أفق أرحب يأخذ في الاعتبار جميعَ الأطراف ذات العلاقة مع الشركات، ويعكس خُطط الشركة الإستراتيجية التي تتبنى هذا المفهوم، وتؤمن أن تطبيقها لهذا المفهوم سينعكس إيجابًا على أدائها المالي وغير المالي، وهو – في رأيي – من أهم التطورات التي طرأت على مفهوم المسؤولية الاجتماعية خلال السنوات الأخيرة.
يبقى موضوع آخر مهمٌّ يتعلق بمفهوم المسؤولية الاجتماعية هو صعوبة القياس والحاجة إلى إيجاد مؤشر علمي (index) يُستخدم لقياس وترتيب الشركات (ranking) حسب مدى إسهامها في تحقيق مسؤوليتها الاجتماعية.
اتفقت د. الجازي الشبيكي مع هذا الطرح، وأضافت؛ إننا كلما خطونا خطوات تقييمية تحكيمية تنافسية مدروسة في موضوع المسؤولية الاجتماعية، ضمنَّا برامج متميزة فاعلة في المسؤولية الاجتماعية في بلادنا.
جوانب مهمة للمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص:
يرى أ. فهد القاسم أن الحق الواجب ويمكن قياسه ويقع على الشركات نحو المجتمع والحكومة هو صدقة المال وهي الزكاة، والحكومة توجهه نحو مصارفه الشرعية التي تصبُّ في صلب المسؤولية الاجتماعية.
أما جوانب المسؤولية الاجتماعية الأخرى، فأعتقدُ أن أهمَّها يتلخص فيما يلي:
1. عدم إنتاج أو بيع أو ترويج سلع أو خدمات ضارة.
2. عدم إدخال عادات سيئة.
3. الاكتفاء بهوامش أرباح معقولة.
4. توظيف المواطنين وتدريبهم وتمكينهم.
5. عدم ممارسة أي تصرفات تفسد المجتمع، مثل: الرشوة، والغش… إلخ.
6. جودة المنتج والخدمة المُقدَّمة.
7. الالتزام بالأنظمة المتبعة وعدم مخالفتها.
8. المنافسة العادلة وعدم الاحتكار.
وأي جهود أخرى لخدمة المجتمع تقوم بها الشركات في القطاع الخاص، فهي إضافة وزيادة.
في هذا السياق ذكر د. خالد الرديعان أن أ. فهد يرى أن الزكاة التي يدفعها القطاع الخاص هي مسؤولية اجتماعية، ألا يُمكن أن يدفع ذلك الشركات للإحجام عن تقديم مشاريع تدخل ضمن المسؤولية الاجتماعية؟
علق أ. فهد القاسم؛ بالتأكيد أنا لا أرى الزكاة مسؤولية اجتماعية فقط، فهي واجب شرعي من قبلُ ومن بعدُ، ولكن لا أرى مطالبة الشركات بتبني برامج اجتماعية كأولوية؛ بل يجب عليها القيام بأدوارها الرئيسة وفق مسؤولية اجتماعية، وكثيرٌ من الشركات مُقصّرة في هذا الجانب، ومن أمثلة ذلك التقصير:
– بيع منتجات مقلدة.
– الإعلانات التي تسوِّق كذبًا.
– الفوائد الفلكية لبطاقات الائتمان.
– بيع الكتب والمطبوعات المخلة أخلاقيًًّا.
– تزوير تواريخ نهاية الصلاحية.
– التلاعب في القوائم المالية.
– أكل حقوق الغير.
– التلاعب بشهادات المنشأ.
– دفع الرشاوى لتغطية المخالفات.
– تزوير تواريخ انتهاء الصلاحية.
– تقديم الشيشة في المطاعم.
وللأسف فإن بعض الشركات تتبنى برامج المسؤولية الاجتماعية، وتذر بهذه البرامج الرماد في العيون، في حين أنها مُقصِّرة في واجباتها الأصلية تجاه المجتمع.
تساءل أيضًا د. خالد الرديعان؛ كأنك تقترح وضع شروط لمَن يودُّ تقديم برامج مسؤولية اجتماعية، ألا يمكن أن يكون في ذلك تحجيم لمن يودُّ خدمة المجتمع؟ من جانبه يرى أ. فهد القاسم أن المسؤولية الاجتماعية الأولى للشركات تكمن في قيام الشركات بمهامها الأساسية، وفق إطار أخلاقي ومجتمعي، وتكون المطالبة الأولى للشركات بتجويد عملها، وقانونية وأخلاقية ممارساتها، ويُترك للمجتمع محاكمة الشركات في فعالية مبادراتها الاجتماعية الأخرى.
المشاركة في المسؤولية الاجتماعية في الغرب:
كما تساءل د. زياد الدريس؛ يقول البعض إن دافع الشركات الكبرى في الغرب للمشاركة في المسؤولية الاجتماعية هو التهرُّب من الضرائب، فما دقة هذا الاتهام؟ وهل يمكن أن تزداد مساهمات القطاع الخاص عندنا في برامج المسؤولية الاجتماعية بعد أن تمَّ تفعيل برنامج الضريبة؟
أجاب أ. محمد الدندني بأن هناك نشاطات تخصم من الضرائب ولكن ليست كلها، هناك تبرعات لا تخصم من الضرائب مع أنها تُستخدم للدعاية وجزء من التسويق. ومن الملاحظ أن التبرعات الضخمة وغالبها أوقاف للجامعات أو للمستشفيات أو تُخصَّص لأبحاث مرض معين، هذا النوع لا يوجد لدينا.
عدم وضوح الدور الفعلي للقطاع الخاص تجاه المجتمع:
أوضحت أ. فائزة العجروش أنها تعتقد أنه بسبب غياب مفهوم واضح ومتفق عليه للمسؤولية الاجتماعية لدينا، وفي ظلِّ عدم وجود أنظمة واضحة أو لائحة مستقلة تقوم بالتعريف عنها في القطاع الخاص وتوضيح ما هو حجم المشاركة المتوقعة منه سنويًّا؛ زاد من خلق صورة ضبابية عن الدور الذي من المفروض أن تقوم به مؤسسات القطاع الخاص في المملكة تجاه المجتمع؛ فهناك مؤسسات خاصة تنظر لذلك من خلال تحقيق نسب سعودة مرتفعة، وهناك مَنْ يظن أن المسؤولية المجتمعية هي من مهام الإدارة فقط في الشركات وليس لموظفيها دخلٌ في ذلك. ومن جانب آخر، هناك مَن ينظر لها من رجال الأعمال مِن منطلق أن تحمُّلهم للمخاطر الاستثمارية بأنواعها عن توظيف أموالهم ومدخراتهم الخاصة في المشروعات الاستثمارية قد حقَّق المطلوبَ منه من المسؤولية المجتمعية؛ لذلك نوصي بوَضْع مفهوم واضح للمسؤولية الاجتماعية المأمولة من القطاع الخاص، وسنِّ الأنظمة ووَضْع اللوائح التعريفية التي تُحدِّد وتُنظِّم تلك المسؤولية لدى شركات ومؤسسات القطاع الخاص، (كوَضْع حد أدنى لتلك المساهمة مرتبط بدخل الشركة السنوي).
