تابع شهر إبريل 2019م
تمهيد:
يعرض هذا التقرير لعدد من الموضوعات المهمة التي تم طرحها للحوار في ملتقي أسبار خلال شهر إبريل 2019م، وناقشها نخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البناءة ومقترحاتهم الهادفة حول القضايا التالية:
- جودة الحياة في ضوء رؤية 2030.
- •21 إبريل فرصة للبقاء على قيد الإبداع.
- حقوق الطفل.. ورؤية 2030.
القضية الأولى
جودة الحياة في ضوء رؤية 2030
- §الورقة الرئيسة: د. خالد الرديعان
- §التعقيبات:
ʘ التعقيب الأول: د. عبدالله بن ناصر الحمود
ʘ التعقيب الثاني: د. فوزية البكر
ʘ التعقيب الثالث: د. عبدالسلام الوايل
ʘ التعقيب الرابع: د. حميد الشايجي
- §إدارة الحوار: د. عبدالله بن صالح الحمود
ʘ الملخص التنفيذي
انطلقت نقاشات ملتقى أسبار حول قضية جودة الحياة في ضوء رؤية 2030 من فكرة محورية مفادها أن الحق في الحياة يعد من أكثر الحقوق أهمية؛ حيث أنه يعتبر شرطاً أساسياً للتمتع ببقية الحقوق الأخرى، لذا لا يجوز حرمان أي إنسان من هذا الحق شرعاً وقانوناً وإنسانيةً. والحديث عن جودة الحياة يشير إلى الانتقال من “توفير” الحاجات الأساسية للإنسان، إلى الحرص على “جودتها”. مما يدل على تطور المجتمع وانتقاله لمرحلة جديدة في نموه.
ولجودة الحياة كبرنامج حكومي أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية لا تخفى؛ فهو من جهة سيعزز من موقع المملكة على المستوى العالمي والعربي بالنظر إلى الصورة النمطية للمملكة كمنتج للنفط ولا شيء غير ذلك كما تريد أن ترسمه بعض المصادر غير المنصفة، في حين أن المملكة هي أكثر من ذلك فهي حاضنة الحرمين الشريفين، وذات موقع استراتيجي مهم للغاية يحيط بها مضائق مائية، وفاعلة في السياسة العربية والإقليمية والعالمية، وأنها رقم مهم في السياسة الاقليمية والدولية يصعب تجاهله. أما على المستوى الاجتماعي فالمملكة تواجه نمواً سكانياً متزايداً إذ يشكل الشباب من 20-44 نحو 42% من سكانها حسب الهيئة العامة للإحصاء؛ ما يعني ضرورة تلبية احتياجاتهم المتنامية، ومنها جودة الحياة بهدف استنهاض هممهم للعمل والإنتاج. وعلى المستوى الاقتصادي فإن المملكة لديها توجه واضح وقوي نحو تقليص الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل الوطني. والمملكة ذاخرة بإمكانات اقتصادية كبيرة وبالتالي بحاجة إلى الإفادة من كل ما هو متاح في سبيل النمو والازدهار.
وتتضمن رؤية 2030 منطلقاً واضحاً لبرنامج جودة الحياة. فقد نصت وثيقة الرؤية على “أن الفرص الثقافية والترفيهية المتوافرة حالياً لا ترتقي إلى تطلعات المواطنين والمقيمين، ولا تتواءم مع الوضع الاقتصادي المزدهر الذي نعيشه”. لذا؛ كان أحد برامج الرؤية “برنامج جودة الحياة 2020” لتحقيق أهداف الرؤية. وتتمثل المهمة الرئيسية للبرنامج في تحسين جودة الحياة في المملكة.
وقد تضمنت الورقة الرئيسة تأصيل تاريخي لمفهوم جودة الحياة، ومراحل تطوره كمفهوم علمي، بجانب إشارة إلى بعض الإحصاءات العالمية حول جودة الحياة، بجانب تعريف ببرنامج جودة الحياة وأبعاده السياسية والاجتماعية. أما التعقيبات فقد ناقشت ما تضمنته الورقة الرئيسة حول موضوع جودة الحياة. في حين تضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
- التعريف ببرنامج جودة الحياة 2020 وأهدافه.
- ملاحظات تقييمية على برنامج جودة الحياة 2020.
- مفهوم جودة الحياة وإشكالات المضمون.
- الضروريات والكماليات المتعلقة بجودة الحياة.
- العوامل المؤثرة في نظرة الإنسان السعودي لجودة الحياة.
- الإدارة السياسية وتحقيق جودة الحياة.
ولوحظ من خلال المداخلات اختلاف المتحاورين حول مفهوم “جودة الحياة” ذاته كونه مفهوم نسبي ومتغير من مجتمع إلى آخر ومن منطقة إلى منطقة ومن طبقة اجتماعية إلى طبقة أخرى، وكذلك فقد تبين تفاوت التقييمات لبرنامج جودة الحياة 2020، وإن اتفق الجميع على أهميته؛ كونه يُعنى بتحسين نمط حياة الفرد والأسرة وبناء مجتمع ينعم أفراده بأسلوب حياة متوازن.
ومن أبرز التوصيات التي انتهي إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول قضية جودة الحياة في ضوء رؤية 2030 ما يلي:
- أولاً: مقترحات تطويرية لجودة الحياة: وتتضمن:
1- توفير الخدمات الداعمة لنشأة جودة الحياة الحقيقية قبل فرض العقوبات المقننة للحفاظ على هذه جودة الحياة كما جاءت في برنامج جودة الحياة 2020.
2- إعطاء أهمية أكبر لمراجعة السياسات والأنظمة لتحسين نسبة الأداء وتحسين الخدمة وبالتالي زيادة جودة الحياة.
3- وضع خطة استراتيجية من قبل الإدارة العليا لتحسين الحياة في مدننا وقرانا على حد سواء، وضرورة التدخل الحكومي على أعلى مستوى للمتابعة والإشراف على التنفيذ من قبل المنفذين لخطط التنمية (خطط تحسين الحياة العامة بالبلاد).
4- ضرورة توافر قنوات اتصال مباشرة بين المواطن والمقيم من جهة وبين الجهات ذات العلاقة بالحفاظ على جودة الحياة.
5- تقويم تجربة ساهر والتشدد في تحقق شروط المخالفة قبل تغريم المواطن باعتبار ذلك أحد متطلبات تحسين جودة الحياة.
6- تسهيل رفع القضايا على المسؤولين والمؤسسات المتسببين في إلحاق الضرر بالمواطنين لحفظ حقوقهم؛ كون حفظ الحق من أساسيات جودة الحياة.
7- التوسع في إشراك المواطن في التنمية.
8- الاستئناس بآراء الجمهور عبر مشاركات لإبداء الرأي والمقترح، وتحديد أولويات جودة الحياة المرجوة، وذلك من خلال الموقع الإلكتروني الرسمي لبرنامج جودة الحياة، بحكم أن الفرد هو الركيزة الأساسية للاستفادة من روح جودة الحياة.
- ثانياً: أولويات جودة الحياة تجاه الفرد: وتتضمن:
1- اكتمال التنمية الشاملة وخصوصاً الأساسية منها من بنى تحتية وأساسية، كأولوية تسبق المجال الترفيهي والسياحي على حد سواء.
2- إكمال الخدمات الأساسية في مختلف المناطق مثل الصرف الصحي والمياه والكهرباء والمواصلات العامة وغيرها.
3- دراسة وتطبيق وثيقة منظمة الصحة العالمية للمدن الصديقة لكبار السن، بما يتلائم وطبيعة المملكة العربية السعودية اجتماعياً وجغرافياً.
4- إعطاء أولوية كبرى لمشاريع التوظيف، بحكم أن توافر فرص العمل يمثل أمناً اجتماعياً يقود إلى انطلاقة حقيقية نحو مسلك جودة الحياة.
5- الاهتمام بالفنون عامة ضمن متطلبات تحسين جودة الحياة.
6- إن تحسين جودة الحياة تعني الاهتمام بكافة الشرائح المجتمعية، من كبار سن وشباب وأطفال وخصوصاً ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذا المجتمعات الأقل تنمية.
ʘ الورقة الرئيسة: د. خالد الرديعان
ورد مفهوم “جودة الحياة” أول مرة عند أرسطو الذي ربطه بالسعادة والنشاط. ثم ورد كمفهوم علمي عام ١٧٦٧م ليشير إلى مواصفات المنتج الصناعي، وعاد للاستخدام عام ١٨٨٠م مع فردريك تايلور (صاحب نظرية الإدارة العلمية) والذي أعطى مفهوم الجودة بُعداً آخر وربطه بالإنتاج وأسلوب الإدارة.
وفي عام ١٩٧٥م تم توظيف المفهوم من قبل منظمة الصحة العالمية WHO ليشير إلى الخدمات الطبية، وأن تحسينها يعبر عن سلامة الفرد البدنية والقدرة على قيامه بالأنشطة اليومية المعتادة. وبذلك يتضح لنا أن “جودة الحياة” تعني عدة أشياء وكل يتبناه حسب النشاط الذي يقوم به سواء إنتاج صناعي أو إدارة أو خدمات طبية.
لن أدخل بالتعريفات النظرية وتاريخها، لكني سأعتمد التعريف الإجرائي المعمول به في المملكة العربية السعودية والذي ورد في رؤية ٢٠٣٠ فجودة الحياة يشير إلى “تحسين نمط حياة الفرد والأسرة وبناء مجتمع ينعم أفراده بأسلوب حياة متوازن، وذلك من خلال تهيئة البيئة اللازمة لدعم واستحداث خيارات جديدة تعزز مشاركة المواطن والمقيم في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية. وبذلك فالبرنامج يسهم في توليد فرص وظيفية وتنويع الأنشطة الاقتصادية بهدف الوصول إلى مدن سعودية ستكون ضمن أفضل المدن المناسبة للعيش”.
- بعض الإحصاءات العالمية
أشار تقرير جودة الحياة الصادر عن شركة Mercer الصادر عام ٢٠١٦م والمختص بتقييم المعيشة داخل المدن أن مدينة الرياض وجدة حصلتا على التوالي على المرتبة ١٦٤ و١٦٥ من بين ٢٣٠ مدينة. وقد اشتمل التقرير على ٣٩ عاملاً مجمعة في ١٠ فئات هي:
– البيئة السياسية والاجتماعية.
– البيئة الاقتصادية.
– البيئة الثقافية.
– الاعتبارات الصحية والطبية.
– التعليم.
– الخدمات العامة والنقل.
– الترفيه.
– السلع الاستهلاكية.
– الإسكان.
– البيئة الفيزيقية.
ويتضح من إحصاءات ٢٠١٦م أننا بحاجة للعمل على تحسين جودة الحياة؛ فموقع مدننا ليس بالسيء عموماً لكنه ليس مرضياً satisfactory وهو ما يتطلب جهوداً إضافية ومستمرة في هذا الجانب.
- تعريف بالبرنامج
يعمل البرنامج على تحسين البنية التحتية من خلال الارتقاء بالنقل، والإسكان والتصميم الحضري والبيئة، والرعاية الصحية، والفرص الاقتصادية والتعليمية، والأمن والبيئة الاجتماعية. ويهدف البرنامج إلى تحقيق الأهداف التالية:
– تعزيز ممارسة الأنشطة الرياضية في المجتمع.
– تحقيق التميز في عدة رياضات إقليمياً وعالمياً.
– تطوير وتنويع فرص الترفيه لتلبية احتياجات السكان.
– تنمية مساهمة المملكة في الفنون والثقافة.
– أما مساهمة البرنامج في الاقتصاد الوطني ستكون من خلال تشجيع الاستثمار في قطاعات جديدة تعزز الازدهار الاقتصادي للمملكة. إذ يعمل البرنامج على تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في قطاعات مستحدثة ذات صلة مباشرة بجودة الحياة ورفاهية المواطنين، إضافة إلى توفير المناخ الملائم لجذب الاستثمارات الأجنبية في هذه القطاعات. كما يساهم البرنامج في تنمية وتنويع الاقتصاد الوطني من خلال إنشاء مناطق خاصة، وإعادة تأهيل المدن الاقتصادية، وتطوير قطاعات الرياضة والترفيه والثقافة والفنون.
- الأبعاد السياسية والاجتماعية لبرنامج جودة الحياة
لجودة الحياة كبرنامج حكومي أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية لا تخفى؛ فهو من جهة سيعزز من موقع المملكة على المستوى العالمي والعربي بالنظر إلى الصورة النمطية للمملكة كمنتج للنفط ولا شيء غير ذلك كما تريد أن ترسمه بعض المصادر غير المنصفة، في حين أن المملكة هي أكثر من ذلك فهي حاضنة الحرمين الشريفين، وذات موقع استراتيجي مهم للغاية يحيط بها مضائق مائية، وفاعلة في السياسة العربية والإقليمية والعالمية، وأنها رقم مهم في السياسة الاقليمية والدولية يصعب تجاهله.
أما على المستوى الاجتماعي فالمملكة تواجه نمواً سكانياً متزايداً إذ يشكل الشباب من 20-44 نحو 42% من سكانها حسب الهيئة العامة للإحصاء؛ ما يعني ضرورة تلبية احتياجاتهم المتنامية، ومنها جودة الحياة بهدف استنهاض هممهم للعمل والإنتاج. وعلى المستوى الاقتصادي فإن المملكة لديها توجه واضح وقوي نحو تقليص الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل الوطني. المملكة ذاخرة بإمكانات اقتصادية كبيرة وبالتالي بحاجة إلى الإفادة من كل ما هو متاح في سبيل النمو والازدهار.
- ·التعقيبات:
ʘ التعقيب الأول: د. عبدالله بن ناصر الحمود
ليس من الصعب إدراك أن (جودة الحياة) تعني أن تكون الحياة ذات (جودة)، ولكن العجيب هو (مشارب) الناس و (مقاصدهم) في تحقيق (جودة) الحياة، وحقيقة (الجودة) التي تُرضي ضمائرهم قبل جوارحهم. وذلك بالقدر الذي يجعل المختص حيراناً فِيمَ عسى تكون (جودة الحياة) التي يرتضيها الناس، أو معظم الناس؟
ومن أجل البدء بكتابة هذا التعقيب فتحت حواراً يسيراً (مع بعض الزملاء) حول معنى أن تكون الحياة ذات جودة، فاحترت من كثرة تشعبات الرؤى أكثر من أن أكون اهتديت لكتابة تعليق ما. ثم قرّرت أن أحسم الشكّ باليقين، فذهبت إلى منصتي في (تويتر) وسألت الناس هناك عن معنى (جودة الحياة).
وبالفعل نشرت تغريدة مباشرة في هذا الموضوع مساء الجمعة، وبدأت ظهر السبت في جمع وتحليل النتائج. كما وظفت ذات السؤال في مجموعة “واتس آب” أعضاؤها من أساتذة الجامعات والمثقفين، ومجموعتين أخريين لطلاب جامعيين.
لقد كان أيسر لي أن أعرف معنى أن تكون الحياة غير ذات جودة، من أن أعرف معنى (جودة الحياة). فلعل ما واجهه مجتمعنا خلال عقود مضت من تباينات شتى في الرؤية للكون والحياة، قد انعكس على مشاعر (جيلين أو ثلاثة) وعلى ضمائرهم بل وجوارحهم في تصوّر وتحقيق معنى ذي جودة (للحياة). ويكفي للدلالة على ذلك، أن يعبر البعض عن أن (جودة الحياة) تعني “التبتُّل بعبادة الله تعالى على وجهٍ كامل”، في حين يرى البعض أن (جودة الحياة) تعني “الحصول على مالٍ وفير من أجل السفر الدائم ومن أجل التعلّم في مؤسسات تعليم عالمية”، في حين يرى آخرون أن (جودة الحياة) تعني توفير الخدمات والمرافق دون طلبها. وغير ذلك من التباينات شيء كثير.
وحتى أصل معكم إلى بعض الرؤى حول كيفية نظرة الناس لـ (جودة الحياة) كما بدت في إجاباتهم، سوف أعرض، عشوائياً، آراء نحو سبعين مشاركاً من الذين تفاعلوا مع السؤال، منهم خمسون رأياً من إجابات الناس في تويتر، وعشرون رأياً من إجابات الناس في الواتس آب.
وسأجتهد في تبويب ذلك. وقد توصّلت إلى ستة أقسام رئيسة بنيت عليها آراء الناس وهي:
– أولاً: جودة الحياة ذات معنى أخلاقي قانوني وأمني في المقام الأول.
– ثانياً: جودة الحياة ذات معنى ديني إيماني في المقام الأول.
– ثالثاً: جودة الحياة ذات معنى اقتصادي خدمي وحاجاتي في المقام الأول.
– رابعاً: جودة الحياة ذات معنى صحي نفسي وشعوري في المقام الأول.
– خامساً: جودة الحياة تكمن في أنسنة المدن في المقام الأول.
– سادساً: جودة الحياة ذات معنى شامل عام وواسع.
وفيما يلي، تصريحات المشاركين بالإجابة على السؤال موزعين حسب المحاور:
- •أولاً: جودة الحياة ذات معنى أخلاقي قانوني وأمني في المقام الأول:
– جودة القلب وتطهيره من الحقد والحسد والطمع.
– توفر الأساسيات في بيئة تحكمها القيم الأصيلة بالإضافة إلى شعور الفرد بالأمان والتعامل معه بعدالة.
– الشفافية.
– العدالة الاجتماعية وسيادة القانون وشيوع الأمن.
– الرقي بالقيم والأخلاق وتطبيق العدالة بين الجميع.
– الحصول على كافة الحقوق مقابل القيام بالواجبات.
– الأمن والقناعة.
– توافق الثقافة والقيم مع الأهداف الشخصية.
– العيش بأمان وتوفر المأكل والمشرب.
– الإحساس بالأمن المعيشي الجيد والراقي.
– الحياة بقوانين وأنظمة أكثر فعالية تفضي لاستقرار وأمان وصحة وثقافة وعلم أفضل.
– الأمن والأمان والاستقرار.
– طعم ولذة الحياة وأمن وحماية الحياة.
– إدراك وتصور الأفراد لوضعهم وموقعهم في سياق نظم الثقافة والقيم التي يعيشون فيها.
- •ثانياً: جودة الحياة ذات معنى ديني إيماني في المقام الأول:
– الرضا والقناعة بما قسم الله.
– توازن الروح والعقل والجسد.
– جودة الحياة تكمن بتقوى الله.
– قناعة وتوكل على الله.
– جودة الحياة تكمل باتباع أوامر الله.
- •ثالثاً: جودة الحياة ذات معنى اقتصادي خدمي وحاجاتي في المقام الأول:
– التخطيط المتوازن لحياة مستقبلية ناجحة.
– الارتقاء بأسلوب ونمط الحياة بتوفير أعلى المعايير التي تعود إيجاباً على الفرد وأسرته “تعليم، صحة، سكن، مواصلات، خدمات عامة”.
– تصور لنوع حياة الفرد على كافة الأصعدة.
– أمان، صحة، رفاهية: عقلية ونفسية وجسدية.
– جودة المعيشة شاملة جميع الخدمات.
– كيف تعيش بتوازن وراحة بال في كل شيء.
– انسجام النهايات الطرفية لمنتجات مقدمي الخدمات لتحقيق خدمة المستهلك النهائي بصورة تكاملية.
– الرفاه الاجتماعي الذي يكفل للمواطن التمتع بخدمات عالية الجودة من كافة النواحي التعليمية والصحية والترفيهية.
– توفر الاحتياجات الأساسية كالتعليم والصحة وتوفر فرص العمل لتأمين حياة كريمة.
– توفر الاحتياجات الأساسية من غير مطالبة.
– مجموعة من الحاجات الأساسية في حياة الإنسان لنمو التكيف والقناعة وبلوغ الرضا.
– أن تتوفر الخدمات والاحتياجات المعيشية بسهولة.
– توفر الأماكن التي يحتاجها مختلف أفراد المجتمع (مستشفيات، نوادي رياضية مختلفة، منتزهات…) التي يستطيع الفرد الاستفادة منها دون عناء مادي أو جسدي أو غيره، والتي تؤدي غرضها بالفعل.
– الخدمات والفرص.
– السكن دون إيجار في الوطن الغالي.
– قياس ومعايير دولية وتطوير مستمر، ومستوى الخدمات المقدمة للفرد.
- •رابعاً: جودة الحياة ذات معنى صحي نفسي وشعوري في المقام الأول:
– كيف ننظر للحياة بسوداوية أو بإيجابية.
– توفر الظروف المناسبة لحياة هانئة مستقرة.
– الانشغال بالنفس وتحقيق الأهداف وترك حياة الناس.
– الصحة والأمان والاستقرار النفسي والحرية.
– حياة أكثر إيجابية للأفراد والمجتمعات في النواحي التعليمية والصحية والنفسية.
– حب الحياة والنظر لها بتفاؤل والعلم أن الوقت سيمضي.
– جودة الحياة هي اكتشافك لذاتك في مرحلة النمو والتطور.
- •خامساً: جودة الحياة تكمن في أنسنة المدن في المقام الأول:
– مدن مؤنسنة ومساكن مريحة وتعليم وصحة على أعلى مستوى.
– العيش في مدن صديقة للإنسان.
– نظام غذائي صحي وبيئة عمل إبداعية في مدينة متكاملة الخدمات تناسب حياة الأسرة والأفراد.
- •سادساً: جودة الحياة ذات معنى شامل عام وواسع:
– السلامة العامة للأفراد والمجتمعات.
– وضوح وسهولة التعامل مع المتطلبات اليومية.
– القدرة على العيش بصحة تامة في جميع أمور الفرد الحياتية وأداء المهمات اليومية بسلاسة.
– جدية من الناس ودعم من الحكومة.
– نمط الحياة الصحيح.
– كل العوامل المادية والمعنوية التي تجعل الشخص يشعر بالراحة والمتعة في بيته ومجتمعه.
– تحقيق أعلى المعايير الممكنة في الصحة البدنية والنفسية وفي الدين وفي العمل والدخل والتعليم والطعام والشراب والسكن والبيئة المدنية والاجتماعية.
– الاكتفاء الذاتي صحياً ومادياً واجتماعياً.
– أن تكون الحياة جنة.
– حياة مناسبة للعيش بمعيار جيد.
– تطوير وتغيير سبل أو نمط المعيشة.
– الوصول لأفضل مؤشرات السعادة في الحياة.
– سعي الفرد نحو التحسين المستمر ومحاولة إيجاد التوازن بين جوانب الحياة المختلفة.
– تحقيق الأهداف بسهولة ويسر.
– أن تعيش في الجبيل الصناعية حيث الحياة بأفضل مقاييسها.
– جودة الحياة مصطلح فضفاض يشبه الكأس الفارغ تملؤه بما تشاء. ويسيء استخدامه الساسة وأصحاب المصالح الاقتصادية لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية. ويمكن لهذا المصطلح أن يكون نافعاً للأمم إذا حقق جودة الحياة في المجال الصحي والنفسي والتربوي وحقق أحلام طبقات المجتمع الدنيا والعليا.
– توافر الظروف الملائمة لحياة جيدة.
– توفير السبل التي يتمتع ويعيش بها وعليها الفرد مثل مكان سكنه وأكله وشربه.
– “الاتزان” في كل شيء، وتوفير الراحة في مُختلف متطلبات الفرد الأساسية.
– استخدام جميع الإمكانيات المتوفرة، للوصول لنمط حياة أسهل للفرد.
– حياة راقيه جداً من جميع النواحي تعليم وصحة وترفيه، وغيره.
– إمكانية أن يعيش الفرد في بيئة جيدة ومناسبة ثقافياً وصحياً واجتماعياً، وغيره.
– تكمن جودة الحياة في تحقيق نظرية هرم ماسلو.
أخلص من عرض هذه الرؤية من خلال طرحها، لاستقرائها من وجوه عدة، للوقوف على كيفية رؤية الناس في مجتمعنا لـ (جودة الحياة)، أكثر من أن أتوجه لحسم الرأي حيالها. وقد يفيد في ذلك، تصور أن الحالة المزاجية أو (الموقف اليومي) لكلِّ مجيب من عينة هذه الرؤية على تويتر وعلى الواتس آب، الذي عبّر عنه (لي تاير) في نظريته لفهم عملية الاتصال، قد أثرت بالتأكيد على إجابات الناس. وبالتالي عبرت تلك التباينات عن حالات مزاجية متعددة، وتجارب حياتية متعددة.
ويعني ذلك، أن الطريق أمام (برنامج جودة الحياة) في المملكة سوف يكون طويلاً، وأن الجهد المطلوب كبيراً لإرضاء غالبية الناس وإقناعهم بجودة حياتهم.
ʘ التعقيب الثاني: د. فوزية البكر
لم تتناول الورقة الرئيسة فقط الأساسيات التي تخلق العيش ولكن تناولت كذلك درجة أخرى أكثر تقدماً وهي الرفع من جودة الحياة اليومية الممارسة للمواطن ليعيش حياة طبيعية تزخر بالتنوعات التي لا تحقق له فقط المتعة والترفيه، ولكنها تساعد على إعادة بناء الأطر المدنية والحضرية كما يشترطها وقتنا الحاضر، سواء من حيث تعلم أنماط السلوك العام وتهذيب والرفع من درجة الذوق العام، إضافة إلى العوائد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا تحصي.
وتقع وثيقة جودة الحياة في 234 صفحة وتستهدف بشكل رئيس:
– تطوير نمط حياة الفرد عبر وضع منظومة بيئية تدعم وتساهم في توفير خيارات جديدة تعزز من مشاركة المواطنين والمقيمين في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية.
– تحسين جودة الحياة: تطوير أنشطة ملائمة تسهم في تعزيز جودة حياة الأفراد والعائلات وخلق فرص العمل وتنويع الاقتصاد بالإضافة إلى رفع مستوى مدن المملكة لتتبوأ مكانة متقدمة بين أفضل المدن في العالم.
وقد اعتمد البرنامج على عدد من المؤشرات العالمية التي تعرف وتقيس جودة الحياة فاعتمد ست منها كمراجع أساسية وهي:
– التصنيف العالمي لقابلية العيش والصادر عن (ذا ايكومنومست أنتلجنس يونت) والذي يغطي 140 دولة.
– مسح ميرسر لجودة الحياة والذي يصنف 231 دولة.
– قائمة مجلة مونوكل لنمط الحياة ويضم 25 من أفضل المدن للمعيشة في العالم.
– مؤشر السعادة العالمي 2017 والذي يصنف 155 دولة وفقاً لمستويات السعادة.
– مؤشر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لجودة الحياة.
– مؤشر لجودة المعيشة ARRP .
وبناء على تحليل المؤشرات الستة الآنفة الذكر تم تحديد مفهومين مرتبطين بشكل مباشر بجودة الحياة وهي:
- قابلية العيش: بتهيئة ظروف العيش من أجل حياة مرضية والذي يقع تحته عدد من الجوانب مثل: البنية التحتية والإسكان والتصميم الحضري والبيئة والرعاية الصحية والفرص الاقتصادية والتعليمية والأمنية والبيئة الاجتماعية.
- نمط الحياة: بتوفير خيارات للناس لتكون لديهم حياة ممتعة ورغيدة. ويضم: الترفيه والثقافة والفنون والرياضة والترويح والمشاركة الاجتماعية.
وتقوم برامج كثيرة في الرؤية بدعم وتحقيق مفهوم جودة الحياة وعلى سبيل المثال لا الحصر أطلقت وزراه الثقافة استراتيجيتها الجديدة والتي ارتكزت على ثلاثة محاور أساسية وهي: تكريس الثقافة كنمط حياة، والثقافة من أجل النمو الاقتصادي، والثقافة من أجل تعزيز مكانة المملكة الدولية. كما شملت الاستراتيجية 27 مبادرة منها: خدمة الوزارة لـ 16 قطاعاً ثقافياً وهي اللغة والتراث والكتب والنشر والموسيقي والأفلام والعروض المرئية والفنون الأدائية والشعر والفنون البصرية والمكتبات والمتاحف والتراث الطبيعي والمواقع الثقافية والأثرية والطعام وفنون الطهي والأزياء والمهرجانات وفعاليات العمارة والتصميم الداخلي.
من خلال هذا المثال يمكن لنا التنبؤ بالفوائد العلمية والثقافية والفنية التي لا تحصى لمفهوم جودة الحياة الذي حملته الرؤية لنا، بما سيحمل من أبعاد ستثري على سبيل المثال لا الحصر المؤسسات التعليمية عن طريق استفادة طلابها من كل هذه الأنشطة ومشاركتهم فيها، واكتشاف المواهب الواعدة إضافة إلى تثبيت النشاط البدني لكلا الجنسين، ليصبح أسلوب حياة، وهو ما سيقلل التكاليف الطبية التي ترهق كاهل الدولة الآن.
