نوفمبر 2019
تمهيد
يعرض هذا التقرير عددًا من الموضوعات المهمة التي تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر نوفمبر 2019 م، وناقشها نخبةٌ متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة حول القضايا التالية:
- تعثُّر وإفلاس المنشآت في المملكة العربية السعودية: مناقشة الأسباب والحلول.
- السعودية.. هل تستبدل التحالفات أم تُنوِّعها؟
- مجلس الشورى: الواقع والمأمول.
القضية الأولى
تعثُّر وإفلاس المنشآت في المملكة العربية السعودية: مناقشة الأسباب والحلول
(10/11/2019م)
- الورقة الرئيسة: د. سليمان الطفيل
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: أ. نبيل المبارك
- التعقيب الثاني: أ. فهد القاسم
- إدارة الحوار: أ. جمال ملائكة
ʘ الملخص التنفيذي:
أشار د. سليمان الطفيل في الورقة الرئيسة إلى أن الإعسار هو الحالة الوسط بين التعثُّر والإفلاس، فالتعثُّر سببُ الوقوع في الإعسار، والإفلاس نتيجة له عند تعذُّر الحلول. وقد اهتمت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها بتنظيم حالات الإفلاس التجاري بما كان يتوجب عليها مع تطوُّر الحياة التجارية التي كانت بسيطة غير معقدة كما هي عليه اليوم، وذلك عبر نظام المحكمة التجارية الصادر بالأمر الملكي رقم 32 وتاريخ 15/1/1350هـ، كما عالجت المحاكم السعودية حالات الإعسار المدني حتى إعلان نظام الإفلاس الجديد، كذلك سارعت المملكة في تطوير أنظمتها التجارية بإقرار نظام التسوية الواقية من الإفلاس، الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/16 وتاريخ 4/9/1416هـ. ومع إعلان نظام الإفلاس السعودي رقم م/50 وتاريخ 28/5/1439ه، والذي جاء لمعالجة حالات التعثُّر والإفلاس في نظام واحد؛ نجد أن هناك حالات عديدة لإفلاس المنشآت، تنوَّعت تلك الحالات في أنشطة وقطاعات مختلفة، كان لها انعكاس سلبي على أجواء وبيئة الاقتصاد، وبخاصة الأسواق الأكثر تنظيمًا، مثل أسوق المال. حيث تمَّ إيقاف وخروج عدد من الشركات المُدرَجة في سوق المال السعودي، كما أعلنت العديد من الشركات والمؤسسات الضخمة حالات إفلاسها وتصفيتها، وكذا عدد من رواد ورجال الأعمال المعروفين في العمل التجاري السعودي. حيث تجاوز عدد حالات الإفلاس على موقع لجنة الإفلاس (لجنة حكومية مستقلة) أكثر من 130 حالة ما بين شركة ومؤسسة ورواد أعمال تجاوزت رؤوس أموال بعضها المليارات من الريالات، وأبرز أنشطتها في قطاع المقاولات، كما أن هناك مئات بل آلاف القضايا في المحاكم السعودية تتعلق بالتعثُّر والإفلاس. وهذا لا يعني أن حالات الإفلاس لم تظهر إلا حديثًا أو بعد إعلان نظام الإفلاس؛ فهناك حالات عديدة لا حصر لها من التعثُّر والإعسار والإفلاس ظهرت منذ عشرات السنين الماضية، لحقت بقطاع البنوك والصناعة والتجارة والزراعة والخدمات، وبخاصة قطاع المقاولات الذي كان ومازال يتعرض لأكثر حالات الإفلاس، بدءًا بالمشاريع الحكومية ولا سيما المشاريع التعليمية والبنية التحتية والطرق. كذلك تعرضت العديد من مشاريع الإنشاءات للتوقف عن العمل، وكذا مشاريع تنموية تعرضت للتعثُّر والتعطُّل حتى يومنا هذا، لأسباب ظاهرة وغير ظاهرة؛ بعضها لأسباب تتعلق بالفساد المالي والإداري، وبعضها لأسباب تتعلق بسوء التخطيط والإدارة، وبعضها لعارض خارجي عن الإرادة.
وذكر أ. نبيل المبارك في التعقيب الأول أن حالات الإفلاس تأتي من سببين: الأول من داخل الشركات، والثاني خارجي. أما بشأن نظام الإفلاس في المملكة وإنْ كان تأخَّر كثيرًا إلا أنه الآن موجود، وهدفه ليس حماية الشركات، ولكن تنظيم عملية الإفلاس بما يحفظ الحقوق لجميع الأطراف ذات العلاقة.
وأوضح أ. فهد القاسم في التعقيب الثاني أن موضوع الإفلاس موضوع قديم متجدد؛ فقد نشأ مع بداية ممارسة التجارة في العالم، وفي الشريعة الإسلامية العديد من التطبيقات والأحكام التي تنظِّم عمليات التعثُّر والإفلاس لدى الشركات والتجار والأفراد، الجديد لدينا هنا هو نظام الإفلاس، والذي يحتاج للمزيد من التركيز والشرح والفهم ومايتبعه من توعية لجميع الأطراف ذات العلاقة بالتعثُّر والإفلاس.
وتضمَّنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
s مسببات إفلاس المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
s تأثير الرسوم على المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
s الحلول المقترحة لمواجهة تعثُّر وإفلاس المنشآت.
ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول قضية “تعثُّر وإفلاس المنشآت في المملكة العربية السعودية” ما يلي:
1- إنشاء وكالة لشؤون الإفلاس بوزارة التجارة إنْ تعذر إنشاء هيئة أو مركز.
2-إلزام جهة التعاقد الحكومية بسداد مستحقات المقاول خلال شهر من التوريد، وتقديمه مذكرة بالاستلام أو شهادة الإنجاز، ورفع المستخلص مستوفيًا مستندات الصرف، أو إعطاؤه ضمانًا قابلاً للتسييل في فترة معينة يستفيد منها في مشاريع أخرى.
3-النظر في إلغاء الرسوم عن المنشآت الصغيرة والمتوسطة لمدة خمس سنوات أسوةً بالمصانع، على أساس إعطاء مهلة معقولة لهذه المنشآت لزيادة التوطين. واسترداد المنشآت الصغيرة والمتوسطة للرسوم التي سبق أنْ قامت بسدادها للحكومة.
ʘ الورقة الرئيسة: د. سليمان الطفيل
التوطئة:
قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [سورة البقرة: آية 280]. دليل على إعطاء المدين المُعسر مهلةَ السداد عند تحسُّن أحواله وظروفه مع المحافظة على عدم تعطيل حق الدائن في مطالبته، كما أن هذه الآية وغيرها من الآيات والأحاديث والقصص التي تواترت وتواردت تثبت أن الإعسار حالة طبيعية تعترض الأشخاص والكيانات والدول لأسباب عدة، وأنها سنّة من سنن الله تعالى في خلقه أثبتها في محكم كتابه العزيز. وقد تعرضت كثير من الدول لحالات الإعسار لأسباب تتعلق بالحروب أو توفير مصادر الغذاء وحاجات المجتمعات، كما تمتد هذه الأسباب لترتبط بالإدارة والسياسات المالية والنقدية والموازنات الحكومية.
ودون الدخول في المفاهيم وتفاصيلها إلا أنه وجب التنويه على أهمية التنبيه في بداية استعراض هذه الورقة بأن الإعسار هو الحالة الوسط ما بين التعثُّر والإفلاس، فالتعثُّر سبب الوقوع في الإعسار، والإفلاس نتيجة له عند تعذُّر الحلول.
المجتمعات المدنية عبر تاريخها لم تعرف سوى الإعسار أو ضيق الحال الناتج عن الفشل بسبب إرادة داخلية أو لعارض خارجي قاهر للإرادة نفسها؛ لكن مع تطوُّر المجتمعات المدنية وخاصة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، ظهر الفكر التجاري في أوروبا لتنظيم العلاقات التجارية بين الأفراد بعضهم البعض وبين الأفراد والكيانات الأخرى، وكذلك العلاقات التجارية بين الكيانات التجارية نفسها (العلاقات التجارية الداخلية) وبين الدولة والدول الأخرى (العلاقات التجارية الخارجية). كما أن الأزمة الاقتصادية العالمية التي وقعت عام 1929م وتُعرف بالكساد العظيم جرّت وراءها حالات عديدة من التعثُّر والإفلاس للأفراد والكيانات والحكومات؛ بسبب انخفاض مستويات الدخول وعائدات الضرائب والأسعار والأرباح، حتى أثقلت على اقتصاديات الدول والمنشآت وتدهورت معيشة الأفراد، والتي ما زالت بعض آثارها النفسية على المتشائمين ممتدة حتى يومنا هذا، وقد أَتبع ذلك محاولات جادة من قبل العديد من الدول لتنظيم حالات التعثُّر والإفلاس، ووضع ضوابط ومعايير للتنبؤ بحدوثها وآليات لمعالجتها، منها: التنظيم المالي، والتسوية الوقائية، والتصفية،… إلخ
وقد اهتمت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها بتنظيم حالات الإفلاس التجاري بما كان يتوجب عليها مع تطور الحياة التجارية التي كانت بسيطة غير معقدة كما هي عليه اليوم، وذلك عبر نظام المحكمة التجارية الصادر بالأمر الملكي رقم 32 وتاريخ 15/1/1350هـ، كما عالجت المحاكم السعودية حالات الإعسار المدني حتى إعلان نظام الإفلاس الجديد، كذلك سارعت المملكة في تطوير أنظمتها التجارية بإقرار نظام التسوية الواقية من الإفلاس، الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/16 وتاريخ 4/9/1416هـ.
المشكلة:
مع إعلان نظام الإفلاس السعودي رقم م/50 وتاريخ 28/5/1439هـ، والذي جاء لمعالجة حالات التعثُّر والإفلاس في نظام واحد؛ نجد أن هناك حالات عديدة لإفلاس المنشآت، تنوعت تلك الحالات في أنشطة وقطاعات مختلفة، كان لها انعكاس سلبي على أجواء وبيئة الاقتصاد، وبخاصة الأسواق الأكثر تنظيمًا، مثل أسوق المال. حيث تم إيقاف وخروج عدد من الشركات المدرجة في سوق المال السعودي، كما أعلنت العديد من الشركات والمؤسسات الضخمة حالات إفلاسها وتصفيتها، وكذا عدد من رواد ورجال الأعمال المعروفين في العمل التجاري السعودي. حيث تجاوز عدد حالات الإفلاس على موقع لجنة الإفلاس (لجنة حكومية مستقلة) أكثر من 130 حالة ما بين شركة ومؤسسة ورواد أعمال، تجاوزت رؤوس أموال بعضها المليارات من الريالات، وأبرز أنشطتها في قطاع المقاولات، كما أن هناك مئات بل آلاف القضايا في المحاكم السعودية تتعلق بالتعثُّر والإفلاس. وهذا لا يعني أن حالات الإفلاس لم تظهر إلا حديثًا أو بعد إعلان نظام الإفلاس؛ فهناك حالات عديدة لا حصر لها من التعثُّر والإعسار والإفلاس ظهرت منذ عشرات السنين الماضية، لحقت بقطاع البنوك والصناعة والتجارة والزراعة والخدمات، وبخاصة قطاع المقاولات الذي كان وما زال يتعرض لأكثر حالات الإفلاس، بدءًا بالمشاريع الحكومية ولا سيما المشاريع التعليمية والبنية التحتية والطرق. كذلك تعرضت العديد من مشاريع الإنشاءات للتوقف عن العمل، وكذا مشاريع تنموية تعرضت للتعثُّر والتعطّل حتى يومنا هذا، لأسباب ظاهرة وغير ظاهرة؛ بعضها لأسباب تتعلق بالفساد المالي والإداري، وبعضها لأسباب تتعلق بسوء التخطيط والإدارة، وبعضها لعارض خارجي عن الإرادة.