آليات وأنظمة تضمن مساهمة القطاع الخاص في برامج المسؤولية الاجتماعية:
ذكر د. حميد الشايجي؛ لاحظت أنَّ هناك خلطًا كبيرًا في المجتمع حول فهم مصطلح المسؤولية الاجتماعية ومغزاه.
والمسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص هي مسؤولية أخلاقية تجاه المجتمع الذي يعمل فيه هذا القطاع ويستفيد من خيراته.
لكن تفاعل القطاع الخاص مع هذا المفهوم لا يزال دون المأمول، على الرغم من البرامج التوعوية التي تبذلها الغرف التجارية للتعريف به. فمن الحوافز المستخدمة لتفعيل مشاركة القطاع الخاص هو اعتبارها من شروط الدخول في المناقصات الحكومية، أي تعتبر من نقاط التفضيل لترسية المناقصات الحكومية. ولكن هناك إشكالية في تفعيل هذا المتطلب. كما أن بعض الشركات لا تعتمد في عملها على المناقصات الحكومية ومن ثَمَّ لا يعنيها هذا الأمر، ولا يوجد نظام مُلزِم لها للمساهمة؛ ولذلك تكون مساهمتها في المسؤولية الاجتماعية محدودة.
لذلك لا بد من وجود آليات وأنظمة تضمن مساهمة القطاع الخاص، وبشكل أكثر فاعليةً في برامج المسؤولية الاجتماعية.
وعلَّق د. خالد الرديعان أنه بحكم جدة المصطلح (المسؤولية الاجتماعية) في مجتمعنا، فهل يُعتقد أن المصطلح شائعٌ في القطاع الخاص، وأنهم يضعونه ضمن أولوياتهم؛ أم أننا بحاجة لحملات إعلامية للترويج للمصطلح ونشره؟ أجاب د. حميد الشايجي: للأسف، لا، ولا يزال المشوار طويلًا، ولاختصار المشوار لا بد من سن تشريعات مُلزِمة للقطاع الخاص.
فيما يتعلق بالتشريعات تذكر د. وفاء طيبة أنه كان هناك مشروع نظام للمسؤولية الاجتماعية مُقدَّم من د. زينب أبو طالب.
مسؤوليات الدولة في تفعيل مساهمة القطاع الخاص في برامج المسؤولية الاجتماعية:
في اعتقاد أ. مطلق البقمي أن موضوع المسؤولية الاجتماعية فيه تقصير كبير، ليس من القطاع الخاص بل حتى من الحكومة نفسها، إذ إنها لم تخلق البيئة التشريعية والتطبيقية كي تتنافس الشركات والبنوك على تقديم خدمات للمجتمع.
الحكومة أصبحت الآنَ تتقاضى ضرائب ورسومَ خدمات (الجمركية مثلًًا)، ما المانع في تقديمها تسهيلات ضريبية للشركات التي تقدِّم خدمات للمجتمع، هذا الأمر سيؤدي إلى ثلاث فوائد:
١- التخفيف على الحكومة وميزانيتها (من حيث التشغيل وتكلفة التشييد) من تقديم بعض الخدمات للمجتمع؛ كأن تتحمل شركة ما بناء مستشفى تخصصي في إحدى المدن، أو مراكز غسيل كُلى، أو دار للعجزة، أو أندية لممارسة الرياضة لسكان الحي، أو عمل معاهد تدريب مجانية.
٢- يساعد الشركة على إبراز اسمها في المجتمع، وهو ما يخلق نوعًا من التآلف بين الشركة وأفراد المجتمع بشكل عام، وبالتالي قد يزيد من الإقبال على منتجاتها.
3- الإعفاء من الرسوم والضرائب للشركة قد يساعدها لزيادة أرباحها.
ومن أجل ذلك يعمل مؤشر بالإمكان ربطه مع اسم الشركة المتداولة في سوق الأسهم يُحدِّد مدى فاعليتها في المجتمع، في حين يعمل مؤشر آخر للشركات غير المتداولة.
أيدت د. وفاء طيبة ذلك وخاصة لو كان هناك بالفعل توجُّه من الدولة لتحديد المجالات التي تريد أن يُقدِّم فيها القطاع الخاص مشاريع من خلال المسؤولية الاجتماعية، فحسب ما نرى ويبدو لي أن جميعها تتوجه نحو ضرب الفقر عند النساء في تعليمهن وتدريبهن على صناعة أو مهنة معينة لتكون مصدرَ عيش لهن، فماذا لو توجَّه القطاع الخاص نحو مراكز للموهبة مثلًا أو مستوصفات وعيادات ومستشفيات، أو مراكز أبحاث، وحسب حاجة الدولة؛ أعتقد سيكون دورُه فعَّالًا بشكل جيد، ولكن قبل كل شيء يجب أن توجد التشريعات من الدولة التي قد تفرض وتنظم مثل هذه المشاركات من القطاع الخاص.
من جانبها تعتقد مها العيدان أن ضعف دور المسؤولية اﻻجتماعية في المجتمع السعودي يرجع أيضًًا إلى ما يلي:
– ضعف القوانين والأنظمة التي لا بد من إعادة صياغتها لتواكب وقتنا الحالي.
– وَضْع القوانين لتنظيم البرامج المنظمة من خلال مصلحة الزكاة والدخل.
– وَضْع حد أدنى للأجور من خلال تحديد المتطلبات الأساسية للفرد.
قراءة في مساهمات القطاع الخاص في برامج المسؤولية الاجتماعية وأولوياتها:
ذهب د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أن المسؤولية الاجتماعية تأتي كعبارة لها دلالاتها المعنوية؛ بمعنى أن الفرد يقع على عاتقه مسؤولية مجتمعية تحتم عليه داخل مجتمعه أن يكون عنصرًا فاعلًا في المناشط المتعددة داخل أي مجتمع.
بهذا الإيضاح البسيط، يمكننا القول إن عبارة مسؤولية اجتماعية هنا هو أمر يعبِّر عن هاجس حسي يُشعِر الفردَ بالواجب المُلقَى على عاتقه خلال تعايشه ومعايشته مع أبناء مجتمعه.