وفي هذا الصدد تبرز مجموعة الأسئلة المهمة التالية:
- أولاً: من أين سيأتي التمويل لكل هذه المشاريع والمناشط؟ افتتاح متحف واحد يكلف ملايين (لنتذكر النموذج الباذخ لمتحف اللوفر في أبو ظبي)، فما بالنا بكل هذه الأنشطة المذكورة في برنامج جودة الحياة؟
- ثانياً: ما نصيب المواطن من ساكني المناطق الريفية والنائية في هذه المناشط؟ نلحظ أن الكثير من الفعاليات هي أقرب لذوق سكان المدن.
- ثالثاً: هل استهلاك هذه المناشط والفعاليات سيعمق حجم الفروقات الطبقية للقادرين على تحمل تكلفتها مقارنة بغير القادرين؟
ʘ التعقيب الثالث: د. عبدالسلام الوايل
تتضمن رؤية 2030 بالفعل منطلقاً واضحاً لهكذا برنامج. فقد نصت وثيقة الرؤية على “أن الفرص الثقافية والترفيهية المتوافرة حالياً لا ترتقي إلى تطلعات المواطنين والمقيمين، ولا تتواءم مع الوضع الاقتصادي المزدهر الذي نعيشه”. لذا؛ كان أحد برامج الرؤية “برنامج جودة الحياة 2020” لتحقيق أهداف الرؤية. وفيما تتمحور المهمة الرئيسة للبرنامج حول تحسين جودة الحياة في المملكة، فإنه من المهم أن نلحظ أن البرنامج يتضمن محورين رئيسيين هما: قابلية العيش ونمط الحياة.
ونظراً لأن المحور الأول هو من صميم مسؤوليات الوزارات الخدمية في الدولة، فإن برنامج جودة الحياة يركز تحديداً على المحور الثاني، أي محور نمط الحياة. وبالتالي فإنه يُعنى أساساً بالنشاطات التي تتضمن الرياضة والترفيه والفنون والثقافة. لذا، فإن أهداف البرنامج تتحقق تحديداً من خلال كل من وزارة الثقافة وهيئات كل من الثقافة والرياضة والترفيه، وإلى حد ما وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، حيث يشترك البرنامج والوزارة في اهتمامهماً بمفهوم التطوع والمشاركة الأهلية.
ويتضمن محور نمط الحياة خمس فئات كبرى هي: الرياضة، والثقافة والفنون، والترفيه، والترويح، والمشاركة الاجتماعية. وتتضمن كل فئة بعدين. ففئة الرياضة تتضمن بعديّ الرياضات الاحترافية وغير الاحترافية، وفئة الثقافة والفنون تتضمن بعديّ الثقافة والفنون، وفئة الترفيه تتضمن بعديّ الترفيه خارج المنزل والترفيه المنزلي، وفئة الترويح تتضمن بعديّ خدمات الطعام والشراب والاستجمام وأخيراً تتضمن فئة المشاركة الاجتماعية بعديّ العمل التطوعي والمشاركة في المجتمع. ووضع البرامج أهدافاً يمكن قياسها لهذه الفئات وأبعاد كل منها. فبعد الفنون مثلاً تضمن أهدافاً محددة لرفع بِناه التحتية مثل رفع عدد معارض الفنون من 20 معرض وقت وضع وثيقة البرنامج إلى 160 معرض بحلول 2020، وتوفير 45 قاعة سينما وبناء دار أوبرا واحدة. وعلى صعيد الترويح يتطلع البرنامج لإيجاد مطعم واحد لطاه معروف عالمياً بحلول 2020 و3 مطاعم بحلول 2030، مقارنة بباريس التي يوجد فيها اليوم 15 مطعماً من هذا النوع. ويتطلع البرامج لإدراج 3 مدن سعودية على قائمة أفضل 100 مدينة عيشاً في عام 2020، مقارنة بالوضع الحالي حيث لا تتضمن قائمة الـ100 مدينة الأفضل أي مدينة سعودية.
وفي الترجمة الاقتصادية لمنافع هذا البرنامج، تأمل وثيقة البرنامج بتوفير 346 ألف وظيفة، وتحقيق إيرادات غير نفطية تصل لـ 1.9 مليار ريال بحلول العام 2020، كنتيجة غير مباشرة لتحسن مناحي نمط العيش محلياً وتوجه سكان المملكة لقضاء إجازتهم محلياً، فبتحسن أنماط العيش يكون من المجدي للناس قضاء عطل جميلة ومثمرة داخلياً.
وتتضمن وثيقة البرنامج ذات المئتي صفحة سرداً لتطلعات طموحة تضع لنفسها أهدافا قريبة، 2020، أو بعيدة، 2030. إن المتصفح لهذه الوثيقة يلحظ بوضوح انطلاقها من الرؤية، وهذا أمر متوقع فالبرنامج ناتج عن الرؤية، وسعيها لتحقيق البرنامج للجوانب التي تخصه من وثيقة الرؤية، وهو الأمر الذي سيجعل المملكة ليست مكانا متضمنا لفرص ترفيهية وثقافية جذابة ومرضية للداخل فقط، بل وأيضاً جذابة لسياح قادمين من الخارج أيضاً، الأمر الذي سيصب في هدف الرؤية الأساسي والمتمثل في خلق اقتصاد مولد للفرص والثروة. ولعل ما تضمنته وثيقة الرؤية من إبراز للمعالم السياحية والأثرية في كل منطقة من مناطق المملكة عناصر قوة لبرنامج جذب سياحي واعد ربما ينقصه، وبحسب وثيقة البرنامج، تأهيل البنى التحتية في المناطق القريبة من مراكز الجذب هذه. وتمثل التطورات المذهلة في منطقة العلا في الأشهر القليلة الماضية تجسيداً لهكذا تطلع.
ʘ التعقيب الرابع: د. حميد الشايجي
تناولت الورقة الرئيسة موضوعاً مهماً جداً في حياتنا اليوم، وهو الانتقال من “توفير” الحاجات الأساسية للإنسان، إلى الحرص على “جودتها”. مما يدل على تطور المجتمع وانتقاله لمرحلة جديدة في نموه.
ويعتبر الحق في الحياة من أكثر الحقوق أهمية حيث أنه يعتبر شرطاً أساسياً للتمتع ببقية الحقوق الأخرى، لذا لا يجوز حرمان أي إنسان من هذا الحق شرعاً وقانوناً وإنسانيةً. لكن السؤال الأهم هنا ما هي نوعية الحياة المنشودة؟
إن التطورات الحاصلة في الوقت الراهن ومع رؤية ٢٠٣٠ والتي ركزت على الجوانب الثلاثة في التنمية المستدامة وهي: التنمية البيئية، والتنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، فجاء مصطلح جودة الحياة الذي ينقلنا إلى الدقة المعبرة عن التكامل والتمازج الذي يوفره تكامل تلك الجوانب الثلاثة من التنمية، والذي بدوره يؤدي بالإنسان إلى السعادة والرضا والأمان في حياته.
فحق الإنسان في جودة الحياة لا يقتصر على مجرد الوجود المادي للإنسان، بل يشمل حقه في الوجود واستمرارية هذا الوجود برقي. بالإضافة إلى امتداد هذا الحق إلى تحقيق الرفاهية المادية والكرامة الإنسانية لكل فرد، فهو يعبر عن جملة من الرغبات والحاجات التي في مجملها تجعل الفرد مرتاح البال وسعيداً وراضٍ عن حياته. ولتحقيق ذلك وجب أن يكون هناك جودة في حياة الإنسان السياسية، وجودة في حياته الاقتصادية، وجودة في حياته الاجتماعية، وجودة في حياته التربوية، وجودة في حياته الصحية، وجودة في حياته الإدارية والأمنية، وجودة في حياته البيئية، وجودة في حياته الثقافية والترفيهية، وجودة في حياته الدينية. وهذا ما نستطيع أن نطلق عليه جودة الحياة الشاملة. أو الجودة الشاملة للحياة.
وتسعى المملكة جاهدة في تحقيق جودة الحياة الشاملة لمواطنيها من خلال رؤية ٢٠٣٠ الطموحة، وما تبعها من جهود وقرارات وتنظيمات ملحوظة في كافة مجالات الحياة.
ولكن هناك تساؤل مهم يطرح نفسه في ظل اتساع المساحة الجغرافية للمملكة وهو: هل تحقيق جودة الحياة الشاملة في وطننا الغالي سيشمل جميع مناطق المملكة على حدّ سواء؟، وهل سيتحقق لكل أفراد المجتمع بالتساوي؟، أم سيكون ذلك في المدن والمراكز الحضرية الكبرى فقط؟، وكم سنحتاج لتحقيق الجودة الشاملة في كافة أرجاء الوطن؟
إن تحقيق جودة الحياة دليل على مستوى عالي من الرفاه في حياة المجتمعات. ولقياس مدى تحقق ذلك نحتاج إلى وجود مؤشرات أداء متنوعة. إن الاحتياج لمؤشرات جودة الحياة في المجتمعات الحديثة يكون لقياس نتائج خطط التنمية وجودة الأداء على حياة الفرد في تلك المجتمعات، فمؤشرات جوده الحياة لا تتمثل فقط في قياس حجم الدخل الفردي، وإنما في مدى الارتقاء بجودة حياة الفرد بشكل عام.
وهناك عدة مؤشرات لقياس جودة حياة الإنسان (أي ما الذي يحتاجه الانسان)، وقد أشار د. خالد في الورقة الرئيسة لمؤشر شركة ميرسر Mercerلجودة الحياة الذي يشتمل على ٣٩ مؤشراً جاءت في عشرة محاور. وهناك مؤشرات أخرى للأمم المتحدة وغيرها. وعلى العموم فمن الأهمية أن يحتوي أي مؤشر على الأمور التالية:
١- مؤشرات الحياة اليومية:
وهي المؤشرات الناتجة من تفاصيل الحياة اليومية والتحديات التي تواجه الإنسان من غضب وإحباطات وفي مقابلها جميع الانفعالات الإيجابية.
كيف يتحقق هذا المؤشر؟: عن طريق إثراء قيمة الفرد، مما يساعده على الانخراط في مجتمعه وعدم الانسلاخ منه، وأيضاً يعزز لديه الانتماء والوفاء لمجتمعه. وتوفر الخدمات الأساسية المختلفة وتيسيرها للناس بسهولة ويسر وبجودة عالية وبرسوم مقدور عليها. وأيضاً الاهتمام بالترفيه، فهو يعد مفتاح آخر لجودة حياة الفرد. وكذلك عن طريق تنمية قيمة الفرد من خلال الأعمال التطوعية والخيرية. وأخيراً تحقيق الأمان للفرد في مجتمعه على كافة الأصعدة.
٢- مؤشرات الامكانات المتاحة:
وهي بالطبع الامكانات المتوفرة للفرد داخل مجتمعه من توافر فرص العمل، ومستوى دخل جيد يقابل احتياجاته، وتوفير التعليم الأنسب، مما سينعكس حتماً على الصحة العامة للفرد وبالتالي المجتمع.
٣- مؤشرات بيئية (البيئة الطبيعية والفيزيقية):
وهي التي تتعلق وتتصل بالبيئة المحيطة بالفرد، كمساحات الفضاء الخضراء، ومعدلات النقاء والتلوث، ومستويات النظافة. إن الهواء النظيف والماء النقي غير الملوث وضوء الشمس الطبيعي تعني مجتمع صحي.
٤- مؤشرات اجتماعية:
إن أي مجتمع يمثله مجموعة أفراد يقطنون داخل مساحة جغرافية محدودة، وبينهم أنماط من العلاقات والتفاعلات الاجتماعية، وتلك تحدد الحياة السائدة بينهم، هل هي حياة تنتشر فيها العديد من الآفات الاجتماعية، مثل: انتشار الجريمة والتهميش الاجتماعي، وغياب مساهمة الفرد، وانتشار الطلاق، والتفكك الاجتماعي؟، أم أنها مجتمعات لها أداء اجتماعي متوازن تنتشر فيها آليات مواجهة المشكلات الاجتماعية وحلها؟ فالآفات الاجتماعية تعكر جوده الحياة. ويتم تحقيق هذه المؤشر عن طريق نشر الثقافة الاجتماعية المتزنة، وتقويض التهميش الاجتماعي عن طريق نشر ثقافة حقوق الإنسان، والمسئولية الاجتماعية التي لها مدلول إيجابي مستقبلاً، وأيضاً مشاركة الفرد الفاعلة في تحقيق التنمية الاجتماعية المستدامة.
ʘ المداخلات حول القضية
- •التعريف ببرنامج جودة الحياة 2020 وأهدافه
أوضح د. عبد الله بن صالح الحمود أن برنامج جودة الحياة 2020 هو أحد برامج تحقيق رؤية المملكة 2030، ويُعنى بتحسين نمط حياة الفرد والأسرة وبناء مجتمع ينعم أفراده بأسلوب حياة متوازن، وذلك من خلال تهيئة البيئة اللازمة لدعم واستحداث خيارات جديدة تعزز مشاركة المواطن والمقيم في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية. كما يسهم تحقيق أهداف البرنامج في توليد العديد من الوظائف، وتنويع النشاط الاقتصادي، وصولاً إلى إدراج مدن سعودية على قائمة أفضل المدن للعيش في العالم. حيث يعمل برنامج جودة الحياة 2020 على تحسين جودة الحياة في المملكة، من خلال محوري تطوير أنماط الحياة، وتحسين البنية التحتية. فيعمل على تطوير أنماط الحياة من خلال تفعيل مشاركة الأفراد في الأنشطة الترفيهية والرياضية والثقافية. كما يعمل على تحسين البنية التحتية من خلال الارتقاء بالنقل، والإسكان والتصميم الحضري والبيئة، والرعاية الصحية، والفرص الاقتصادية والتعليمية، والأمن والبيئة الاجتماعية.
w أهداف برنامج جودة الحياة 2020 المباشرة:
– تعزيز ممارسة الأنشطة الرياضية في المجتمع.
– تحقيق التميز في عدة رياضات إقليمياً وعالمياً.
– تطوير وتنويع فرص الترفيه لتلبية احتياجات السكان.
– تنمية مساهمة المملكة في الفنون والثقافة.
كما يسهم البرنامج بصورة فاعلة في الاقتصاد الوطني، من خلال تشجيع الاستثمار في قطاعات جديدة تعزز الازدهار الاقتصادي للمملكة. إذ يعمل البرنامج على تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في قطاعات مستحدثة ذات صلة مباشرة بجودة الحياة ورفاهية المواطنين، إضافة إلى توفير المناخ الملائم لجذب الاستثمارات الأجنبية في هذه القطاعات. كما يساهم البرنامج في تنمية وتنويع الاقتصاد الوطني من خلال إنشاء مناطق خاصة، وإعادة تأهيل المدن الاقتصادية، وتطوير قطاعات الرياضة والترفيه والثقافة والفنون.
إن برنامج جودة الحياة طبقاً لرؤية 2030، قد شمل العديد من المفاهيم الدالة على بناء برنامج شبه متكامل عن توافر جودة للحياة. إلا أن مواد البرنامج مع شموليتها تحتاج إلى تعريف أكثر بآلية التطبيق على أرض الواقع، بمعنى كيف للمستفيد أن يضمن تقديم مستوى عال من جودة الحياة حسب ما خطط له؟
وفي تصور د. وفاء طيبة فإن الترفيه والرياضة والثقافة كلها مهمة وواجبة، ومن حق المواطن. لكن لو سألت أي مواطن في الطريق: أيهما تختار إنشاء ملعب كرة أو مستشفى على مستوى راقي؟ الجواب معروف مع اختلاف تكلفة كل منهما بالطبع. ولكن الضروريات والحقوق أقرب إلى تحقيق جودة حياة وأسرع، ثم يليها كل شيء آخر أو كمالي، وكما يقول ماسلو عن هرميته، إن الإنسان لا يرغب في تحقيق القمة الجمالية والفن، إلا إذا اكتفى في المستويات السابقة.
وباعتقاد د. نورة الصويان فإن هدف الوصول لمؤشرات عالية لجودة الحياة من سمات المجتمعات الطامحة والساعية للتغيير. وبرنامج جودة الحياة الذي أطلقه مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وأقره مجلس الوزراء سيضع كافة الوزارات الخدمية ذات العلاقة أمام اختبار يتعلق بمدى قدرتها على التفاعل والتجاوب وتحويل البرنامج إلى نمط حياتي معاش للأفراد، وذلك على غرار ما يطبق في كثير من دول العالم المتقدم، ولكي يتحقق ذلك لابد من الالتزام بمعايير ومؤشرات الأداء، والتي على أساسها تصنف الدول في مؤشر جودة الحياة، إضافة إلى تفعيل الشراكة الحقيقية بين كافة الوزارات المعنية لتحقيق أهداف البرنامج.. إن برنامج جودة الحياة أحد أهم مشاريع التغيير الحقيقي في المجتمع السعودي، حيث سيساهم في تحسين نمط حياة الفرد والأسرة، وتطوير أنشطة ملائمة تساعد في تعزيز جودة الحياة، ورفع مستوى مدن المملكة، وخلق فرص عمل بتنويع الاقتصاد. مع التأكيد على نصيب المواطنين ساكني المناطق الريفية والنائية من برامج جودة الحياة.
وفي سياق متصل تساءل د. عبد الله بن صالح الحمود، كيف يمكن توافر حياة جيدة لقاطني الأرياف والمحافظات الصغيرة، هذا إذا ثبت عدم التطرق لها ضمن البرنامج العام لجودة الحياة؟ وبدورها أوضحت د. نورة الصويان أن ذلك يمكن من خلال تفعيل الشراكات مع الجهات المختلفة في المناطق النائية، وتحديد احتياجات كل منطقة، وترتيبها حسب الأولوية سواء: صحية، أو تعليمية، أو ثقافية، أو ترفيهية، أو بيئية، أو اجتماعية.
- •ملاحظات تقييمية على برنامج جودة الحياة 2020
تساءلت د. وفاء طيبة: هل تُرى اقتصار برنامج جودة الحياة على جانب تطوير نمط الحياة وإغفال جانب تحسين جودة الحياة كما ورد في تعقيب د. فوزية يحقق ما نصبو إليه من جودة الحياة؟ لماذا يُفرد البرنامج لبعض حاجات الإنسان السعودي دون الأخرى، بحجة أن الحاجات الأساسية الأخرى لها وزاراتها؟ أليس للثقافة والترفيه والرياضة وزارات وجهات رسمية أيضاً؟، وما هو الوضع في بلاد العالم التي حصلت على مراكز متقدمة في جودة الحياة؟ ومن جهة أخرى فإن هذا الاقتصار يتعارض مع وجهة نظر السعوديين في جودة الحياة فيما توصلت له الدراسة السريعة التي أجراها د. عبدالله الحمود.. إن المعايير أو الفئات الأساسية في تقرير جودة الحياة عن شركة Mercerوالذي وضع الرياض وجدة في مستوى مُتدنٍ من جودة الحياة، أكثر شمولاً لجودة الحياة بحيث يتسع لوجهات نظر كثيرة، ويرضي جميع الحاجات، وهو يشمل البيئة الاقتصادية والصحية والتعليمية والخدمات العامة والإسكان والبيئة الفيزيقية وغير ذلك. وهذه الجوانب التي اعترفت بها الوثيقة، ولكنها لم تشملها في التعريف ولا في التخطيط والتنفيذ كجزء من البرنامج.. إن احتياجات الشباب كما تظهر لنا من خلال شبكات التواصل الاجتماعي لا تقتصر على الترفيه والفنون والثقافة، وهذا لا يخفى بالطبع؛ فالحاجات كثيرة لضمان جودة حياة الشباب لاسيما من النواحي الاقتصادية والاجتماعية وتوفير السكن وغيره من متطلبات أساسية. أما إن تحدثنا عن جودة حياة كبار السن فلم يكن لها ذكر في برنامج جودة الحياة، والواقع أن برنامج جودة الحياة لابد أن يشمل جميع الأعمار دون تفرقة.
وحول ما ذكرته د. وفاء طيبة من أن هناك إغفال لجانب تحسين جودة الحياة تحديداً فيما يخص كبار السن، تساءل د. عبد الله بن صالح الحمود، هل يُعتقد أن البرنامج لم يتطرق لتلك الفئة العمرية على وجه الخصوص؟ من جانبها علقت د. وفاء طيبة بأنها ترى أن كبار السن يحتاجون مبادرة خاصة بهم، وهذا ليس موجود. وفي كلمة المسؤول عن برنامج جودة الحياة التي ألقاها للتعريف بالبرنامج في مؤتمر وقار (جمعية كبار السن) لم يقدم المسؤول أي شيء عن جودة حياة كبار السن سوى رفع متوسط العمر المتوقع من ٧٤.٣ إلى ٧٦.
وفي سياق متصل يعتقد م. أسامة الكردي أن نقطة ضعف البرنامج هو أنه لا يحتوي على أي إشارة إلى دعم القطاع الخاص لتقديم الخدمات والمنتجات المطلوبة للبرنامج. بل وجدنا أن الدولة تقوم بالاستثمار في دور السينما بدلاً من التركيز على الاستثمار في المشاريع العملاقة المؤثرة بشكل أكبر وأوسع على الاقتصاد الوطني. كما أن البرنامج فتح الباب واسعاً أمام القطاع العام لمنافسة غير عادلة مع القطاع الخاص، والمثال على ذلك دور السينما.
وعلق د. خالد الرديعان على ذلك، بأن الإسكان والخدمات الصحية والاستهلاكية وكثير من المناشط المولدة للوظائف هي مرتبطة بجودة الحياة، وهي بالتالي مما يمكن للقطاع الخاص القيام به بما في ذلك بعض الأنشطة الترفيهية والرياضية.
وأضاف د. عبد الله بن صالح الحمود أن البرنامج أشار كذلك إلى مشاركة القطاع الخاص، حيث تضمن ما نصه: “كما يسهم البرنامج بصورة فاعلة في الاقتصاد الوطني، من خلال تشجيع الاستثمار في قطاعات جديدة تعزز الازدهار الاقتصادي للمملكة. إذ يعمل البرنامج على تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في قطاعات مستحدثة ذات صلة مباشرة بجودة الحياة ورفاهية المواطنين، إضافة إلى توفير المناخ الملائم لجذب الاستثمارات الأجنبية”.
ومن جهته ذكر أ. نبيل المبارك أن لديه ملاحظتين من الناحية المنهجية فيما يتعلق ببرنامج جودة الحياة:
- الملاحظة الأولى: وهي على البرنامج نفسه من ناحية: كيف أعد البرنامج؟، وما هي الأسس التي بُني عليها؟، وهل تم إجراء مسوحات محلية على كافة جوانب “جودة الحياة” المناسبة للمجتمع؟، وما هو شكل المجتمع المأمول من هذا البرنامج؟ وهذا يتضح من خلال التركيز على الجانب الترفيهي وشريحة الشباب، وقد يكون هذا مفهوماً من ناحية صانع السياسة لضرورات المرحلة والتغير المنشود، ولكنه غير مفهوم على المدى الطويل.
- الملاحظة الثانية: وهي الخلط غير المفهوم لدور الدولة ودور المجتمع ودور الفرد في مفهوم “جودة الحياة”، فلا يجب تبادل الأدوار إذا أردنا النجاح في رفع مستوى جودة الحياة. وأسهل وأوضح هذه الأدوار هو المطلوب من الأجهزة الحكومية وصانع القرار في توفير البنى التحتية واللازمة والقواعد الأساسية التي تمكن المجتمع من العمل سواء عن طريق القطاع الخاص أو منظمات المجتمع المدني من تطوير أدوات جودة الحياة، وحتى يتمكن الفرد من اختيار الأسلوب المناسب لفكره ومستواه من الاستمتاع بالحياة.
وحول هذه النقطة الأخيرة علق د. خالد الرديعان بأن اقتصادنا حر وليس مخطط (اشتراكي)، ويستطيع القطاع الخاص القيام بالكثير من المشاريع دون قيود؛ بحيث تكون مشاريع استثمارية ومولدة للوظائف، وبنفس الوقت تدخل ضمن ما يساعد على جودة الحياة. والحكومة هي القاطرة التي تحدد المسار والسرعة التي يسير بها، أو هكذا تربينا. واليوم الأرقام تتحدث عن ما يحدث للقطاع الخاص، بمجرد أن قاطرة الإنفاق توقفت. وعلى سبيل المثال فإنه يوجد في مدينة الرياض نحو ١٤٠ صالة للياقة البدنية تضم عددأ كبيراً من المتخصصين الذين يعملون بها، كما تدر أرباحاً من العملاء من خلال اشتراكات شهرية في برامج اللياقة البدنية، وهذه الأندية وهي قطاع خاص تدخل أنشطتها ضمن ما يُساعد على جودة الحياة، ولا توجد أية قيود على الاستثمار في مثل هذه الأنشطة. وهذا مثال واحد فقط.
- •مفهوم جودة الحياة وإشكالات المضمون
ذكر د. خالد الرديعان عدد من التعريفات الإضافية المفسرة لمفهوم جودة الحياة؛ حيث يعرفها منسي وآخرون (2006) بأنها: “شعور الفرد بالسعادة والرضا والقدرة على إشباع حاجاته من خلال ثراء البيئة، وتوفر الخدمات التي يحتاجها كالخدمات: التعليمية، والصحية، والاجتماعية، والنفسية مع حسن إدارته للوقت والاستفادة منه”. كما عرفتها فوقية عبدالفتاح، ومحمد حسين (2006) بأنها “الاستمتاع بالظروف المادية في البيئة الخارجية والإحساس بحسن الحال، وإشباع الحاجات والرضا عن الحياة، وإدراك الفرد لقوى ومضامين حياته وشعوره بالمعنى إلى جانب الصحة الجسمية وإحساسه بالسعادة وصولاً إلى عيش حياة متناغمة متوافقة بين جوهر الإنسان، والقيم السائدة في مجتمعه”*.
في حين أشار د. زياد الدريس أنه قد تَكرّر في الأوراق المقدمة، تصريحاً أو تلميحاً، تناقض التفسيرات والرغبات في معنى (جودة الحياة) بين فئات المجتمع، بسبب التفاوت العمري والفكري (الأيديولوجي). والسؤال المطروح هنا: هل ثمة اختلاف على طلب تجويد الحياة الصحية أو الخدمات التعليمية أو التيسير الإسكاني؟ أبداً لم ولن يحصل هذا.. إذاً فالاختلاف فقط في جانب واحد هو الترفيه الذي يعتبر في كل المعايير العالمية من الكماليات التي تلي تحسين جودة الحياة في الأساسيات الصحية والإسكانية والمعيشية.. الذي اختلف حوله السعوديون مؤخراً ودوماً هو الترفيه، لكنهم لم يختلفوا على تجويد الخدمات التي يجب أن تظل دوماً في رأس هرم اهتمامات مركز جودة الحياة.. أمَّا بشأن تجويد الكماليات التي تتفاوت الرغبات بشأنها فإن الحل الوحيد أمام الدولة أن توزع جهودها ومصاريفها بين مختلف الفنون والتسالي كي ترضي كل الأذواق وليس ذوقاً واحداً. والحل الوحيد أمام الناس هو أن يحترموا الاختلاف في تنوع الرغبات بين هذا وذاك، فلا يفرضنّ أحد “ذوقه الخاص” على الآخر، مستذكرين القرار السامي الصادر مؤخراً بالمحافظة على (الذوق العام).
أما د. يوسف الحزيم فيرى أنه علينا أن نفرق بين مستويات ثلاث عندما نتحدث عن جودة الحياة؛ فالمصطلح عندما أطلق قُصِد منه: جودة الحياة بالمدينة، وهذا ما ذهب إليه برنامج جودة الحياة بالمملكة. وأحياناً يطلق جودة الحياة ويعنى به: جودة الحياة بالدولة، ويدخل في إطارها الإنسان كحقوق وحريات ومشاركة ومبادرة اجتماعية، ونادراً ما يقصد بجودة الحياة: حياة الإنسان، وحسب ذلك فإن العالم الغربي ينطلق من ثقافة أن الإنسان قد اكتمل بناؤه، وللأسف مهما تم تطبيق جودة الحياة في إطار المدينة أو الدولة، فإن نتائجها ستكون ضئيلة كما هو حاصل في مناهج التحديث أو الحداثة الغربية التي جعلت الإنسان ثالثاً. وجودة الحياة الشخصية هو علم مرتبط بعلم إدارة الذات، ويعنى به في الأدبيات السائدة: المرحلة التي يظهر فيها الفرد سمات شخصية إيجابية وعلاقات إنسانية طيبة ويقدم أداء فائقاً في العمل، كما يُعد تقدير الذات أهم سمة للجودة الشخصية. وجودة الحياة الشخصية من وجهة نظر د. يوسف الحزيم ترتبط بفاعلية وكفاءة الفرد في إدارة ذاته الشخصية (الأصلية)، وعلاقاته الاجتماعية (الذات الاجتماعية)، والعمل أو التجارة، بما يحقق التوازن والرضى والنمو والاستدامة (ثبوت العادات في اللاوعي). وتتضمن جودة الحياة الشخصية في ضوء ذلك: جودة الحياة للذات الأصلية وتتصل بجودة حياة العقل والروح (الدين) والنفس (العاطفة) والجسد. أما الذات الاجتماعية فهي جودة العلاقة الأسرية والأقارب والجيران والأصدقاء. وأخيراً جودة علاقات العمل والاقتصاد. ويضاف لها جودة الإنسان والبيئة.