وقد جاءت مقترحات بعض أعضاء من مجلس الشورى في اجتماعه الأخير بتأجيل تطبيق رسوم العمالة من ثلاث إلى خمس سنوات للمنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر أسوةً بقطاع الصناعة حتى تتمكن باقي القطاعات الاقتصادية من التكيُّف مع المرحلة الاقتصادية الجدية، لتؤكد أهمية النظر في القرارات التي يمكن أن تكون سببًا في حدوث أو وقوع حالات التعثُّر والإعسار والإفلاس. كما اقترح أحد الأعضاء قيام وزارة التجارة والاستثمار بدراسة الشركات التي تعرضت لحالات الإفلاس، على أن تشمل الأسباب، ووضع الضوابط اللازمة للحد من الإفلاس. الأمر الذي يدعونا كذلك للبحث والمناقشة ونحن في بدايات انطلاقة رؤية المملكة 2030م، ومع ظهور العديد من المطالبات على مستوى القطاع الخاص والقطاع غير الربحي وعلى مستوى عموم المستثمرين، بتخفيف إجراءات الإصلاح الاقتصادية وتدرُّجها؛ للتكيف مع التغيرات الحديثة في الأسواق، والتعاطي مع المرحلة الجديدة في الاقتصاد، بتأجيل تطبيق بعض الرسوم والضرائب، وغيرها من الإجراءات التي قد تكون من أسباب التدهور المالي للمنشآت.
السؤال:
هل ما ذُكِر من أسباب التعثُّر أو الإفلاس لها اعتباراتها أم أنها مرحلة طارئة تنتهي بانتهاء متطلباتها وتحقيق أهدافها؟ كما يقول بعض مفكرو الاقتصاد: الحديث بأن انطلاقة الاقتصاد إذا ما أُريد له ذلك، فإنها ستُحدث تغيرات هيكلية في جميع القطاعات الاقتصادية، وهذا سينتج عنه ظهور قطاع أو قطاعين قياديين للاقتصاد؛ في حين تبقى بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى تابعةً، وهو بلا شك سيترتب عليه حدوث اختلالات اقتصادية للقطاعات الرئيسة؛ ومن ثَمَّ تعثُّرات للعديد من الأنشطة الاقتصادية، وربما تعرضها لحالات الإفلاس.
السؤال الآخر:
ماذا عن جهات الاختصاص بتمكين ودعم المنشآت وسلامتها ومصادر التمويل بأنواعها، وعن موافقة خادم الحرمين الشريفين بإطلاق العديد من المبادرات الرامية إلى تحفيز القطاع الخاص بمبلغ 72 مليار ريال، ومنها المبادرات الخاصة بالإقراض ودعم المنشآت المتعثرة واسترداد الرسوم الحكومية وغيرها، ودور الجهات الرقابية والتنظيمية في تحسين وتحقيق سلامة بيئة الأعمال. هل هي مواكبة للتطورات والتغيرات وأحداثها أم أنها بعيدة عن الواقع؟ أين الخلل؟ هل هناك وسيلة أو وسائل للإنقاذ؟
السؤال الأخير:
هل نتوقع أن يحقِّق نظام الإفلاس السعودي الجديد تقدُّمًا في معالجة حالات التعثُّر والإعسار والإفلاس أم أن التغيرات الحالية والمستقبلية تتطلب منَّا مراجعة هذا النظام وآليات عمله، وتقديم رؤى ومعالجات أوسع لما قد ينتج من حالات قد تفوق قدرة الاقتصاد أو بعض القطاعات أو الأنشطة المهمة للاقتصاد والمجتمع؟
تساؤلات:
قبل أن نعرض أسباب الوقوع في الإفلاس ومقترحات معالجتها، نعرض عددًا من التساؤلات المهمّة المتعلقة بنظام الإفلاس السعودي وإجاباتها من موقع لجنة الإفلاس؛ لتسليط الضوء على ما هو معمول به في النظام بشكل أفضل.
ما هو نظام الإفلاس؟
نظام يهدف إلى تمكين المدين من تنظيم أوضاعه المالية ومعاودة نشاطه، مع مراعاة حقوق الدائنين والمساواة بين أصحاب الحقوق المتساوية، وتعظيم قيمة الأصول والبيع المنتظم والتوزيع العادل، والثقة في سوق الائتمان والتعاملات المالية.
هل نُفِّذ نظام الإفلاس؟
نعم، نُفِّذ النظام، وبدأ العمل به يوم الإثنين 16 ذو الحجة 1439 – 27 أغسطس 2018.
ما الحد الأدنى لقيمة الدين الذي يخوِّل الدائن الحق في طلب افتتاح أي من إجراءات التصفية؟
الحد الأدنى لقيمة الدين الذي يخول الدائن الحق في طلب افتتاح إجراء التصفية أو إجراء التصفية لصغار المدينين (50,000) خمسون ألف ريال سعودي.
ما معايير صغار المدينين؟
يعد مدينًا صغيرًا بموجب أحكام نظام الإفلاس ولائحته التنفيذية، كلُّ مدين لا يتجاوز إجمالي الديون في ذمته عند افتتاح إجراء الإفلاس مبلغ (2,000,000) مليوني ريال سعودي.
إلى ماذا تهدف إجراءات الإفلاس؟
أ. تمكين المدين المفلِس أو المتعثِّر أو الذي يُتوقَّع أن يعاني من اضطراب أوضاعه المالية من الاستفادة من إجراءات الإفلاس؛ لتنظيم أوضاعه المالية، ولمعاودة نشاطه، والإسهام في دعم الاقتصاد وتنميته.
ب. مراعاة حقوق الدائنين على نحو عادل، وضمان المعاملة العادلة لهم.
ج. تعظيم قيمة أصول التفليسة والبيع المنتظم لها، وضمان التوزيع العادل لحصيلته على الدائنين عند التصفية.
د. خفض تكلفة الإجراءات ومددها وزيادة فعاليتها؛ وبخاصة في إعادة ترتيب أوضاع المدين الصغير، أو بيع أصول التفليسة وتوزيعها على الدائنين على نحو عادل خلال مدة محددة.
ه. التصفية الإدارية للمدين الذي لا يُتوقَّع أن ينتج عن بيع أصوله حصيلة تكفي للوفاء بمصروفات إجراء التصفية أو التصفية لصغار المدينين.
متى يحقُّ للمدين التقدُّم بطلب افتتاح إجراء التسوية الوقائية؟
أ. إذا كان من المرجِّح أن يعاني من اضطرابات مالية يُخشَى معها تعثُّره.
ب. إذا كان متعثِّرًا.
ج. إذا كان مُفلِسًا.
ما الهدف من إجراء التصفية لصغار المدينين؟
يهدف إلى بيع أصول التفليسة وتوزيع حصيلته على الدائنين خلال فترة معقولة عبر إجراءات يسيرة بتكلفة منخفضة وكفاية عالية، وذلك تحت إدارة الأمين.
ما الهدف من إجراء التصفية الإدارية؟
يهدف إلى بيع أصول التفليسة التي لا يتوقع أن ينتج عن بيعها حصيلة تكفي للوفاء بمصروفات إجراء التصفية أو إجراء التصفية لصغار المدينين.
الأسباب:
لإفلاس الشركات أو المؤسسات التجارية وعدد من رواد أو رجال الأعمال مفهومان:
– أحدهما: اقتصادي، ويعني عدم القدرة على استثمار رأس المال أو تحقيق عائد مناسب على رأس المال المستثمر بما يتناسب مع المخاطر المتوقعة.
– الثاني: مـالي، ويعني عدم القدرة على تسديد الالتزامات المالية المستحقة في مواعيدها المقررة؛ بمعنى انعدام قدرة الموارد المالية المتاحة على الإيفاء بمتطلبات استمرارية العمل التجاري أو الاستثماري.
وعليه، يمكن حصر أهم الأسباب التي قد تؤدي للوقوع في التعثُّر ثم الإفلاس في المجموعات الثلاث التالية:
أ. أسباب ترتكبها الشركة أو المؤسسة أو رجل الأعمال، وتؤدي إلى الوقوع في التعثُّر، وتتنوع هذه الأسباب إلى مالية أو إدارية أو بسبب فساد مالي. فمثلاً، حين يقدِّم المفلس للحصول على قرض معلومات خاطئة بقصد أو بغير قصد، فهذه المعلومات بلا شك ستؤثر على آلية استخدام هذه الأموال فيما بعدُ، وستكون حملاً ثقيلاً لا يستطيع تجاوز مخاطره، فيتعثر حتى يقع في ويلات التصفية والإفلاس، كذلك في حالة عدم كفاءته الفنية والإدارية في استخدام القرض وتوجيهه في أنشطة تمويل غير مناسبة وطبيعة القرض؛ يترتب عليه التعثُّر والعجز عن الوفاء بالتزامه تجاه البنك.
ب.أسباب تتعلق بالجهة التمويلية وعدم كفاءتها في إدارة سجل العميل الائتماني، فتؤدي إلى تعثُّر الائتمان: وهي أسباب ناتجة عن عدم الدراسة الموضوعية للقرار الائتماني، والوقوف على المخاطر المحتملة من حيث مخاطر الإدارة، ومخاطر السوق، ومخاطر رأس المال، ومخاطر الضمانات المقدمة، فيتم صرف التسهيل دفعة واحدة أو أجزاء منه دون المراقبة والمتابعة. وقد يكون هناك أسباب تتعلق بالفساد الإداري لدى جهة التمويل ذاتها، بحيث تتواطأ مع العميل لكسب العمولات منه قدر الإمكان.
ج. أسباب خارجة عن إرادة المفلس أو المتعثر أو المعسر نفسه، وهي أسباب ربما يمكن توقُّعها؛ كأن تُعلن الدولة عن قرب صدور أنظمة أو لوائح ولا يُؤخذ بها احتياطًا أو حذرًا، أو أن تعلن الدولة فجأةً عن قرارات مهمة ذات أثر اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي، أو أن تصدر قرارات متضاربة فيما بينها بحيث تثقل على كاهل الشركات والمؤسسات وغيرها، حتى تقع حالات التعثُّر والإفلاس. وأحيانًا الظروف السياسية والأحداث الاقتصادية العالمية تؤثر بشكل أو بآخر في نفسية المستثمرين والمستهلكين، وبالتالي التأثير سلبًا في البيئة الاستثمارية، فيحدث شيء من الركود الاقتصادي ربما على مستوى الاقتصاد أو على مستوى القطاع نفسه. كذلك ما يتعلق بالتشريعات والأنظمة السياسية الموجَّهة وبخاصة التشريعات المالية كالرسوم والضرائب، وكذلك التشريعات النقدية المتعلقة بالتمويل وإصدار الصكوك والسندات وغيرها – تؤثر بشكل أو بآخر في حدوث هذه الاختلالات، وإعادة الهيكلة للعديد من الشركات والمؤسسات.
التوصيات:
1- إعادة النظر في مُسمَّى نظام الإفلاس ليصبح (نظام التعثُّر والإفلاس)؛ لأن النظام تضمَّن معالجات عديدة للتعثُّر، مع ضرورة توسيع معالجة حالات التعثُّر ضمن النظام.