وبحكم أن الأصل في السعي نحو المؤازرة والمساندة داخل المجتمعات تتأتى من الأفراد ابتداءً، إلا أن الفرد مع النمو السكاني المطرد وترامي أطراف المدن، فضلًا عن تعدُّد وتنوُّع احتياجات المجتمعات؛ أدَّى ذلك إلى وجوب النهوض بهذه المسؤوليات من لدن منظمات ومنشآت اقتصادية يتحتم عليها الأمر المشاركة في تقديم الدعم والمؤازرة للمجتمع.
فقد شهد العالم منذ بداية العقد الأول من الألفية الثالثة اهتمامًا متزايدًا بموضوع المسؤولية الاجتماعية للمنشآت الاقتصادية، والتي أخذت بُعدًا دوليًّا شبه إلزامي مع إقرار الأمم المتحدة للمواصفات العالمية للمسؤولية الاجتماعية لهذه المنشآت.
إن هذه المنشآت ليست مؤسسات خيرية، ومن الطبيعي أن هاجسها الأول هو تحقيق أكبر عائد من الربح للمساهمين فيها. بينما استوجب الأمر ضرورة تذكير تلك المنشآت بمسؤولياتها الاجتماعية والأخلاقية، حتى لا يكون تحقيق الربح عائدًًا من أمور غير مقبولة أخلاقيًّا أو قانونيًّا، علاوة على ذلك؛ فإن الدور الرئيس الذي تلعبه المنشآت كونها المصدر الرئيس للثروة وتوليد فرص العمل يحتم عليها القيام بواجباتها الاجتماعية وفقًًا للمفاهيم الحديثة.
هذه الجوانب شجعت على ظهور مفهوم المسؤولية الاجتماعية، وإن اختُلف في تعريفه باختلاف وجهات النظر في تحديد شكل هذه المسؤولية، بين من يراها بمثابة تذكير للمنشآت بمسؤولياتها وواجباتها إزاء مجتمعها، وآخرون يرون أن مقتضى هذه المسؤولية لا يتجاوز مبادرات اختيارية تقوم بها المنشآت بإرادتها المنفردة تجاه المجتمع، وفريق ثالث يعتبرها صورةً من صور الملاءمة الاجتماعية الواجبة على المنشآت.
ومن هنا نستطيع القول إنَّ من أهم التعريفات وأكثرها شيوعًا للمسؤولية الاجتماعية تعريف البنك الدولي والاتحاد الأوروبي ومجلس الأعمال الدولي للتنمية المستدامة، وذلك على النحو التالي:
1- أنها التزام أصحاب النشاطات التجارية بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم والمجتمع المحلي ككل، لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم التجارة ويخدم التنمية في آن واحد.
2- أنها مفهوم تقوم الشركات بمقتضاه بتضمين اعتبارات اجتماعية وبيئية في أعمالها وفي تفاعلها مع أصحاب المصالح على نحو تطوعي.
3- أنها الالتزام المستمر من قِبل مؤسسات الأعمال بالتصرُّف أخلاقيًّا، والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية، والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، إضافةً إلى المجتمع المحلي والمجتمع ككل.
وهنا يتطلب الإيضاح من أن المقصود في الأصل من كلمة (منشآت) تعني هنا الشركات التجارية، أي الشركات أو المنظمات التي نشاطها الأصلي ينشد الربحية، وهذا أمر طبيعي لا خلاف عليه بحكم أن هذه الشركات قائمة في أنشطتها على العمل التجاري الصرف.
وأتت بالتأكيد الحاجة المجتمعية وما ينشده أفراد المجتمع من وجوب توافر واجب وطني يحتم على هذه الشركات القيام به، والمتمثل في دورها المجتمعي الواجب الإتيان به.
فقد شرعت العديد من الشركات – والحديث هنا على وجه الخصوص عن الشركات الوطنية في المملكة العربية السعودية – في إنشاء إدارات مستقلة ضمن هياكلها التنظيمية الإدارية أعطت لها مسمَّى (إدارة المسؤولية الاجتماعية)، والدور الرئيس لها هو الاستشعار بمفهوم المسؤولية الاجتماعية أولًا، وتلبية احتياجات المجتمع أخيرًا في التشريع المنظِّم لكيفية ودرجة الخدمة المقدَّمة للمجتمع.
ومن الأدوار الرئيسة نحو ما تقدِّمه هذه الشركات للمجتمع، فإنه يأتي في أولويات ذلك ما يلي:
– القيام بالأنشطة الاجتماعية التي تخدم المجتمع في احتياجات متعددة.
– المساهمة في تقديم الدعم المالي والمعنوي لأنشطة مؤسسات المجتمع المدني (مراكز الأحياء، جمعيات خيرية، مساعدات متعددة للأهالي).
– رعاية الاحتفالات الوطنية، والاحتفالات التي تقوم بها الجمعيات الخيرية لمنتسبيها.
– تقديم الاستشارات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع.
وفي مدينة الرياض أسَّست الغرفة التجارية الصناعية بالرياض مجلس المسؤولية الاجتماعية، وهو بمثابة المرجعية لأنشطة ومشروعات المسؤولية الاجتماعية التي تتبناها الشركات والمؤسسات لتنمية المجتمع وتلبية احتياجاته، ويسعى إلى حشد الدعم والمساندة لبرامج التنمية المستدامة في منطقة الرياض خاصة ومناطق المملكة العربية السعودية بوجه عام، ويختص المجلس باقتراح الأنشطة والبرامج الاجتماعية التي يتولاها القطاع الخاص، ووَضْع الخطط المؤدية لتحقيق أهداف المجلس، وكذلك وَضْع برامج تحفيز المسؤولية الاجتماعية لدى القطاع الخاص، وإيجاد معايير وأنظمة محلية لتطبيق تلك البرامج، والموافقة على تنظيم الملتقيات والندوات التي تخدم ثقافة المسؤولية الاجتماعية.
وأصبح هذا المجلس يُوفِّر قناة تعاون بين القطاع الخاص والقطاع الخيري والاجتماعي في تنفيذ برامج للتنمية المستدامة، ومن برامج وأهداف المجلس ما يلي:
أولًًا: برامج المجلس:
– التخطيط لتحديد أولويات الحاجات الاجتماعية التي تتطلب إسهام القطاع الخاص.
– تشكيل لجان وفِرق لتحديد آليات تنفيذ تلك الخطط بالتعاون مع القطاع الخاص.