وذهبت د. نورة الصويان إلى أن جودة الحياة مهما اختلفت تعريفاتها فمعناها العام يشمل الأبعاد الذاتية التي تخص كل فرد على حده، والأبعاد الموضوعية التي تخص المجموع، وكل من الأبعاد الذاتية والموضوعية هدفها إشباع رغبات الإنسان حيث يمكن قياس هذا الإشباع من خلال مؤشرات موضوعية ومؤشرات ذاتية تقيس قدر الإشباع الذي تحقق بالفعل.
في حين أشارت د. عبير برهمين إلى أنها ترى أن كلمة جودة الحياة هي كلمة مبهمة لا يوجد لها أبعاد حسية ملموسة أو قواعد تصنيفية عامة. تختلف تفسيراتها باختلاف الشخص نفسه واختلاف اهتماماته وأولوياته. من خلال هذا النقاش الدائر حول موضوع “جودة الحياة” نجد أننا كأفراد تختلف احتياجاتنا ومفهومنا عن جودة الحياة، كما تختلف أولوياتنا بحسب الظروف المحيطة بنا. أو بمعنى آخر فإن تفسير كلمة جودة الحياة مرتبط بعوامل عدة خارجية (تحيط بنا)، مثل البنى التحتية والخدمات البلدية الأولية والقوانين واللوائح والقرارات والأمن العام والحالة السياسية وغيرها. وهناك عوامل شخصية ترتبط بالشخص نفسه مثل حالته الاجتماعية والصحية والمالية والعقلية وغيرها. وهناك بعد آخر يتمثل في مجموعة القيم والمثل العليا التي تشكل مفهوم الصحيح والخاطئ. المهم والأهم والأقل أهمية. كل هذه العوامل تتفاعل فيما بينها وتتفاوت نسب أهمية أحدها على الآخر. من هنا حاول بعض الأفراد والجهات عملية تقييم مفهوم جودة الحياة من وجهة نظرهم فقاموا بإعداد قوائم تحوي بعض النقاط دون الأخرى. وهي تماماً مثل مفهوم تصنيف الجامعات. لذا ورغم أن التصنيف له بريق معين إلا أنه يجب أن لا نعول كثيراً عليه. فالتصنيفات لا تعكس فعلياً مدى جودة الحياة.. ومعايير جودة الحياة تختلف باختلاف الأقطار والأمصار وفي الغالب قوائم التصنيف هذه لها بعد تجاري بحت. إلا أنه مما لا شك فيه أن الحياة المريحة المسترخية البعيدة عن التوتر والضغط العصبي والمحاطة بالسكون والطبيعة البكر الخلابة مما لا يختلف عليها الكثير من الناس في مفهوم جودة الحياة.
من جانبه أوضح د. خالد الرديعان أن القول بأن مفهوم “جودة الحياة” مفهوم مطاطي ونسبي ومتغير من مجتمع إلى آخر ومن منطقة إلى منطقة ومن طبقة اجتماعية إلى طبقة أخرى كلام صحيح. لكن هناك معايير موضوعية وردت في التعريف الرسمي الذي يشمل البنية التحتية والمرافق والترفيه والرياضة، وأن تكون المدينة مؤنسنة (رغم أن معايير الأنسنة متباينة). أما مفهوم “جودة الحياة” على المستوى الفردي فهذا أمر ذاتي ولا يُعد مقياساً موضوعياً بسبب تفاوت الأفراد في نظرتهم للأمور؛ فالبدوي قد يرى الصحراء جنة ويعبر عن كره شديد للمدينة وحضرها الذين يعشقون مدينتهم، لكن بدوي الصحراء وحضري المدينة يتفقان على أن المستشفى ضروري لمرضاهما سواء كان هذا المشفى في صحراء نائية أو في مدينة. وبهذا الخصوص يمكن الإشارة إلى وجود مُدن كثيرة في العالم مؤنسنة إلى درجة كبيرة وتتوفر فيها جميع المرافق والخدمات التي تجعل العيش فيها مقبولاً وسلساً، ومع ذلك نجد في تلك المدن حالات انتحار وعلل نفسية وتفكك أسري؛ ما يعني أن المعيار الفردي للجودة ليس معياراً موضوعياً لاختلاف البشر في تقييم عالمهم. وعموماً فإنه يفترض العودة للتعريف الرسمي لجودة الحياة فقد تضمن مؤشرات واضحة “لجودة الحياة”.
وفيما يتعلق بالأداء النوعي الذي قام به د. عبدالله بن ناصر الحمود في استقصاء متابعيه عبر تويتر، تساءل هو ذاته: إلى أي مدى يمكن معرفة ما أجمع عليه غالبية المتجاوبين مع ما طُرح في الاستقصاء. وعلق بدوره بأنه يعتقد أن الأمر ليس محل إجماع في الأصل. وإن كان صحيحاً أن العيش في حياة ذات جودة أمر متفق عليه جدلاً، ولكن كلّ يرى تلك الجودة من منظور مختلف. ربما يرى بعض الناس أهمية جودة الأمور الأساسية ومن ثم الكمالية، ولكن هناك من يعتقد أنه لا أساسيات في بيئة جافة من الكماليات وأن الأمر مراوحة بين هذا وذاك، ويأتيك زُهَّاد لا يرون الجودة إلا في التبتل بالعبادة حتى مع شظف العيش، وآخرون كثيرون. ومتابعة الحالة المجتمعية على تويتر وبعض الوسائط الأخرى ترسخ جدلية التباينات. المهم؛ تَذَكُر أن جودة الحياة من خلال تعليم الفتاة أمر أساسي، صنفه كثيرون مما لا يُختلف عليه، ولكن عدد من مجتمعات الدنيا تحاربت فيما بينها من أجل عدم تعليم الفتاة. وقيادة المرأة للسيارة، قضية بديهية وأساسية ومصلحية كبرى، لكننا عَطَّلناها من دون العالمين دهراً من الزمن، وأمثلة أخرى؛ مثل وسائل الاتصال: التلفزيون، الجوال، كاميرا الجوال، حتى عمل المرأة في حانوتها ودكانها. والاعتقاد أن لعبة “الأساسي” و”الكمالي” لعبة شطرنج لا تنتهي أبداً.
في السياق ذاته، أشار أ. محمد الدندني إلى أن جودة الحياة -أو وفق ما هو متداول مستوى العيش standers of living- كمصطلح أكثر شيوعاً فهو يشمل الأساسيات وجودتها، إن كانت خدمة أو منتج. أما الترفيه فكما ذكر البعض فهو نسبي، ومن اسمه ترف، أي أن نقصانه لا ينغص الحياة وجودتها. وليس المقصود أنه غير مطلوب، ولكنه برأيه من المهم أن تتحقق الأولويات والأساسيات أولاً؛ فالظن أنه لن يُفرح أحد لوجود دار للسينما أو للأوبرا وهناك من يتألم لفقره، أو لعدم وجود الآليات لمساعدته، أو مواطن يَشقى لإيجاد سرير لمريض من أسرته أو كرسي لابنه أو ابنته في جامعة، أو لشاب يبحث عن عمل مؤهلاً أو غير مؤهل. والسؤال المهم هنا: هل متوسط الدخل لدى الفرد السعودي يتيح له الترفيه؟، وكم من السعوديين من لديهم عادة التوفير حتى يستطيع استقطاع جزء من هذا التوفير لصرفه على الترفيه.. وهنا من المفيد التذكير بما طرحته د. فوزية في تعقيبها بشأن التخوف من أن طبقة معينة ستستفيد من الترفيه، وهل سيصل إلى المناطق البعيدة إن استطاعوا مادياً حضور حفلة غنائية. ونأتي للجودة أو مستوى المعيشة standers of living؛ فالكثيرين زاروا الدول المتقدمة، وعاشوا بها للدراسة أو العمل أو السياحة، وكلنا نتمنى أن نصل لجودة المنتج والخدمة لديهم. في طرقهم ومنازلهم ومستشفياتهم وجامعاتهم الخ. وهذا هو ما يعني المواطن وهذا ما يلمسه. هل يعلم البعض أن ٧٥٪ من الألمان لم يحضروا أو يزوروا فيلماً سينمائياً، وهل نعلم أن ٥٠٪ من العاملين لم يتمتعوا بإجازة سنوية غير الإجازات الوطنية أو الدينية.. إن جودة الحياة ورفع مستوى المعيشة يتطلب زيادة دخل الفرد؛ حيث تحتاج إلى قوة شرائية للحصول على خدمة أو منتج عالي القيمة والجودة. هنا ندخل في نفق ليس فقط العمل على رفع دخل الفرد ولكن الاستدامة؛ وهذا يتطلب زيادة الإنتاج، فهل نحن شعب منتج؟ إن من يحتاج الترفيه هو من يعمل بجد وتعب، حيث يحتاج إلى شحن نفسه وعقله وجسده بالطاقة الترفيهية بعد عناء العمل. كما أنه إذا كان لدينا ما يقارب المليون أو يفوق من موظفي القطاع العام، ولنفترض أن عدد من يعيلونهم خمسة أفراد، سنجد بذلك أن نحو خمسة ملايين يعيشون بدخل محدود إلا من له عمل خارجي يستطيع أن يرفع من مستوى دخله. ومن ثم الترفيه عن نفسه وعائلته. أخيراً؛ وهو المقلق ويسحبنا للأسفل في الخدمة والمنتج وهو هذه الجيوش من الوافدين بكل مستوياتهم، ما هي كفاءتهم وتعليمهم ودرجة تدريبهم، وقد بنوا بيوتنا ورصفوا طرقاتنا وطبخوا غذائنا؟ نحتاج مراكز خارج المملكة تكون من طرف ثالث لإجازة من يَقدم للعمل في بلادنا، وبخاصة من الدول التي تمثل ٩٠٪ من الوافدين. هنا نعود لرفع مستوى الدخل، فهل نتجاوز الطمع والتلاعب بجلب هذه الجيوش بأقل الأسعار، وإذا كان جُلَّها يعمل في القطاع الخاص، فهل له القدرة على التنازل عن ربحيته؟
- • الضروريات والكماليات المتعلقة بجودة الحياة
أشار د. عبد الله بن صالح الحمود بصدد تحديد الأولويات الأساسية في حياة أفراد المجتمع إلى أنه في عام 1943م وضع (أبراهام ماسلو) نظرية عن التحفيز البشري تسمى هرم الاحتياجات. هذه النظرية كانت شهيرة ومنتشرة في الولايات المتحدة، وهي تصف الاحتياجات البشرية وتقسمها إلى مجموعات خمس عامة. وطبقا لما يراه (ماسلو)، فبمجرد أن يلبي المرء احتياجاته في مجموعة منها، يكون محفزاً للعمل على تلبية احتياجاته في المستوى الأعلى الذي يلي المستوى الأول، وهي:
1- الاحتياجات الفسيولوجية (القاعدة): وهذه تمثل المستوى الأول والأدنى من الاحتياجات، وهي تتعلق بالاحتياجات الأساسية الضرورية للمعيشة، ومنها الحاجة إلى الغذاء، والمأوى.
2- الاحتياجات المرتبطة بالأمن: وهذا المستوى الثاني من الاحتياجات يتضمن حاجة الفرد إلى الأمن والحماية والأمان في أحداث حياته اليومية، الجسدية والمرتبطة بالعلاقات.
3- الاحتياجات الاجتماعية: وتمثل المستوى الثالث من الاحتياجات المرتبطة بالسلوكيات الاجتماعية، وتقوم على أساس رغبة الفرد في أن يكون مقبولاً كعضو في جماعة، ويتضمن الرغبة في الحب والعطف.
4- احتياجات تقدير الذات: وتندرج ضمن المستوى الرابع من الاحتياجات المتصلة بحاجة الفرد إلى الاحترام والتقدير والمكانة الاجتماعية والإحساس الذاتي بالكفاءة.
5- احتياجات تحقيق الذات (قمة الهرم): وهذا هو المستوى الخامس الذي يعد أعلى مستوى من الاحتياجات. واحتياجات هذا المستوى مرتبطة برغبة الفرد في أن يحقق ذاته ويبلغ ذروة إمكانياته عن طريق تنمية واستخدام قدراته والاستفادة منها بأقصى درجة ممكنة من الإبداع.
وذهبت د. نوال الضبيبان إلى أن لدينا نوعين من برامج جودة الحياة: على المستوى الشخصي وعلى مستوى الدولة. فالمستوى الشخصي يعكس مدى وعي ورقي الإنسان ونجاحه الذاتي على ذاته وعلى بيئته. أمَّا على مستوى الدولة فهذا يلزم تخَطِّى العديد من التحديات لتحقيقه. والسؤال الذي يطرح نفسه؛ كم نسبة الأفراد الذين يقضون جل حياتهم من الولادة وحتى الممات، وهم في أسفل الهرم يتنقلون بين المراتب الثلاث الأولى لإشباع الاحتياجات الفسيولوجية والأمنية وحاجاتهم للانتماء، وليس لديهم الرغبة أو الوعي بأن هذه المراحل متتالية ومتعاقبة، ويجب أن يُظهر الفرد الرشد والنضج في إشباع الاحتياجات من كل مستوى. وبأن الأخذ من هذه المستويات أو المراحل يجب أن يكون بحد الاكتفاء وليس لدرجة التخمة أو الانغماس أو البقاء فيها، وتصبح هاجسه الأوحد. وكم نسبة الأفراد الذين هم في أعلى الهرم لماسلو، مقارنة بالعدد الكلي للسكان؟، وما أسباب ذلك. لأن الأفراد الذين يقضون جُلَّ حياتهم يتنقلون بين إشباع رغباتهم الفسيولوجية، يُعدون عبئاً على الأفراد الذين هم في قمة الهرم ويأخذون على عاتقهم تحقيق الذات من خلال ما يقدمون للمجتمع ويحملون هم الأمة وهم الآخرين، والإحساس بهم والسعي لتحسين جودة الحياة ليس لأنفسهم فقط بل للأخرين أيضاً.
وفيما يتعلق بالضروريات والكماليات المتعلقة بجودة الحياة، أوضح د. خالد الرديعان أن برنامج “جودة الحياة” يركز بصورة جلية على الترفيه والرياضة، وخلق فرص استثمارية في هذين النشاطين المهمين. وجودة الحياة تتقاطع هنا مع فكرة السعادة. ونحن ندرك أن المملكة دولة كبيرة وعدد سكانها كبير ويخرج منها أعداد كبيرة من المواطنين بغرض السياحة في الخارج؛ ما يعني أن مليارات الريالات السعودية تذهب للخارج سنوياً مما يعني هدراً اقتصادياً يمكن علاجه. لذلك ما الضير أن يكون الترفيه والرياضة ضمن معايير جودة الحياة ومتطلباتها، خاصة وأن لهما جانب اقتصادي مفيد، ولهما أيضاً جانب ترويحي ينعكس على درجة سعادة الفرد وإنتاجيته. وبالتالي لا أرى مشكلة أن يكون للترفيه وهو “كمالي” أولوية على بعض الضروريات طالما أنه يولد وظائف ويخلق فرص استثمارية. إن بعض مؤشرات قياس الفقر ترى أن الترفيه يدخل ضمن المؤشرات. وجودة الحياة لها عدة مؤشرات، بعضها يتوفر عندنا ولا شك، لكن الترفيه شبه غائب، وهذا هو السبب في تخصيصه في البرنامج.
ومن جانبه ذكر أ. محمد الدندني أنه لا نقاش في كل ما يحافظ على المليارات التي تصرف في الخارج. واتفق د. زياد الدريس مع ما طرحه د. خالد الرديعان، في أنه لا ضير أن يكون الترفيه والرياضة ضمن معايير جودة الحياة، بل يجب أن يكونا كذلك. لكنه أختلف معه في قوله: أنه لا مشكلة أن يكون للترفيه وهو كمالي أولوية على بعض الضروريات. لأنه بذلك سيصبح الوضع كالذي يعطي شخصاً جائعاً علكة يتسلى بمضغها.
وأوضحت د. وفاء طيبة أنه لا اعتراض على الترفيه والفن والثقافة لو سار متوازيًا مع الصحة والتعليم والإسكان والحياة الاجتماعية عامة، وهذا هو ما يحدث في البلاد المتقدمة في جودة الحياة. فالحقيقة أننا تأخرنا كثيراً في مسألة الترفيه لكن تأخرنا في الأمور التي قد تكون أساسية كبير أيضاً، وبيننا وبينهم مسافة كبيرة تعمل رؤية ٢٠٣٠ على سد هذه الفجوة بإذن الله.
في حين ذهب د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أنه بلاشك فإن كل جودة للحياة تعد مكسبًا إيجابيا للفرد، لذا أتى البرنامج شاملاً لكل مناحي الحياة. فالاهتمام بالكل مطلبًا ضروريًا لبناء خدمات متكاملة الأطر.
وذكر د. علي الطخيس؛ أن من الصعب الاقتناع بصحة تصنيف مدن العالم في جودة الحياة؛ فهل يعقل أن يكون ترتيب الرياض ١٦٦ وجدة ١٦٩؟، وهذا يفتح المجال للعديد من الاستفسارات والشكوك حول المعايير المستخدمة، وهل هي موجهة بيئياً وسياسياً واقتصادياً.. إلخ؟ إذا كانت ثلاث مدن في ألمانيا وثلاث مدن في سويسرا ضمن قائمة العشر مدن الأولى، فهل التصنيف مبني على الطقس ودرجات الحرارة وكثرة الأمطار واتساع المساحات الخضراء والقطارات وغير ذلك؟ المملكة بمتانة اقتصادها ضمن مجموعه G20، المملكة جزء من العالم الصناعي إن صح التعبير، فقد وَقَّعت على اتفاقيات الأمم المتحدة وأهمها الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي، واتفاقية مكافحة التصحر، واتفاقية التنوع الاحيائي، وغيرها كثير. البعض يصف ارتفاع أسعار البنزين والديزل أن هذا حق سيادي لكل دولة ويتماشى مع توجهات البنك الدولي وغيره من المؤسسات المالية. المملكة تخطت الكثير من أهداف مؤتمر قمة الأرض ومنها نسب توفير المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي، ونطمح في المزيد من تغطية شبكات المياه والصرف الصحي. يفترض أن يكون لكل معيار متوسط وزن معياري، فمتوسط دخل الفرد يفوق نظيره في أكثر من ١٠٠ دولة. التعليم بمحاسنه ومساوئه مجاني، والصحة والخدمات الطبية كذلك.
- • العوامل المؤثرة في نظرة الإنسان السعودي لجودة الحياة
أشار م. سالم المري إلى أن هناك عاملان مهمان يؤثران على نظرة الإنسان السعودي لجودة حياته؛ أحدهما واقعي ملموس يعتمد على ما يلاقيه من تسهيل أو تعقيد أو توفر أو شح للخدمات الأساسية التي يحتاجها ويراها ضرورية. والعامل الآخر معنوي يعتمد على شعور الإنسان إما بالغضب والتعاسة أو بالرضى والسعادة. وإذا نظرنا إلى التعريف العام للجودة الشاملة فهو توجه إداري لإرضاء العملاء، والعملاء هنا هم المواطنون ومؤسسات الدولة، وجهازها الإداري هو من سيحاول إرضاء العملاء. ومعنى الجودة لغةً: هي بلوغ شيء ما درجة عالية من النوعيّة الجيدة والقيمة الجيدة، وعليه فإنه لا يمكن الكلام عن جودة عالية للحياة لشخص ما إذا كان هذا الشخص لا يحظى بالخدمات الأساسية الضرورية. كما أنه لا يمكن أن يشعر إنسان ما بجودة عالية لحياته إذا كان يرى أنه مهان الكرامة ولا قيمة ولا رأي له. ولذلك إذا حصرنا جودة الحياة في محورين أساسيين؛ (الواقعي الملموس والمعنوي المحسوس) فإنه يمكن التركيز على شعارين مهمين بتحقيقهما على أرض الواقع سيقفز مؤشر جودة الحياة عالياً في المملكة العربية السعودية، وهما:
- أولاً: رفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطن عن طريق توفير الخدمات الأساسية؛ إذ أنه لا معنى للكلام عن جودة الحياة إذا لم نوفر الصرف الصحي وشبكة مياه نظيفة ومواصلات عامة ميسرة والخدمات الأساسية الأخرى. نحن بلا شك أفضل من الكثير من جيراننا، ولكن مازلنا بحاجة للكثير من الجهود لتحقيق خدمات أساسية مرضية.
- ثانياً: رفع مستوى قيمة الفرد بحيث ينظر المسؤول للمواطن على أنه عميل مهم مهاب الجانب يجب تحقيق رضاه: فعندما يشعر المواطن أن (ماله الخاص) قد سلب منه ظلماً وبدون وجه حق وأنه عاجز عن منع ذلك سيكون بلاشك غاضباً وغير سعيد، والدولة بطبيعة الحال لا تسلب مال المواطن، ولكن الموظف الفاسد والمهمل الذي يسيء الأداء هو من يتسبب في سلب المواطن ماله، ويكون للأسف من وجهة نظر المواطن ممثلاً للحكومة. ومثال ذلك ما يقوم به ساهر من رصد للمخالفات دون وضع تنبيهات كافية بالسرعة المحددة، ودون إعطاء المواطن حق الامتناع عن الدفع حتى يثبت الدليل، ففي معظم الدول لا يغرم المواطن إلا بأمر القاضي الذي يتحقق من برهان المدعي، بينما توضع كاميرا ساهر عندنا في منعطف تغيرت عنده السرعة فجأة دون إعطاء العدد الكافي من التنبيهات بالسرعة وليس أمامك إلا الدفع. وتسير في أحد الشوارع وفجأة يتم غلقه ويتحول السير إلى تحويلة دون توضيح كافٍ كيف تصل إلى وجهتك، أو يكون الشارع مرصوف ومليء بالحفر التي تسبب الأعطال لسيارتك لأن مسؤول البلدية لا يكترث. تريد الاتصال بجهة حكومية ما ولا أحد يرد على التليفون أو يقال لك الخدمة عن طريق الموقع ولكن الموقع لا يعمل!، تتعطل معاملتك الخاصة أو استثمارك وتخسر بسبب إهمال وعدم اكتراث موظف ما؛ وغيرها من الأمور الناتجة عن تقصير موظف المؤسسات الخدمية بسبب عدم إعطائه المواطن قيمته المناسبة كعميل مهم، ولهذا كله تأثير كبير على المزاج العام.
ولذلك فإن الاقتراح هو التركيز على ما يلي:
١- إبراز الخدمات الأساسية المطلوبة التي سيرفع تحقيقها من جودة الحياة.
٢- سرد أوجه التقصير والتصرفات غير الحميدة لمؤسسات الدولة التي ينتج عنها تأثير سلبي على المزاج العام مما يعطي الانطباع بتدني جودة الحياة.
- • الإدارة السياسية وتحقيق جودة الحياة
أوضح د. صدقة فاضل أن كثيراً من الذين تطرقوا لجودة الحياة اعتبروا عنصر السياسة، أو إدارة الحياة العامة، هو العنصر الرئيس والأهم في مدى تحقق جودة الحياة. فعندما تصلح السياسة (الإدارة العليا) تصلح بقية العناصر، والعكس صحيح. حتى أن كثيراً من فلاسفة وعلماء السياسة اعتبروا أن مدى صلاحية النظام السياسي يقاس بمدى تحقيقه السعادة العامة أو الحياة الجيدة لشعبه، ومن أولئك الفيلسوف الإنجليزي “جيرمي بنثام” الذي ظهر في القرن الثامن عشر وغيره كثير.. إن جودة الحياة العامة تبدأ بتحسين مستوى صحة الناس، ورفع مستوى تعليمهم، وتنظيم حياتهم وجعلها أيسر، وتخفيف الكَبد الإنساني لأقصى حد ممكن وما إلى ذلك، أما الترفيه فيأتي في آخر القائمة. فجودة الحياة تعنى باختصار تخفيف حدة الثلاثي الرهيب “الفقر – الجهل – المرض” لأقصى حد ممكن.
واتفق د. عبد الله بن صالح الحمود معه في ذلك، وأضاف أن الإدارة السياسية المتزنة والمحكمة هي بالفعل تُعد أساس ومنطلق لبناء حياة مأمولة. لذا فأننا هنا نقوم بتحليل وتقويم كل ما ورد من مضامين لوثيقة البرنامج، لعلنا نصل إلى تبيان ما هو أفضل لتحقق مراد الفرد والأسرة.
ومن جانبها لا ترى د. وفاء الرشيد أن جودة الحياة هي ترفيه ومشاريع من القطاع الخاص. فموضوع جودة الحياة وقياسها هو ملف يصعب الحديث فيه دون التطرق لدور الحكومات الرئيسي في البناء له. فجودة الحياة الشخصية، وعلاقاتنا، والصحة، وما الذي ينبغي علينا فعله، وأين نعيش، والمالية الشخصية، والاقتصاد، والتعليم، والمهارات، والحوكمة، والبيئية؛ كلها عوامل مهمة في المؤشر الذي قررت المنظمات الدولية بناءه على ١٢ عنصراً، وبهدف نشر المؤشرات طّورت هيئات الإحصاءات بالكثير من الدول “عجلة جودة الحياة” لعرض النتائج بشكل فوري ليتم مراقبة المؤشر، من أجل استكمال الناتج المحلي الإجمالي للفرد. فالمؤشرات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية كلها أساسية، والأهم هنا كذلك هو كيفية دمج هذه المؤشرات في مبادرات الدول لجودة الحياة في مختلف سياساتها. فالحكومات لها الدور الأساسي اليوم في جودة الحياة للمواطن وبخاصة للمواطن العربي.
في حين أوضح د. خالد الرديعان أن المسؤولون كثيراً ما تحدثوا عن استنهاض القطاع الخاص لكي يشارك في التنمية، والظن أن أي حكومة في العالم لا تستطيع القيام بكل شيء مهما أوتيت من الموارد المالية. فلدينا قطاع خاص قوي ولديه إمكانات هائلة يمكن توظيفها فيما يخدم التنمية ليكون شريكاً للحكومة في توجهاتها التنموية، وفي ذات الوقت يحصل على عوائد مجزية تمكنه من البقاء في السوق. والذي كان يجري في السنوات الماضية هو أن القطاع الخاص كان يعتمد بدرجة كبيرة على المشاريع الحكومية والإعانات دون أن يقدم ما يخدم التنمية الشاملة، مع بعض الاستثناءات بالطبع فهناك من قدموا ولا يزالون يقدمون الكثير. وبرنامج “جودة الحياة” هو برنامج شامل يغطي عدد كبير من المشاريع التنموية سواء في البنية التحتية أو المرافق والتي لابد أن يكون للقطاع الخاص دور حيوي فيها. ويبقى دور الحكومة في التشريع وسن الأنظمة والتنسيق والتيسير وفتح الفرص أمام القطاع الخاص لكي يقوم بدوره على أكمل وجه. إن “جودة الحياة” ليست عمل حكومي خالص، ولكنه عمل مشترك كذلك. ويبدو أن الالتباس هو في مفهوم “جودة الحياة” الذي قد يعتقد البعض أنه فكرة “يوتوبية” وغير قابلة للتحقق. فجودة الحياة هو توجه قوي للنهوض بجميع الخدمات الأساسية والمساندة لها لكي يعيش المواطن بأقل قدر ممكن من المعاناة، لنصبح كبقية الشعوب المتقدمة التي تتمتع بمستوى ممتاز من الرفاه الاجتماعي.
وعلى الرغم من اتفاق د. وفاء الرشيد مع هذا الطرح وأن القطاع الخاص له دور؛ إلا أنها ترى أنه لن يستطيع أن يعمل بلا سياسات موازية، فالحوار مطلوب بين المسؤولين الحكوميين وممثلي المنظمات الدولية والعلماء والمفكرين من مختلف أنحاء العالم لمناقشة صيغ مبتكرة لجعل جودة الحياة المحور الأساسي في السياسات والبرامج الحكومية، والعمل لاستشراف حكومات المستقبل بالارتكاز على جودة الحياة. الموضوع ليس بجم وترفيه وحديقة وأمن وظيفي، الموضوع أعمق، تربطه الدول بالناتج المحلي.
ويرى أ. جمال ملائكة أن هناك أساسيات لابد من الوفاء بها للمواطن تلبي متطلباته الضرورية، وبدون تلبية هذه المطالب فمن الصعب إقناعه بأن البرامج الأخرى سترفع من جودة معيشته. كما أن هناك مشاكل ضخمة يواجهها المواطن، ويتطلع إلى إيجاد حلول نهائية لها، ومنها:
١- برامج وحلول وقوانين وإجراءات للحد من التلوث بمعناه المعروف، وكذلك التلوث السمعي والبصري… الخ.
٢- رعاية صحية عالية الكفاءة وبدون مشقة الانتظار.
٣- تعليم متقدم يؤهل النشء لتحديات المستقبل.