2- تطوير عمل وأداء لجنة الإفلاس التابعة لوزارة التجارة والاستثمار، وتحويلها إلى جهة حكومية مستقلة ودائمة تضمُّ عدة إدارات متخصصة (إدارة التعثُّر، إدارة الإعسار، إدارة الإفلاس)، وتعالج حالات الإعسار المدني والإفلاس التجاري معًا.
3- التأكيد على مقترح أعضاء من مجلس الشورى بضرورة دراسة أسباب وقوع الشركات في حالات الإفلاس، وأثر ذلك على الاقتصاد والتنمية، وتطوير الحلول الممكنة ووضع الضوابط اللازمة للحد منها وتجنيبها الوقوع في الإفلاس قدر الإمكان.
4- ضرورة معالجة حالات التعثُّر أو الإفلاس التي تتعرض لها الشركات في نظام الإفلاس، ووضع فصل أو باب مستقل لذلك، خاصة إذا ما علمنا أن نظام الشركات السعودي لا يتضمن تلك المعالجة إلا في مواد أو فقرات متفرقة منه.
5- ضرورة تنمية الوعي الثقافي لدى قطاع الأعمال والمستثمرين بمخاطر الوقوع في التعثُّر والإفلاس، وتعريفهم بالإجراءات النظامية التي تجنِّبهم الوقوع فيها من خلال إقامة الندوات والدورات وورش العمل.
6- توحيد جهة المعالجة لحالات التعثُّر أو الإعسار أو الإفلاس، بحيث لا يكون للمحاكم دورٌ فيها، بحيث يقتصر الأمر في ذلك على لجنة الإفلاس، التي يُفترض تحويلها إلى جهة حكومية مستقلة متعددة المهام والأغراض.
7- نظرًا لمخاطر التشهير على أعمال وسمعة طالبي تدارك الوقوع في الإفلاس بالتسوية الواقية أو التنظيم المالي وخلافه؛ فيُقترح عدم نشر معلومات وبيانات المنشآت على موقع لجنة الإفلاس الإلكتروني إلا للحالات التي تتعرض للتصفية فقط إذا لزم الأمر.
8- إعادة النظر في آلية الاستفادة من المبادرات التي وافق عليها خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز ضمن تحفيز القطاع الخاص بـ 72 مليار ريال، والخاصة بدعم المنشآت المتعثرة وإقراضها وتمويلها أو إعادة الرسوم الحكومية المحصَّلة منها، بما يضمن عودة هذه المنشآت إلى المشاركة الفاعلة في الاقتصاد والتنمية، وتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030م.
9- إطلاق مبادرات نوعية لإنقاذ وتحفيز المنشآت والمستثمرين، وبخاصة مَن يعمل ضمن منظومة وتطلعات رؤية المملكة 2030م.
10-الاستفادة من التجارب والممارسات الدولية لعلاج حالات التعثُّر والإفلاس، مع تقديرنا أن في شريعتنا الإسلامية الكثير من تلك المعالجات التي تحتاج منَّا مزيدًا من البحث والدراسة لإظهارها وتقنينها.
ʘ التعقيبات:
- ·التعقيب الأول: أ. نبيل المبارك
تعقيبي ينحصر في تأسيس موضوع الإفلاس بدايةً، ثم واقع الحال في المملكة بشكل كلي وليس جزئيًّا. حالات الإفلاس تأتي من سببين: الأول من داخل الشركات، والثاني خارجي، من الظروف المحيطة بالشركات.
- السبب الأول: يكون إما لأسباب إدارية، ونعني به كفاءة الإدارة من عدمها، أو قراءات خاطئة من خلال تبني إستراتيجيات خطأ أو التوقيت الخطأ. وفي بعض الأحيان يأتي من حالات ترهُّل إداري نتيجة تبني هيكل إداري غير مناسب لطبيعة أعمال الشركة. كما أن هناك أسبابًا أخرى متعددة، ولكنها جميعها نتيجة أسباب خاصة بالشركة. والأمثلة على ذلك عالميًّا كثيرة، وكان أوضحها مثالاً ما حدث لبنك ليمان براذرز، الذي كان من أكبر المصارف في العالم لعمر يزيد عن ١٠٠ عام. وكذلك قضية شركة الطاقة إيرنون، التي تواطأت الإدارة مع المراجع الخارجي. ومع الأسف محليًّا، نعرف حالات كثيرة ولكن لا يتم نشر الأسباب الحقيقة، ولا يوجد دراسات وبحوث لتلك الحالات، ولدينا شركة المعجل، وأيضًا موبايلي، لولا تدخل الدولة. وقبل أيام فقط، تم الحكم من قبل لجنة منازعات الأوراق المالية في قضية موبايلي، ولا تزال الإجراءات فيما يخص الشق الجنائي لدى المحكمة.
- السبب الثاني الخارجي: هو إما أن يكون اقتصاديًّا، نتيجة ظروف غير مواتية كما حدث لدينا في آخر أربع سنوات، نتيجة التغيُّر في أسعار النفط والتحولات في الاقتصاد استعدادًا لرؤية المملكة ٢٠٣٠، ولا نزال نرى العديد من القطاعات تعاني نتيجة عدم قدرة الشركات على التأقلم مع التغييرات الكثيرة من قِبل الجهات التنظيمية والتشريعية، أو نتيجة لتغيير نموذج العمل بفعل التطوُّرات التقنية المتلاحقة، وأوضح مثال ما حدث لشركة نوكيا نتيجة إصدار أبل جهاز الآيفون قبل نحو عشر سنوات، وكلنا نتذكر دموع الرئيس التنفيذي في المؤتمر الصحفي، عندما قال: لم نرتكب شيئًا خطأ. أو نتيجة نموذج الاقتصاد التشاركي الذي أربك وما زال يربك العديد من القطاعات حول العالم. وفي تصوُّري أن أهم أسباب إفلاس الشركات لدينا، هو مستوى الكفاءات الإدارية أو عدم رغبة المُلَّاك في الاستثمار في توظيف الكفاءات الإدارية رغم وجودها، ظنًّا منهم أنه استثمار مُكلِّف، ويمكن الحصول على نفس النتيجة باستثمار أقل.
وفي الختام، نظام الإفلاس في المملكة وإنْ كان تأخَّر كثيرًا إلا أنه الآن موجود، وهدفه ليس حماية الشركات، ولكن تنظيم عملية الإفلاس بما يحفظ الحقوقَ لجميع الأطراف ذات العلاقة.
- ·التعقيب الثاني: أ. فهد القاسم
موضوع الإفلاس موضوع قديم متجدد، فقد نشأ مع بداية ممارسة التجارة في العالم، وفي الشريعة الإسلامية العديد من التطبيقات والأحكام التي تُنظِّم عمليات التعثُّر والإفلاس لدى الشركات والتجار والأفراد، الجديد لدينا هنا -وهو ما أظنُّه محلَّ البحث الرئيس- هو نظام الإفلاس، والذي أعتقد أنه يحتاج للمزيد من التركيز والشرح والفهم، وما يتبعه من توعية لجميع الأطراف ذات العلاقة بالتعثُّر والإفلاس. وإنْ كان قياس التجربة في هذه المدة القصيرة قد لا يعطي النتائج المرجوة، علمًا بأن غياب نظام الإفلاس وتطبيقاته أثَّر سلبًا على ترتيب المملكة في مؤشر تسوية حالات الإفلاس حيث كان ترتيبنا الأخير برقم ١٦٨ وفقًا لتقرير ممارسة الأعمال لعام ٢٠١٧، الصادر عن البنك الدولي.
في رأيي أن من الأمور المهمة في هذا الموضوع، والتي تجاوزتها الورقة الرئيسة ما يلي:
1- تسمية الجهة المرجعية للإفلاس بـ “لجنة الإفلاس”، ومُسمَّى “لجنة “فيه نظر، حيث ارتبطت اللجان بسمات معينة في الغالب سلبية، ولكن أهمها أن أغلب اللجان مؤقتة، وكان من الأولى اختيار مسمى آخر مثل “مركز” أو “هيئة”.
2- دور المؤسسات الحكومية في إفلاس العديد من المنشآت العاملة في القطاع الخاص نتيجة تأخير مستحقاتها، والذي حصل في أكثر من حقبة. وذلك بأن مستحقات المنشأة تستحق السداد والجهة الحكومية لا تلتزم بالسداد في الموعد
المتفق عليه، والبنك يطالب المنشأة بسداد قروضها والمصاريف الداخلية، ومورِّدو المنشأة يطالبون بسداد مستحقاتهم أيضًا، فتكثُر الظباء على خراش؛ فينشأ التعثُّر الذي يتحول في غضون فترة وجيزة إلى شلل وإفلاس للمنشأة. وأعتقد أن هذا من أهم الأمور التي تحتاج إلى معالجة، وهو تأخير السداد وما يترتب عليه.
3- طرحت الورقة ثلاثة أسئلة محورية، ولكن لم تضع إجابات لها، وحتى لو كانت افتراضية أو استنتاجية من الكاتب الكريم، وكنت أودُّ لو وضعها للاستفادة منها.
ختامًا، أقترحُ أن تُضاف ثلاث توصيات للتوصيات المطروحة من الكاتب لاختيار أهمها؛ الأولى تتعلق بمسمى لجنة الإفلاس، والثانية تتعلق بدور المؤسسات الحكومية في إفلاس المنشآت، والثالثة تتعلق بمراجعة نظام الإفلاس ولائحته التنفيذية بعد ثلاث سنوات من بدء التطبيق لتصحيح وتقويم ما يجب تعديله بعد التطبيق والتجربة والممارسة الفعلية له.
ʘ المداخلات حول القضية:
ʘ مسببات إفلاس المنشآت الصغيرة والمتوسطة:
أشار د. عبد العزيز الحرقان إلى أسباب إفلاس المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالإحالة إلى دراسة له نُشِرت نتائجها في صحيفة الرياض (*)، حيث أوضحت أن المؤسسات تفشل لعدة أسباب قد تبدو للوهلة الأولى أنها بديهيات ومعروفة لكثيرين، ولكن متابعة النشوء وتطوُّر المؤسسات الصغيرة الناشئة على مدى من الزمن أظهر وجود أسباب لم تكن في الحسبان، إذ كشفت دراسة عن أسباب فشل المؤسسات الصغيرة في المملكة شملت أكثر من 400 مؤسسة ناشئة وصغيرة ومتوسطة، واستمرت لمدة أربع سنوات؛ أن ثمة أسبابًا كثيرة لا تتعلق بالتمويل فقط كما يعتقد كثيرون. وتأتي مشكلات التشغيل وعدم تحقيق مبيعات وعدم التفرُّغ للعمل على رأس قائمة المشكلات بنسبة 35%، ثم تأتي أسباب عدم انضباط العمالة، واكتشاف أن تكلفة التشغيل أكثر من المتوقع، وخلط بعض مُلَّاك المشروعات الصغيرة بين نفقاته الشخصية ومصروفات تشغيل المشروع، وعدم القدرة على تمويل أنشطتها. ويعتقد مُؤسِّسو المنشآت الصغيرة أن عامل النجاح الأول هو التمويل، في حين أن الواقع يشير إلى الحاجة للمعرفة التجارية؛ لذلك فإن تأسيس الهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة سيحقق الأمل في توحيد جهود دعم المؤسسات الصغيرة في سبيل أن يتحقق لنا اقتصاد حيوي متجدد.