– نَشْر ثقافة المسؤولية الاجتماعية التي تعبِّر عن الانتماء والمواطنة كسلوك من الشركات في المجتمع.
– التركيز على دور تخطيطي وتصميمي وتنفيذي للمسؤولية الاجتماعية، وذلك وفقًًا لنظام المجلس ولوائحه.
ثانيًًا: أهداف المجلس:
1- اقتراح الأنشطة والبرامج الاجتماعية التي يتولاها القطاع الخاص.
2- الخطط والدراسات المتعلقة بأهداف المجلس.
3- برامج تحفيز المسؤولية الاجتماعية لدى القطاع الخاص.
4- تنظيم الملتقيات والندوات التي تخدم المسؤولية الاجتماعية.
5- وَضْع خطط وإستراتيجيات تهدف لتبني المسؤولية الاجتماعية من مؤسسات القطاع الخاص في منطقة الرياض.
6- تشجيع منتسبي الغرفة التجارية الصناعية بالرياض وحثهم على تبني برامج المسؤولية الاجتماعية.
7- نقل تجارب المسؤولية الاجتماعية بين هذه المؤسسات.
8- تسليط الضوء على برامج المسؤولية الاجتماعية الناجحة كنموذج يُحتذى به.
9- اقتراح وتبني برامج ابتكارية (جديدة) لخدمة المجتمع.
10- تقديم خدمات استشارية في مجال المسؤولية الاجتماعية لمنتسبي الغرفة.
وهناك من النقاد والمراقبين مَن له وجهة نظر من أنه هناك استغلال يتأتى من بعض الشركات عند قيامها بدورها من خلال المسؤولية الاجتماعية، وذلك على النحو التالي:
• بعض الشركات والمؤسسات تتغنى ببرامج (المسؤولية الاجتماعية)، في حين أنها في حقيقة الأمر تستغل ذلك للترويج لنفسها فقط، دون أن يكون لها دورٌ فعَّال ومشاركة حقيقية للمجتمع، أو تقديم خدمة للمواطنين.
• بعض هذه الشركات استغلت العمل التطوعي لدى بعض التجمُّعات الشبابية للعمل في برامج المسؤولية الاجتماعية دون الإشارة إليهم من قريب أو بعيد، بل إن بعضها استغلَّ الفقراء والمحتاجين لتوثيق نشاطه في مثل هذه البرامج بحجة رعايته إياهم.
• بعض هذه الشركات الكبرى تُخصِّص ميزانية لبرامج المسؤولية الاجتماعية، (90%) من الميزانية للتلميع الإعلامي فقط عن الشركة ودورها الاجتماعي (مواضيع إنشائية ليس لها وجود على أرض الواقع).
• لو استعرضنا ما يُقال في الملتقيات والمؤتمرات التي تُقام تحت مسمَّى المسؤولية الاجتماعية، لوجدنا أعمالًا خرافيةً فقط عبر أوراق العمل.
• إن بعض الشركات جَيَّرَتْ برامجها الاجتماعية لمصلحة المستهلك، وهذا حقيقة لم تتحقق كما يجب.
• إن برامج المسؤولية الاجتماعية يجب أن تُخصَّص مثلًا، في الحفاظ على البيئة والتعليم، وإنشاء بعض المرافق الخدمية، وأن تكون نابعةً من مبادرات جادة وحقيقية وملموسة؛ كإنشاء طرق ومشاريع تعود بالنفع العام.
• برامج المسؤولية الاجتماعية إذا لم تكن مستدامة ويراها الناس أمامهم فلا حاجة للمجتمع بها. فالناس لديهم من الوعي ما يكفي لكشف زيف بعضهم.
وبطبيعة الأمور نرى أن بعضًا ممَّا ورد من هذا النقد فيه من الصحة بلا شك، في حين لا بد لنا أن نؤمن أن طبيعة الشركات – كما ذكرنا – أنها تسعى إلى الربحية كأصل في تأسيسها.
ولكن وهي تقدِّم للمجتمع ما يمكن أن تُقدِّمه، فإن هذا يعدُّ أمرًا مقبولًا للنيل من أي منفعة تصبُّ في صالح المجتمع، في حين من المفترض ألَّا يكون الأصل في ذلك هو لإظهار الشركات بظهور المتفضل فحسب؛ ولهذا لا بد أن تعيَ الشركات أن عليها واجبات وطنية واجب الإتيان بها.
علَّقت د. وفاء طيبة بأنها تتفق مع ما طرحه د. خالد حول توضيح دور مجلس المسؤولية الاجتماعية، وأنه يحتاج فقط أن يتم دعمه بالتشريعات. بينما يعتقد د. خالد الرديعان أن هذا دور الغرف التجارية في هذه المرحلة، حيث يجب أن تقوم بصناعة تشريعات حديثة تتفق والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع السعودي، فضلًا عن أن يكون ذلك اتسامًا مع توجهات رؤية المملكة 2030 في بناء منهجية رفيعة المستوى للمسؤولية المجتمعية.
الحرب على المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص:
في تصوُّر م. أسامة الكردي، فإن هناك حربًا على المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص.
وأضاف؛ من خبرتي المباشرة في الغرف التجارية كان الكثير من المسؤولين يمنعون القطاع الخاص من القيام بمسؤوليته الاجتماعية في العقود الماضية باعتبار أن الحكومة ليست في حاجة إلى (صدقاتهم)، واستمر هذا الوضع حتى اختفى الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية لدى القطاع الخاص بمعناها الواسع الذي طُرِح أمس واليوم. واستمر القطاع الخاص في صرف مبالغ المسؤولية الاجتماعية كصدقات وتبرعات. وعندما حاولتُ إعداد دراسة وإحصاء عن ذلك رفض القطاع الخاص حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.
ولهذا فنحن بحاجة إلى إعادة التعريف بالمسؤولية الاجتماعية بمعناها الواسع الذي تقدم القطاع الخاص باقتراح حولها منذ سنوات ولم يتحرك شيء! نعم، الضرائب وسيلة من وسائل نشر المسؤولية الاجتماعية، ولكن من يُقنِع وزارة المالية بذلك؟ أما ما تقوم به شركات مثل سابك وأرامكو فلا أعتبرُه مسؤوليةً اجتماعية؛ بل هو استكمال لالتزامات الجهات الحكومية باعتبار ملكية مثل هذه الشركات.
وأكد د. عبد الله بن صالح الحمود أن الزكاة والضرائب لا علاقة لها بمفهوم المسؤولية الاجتماعية؛ فالزكاة واجب شرعي، والضريبة فرضٌ قانوني لمؤازرة الحكومة لإيجاد توازن مالي يضمن الاستمرار في الإنفاق عامة. المسؤولية الاجتماعية يأتي مصدرها من أبواب مسميات متعددة؛ كالصدقات، والتبرعات، وما شابه ذلك.