٤- بنية تحتية عالية المستوى (مدينة جدة “كمثال” تعاني من مشاكل ضخمة يصعب فهم عدم حلها على مر السنين).
٥- نظام نقل عام فعال خاصة في ظل رفع أسعار الوقود.
٦- قوانين رادعة ضد العنصرية والتحرش… الخ.
٧- توازن تنموي لكافة المناطق حسب معايير منهجية.
٨- نظام قضائي عادل وسريع ومهني.
٩- تقليل معدل البطالة إلى مستويات مقبولة.
ولا شك أن الدولة تقوم منذ سنوات بمعالجة الكثير من الموضوعات أعلاه، ولكن لابد من معالجتها بشكل أسرع وأكثر حسماً لأنها تمس أسس الحياة للمواطنين. أيضاً فإن أمور الترفيه والرياضة… الخ مهمة جداً. وينبغي الاهتمام بها، ولكن دون معالجة الموضوعات أعلاه بحسم فثمة شك بأننا سننجح في تحسين جودة الحياة.
وأكد أ. محمد الدندني على عدة نقاط مهمة في هذا الإطار، منها:
1- أن جودة الحياة تشمل مناحِ كثيرة ومتشعبة، والكثير منها يخص المشرع والمقنن وهو الدولة من سن القوانين ووضع المواصفات والفحص.. الخ.
2- من ناحية مستوى الفنون والثقافة العامة والذوق العام، فهذا مناط بالمجتمع وما وصل إليه وماذا يريد (حراك مجتمع). وهنا دور وزارة الثقافة وربما هيئة السياحة والترفيه، ومن الملائم عدم السرعة في هذا، ليس فقط بسبب أولوية جودة الحياة من حيث الخدمات والمنتج، ولكن لأنها تحتاج استيعاب المجتمع وما يحتاج بمعنى آخر إعطاء فرصة للتطور الطبيعي.
3- فيما يتعلق بالقطاع الخاص فالرأي أن يأخذ بنصيب الأسد فيما يخصه منطقياً وعملياً، مع التركيز على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وحتى الأفراد في تشجيعهم والحرص على إعانتهم لما له من فائدة في خلق فرص للعمل، والبعد عن احتكار هذه الفرص.
أما د. حميد الشايجي فذكر أنه كانت هناك إشكالية في شمول التنمية لكافة مدن وأرياف المملكة. فالكهرباء والماء والهاتف، وهي من متطلبات الحياة الأساسية، لم تصل إلى بعض الأماكن، بل ولا زالت متعثرة في بعض القرى. فكيف بنشر جودة الحياة الشاملة في كافة أرجاء البلاد؟، فهل سيتحول التنظير والرؤى إلى واقع معاش وملموس في حياة كل مواطن سعودي، أم سيحظى بها سكان المدن الكبرى فقط؟ والتساؤل الآخر؛ هل جودة الحياة أمر نسبي، يختلف باختلاف المكان والاحتياجات؟ أم أنه حزمة واحدة تطبق على كل مناطق المملكة؟
وفي تصور د. عبد الله بن صالح الحمود فإن هذه التساؤلات الأخيرة تنقلنا إلى عدالة وشمولية توزيع الخدمات مناطقياً، وهذه هي أساس بناء جودة الحياة، الأمر هنا يتوقف عن معرفة الأسباب الكامنة وراء نقص الخدمات في بيئة ما، ومن ثم المطالبة والمحاسبة عن أسباب عدم توافر خدمة ما في تلك الأماكن غير المخدومة.
وأضاف أ. محمد الدندني أن هناك نقطة مهمة يجب عدم إغفالها في هذا الإطار تخص الفرد ومن ثم الجماعة؛ وهي الثقة في النفس، وهل هي من جودة الحياة؟ فالواقع أننا لعقود ما زلنا في حاجة إلى غير السعودي وتقريباً في كافة الخدمات والأعمال فكأنما نحن نعيش في حالة سفر، حيث لا ترى أو تتعامل في حياتك اليومية إلا مع مواطن الدولة التي سافرنا إليها. لذا فإن التساؤل المطروح: ما هو التأثير النفسي والأمني على المواطنين؟ وبطريقة أكثر وضوحاً؛ هل ما سبق يمكن أن يكون قد ولد نوعاً من الغربة داخل الوطن؟
وعلق د. عبد الله بن صالح الحمود بأن الغربة لاشك تتوغل في الأنفس كلما توسعت الديموغرافية لغير أفراد الوطن في الوطن الأم. بينما ذهبت د. وفاء طيبة إلى أننا عندما نصل لجودة الحياة الشخصية تصبح الجودة نسبية؛ فنجد الفلاح البسيط الذي إذا أكل وشرب واستراح حمد الله، ونجد الفلاح الذي لا يعجبه وضعه ويهاجر إلى المدينة لمحاولة أفضل. أما على مستوى الدولة والمجتمع يكون هناك معايير عامة. بينما ذهب د. يوسف الحزيم إلى أن هناك تكامل لجودات الحياة بين الإنسان والمدينة والدولة، فإن ضعف طرف أثر على الآخر والعكس صحيح.
ʘ التوصيات
- أولاً: مقترحات تطويرية لجودة الحياة: وتتضمن:
1- توفير الخدمات الداعمة لنشأة جودة الحياة الحقيقية قبل فرض العقوبات المقننة للحفاظ على هذه جودة الحياة كما جاءت في برنامج جودة الحياة 2020.
2- إعطاء أهمية أكبر لمراجعة السياسات والأنظمة لتحسين نسبة الأداء وتحسين الخدمة وبالتالي زيادة جودة الحياة.
3- وضع خطة استراتيجية من قبل الإدارة العليا لتحسين الحياة في مدننا وقرانا على حد سواء، وضرورة التدخل الحكومي على أعلى مستوى للمتابعة والإشراف على التنفيذ من قبل المنفذين لخطط التنمية (خطط تحسين الحياة العامة بالبلاد).
4- ضرورة توافر قنوات اتصال مباشرة بين المواطن والمقيم من جهة وبين الجهات ذات العلاقة بالحفاظ على جودة الحياة.
5- تقويم تجربة ساهر والتشدد في تحقق شروط المخالفة قبل تغريم المواطن باعتبار ذلك أحد متطلبات تحسين جودة الحياة.
6- تسهيل رفع القضايا على المسؤولين والمؤسسات المتسببين في إلحاق الضرر بالمواطنين لحفظ حقوقهم؛ كون حفظ الحق من أساسيات جودة الحياة.
7- التوسع في إشراك المواطن في التنمية.
8- الاستئناس بآراء الجمهور عبر مشاركات لإبداء الرأي والمقترح، وتحديد أولويات جودة الحياة المرجوة، وذلك من خلال الموقع الإلكتروني الرسمي لبرنامج جودة الحياة، بحكم أن الفرد هو الركيزة الأساسية للاستفادة من روح جودة الحياة.
- ثانياً: أولويات جودة الحياة تجاه الفرد: وتتضمن:
1- اكتمال التنمية الشاملة وخصوصاً الأساسية منها من بنى تحتية وأساسية، كأولوية تسبق المجال الترفيهي والسياحي على حد سواء.
2- إكمال الخدمات الأساسية في مختلف المناطق مثل الصرف الصحي والمياه والكهرباء والمواصلات العامة وغيرها.
3- دراسة وتطبيق وثيقة منظمة الصحة العالمية للمدن الصديقة لكبار السن، بما يتلائم وطبيعة المملكة العربية السعودية اجتماعياً وجغرافياً.
4- إعطاء أولوية كبرى لمشاريع التوظيف، بحكم أن توافر فرص العمل يمثل أمناً اجتماعياً يقود إلى انطلاقة حقيقية نحو مسلك جودة الحياة.
5- الاهتمام بالفنون عامة ضمن متطلبات تحسين جودة الحياة.
6- إن تحسين جودة الحياة تعني الاهتمام بكافة الشرائح المجتمعية، من كبار سن وشباب وأطفال وخصوصاً ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذا المجتمعات الأقل تنمية.
القضية الثانية
21 إبريل فرصة للبقاء على قيد الإبداع
- § الورقة الرئيسة: د. سعيد العمودي
- § التعقيبات:
ʘ التعقيب الأول: م. حسام البحيري
ʘ التعقيب الثاني: أ. نبيل المبارك
- § إدارة الحوار: أ. وليد الحارثي
ʘ الملخص التنفيذي
يحتفل العالم في 21 أبريل من كل عام باليوم العالمي للإبداع والابتكار بعد اعتماده رسمياً في 27 أبريل من عام 2017 من الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي أقرت منذ ذلك التاريخ بأن يكون يوم 21 أبريل من كل عام يوماً عالمياً للإبداع والابتكار World creativity and innovation Day (WCID)، لتذكير الناس وتشجيعهم على استخدام إبداعاتهم لجعل العالم مكانًا أفضل للعيش وتشجيع الناس على استخدام الإبداع والابتكار في حل المشكلات لجميع القضايا المتعلقة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدت عام 2015.
فقد أصبح الإبداع والابتكار، على كل من المستوى الفردي والجماعي، الثروة الحقيقية للدول في القرن 21، وفقًا لنتائج الطبعة الخاصة لتقرير الاقتصاد الإبداعي “مسارات التنمية المحلية الآخذة في الاتساع”، والتي شاركت في نشرها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). حيث ركز هذا التقرير على اعتبار الثقافة عنصراً أساسياً في التنمية المستدامة وتمثل مصدرًا للهوية والابتكار والإبداع للفرد والمجتمع، وفي الوقت نفسه، يتمتع الإبداع والثقافة بقيمة غير مالية كبيرة تسهم في التنمية الاجتماعية الشاملة، وفي الحوار والتفاهم بين الشعوب. ونشأ بناءً على ذلك مصطلح جديد يسمى “الصناعات الإبداعية”. وفي جميع أنحاء العالم، تنمو الصناعات الإبداعية بشكل أسرع من القطاعات الأخرى، ويقدر أنها تمثل أكثر من سبعة بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (GDP) وسبعة بالمائة من العمالة. ويتوقع أن تبلغ قيمة الصناعات الإبداعية بحلول عام 2020 نحو 6.1 تريليون دولار.
غير أن مفهوم الصناعات الإبداعية في السعودية غير واضح المعالم؛ لأن الاقتصاد السعودي في غالبه اقتصاد تقليدي، وبالتالي عدم وجود الصناعات المعتمدة على الإبداع والابتكار بأشكاله المختلفة كأحد أعمدة الدخل القومي للبلد.
وقد ناقشت الورقة الرئيسة والتعقيبات قضية الأبداع وما يتصل بها من أبعاد ذات علاقة. وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
- مفهوم الإبداع وأبعاده.
- مفهوم الاقتصاد الإبداعي.
- عوامل خلق وإيجاد البيئة الإبداعية.
- مشروع نيوم واستقطاب المواهب والمبدعين.
- مؤسسة الملك عبدالعزيز (موهبة) وتنمية الإبداع.
- نحو حلول عملية لإيجاد البيئة الإبداعية في التعليم.
- الإبداع في المجال الإعلامي.
وكشفت المداخلات عن تباين تفسيرات المتحاورين لمفهوم الإبداع وأبعاده، كما تم استعراض الآراء حول تقييم مؤسسة الملك عبدالعزيز (موهبة) وتنمية الإبداع. وفي المقابل فقد كان ثمة اتفاق على أهمية توفير البيئة وكذلك البنية التحتية للإبداع، ووضع خطط وبرامج يتم العمل في ضوءها.
ومن أبرز التوصيات التي انتهي إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول قضية اليوم العالمي للإبداع والابتكار ما يلي:
1- عدم إهمال أي مبدع أو أي نوع من الإبداع بصرف النظر عن الجدوى الاقتصادية والوطنية لإبداعه، ومن ثم توجيهه إلى المكان الصحيح لتطويره.
2- ضرورة الاهتمام بصناعة وتكوين مجتمعات المعرفة وخصوصاً ما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
3- اعتماد سياسات تعليمية ومبادرات منبثقة من سياسات مجتمعات المعرفة تصب في صالح الدولة، وتركز على تعلم العلم، وتطوير التعليم.
4- العمل على دعم مجالات التنمية البشرية القادرة على الابتكار والإبداع والمنافسة الناجحة.
5- أن يتم تحويل الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد مبدع ومبتكر يراعي العناصر التالية: (العنصر البشري، والتعليمي، والأسري التربوي والمجتمعي، والتنظيمي، والإداري، والمادي، والثقافي العام، والواقعي).
6- القيام ببناء برامج خاصة بتوعية الوالدين بالبيئة المناسبة لتشجيع الإبداع والابتكار، وكيفية احتضان أبنائهم المبدعين.
7- الاهتمام بنشر الوعي بثقافة الإبداع والابتكار والأنشطة الداعمة لها في المنزل والعمل والمدارس والروضات مثل الرسم واللعب بالطين والعزف وغيرها.
8- العمل على توجيه المبدعين إلى القنوات الصحيحة لعرض إبداعهم.
9- بناء البنيات التحتية في الجهات المختصة لتوفير البيئات الإبداعية فيها.
10- أن يتم تقديم المعارف والمهارات الأساسية اللازمة لتسويق الاكتشافات البحثية والمخترعات والأفكار الإبداعية والعمليات والخدمات الجديدة التي يقدمها المبدعون ورواد الأعمال وتسويقها للقطاعين العام والخاص.
11- أن تولي مراكز الابتكارات داخل الجامعات خدمة رواد الأعمال وتنظيم المشاريع الإبداعية ونتائج الأفكار البحثية مع المبدعين من طلابها ومن خارجها، ومساعدتهم على تسويقها تجارياً وتجني الجامعات من ذلك بعض العوائد المالية والمعنوية في تقييم الجامعات العالمي.
12- استثمار الإبداع في المجالات السلبية وتوجيهه نحو مجالات إيجابية ونافعة.
13- الاهتمام بتدريب القيادات على رعاية المبدعين لأن كثيراً من البيئات الإدارية النمطية للمؤسسات طاردة للمبدع.
14- إعادة تعريف المبدع والموهوب في مؤسسات رعاية الإبداع الرسمية وشبه الرسمية ليشمل الفئات غير المتقدمة تحصيلياً.
15- دعوة الجامعات إلى تبني تعريف مجمع عليه للتطبيق الوطني لتعريف الإبداع، ويمكن أن يتولاها فريق رؤية 2030.
16- الاهتمام بمجالات الإبداع الخاصة بالمرأة ورعايتها بشكل خاص.
17- القيام بوضع برنامج وطني خاص لدى كل جهة حكومية للتعرف على المبدعين في مجال تلك الجهة ليتم تبنيهم في وظائف المستقبل كأسلوب لبناء قيادات فعالة.
18- أن يتم تأهيل المعلمين بكافة السبل التي تمكنهم من أن يكونوا مبدعين، فيخلقوا بيئة إبداعية للطلاب.
19- أن تتم تهيئة الأفراد على التخلص من المعوقات السلبية التي تنبع من داخلهم وتعيق الكشف عن مواهبهم وابتكاراتهم، كالخوف من الخطأ والفشل، وعدم الثقة بالنفس، أو الخجل من المدير وغيرها.
20- التأكيد على مسؤولية الشركات المجتمعية، بتخصيص ميزانية سنوية من أرباحها للمساهمة في دعم الأفكار الإبداعية وتبينهم للابتكارات ودعمها في المجالات كافة.
21- التكامل بين المدارس والجامعات، لإعداد أجيال متسلحة بالعلم والمعرفة؛ وتنفيذ المبادرات الكفيلة باحتضان المبدعين وإنشاء المسارات التعليمية المحفزة نحو الإبداع والابتكار.
22- حث الجامعات ومركز الأبحاث على استشراف المستقبل ورسم السيناريوهات المتوقعة، ووضع حلول استباقية للتحديات.
23- جعل الابتكار والتميز كثقافة في التخطيط ومتابعة الأعمال، ومقومات أساسية للانتقال بالعمل الحكومي إلى الأفضل للتوافق مع التحولات العالمية الجديدة وتحديات العصر.
24- إيجاد حاضنات علمية للمبدعين، وتوفير قروض وتمويل لإنجاز مشروعاتهم الإبداعية.
25- تشجيع الشركات الكبرى على أن يكون دعم ورعاية المهوبين والمبدعين وتمويلهم جزءا من مسؤوليتها الاجتماعية.
الورقة الرئيسة: د. سعيد العمودي
يحتفل العالم في 21 أبريل من كل عام باليوم العالمي للإبداع والابتكار بعد اعتماده رسمياً في 27 أبريل من عام 2017 من الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي أقرت منذ ذلك التاريخ بأن يكون يوم 21 أبريل من كل عام يوماً عالمياً للإبداع والابتكار World creativity and innovation Day (WCID)، لتذكير الناس وتشجيعهم على استخدام إبداعاتهم لجعل العالم مكانًا أفضل للعيش وتشجيع الناس على استخدام الإبداع والابتكار في حل المشكلات لجميع القضايا المتعلقة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدت عام 2015.
21 إبريل من كل عام هو وقت مناسب لمنح الناس سببًا وفرصة لاستخدام الخيال بشكل إنتاجي، لإطلاق تفكير جديد، والاحتفال بذلك. هذا اليوم يخاطب الجميع على حد سواء لإطلاق قدراتهم الإبداعية والابتكارية.
لقد أصبح الإبداع والابتكار، على كل من المستوى الفردي والجماعي، الثروة الحقيقية للدول في القرن 21، وفقًا لنتائج الطبعة الخاصة لتقرير الاقتصاد الإبداعي “مسارات التنمية المحلية الآخذة في الاتساع”، والتي شاركت في نشرها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP).
وركز التقرير على اعتبار الثقافة عنصراً أساسياً في التنمية المستدامة وتمثل مصدرًا للهوية والابتكار والإبداع للفرد والمجتمع، وفي الوقت نفسه، يتمتع الإبداع والثقافة بقيمة غير مالية كبيرة تسهم في التنمية الاجتماعية الشاملة، وفي الحوار والتفاهم بين الشعوب.
ونشأ بناءً على ذلك مصطلح جديد يسمى “الصناعات الإبداعية” والذي عُرّف من قبل “إدارة الرقمية والثقافة والإعلام والرياضة البريطانية”The Department for Digital, Culture, Media & Sport (DCMS) بأنها “… تلك الأنشطة التي تعد محصلة للإبداع الفردي والمهارة والموهبة والتي لديها القدرة على خلق الثروة وخلق فرص العمل من خلال توليد الأفكار واستغلال الملكية الفكرية”. وقد صُنفت هذه الصناعات بحيث تشمل القطاعات الرئيسة الثلاثة عشر التالية: الإعلان، التحف، الأزياء، الأفلام، الترفيه، الموسيقى، الهندسة المعمارية، الحرف اليدوية، التصاميم، فنون الأداء، التلفزيون والإذاعة، النشر، والبرمجيات. القاسم المشترك لهذه الأنشطة المختلفة قدرتها على إنتاج الدخل من خلال حقوق الملكية الفكرية.
وفي جميع أنحاء العالم، تنمو الصناعات الإبداعية بشكل أسرع من القطاعات الأخرى، ويقدر أنها تمثل أكثر من سبعة بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (GDP) وسبعة بالمائة من العمالة. ويتوقع أن تبلغ قيمة الصناعات الإبداعية بحلول عام 2020 نحو 6.1 تريليون دولار.
مفهوم الصناعات الإبداعية في السعودية غير واضح المعالم؛ لأن الاقتصاد السعودي في غالبه اقتصاد تقليدي، وبالتالي عدم وجود الصناعات المعتمدة على الإبداع والابتكار بأشكاله المختلفة المذكورة أعلاه كأحد أعمدة الدخل القومي للبلد. على سبيل المثال الصناعات الإبداعية تمثل 7.6% من الناتج القومي البريطاني بمجموع 91.8 مليار جنيه استرليني يعمل فيها 3.4 مليون شخص.
في مجتمعنا السعودي مع الرفاهية الطاغية أصبح الاهتمام بالوظيفة أكثر من الدخل الشخصي النابع من فكرة. أيضاً فإن الاهتمام بالإبداع والابتكار فئوي، على سبيل المثال المبدعون والموهوبون في الغالب هم من اهتمام مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع، وربما غيرها من المؤسسات التي لديها شروط وضوابط للانضمام لها، ولكن ماذا عن الغالبية العظمى من الناس من مختلفي الأعمار والاهتمامات، هل لا يوجد هناك قابلية لديهم للإبداع والابتكار؟ والاعتقاد بأن الجميع مبدع ولديه “غريزة” الإبداع. وقد أثبتت ذلك عدة دراسات بأن الإبداع فطري في كل إنسان، ولكن بسبب ظروف البيئة المحيطة يتأثر الإبداع حتى يتلاشى مع مرور الزمن. مثال ذلك دراسة جورج لاند George Land في عام 1968 -(محاضرة في اليوتيوب TEDxTucson George Land The Failure Of Success) – لاختبار إبداع 1600 طفل تتراوح أعمارهم بين 3 إلى 5 سنوات. أعاد اختبار نفس الأطفال في سن 10 سنوات، ومرة أخرى في سن 15 سنة. كانت النتائج مذهلة.
– نتائج الاختبار 3-5 سنوات من العمر: 98 ٪.
– نتائج الاختبار لسن 10 سنوات: 30٪.
– نتائج الاختبار لسن 15 سنة: 12٪.
– نفس الاختبار طبق على 280.000 بالغ وكانت النتيجة: 2٪.
هذه الدراسة وغيرها الكثير تثبت بأن الإبداع فطري، وإهماله أو قمعه يؤدي إلى نضوبه وتلاشيه.
“من قتل الإبداع” كتاب للمؤلفان (أندرو جرانت وجايا جرانت) لَخَصَّا تجربتهما التي تزيد عن خمسة وعشرين عامًا من العمل في كل من نظام التعليم وقطاع الأعمال إلى أن كثيراً ممن قُتِل لديهم الخيال والإبداع قد مروا بأربعة مراحل:
– المرحلة الأولى: القمع. (استخدام التحكم والخوف لتقييد التفكير المنفتح).
– المرحلة الثانية: التقييد. (استخدام الضغط والعزل لتقييد الأفكار).
– المرحلة الثالثة: التدهور (تثبيط النمو بسبب اللامبالاة).
– المرحلة الرابعة: التدمير (ضِيق الأفق والتشاؤم المدمران).
وربما بعضاً ممن يقرأ هذه الورقة سيرى مرحلة من المراحل قد مورست معه في فترة من حياته عبر المدرسة أو الأسرة أو العمل، ومن خلالها استسلم للقمع والتقييد الذي أدى لتدهور خياله وحالته الإبداعية ووصلت للتدمير.
قال حكيم حافظ على ثلاث هوايات: الأولى تجلب لك المال. الثانية تحافظ على صحتك ولياقتك. الثالثة تحافظ على إبداعك.
سؤال للجميع مهما كان العمر والعمل؛ ما هوايتك الحالية التي تحافظ على إبداعك؟، هل ترسم؟، تصور؟، تكتب الشعر؟، تعزف؟، وغيرها من الهوايات التي تطلق الخيال والإبداع وتساهم في تنشيط شقي الدماغ الأيمن والأيسر. آمل أن تكون إجابتكم مباشرة.
التلفاز، الجوال و Netflix وغيرها من وسائل التواصل والتقنية سلبتنا لحظات التأمل والتخيل والإبداع، وأصبح البعض لا يفكر إلا بعد وقوع مشكلة. قال مؤلف كتاب Hegarty on Creativity “أفضل وقت للتفكير هي عندما لا أفكر!” ويقصد بأن نعطى أنفسنا لحظات للتأمل والصمت بعيداً عن أي مشاكل ملحة الحل.
أحاول أن تكون هذه الورقة عملية وتطبيقية وغير تنظيرية، لأن اليوم العالمي للإبداع يشجع على أن يكون الجميع ذو طاقة إبداعية ابتكارية تعزز الذات وتخدم المجتمع. لذلك سأستعرض بشكل سريع خلاصة تحليل شخصي لـ 50 مبدع ومبتكر عبر التاريخ والحاضر، وجدت لديهم عناصر مشتركة مكنتهم من “البقاء على قيد الإبداع” لخصتها في كلمة CREATIVE وهي مجموعة عادات تساهم في المحافظة واستعادة الإبداع!
– الفضول C: Curiosity (التساؤل، الشغف بالمعرفة، الملاحظة المثمرة).
– الموارد R: Resources (هناك مهارة غالبة تميزه).
– الحماس E: Enthusiasm (تركيز وصبر ومثابرة).
– المغامرةA: Adventure (الخروج من منطقة الراحة والتجربة والخطأ).
– التفكيرT: Thinking (التأمل والربط بين الأشياء).
– المشاركةI : Involvement (البحث عن الشركاء المبدعين).
– التخيّل والتصورV: Visualization (تحويل الأفكار إلى صور).
– البيئة E: Environment ( البحث عن البيئة المحفزة والمشجعة).
هذا النموذج تم اختباره أيضاً على مجموعة من الأطفال في عمر ما قبل سن المدرسة، ووجدت أنهم فطرياً لديهم غالب الخصائص التي تجعلهم مبدعين، فهم لديهم الفضول الكبير والرغبة في المعرفة، والطفل من سنتين إلى خمس سنوات يسأل 40 ألف سؤال استفساري، وهي نفس العادة لدى أعظم مبتكري العالم، باستخدام المفتاح المحفز للتخيل ماذا لو؟، ويشتركون أيضاً في لحظة الدهشة (أها). الأطفال لا يخجلون من عرض رسوماتهم وأعمالهم أو الغناء والعزف.
الأطفال لديهم روح المحاولة والخطأ والمثابرة وعدم اليأس، ولديهم الجسارة “Fearlessness” ولا يفكرون بالعواقب. لديهم العمل الجماعي واللعب مع الآخرين بدون اعتبارات عرقية أو أيدلوجية، يحبون الرسم والتخيل، ويبدعون أكثر عندما تكون بيئة المنزل والمدرسة مشجعة على الإبداع والابتكار، يؤكد كيث صوير Keith Sawyer” مؤلف كتاب التفكير المتعرج Zig Zag: The Surprising Path to Greater Creativity (أثبتت الدراسات بأن الأشخاص الذين عاشوا في أكثر من بلد، متعددي الجنسيات، ثنائي اللغة، المهاجرين هم أكثر الناس إبداعاً).
أدعو الجميع أن يستثمر اليوم العالمي للإبداع للبقاء على قيد الإبداع، من خلال نشر ثقافة الإبداع والابتكار في العمل والمنزل، آمل من الجميع أن يخرجوا الطفل الصغير في داخلهم فقط، وأقول في الختام: استمتعوا بما كنتم تفعلونه عندما كنتم أحراراً. ومن الأفكار المقترحة من موقع الاحتفالية العالمية:
– اللعب بالطين.
– الغناء.
– العزف.
– الرسم.
– الرقص.
– اللعب بالقطع الصغيرة مع الأطفال.
وهناك الكثير من الأنشطة الموجودة في محركات البحث التي تساهم في التمتع بحرية كبيرة في التفكير والتخيل.
نموذج CREATIVE للبقاء على قيد الإبداع (*)
- · التعقيبات:
ʘ التعقيب الأول: م. حسام البحيري
أصبحت مجتمعات الدول الغنية التي يوجد بها بنيات اقتصادية متنوعة ومتقدمة، تعتمد على الابتكار والإبداع للنمو والنجاح الاقتصادي لإدراكهم أنه بدون الإبداع والابتكار فإن الاقتصاد سيفقد القدرة على التنافس الذي يشكل إحدى العوامل الرئيسة للنجاح، في الحاضر الإبداع والابتكار أصبح مطلب للحكومات والمنظمات والمؤسسات الاقتصادية الكبرى التي تطلق المبادرات والمشاريع الابتكارية بشكل دوري، ولا يمر أسبوع بدون أن نسمع عن انطلاق المشاريع والمبادرات في هذا المجال حول العالم.
قد نرى أن هذه المتطلبات جديدة، أتت بسبب التقدم التكنولوجي في العقدين الماضيين، ولكن الحقيقة أن الارتباط بين الاقتصاد الناجح والابتكار هي نظرية قديمة عمرها قرن على الأقل، أول من ذكرها كان العالم الاقتصادي النمساوي (جوزف شومبيتر) الذي حدد الابتكار باعتباره “البعد الحاسم للتغيير والنجاح الاقتصادي، لأن النجاح يدور حول الابتكار وأنشطة تنظيم المبادرات وأن القوة التجارية الناشئة عن الابتكار يمكن أن توفر نتائج أفضل من المنافسة غير المرئية”. وقد ذكر أن “الابتكار التكنولوجي غالباً ما يخلق احتكارات تسمح بنجاح اقتصادي ضخم ولكن مؤقت، لأن هذا النجاح سيصنع منافسون ومقلدون لأنه يشكل حافزاً للشركات والأفراد لتطوير منتجات وعمليات جديدة”. العالم الاقتصادي (روبرت سولو) الحاصل على جائزة نوبل للاقتصاد في عام 87م ذكر قبل أكثر من 50 سنة أن “ارتفاع الدخل لابد أن يكون مرتبط بالتقدم التكنولوجي الذي يعلم كيف تؤسس الأعمال بشكل أفضل في المجتمع، وليس إلى تراكم رأس المال، ولذلك فإنه من المنطق أن نركز الانتباه على كيفية تعلم المجتمعات، وما الذي يمكن عمله لتشجيع التعلم بما في ذلك تعلم كيفية التعلم”.