وتوجد عدة تعريفات لفشل المؤسسات، ولعل أفضل تعريف يتناسب مع حال المؤسسات السعودية هو عدم قدرتها على الاستمرار في تسويق وبيع خدماتها ومنتجاتها، وبالتالي عدم القدرة على تغطية تكاليف تشغيلها، واضطرار المؤسِّس إلى وقف العمل في المشروع.
يبدأ مُؤسِّس المشروع الصغير حينما يتأكد أن عوامل النجاح متحققة لديه، وأنه قادر على قيادة مسيرة مشروعه إلى تحقيق الهدف الأساسي من إنشائه، وقد يكون تحقيق دخل مالي جيد، أو استغلال مورد تجاري متوافر لديه، أو استثمار قدراته فيما ينفع نفسه وغيره.
وقد وجدت الدراسة عددًا من المعوقات التي تؤدي إلى فشل المؤسسة الناشئة خلال السنوات الثلاث الأولى من تأسيسها، وتنقسم المشكلات إلى عدة أنواع رئيسة:
- علمية وتقنية: أبرز أمثلة هذا النوع ما واجهته سيدة أعمال أثناء تصنيع الحلويات، فبعدما تنتهي من عملها وتضعها في مخزن مبرد، لاحظت أن لون بعض القطع يتغير، فتضطر أن تستبعد هذه القطع من البيع؛ ما رفع من قيمة أسعارها، وزادت المشكلة حينما بيعت بعض هذه القطع بالخطأ، وبدأ بعض العملاء يكتشفونها ضمن ما يشترونه؛ ما أثَّر في سمعة المحل، واضطرار السيدة إلى إقفال المشروع في سنته الأولى. هذه السيدة كانت تحتاج إلى استشارات في تصنيع الأغذية وحفظها، ولكن بغياب مثل هذه الخدمات لم تستطع حل مشكلتها.
- مشكلات إدارية: مجموعة القرارات التي يتخذها مُؤسِّس المشروع تُشكِّل في مجملها مجموعة القوانين والأنظمة الإدارية التي تحكم العمل. توثيق هذه القرارات وتحسينها ترفع من كفاءة العمل، وقد تعيق سير عمل المشروع الصغير إذا وُضعت بشكل غير سليم، خصوصًا أن معظم مؤسسي المشروعات الصغيرة ليس لديهم خبرة إدارية، وغير قادرين على توثيق منهج العمل في المؤسسة وتنقيحه بشكل مستمر يضمن سير العمل بشكل سليم ومنخفض التكلفة.
- عدم القدرة على قياس تكلفة المنتج أو الخدمة وبالتالي تحديد سعرها بناء على تكلفتها: ويعتمد التسعير لدى هؤلاء على تقدير قدرة المستهلك على الدفع، وقد يكون ذلك السعر غير مربح أو أقل من التكلفة، ولا يكتشف المُؤسِّس ذلك إلا في وقت متأخر، وحينما يريد تصحيحه تظهر مشكلات تسويقية ومالية غير متوقعة، إضافةً إلى عدم رضا المستهلكين.
- عدم تحقيق مبيعات: من المدهش أن نرى أن بعض المشروعات الصغيرة الناشئة بالرغم من عدم قدرتها على تحقيق دخل مالي خلال الفترة الأولى من تأسيس المشروع؛ فإن المُؤسِّس يستمر في التشغيل والاستثمار، من خلال استهلاك رأس المال أو الموارد المالية الشخصية. ويرجع سبب عدم تحقيق المبيعات إلى عدم دراسة السوق بشكل كافٍ، والتعرف إلى القطاع المستهدف قبل البداية في المشروع، وكيفية الاستجابة لمتطلبات واحتياجات العملاء من خلال خدمات ومنتجات مناسبة.
- عدم التفرغ للعمل: لعل هذا أحد أبرز العقبات التي تتطلب قرارًا حاسمًا من المستثمر الناشئ، والتفرغ للمشروع يعني الاستقالة من العمل الحكومي الذي يحقق له ولأسرته دخلاً آمنًا مستمرًا. معظم مَن تمَّ سؤالهم يعرفون أن سبب فشل مشروعهم هو عدم القدرة على القيام بأعمال حيوية وأساسية؛ بسبب ارتباطهم بأعمالهم الحكومية. ومن أمثلة ذلك، كثير من موظفي الحكومة يبدأ مشروعه الصغير مُسجَّلًا باسم أحد أبنائه أو أفراد العائلة، وعندما يكبر المشروع، تتطلب بعض المؤسسات التجارية والمالية والإدارات الحكومية التفاعل مع مُؤسِّس المشروع واتخاذ قرارات بشأن أعماله، ولا يستطيع المالك الحقيقي ذلك؛ ما يؤدي إلى خسارة فرص تجارية، أو عقود تمويل، وتعاملات تجارية مختلفة.. ويُشكِّل ذلك عقبة كؤود، إذ إن المالك الوهمي ليس على استعداد لتولي مهام إدارة العمل نيابة عن المالك الحقيقي، خصوصًا أن هدف وضع الملكية المزدوج من المفترض أن يكون مؤقتًا حتى تتأكد جدية المشروع.
- عدم انضباط العمالة: حيث يُعَدُّ من المشكلات التي تظهر في المشروعات التقليدية المعتمدة على الأيدي العاملة، عدم انضباط حضورهم للعمل أو تنفيذ أوامر مدير المشروع؛ ما يُؤثِّر في عمليات الإنتاج والمبيعات. ويقول أحد المُؤسِّسين: إن طول مدة الإجراءات الحكومية للتخلص من العامل واستقدام عامل بدلاً منه، يُعَدُّ أيضًا من العوامل المعيقة لمرونة العمل في المشروع؛ حيث يعطي ذلك هامشًا من الشعور بالأمان للعامل، وعدم الانصياع لأوامره المتعلقة بالعمل وتنفيذها بحرص، ويمنح العامل القدرة على تحدي المُؤسِّس رغبةً في الحصول على مزايا وظيفية أفضل أو الانتقال لمؤسسة منافسة أخرى بناءً على معرفة العامل حاجة صاحب العمل له، وصعوبة استبداله، لأسباب ليست متعلقة ببيئة العمل.
- تكلفة التشغيل أكثر من المتوقع تظهر كعقبة ليس لها حل أمام بعض المؤسسات الصغيرة. تكلفة التشغيل تؤثر في أسعار المنتجات والخدمات التي يقدِّمها المشروع؛ ما يؤثر في القدرة على المنافسة، وجذب العملاء. هذه المشكلة أيضًا قصور من المؤسس في عدم دراسة تكاليف تشغيل المشروع قبل تأسيسه، والاعتماد على افتراضات وتقديرات غير دقيقة أو صحيحة؛ فمثلاً، في أحد المشروعات الصغيرة اكتشف مدير المشروع ضرورة ترك أجهزة التبريد عاملةً طوال الليل، وهو ما أدى في النهاية إلى تغيير سعة عداد الكهرباء، مما رفع تكلفة التشغيل، لدرجة أن استمرار المشروع لم يكن مجديًا اقتصاديًّا.
- خلط بعض مُلَّاك المشروعات الصغيرة بين نفقاته الشخصية ومصروفات تشغيل المشروع، وأسوأ مظاهر الخلط في النفقات هو استخدام موارد المشروع مثل العمالة، والسيارات، ومستودعات التخزين في تنفيذ أعماله الشخصية؛ ما يُوسِّع مجال الاستفادة من موارد المشروع خارج نطاق عمله، وعدم القدرة على وضع أرقام محاسبية دقيقة، إضافةً إلى إيداع العائد المالي من المؤسسة في حساباته الشخصية، سواء كل العائد وبشكل مستمر أو حسب الحاجة من دون أن يكون هناك توثيق شامل ودقيق للمصروفات.
- فشلت بعض المؤسسات بسبب عدم القدرة على تمويل أنشطتها، ولكن كان السبب الحقيقي هو أحد الأسباب أعلاه، وكان الهدف من الحصول على التمويل هو تصحيح خطأ أكثر من كونه قرارًا بُني على مرحلة تطور المشروع. المؤسسات التي احتاجت للتمويل بهدف تطوير المشروع اصطدمت ببيروقراطية الحصول على التمويل عند الحاجة، خصوصًا أن بعضهم لم يضع احتمال الحاجة للتمويل في خطة عمله؛ وبالتالي لم تتوافر لديه الوثائق اللازمة. كما أن إجراءات الحصول على القروض أو التمويل لا تتوافق مع قدرات بعض مُؤسِّسي المشروع، أو يضطر للاقتراض بفوائد عالية جدًّا، وباشتراطات تسديد لا تتناسب مع التدفُّق النقدي من مشروعه. لذلك لم تتجاوز نسبة مَن حصل على تمويل من مؤسسة مالية على 18% من إجمالي المؤسسات محل الدراسة.
من جانبه يرى م. إبراهيم ناظر أن من الطبيعي جدًّا في إعادة الهيكلة للاقتصاد الوطني أن يكون هناك ضحايا ولا سيما المنشآت الحديثة بالسوق، ولكن أن يحصل التعثُّر والإفلاس بشكل كبير وبسبب قرارات حكومية؛ فهذا أمر غير طبيعي. وضرب مثالًا بالعودة إلى بداية ٢٠١٦، حيث اجتمع وزير التجارة وقتها توفيق الربيعة مع رئيس مجلس الغرف صالح كامل وجَمْع كبير من رجال الأعمال، حيث توقفت الجهات الحكومية آنذاك عن تسديد المستحقات للمقاولين والتي كانت تقارب ١٨٠ مليار ريال. وقد خاطَب صالح كامل وزير التجارة قائلًا: إن هناك أكثر من أربعين ألف مؤسسة ومنشأة على وشك الإفلاس بسبب عدم حصولها على مستحقاتها.
واتفق أ. جمال ملائكة مع القول بأن تأخُّر صرف مستحقات المقاولين وأصحاب المشاريع يُعتبر من السمات السلبية في السعودية. ووجه الاستغراب هو مرور كل هذه السنوات منذ الثمانينيات دون حلول حتى أصبح هذا الأمر معتادًا، وهو ليس فقط يؤدي إلى الإفلاس والتعثُّر، بل الأسوأ هو إحجام رجال الأعمال عن الاستثمار وتعثُّر المشاريع نفسها. ألم تستطع الدولة أن تصل إلى آلية تستطيع من خلالها الاقتراض من البنوك لسداد المستحقات في وقتها، وتُسدِّد الفائدة للبنوك؟ ألم تصدر سندات بعشرات المليارات للبنوك لأغراضٍ أخرى مؤخرًا؟
وبدوره أكَّد م. إبراهيم ناظر أن التعثُّر والإفلاس كان كبيرًا خلال السنوات القليلة الماضية في جميع الأنشطة الاقتصادية؛ بسبب تلقي الاقتصاد ضربات موجعة من تأخير صرف المستحقات والتقشف في الصرف علي المشاريع الحكومية الجديدة ما عدا مشاريع الصيانة والتشغيل؛ مما أدى إلى نقص السيولة وشحها في الأسواق (في اقتصادنا الحكومة أكبر زبون)؛ ففي القطاع الصناعي مثلًا حوالي ١٣٥٠ مصنعًا أفلس حسب إحصائية لجنة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية بغرفة الرياض؛ وفي نشاط التعدين حدِّث ولا حرج، حيث حلَّت السوق السوداء محل المناجم والمحاجر المرخَّصة بسبب توقيف الرخص الجديدة لحوالي أربع سنوات، ووقف تصدير الرخام الخام والرمل؛ وقطاع الاستشارات يعاني بسبب المنافسة الأجنبية والمنافسة غير العادلة من الجهات والشركات الحكومية، وعدم وجود البنية التشريعية اللازمة لتنظيم السوق والممكنات الحكومية علمًا أن الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت) تعمل جاهدةً للأخذ بيد القطاع الاستشاري ودعمه. الأسباب متعددة، ولكن فرض الرسوم ورفع أسعار الطاقة والمياه وشح الائتمان والمنافسة الأجنبية والتستر كان لها دور رئيس في التعثُّر والإفلاس، وكذلك بعض الأنظمة الحكومية المعيقة، مثل نظام المنافسات والمشتريات الحكومية القديم، وعدم وجود إستراتيجيات واضحة ومحدَّدة للصناعة وهي عصب الاقتصاد الوطني.