بينما أوضح أ. مطلق البقمي أن المقصود هنا هي الضرائب والرسوم الحكومية الأخرى، ومنها (الجمارك مثلًا).
فعلى سبيل المثال، تقديم إعفاء من الرسوم الجمركية مقابل تقديم مشاريع مسؤولية اجتماعية سيُحقِّق نتائج متعددة؛ يخفِّف على ميزانية الحكومة توفير هذا المرفق الخدمي (مستشفى مثلًا)، من حيث كُلفة الإنشاء والتشغيل، ويجعل الشركات تتنافس على خدمة المجتمع في ظلِّ استفادتها من الإعفاءات؛ لأن هذه المشاريع تُسوِّق لهذه الشركات أيضًًا.
اقترح د. خالد الرديعان أن يكون هناك “خارطة طريق” للمسؤولية الاجتماعية؛ بحيث يتم حصر أوجه المسؤولية الاجتماعية في نشاطات وأعمال محددة يتم توزيعها على الشركات والبنوك والقطاع الخاص عمومًا؛ بحيث لا تتكرر بعض الأنشطة، ويتم تغافل أنشطة أخرى. هناك مثلًا برامج المنح الدراسية، وهناك نشاط تمويل البحوث التطبيقية، وهناك أنشطة تتعلق بذوي الاحتياجات الخاصة، وهناك أنشطة تتعلق برعاية كبار السن والأطفال.
وقد تضعُ هذه الخارطةَ عدةُ جهات حكومية وممثلون عن الغرف التجارية، بحيث يتم تلمُّس البرامج الأهم وإعطاؤها أولوية قصوى، ومن ثَمَّ البرامج التي تليها. مقترحي هو للحدِّ من تكرار بعض البرامج، وتوزيع الجهد على أعمال مختلفة تدخل في نطاق المسؤولية الاجتماعية.
من جانبه يرى د. عبد الله بن صالح الحمود أنه لا بد اليوم من مواكبة المتغيرات الآنية، حاجةً وعطاءً.
أضافت أ. منى أبو سليمان أنَّ هناك ما يُعرف بقطاعنا بـfalse generosity، أو الكرم غير الحقيقي أو غير فعال. كرمٌ لكي يُقال أنك فعلتَ شيئًا وأنت تقدر أن تفعل أكثر وبطريقة فعالة، وهذا هو حالنا.
بينما يعتقد د. عبد الرحمن الهدلق أن هناك بعض “المزاجية” أو الأهواء لدى بعض القائمين على برامج المسؤولية الاجتماعية عند تقديم الخدمات، أو الدعم لجهة معينة دون أخرى. لا أعلم، لكن هل يمكن معالجة هذا الموضوع إن كان فعلًا يحدث على أرض الواقع؟
الأفراد العاديون ومشاركتهم في المسؤولية الاجتماعية:
في تصوُّر أ. نبيل المبارك، فإن واجب المساهمة في المسؤولية الاجتماعية لا ينبغي أن ينحصر على الشركات فقط، ماذا عن الأفراد؟ الأغنياء ماليًّا أو أغنياء بالخبرة والتجارب، أليس عليهم مسؤولية تجاه المجتمع في إرجاع ولو جزءًا بسيطًا مما حصلوا عليه؟ ليس بالضرورة أن يساهموا بالمال، ولكن بالتطوُّع في خدمة المجتمع، كُلٌّ في مجاله إن لم يكن لديه المال. وأتمنى أن يوجد جهاز حكومي أو خاص لديه الرغبة في الحصول على خدمات هؤلاء بشكل مؤسساتي، يستطيعون من خلاله خدمة مجتمعهم.
البيروقراطية والمعوقات في العمل الاجتماعي:
وذهبت د. وفاء طيبة إلى أنَّ هناك فجوةً وتحاملًا طبقيًا واضحًا يزداد يومًا بعد يوم في الآونة الأخيرة لأسباب كثيرة، ولكنها بلا مسببات ملموسة بقدر ما هي نفسية.
ويرى د. خالد الرديعان أنَّ هناك قيودًا بيروقراطية على العمل الاجتماعي بحكم أنه يدخل تحت فكرة “المجتمع المدني”، في حين أن تقديم المال لا يواجه المشكلة نفسها خصوصًا إذا كان مُوجَّهًا للداخل. وأُعطي مثالًا، تقدَّمنا بوصفنا مجموعةً من الزملاء لتأسيس جمعية إنسانية لغرض صلة الرحم، وقمنا بجميع الإجراءات اللازمة التي طلبتها منا وزارة العمل، وحتى هذه اللحظة لم نحصل على الموافقة رغم أن الطلب عند الوزارة منذ ستة أشهر.
وأتساءل: هل جمعية مثل هذه حزب سياسي؟ أنا فقط أشيرُ إلى المعوق البيروقراطي الذي يعيق كلَّ شيء، إضافةً إلى التوجُّس من أي شيء اسمه جمعية.
أضافت د. وفاء طيبة أن بالمنطقة الشرقية مثلًا، وعن تجربة شخصية؛ الشركات والتجار هم من أسسوا جامعات وجمعيات ودور رعايات على مدار أعوام، ولم تُوضع في يوم لائحة تشير لجهودهم، ولم يطالبوا بذلك. هناك مَن يعمل بحق ويُؤسِّس للغير، ولكن هناك في المقابل عملية تشكيك وتخوين ممنهج من قِبل البعض، لا تخدم الوطن بقدر ما هي تُشكِّك وتُفكِّك النسيج الاجتماعي.
أضاف أيضًا د. خالد الرديعان أن المهيدب مثلًا لهم جهود جبارة في العمل الخيري وإسكان تنموي في المنطقة الشرقية، وغيرهم كذلك، لكن لم أشأ الإشارة إلى أسماء بعينها. أنا فقط أشيرُ إلى بيروقراطيتنا المترهلة، وأنها مُعوق كبير في قضية المسؤولية الاجتماعية فيما هو غير المال. في هذا الجانب ذكرت د. وفاء طيبة أنها لا تتفق مع د. خالد؛ فالبيروقراطية تقع على الاثنين، ولكن مَن ينجز هو من يكون صادقًا في عطائه بلا مساومة.