هذه الحقائق تقودنا إلى القاعدة الأساسية لبناء المجتمعات العصرية المتقدمة وهي صناعة مجتمع المعرفة. ولا شك أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أصبحت المحركات الرئيسة للنمو والابتكار والإبداع، وأن الثورة التكنولوجية صنعت مجتمعات جديدة معاصرة ومتقدمة، تهتم بنمو الأفراد وتقدمهم الشخصي ومساهمتهم في توليد المعرفة وتطويرها؛ لأن المجتمعات المتقدمة في الحاضر تعتمد في الأساس على إنتاج تبادل المعرفة بسبب وجود الكم الهائل من البيانات الرقمية التي يتم تحليلها واستخدامها في إنشاء ابتكارات جديدة.
الاهتمام بصناعة مجتمع المعرفة أصبح مطلب أساسي للنمو والنجاح الاجتماعي والاقتصادي وتقدم الدول والمجتمعات، ولذلك فإن السياسات التقليدية التي تركز على الكفاءة الشخصية على المدى القصير أمر لا يصب في صالح الدول، بينما سياسات التعليم طويلة المدى المنبثقة من سياسات مجتمع المعرفة أمر يصب في صالح الدول خصوصاً الدول النامية أو الناشئة. بدون دعم حكومي من خلال إطلاق المبادرات وتوفير الموارد لا يمكن التقدم في هذا المجال ونحن نعلم اليوم أن الحكومة متجهة بقوة نحو دعم التنمية البشرية المحلية سواء من خلال إطلاق المبادرات أو توفير الدعم اللازم لبناء مجتمع عصري متعلم يكون عنده القدرة على الابتكار والإبداع ويخلق دور للمنافسة الناجحة. في المرحلة الحالية التي نمر بها يعد التخطيط مهم جداً لبناء البنية الأساسية التي يحتاجها مجتمعنا لبناء مستقبل واعد؛ ولذلك لابد أن نهتم بما ذكره (شومبيتر) قبل مائة عام وهو أنه لابد أن نركز على كيفية تعلم العلم.
ʘ التعقيب الثاني: أ. نبيل المبارك
يركز هذا التعقيب على الجانب العملي لموضوع “البقاء على قيد الإبداع” تطبيقاً على الواقع المحلي وتحديداً فيما يخص الشق الاقتصادي لدينا والذي أشار فيه د. سعيد في الورقة الرئيسة إلى أنه اقتصاد تقليدي ولا يتسم بروح الإبداع والابتكار.
أولاً من المهم التأكيد على أن الاقتصاد كان فعلاً لا يعتمد على عنصري الإبداع والابتكار حتى عهد قريب، والأدلة والشواهد كثيرة، حتى فيما يخص حاجات المجتمع التي لا يستخدمها إلا نحن مثل “الشماغ” كرمز محلي، أو أدوات الأكل مثل “المفاطيح”، فكلها صُمِّم وَطُوِّر في تصنيعها خارجياً وليس محلياً، وكذلك ما يباع على الحجاج والمعتمرين، كله يصمم لهم ويصنع في الصين، وإن كان بطلبات من تجار سعوديين. وعلى مستوى أكبر من ذلك ننتج النفط منذ أكثر من خمسة وسبعون عاماً، ولَم يكن لدينا مركز أبحاث وتطوير مستقل إلا قبل عدد قليل من السنوات بمبادرة من الملك عبدالله رحمة الله، حيث تم إنشاء مركز الملك عبدالله لأبحاث البترول. والمأمول منه الكثير لأهم مصدر للثروة لدينا، وما تزال مؤشرات النقد وتحليل أسواق النفط من الخارج وليس لدينا محلياً أي قيادة في هذا المجال إلا قيادة الإنتاج والسيطرة على المقدرات.
ولكن؛ وهذا مُشاهد الآن ومأمول أن يكون واقع في المستقبل مع رؤية المملكة ٢٠٣٠، أن الاقتصاد يجب أن يعتمد على الابتكار والإبداع وليس التقليد، والتحديات كبيرة وضخمة، ولكن الطموح أيضاً بنفس القدر بل وأكثر. تحويل الاقتصاد مما كان عليه خلال ثمان عقود إلى اقتصاد يبدع ويبتكر بحاجة إلى عناصر كثيرة: (العنصر البشري، والعنصر التعليمي، والعنصر الأسري والتربوي والمجتمعي، والعنصر التنظيمي، والعنصر الإداري، والعنصر المادي، والعنصر الثقافي العام، والعنصر الواقعي). وكل عنصر هو موضوع بحد ذاته يحتاج إلى استثمار وخطط استراتيجية وبرامج واضحة، وتكامل مع العناصر الأخرى ليعملوا كمنظومة متكاملة للمنافسة في جعل الإبداع والابتكار عنصر أساس في كل مناحي حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسة، آخذين في الاعتبار التسارع المخيف في هذا المجال عالمياً لإيجاد حلول وإبداعات للبشرية.
فعلى سبيل المثال، لا الحصر؛ قد يكون لدينا عنصر بشري ممتاز، ولكن العناصر الأخرى قد تكون هي أدوات قتل مع سبق الإصرار والترصد في بعض الأحيان لهذا العنصر بسبب معطيات مختلفة، قد تكون: اجتماعية أو إدارية أو دينية.. وغيرها من العناصر الأخرى. وأسوق هذا لأن العنصر البشري هو نواة الإبداع والابتكار، ودون إطلاق الحرية العقلية “الكاملة” لهذا العنصر من خلال نظام عام يحكم هذا الإطلاق لن يكون هناك إبداع أو ابتكار.
وأختم بواقع معاش على المستوى الشخصي للقطاع المالي بحكم طبيعة العمل؛ المشرع ومن خلال رؤية المملكة أطلق منصات للإبداع المالي سواء من قبل هيئة سوق المال أو مؤسسة النقد، وهذا هو دور الجهات الإشرافية والرقابية، وقد قامت به، ولكن ومن طرف الراغبين في التقديم، نجد أن معظم الأفكار التي تقدموا بها كانت عبارة عن نسخ من أفكار خارجية، ولَم تُربط بالحاجات والمشاكل المالية المحلية للأفراد والمنشآت، رغم أن الادعاء أنها تحل مشاكل قائمة. لنأمل أن تكون هذه مقدمات لإبداعات محلية خالصة تعالج مشاكل أو توجد حلول، أو حتى ابتكار يكون منطلقه محلي ويصبح عالمي. وهو ما حدث في الصين خلال العشرين سنة الماضية، حيث انطلقت بتقليد كل شيء واليوم هي تهدد العالم بالإبداع والابتكار الصيني الخالص، مثل ما تقوم به هواوي. لكن أكثر عنصر يخيفني في هذا الجانب، وقد يكون نقطة ضعف وإخلال بالجهود المخلصة والمبذولة هو العنصر الإداري والقيادي.
ʘ المداخلات حول القضية
- · مفهوم الإبداع وأبعاده
أشارت أ. فائزة العجروش إلى أن الإبداع يُعدّ تفاعلاً لعدّة عوامل، منها: العقليّة والبيئيّة والاجتماعيّة والشخصيّة، حيث تبرز نتائج هذا التفاعل إما بإيجاد حلول جديدة وسريعة ومبتكرة تساعد طفلها المبدع أو على العكس اختلاق الأعذار والتهميش والإقصاء لتحطيمه في أي من المجالات العلميّة أو الحياتيّة التي كان يُنتظر أن يظهر إبداعه فيها.
وفي المعجم: الإبداع: (عند الفلاسفة): إيجاد الشَّيْء من عدمٍ. وقوَّة الإبداع: قوَّة الابتكار والخَلْق. ويكون الإبداع في: الخروج عن المألوف والجرأة، ويستند على سلك طرق غير تقليدية من طريقة التفكير إلى النظرة للأمور، فليس هناك ما يسمى مثلاً بـ “فكرتك خاطئة”، أو انتظر من يكتشفك، فالإنسان المبدع لا ينتظر أحد.
ومن جانبه ذهب د. عبد العزيز الحرقان إلى أن مصطلح الابتكار هو الذي ظهر حديثاً. ولكن ممارسات الابتكار كانت مرافقة لكل نشاطات التطور الاقتصادي والعسكري. و(آدم سميث) نفسه تحدث عن نشاطات الابتكار بدون أن يسميها بهذا المصطلح، وخبراء الابتكار يفرقون بين الإبداع والابتكار، ويعتبرون الإبداع جزء من نشاط الابتكار. وبهذا ليس كل إبداع هو ابتكار. والابتكار هو أي نشاط يؤدي إلى تكوين منتج جديد ذو قيمة عالية يقدرها العميل، أي أن الابتكار هدفه هو تحقيق عائد مالي وخلق تأثير اقتصادي.
وذهب د. راشد العبد الكريم إلى أن التوجه الحديث يركز على النظر إلى الإبداع بوصفه عمليات ومهارات، وليس (قدرات) أو (موهبة)، ومن هنا ينظر للجميع على أنهم مبدعون بشكل ما، خاصة في ظل مفهوم (الذكاءات المتعددة) و(عادات العقل). فالإبداع هو أساليب تفكير لتوليد الأفكار وتطويرها وإنضاجها. وبشكل عام يتمتع جميع الأطفال بهذه القدرة الإبداعية، أو القابلية للإبداع، لكن يلاحظ – وهو ما تثبته الأبحاث التربوية والنفسية- أن القدرات الإبداعية تبدأ في الضعف بدءًا من الصف الثالث الابتدائي؛ بمعنى أن المدرسة تسهم في إطفاء شعلة الإبداع لدى الأطفال، بسبب طرق التدريس والبيئة المدرسية النمطية (وهذا ليس خاصاً بالسعودية، بل في غالب دول العالم).
ومن المهم التوضيح بأنه لا يمكن الحديث عن التفكير الإبداعي دون الحديث عن التفكير الناقد، فلا إبداع دون نقد، بل التفكير النقدي – تحديد المشكلات وتحليلها – هو الدرجة الأولى من الإبداع. ولذلك هما متلازمان تلازماً جدلياً. التفكير الناقد يمنع من الانبهار بالواقع والنظر إليه على أنه كامل، ولا يحتاج إلى تغيير أو لا يمكن تغييره، وهذا هو أساس الإبداع. ويجب التفريق بين الإبداع بوصفه إنتاجاً فنياً، وهذا قد يعتمد أكثر على الموهبة ونمط الشخصية، وبين الأفكار الإبداعية التي تعتمد على عمليات ومهارات تفكير يمكن تعلمها، ويغلب عليها الطابع العملي وحل المشكلات، وهو ما يجب أن تهتم به مدارسنا.
وذكرت د. وفاء طيبة أن من الملفت للنظر ما جاء في تحديد الصناعات الإبداعية في ورقة د. سعيد العمودي، وأنها لا تشتمل على أي من العلوم الطبيعية أو الاجتماعية ما عدا القليل جداً؛ رغم أن الإبداع فيها ينطبق عليه التعريف الوارد في الورقة.
ومن جهته أوضح د. حميد الشايجي أن المبدعون أناس مميزون، ومجالات الإبداع متنوعة. ومن منظور علم الاجتماع يمكن ربط الإبداع بنظرية (روبرت ميرتون) في الانحراف حين قَسَّم المجتمع إلى بنائين ثقافي واجتماعي؛ حيث يحدد البناء الثقافي الأهداف العامة والوسائل المشروعة المساعدة على تحقيق تلك الأهداف، أما البناء الاجتماعي فهو من يتيح أو لا يتيح تلك الوسائل المشروعة أمام الأفراد، وذلك بسبب الطبقية والتمييز بين فئات المجتمع. وَقَّسم (ميرتون) الناس إلى خمسة أصناف بناء على توفر الأهداف والوسائل واستجاباتهم تجاه ذلك، ومنهم ما أسماه بالمبدع أو المبتكر(innovator)، وهو الشخص الذي يكون مشارك في أهداف النجاح العامة التي تحث عليها ثقافة المجتمع؛ إلا أن الوسائل المشروعة لتحقيق تلك الأهداف غير متاحة له، فيلجأ إلى ابتداع وابتكار وسائل غير مشروعة لتحقيق الأهداف العامة، كالتزوير والتزييف والترويج والانتحال والاختلاس وغيرها من الوسائل غير المشروعة لتحقيق النجاح المادي. فهذا الصنف من المجرمين أيضاً يعتبرون مبدعين، ولكن بشكل سلبي وضار بالمجتمع. فهم أذكياء ومبدعون لأنهم ابتكروا هذه الوسائل ولم يستكينوا كالصنفين الآخرين الذين ذكرهما (ميرتون) في نظريته وهما الطقوسي والمنسحب. إذن قد يكون الإبداع في المجالات السلبية كما هو في المجالات الإيجابية.
- · مفهوم الاقتصاد الإبداعي
تساءل أ. وليد الحارثي عن مفهوم “الاقتصاد الإبداعي” وأبعاده؟ وفي هذا الإطار أشار د. سعيد العمودي إلى أنه – وبحسب بحثه في موضوع الاقتصاد الإبداعي- فهو تسمية أخرى للصناعات الإبداعية، لأنها تشمل الاقتصاد الناتج عن أفكار “إبداعية” والتي تشمل العناصر المذكورة في الورقة الرئيسة والتي منها الفنون بكافة أنواعها والإنتاج السينمائي والموسيقى.. وغيرها.
كذلك فقد أكد م. حسام بحيري على أن الاقتصاد الإبداعي يحتاج إلى استقرار سياسي لينجح، والعالم الغربي كان يتصارع في الخمسين سنة الأولى من القرن الماضي، ولكن أكاديمياً كان هناك عدد من علماء الاقتصاد في الجامعات المرموقة يعملون على هذه النظريات بوضع النماذج الاقتصادية، وعدد منهم فاز بجوائز نوبل، ومن منتصف الثمانينات وأوائل التسعينات بدأت تطبق نظرياتهم في اقتصادات الدول المتقدمة. في أمريكا الآن (جرينسبان) كان من أشد المناصرين للنماذج الاقتصادية الجديدة، وتمكن من إقناع الرئيس (بيل كلنتون) في تطبيق هذه النظريات في أوائل ولايته الأولى، وأكثر قطاع اقتصادي ساهم في صعود الطفرة الاقتصادية كانت شركات التكنولوجيا والاتصالات في عهد (كلنتون) في التسعينات الميلادية. وهناك تطبيقات لهذه النظريات منذ أكثر من ٣٠ عاماً ونستطيع أن نرى نتائجها اليوم بوضوح.
- · عوامل خلق وإيجاد البيئة الإبداعية
يعتقد د. خالد الرديعان أن أهم عامل في خلق وإيجاد البيئة الإبداعية يكمن في عدم إهمال أي مبدع بصرف النظر عن الجدوى الاقتصادية والوطنية لإبداعه، ومن ثم توجيهه إلى المكان الصحيح. وكمثال على ذلك: تخيل أن لديك طفل واكتشفت أنه يرسم أو يكتب بصورة تفوق أقرانه. هنا يلزم إلحاقه بصفوف أو دورات أو معهد خاص لتطوير مهارة الرسم في أوقات خارج وقت التعليم الرسمي، حتى يتسنى له الاحتكاك مع آخرين لديهم نفس المهارة، ومع أساتذة متخصصين لكي يتعلم أكثر. وقد تكون المشكلة هي في عدم توفر مثل هذه الجهات المتخصصة. فكثير من الشباب ممن دخلوا في مشروعات صناعة أفلام مثلاً اشتكوا من عدم وجود بنية تحتية لهذه الصناعة (معاهد، ورش.. الخ).
عامل آخر مهم للغاية وهو توفر الامكانات المالية للمبدع فهو يحتاج أدوات ومعدات ومواد أساسية، وهذه قد تكون مكلفة وربما غير متوفرة في السوق المحلي، وبالتالي فلعل من المناسب اقتراح وجود ما يشبه الجهات المقرضة أو الممولة للمبدع لكي يوفر احتياجاته. وقد يكون جزء من المسؤولية الاجتماعية للشركات الكبرى هي رعاية الموهوبين والمبدعين وتمويل مشروعاتهم الإبداعية.
أيضاً؛ المبدع يحتاج إلى التشجيع المعنوي من الجهات الرسمية لكي يستمر، مع ضرورة حماية حقوقه دون عراقيل بيروقراطية كما قد يحدث في تسجيل براءات الاختراع.
وبالإضافة لهذه العوامل يرى أ. محمد الدندني؛ أن هناك جانب مهم، وهو أن يتم نشر الوعي شعبياً كي يهتم المجتمع بالإبداع والابتكار. مع وضع برنامج أو تخصيص وقت في اليوم الدراسي وبالذات في الروضة والمراحل الأولى من الابتدائية للتفكير الحر، وفتح المجال للتلاميذ صغار السن بأن يتكلموا عن ماذا يحبون كهواية أو رغبه الخ. وفي نهايات الابتدائية والمتوسطة يُسأل التلاميذ عن المواد المحببة لهم وغير المحببة. باختصار تفعيل سبل التواصل والانفتاح. ففي الغرب وخاصة في أمريكا يجوب المكتشفين والمستثمرين والمطورين الحواري لاكتشاف المهارات والمواهب الرياضية والموسيقية وغيرها في مختلف الاهتمامات.
واتفق د. حمزة بيت المال مع ذلك، وذهب إلى أنه فيما يتعلق بالبنية التحتية للإبداع، فإن هناك كلام نظري كثير عن موضوع الإبداع لكن إنزاله على أرض الواقع والتعرف على ما هو المطلوب تحديداً هو الأهم من أجل خلق ثقافة وبيئة إبداعية لدينا، ووضع خطط وبرامج يتم العمل في ضوءها. على سبيل المثال الأسرة؛ ما المطلوب منها؟ وكيف يمكن تحفيزها؟، المدرسة ما المطلوب منها؟، والجامعة، والمدينة، والمنطقة، كل تلك تحتاج أن يكون لها دور في تنمية البيئة الإبداعية لدينا.
وتطرق د. خالد بن دهيش إلى مرحلة ما بعد استعراض وتقديم المنتج الإبداعي أو الاكتشاف البحثي أو الأفكار الإبداعية الجديدة لمرحلة تسويقه وإنتاجه. حيث أشار إلى أن بعض الجامعات الكبرى مثل جامعة أوكلاند بنيوزيلاندا التي تصنف من ضمن المائة جامعة عالمياً قدمت قبل ثلاثة أعوام برنامج للبكالوريوس والماجستير Commercialization and Entrepreneurship ضمن كلية الأعمال School of Business، يتضمن هذا البرنامج تقديم المعارف والمهارات الأساسية اللازمة لتسويق الاكتشافات البحثية والمخترعات والأفكار الإبداعية والعمليات والخدمات الجديدة التي يقدمها المبدعون ورواد الأعمال بعد تحويلها إلى عمليات تسويقية للقطاعين العام والخاص، يقوم بها الخريجون من برنامج التسويق التجاري المتخصصون في هذا المجال، من خلال مركز للابتكارات لخدمة رواد الأعمال داخل الجامعة، حيث يتم به تنظيم هذه المشاريع الإبداعية ونتائج الأفكار البحثية التي تتبناها الجامعة مع المبدعين من طلابها، ومن ثم تسويقها تجارياً والحصول على عائد مالي وكذلك عائد عالي في تقييم الجامعة عالمياً.
- · مشروع نيوم واستقطاب المواهب والمبدعين
ذكر أ. وليد الحارثي أن مشروع نيوم ركز بشكل أساسي على استقطاب أصحاب المواهب والأفكار الإبداعية؛ لأنه مشروع لا يفكر في التخصصات أو الشهادات التي يحملها الشخص أو سنوات خبرته، بل فيما هو أبعد من ذلك: في القيمة المضافة التي سيحدثها. ومن ثم يكون التساؤل المطروح: كيف يمكن تحقيق ذلك، وجعله هدفاً عاماً ليس لنيوم فحسب، وإنما لكل القطاعات وكافة أفراد المجتمع؟
وفي هذا السياق أوضح أ. نبيل المبارك بأن المشروع فعلاً يعتمد على بنية تحتية ذكية وطاقة متجددة، وبالتالي يحتاج إلى الإبداع ويحتاج إلى المبدعين، ولكنه لن يكون حصراً على المواطن، ولكنه بيئة مفتوحة لكل مبدع. والنقطة الأهم هنا هي أن الشهادات لن يكون لها مكان، بقدر ما يكون التركيز على المبدع والمبتكر أياً كانت مؤهلاته العلمية. وسوف يكون هذا سمة المستقبل لكل العالم وليس نيوم فقط. الشركات والأجهزة لن تبحث عن الشهادة ولكن عن ما يستطيع الشخص إضافته. حتى موضوع التوظيف سوف يكون محل شك، حيث بدأ توجه قوي نحو الوظيفة المستقلة (freelancer) حسب الطلب والحاجة.
- · مؤسسة الملك عبدالعزيز (موهبة) وتنمية الإبداع
أشار د. خالد الرديعان إلى أن البعض قد يقول أن مؤسسة الملك عبدالعزيز (موهبة) موجودة وتقوم بدورها، لكن هذه المؤسسة لا تكفي وحدها في ظل تزايد أعداد الموهوبين والمبدعين خارج المؤسسة التعليمية، والذين ربما تجاوزوا سن التعليم العام ممن يتعذر استقطابهم من خلال برنامج موهبة الذي تم تخصيصه فقط للطلاب والطالبات. وبالطبع فإن نقطة الارتكاز في الإبداع ستكون في نظام التعليم في كافة مستوياته وذلك عندما يخرج من أطره التقليدية إلى أُطُر أوسع تأخذ بالاعتبار الحالات الفردية كذلك للتركيز عليها ورعايتها من خلال مناهج محفزة على الإبداع والابتكار. سمعنا وقرأنا كثيراً عن نزيف الأدمغة وهجرة العقول وقضية brain drain، وأن البيئة العربية طاردة للمبدعين بحيث يتوجهون إلى دول أخرى توفر لهم حواضن علمية ومغريات مادية. نريد نقض هذه النظرية تماماً فلدينا من الامكانات (على الأقل في السعودية) ما يساعد المبدع على التقدم، لكننا بحاجة إلى تجميع الجهود وتنسيقها في كيان كبير يهتم بمسألة الإبداع والمبدعين. نريد شيئاً يشبه جهة لديها رقم تليفون موحد يتواصل معها المبدع في أي مجال ويقول أنا مبدع في هذا الجانب لتخبروني ماذا أفعل وأين أتجه. لا نريد الأفكار أن تموت في مهدها دون أن ترى النور حتى لو كانت محاولات إبداعية غير مكتملة أو غير ناجحة؛ لأن تكرار المحاولة سيقود إلى نتائج مثمرة في نهاية المطاف. الجامعات يجب أن تكون حاضنات كبرى للموهبة والإبداع بصرف النظر عن مؤهل المبدع ومستواه التعليمي. مجتمعنا فتي وناضج ولدينا الكثير من الشباب من الجنسين ممن يتوفرون على سمات الإبداع حتى لو كانوا غير أذكياء؛ فالذكاء ليس شرطاً للإبداع فبعض الأعمال الإبداعية تأتي من أشخاص عاديين جداً وأحياناً من فاشلين دراسياً. إننا بحاجة كبرى لسياسات لاستقطاب المبدعين والحفاظ عليهم في بلدهم. المبدع عندما لا يجد بيئة جاذبة تحتويه وتقدر عمله ويشعر بالشغف الكبير للتطور والمنافسة؛ للأسف قد ييأس أو يهرب. ولهذا نشأ مفهوم المدن الإبداعية، والتي تهدف أساساً لجذب المبدعين والحفاظ عليهم، على سبيل المثال: سان فرانسسكو، لندن، باريس، برشلونة، فانكوفر، دبي. ولنتخيل أن مكة المكرمة أو المدينة المنورة أصبحت مدن جاذبة لكل المبدعين من كل العالم ليعيشوا ويعملوا في “وادي مكة” و “وادي المدينة” لابتكار خدمات الحج والعمرة. فمثلاً فإن هناك مدينة بانجالور في الهند والتي تضم مراكز للمعلوماتية وهندسة الحواسيب والتي أصبحت تُغذي دولاً كثيرة بأصحاب العقول والمواهب.
وأكد د. سعيد العمودي أنه ستكون هناك نقلة نوعية إذا تم تبني فكرة المدن الإبداعية وتمكين الصناعات الإبداعية، وسيكون من المطلوب أن نجد قابلية لدى بعض المدن بأن تكون مميزة في شيء ما، على سبيل المثال: الأحساء من أميز مدن المملكة الجاهزة لذلك في الصناعات البدوية مثل البشوت وأيضاً التمور وروعة التنوع الجميل فيها. فعلى سبيل المثال: نجران في التاريخ العريق المدفون في أراضيها الذي لم ينقب عنه ويؤذن بازدهار كبير، الطائف في صناعة العطور.
وأضاف د. خالد الرديعان بأن لدينا الكثير مما يمكن الإفادة منه؛ فلدينا تنوع مناطقي، وإمكانات هائلة، وثروات مادية وبشرية هي فقط بحاجة إلى من يوجهها بالطريقة الصحيحة. وهناك مؤشرات تدعو إلى التفاؤل؛ فما يجري في المملكة ودول الخليج تحديداً هو تغيير شامل بل وعميق، لكننا لن نحصد نتائجه قبل عقد من الزمن وربما أكثر. مشروع نيوم على سبيل المثال سيكون إن شاء الله “نيوم فالي” بشرط أن يكون هناك درجة من الاستقرار السياسي في منطقتنا العربية عموماً والتي أنهكتها النزاعات والصراعات العبثية.
من جانبه ذهب د. راشد العبد الكريم إلى أنه وفيما يتعلق بمؤسسة موهبة فإنها تركز على نسبة قليلة جداً من “الموهوبين”، وتغرقهم في بيئة مخملية، قد تضعف على المدى البعيد قدراتهم الإبداعية، وتهمل بقية الموهوبين الذين لم يحالفهم الحظ لـ”تكتشفهم” المؤسسة، وبقية الطلاب العاديين الذين يمكن أن يتحولوا إلى موهوبين إذا وجدت البيئة المناسبة (وليس المخملية) للإبداع. ولو أن الأموال التي تصرف على (رعاية الموهوبين) – الذين لا يمثلون إلا 5% على الأكثر- صرفت على الطلاب العاديين لازدادت نسبة المبدعين لدينا، ولانتشرت ثقافة الإبداع بين الطلاب، ولتحسنت بيئة مدارسنا. فمدارسنا في مجملها – بسبب البيئة المدرسية الكئيبة وبعض الممارسات التدريسية – تخنق الإبداع وتشجع على النمطية.
وأضافت د. وفاء طيبة أن مؤسسة موهبة توجهت للاختيار حسب التفوق الدراسي في البداية وهو توجه خاطئ يسقط كثير من الموهوبين والمبدعين، ولكنهم أضافوا بعض المقاييس للإبداع مثل مقياس تورانس، ومع ذلك يميل الاختيار النهائي لكفة التفوق الدراسي على الأقل لأن الترشيح الأولي (من المعلم أو الوالدين) غالباً بناءً على التفوق الدراسي الذي للأسف يعتمد على الذاكرة كثيراً. لكن الواقع هو أن القدرة على الإبداع موجودة لدى الجميع على اختلاف مستوياتها مثل أي قدرة أخرى، وإن كان الإبداع هو في الواقع مجموعة من القدرات العقلية وليس قدرة واحدة (بعض النظريات تلخصها في: الأصالة والمرونة والطلاقة والتفاصيل، وغيرها تعطي مزيداً من القدرات التفصيلية) ولها أساس عصبي في الدماغ ويرتبط بالذاكرة وما بها من معلومات، كل ذلك يدلل على أن التعليم مرة أخرى له دور بالغ الأهمية، وبجوار التعليم طريقة معاملة الطفل وتقبله وتقبل أفكاره في البيت والمدرسة، وفي ذلك إشارة إلى أهمية الجانب الانفعالي في الإبداع أيضاً، وقد ذكر د. سعيد في ورقته كثيراً من هذه السمات الطفولية التي يتم قمعها مبكراً. كما أن هناك دراسات كثيرة تدلل على أن الأفكار الإبداعية في الصغر أكثر، وكلما كبر الطفل ودخل في نظام التعليم الذي يستوجب منه (لدينا على الأقل) التخلي عن فكره الحر ومرونته، ويعتمد على جمع المعلومات فقط، ويمارس التعليم الذي يطلب منه استجابة واحدة صحيحة لكل مسألة (أيا كانت المسألة) ويطالبه بحشو الذاكرة بالمعلومات ولكن دون الاستفادة من هذه المعلومات بالربط بينها للخروج بفكرة جديدة، فستكون النتيجة بالطبع انخفاض القدرات الإبداعية، بل وقمعها والتقليل من أهميتها في مقابل الحصول على الدرجة في الامتحان التي يلهث وراءها كل طالب في بلادنا. وبالطبع الإبداع في كل مجال، في الكيمياء والفيزياء والطب والهندسة وعلم النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد، وفي الجوانب التي جاءت في تعريف DCMS. فكل الجوانب مهمة لنمو أي دولة.