وعقَّب د. سليمان الطفيل بأن هناك فجوة كبيرة في التواصل ما بين القطاع العام والقطاع الخاص أو بين أصحاب القرار وأصحاب المنشآت، يجب تضييقها وسدُّها بأفضل الوسائل والطرق الابتكارية الممكنة.
ويرى د. رياض نجم أنه يتضح من الورقة الرئيسة والتعقيبين عليها أن هناك سببين رئيسينِ لإفلاس الشركات في المملكة:
1- تأخُّر الحكومة في صرف مستحقات المقاولين، وهي بهذا تفرض على المقاولين تمويل جزء من قيمة المشاريع مجانًا ولمدد غير معلومة مسبقًا. وهذه الإشكالية يمكن حلها بما يلي:
– التزام الدفع في المدة التعاقدية.
– تحديد غرامة تأخير في الدفع، مثل ما تفرضه من غرامة تأخير في التنفيذ على المقاول.
– إذا كان هناك توقُّع بتأخير الدفع لأجزاء من المشروع، فيُحدَّد ذلك في شروط التعاقد مع تحديد المدة، وبالتالي يتمكن المقاول من عمل حساباته عند تقديم عرضه.
2- الرسوم والضرائب التي تُفرض على منشآت القطاع الخاص بشكل سريع وغير متدرج؛ مما لا يمكِّن المقاول من حساب أثرها على أعماله القائمة والمستقبلية. ولتخفيف أثر هذه الرسوم والضرائب، لا بد من تطبيقها على مدى زمني أطول، وإعادة النظر في تلك التي تؤدي إلى انكماش العمل في مؤسسات القطاع الخاص أو إفلاسها.
ومع إفلاس جزء لا يُستهان به من منشآت القطاع الخاص، من الطبيعي أن نشهد ارتفاعًا في نسبة البطالة ونموًّا سلبيًّا للاقتصاد العام الماضي ونموًّا خجولاً هذا العام!
وعلى وجه التحديد، يرى أ. محمد الدندني أن أسباب تعثُّر وإفلاس المنشآت في المملكة العربية السعودية، تتمثل فيما يلي:
1- ضعف رأس المال البشري في القطاع الخاص، قيادات وعاملين.
2- الاتكاء على مشاريع الدولة، وعدم وجود جرأة لدى الشركات السعودية في الخروج إلى محيطها الإقليمي والدولي، وخلق أسواق جديدة.
3- تشبُّع السوق بالعمل التقليدي، ففي كل منزل سجل تجاري أو أكثر.
4- ضعف الحوكمة في كل المستويات، شركات كبرى، متوسطة وصغيرة. من الأمثلة، التصرف في الأموال وكأنها أرباح، وفي غالبها هي موارد لتشغيل المشروع والربح نسبة منه.
5- نادرًا ما نجد أن الشركة تُعامَل كمؤسسة مالية أو institution، بل نجدهم يتعاملون وكأنها مورد مالي فقط، ولا نظرة للاستدامة والإيمان بأنها مؤسسة لها دور اجتماعي بجانب الدور المالي في التوظيف والتدريب… إلخ.
6- التستُّر بإعطاء السجل للأجنبي مقابل دخل ثابت؛ وبهذا فقد حرم المواطن نفسَه وأبناءَه وأيضًا مواطنين ومواطنات من التعلُّم وفرص العمل.
7- مع وجود القوانين لتفعيل المحتوى المحلي بشريًّا وماديًّا إلا أن تطبيقه ليس بالدرجة المطلوبة التي تحتمها المرحلة.
وفي رأي م. خالد العثمان، فإن نظام الإفلاس أتى لرفع مخاطر التعثُّر عن أصحاب الأعمال لتمكينهم من تسوية وتصحيح أوضاعهم، ومن ثَمَّ العودة إلى السوق.. لكن النظام تجاوز حقوق العاملين والمدينين، ولم يضع آلية لتعويضهم.. نموذج سعودي أوجيه ماثل للعيان، وهناك حالات أخرى أقل فداحةً لم يتعامل معها النظام كما يجب.
أما م. أسامة كردي فذكر أن الشركات والمؤسسات السعودية تواجه مجموعة من المعوقات التي يمكن التعامل معها بطريقة سهلة نسبيًّا، ومنها:
1- الارتفاع غير الطبيعي في تكاليف أداء الأعمال، مثل الضرائب والرسوم والمخالفات، وقد ارتفعت جميعها ارتفاعًا غيرَ طبيعي.
2- المنافسة غير العادلة من الشركات الحكومية التي لا ينطبق عليها العديد من الأنظمة التي تُطبَّق على المؤسسات والشركات الخاصة.
3- قيام الدوائر الحكومية بتنفيذ الكثير من أعمالها بقدراتها الذاتية بدون الاستعانة بالشركات والمؤسسات الخاصة؛ مما يرفع التكاليف، ويُخفض نوعية العمل.
4- المنافسة مع الشركات الأجنبية غير المُسجَّلة في المملكة مع تعاقد العديد من الجهات الحكومية معها.
5- تأخُّر الدفعات الحكومية مع عدم التعويض عن هذا التأخير.
6- الإغلاق شبه التام لبعض القطاعات أمام الشركات الخاصة، مثل الرياضة والترفيه والثقافة، وقد لحق ذلك إنشاء صندوق حكومي للاستثمار في هذه القطاعات.
كل هذه أسباب تؤدي إلى تعثُّر بل وإفلاس الشركات والمؤسسات الوطنية.
وأوجز د. سليمان الطفيل خلاصة استطلاع آراء مجموعة كبيرة من أصحاب المنشآت حول أسباب تعثُّر وإفلاس المنشآت بالمملكة من ثلاث مجموعات واتسابية يزيد عددهم عن ٧٠٠ شخص، بعضهم ربما يملك أو مساهم في ١٠ منشآت وأكثر، وتمثلت أبرز الأسباب من وجهة نظرهم فيما يلي:
1- تأخُّر الصرف من وزارة المالية.
2- تأخُّر الصرف والمماطلة من فائض بعض الوزارات.
3- وجود بعض الغرف التجارية تحوَّلت إلى غرف تجارية شخصية لرئيسها. ولا تُحسِّن بيئة الاستثمار ولا تجذب مستثمرين، بل تُنفِّرهم.
4- مشكلة الأنظمة المستوردة يؤخذ جزء منها، في حين يُهمل الجزء الأهم.
5- زيادات الرسوم الحكومية لنسب مبالغة جدًّا.
6- عدم دعم التوجُّه من البداية لأصحاب الأعمال وأصحاب الخبرة، والأخذ بآرائهم.
7- عدم تفعيل الأنظمة التجارية الخاصة بنظام المنافسة.
8- عدم تعاون المنشآت الحكومية بكافة اختصاصاتها مع القطاع الخاص وكأنه خِصم وليس شريكًا.
9- تفعيل أدوار الغرباء ومنظماتهم، وعدم أخذ المفيد بل العكس، وإذا أُلزِموا منحوا المفيد كمكرمة.
10- عدم تعويض المشاريع الأهلية عن العجز بسبب الرسوم المفاجئة من جهة مختصة تحرص عليهم، وما يُعوَّض فقط المشاريع الحكومية، وبعد تأخر ملحوظ؛ بينما المفترض أن تكون محسوبة سابقًا وتُعوَّض بدون معاملات.
11- تغير إدارة الشركات.
12- الاختلاف بين الشركاء.
13- تضارُب القرارات الحكومية وعدم التنسيق فيما بينها.
14- تسابُق الجهات الحكومية في فرض وتحصيل الرسوم.
15- إيقاف خدمات أصحاب الأعمال دون إعطاء مهلة كافية للسداد أو تقديم خيارات للحلول.
16- عدم التنسيق التقني الجيد بين وزارة العدل ووزارة التجارة والاستثمار، نتَج عنه عدم الفصل بين الذمة المالية للمنشأة والذمة المالية للمدير بصفته الشخصية.
17- عدم تفعيل نظام الرهن التجاري إلى هذا الوقت؛ مما عطَّل كثيرًا من استفادة المنشآت من رهن أصولها التجارية، وخفَّف من الأعباء التمويلية الأخرى ومطالبها.
18- عدم تفعيل صكوك أو سندات التوريق العقاري كأحد الحلول التمويلية الداعمة للاقتصاد والمنشآت.
19- السعودة الوهمية والتستُّر حمَّلتا المنشآت النظامية ما لم تحتمل من التقييد والرسوم التي لا طائل منها.
20- عقود التشغيل والصيانة تحتاج إلى الكثير من المراجعة والتدقيق، وبخاصة معالجة بنود الجزاءات غير العادلة.
وأشار د. علي الطخيس إلى أنه ثمة أسباب قد تسهم بطرق مباشرة أو غير مباشرة للوصول إلى مرحلة الإفلاس، منها:
1- اعتماد نظام المشتريات الحكومية (نظام المنافسات) على ترسية أي منافسة على أقل العروض المقدَّمة دون النظر في أفضل العروض من الناحية الفنية.
2- اللجوء إلى توقيع عقود كثيرة بعقود أخرى من الباطن مع مقاولين أقل خبرة فنية وإدارية. حيث يترتب على ذلك حصول المقاول الرئيس على نصيبه من المكسب المادي من المشروع، وتدهور المقاول الجديد وعجزه عن الوفاء بالتزاماته التعاقدية؛ وبالتالي سيكون مصيره الإفلاس.
3- إعادة تصنيف المقاولين أمر في غاية الأهمية، حيث إنَّ الحصول على سجل تجاري مع خبرة متواضعة في مجال التصنيف لا يعتبر كافيًا لدخول المنافسات.
4- عدم وجود ميثاق عمل يلتزم به المقاولون، والحاجة إلى إيجاده، بما في ذلك تكثيف برامج المراقبة والمتابعة الميدانية عند تنفيذ المشاريع.