أنا أعملُ بالعمل الاجتماعي وأجدُ أن بعضَ أصحاب الخبرة لديهم نبرة متعالية ويستصعبون العطاء بلا مقابل، ظنًّا منهم أننا نحاول استغلالهم بلا مقابل وكأنهم يملكون سرَّ القنبلة الذرية. الوضع معقد أكثر مما نتصور. في الوقت نفسه، أحمدُ ربي لوجود جيل كبير من الشباب المتعلم المتمكن، والذي سيُحرِّك المياه الراكدة من المتعالين.
المسؤولية الاجتماعية ورؤية المملكة 2030:
أكدت د. نوف الغامدي أنَّ أهداف رؤية المملكة 2030 لُخِّصت في ثلاثة محاور، هي:
– مجتمع حيوي ذو اقتصاد مزدهر.
– وطن طموح.
– أما المحور الثالث فتضمن في أهدافه الإستراتيجية موضوع “تمكين المسؤولية الاجتماعية”.
ولقد اشتمل على 9 أهداف في المستويين الثاني والثالث. وبينت الأهداف الثلاثة بالمستوى الثاني أركان المسؤولية الاجتماعية المذكورة بالهدف الإستراتيجي، وتتضمن:
– رَفْع مستوى تحمُّل المواطن للمسؤولية.
– تمكين الشركات من المساهمة الاجتماعية.
– تحفيز القطاع غير الربحي لتحقيق أثر أكبر في المجتمع.
ومن حيث إيضاح أركان المسؤولية الاجتماعية، فهذه الأهداف وضعت الإطار العام للمسؤولية الاجتماعية، الذي يتشكل من (أفراد، مؤسسات تجارية، منظمات غير هادفة للربح)، وإن كنتُ أرى أنها لم تتناول “المؤسسات الحكومية” وهي التي حملت العبء الكبير طوال الأعوام الماضية في دعم وتنفيذ العديد من البرامج المجتمعية.
في عام 1991، وفي دراسة للباحث Carroll لوصف المسؤولية الاجتماعية للشركات CSR في هرم من أربع طبقات. تقوم في قاعدته على الهدف الاقتصادي؛ حيث إن أيَّ عمل يُقدَّم من فرد أو مؤسسة يهدف إلى تحقيق عائد لمَن قام به، ثم في الدرجة الثانية تأتي أنشطة المسؤولية الاجتماعية استجابةً إلزامية أو تطوعية للأنظمة والتشريعات القانونية المُلزِمة للنشاط أو الأعراف التي تكون بمنزلة القانون. ثم تجيء بعد ذلك المسؤولية الأخلاقية نحو المجتمع ومكوناته من طبيعة وبيئة ومخلوقات. ويأتي في أعلى هرم المسؤولية الاجتماعية التطوُّع لخدمة المجتمع والمستفيدين.
إذًا؛ ما الذي نهدف إليه من خلال تمكين المسؤولية الاجتماعية في “رؤية 2030″؟ وقد عرَّفت ذلك أهداف الرؤية في مستواها الثالث، حيث شملت تعزيز قيام الشركات بمسؤوليتها الاجتماعية، والاهتمام باستدامة الاقتصاد الوطني، وتشجيع العمل التطوعي للأفراد، ودعم وتحفيز القطاع غير الربحي للنمو والتوسُّع، والتركيز على تعظيم الأثر للأعمال في تلك المنظمات.
إنَّ الهدف الإستراتيجي “تمكين المسؤولية الاجتماعية” جاءَ جامعًا لمستويات المسؤولية الاجتماعية الهرمية العليا، التي تشمل المسؤولية الأخلاقية والمسؤولية الخيرية، مع الإشارة إلى المسؤولية الاجتماعية للشركات CSR، لكن حتى تتحقق يجب أن يتم العمل على تحديث الأنظمة والتشريعات، واستحداث ما يلزم منها لصبغ المسؤولية الاجتماعية بصبغة قانونية تُحقِّق الأثرَ المراد منها.
كما أن للمناهج التعليمية وأصحاب القدوة دورًا كبيرًا في غَرْس ثقافة المسؤولية الاجتماعية من الفرد لتصل إلى الجماعة والمجتمع؛ وذلك لتعزيز الدور الأخلاقي لهذا المفهوم، ولتساعد في تحقيق أهداف “الرؤية” وأهداف الاستدامة العالمية.
علَّق د. يوسف الحزيم بأن العطاء أيًّا كانت قنواته؛ يعتمد على أخلاق تأسيسية، وقوانين مرعية، وممارسة عرفية؛ تنبع من فلسفة أن الحياة مزرعة لا غاية، وأن الحضارة إيثار لا أثرة.
الأنا ستُضعف مخرجاتنا التنموية، إن لم ننتقل لنحن. المشاريع النهضوية تبدأ من النفس حينما تفكر في إسعاد الجماعة. إنها المصلحة العامة التي كونت عقدنا الاجتماعي. سؤال الأخلاق: لِمَ نحن نحن؟
الإيثار والكرم إن شاع، فسنحل ليس المسؤولية الاجتماعية، بل كل معضلة القطاع الثالث، بل كل مشاكلنا التنموية.
كما علَّقت د. وفاء طيبة؛ أعجبني – فيما ذهبت إليه د. نوف – ربط المؤسسات التعليمية بالموضوع، حيث إن تربية المسؤولية الاجتماعية وهي نواة الـ CSR لا بد أن تبدأ من الطفولة، وتوجيه قدرات الشباب نحو القيم الإنسانية والعطاء، ومن المعروف أنه في الغرب يتم تنمية هذه القيم الإنسانية في مرحلة رياض الأطفال، فـ altruism قيمة يتم التدريب عليها في برامج رياض الأطفال، وفي ظني أن هذه القيم هي نواة المسؤولية الاجتماعية وCSR.
تجارب في مشاركة القطاع الخاص في المسؤولية الاجتماعية:
ذكر مشاري النعيم؛ ليلة البارحة كنتُ ممثِّلًا للفوزان لخدمة المجتمع، وهو برنامج مسؤولية اجتماعية شامل مكوَّن من عدة شركات، هي:
– ارتقاء: حفظ النعمة الرقمية من خلال جمع أجهزة الحاسب القديمة وإعادة تأهيلها وتوزيعها.
– مركز التوحُّد: في الزلفي وفي الخبر، وهو أكبر مركز توحُّد في الشرق الأوسط.
– أكاديمية الفوزان: بالتعاون مع جامعة البترول، ومتخصصة في إعداد قادة العمل الخيري.
– الإسكان الخيري: لذوي الدخل المحدود وخصوصًا النساء الأرامل والمطلقات.
– جائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد.
– والفوزان مؤسس رئيس لإطعام، وهي مؤسسة لحفظ الطعام (بنك الطعام).