أيضاً ذهبت د. وفاء طيبة إلى أنه من الصعب التمييز بين القدرات والمهارات والناتج؛ فهي مراحل وضرورات في عملية متواصلة تنتهي بالناتج في كثير من الأحيان، أو بحياة مبدعة سعيدة لصاحبها استطاع فيها أن يحقق ذاته في أي مجال من مجالات الذكاءات المتعددة التي أوصلها (جاردنر) إلى ١٤ ذكاء تقريباً. بمعنى أنه لا يمكن أن يحدث أحدها دون الآخر، حتى لمن أبدعوا خارج بيئة التعليم قديماً وحديثاً. فالإيمان بوجود هذه الأساسات في كل إنسان هو سياسة يجب أن ينتهجها التعليم أولاً ثم يترجمها إلى أساليب لتربية العقل والنفس، وهي عوامل مرتبطة بالبيئة ذاتها، بجانب العوامل النفسية والانفعالية، ولو فعلنا ذلك من بداية الطريق لوصل إلى ناتج ابتكاري عدد أكبر من مواطنينا (الحديث عن السعودية فقط). إن تعامل كثير من الأهالي والمعلمين يكون فيه إساءة؛ فأساليب المقارنة والمفاضلة والتثبيط والتخويف والتمييز وغيرها، وهي متداولة، تشكل بيئة تقمع الإبداع بقدر ما يكون لها أثر سيء على نفسيات الأطفال. نعم هناك شخصيات نبتت من وسط بيئات صعبة وأنتجت لكنها هي أيضاً شخصيات من نوع مخصوص صامد مثابر بشكل فوق العادة، يبدو أن قوتها في هذا الجانب شكلت سياجاً حول قدراتها الموهوبة من الخالق في تصميم متواصل لإنتاج شيء جديد. وفي ذات السياق فإن الارتباط بين الذكاء والإبداع هو ارتباط متوسط؛ فهو مرتبط به حتى الذكاء المتوسط ثم بعد ذلك يقل الارتباط، بمعنى أن الإبداع يحتاج إلى ذكاء متوسط على الأقل عادة ليتم. كما أن كثيراً من المبدعين كانوا فاشلين دراسياً بالفعل. والمقصود أن كثير من المبدعين لا يستطيعون الالتزام والاستمرار في المؤسسات التعليمية بسبب قوانينها. والإبداع مزيج من القدرات العقلية والسمات الشخصية والانفعالية قد ينتج لنا ناتج وهو الابتكار، فالإبداع مرتبط بالعمليات والابتكار مرتبط بالناتج، وتعريف الإبداع كان دائماً محل وجهات نظر، فمن العلماء من ركز على الإنسان وخصائصه التي تؤدي للإبداع ومنهم من اهتم بالعملية ومراحلها، ومنهم من رأى أن الإبداع ابتكار وإلا لا فائدة منه؛ فلابد أن يكون هناك ناتج ملموس، ومن العلماء من ركز على البيئة المحفزة للإبداع ولعملياته العقلية وانفعالاته النفسية حتى نصل إلى ابتكار، وهدفه تحسين هذه البيئة.
وأضاف د. محمد الملحم أن الابتكار أحد أشكال الإبداع المهمة، ويكاد يكون هو نموذجه المتكامل، فمن وجوه الإبداع مثلاً حل المشكلات. (بيل غيتس) على سبيل المثال نجح نتيجة لإصراره في ورشة كراج منزله على صنع المعالج الصغير والذي يمكن أن يقدم به كمبيوتر منزلي أو للأعمال الصغيرة، حتى نجح. وأكثر العلماء البارزين تميزوا بالأصالة في التفكير (عدم التمسك بالمألوف) والتركيز لمدة طويلة في نفس المسألة.
في حين ذهب أ. نبيل المبارك إلى أنه ومع الأسف؛ ما زال لدينا فكرة أن التفوق الدراسي، هو المعيار الأساسي للإبداع والتميز، ومؤخراً برزت ظاهرة غير صحية وخصوصاً بعد الاستقطابات من الأجهزة الحكومية، وهي ليست التفوق الدراسي (الشهادات) فقط ولكن من جامعات محددة. ومن ثم فإن من الأهمية تطوير النظام العام للإبداع والابتكار دون العمل على تمييز هؤلاء المبدعين بشكل يعزلهم عن مجتمعهم. واتفقت د. وفاء طيبة مع ذلك، لاسيما أن هذه تمثل إحدى مشاكل تعليم الموهوبين أو المتفوقين في مسار خاص وهو العزل عن بقية العالم، والإنسان مهما كان وخاصة المبدع يحتاج أن يعيش مع العالم يتلمس الحاجات ويجد لها الحلول والابتكارات.
- · نحو حلول عملية لإيجاد البيئة الإبداعية في التعليم
يعتقد د. حمد البريثن أن الاهتمام بالإبداع يكون من مرحلة مبكرة مع التكامل مع البيئة المحيطة. المدرسة من المرحلة الابتدائية تستطيع صقل موهبة الإبداع والشخصية لكل طالب وطالبة من أجل رفع مستوى الثقة والتكامل مع أي فريق عمل مستقبلي. وتساءل د. عثمان العثمان، ألا يمكن إيجاد برامج أخرى ترعى المبدعين غير المتفوقين؟
من جانبها ذهبت د. وفاء طيبة إلى أن التعليم المتفرد هو الحل. في فنلندا لا يوجد ما يسمى تربية خاصة لأن كل حالة خاصة هناك، التعليم المتفرد يهتم بقدرات الفرد المتفوقة والضعيفة كل منها بطريقة مناسبة. وعلق أ. محمد الدندني بأن ما ذهبت إليه د. وفاء هو الواقع والحقيقة. فلماذا نضيع الوقت في اجتهادات ربما تصيب أو تخطئ؟، لماذا لا نستنسخ برامج عالمية ناجحة ويتم تبنيها؟ مع توفير التعليم والبيئة المحفزة والحرية بمعنى تقبل الأفكار إن كانت خارج الصندوق. ونقطه أخرى، تمثل التحدي لكل المهتمين بالأمر؛ هي خلق البيئة المناسبة، وبذات الأهمية من الضروري التساؤل: ما هي أفضل الآليات لاكتشاف المواهب في الإبداع أو الابتكار، ومن ثم تبنيها وإطلاقها؟ وحتى في التعليم التقليدي كيف نخلق التفكير التحليلي، وربما بث فلسفة العلوم لدى النشء؟ وأيضاً: هل من تأثير لغياب مجتمعاتنا عن عدة ثورات علمية وصناعية مرت في العالم المبدع والصناعي، وإن كان هناك تأثير فكيف نقفز فوق هذا النقص؟
وحول ما أثاره أ. نبيل المبارك عن جدوى (عزل) الموهوبين في مسارات تعليمية منفردة، وما أشار إليه د. راشد العبد الكريم حول خطورة هذه البيئة (المخملية). يعتقد د. عثمان العثمان أن العزل التام غير مناسب بلا شك. لكن البرامج الإثرائية لكل فئة، حسب الجانب الإبداعي لها قد يكون مفيداً. حيث هو حل وسط بين التعليم الشمولي والتعليم المتفرد، ولعل هذا النمط قد يكون مثالي جداً حسب واقعنا التعليمي الحالي، ولكن ربما يصعب تطبيقه على المدى القريب. وأضافت د. وفاء طيبة؛ أن التعليم المتفرد لا يقصد به العزل التام؛ فهذا العزل له بعض المساوئ الناتجة عن العيش في بيئة مخملية واعتياد الموهوبين على التعامل على مستوى عقلي معين، وشدة التنافس التي تؤثر على النفسيات، ومن جهة أخرى فإن الاختلاط بالمتفوقين له أثر إيجابي على شحذ همم الآخرين. وعليه فإن التربية بدون العزل مع إضافة برامج إثرائية للمبدعين أو المتفوقين كل حسب الحالة (التعليم المتفرد) هو الأفضل؛ لأن الإنسان لن يعيش طوال عمره منعزلاً عن الناس لا يتعلم التعامل مع كل الفئات، لأن هذه هي الحياة.
- · الإبداع في المجال الإعلامي (*)
أشار د. مسفر الموسى إلى أن واحدة من أهم الإشكالات التي قد يواجهها المديرون التنفيذيون في المؤسسات الإعلامية هي قدرتهم على فهم ثقافة البيئة المهنية للممارسة الصحافية على اختلاف أنواعها. ذلك أن المنظمات الإعلامية تتعامل مع مهن ذات طابع فريد ومختلف. فهي من جهة، تنتمي إلى المهن الإبداعية التي تتطلب جهداً فكرياً لإنتاج عمل مختلف ذو فكرة جديدة ومعالجة خلاقة وشكل ابتكاري غير مسبوق. كما يمكن اعتبارها من الجهة الأخرى من المهن الروتينية ذات القوالب المقننة والصارمة خصوصاً عندما يتطلب الأمر إنتاجاً منتظماً ومجدولاً في فترات محددة قد لا تتجاوز الساعات كما في العمل الإخباري أو التغطيات المتزامنة مع الحدث.
ففي الجانب الإبداعي، يحدد فلوريدا (Florida, 2001)، وهو الباحث في مجال الصناعات الإبداعية، أهم السمات التي يمكن من خلالها فهم العاملون في المهن الإبداعية مثل الصحافيين والفنانين وأيضاً الباحثين والأكاديميين. حيث يشير إلى أنهم لا يفضلون الإدارة الجبرية، ولا يحبون التعامل مع المديرين الموسومين بالغلظة والشدة. كما أنهم يفضلون استقلاليتهم في العمل، ويميلون إلى جدولة ساعات العمل بأنفسهم، ولا يحبون القيود التي قد تفرضها عليهم مراسم المنظمة بما في ذلك نوعية اللباس.
السمات الشخصية لأصحاب المهن الإبداعية تظهر أيضاً في قدرة مدراءهم المحدودة في التحكم بسلوكهم من خلال الدوافع والمحفزات المادية مثل الرواتب والعلاوات والترقيات. ذلك، أن الصحافيين، كما يراهم تاسيل وبوي- هاوفيلد (Tassel & Poi-Howfield) المهتمان بإدارة الوسائل الرقمية، عادة ما ينظرون إلى المنتج باعتباره ملك خاص وإنجاز شخصي، بالرغم من أن حقوق ملكيته تعود للمنظمة. وبالتالي، فإن قيمة المنجز المعنوية للصحافيين وصانعي الأفلام قد تتساوى أو تتجاوز القيمة المالية التي يتقاضونها لإنجاز العمل، كما أن منجزاتهم السابقة هي من تحدد أسعارهم في المستقبل وهي الضامن الوحيد لهم للاستمرار والانتقال من مشروع إلى آخر. المهن الإعلامية أيضاً قد يتم شغلها بإعلاميين مؤقتين من خارج المنظمة (Outsources) يتم التعاقد معهم لإنجاز مهام محددة في مشروع واحد أو أكثر. بعض هذه العقود مشروطة الدفع (Pay or Play Contract) سواء تم إنجاز المشروع أو لم يتم. والقصد مما سبق، أن المديرين في مثل الحالات السابقة ليس بأيديهم التحكم والسيطرة على أصحاب هذه المهن بذات القدرة التي يتعاملون فيها مع المهن الأخرى عندما يكون الأجر الشهري والعلاوات والترقيات وبقية المميزات من ركائز العلاقة بين المديرين والعاملين.
في المقابل، فإن بيئة الإنتاج الإعلامي قد تنزع إلى مفهوم النمذجة والتقنين من أجل تحقيق الكفاية والفعالية الإنتاجية. هذا المذهب الإداري للصحافة يمكن اقتباسه من مفهوم الآلة التي اقترحها مرجان (Morgan, 1997) وهو يقدم مجموعة من الاستعارات لصورة المنظمات وأنماطها الإدارية. فبالإضافة إلى عامل سرعة الإنجاز والالتزام بجدولة البث والنشر، فإن مفهوم الآلة في النمط الكلاسيكي للإدارة يفترض أن العملية الإنتاجية في المؤسسة الإعلامية تتم عبر مراحل منتظمة ومرتبة من خلال خطوط إنتاجية يتم التحكم في كل مراحلها بدقة، كما يتم ربط هذه المراحل فيما يشبه التروس في الآلة لضمان السرعة والإتقان. (Ornebring, 2013) في إطار هذه الثقافة في إدارة العمل الإعلامي، يضع المهنية في سياق مرادف لمفهوم الاحترافية. ما يعني ضرورة أن يكون العاملون في المنظمة الإعلامية على مستوى عالٍ من المهارة والمعرفة بالنمط الصحافي المتفق عليه سلفاً للقيام بالمهام المنوطة بهم والتي تنتظم عبر سلسلة من الأجزاء لتكون في النهاية مساراً مكتملاً لمشاريع الإنتاج. وفي السياق ذاته يشير محرز غالي (2009) إلى أن هذا الاتجاه الإداري المعتمد على الالتزام بالإجراءات الروتينية، والتي تشمل: تحديد المهام والأدوار والمسؤوليات والاختصاصات بالإضافة إلى نمطية أسلوب العمل، تساعد الصحافيين على فهم تكنيكات فنية منظمة ومألوفة لهم تساهم في سرعة الإنجاز وفعالية الإنتاج.
نموذج الآلة المستمد من فكرة التقنين والنمذجة تحول من صورته الاستعارية التي تناولها مرجان ليصبح واقعا مادياً. ففي مقالته في صحيفة الجزيرة السعودية تحت عنوان “الصحافة تتغير بشكل صارخ.. لمن يفهم فقط!” يذكر ناصر الصرامي أن صحيفة “الواشنطن بوست” تحتفل قبل أسابيع بمرور عام على استخدامها تقنية الذكاء الاصطناعي والذي استطاعت من خلاله تقديم ما يقارب الألف مادة إعلامية عن طريق الريبوت الصحافي أو ما يعرف بالصحافي الإلكتروني، ومثلها فعلت “الأسوشيتد برس” في تغطيتها للأعاصير التي اجتاحت الولايات المتحدة الأمريكية، كما ذهبت صحيفة ” يو إس إيه تودي” إلى أبعد من ذلك وهي تستخدم البرمجيات في إنتاج مقاطع الفيديو دون أي تدخلات بشرية.
ومهما يكن من أمر في جدلية الممارسة الإعلامية وعلاقتها ببيئتي النمذجة أو الإبداع، فإن الأمر ليس على علته المطلقة في الفصل التام بين البيئتين. فهناك نماذج إدارية استطاعت أن توائم بين النمذجة والإبداع. مكويل (McQuail, 1992) وضع خمسة نماذج لصناعة القرار في المؤسسة الإعلامية. اثنان منها يمكن الاستعانة بها هنا لفهم حالة الدمج بين الإبداع والنمذجة. النموذج الأول يسمى خط التجميع “Assembly line” والذي يعتمد على قواعد واضحة ومكتوبة تحكم إجراءات تنفيذ العمل. وبالرغم أن هذا المعنى قد يوجه الانتباه إلى فكرة النمذجة والتقنين للوهلة الأولى، إلا أن هناك مرحلة سابقة تركز على الإبداع والابتكار. فصناعة النموذج التحريري الخاص بالوسيلة والإجراءات الإنتاجية يقوم عليها فريق ابتكاري من المهنيين لبناء هوية خاصة بالمؤسسة الإعلامية. على ذات النسق، تعظم المؤسسات الإعلامية في العصر الرقمي مرحلة الابتكار والتجريب من خلال معامل مختصة بالابتكار والإبداع لمواجهة المتغيرات السريعة في التقنيات والبرمجيات والوسائل. مركز “تو نايت للصحافة الريادية” في نيويورك من أهم الأمثلة التي تعمق نمط التفكير الإبداعي لاكتشاف الحلول الصحافية لمواكبة التحولات الرقمية للصحافة.
النموذج الثاني يطلق عليه مكويل الحرف وريادة الأعمال “Crafts and entrepreneurship”. هذا النموذج يعتمد على تجميع المواهب الإبداعية والقدرة على إدارتهم للحصول على نماذج أولية للعمل الإعلامي ومن ثم محاولة إعادة صياغتها في نموذج فريد يعطي شكلا ً ثابتاً وهوية خاصة بالمؤسسة. وبالتالي، فإن عملية النمذجة تأتي لاحقة لفحص الأفكار الريادية التي يقدمها المهنيون في مجال الصحافة.
مما سبق يمكن الانتهاء إلى مجموعة من النتائج التي تبين العلاقة بين النمذجة والإبداع في الممارسة المهنية للمنظمات الإعلامية وذلك على النحو التالي:
1- إن نمذجة الأعمال الصحفية من شأنها تأصيل المدرسة/الممارسة المهنية، وجعلها واضحة للصحفيين لكي تكون في النهاية هوية مهنية للمنظمة.
2- إن تقنين الممارسة الصحفية يساهم في سهولة تداول مهارات العمل الإعلامي، وبالتالي اتساع دائرة فرص المشاركة لصحافيين جدد، عوضاً عن انتظار الصحافي الخارق الذي قد لا يتوفر بسهولة. بمعنى أن الإبداع في هذا البعد تحديداً عملية جمعية وليست فردية.
3- إن التقنين والنمذجة تتيح فرصة إنتاج أكبر قدر من المواد الإعلامية الملتزمة بالقواعد الإجرائية، بدلا من الانتظار الطويل للتفكير في إنجاز عمل واحد فريد.
4- إن التقنين من شأنه تحديد المهارات الشخصية المطلوبة واللازمة للصحفيين، مما يساهم لاحقاً في وضع معايير التوظيف وبرامج التدريب.
5- إن النمذجة قد لا تلغي القدرات الشخصية والإبداعية الفردية للصحفي. فمهارات التفكير الإبداعي في اختيار المواضيع والسلاسة في إنتاج الأفكار، وجمع البيانات وطرق معالجتها، وتحليلها ما هي إلا عناصر إبداعية داخلية للإطار النموذجي الشامل، والتي من خلالها يمكن التمييز والتفاوت بين المهارات الشخصية للصحفيين.
6- إن الإبداع مرحلة قبلية لأي محاولة للتقنين والنمذجة. خصوصاً عندما تتم صناعة نماذج العمل الصحفي وإجراءات الإنتاج من قبل المهنيين أنفسهم.
7- إن عملية التقنين والنمذجة قد تتصاعد في عصر الوسائل الرقمية بفعل البرمجيات؛ إلا أن هناك اتجاه عام نحو الابتكار في مجالي التقنيات الخاصة بالأعمال الصحفية وطرق الاستفادة منها في إنتاج أعمال خلاقة وجاذبة للجمهور الرقمي.
كل هذه المعطيات تعني النمذجة التي تحقق فعالية الإنتاج وكفاءته لا تلغي فكرة الإبداع في ظل منظمات إعلامية تسعى إلى المشاركة في ابتكار نماذج جديدة للممارسة الإعلامية وفقاً للمتغيرات والمستجدات المحيطة بهذه المهنة.
ʘ التوصيات
1- عدم إهمال أي مبدع أو أي نوع من الإبداع بصرف النظر عن الجدوى الاقتصادية والوطنية لإبداعه، ومن ثم توجيهه إلى المكان الصحيح لتطويره.
2- ضرورة الاهتمام بصناعة وتكوين مجتمعات المعرفة وخصوصاً ما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
3- اعتماد سياسات تعليمية ومبادرات منبثقة من سياسات مجتمعات المعرفة تصب في صالح الدولة، وتركز على تعلم العلم، وتطوير التعليم.
4- العمل على دعم مجالات التنمية البشرية القادرة على الابتكار والإبداع والمنافسة الناجحة.
5- أن يتم تحويل الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد مبدع ومبتكر يراعي العناصر التالية: (العنصر البشري، والتعليمي، والأسري التربوي والمجتمعي، والتنظيمي، والإداري، والمادي، والثقافي العام، والواقعي).
6- القيام ببناء برامج خاصة بتوعية الوالدين بالبيئة المناسبة لتشجيع الإبداع والابتكار، وكيفية احتضان أبنائهم المبدعين.
7- الاهتمام بنشر الوعي بثقافة الإبداع والابتكار والأنشطة الداعمة لها في المنزل والعمل والمدارس والروضات مثل الرسم واللعب بالطين والعزف وغيرها.
8- العمل على توجيه المبدعين إلى القنوات الصحيحة لعرض إبداعهم.
9- بناء البنيات التحتية في الجهات المختصة لتوفير البيئات الإبداعية فيها.
10- أن يتم تقديم المعارف والمهارات الأساسية اللازمة لتسويق الاكتشافات البحثية والمخترعات والأفكار الإبداعية والعمليات والخدمات الجديدة التي يقدمها المبدعون ورواد الأعمال وتسويقها للقطاعين العام والخاص.
11- أن تولي مراكز الابتكارات داخل الجامعات خدمة رواد الأعمال وتنظيم المشاريع الإبداعية ونتائج الأفكار البحثية مع المبدعين من طلابها ومن خارجها، ومساعدتهم على تسويقها تجارياً وتجني الجامعات من ذلك بعض العوائد المالية والمعنوية في تقييم الجامعات العالمي.
12- استثمار الإبداع في المجالات السلبية وتوجيهه نحو مجالات إيجابية ونافعة.
13- الاهتمام بتدريب القيادات على رعاية المبدعين لأن كثيراً من البيئات الإدارية النمطية للمؤسسات طاردة للمبدع.
14- إعادة تعريف المبدع والموهوب في مؤسسات رعاية الإبداع الرسمية وشبه الرسمية ليشمل الفئات غير المتقدمة تحصيلياً.
15- دعوة الجامعات إلى تبني تعريف مجمع عليه للتطبيق الوطني لتعريف الإبداع، ويمكن أن يتولاها فريق رؤية 2030.
16- الاهتمام بمجالات الإبداع الخاصة بالمرأة ورعايتها بشكل خاص.
17- القيام بوضع برنامج وطني خاص لدى كل جهة حكومية للتعرف على المبدعين في مجال تلك الجهة ليتم تبنيهم في وظائف المستقبل كأسلوب لبناء قيادات فعالة.
18- أن يتم تأهيل المعلمين بكافة السبل التي تمكنهم من أن يكونوا مبدعين، فيخلقوا بيئة إبداعية للطلاب.
19- أن تتم تهيئة الأفراد على التخلص من المعوقات السلبية التي تنبع من داخلهم وتعيق الكشف عن مواهبهم وابتكاراتهم، كالخوف من الخطأ والفشل، وعدم الثقة بالنفس، أو الخجل من المدير وغيرها.
20- التأكيد على مسؤولية الشركات المجتمعية، بتخصيص ميزانية سنوية من أرباحها للمساهمة في دعم الأفكار الإبداعية وتبينهم للابتكارات ودعمها في المجالات كافة.
21- التكامل بين المدارس والجامعات، لإعداد أجيال متسلحة بالعلم والمعرفة؛ وتنفيذ المبادرات الكفيلة باحتضان المبدعين وإنشاء المسارات التعليمية المحفزة نحو الإبداع والابتكار.
22- حث الجامعات ومركز الأبحاث على استشراف المستقبل ورسم السيناريوهات المتوقعة، ووضع حلول استباقية للتحديات.
23- جعل الابتكار والتميز كثقافة في التخطيط ومتابعة الأعمال، ومقومات أساسية للانتقال بالعمل الحكومي إلى الأفضل للتوافق مع التحولات العالمية الجديدة وتحديات العصر.
24- إيجاد حاضنات علمية للمبدعين، وتوفير قروض وتمويل لإنجاز مشروعاتهم الإبداعية.
25- تشجيع الشركات الكبرى على أن يكون دعم ورعاية المهوبين والمبدعين وتمويلهم جزءاً من مسؤوليتها الاجتماعية.
القضية الثالثة
حقوق الطفل .. ورؤية 2030
- § الورقة الرئيسة: د. مها المنيف
- § التعقيبات:
ʘ التعقيب الأول: د. فهد اليحيا
ʘ التعقيب الثاني: د. رنا المنديل (ضيفة الملتقى)
- § إدارة الحوار: د. عبدالسلام الوايل
ʘ الملخص التنفيذي
اهتمت رؤية المملكة ٢٠٣٠ بالرعاية الصحية في برنامج التحول الوطني من خلال ثمانية أبعاد رئيسة، أحد هذه الأبعاد هو الارتقاء بالرعاية الصحية، من خلال تنفيذ 70 مبادرة تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف متكاملة وتتمثل في:
1- تسهيل الوصول للخدمات الصحية.
2- تحسين الخدمات الصحية.
3- الوقاية ضد المخاطر الصحية.
والملاحظ أن حقوق الطفل الصحية في البعد الاستراتيجي المتضمن في الرؤية كانت مندمجة مع الأهداف والمبادرات، لكن لا توجد مبادرة خاصة بحقوق الطفل الصحية وكيفية الحفاظ عليها، بما يتماشى مع مصلحة الطفل الفضلى، ومع الحفاظ على حقوق الوالدين، ودون تأثير على صحة الطفل.
وقد قدمت الورقة المواد المهمة في اتفاقيه حقوق الطفل الدولية وفي نظام حماية الطفل السعودي الصادر عام ٢٠١٤ بشأن الحقوق الصحية. وكذلك البرنامج الوطني للتحصينات ضد الأمراض الذي خصصت له وزارة الصحة ميزانية ضخمة، وأشارت إلى ظهور مجموعات في المجتمع تناهض التطعيمات بحجة أثرها الصحي السيء.
وقد جاء في التعقيبات الإشارة إلى أن الممارسات التقليدية والطب الشعبي والحوادث المرورية وعدم متابعة وزارة الصحة الرعاية المنزلية للطفل من أهم المشكلات ذات الأثر السلبي على صحة الطفل.
كما شرحت التعقيبات نموذج الرعاية الصحية وهو مشروع وطني يعمل على إعادة بناء النظام الصحي للمواطنين والمقيمين وتحقيق مفهوم الوقاية الشامل، وإنشاء مرصد للولادة، وكذلك نموذج رعاية الولادة الآمنة الذي يشتمل على تخصيص نموذج يهتم برعاية الأمهات والأطفال عبر أهم محطات الحياة، ووضع البرنامج مؤشرات أداء لمتابعتها.
وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
- قراءة في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وإشكالية تطبيقها.
- حقوق الأطفال والرضع الصحية.
- نموذج رعاية الأمومة والطفولة.
- تجارب واقعية تتعلق بحقوق الطفل في المملكة.
w أولاً: ما يخص طب الأسنان.
w ثانياً: ما يخص الطب النفسي.
w ثالثاً: ما يخص الإحصائيات.
w رابعاً: ما يخص أقسام الطوارئ.
w خامسًا: ما يخص حالات التنويم.
w سادسًا: ما يخص غرف الانتظار.
w سابعاً: ما يخص الألعاب الالكترونية.
w ثامنًا: ما يخص الأطفال الأيتام ذوي الظروف الخاصة.
ومن أبرز التوصيات التي انتهي إليها المتحاورون في ملتقى أسبار بعد المناقشة المستفيضة لأبعاد قضية حقوق الطفل في ضوء رؤية 2030 ما يلي:
1- أن يتم توسيع مفهوم حماية الطفل كونها تشمل الجانب الصحي وجوانب أخرى قد لا تخضع للجهات الرسمية، ويُقصد بذلك الأسرة والمحيطين به لتكون الحماية شاملة.
2- القيام بتأسيس هيئة تعنى بالطفل باسم (الهيئة العامة لرعاية الطفولة)، وأن تكون مرتبطة إدارياً بمجلس الوزراء.
3- العمل على تعديل النظام الصحي السعودي ليشمل فقرة واضحة عن حقوق الطفل داخل المنشآت الصحية، وحقه بالعلاج، وتقديم مصلحة الطفل الفضلى على حق الوالدين في الحالات التي يرفض الآباء العلاج ويصرون على ما هو ضد نصيحة الطبيب.
4- السعي إلى رفع الوعي بحقوق الطفل الصحية ابتداء من حقه بالرضاعة الطبيعية، ثم حقه بالحماية من الأمراض المعدية وإعطائه التطعيمات، ومن ثم حقه في الحماية من الحوادث سواء حوادث المركبات أو حوادث البيت.
5- القيام بوضع مرصد وطني شامل لتسجيل جميع وفيات الأطفال من الولادة – 18 سنة بدمجه مع المرصد الحالي الذي يرصد وفيات الرضع ووفيات الأطفال الأقل من ٥ سنوات. وبناء على النتائج تبني استراتيجيات وقاية لحماية الأطفال من الحوادث وتقليل نسبة وفيات الأطفال من ٦-١٨سنة.