وفي السياق ذاته، ذهب د. مساعد المحيا إلى أن المقلق هو أن هناك أسبابًا إداريةً وتنظيمية طرأت على السوق، وجعلت الكثير يتعرض للخسارة بما فيها المؤسسات الكبيرة، ثم الإفلاس نتيجة قرارات جديدة لم يضعها المستثمر ضمن دائرة دراسة جدواه، منها مثلاً: أن البعض تعرَّض للخسارة نتيجة أعمال مشروعات ضخمة كقطار الرياض، حيث تمت محاصرة أماكن كثيرة ولمدة طويلة، وهو ما جعل كثيرًا من المستثمرين في تلك المواقع يواجهون خسائر مؤلمة مع العلم أن هؤلاء يُفترض أن تكون الجهات المسؤولة معهم؛ للتخفيف عنهم، وإصدار قرارات تقلل من خسارتهم، مثل إلزام المؤجرين بعدم مطالبة المستثمرين بالإيجار لمدة كافية ومناسبة. أيضًا، وفي أحيان عديدة، يرى أصحاب المؤسسات الصغيرة أن ما يحصلون عليه من دعم مادي أو لوجستي قليل أو منعدم مقارنة بما تحصل عليه المؤسسات الكبيرة؛ الأمر الذي ينتج عنه إفلاس كثير من المؤسسات الصغيرة. كذلك، فإن عددًا من الشركات تتطلع إلى أن تُمنح امتيازات أو إعفاءات كي تحقق نجاحات واسعة. وكمثال، فإن شركة مثل أرامكو السعودية، وهي شركة عملاقة وتمثِّل المصدر الأهم لدخل المملكة، تمَّ إعفاؤها من الالتزام بعدد من الجوانب بُغيةَ تحقيق نجاحات لموضوع الاكتتاب. ويُلاحظ أنها حصلت على عدة إعفاءات من بعض المتطلبات النظامية ذات الصلة، وفقًا لما تقدَّمت الشركة به من مبررات، وتتضمن ما يلي:
– إعفاء من الإفصاح عن نوع وإجمالي قيمة الطرح، وعدد الأسهم المطروحة للاكتتاب، ونسبة الأسهم المطروحة من رأس مال الشركة في نشرة إصدار الشركة.
– الإعفاء من تقديم تقرير العناية المهنية القانونية اللازمة إلى الهيئة.
– الإعفاء من تعليمات بناء سجل الأوامر.
– الإعفاء من الالتزام بالقيد الوارد بشأن مدة نشر النشرة وإتاحتها للجمهور.
– الإعفاء من الالتزام بتعريف طرف ذي علاقة الوارد في قواعد طرح الأوراق المالية.
– الإعفاء من الالتزام بإرفاق القوائم المالية المراجعة.
– السماح للمساهم الكبير (أي المساهم البائع) بالتصرف في أسهمه خلال فترة الحظر.
ʘ تأثير الرسوم على المنشآت الصغيرة والمتوسطة:
تساءل أ. جمال ملائكة: هل لم تتنبه الدولة لتأثير الرسوم على المنشآت الصغيرة والمتوسطة ” ابتداءً ” ومن ثَمَّ ما حدث من إفلاس وخروج عدد كبير من هذه المنشآت، وهي التي يُعوَّل عليها لأي اقتصاد؟ وسواءً وضعت هذا في الحُسبان أم لا، فلماذا “تُركت” هذه المنشآت تعاني حتى وصلت إلى الإفلاس أو الاقتراب منه؟
وفي هذا الإطار، أوضح د. سليمان الطفيل أن الرسوم على المنشآت كانت بلا شك هي أحد الأسباب التي أثقلت كاهل المنشآت، وقد أدركت الدولة أثر هذه الرسوم السلبي على الأنشطة الاقتصادية، فخصصت لها ضمن مجموعة مبادرات تُعنى بتحفيز القطاع الخاص مبلغ سبعة مليارات ريال، وهي مبادرة استرداد الرسوم الحكومية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، كما أطلقت مبادرات أخرى مثل: الإقراض غير المباشر بمليار وخمسمائة مليون، ومبادرة دعم الشركات المتعثرة برأس مال مليار وستمائة مليون ريال، وغيرها من المبادرات الهادفة لمعالجة الصدمات التي تعرَّضت لها الشركات المتعثرة جراء التغييرات والتحديات الاقتصادية الجديدة؛ لكن الواقع يشهد ضعف أثر هذه المبادرات في معالجة الانهيارات لعدد كبير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى درجة وقوعها في الإفلاس جبرًا لا اختيارًا.. ويعود ضعف أثر المبادرات لعدة أسباب، أهمها:
– عدم وجود الخبرات العالية لاحتواء مثل هذه التعثُّرات.
– عدم وجود معايير وضوابط واضحة لآليات المعالجة.
– عدم التنسيق الجيد بين الجهات المسؤولة عن هذه المبادرات والمتأثرين من أصحاب المنشآت.
– ضعف المبالغ المُخصَّصة لمواجهة حجم التعثُّر.
ومن جديد تساءل أ. جمال ملائكة: كيف السبيل للخروج بمعادلة: دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة وعدم الضغط عليها مما يؤدي إلى إفلاسها، ورغبة الدولة في توطين الوظائف وما له من أهمية اقتصادية واجتماعية وأمنية؟ وبدوره أشار د. سليمان الطفيل إلى أن المعادلة الاقتصادية عمل عليها رواد الاقتصاد أمثال آدم سميث ومالتس وماركس في أعقاب أحداث اقتصادية مختلفة. لقد أوضح روستو أن مرحلة الانطلاق الاقتصادي لأي دولة سينتج عنها اختلالات هيكلية في الاقتصاد يتبعها اختلالات في القطاعات والأنشطة الاقتصادية، حركة موج تستمر حتى تستقر، وهذا ما حدث لدينا فعلاً.. إطلاق الرؤية 2030 بكل حزم وعزم نتج عنها حدوث اختلالات اقتصادية عديدة ومنافسة بين القطاعات كما نشهده اليوم من ظهور قطاع الترفيه بقوة، والقطاع الصناعي الذي حظي بالإعفاء، وهكذا باقي القطاعات والأنشطة منها ما يتقدم ويتسع كقطاع التقنية والذكاء الاصطناعي، ومنها ما يحتبس وتصغر دائرته كالقطاع الزراعي والعقاري وقطاع تجارة التجزئة، ومنها ما لم يتحرك بعدُ كالقطاع الخدمي التعليمي والصحي. المعادلة الاقتصادية لتحقيق التوازن بين أقدام الدولة والمحافظة على المنشآت تستلزم بلا شك أولاً وقبل كل شيء ضوابط ومعايير وحزمةً مسبقة من المحفِّزات التي تأخَّر تطبيقها.
ʘ الحلول المقترحة لمواجهة تعثُّر وإفلاس المنشآت:
ركَّزت أ. بسمة التويجري على بعض الحلول التي قد تسهم في إقالة عثرة بعض المنشآت العاملة في القطاع الصناعي. ففي تصوُّرها، فإنه مهما كانت الأسباب التي أدت إلى تعثُّر أو إفلاس بعض المنشآت في الاقتصاد السعودي، فإن إيجاد الحلول لا يقلُّ أهميةً عن مناقشة تلك الأسباب، سواء كانت من داخل المنشأة نفسها أو نتيجة عوامل وظروف خارجية فُرِضت عليها. ومن أبرز الحلول المقترحة في هذا الشأن:
1- توفير الحماية للصناعة الوطنية في مواجهة المنتجات الأجنبية، خاصة وأن المنتجات الوطنية لا تمتلك مقدار الخبرة والسيطرة على المصروفات كما تمتلكها المنتجات الأجنبية! وتوفير الحماية قد يكون عن طريق اشتراط الدولة على المشاريع الحكومية أن تقوم بشراء احتياجاتها من المصانع الوطنية حال توفُّر هذه المنتجات محليًّا، ولا يمكنها اللجوء للاستيراد إلا إذا لم تتوفر هذه المنتجات الوطنية.
2- تفعيل دور هيئة المنافسة من خلال اقتراح فرض رسوم من قِبل الجمارك على أي منتج يثبت أن له مقابل محلي، وفي هذا الصدد قد يكون من المجدي أن تُؤسِّس الجمارك قاعدة بيانات تحتوي على جميع المنتجات التي يتم تصنيعها محليًّا، وتحديد مواصفاتها وكمياتها ومستوى جودتها.
وذهب د. سليمان الطفيل إلى أن الحلول المشار إليها من جانب أ. بسمة التويجري تتضمن نقطتين مهمتين:
– الأولى: تتعلق بحماية المنتجات الوطنية، وهذه أصبحت محظورة بعد أن وقَّعت المملكة في اتفاقية منظمة التجارة العالمية WTO، حيث أُعطيت مهلة لمعالجة أي مسائل تتعلق بحماية المنتجات، وعدم العمل بمبدأ المعاملة بالمثل بهدف تحرير التجارة العالمية؛ ولهذا أصبحت الحماية مسألة شبه معدومة، وبديلاً عن ذلك، وجب على الحكومات وضع معايير ومواصفات أكثر صرامةً ودقةً حتى تتصدى لسيل الواردات التي قد تصل للمرحلة الإغراق، كما أن على المنشآت أن تعمل في جو يسوده المنافسة والجودة.
– الثانية: تطبيق نظام المنافسة الوطنية.. ويكاد يكون هذا الموضوع من أكثر ما علق عليه أصحاب المنشآت عند عرض مرئياتهم بشأن التعثُّر والإفلاس. فهناك بلا شك ضعف في الرقابة على آلية عمل المنشآت ومنتجاتها وما وراء ذلك من ظاهرة التستُّر والسلع المقلدة والتلاعب بالأسعار؛ في المقابل، يفرض على المنشآت النظامية كافة الرسوم والضرائب وبرامج التوظيف والسعودة وخلافه.
وأضاف د. سليمان الطفيل أنه تم حصر مهمة هيئة منشآت في تمكين المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي أعمارها لا تزيد عن ثلاث سنوات، وأُطلقت من خلالها مبادرة رد الرسوم الحكومية الخاصة بهذه الفئة فقط، وهي:
1- إصدار السجل التجاري.
2- اشتراك الغرفة التجارية.
3- تسجيل العلامة التجارية.
4- اشتراك البريد السعودي (العنوان الوطني).
5- رسوم نشر عقد تأسيس شركة.
6- رخصة البلدية.
7- ترخيص الأنشطة الاقتصادية.
8- ٨٠٪ من رسوم المقابل المالي للعمالة الوافدة.
9- تجديد السجل التجاري.
والسؤال: ماذا عن باقي المنشآت الصغيرة والمتوسطة السابقة لهذه المنشآت، والتي قطعت شوطًا كبيرًا في تأسيس أعمالها، وهي مَن تتحمل أصلاً الصعوبات والتحديات الجديدة، هل أصبحت خارج السرب؟ والاعتقاد أننا بحاجة إلى إعادة المسار لضمِّ جميع المنشآت دون استثناء طالما كانت ملتزمة بالأنظمة والتعليمات، ولديها إسهام كبير في التنمية والاقتصاد.
وذهب أ. جمال ملائكة أنه قد حان الوقت أن تقوم الدولة بعمل ورش عمل مكثفة وليس مؤتمرات؛ من أصحاب الشأن في كل مهنة، ومن أساتذة الاقتصاد المشهود لهم، ومن الاستشاريين، ومن بعض موظفي الدولة من كل وزارة، مثل: العمل، والمالية، والاقتصاد، والتجارة،… إلخ. وتكون ورش عمل قد تمَّ الإعداد لها جيدًا، وتكون توصياتها محل نظر إنْ لم تكن مُلزِمة. وفي كل الحالات ينبغي على الدولة النظر للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بنظرة مختلفة؛ فهذا القطاع يستخدم سلسلة من البضائع والخدمات، إنْ تعثَّر أثَّر عليها؛ وبالتالي يتأثر الاقتصاد العام.