وكنت مُمثِّلا لخدمة المجتمع في حفل إقامة الأمير سعود بن نايف في لقائه الأسبوعي (الإثنينية) للاحتفاء بمبادرات المسؤولية المجتمعية التي بدأت تتشكل بصورة واضحة في مجتمعنا، لكن للأسف الأنظمة والقوانين الحالية لا تدعمها بل تضع العراقيل أمامها.
أكدت أيضًا د. الجازي الشبيكي على أن الأنظمة والقوانين من متطلبات نجاح المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص.
بينما يرى مشاري النعيم أن غالب الشركات تعتبر المسؤولية الاجتماعية نظامًا وقفيًّا مستدامًا، وحتى الآن لم توافق الدولة على نظام الشركات الوقفية التي هي أكثر استدامةً.
وأذكرُ أن الراجحي أنشا شركة باسم: مسجد الراجحي؛ لأن نظام الجمعيات الخيرية فيه الكثير من التدخلات الخارجية، وغالبًا لا ينجح لأنه غير مرن.
والفوزان أنشؤوا شركةً وقفية عائلية كبيرة، وكتبوا عنها كتابًا يُبيِّن فكرتهم الوقفية الجديدة، ثم قاموا بتأسيس شركة لكل نشاط وقفي يخدم المجتمع. الشركة الأم قابضة وتملك باقي الشركات، لكن هذا النظام داخلي، أي أنه حتى الآن لم تصبح هذه الشركات وقفيةً نظامًًا
دور الجامعات في قضية المسؤولية الاجتماعية:
تحدثت د. عائشة الأحمدي عن دور الجامعات في قضية المسؤولية الاجتماعية؛ فتذكر أن الجامعات تأتي باعتبارها كيانات مؤسسية تتأثر وتؤثر بكل ما يحيط بها، ويمكن أن تسبِّب “تأثيرات بيئية واسعة وخطيرة”، فكبر حجم هذه المؤسسات وسرعة حركة التنمية فيها، وتعدد أنشطتها وتعقيدها، تكاد تكون أقرب للمدن الصغيرة منها للمؤسسات الاجتماعية، وأي عملية تحدث فيها تحتاج إلى كميات كبيرة من الموارد، ويمكن أن تفرض طبيعتها الأكاديمية تسخير هذه الموارد بشكل يضرُّ بمصادرها الأساسية، فصحيحٌ أن المعرفة التي تنتجها الجامعات هي مفتاح الولوج الأكيد للمستقبل، لكنها تُحدِّد نوعية حياة الإنسان على هذا الكوكب، ومصيره في آن معًًا.
وبحسب المفوضية الأوروبية، فإنه يتعين على الجامعات أن تتحمل مسؤولية العواقب الناتجة عن إستراتيجياتها.
كما أن التحوُّل في النظرة العامة للجامعة من مُزوِّد للخدمات التعليمية، إلى رافد يُعوَّلُ عليه في إنتاج مواطنين مدربين من أجل دخول منافسة عالمية، يلزمها أن تكون مسؤولة نحو المجتمع الذي توجد فيه، والقفز فوق حاجز اعتبار أن البحث ومن ثَمَّ التعليم هما الوظيفتان الأساسيتان لها – النظرة التي أسهمت فيها تأثيرات العولمة، لكن الظروف السائدة حاليًّا أسهمت في شيوع اعتقاد أن الوقت الراهن هو الوقت المناسب لإعادة هيكلة الجامعات، بحيث يكون التدريب على السلوك الأخلاقي جزءًا لا يتجزأ من المناهج الدراسية، وأن تكون قضايا المسؤولية الاجتماعية للجامعات عنصرًا أساسيًّا في سياستها. فتشكيل أفراد أكثر وعيًا بالمسؤولية الاجتماعية يتطلب إعادة هيكلة التعليم في مؤسسات التعليم العالي ولا سيما في البلدان النامية، على أن تبدأ تلك الهيكلة بالإدارة والقيادة. وبحسب هذا الاعتقاد، فإن الجامعة يجب أن تعيد هيكلة نفسها من خلال دمج هذين الهيكلين، حتى يكون كل هيكل منهما أكثرَ فاعليةً وكفاءة.
وبما أن الأطراف المستفيدة من خدمات الجامعات تُقدِّم مجموعةً من الموارد، كمنحها الشرعية، ورأس المال، والعملاء، والموظفين؛ فالمتوقع منها توفير خدمات مقبولة اجتماعيًّا، كما أن تعزيز العقد الاجتماعي الذي يسمح للجامعة بمواصلة عملياتها، يُلزِمها أن تكون مسؤولة اجتماعيًّا، وهذه المسؤولية الاجتماعية يفرضها العقد الاجتماعي بين جميع أصحاب المصلحة في المجتمع، وهو الشرط الأساسي لقيام أي مجتمع مدني، وهذا أحد الأسباب الكامنة التي تدفع في اتجاه المطالبة بقيام الجامعات بمسؤوليتها الاجتماعية، وإعادة تصديرها للمجتمع، من خلال تشكيل هذه المؤسسات لخريجين يتحملون مسؤولياتهم الاجتماعية.
التوصيات:
- هناك حاجة ماسة لدراسات متخصصة تُحدِّد مفهوم المسؤولية الاجتماعية تجنُّبًا لتداخل هذا المفهوم مع مفهوم “العمل الخيري”.
- ضرورة قياس حجم المشاركة الفعلية للشركات وتوضيح حجم المشاركة المأمولة؛ لتوفير مؤشر علمي (index) يُستخدم للقياس، و(ranking) لترتيب الشركات حسب مدى إسهامها في تحقيق مسؤوليتها الاجتماعية.
- ضرورة خلق البيئة التشريعية والتنظيمية والتطبيقية الكفيلة بتنافس جميع شركات القطاع الخاص لتقديم خدماتها للمجتمع؛ بإعادة صياغة جميع القوانين والأنظمة الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية من كافة الجوانب المتعلقة بها وسرعة تنفيذها وتطبيقها، مع مراعاة أهمية أخذ آراء المهتمين والباحثين والعاملين في هذا المجال.
- تقديم كافة التسهيلات الإدارية والقانونية والمُحفِّزة للشركات التي قطعت شوطًا في مساهمتها الاجتماعية الكفيلة بتحفيزها لزيادة مشاركتها واستمراريتها (كإعطائها الأولوية في المناقصات الحكومية، والتسهيلات عند منح القروض الاستثمارية، والإعفاء من الرسوم الجمركية)، على أن تشمل تلك التسهيلات كذلك جميع المتقدمين الجدد الراغبين في المساهمة في المسؤولية المجتمعية.