6- أن يتم دعم الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني لتقديم البرامج التوعوية والتدريبية التي تهدف إلى تمكين الأسرة من التربية الحقوقية، وآليات تطبيق حقوق الطفل في الحياة اليومية، وفِي المشاركة واتخاذ القرار، لاسيما القرارات المصيرية المتعلقة بصحة الطفل واستقراره الأسري في الأسر المتصدعة بسبب طلاق أو خلاف أو غيره.
7- الاهتمام بتقديم برنامج حقوق الطفل في مرحلة الماجستير بالجامعات السعودية، أُسوة بالعديد من الجامعات العربية والأجنبية.
8- أن يتم وضع برامج تدريبية للأطفال والجهات التي تقدم لهم الحماية والرعاية عند الحاجة للتعريف بحقوقهم، انطلاقاً من روية ٢٠٣٠ التي تهدف إلى تمكين كافة الفئات في المجتمع.
9- أن يكون ضمن حملة التوعية بالتطعيم تسليم ورقة للوالدين عند الولادة تحث على التطعيم، وتبين خطأ ما قيل عن ربط التطعيم بالتوحد أو غيره من الأمراض، وتوضيح مخاطر عدم التطعيم.
10- التشديد في أن تكون التطعيمات شرطا لتسليم شهادة الميلاد وأن تكون عن طريق أبشر أو ما يشابهه حتى لا يتم التلاعب فيها.
11- المضي قدما في ربط اكتمال التطعيمات الصحية بإضافة المولود بسجل العائلة.
12- أن يعتبر الطفل المريض نفسياً من ضمن ذوي الاحتياجات الخاصة، ويضم للتعريف في النظام الخاص بهم، وتفسر اللائحة احتياجاته العلاجية والأسرية والتربوية المدرسية.
13- على وزارة التعليم تشجيع أو إعطاء حوافز خاصة للمبتعثين للتخصص في المجالات الصحية التي تنقصنا بشدة كالطب النفسي.
ʘ الورقة الرئيسة: د. مها المنيف.
ترتكز اتفاقية حقوق الطفل الدولية التي بدأ العمل بها عام ١٩٩٠ وصادقت عليها المملكة عام ١٩٩٦على الحقوق الأساسية للطفل مثل حقه في الحياة والبقاء والنمو والتطور، على أساس ومبدأ واضح وهو أن تكون مصالح الطفل الفُضلى هي موضع الاهتمام الأساسي وهي النتيجة لكل قرار يتم اتخاذه بشأن الأطفال. وتحترم الاتفاقية مسؤوليات وحقوق وواجبات الوالدين بما لا يؤثر على مصلحة الطفل الفُضلى.
ومن هذا المبدأ ننطلق بالتعريف بالحقوق الصحية، لنذكر أولاً المواد المهمة في اتفاقيه حقوق الطفل الدولية وفي نظام حماية الطفل السعودي الصادر عام ٢٠١٤ بشأن الحقوق الصحية:
- أولاً: المادة ٢٤ من الاتفاقية الدولية خُصصت لحق الطفل في الرعاية الصحية وذكرت تدابير مهمة من أجل مستوى صحي جيد للأطفال وهي:
1- خفض وفيات الرضع والأطفال.
2- توفير الرعاية الأولية.
3- مكافحه الأمراض الوبائية وسوء التغذية.
4- تقديم الرعاية الصحية الوقائية مثل الرضاعة الطبيعية والوقاية من الحوادث.
5- أخذ التدابير لإلغاء الممارسات التقليدية التي تضر الطفل.
- ثانياً: نظام حماية الطفل في المادة الثالثة ذكر ١٤ حالة تعتبر عنف وإيذاء ومنها حالتين تتعلقان بالصحة وهما:
1- عدم إعطاء أو استكمال التطعيمات الأساسية للطفل.
2- كل ما يهدد صحته النفسية والجسدية.
أما المادة ١٨ من النظام نفسه فقد أكدت على حق الطفل في الرعاية الصحية، وأكدت أنه على الجهات ذات العلاقة اتخاذ التدابير اللازمة من أجل وقاية الاطفال من الاصابات بالأمراض المعدية والخطيرة، وحماية الأطفال من الاصابات الناتجة عن حوادث المركبات وغيرها. وبناء على هذه الحقوق المذكورة في الأنظمة الدولية والمحلية سأذكر بعض الحقوق الصحية ووضعها الحالي بالمملكة ورؤية ٢٠٣٠:
- أولاً: حق الطفل في الحماية من الأمراض المعدية: خصصت وزارة الصحة برنامجاً وطنياً للتحصينات ضد الأمراض وينفق عليه سنوياً ميزانية ضخمة ويتم توفير التطعيم في جميع المرافق الصحية بدون مقابل ونسبة التحصين في التقارير الدورية تتراوح بين ٩٨-١٠٠٪ وارتبط استكمال التطعيم بإعطاء شهادة الميلاد للطفل (عندما يستكمل تطعيمات السنة الأولى) لكن ظهرت في العشر سنوات الماضية مجموعات تناهض التطعيم وتربطه بأمراض عصبية مثل التوحد وخاصة تطعيم الثلاثي الفيروسي MMR مما أدى إلى حصول عدة فاشيات للحصبة والنكاف والسعال الديكي أدت إلى الوفاة وأثرت على القطاع الصحي، والتخوف في الوقت الحالي من عودة الأمراض الوبائية. ويجب وضع إلزامية للوالدين لتطعيم الأطفال كما كان في السابق.
- ثانياً: المؤشرات الصحية للأطفال: تحسنت هذه المؤشرات منذ السبعينات إلى الآن؛ فمثلاً موت الرضع انخفض من ١٠٩ إلى ٥ لكل ١٠٠٠ رضيع وموت الأطفال الأقل من ٥ سنين انخفض من ١٥٩ إلى ٨ لكل ١٠٠٠ من السبعينات إلى ٢٠١٨ وكل هذا بسبب تحسن الخدمات ووصولها إلى المناطق النائية، وكذلك فحص ما قبل الزواج للأمراض الوراثية وغيرها من التدابير. ومؤشراتنا تُضاهي الدول المتقدمة، ولكن بالمقابل هناك ارتفاع في وفيات الأطفال في سن ٦-١٢ وكذلك المراهقين ١٣-١٨، والسبب الرئيسي لهذه الزيادة هو الحوادث بكافة أشكالها سواء منزلية أو بسبب المركبات أو الغرق أو القتل.. الخ. وفي دراسة قمت بها على وفيات الأطفال في مستشفى الحرس وجدت ١٥٪ (يعني ١ من كل ٧ أطفال توفوا بالمستشفى بأسباب يمكن الوقاية منه)، وكان أولها حوادث السيارات يليها الغرق ثم إيذاء الأطفال وحوادث المنزل، وكلما كبر الطفل زادت نسبه وفاته من هذه الأسباب. لكن للأسف لا يوجد استراتيجية لرصد وفيات الأطفال من ٦-١٨ سنوات. الدول المتقدمة التي انخفض بها مستوى الأمراض الوبائية والوراثية والغذائية تحولت إلى رصد نسبة الوفاة من الحوادث ويجب أن نحذو حذوهم.
- ثالثا: الممارسات التقليدية وثقافة المجتمع التي تضر بصحه الطفل: منها على سبيل المثال:
1- الكي والتداوي بالأعشاب.
2- ثقافة الملكية والتركيز على حقوق الوالدين فوق حقوق الطفل؛ مثل رفض الأهل علاج مهم للطفل أو خروجه من المستشفى في حاله خطرة ولا يستطيع الطاقم الطبي حماية الطفل لعدم وجود آلية قانونية لذلك.
3- عدم العناية بالطفل المعاق والخجل منه لاعتقاد الأهل أن لا فائدة من العلاج والمتابعة. وحقوق الطفل المعاق الصحية تحتاج حماية أكثر.
4- العزوف عن الرضاعة الطبيعية لاعتقادات خاطئة، وغيرها من الاعتقادات السائدة التي تؤثر على الرعاية الطبية وتقديمها بالطريقة السليمة.
ولقد اهتمت رؤية ٢٠٣٠ بالرعاية الصحية في برنامج التحول الوطني ووضعت ثمانية أبعاد رئيسة، أحدها الارتقاء بالرعاية الصحية، وبهذا البعد ثلاثة أهداف رئيسية و٧٠ مبادرة. وهذه الأهداف هي:
1- تسهيل الوصول للخدمات الصحية.
2- تحسين الخدمات الصحية.
3- الوقاية ضد المخاطر الصحية.
حقوق الطفل الصحية في البعد الاستراتيجي كانت مندمجة مع الأهداف والمبادرات، لكن لم أرى مبادرة متخصصة بحقوق الطفل الصحية وكيفية الحفاظ عليها، بما يتماشى مع مصلحة الطفل الفضلى، مع الحفاظ على حقوق الوالدين، ودون تأثير على صحة الطفل.
ومن المؤكد أن هناك تحسن واضح في صحة الطفل، لكن للحصول على بعض الحقوق الصحية للطفل نحتاج تدخل قانوني سريع في بعض الأحيان ضد الوالدين أو مؤسسات معينة، وهذا غير موجود إلى الآن.
ʘ التعقيبات:
- · التعقيب الأول: د. فهد اليحيا
وضعت رؤية 2030 خطة جبارة للتحول الصحي تهدف إلى تقديم الخدمات الصحية عبر أفضل الوسائل. لم يكن هناك شيء محدد بالنسبة للطفل ولكنه جزء مهم من نسيج المجتمع الذي تهدف إليه الخدمات الصحية. وهناك ثلاث مشاكل مهمة تناولتها الورقة الرئيسة ولكن من المهم التأكيد عليها:
- أولاً: ممارسات ما يعرف بالطب الشعبي: فهناك حالات أطفال قام فيها الوالدان بإخراج الطفل ضد نصيحة الأطباء لعرضه على طبيب شعبي وعدهم باجتراح المعجزات وهذا أدى إلى وفاة الطفل أو إلى تفاقم حالته وظهور مضاعفات لحالته.. وعليه فمن الضروري وضع تنظيم يجرم ممارسات الطب الشعبي هذه ونظام يمنع الأهل من إخراج الطفل المريض ضد النصح الطبي، كما يجب أيضاً تجريم خفض (ختان) البنات.
- ثانياً: ذكرت د. مها أنها في دراستها وجدت العنف/الإيذاء يشكل السبب الثالث في وفيات الأطفال. والمشكلة هنا تكمن في أن دور الحماية من العنف الأسري محدود فلا توجد مثلاً أسر بديلة ترعى الأطفال حتى علاج سبب العنف.
- ثالثاُ: تطوير الخدمات الصحية يستلزم تطوير وزيادة كفاءة الرعاية المنزلية لمتابعة صحة المواطن وهو الطفل في هذه الحالة.
أخيراً؛ الحوادث المرورية هي السبب الأول للوفاة عندنا (وربما في حالات الإعاقة) ويجب العمل بجهد وجد لمحاربة الرعونة في القيادة، وعدم مراعاة الأنظمة المرورية.
- · التعقيب الثاني: د. رنا المنديل (ضيفة الملتقى)
إن نموذج الرعاية الصحية هو مشروع وطني يعمل على إعادة بناء النظام الصحي للمواطنين والمقيمين وتحقيق مفهوم الوقاية الشامل. وتتلخص النتائج الأساسية لنموذج الرعاية الصحية، كما أشارت د. مها المنيف، في ثلاثة محاور تتعلق بضمان سرعة الحصول على الخدمات الصحية، والارتقاء بجودتها، وزيادة كفاءتها وفعاليتها. كما يعتمد نموذج الرعاية على ستة أنظمة وهي كالتالي:
1- الرعاية الوقائية.
2- الرعاية الاختيارية.
3- رعاية “الولادة الآمنة” والتي تتضمن سلامة المولود.
4- الرعاية العاجلة.
5- رعاية الأمراض المزمنة.
6- الرعاية التلطيفية.
في نموذج رعاية الولادة الآمنة تم تخصيص نموذج يهتم برعاية الأمهات والأطفال عبر المحطات السبع التي تمر بها الأم والطفل:
– رعاية ما قبل الزواج.
– ما قبل الحمل.
– اثناء الحمل.
– الرعاية في الولادة.
– ما بعد الولادة.
– رعاية حديثي الولادة.
– رعاية الطفل السليم.
كل هذا يأتي تأكيداً على سلامة الأم والطفل والمجتمع. كما يهدف النموذج إلى الاهتمام بصحة الأم والطفل، وخفض نسبة الوفيات في الحوامل والأمهات، وكذلك خفض معدلات وفيات الأطفال، كما يهدف إلى توفير الرعاية الصحية للطفل والأم في آن معاً.
جزء من النموذج يهدف إلى إنشاء National Birth Registry؛ حيث يتم رصد كل ولادة والمعلومات التي تحيطها مثل:
– طريقة الولادة.
– الوزن عند الولادة.
– جمع البيانات عن الأمراض الوراثية.
– Apgar score.
– وضع الأم من ناحية الرضاعة الطبيعية.
– رفع بصمة الرضيع وإدراجها في السجل الوطني.
والاعتقاد أن السجل الوطني سيؤدي إلى تخطيط أفضل لبرامج الصحة العامة وبرامج الولادة. إلا أن هذا السجل الوطني سيحتاج إلى توحيد الجهود، وتوحيد قواعد البيانات الوطنية وربطها مع وزارة الداخلية من جهة، ومراكز الصحة الأولية من جهة أخرى.
إضافة إلى أن البرنامج سيهدف إلى دعم عيادات رعاية الطفل السليم والتي ستساهم في تمكين العائلة (الام والأب) في تربية طفلهم من خلال الدعم النفسي والمعنوي، والتثقيف عن سلامة الأطفال، والتطعيمات، والنظام الغذائي المتوازن، ومتابعة نمو الطفل العقلي والبدني، والتعرف/الكشف عن أي من أعراض الإهمال أو العنف، وزيادة نسب الرضاعة الطبيعية، والحث على الفطام عند بلوغ الست أشهر، ومواعيد التطعيمات، والكشف على (النظر، والسمع، والضغط، واللغة، والتطور) من خلال استخدام أدوات مصنفة عالمياً، والحث على التعليم المبكر للطفل من خلال القراءة، والحديث مع الطفل، والغناء للطفل.
أخيراً فإن البرنامج صمم بعض مؤشرات الأداء التي سيتم متابعتها لتفقد سير تقدمه وهي:
- زيادة نسب التطعيمات.
- عدد الأطفال الذين أكملوا مواعيد المتابعة (حسب بروتوكول المتابعة).
- عدد الآباء والأمهات الذين حصلوا على تثقيف صحي مقارنة بعدد الولادات.
- نسبة الرضاعة الطبيعية الحصرية في الشهور الست الأولى.
ʘ المداخلات حول القضية
- • قراءة في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وإشكالية تطبيقها
أشار د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أن الطفل هو كيان بشري، تَسري حقوقه الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والرعائية والصحية وغير ذلك من الحقوق، كغيره من أي فرد في المجتمع، بغض النظر عن الفئة العمرية. وعليه فإنه وقبل التطرق إلى اتفاقية حقوق الطفل وهي اتفاقية دولية، لابد أن نستشعر المسؤولية الكبرى التي تقع على عاتق الحكومة والأسرة على وجه الخصوص، فالدين الإسلامي والضمير الإنساني يحتمان على كل ذي عقل أن يعتني بهذا المخلوق الذي لاحول ولا قوة له إلا بالله، فإذا لم يدرك من هو مسؤول عن فئة عمرية محدودة العقل والقدرة الجسدية فذاك يعني أن خللاً ما قد حل بأسرة يرجع نواتج الضرر لكيان بسيط ضعيف، وهو في سن الطفولة والبراءة.
إن اتفاقيّة حقوق الطّفل هي اتفاقيّة دُوليّة أقرّتها الجمعيّة العامّة للأُمَم المتّحدة عام 1959م، وتنُصّ على حماية الأطفال وحقوقهم بشكلٍ غير قابلٍ للتّفاوض، وقد اعتمدت الجمعيّة هذه الاتّفاقيّة بالإجماع في العشرين من شهر تشرين الثاني لعام 1989م.
ويعود تاريخ هذه الاتّفاقيّة إلى عام 1924م، عندما أعلنت عُصبة الأُمَم -أصبحت لاحقاً الأُمَم المُتّحدة- إعلان حقوق الطّفل، ليكون أوّل اتفاقية دوليّة تُعنى بحقوق الطّفل، وتضمّنت خمسة فصول تنُصّ على حقوقهم، وبُنِيت هذه الاتفاقيّة على إعلان قدّمته اتفاقيّة جينيف في العام نفسه، وهي وثيقة تاريخيّة تعترف للمرّة الأولى بوجود حقوق خاصّة بالأطفال، ومسؤوليّة البالغين تجاههُم.
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية عانى الأطفال الذين خاضوا الحرب تَبِعاتٍ سيّئةً جدّاً، ممّا دفع الأُمَم المُتَّحدة إلى إنشاء صندوق خاصّ بدعم الأطفال واحتياجاتهم عام 1947م، وهو ما سُمِّي لاحقاً باليونيسف، ونال الاعترافَ الدوليّ عام 1953م، وبدأت منظّمة اليونيسف بإدراج عدد من البرامج لحماية الأطفال وحقوقهم، وفي عام 1959م أقرّت اليونيسف اتفاقيّةً لحقوق الطّفل تضمّنت عشرة مبادئ لحقوقهم، وقد وقّعت عليها بالإجماع جميع الدّول الأعضاء للجمعيّة العامّة للأُمَم المتّحدة، والبالغ عددها ثمانٍ وسبعون دولةً.
وبعد إقرار الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، أرادت الأُمَم المتّحدة أن تضع ميثاقاً لحقوق الإنسان يكون قابلاً للتّنفيذ، ومُلزِماً الدُّولَ باحترامه وتطبيقه، ممّا دفعها إلى اعتماد نصَّيْن مُكمِّلَين للإعلان العالميّ لحقوق الإنسان مُختصَّين بالطّفل، بعدها اعتُمِدت اتّفاقيّة حقوق الطّفل، وتضمّنت 54 مادّةً توضّح بالتّفاصيل الحقوق الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والثقافيّة للأطفال، وفي الثاني من شهر أيلول لعام 1990م أصبح النصُّ مُعاهدةً دوليّةً دخلت حيّز التّنفيذ، بعد أن صادقت عليه عشرون دولةً.
إن مسألة الاهتمام بشؤون وشجون الطفولة هو أمر حتمي لا يمكن أن يكون مشتت الجهود، أو حتى نرى كل جهة تلقي بالمسؤولية الرعائية على الأخرى لتنشئ قضية يطول علاجها بالآلية التي تعود بالإيجاب على المجتمع.
وهذا يقودنا إلى التقدم بمقترح ذو شمولية واسعة وداعمة لهذه الرسالة السامية تجاه فئة غالية، والمقترح أن تؤسس هيئة تعنى بشؤون الطفل باسم (الهيئة العامة لرعاية الأطفال).
وتبقى الإشارة إلى أمر يبدو أنه قد نفذ ويشكل خطورة تجاه عدم الوقاية من أمراض الطفولة المبكرة والمتقدمة، وهو أن وجوبية التطعيمات الصحية لم تعد ترتبط بإضافة المولود بسجل العائلة، وهذا الأمر إن صح وقوعه يمثل خطورة كبيرة على صحة الطفل.
وفي السياق ذاته فقد ذكرت د. هند الخليفة أن اتفاقية حقوق الطفل تعد هي الوثيقة الدولية التي حظيت بأعلى توقيع من بين الاتفاقيات الدولية التي تبنتها الأمم المتحدة، وفِي ذلك مؤشر على الاهتمام الدولي بحقوق الطفل، والتأييد لتقنينها وتوحيد إجراءات حصول الأطفال على حقوقهم. ولقد وقعت المملكة على هذه الاتفاقية في العام ١٩٩٦م، وبذلك أصبحت ملزمة بتطبيق ما جاء في الاتفاقية وتقديم تقارير حولها. وبالرغم من أهمية الاتفاقية الدولية، والأنظمة المحلية التي تشرعها الدول، فإن نسبة انتهاك حقوق الطفل لا زالت عالية، سواء على المستوى الدولي كما يحدث في الحروب، أو على المستوى الوطني كما يحدث داخل الأسرة أو المدرسة أو في القطاع الصحي، والثقافي والإعلامي، والمجتمع بشكل عام. ولعل هذه المؤشرات توكد على عمق الفجوة بين النظرية والتطبيق عند التعامل مع القضايا المتعلقة بحقوق الطفل وإيجاد آليات تنفيذية لضمان حصول الأطفال على حقوقهم. وترتبط إشكاليات التطبيق بعناصر مختلفة، من بينها تغيير مفهوم الطفولة، وعلاقة الراشدين بالأطفال، ورفع الوعي بأهمية دور الأطراف المختلفة في التطبيق، وتمكين الأسرة والعاملين مع الطفل بآليات التطبيق.
وأشارت د. هند الخليفة إلى أحد الأدلة الإرشادية في هذا المجال من تأليفها بالاشتراك مع د. وفاء السبيل بعنوان (“لي حق” – دليل عملي للأسرة لتحويل حقوق الطفل إلى واقع”). والكتاب/الدليل ينقسم إلى قسمين، الأول حقوق الطفل، والثاني الطفل المسؤول. وقد تم تناول الحقوق والمسؤوليات لأن هناك مفاهيم خاطئة عن الحقوق، والتي تربطها بالتخلي عن المسؤوليات. كثير من الثقافات ناقشت ذلك، على سبيل المثال، النص الأفريقي من اتفاقية حقوق الطفل الدولية يربط كل بند من البنود بالدور المتوقع من الطفل. وبما أن نسبة كبيرة من الأطفال في المملكة تغدق عليهم تربية اليسر وتتخلف عندهم المسؤوليات، فإنه من الضروري مناقشة وتدريب الأسرة والعاملين مع الطفل على مبادئ وآليات التربية الحقوقية المسؤولة. وهكذا؛ فإن الجزء الأول يتناول حقوق الطفل في الإسلام- الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وأهم ما يميزها- كذلك دور الأسرة والمربين في تطبيق حقوق الطفل. أما الجزء الثاني فيتناول أسس تربية الطفل المسؤول وعلاقتها بحقوق الطفل.. كما أن ملحق الدليل يقدم قائمة ببعض أهم الكتب وقصص الأطفال عن حقوق الطفل، وأخيراً أهم المصطلحات الواردة في الاتفاقية، كمصطلح مصالح الطفل الفضلى، وغيرها من مصطلحات ذات علاقة بحقوق الطفل. أيضاً؛ فقد تم تقديم برنامج تدريبي استناداً على الدليل/الكتاب (لي حق) بالتعاون مع جمعية رعاية الطفولة، وتم تدريب أكثر من ألف متدربة خلال ثلاث سنوات، شملت الأمهات والمعلمات والمرشدات الاجتماعيات، وأمهات أطفال من ذوي لاحتياجات الخاصة.
وعلق د. عبد السلام الوايل بأن الدليل عموماً يتضمن قصة نجاح كما يبدو، فهو نتاج شراكة جهة تمويلية عريقة في دعم العمل الاجتماعي وجمعية مختصة وأكاديمية متخصصة ومتدربات. وأضافت د. هند الخليفة أن ذلك حدث في إدارة وتمويل التدريب فقط. أما الكتاب، فقد حصل على دعم من اللجنة الوطنية للطفولة وبمبادرة أمينها في ذلك الوقت د. بندر السويلم. من جانبها ذكرت د. وفاء طيبة أن هذه الجمعية تعمل بقوة لتوعية الأسرة والأمهات، خاصة في مجالات عدة ومنها مجالات صحية بالطبع لها علاقة بالحقوق والحماية من الاعتداءات والتغذية وغير ذلك، وهي إحدى الجمعيات الفاعلة في المجتمع.
وذكر د. خالد الرديعان أن من الحقوق الصحية للطفل والتي يرى أهميتها البالغة في ظل ثورة الاتصالات قضية حماية الطفل صحياً وبدنياً من تأثير الأجهزة الذكية سواء ما يتعلق بتأثيرها على النظر أو عظام الرقبة والظهر بسبب طول وقت الاستخدام. وعليه يمكن اقتراح سن نظام يمنع الأطفال من استخدام هذه الأجهزة قبل سن معينة على الأقل في المدارس والأماكن العامة حماية للأطفال من تأثيرها مع تكثيف التوعية حول هذا الأمر. وهناك بالطبع محتوى إعلامي يتعلق ببعض الألعاب الالكترونية، وما تحمله من مضامين فكرية لا تناسب الطفل المسلم والعربي، والتي تدخل ضمن مسؤوليات الأسر في المحافظة على أبنائها من أضرارها المحتملة. والواقع أن صحة الطفل مفهوم واسع تتجاوز التطعيمات وتلقي العلاج المناسب، وتمتد إلى صحته النفسية والعقلية، وهذه الأجهزة التي نراها اليوم بأيدي الجميع بمن فيهم أطفال أحياناً دون سن الخامسة لها تأثير بالغ على سلوك الطفل وتفكيره وصحته البدنية؛ فقد لوحظ في السنوات الأخيرة انتشار مقاطع القتل والدماء، واعتيادية الطفل على مشاهدتها، وهي التي ولاشك لها تأثير على صحته العقلية والنفسية، بل إن بعض الأطفال أصبحوا يعانون من مشكلات في النوم والخوف من الظلام ليلاً بسبب ما اعتادوا على مشاهدته من مواد يفترض أنها للبالغين فقط.
وتساءل د. عبد السلام الوايل عن مدى وجود تنسيق فعلي بين وحدات الحماية من الإيذاء في المؤسسات الطبية ومنظومة الحماية من الإيذاء في وزارة التنمية الاجتماعية للارتقاء بأداء دور الحماية بناء على وقائع مباشرة ضحايا الإيذاء ميدانياً في المستشفيات، خاصة وحدات الطوارئ؟ وفي هذا الصدد أوضح د. فهد اليحيا بأن هناك تنسيق فعلاً؛ فوزارة التنمية الاجتماعية هي التي توفر دور الإيواء وتشرف عليها. ولكنها تظل محدودة وقليلة العدد، وكل حالة عنف يتم الاطلاع عليها يقوم مركز الحماية بالاتصال بوحدة الحماية في المنطقة مع تقدير درجة الخطورة، ثم تقوم الوحدة بدورها في التدخل حسب تقسيم الحالات إلى ثلاث فئات حسب الخطورة، ويتم التدخل في الفئة الأولى (عالية الخطورة) خلال ساعتين إلى 4 ساعات.
- • حقوق الأطفال والرضع الصحية
اقترحت د. مها المنيف إلزامية التطعيم كأحد الحلول لامتناع الوالدين عن التطعيم. وبما أن المشكلة ناتجة أصلاً عن “اعتقاد” وليس خلل هيكلي في الخدمات الطبية، فإنه يمكن لخطاب مبني على البراهين حول التكاليف الصحية الباهظة لعدم التطعيم أن يكافح هذا الاعتقاد، وبالتالي يغير السلوك. كما اقترحت أيضاً إنشاء مركز لرصد أسباب الوفيات للأطفال بين ٦-١٨عام والتعامل معها، حيث ظهر أن حوادث المركبات والغرق والإيذاء أبرز المسببات بحسب دراسة أجرتها، وتساءلت بدورها: هل مثل هذه المراكز تنظيمياً تتبع لوزارة الصحة، أم أنها “بينية” تتقاطع في مرجعيتها التنظيمية وزارات: الصحة والتنمية الاجتماعية والتعليم مثلاً؟ أيضاً ودون شك فإن وفيات الرضع ووفيات الأطفال الأقل من ٥ سنوات هي مؤشر تنموي مهم جداً؛ لكن مع انخفاض مستوى التطعيم من الممكن أن يبدأ بالارتفاع. ومن المهم العمل على رفع مستوى الوعي بأهمية التطعيمات، وتطبيق نظام حماية الطفل الذي يؤكد على أن عدم إعطاء التطعيمات للطفل يعتبر عنف وإيذاء، وبالتالي يجب أن تحال هذه الحالات كإهمال إلى الجهات المختصة (الحماية الاجتماعية) لأخذ التعهد على الوالدين. أمَّا فيما يتعلق بمراكز مراجعة الوفيات أو ما يسمى Child death review board؛ فهو مجلس أو مركز عالي المستوى لمراجعة وفيات الأطفال لوضع استراتيجية لحماية الأطفال بناء على أسباب الوفيات. ومن الممكن أن يكون هذا المجلس على مستوى إمارة المنطقة وبه أعضاء من جميع المؤسسات المسؤولة عن الطفل مثل الصحة والتعليم والتنمية الاجتماعية والداخلية. كما من الممكن أن تكون رئاسة هذا المجلس لرصد وفيات الأطفال من قبل الصحة وبعضوية الجهات الأخرى. في أمريكا هذا المجلس من مسؤولية الداخلية والجهات الأمنية، وفي أوروبا هو من مسؤولية البلديات ويختلف من بلد إلى آخر. ولدينا يمكن أن يكون ضمن مسؤولية وزارة الصحة أو الإمارة.