وفي اعتقاد د. خالد بن دهيش، فإن هناك صناديق لمساعدة الأفراد في تسديد ديونهم بمسميات مختلفة في المملكة وبعض دول المنطقة كالإمارات، وَلَو أقترحُ إنشاء صندوق حكومي يقدم المساعدات المالية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة من خلال تقديم قروض طويلة الأجل بدون فوائد على أن يبدأ السداد بعد خمسة أعوام من الحصول على القرض وبدفعات ميسرة، تُعين هذه المنشآت بالاستمرار في أعمالها، وذلك تحت رقابة محاسبين قانونيين معينين من الصندوق؛ لمتابعة الوضع المالي، والتأكد من أن القرض حقَّق الهدف منه. بالإضافة لاسترداد هذه المنشآت للرسوم التي سبق أن دفعتها للحكومة؛ للمردود الاقتصادي للوطن والمواطن المستثمر في هذه المنشآت، وللمساهمة في الحد من البطالة التي ستنتج عن خروج هذه المنشآت من السوق. ومن المقترحات أن تقوم الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بتفعيل معهد ريادة التابع للهيئة، والذي يقدم برامج ومحاضرات لتطوير أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعاني من تعثُّرها أو قرب إفلاسها.
واقترح د. خالد الرديعان إجراء دراسة أو مسح على عينة عشوائية من الشركات والمؤسسات التي أشهرت إفلاسها لمعرفة أسباب الإفلاس، وللوصول إلى نتائج علمية يمكن تعميمها، بحيث يمكن اقتراح بعض الحلول لمواجهة المشكلة. وفي تصوُّره، فإن البعض يُقلِّل من أهمية دراسات الجدوى الاقتصادية لأي مشروع، ومن ثم يقوم بالعمل بطريقة عشوائية غير مدروسة وربما يؤدي هذا إلى تعثر المشروع أو إفلاس الشركة. وبدوره أكد د. سليمان الطفيل على أهمية أن يكون البحث على نطاق واسع للمنشآت المتعثِّرة والمفلسة، وعلى مجموعة القطاعات والأنشطة، أخذًا في الاعتبار عدة أسباب مالية وإدارية وتنظيمية، داخلية وخارجية، تتولاها جهة حكومية أو مركز بحوث في إحدى الجامعات السعودية أو كرسي بحثي أو جهات مانحة؛ لأهمية هذا البحث في تشخيص المشكلة بشكل أدق وأعمق.
ومن أهم الأفكار التي وردت في مناقشة القضية:
- الاستفادة من نُظُم الإفلاس العالمية، وتطويع المفيد منها محليًّا.
- تغليظ العقوبات على دور المحاسبة القانونية، والالتزام بالشفافية والدقة في الوضع المالي لكافة المؤسسات والشركات، وتنشيط أنظمة الحوكمة.
- الحرص الشديد على زيادة المحتوى المحلي، وتفضيل المؤسسات والشركات المحلية، ومحاربة التستُّر للشركات الأجنبية الممثلة بواجهة سعودية فقط.
- العمل على بناء ثقة عالية بين القطاع الخاص والأجهزة الحكومية.
- دعم الشباب حديثي الدخول للسوق ماليًّا بقروض ميسرة، والمتابعة لنشاطهم التجاري، وتزويدهم باستشارات لتلافي الأخطاء، والعمل على تيسير العقبات الإدارية.
- نشر ثقافة الاندماجات عن طريق ورش العمل والمحاضرات، والعمل على تشجيع المؤسسات والشركات على الاندماج وتبيان فوائده.
ʘ التوصيات:
- إنشاء وكالة لشؤون الإفلاس بوزارة التجارة إنْ تعذَّر إنشاء هيئة أو مركز.
- إلزام جهة التعاقد الحكومية بسداد مستحقات المقاول خلال شهر من التوريد، وتقديمه مذكرة بالاستلام أو شهادة الإنجاز، ورفع المستخلص مستوفيًا مستندات الصرف، أو إعطاؤه ضمانًا قابلاً للتسييل في فترة معينة يستفيد منها في مشاريع أخرى.
- تفعيل دور الغرف التجارية؛ للوقوف على أسباب الإفلاس والرفع المنتظم، وقد يكون شهريًّا لوكالة شؤون الإفلاس أو الهيئة، أو في أسوأ الحالات إلى لجنة الإفلاس.
- النظر في إلغاء الرسوم عن المنشآت الصغيرة والمتوسطة لمدة خمس سنوات أسوةً بالمصانع، على أساس إعطاء مهلة معقولة لهذه المنشآت لزيادة التوطين. واسترداد المنشآت الصغيرة والمتوسطة للرسوم التي سبق أنْ قامت بسدادها للحكومة.
- إنشاء صندوق حكومي يقدِّم المساعدات المالية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة من خلال تقديم قروض طويلة الأجل بدون فوائد، على أن يبدأ السداد بعد خمسة أعوام من الحصول على القرض، وبدفعات ميسرة تُعين هذه المنشآت على الاستمرار في أعمالها، وذلك تحت رقابة محاسبين قانونيين معينين من الصندوق؛ لمتابعة الوضع المالي، والتأكد من أن القرض حقَّق الهدف منه.
- أن تقوم الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بتفعيل معهد ريادة التابع للهيئة ليقدم برامج ومحاضرات لتطوير إمكانات رجال الأعمال المبتدئين وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعاني من تعثُّرها أو قرب إفلاس مالكها، وتدريب إدارتها كبرامج تدريبية وقائية.
القضية الثانية
السعودية.. هل تستبدل التحالفات أم تُنوِّعها؟
(17/11/2019م)
ʘ الورقة الرئيسة: د. عبد الله العساف
ʘ التعقيبات:
- · التعقيب الأول: د. صدقة فاضل
- · التعقيب الثاني: أ. جمال ملائكة
ʘ إدارة الحوار: أ. محمد الدندني
ʘ الملخص التنفيذي:
أوضح د. عبد الله العساف في الورقة الرئيسة أنه خلال هذا العقد شهدت – ولا تزال – منطقتنا الكثيرَ من الأحداث التي فرضت على دول المنطقة – ومنها السعودية – إعادة تعريف مصالحها وبناء شراكاتها وضبط بوصلتها السياسية والاقتصادية والأمنية؛ وهذا ما دفع السعودية لمفاجأة العالم باتخاذها قرارات جريئة تعكس تحوُّلًا مهمًّا لم يعهده العالم في أولويات سياساتها وتحركاتها، عندما تحرَّكت سريعًا بدَفْع قوات درع الجزيرة باتجاه البحرين رافضةً التوجهات الأمريكية إبان الحقبة الأوبامية، ثم صدمت العالم مُجدَّدًا عام 2013 بدعمها لحراك 30 يونيو في مصر، ونجاحها في إعادة توجيه الموقف الغربي نحو الوضع المصري آنذاك، واستمر مسلسل المواقف السعودية في عام 2014 عندما فاجأت العالم مرة أخرى بهندستها السياسية والاقتصادية عقب انخفاض أسعار النفط العالمي. فهل تشير تلك الإرهاصات وغيرها إلى تحوُّل جديد في مرتكزات السياسة الخارجية السعودية، والتي لم تعُد تخطِئها عين المراقب، خصوصًا بعدما تبلورت واتضحت معالمها خلال السنوات الثلاث الأخيرة؟
وأشار د. صدقة فاضل في التعقيب الأول إلى أنه لا بد لصانع القرار الخارجي السعودي أن يجعل علاقات المملكة مع الأطراف الدولية الأقوى متوازنة وموضوعية، كالتالي:
1- فمع القوى العظمى: لا ميل لطرف ضد الطرف الآخر، كما كان الأمر أثناء القطبية الثنائية الماضية (أمريكا/ الاتحاد السوفيتي).
2- ومع القوى الكبرى، يبني علاقة وثيقة تقف على مساحة واحدة، قدر الإمكان، مع كل هذه القوى.
3- مع الدول الأخرى: التزام الحياد الإيجابي ما أمكن.
4- التأكيد على مبدأ حل الخلافات بالطرق السلمية والدبلوماسية السلمية مع الجميع.
5- التزام مبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين الداخلية، بالتلازم مع عدم السماح للآخرين بالتدخل في الشأن الداخلي السعودي.
6- الدفاع الفعَّال عن القضايا العربية والإسلامية العادلة.
أما أ. جمال ملائكة فذهب إلى أنه ثمة تغيرات كبيرة عالميًّا خلال الأعوام الماضية، ومنها على سبيل المثال: انخفاض الطلب الغربي على النفط الخليجي، ومعاهدات السلام مع إسرائيل، وما يُسمى بالثورات العربية، وقبل ذلك سقوط الاتحاد السوفيتي وعقيدته الشيوعية، وبروز الصين كلاعب عالمي كبير، وتغوُّل النفوذ الإيراني في عدة دول عربية، وغيرها من التغيرات؛ وهو ما أدَّى إلى تغيُّر المشهد العالمي بصورةٍ كبيرة عما كان عليه.
وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
s قراءة في مؤشرات الوضع الراهن لتحالفات المملكة.
s رؤية استشرافية حول تحالفات المملكة المستقبلية.
ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول قضية “السعودية.. هل تستبدل التحالفات أم تُنوِّعها؟ ما يلي:
1- العمل على توازن علاقات بلادنا مع القوى العظمى، وبما يخدم مصالح المملكة، ويدعم توجهاتها، ويُعظِّم الاستفادة من الاستثمارات المنشودة داخل المملكة وخارجها.
2- الاهتمام بالشرق؛ روسيا، الصين، الهند وكوريا الجنوبية ومجموعة البريكس، وغيرها من الدول الناهضة ممَّن تعيش نسبة نمو في اقتصاداتها كإندونيسيا وتايلاند وفيتنام. تحديد الهدف من التحالف مع كل دولة، والتواصل مع هذه الدول بكافة الطرق الرسمية والمدنية أو الشعبية من خلال الغرف التجارية مُمثّلاً للقطاع الخاص والجامعات ومراكز الأبحاث، وأن يشمل ذلك تفعيل الدبلوماسية الناعمة وجمعيات المجتمع المدني ومراكز الفكر والبحث العلمي، وعدم حصرها في التواصل مع الحكومات، والتوسُّع في زيارات الوفود الشعبية للمملكة.
ʘ الورقة الرئيسة: د. عبد الله العساف
خلال هذا العقد شهدت – ولا تزال – منطقتنا الكثيرَ من الأحداث التي فرضت على دول المنطقة – ومنها السعودية – إعادة تعريف مصالحها وبناء شراكاتها وضبط بوصلتها السياسية والاقتصادية والأمنية؛ وهذا ما دفع السعودية لمفاجأة العالم باتخاذها قرارات جريئة تعكس تحوُّلًا مهمًّا لم يعهده العالم في أولويات سياساتها وتحركاتها، عندما تحرَّكت سريعًا بدفع قوات درع الجزيرة باتجاه البحرين رافضةً التوجهات الأمريكية إبان الحقبة الأوبامية، ثم صدمت العالم مجدَّدًا عام 2013 بدعمها لحراك 30 يونيو في مصر ونجاحها في إعادة توجيه الموقف الغربي نحو الوضع المصري آنذاك، واستمر مسلسل المواقف السعودية في عام 2014 عندما فاجأت العالم مرة أخرى بهندستها السياسية والاقتصادية عقب انخفاض أسعار النفط العالمي.