- من الأهمية بمكان تذليل كافة العقبات التي تعيق مساهمة القطاع الخاص في المسؤولية الاجتماعية مع أهمية التنسيق مع الجهات الحكومية ذات العلاقة.
- من المفيد جدًّا التقدير اللائق لكل مَن يسهم بخبرته ووقته في المسؤولية الاجتماعية، مع توجيه وإدارة جميع المتطوعين التوجيه الصحيح في برامج المسؤولية الاجتماعية؛ منعًا لاستغلالهم باسم التطوع في برامج لا تمتُّ بصلة للمشاركة المجتمعية.
- ضرورة حثِّ الشركات على تجويد نوعية عملها الأساسي، بأن يكون وفق مسؤولية اجتماعية نابعة من ذاتها، بعدم التقصير في أداء واجباتها الأصلية تجاه المجتمع، ومن أهمها: (التلاعب في القوائم المالية، الفساد المالي، التزوير في شهادات المنشأ، بيع المنتجات المقلدة، تغيير تواريخ انتهاء الصلاحية)، وغيرها من أوجه التقصير الضارة بالمجتمع.
- أهمية قيام الغرف التجارية بالدور المأمول منها، بصناعة تشريعات حديثة تتفق والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع السعودي، اتساقًا مع توجهات رؤية المملكة 2030 في بناء منهجية رفيعة المستوى للمسؤولية الاجتماعية.
- أهمية إنشاء قاعدة بيانات خاصة تساعد في تحليل الوضع القائم، ووضع توقع مستقبلي للمسؤولية الاجتماعية تكون بمثابة “خارطة طريق للمسؤولية الاجتماعية” تُحدِّد وتُقنِّن وتُوجِّه جميع أنشطة المسؤولية الاجتماعية.
- من العملي جدًّا حَصْر جميع الوظائف التي تحتاجها المؤسسات الحكومية وكبرى شركات القطاع الخاص سنويًّا في كافة التخصصات في مختلف القطاعات الاقتصادية والتنموية، ومن ثَمَّ توزيع مهام المسؤولية الاجتماعية بين الشركات المختلفة لضمان توظيف جزء من الخريجين وابتعاث جزء آخر، والقيام بتهيئة بقية الخريجين بمختلف الدورات اللازمة لمواكبة المهارات المطلوبة في سوق العمل، مع أهمية توفُّر حد أدني للتوظيف وللرواتب سنويًّا لكل شركة.
- ضرورة تعريف القطاع الخاص بالبرامج ذات الأولوية القصوى التي يحتاجها المجتمع من برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية والبيئية؛ منعًا للتكرار، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: (1) الرعاية المبكرة للموهوبين من الأطفال، (2) تدريب الشباب وتأهليهم بالمهارات المطلوبة لسوق العمل، (3) تقديم الرعاية الصحية للمرضى المسنين في المنازل لتجنيبهم عناء الذهاب للمستشفيات، وغيرها من البرامج.
- من المفيد إعداد تقرير سنوي يحصر جميع الشركات المساهمة في المسؤولية الاجتماعية، ووَضْع ترتيب لمستوى المساهمة بين الشركات؛ لبثِّ روح التنافسية والرغبة في إحراز أماكن متقدمة في التقرير السنوي.
- ضرورة البحث والتقصي عن أسباب ضعف دور المشاركة المجتمعية في المسؤولية الاجتماعية، ووضح المقترحات المناسبة.
- ضرورة بناء شراكات بين وزارة العمل والتنمية الاجتماعية والقطاع الخاص مُمثَّلا في الغرف التجارية والصناعية، للقيام ببرامج تدعم ثقافة المسؤولية الاجتماعية.
- تشجيع ودعم تنظيم الملتقيات والندوات التي تُحفِّز الاستدامة والاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية بصور منتظمة ومُنظَّمة.
- تشجيع منتسبي الغرف التجارية الصناعية من المنشآت الصغيرة والمتوسطة وحثهم على تبني برامج أولية عن المسؤولية الاجتماعية، للمساهمة في هذا التوجه الوطني في حدود إمكانياتهم.
- نَقْل وتبادل تجارب المسؤولية الاجتماعية بين منشآت القطاع الخاص التي تتبنى هذه الثقافة، سعيًا إلى تطوير وإظهار ثقافة المسؤولية الاجتماعية بالمظهر اللائق بها.
- ضرورة تسليط الضوء على برامج المسؤولية الاجتماعية الناجحة كنموذج يُحتذى به، واقتراح وتبني برامج مبتكرة في المسؤولية الاجتماعية.
- أهمية غرس مفهوم المسؤولية الاجتماعية عند الأفراد منذ الصغر، وذلك بتوجيه قدرات الشباب نحو القيم الإنسانية والعطاء، وقيمة الإيثار altruism وغرسها عند الأطفال.
المشاركون في مناقشات هذا التقرير
(حسب الحروف الأبجدية)
- د. إبراهيم البعيز.
- م. أسامة كردي.
- د. الجازي الشبيكي (رئيس الهيئة الإشرافية لملتقى أسبار).
- أ. آمآل المعلمي.
- أ. بسمة التويجري.
- أ. جمال ملائكة.
- د. حامد الشراري.
- د. حسين الحكمي.
- م. حسام بحيري.
- د. حمزة بيت المال.
- د. حمد البريثن.
- د. حميد الشايجي.
- د. خالد الرديعان.
- د. خالد الفهيد.
- د. خالد اليحيا.
- د.خالد بن دهيش.
- د. رياض نجم.
- د. زياد الدريس.
- م. سالم المري.
- د. صدقة فاضل.
- د. عائشة الأحمدي.
- د. عائشة حجازي.
- أ. عبد الرحمن الطريري.
- د. عبد السلام الوايل.
- أ. عبد الله الضويحي.
- د. عبد الله بن صالح الحمود.
- د. عبد الله بن ناصر الحمود.
- د. عبد العزيز الحرقان.
- د. عبير برهمين.
- د. عثمان العثمان.
- أ. فائزة العجروش
- أ. محمد الدندني.
- د. محمد الملحم.
- د. مشاري النعيم.
- أ. مطلق البقمي.
- أ. منى أبو سليمان.
- د. مها المنيف.
- أ. مها عقيل.
- د. محمد الشهري.
- د. ناصر القعود.
- د. نبيل المبارك.
- د. نوف الغامدي (رئيس لجنة التقارير).
- د. فهد القاسم.
- د. فوزية البكر.
- د. وفاء طيبة.
- د. يوسف الحزيم.
تحميل المرفقات: التقرير الشهري 48