وذهب د. خالد الرديعان إلى أنه برغم انخفاض نسبة وفيات الأطفال الرضّع في المملكة وتحسن الخدمات الطبية حسب المعطيات التي أوردتها د. مها، إلا أن ما يقلق هو النسبة التي تتعلق بوفيات الأطفال من ٦-١٢سنة والمراهقين من ١٣-١٨ سنة، وأنه كلما تقدم الطفل في السن زادت احتمالات وفاته لأسباب غير الأمراض والأوبئة؛ كحوادث الطرق والغرق والحوادث المنزلية. يضاف إلى ذلك الملاحظات المتعلقة بعلاقة حوادث الوفاة عند الأطفال والمراهقين بنمط التربية السائد في الأسرة السعودية؛ حيث يتجلى لنا بعض الإهمال neglect بصورة واضحة والذي يعد كذلك نمطاً من أنماط العنف الأسري حتى لو لم يكن مقصوداً؛ فتسليم طفل دون سن ١٨ سنة سيارة لقيادتها يعد نوعاً من الإهمال من قبل الأسرة مهما كانت المبررات، وهذا الأمر ليس للجهات الرسمية والصحية دخل فيه لكي تحد من وقوعه، عدا جهاز المرور فيما يتعلق بالمخالفات المرورية التي يجني من وراءها مبالغ طائلة. على سبيل المثال فإن كثير من الأطفال لا يتم إركابهم السيارة بطرق صحيحة؛ بحيث يتم إجلاس الطفل في المقعد الخلفي مع ربط حزام الأمان. وكم منا رأى بعض الآباء وهو يحتضن طفله وهو يقود السيارة ويمكّن طفله من العبث بعجلة القيادة وكأن الأب يقول له ضمنياً “تستطيع قيادة السيارة” كما يفعل الكبار لتبدأ قضية إغواء الطفل بالسيارة منذ سن مبكرة بحيث ينظر إليها كلعبة toy وليست وسيلة نقل خطرة بحاجة إلى من يتعامل معها بحذر وحكمة. وفيما يخص المراهقين يمكن الجزم بأن البعض شاهد مقاطع لبعضهم وهم يقطعون السيول الخطرة بسياراتهم ذات الدفع الرباعي، أو يتسلقون كثبان رملية مما يعرضهم للغرق أو انقلاب المركبة، وهي مخاطر نراها تعود في الأساس إلى غياب دور الأسرة في التنبيه إلى مخاطر السيارة والسيول. وكلنا يعلم أن العديد من أسرة المستشفيات قدرها البعض بنحو ٣٠٪ يرقد عليها أشخاص جراء أصابتهم بحوادث سير، ومن ثم ضرورة بقاءهم في المستشفيات وأحياناً لعدة أشهر إن لم يكن سنوات، الأمر الذي يشكل ضغطاً على الخدمات الصحية، وبطء تقديم العلاج لمرضى آخرين. ومجمل القول إن الأسرة تتحمل جزء كبير من مسؤولية المحافظة على صحة الطفل وحياته بسبب شيوع الإهمال عند الكثيرين وغياب الانضباط والتقيد بشروط ودواعي السلامة في المنزل وفي السيارة وفي الأماكن العامة، فلعلنا نؤكد على هذه المسألة وذلك بسن بعض التنظيمات التي قد تحد من إصابة ووفيات الأطفال. وعلقت د. مها المنيف بأن للأسرة فعلاً دور مهم وخاصة في حوادث السيارات التي تعتبر السبب الرئيس للوفيات بالمملكة في كل الأعمار، ولكن القانون في المرحلة الحالية أقوى؛ حيث أن تطبيق قانون المرور ووجود نظام ساهر قلل من عدد الحوادث.
- • نموذج رعاية الأمومة والطفولة
أشار د. عبد السلام الوايل إلى أن تعقيب د. رنا المنديل تمحور حول “نموذج الرعاية الصحية” المتضمن لستة أنظمة عن رعاية الأم والولادة والمولود. وعلى ذلك يبرز تساؤل مهم حول مدى إمكانية أن يتضمن النموذج لنظام مؤسسي إضافي يهتم برصد أسباب وعوامل وفيات الأطفال بين ٦و ١٨ عام؛ أي تطبيق الاقتراح الذي طرحته د. مها المنيف في ورقتها.
ومن جانبها ذكرت د. رنا المنديل أنه بالإضافة لما تم ذكره سابقاً حول نموذج رعاية الأمومة والطفولة، فقد تركزت مبادرات نموذج الرعاية على تلبية احتياجات الأفراد في المجتمع، كباراً وصغاراً، ولكن تم خلال التصميم الوطني لنموذج الرعاية الصحية وضع اعتبارات خاصة للأطفال في أغلب المبادرات حول الأنظمة الستة؛ فمثلاً يُعطى اعتبار خاص للأمراض المزمنة التي تنتشر عند الأطفال كالربو والسكري النوع الأول، وكذلك الاحتياجات الخاصة للأطفال المرضى وذويهم عند احتياجهم للرعاية التلطيفية، أو الوصول للرعاية العاجلة بالمكان الصحيح الذي تتوفر فيه كامل احتياجات الطفل.. وغيرها، بالإضافة إلى ذلك؛ يوجد تركيز كبير على الأطفال في الرعاية الوقائية، خصوصاً من خلال برامج الصحة المدرسية والتعليم المدرسي. أما فيما يخص رصد البيانات بالتحديد، فتوجد مبادرتين يتم العمل عليهما بشكل وطني، ويرتبطان بتوحيد آلية جمع البيانات وقياس المخرجات، وذلك للوصول لإدارة وفهم صحة السكان بشكل أفضل Population Health Management.
وأضافت د. مها المنيف أنه يمكن دمج سجل رصد وفيات الأطفال child death review board تحت آلية رصد المخرجات Outcome monitoring. ولعل من المهم جداً رصد هذه المعلومات؛ لأنه مع تحسن الوضع الصحي للطفل عند تطبيق الرعاية الأولية تبقى الحوادث والعنف سبب رئيسي لموت الأطفال خاصة المراهقين من سن ١٣-١٨عام. على سبيل المثال: كلنا نعلم أن الصيف يأتي ويأتي معه حالات غرق الأطفال بما تسببه من وفيات أو إعاقات (إذا تم الإنقاذ متأخراً)، ولكن لا توجد لدينا قاعدة معلومات وطنية تخبرنا النسب، وحجم المشكلة، ومكان حدوثها، وتكلفتها …الخ. وحتى نضع استراتيجيات وميزانيات للقضاء على مثل هذه المشاكل فإن صناع القرار يحتاجون أرقام وأسباب المشكلة وحيثياتها. ففي مستشفى الحرس الوطني مثلاً لوحظ أن أكثر من ٦٠٪ من حالات الغرق تحصل في الاستراحات، وهذا يدل على عدم وجود أي قوانين حول المسابح الموجودة بالاستراحات وتنتهي الحالة بلوم الأسرة.
وبدوره ذهب د. حميد الشايجي إلى أن هناك إهمال في إجراءات الأمان والسلامة في كثير من الأماكن كالمسابح والسلالم والأسطح والحدائق ومدن الألعاب والاستراحات، بل وحتى في بعض المدارس، وغيرها. مما يضع المسؤولية المشددة على عاتق الدفاع المدني للتأكد من إجراءات الأمن والسلامة المستخدمة في مثل هذه الأماكن، وعمل جدولة للزيارات الدورية وعدم الاكتفاء بالزيارة الأولى عند إعطاء التصريح.
وأضافت أ. فائزة العجروش أن نفس الشيء ينطبق على عدم وجود أي قوانين في مدن الألعاب الترفيهية، وما يحدث فيها من حوادث مميتة في بعض الأحيان أو مسببة لإعاقات دائمة، وعدم توفر طاقم طبي دائم للقيام بالإسعافات الأولية حال الاحتياج لها. كذلك فقد أوضح د. عبد السلام الوايل أن التقدم الواسع في علم البيانات يُمكن من جعل بيانات السجل المقترح دقيقة من حيث الأسباب والعوامل، بما يساعد الجهات ذات العلاقة من التدخل لخفض المعدلات كُل فيما يخصه. مثلاً، الموت بسبب حوادث الطرق غالباً يتم خارج المدن الكبرى، على الطرق البرية الواصلة بين المدن والأرياف بحسب بيانات المرور. أيضاً توفر بيانات عن الوفيات الناتجة عن الغرق في الاستراحات سيضع الأمانات والبلديات أمام مسؤولياتها لتنظيم أكثر سلامة لمثل هذه المرافق.
- • تجارب واقعية تتعلق بحقوق الطفل في المملكة
ركزت أ. فائزة العجروش على توضيح بعض التفاصيل المبنية على مشاهدات حية وتجارب شخصية، ومقابلات مع أمهات تمخضت عن بعض الملاحظات التي أشارت إليها كحقوق صحية للطفل ينبغي الحرص عليها من قبل المسؤولين والأهالي، وإدراجها ضمن خطة ومبادرات برنامج التحول الصحي الجبار، وخلصت منها إلى ما يلي:
- أولاً: ما يخص طب الأسنان:
افتقارنا للعدد الكافي من العيادات المتخصصة في علاج أسنان الأطفال (ممن تتوفر لديهم الأساليب الصحية والأدوات العلاجية المخصصة للأطفال، والدراية الكافية بنفسية الطفل واستخدام أساليب محببة لهم تقلل من خوفهم)، مما أدى إلى:
1- خوف الأطفال وامتناعهم عن الذهاب لطبيب الأسنان ومن ثم ازدياد حالات التسوس وأمراض اللثة.
2- اللجوء في بعض الأحيان لإعطاء الطفل مخدر كامل لعلاج أسنانه دون حاجة فعلية؛ حيث من الممكن علاجها بمخدر موضوعي وهذا يحدث أحياناً بسبب رغبة بعض الأطباء لأخذ راحتهم أثناء العلاج أو لرغبة بعض الأهالي في الاستسلام التام من قبل طفلهم، وعدم إزعاجهم بالبكاء والصراخ (وهذا ما أشارت إليه د. مها حول ثقافة الملكية للأبوين)، لذا نوصي بسن قانون يقنن ويمنع استخدام المخدر التام للأطفال في حالات معينة.
- ثانياً: ما يخص الطب النفسي:
لم يكن هناك شيء مخصص بالنسبة للطفل في خطة الرؤية للتحول الصحي، بالإضافة إلى ما تؤكده بعض الدراسات من أن نسبة لا يستهان بها من أعراض الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان تبدأ بالظهور في مرحلة الطفولة، بالإضافة إلى كون الأسرة ليست بالكيان الوحيد المؤثر على صحة الطفل النفسية، فكل الأنشطة أو المناسبات التي يشارك فيه الطفل لها تأثيرها الخاص عليه، ويمكن للطب النفسي أن يسهم في استقرار الجانب النفسي كحق من حقوق الطفل الصحية من خلال ما يلي:
1- مكافحة “ظاهرة التنمر”، وما تخلفه من نتائج سلبية على صحة الطفل النفسية والتي قد تستمر معه لسنوات عديدة، مما يستلزم العمل على كيفية بناء الشخصية القوية للأطفال وتقوية ثقتهم بأنفسهم.
2- أهمية التأكيد بكافة الوسائل الممكنة على التعاون الجاد بين المنزل والمدرسة وبين الأهالي والمدرسين وبين الأهالي فيما بينهم؛ لضمان صحة نفسية سوية ومستقرة للطفل، تعاون قائم على احترام الطفل وعدم تعريضه لأي كلمات نابية ومشاكل أسرية ومواقف مهينة، قد تعمل على اختلال شخصيته ومعانته من أمراض نفسية مستقبلًا ويكون من الصعب علاجها.
3- القيام بدور فعال للحث على تعاون جميع الجهات ذات العلاقة لتجريم من يستغل الأطفال في التسول وعقابه عقوبة تجعله عبرة لغيره؛ فاستغلالهم في التسول وما يترتب عليه من مشاكل صحية، منها: ضربة الشمس، سوء التغذية، والتسمم.. وغيرها من مشاكل سلوكية تتحول لأمراض نفسية تؤدي في أغلب الأحيان لتحول الأطفال المتسولين إما لمجرمين لحقدهم على الآخرين، أو لمكتئبين لكرههم للمجتمع الذي لم ينصفهم.
4- توضيح الدعم والتفهم المطلوبين من الأسرة التي يكون أحد أطفالها مصاب باضطرابات نفسية، وعدم ممارسة أي ضغوط عليه قد تفوق قدراته النفسية.
5- وضع إجراءات خاصة ومحددة ضمن الإجراءات والرعاية الوقائية التي ذكرتها د. رنا لكيفية التعامل مع الصعوبات المبكرة في حياة الطفل التي قد تساهم في الحد من إصابة الأطفال بالاضطرابات النفسية مستقبلًا.
6- تقديم كافة أوجه الدعم النفسي للطفل الذي يعاني من كون أحد والديه مريض نفسي.
7- إذا كان هناك ثمة اتفاق على أن حياة الطفل النفسية تعتمد على تنشئته ضمن عائلة تتمتع باستقرار نفسي، لذا فإن التساؤل المطروح هنا: ماذا قدمنا لهؤلاء الأطفال على أرض الواقع؟، وهل هناك خطوات وقائية في هذه الأسر، كالكشف الدوري لتقديم العلاج المبكر لهم حال اكتشاف اضطرابات نفسية لديهم؟
- ثالثاً: ما يخص الإحصائيات:
تفتقر المملكة لقاعدة بيانات ترصد العوامل المسببة لإصابة الطفل بجميع الأمراض العضوية وكذلك الاضطرابات النفسية، هل هي مثلًا بسبب: عامل الوراثة، أو عيب خلقي، أو خلل في بعض مراكز الجسم، أو بسبب تعرض الطفل لضغوط حياتية وصدمات نفسية كفقدان أحد والديه أو إهماله أو ضربه بصورة مستمرة أو الاعتداء الجنسي عليه. وأي عوامل أخرى يمكن قياسها والاستناد عليها كمؤشر لقياس المخرجات للوصول لحسن إدارة صحة الطفل وفهمها بشكل أفضل إلى جانب المبادرتين التي ذكرتهما د. رنا المنديل في مداخلتها.
وحول أهمية إنشاء مراكز مراجعة الوفيات في المملكة لوضع استراتيجية لحماية الأطفال بناء على أسباب الوفيات فهي مسألة مهمة، على أن يتضمن مثل هذا المركز مرصد بيانات شامل لرصد وتوثيق كافة بيانات الطفل الصحية في المملكة، منها على سبيل المثال لا الحصر: (أي المناطق تزداد فيها أمراض معينة، وأي فئة عمرية تكثر فيها الأمراض النفسية في المملكة، وما سبب انخفاض الأمراض الوراثية في مناطق معينة من المملكة.. الخ) لتكون لدينا قاعدة بيانات هامة نستند عليها لتحسين الوضع الصحي بالمملكة ونضمن حصول الطفل على كافة حقوقه الصحية.
- رابعاً: ما يخص أقسام الطوارئ:
يلاحظ في أقسام الطوارئ، ما يلي:
1- بقاء الطفل المريض فترة طويلة بعد المعاينة الأولية، قد تزيد عن الساعتين، وخلالها تمر أمامه بعض الحوادث الخطيرة التي قد تؤدي أحياناً إلى الوفاة أو فقدان عضو حيوي في الجسم مما يؤدي إلى سوء حالة الطفل النفسية.
2- بسبب نقص عدد الأسرة، يتم استقبال وعلاج بعض الحالات الصعبة خارج غرف الطوارئ، وإبقائهم قيد الانتظار في بعض الأحيان في الممرات وأمام أعين الأطفال المرضى مما يزيد من خوفهم وهلعهم ورفضهم للعلاج.
لذا فمن المهم مراعاة ما يلي:
أ- تخصيص أقسام للمرضى الأطفال في أقسام الطوارئ عن غيرهم من المرضى البالغين.
ب- توفير أقسام مخصصة للأطفال في مراكز الرعاية الأولية تستقبل الحالات على مدار 24 ساعة؛ فالأطفال في معظم الأوقات معرضون لحالات الأنفلونزا والربو والجروح والحروق البسيطة والنزلات المعوية؛ لتجنيبهم من الذهاب لأقسام الطوارئ، وازدحامها فوق ما هي مزدحمة، ولتجنيب الأطفال كل ما يؤذي نفسياتهم ويزيد من خوفهم.
- • خامسًا: ما يخص حالات التنويم:
1- توفير غرف ألعاب تعمل على مدار اليوم في أقسام التنويم، لتساعد الطفل المنوم على تخطي آلام المرض وقضاء بعض من الوقت المفيد لصحته النفسية والعقلية والعضلية.
2- قد يحدث وبسبب قلة الأسرة في المستشفيات تنويم طفل مريض مع آخر بالغ مريض في غرفة واحدة، ولا يخفى كم المشاكل النفسية والسلوكية التي قد تحدث جراء ذلك. لذا يجب عدم تنويم الطفل مع شخص بالغ في نفس الغرفة.
3- قد يحتاج الطفل المنوم لإجراء عملية جراحية، أو خضوعه لعلاج كيمائي وإشعاعي، وفي الأغلب لا يتوفر الفريق النفسي المؤهل الذي يساعد على تهيئة الطفل للعملية التي تنتظره، وتعريفه بالعلاج بأسلوب مبسط، ومساعدته على تخطي المشاكل الجسمية والنفسية للطفل المصاحبة للعمليات الجراحية والعلاجات الخطيرة والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى الصدمة ورفض العلاج تماماً.
4- هناك مرضى صغار يحتاج مرضهم المكوث في المستشفى لأسابيع عديدة وقد تمتد لشهور، ومن الجيد أن نرى اهتمام المستشفيات بتزيين جدران الأجنحة المخصصة للأطفال بالرسومات والألوان المفرحة، لكن أليس من الأولى تخصيص دورات مياه للأطفال في تلك الأجنحة لتناسب أحجامهم. وكذلك وضع دورات مياه مخصصة للأطفال في كل الأماكن العامة والمستشفيات والمطارات.
- • سادسًا: ما يخص غرف الانتظار:
من المهم تخصيص غرف انتظار للأطفال مع ذويهم في كافة المستشفيات والعيادات الطبية، يتوفر بها الآتي:
1- توفير كتب مفيدة وقصص مخصصة للأطفال تجذب انتباههم لقضاء وقت الانتظار في وقت مفيد.
2- توفير غرف مخصصة للألعاب بجانب غرف الانتظار تقلل من إحساس الأطفال بالخوف والقلق.
3- وجود قناة تلفزيونية مخصصة للأطفال تحتوي على برامج وقائية صحية تناسب أعمارهم ورغباتهم.
4- احترام وقت الطفل المريض وتبليغه في حالة تأجيل أو إلغاء موعده مثله مثل أي مريض بالغ وأن يتم التعامل معه بشكل راقي وحضاري ويكون قبلها بوقت كافي ليتعلم أهمية الوقت واحترامه من صغره.
- • سابعاً: ما يخص الألعاب الالكترونية:
ما نلاحظه اليوم من افتتان الأطفال بالألعاب الالكترونية (خاصة العنيفة أو التي تحتاج لاجتياز مرحلة بعد أخرى مما يسبب إدمان الطفل عليها). بشكل ملفت ومبالغ به، وما يسببه إدمان هذه الألعاب من مشاكل صحية، منها: التوحد وزيادة كهرباء الدماغ وأمراض أخرى عديدة لا مجال لذكرها هنا؛ وعليه فإن من المهم:
- توعية وتثقيف الأهالي بأهمية تخصيص أوقات معينة فقط يتم السماح فيها لأطفالهم باللعب بأجهزتهم الالكترونية، مع ضرورة متابعة ومعرفة نوعية الألعاب ليتم اختيار الأصلح لعمر طفلهم.
- استغلال ولع الأطفال بالتكنولوجيا بتوفير ألعاب الكترونية تحث الأطفال على التفكير الإيجابي والابتكار وتعلم كل ما هو مفيد في جميع النواحي وخاصة الناحية الصحية، مثل (الوجبات الصحية، وممارسة الرياضة، وكيفية الوقاية من بعض الأمراض المعدية والتحسسية.. الخ) سواء في المنازل أو في صالات الانتظار في المستشفيات والمطارات.
- • ثامنًا: ما يخص الأطفال الأيتام ذوي الظروف الخاصة:
تحدثت أ. فائزة العجروش في هذا الإطار عن الأيتام ذوي الظروف الخاصة المحتضنين من قبل أسر بديلة – كونها عضوة فاعلة في جمعية كيان – حيث أشارت إلى أنه تم إغفالهم، فهم يعانون من عدم توفير تأمين صحي لأبنائهم الذين تم تبنيهم، إضافة إلى عدم وجود أي استثناءات خاصة بهم في المستشفيات الحكومية أسوة بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، مما يعرضهم للجوء للعيادات الخاصة، والتي قد يعجزون عن دفع مستحقاتها. أيضاً فإن من الضروري زيادة عدد المراكز التعليمية والتدريبية الخاصة بالأطفال المعاقين، فهناك أطفال كُثر من هذه الفئة يتكدسون في المنازل بلا تعليم ولا تدريب لعدم وجود مراكز كافية لهم. وعليه يمكن الاتفاق مع الرأي القائل بحاجتنا الماسة لسن بعض القوانين التي تحفظ بعض الحقوق الصحية للطفل ومنها التدخل القانوني السريع في بعض الأحيان ضد الوالدين أو مؤسسات معينة، وهذا غير موجود إلى الآن.
كذلك فإن من المؤسف أن عالمنا الحالي لم يُعطى الطفولة حقها، فالأطفال أصبحت تكبر قبل أوانها وتحرم من نعمة البراءة والسذاجة وراحة البال من خلال تصرفات بعض الأهالي المشغولين بالركض وراء أحلامهم، محملين أبنائهم جزء كبير من مسؤوليتهم في التربية، بجعل الأطفال الكبار في العائلة هم من يتولون مسؤولية تربية إخوتهم الصغار، وتحميلهم ما يفوق طاقتهم، أو إسناد مهمة تربية الأبناء للخدم، وهذا له من التأثير السلبي الكبير على الصحة الجسدية والنفسية للطفل في المستقبل. لذا يجب تحذير الوالدين من مغبة ذلك، وحثهم لتحمل المسؤولية كاملة في تربية الأبناء وترك أطفالهم يستمتعون بطفولتهم، وتكليف الخدم بمهام محددة فقط ليس من بينها تربية الأبناء.
أيضاً؛ فإن اتخاذ بعض الآباء أو المدرسين العقاب النفسي للطفل عند الخطأ، باعتقادهم أخف وطأة من العقاب الجسدي، ولكن ومن خلال دراسات عديدة وُجِد أن العقاب النفسي يصيب الطفل بأمراض مثل التلعثم والاكتئاب ويُفقده ثقته بنفسه، فعندما يتعرض الطفل لعقاب نفسي تتأثر مراكز الألم نفسها الموجودة في الدماغ التي يثيرها العقاب الجسدي؛ ومن ثم يفضل توعية الأهالي والمدرسين باستبدال العقاب بتأجيل العواقب، بمعنى ألا نعاقب الطفل بالحرمان من فعل شيء يحبه، وإنما نؤجل ذلك لحين تعديل الطفل لسلوكه الخاطئ.
أضاف د. خالد الرديعان أن هناك جانب آخر يتعلق بالأمراض الوراثية والإعاقات التي قد يكون من أسبابها الزواج القرابي endogamy، ومن ثم ضرورة التوعية بمخاطر زواج الأقارب واحتمالات ولادة أطفال معاقين.
ʘ التوصيات
1- أن يتم توسيع مفهوم حماية الطفل كونها تشمل الجانب الصحي وجوانب أخرى قد لا تخضع للجهات الرسمية، ويُقصد بذلك الأسرة والمحيطين به لتكون الحماية شاملة.
2- القيام بتأسيس هيئة تعنى بالطفل باسم (الهيئة العامة لرعاية الطفولة)، وأن تكون مرتبطة إدارياً بمجلس الوزراء.
3- العمل على تعديل النظام الصحي السعودي ليشمل فقرة واضحة عن حقوق الطفل داخل المنشآت الصحية، وحقه بالعلاج، وتقديم مصلحة الطفل الفضلى على حق الوالدين في الحالات التي يرفض الآباء العلاج ويصرون على ما هو ضد نصيحة الطبيب.
4- السعي إلى رفع الوعي بحقوق الطفل الصحية ابتداء من حقه بالرضاعة الطبيعية، ثم حقه بالحماية من الأمراض المعدية وإعطائه التطعيمات، ومن ثم حقه في الحماية من الحوادث سواء حوادث المركبات أو حوادث البيت.
5- القيام بوضع مرصد وطني شامل لتسجيل جميع وفيات الأطفال من الولادة – 18 سنة بدمجه مع المرصد الحالي الذي يرصد وفيات الرضع ووفيات الأطفال الأقل من ٥ سنوات. وبناء على النتائج تبني استراتيجيات وقاية لحماية الأطفال من الحوادث وتقليل نسبة وفيات الأطفال من ٦-١٨سنة.
6- أن يتم دعم الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني لتقديم البرامج التوعوية والتدريبية التي تهدف إلى تمكين الأسرة من التربية الحقوقية، وآليات تطبيق حقوق الطفل في الحياة اليومية، وفِي المشاركة واتخاذ القرار، لاسيما القرارات المصيرية المتعلقة بصحة الطفل واستقراره الأسري في الأسر المتصدعة بسبب طلاق أو خلاف أو غيره.
7- الاهتمام بتقديم برنامج حقوق الطفل في مرحلة الماجستير بالجامعات السعودية، أُسوة بالعديد من الجامعات العربية والأجنبية.
8- أن يتم وضع برامج تدريبية للأطفال والجهات التي تقدم لهم الحماية والرعاية عند الحاجة للتعريف بحقوقهم، انطلاقاً من روية ٢٠٣٠ التي تهدف إلى تمكين كافة الفئات في المجتمع.
9- أن يكون ضمن حملة التوعية بالتطعيم تسليم ورقة للوالدين عند الولادة تحث على التطعيم، وتبين خطأ ما قيل عن ربط التطعيم بالتوحد أو غيره من الأمراض، وتوضيح مخاطر عدم التطعيم.
10- التشديد في أن تكون التطعيمات شرطا لتسليم شهادة الميلاد وأن تكون عن طريق أبشر أو ما يشابهه حتى لا يتم التلاعب فيها.
11- المضي قدما في ربط اكتمال التطعيمات الصحية بإضافة المولود بسجل العائلة.
12- أن يعتبر الطفل المريض نفسياً من ضمن ذوي الاحتياجات الخاصة، ويضم للتعريف في النظام الخاص بهم، وتفسر اللائحة احتياجاته العلاجية والأسرية والتربوية المدرسية.
13- على وزارة التعليم تشجيع أو إعطاء حوافز خاصة للمبتعثين للتخصص في المجالات الصحية التي تنقصنا بشدة كالطب النفسي.
المشاركون في مناقشات هذا التقرير:
(حسب الحروف الأبجدية)
- د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير)
- م. أسامة الكردي
- أ. جمال ملائكة
- د. حمد البريثن
- د. حميد الشايجي
- د. خالد الرديعان
- د. خالد بن دهيش
- د. راشد العبد الكريم
- د. رنا المنديل
- د. رياض نجم (رئيس الهيئة الإشرافية)
- د. زياد الدريس
- م. سالم المري
- د. سعيد العمودي
- د. صدقة فاضل
- د. عبد العزيز الحرقان
- د. عبدالسلام الوايل
- أ. عبدالله الضويحي
- د. عبدالله بن صالح الحمود
- د. عبدالله بن ناصر الحمود
- د. عبير برهمين
- د. عثمان العثمان
- د. علي الطخيس
- أ. فائزة العجروش
- د. فهد العرابي الحارثي (رئيس الملتقي)
- د. فهد اليحيا
- د. فوزية البكر
- أ. محمد الدندني
- د. محمد الملحم
- د. مسفر الموسى
- د. مها المنيف
- أ. نبيل المبارك
- د. نوال الضبيبان
- د. نورة الصويان
- د. هند الخليفة
- د. وفاء الرشيد
- د. وفاء طيبة (رئيسة لجنة التقارير)
- أ. وليد الحارثي
- د. يوسف الحزيم
* النعيم، عزيزة (٢٠١٤م): “جودة الحياة لدى عينة من الشباب في مدينة الرياض”، مجلة كلية الآداب، جامعة الملك سعود، المجلد (٢٦)، العدد (2)، ص ص: ١٦٧-١٨٩.
(*) – يُنظر في ذلك: د. سعيد العمودي: التفكير الإبداعي، ورشة عمل (في): المؤتمر الدولي لتقويم التعليم بعنوان: مهارات المستقبل، تنميتها وتقويمها، في الفترة من 4 إلى 6 من ديسمبر 2018م، متاح على الرابط: https://t.co/TeKE67dJI6
(*) – المصدر: مقال د. مسفر الموسى: الممارسة الصحافية.. تقابلية النمذجة والإبداع، مجلة الخليج، العدد (110)، أكتوبر 2017م.
تحميل المرفقات: التقرير الشهري 50