وأن تقوم دولة بهاتين المسألتين في غضون عامين مع ما لحق الأمر من تبعات جيوسياسية، يجعل المملكة بلا شك لاعبًا ذا ثقل على المسرح السياسي العالمي، وفي السياق نفسه يمكن إضافة المفاجأة السعودية في عام 2015، المتمثِّلة في إنشاء وقيادة التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، ثم بناء التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، ثم جاءت أخيرًا جولات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد الآسيوية لكلٍّ من روسيا وباكستان ثم الهند والصين واليابان وكوريا الجنوبية، ثم زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي عكس الاحتفاء بها رسائل خاصة قرأها الغرب وحلَّلها بطريقته الخاصة، كي تُمثِّل كل هذه الأحداث تحوُّلًا نوعيًّا في بوصلة التحالفات السعودية التي اتجهت شرقًا بعكس مسارها طيلة العقود الماضية.
فهل تشير تلك الإرهاصات إلى تحوُّل جديد في مرتكزات السياسة الخارجية السعودية، والتي لم تعُد تُخطِئها عين المراقب، خصوصًا بعدما تبلورت واتضحت معالمها خلال السنوات الثلاث الأخيرة؟ ولعل التساؤل المنطقي، هل ستكون هذه التحالفات بديلًا للتحالف مع واشنطن أولًا، ثم مع دول أوروبا الغربية؟ وما موقف الغرب من هذه العلاقة؟ وهل هي علاقة مرحلية تكتيكية، أم تحول إستراتيجي في مسار السياسة الخارجية السعودية؟ والأهم – في نظري – كيف يرى الشرق هذه الاستدارة السعودية نحوه؟
ولعل المتابع للمشهد السياسي يلحظ أن العلاقات السعودية الأمريكية شهدت أسوأ مراحلها في فترة أوباما الثانية، وكذلك الحال مع بعض الدول الغربية كألمانيا وكندا، وتأرجح الموقف الفرنسي، وغموض موقف بريطانيا الذي هو جزء من سياستها العامة، ثم الموقف الغربي بشكل عام من أمن المنطقة والتردد والتباطؤ في علاج ملفاتها، وسعي الغرب لإيجاد صيغة جديدة استحوذت على كل اهتمامه في الملف النووي الإيراني، فبدت ملاح تحوُّل جديد في علاقات الرياض الخارجية، تُحسب لصانع القرار، الذي استشرف المستقبل ولم يقف متفرجًا ومنتظرًا لتكهنات وتحليلات قد تسير الرياح بعكسها، فحرف بلمح البصر وبدون أية مطبات سياسية مسار قاطرة العلاقات السعودية شرقًا؛ متخذةً مسارات عدة بين تجديد علاقات سابقة، وإقامة علاقات جديدة.
فالسعودية وباكستان حليفان منذ سبعة عقود حيث كانت علاقاتهما متميزة رغم تغيُّر الأحزاب والقيادات، لكن موقف البرلمان الباكستاني من عاصفة الحزم يدعونا للعمل مجدَّدًا مع القيادات والأحزاب ومراكز الثقل السياسي وعدم الاكتفاء بعلاقاتنا مع الحزب الحاكم، مع عدم إهمال علاقاتنا بالشعب الباكستاني، فقد ذكر مركز بيو الأمريكي للدراسات (Pew Research Center) المتخصِّص في إجراء أبحاث الشعوب، أن 95% من أبناء الشعب الباكستاني يفضلون ويحترمون العلاقات مع السعودية، ومن هذا المنطق الإحصائي الدقيق، أصبحت باكستان من أقرب الحلفاء من غير العرب بالنسبة للسعودية، ومن أقرب الحلفاء المسلمين؛ لذا تستوجب عناية خاصة وعدم إخلاء الساحة – مهما كانت الأسباب – لإيران التي تعمل جاهدةً لتحل محل السعودية.
وأما الهند فقد شكَّلت زيارة سمو ولي العهد تحوُّلًا مشهودًا في العلاقة بين البلدين، تمَّ فيها تجاوز عقدة العلاقات السعودية الباكستانية، التي كانت محددًا في تنامي العلاقة بين البلدين في الماضي، إذ تُشكِّل السعودية مصدرًا حيويًّا للطاقة بالنسبة للهند، كما يُشكِّل البعد الروحي عاملًا مهمًّا في دفع العلاقة بين البلدين إلى مسارات متقدمة، فالهند تضمُّ ثالث أكبر عدد من المسلمين في العالم. كما أصبحت السعودية مستثمرًا رئيسًا في الهند، خصوصًا في قطاع البتروكيماويات، وشريكًا مهمًا في الحوار حول القضايا الإستراتيجية، بما في ذلك تبادُل المعلومات الاستخبارية ومكافحة الإرهاب. وخلال قمة مجموعة العشرين التي أُقيمت في الأرجنتين، التقى ناريندرا مودي مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في بوينس آيرس في اجتماع ثنائي وُصِف بأنه ودي، ونقطة تحوُّل في العلاقات، كما كان وصول مودي إلى السعودية دافعًا ومُحفِّزًا لمناقشة الاستثمار والشراكات بين البلدين في الكثير من المشاريع سواء في بناء الموانئ والطرق السريعة وغيرها من المشاريع، إضافةً إلى الاستثمار في قطاعات التكنولوجيا والزراعة والتعاون العسكري.
وأما الصين فهي من الخمس الكبار، ولها صوت مؤثر في مجلس الأمن، ولديها مبادرة الحزام والطريق التي تلتقي مع رؤية السعودية 2030 في بعض المجالات، وشكَّلت زيارة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد منعطفًا مهمًّا في تاريخ ومستوى العلاقة بين البلدين، حيث رسمت هذه الزيارات ملامح المستقبل، من خلال المواءمة بين “رؤية المملكة 2030” ومبادرة “الحزام والطريق” الصينية، وصولاً بالتعاون الاقتصادي بين البلدين إلى أقصى مستويات الشراكة، والتنمية المستقبلية المستدامة، وتحقيق التوافق السياسي، وتوثيق التعاون الأمني والعسكري.
وأما روسيا فحدِّث ولا حرج، فالحفاوة والاهتمام التي قُوبل بهما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يعكسان التوجه الجديد في السياسية الخارجية السعودية، حيث شهدت المملكة تناميًا ملحوظًا في علاقاتها السياسية والاقتصادية بعد الزيارة التاريخية الأولى لخادم الحرمين الشريفين إلى جمهورية روسيا الاتحادية. حيث تم بناء وتأسيس شراكات إستراتيجية على مختلف الأصعدة مع كافة عواصم صناعة القرار في العالم، فالإستراتيجية السعودية كانت تقتضي تنويع خياراتها الدولية من أجل تحقيق التوازن الإقليمي، وضمن هذا السياق، فإن استنهاض الدور الروسي تجاه أزمات الأمن الإقليمي يعدُّ مهمًّا بالنظر إلى تأثير روسيا على بعض أطراف النزاع في دول الجوار، فضلًا عن الرؤية الروسية لأمن منطقة الخليج.
الحضور الروسي لا يعني أنه بديل للشراكات القائمة لدول المجلس، وإنما تنويع تلك الشراكات هو أمرٌ تفرضه متطلبات المرحلة الراهنة التي تملي ليس على السعودية فحسب، وإنما على كافة الدول إعادة تعريف مصالحها الإستراتيجية، كما ينبغي الاعتراف بأنه لا أزمة ستُحل في المنطقة من دون التفاهم مع روسيا، ورعاية مصالحها وتفهُّم هواجسها وخدمة ما يمكن خدمته من مصالحها ورهاناتها، هذا الاتجاه في التواصل في العلاقات السعودية – الروسية الثنائية ذات أبعاد مهمة على مستوى التعاون عسكريًّا وسياسيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا وتعليميًّا، وأعتقد أنه لا غنى لكلٍّ من الرياض وموسكو عن علاقة متوازنة بينهما، يكون فيها التنوع من السياسة إلى الاقتصاد والتجارة، وفتح المجال أمام الاستثمارات المشتركة بين الدولتين، وهناك بُعدٌ مهم في طبيعة العلاقات الجديدة بين روسيا والسعودية يتمثل في اعتراف مشترك بأمرين:
- الأول، إقرار الرياض بأن روسيا قوة كبرى تعود إلى الساحتين الدولية والإقليمية، وتطل مباشرة على منطقة الشرق الأوسط، وتفرض أجندتها، لا سيما من خلال الميدان السوري، دون إهمال تقدُّمها وإنجازها اختراقات لافتة مع عدد من دول المنطقة، لا سيما مصر وإيران.
- الثاني، إقرار موسكو بأن السعودية باتت “الطرف الأساسي” الذي يقود الوجهة العربية في ملفات ساخنة متعددة، لا سيما أمن الطاقة، واستقرار المنطقة.
ʘ التعقيبات:
ʘ التعقيب الأول: د. صدقة فاضل
أبدأ التعقيب بعنوان الورقة، لأقول: إنها تجاهلت سياسة الغرب المتنفذ (شبه الثابتة) نحو المنطقة العربية، وعداء هذه السياسة للعروبة والإسلام، وعملها الدؤوب على تكريس الكثير من السلبيات السياسية بالمنطقة، والتي صنعها الغرب نفسه، ابتداءً. وكأن العنوان يوحي أن للسعودية كامل الخيار في أن “تستبدل” تحالفاتها أو تُنوِّعها. أرى أن محاولة تنويع هذه التحالفات هي الأقرب للصحة؛ ولكن الأصح هو محاولة اكتساب دعم دولي قوي (تحالفي) جديد، مع الإبقاء على التحالف الرئيس أو عدم الإخلال به، حتى إشعار آخر. الغرب المتنفذ له سياساته تجاه عالمنا العربي، التي لا يسمح بتجاوزها… إلا تحت ضغوط (مضادة) هائلة. ومعظم العرب الآن في أضعف حالاتهم.
****
على سُلّم القوة، تعتبر المملكة قوة كبرى إقليميًّا، وقوة متوسطة على المستوى العالمي. هي موئل العروبة والإسلام. إنها – كبلد – صاحبة مكان رفيع في العالمين العربي والإسلامي. هذا الوضع يتطلب تبني سياسات داخلية وخارجية حكيمة ونزيهة ومتميزة. وعندما نُسلِّط الضوء على السياسات الخارجية السعودية، نجد أن من الأفضل والأحب لهذه البلاد أن تكون دولة محايدة، ومستقلة بالفعل لأقصى حد ممكن. لا يمكن فعل ذلك بدرجة 100 في المئة، ولكن يمكن فعله لدرجة تتعدى الـ 50 في المئة. وهذا أقل ما يجب تبنيه.
ولتحقيق هذا الهدف، بصفة مستمرة ومتواصلة، لا بد لصانع القرار الخارجي السعودي أن يجعل علاقات المملكة مع الأطراف الدولية الأقوى متوازنة وموضوعية، كالتالي:
1- فمع القوى العظمى: لا ميل لطرف ضد الطرف الآخر، كما كان الأمر أثناء القطبية الثنائية الماضية (أمريكا/ الاتحاد السوفيتي).
2- ومع القوى الكبرى، يبني علاقة وثيقة تقف على مساحة واحدة، قدر الإمكان، مع كل هذه القوى.
3- مع الدول الأخرى: التزام الحياد الإيجابي ما أمكن.
4- التأكيد على مبدأ حل الخلافات بالطرق السلمية والدبلوماسية السلمية مع الجميع.
5- التزام مبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين الداخلية، بالتلازم مع عدم السماح للآخرين بالتدخل في الشأن الداخلي السعودي.
6- الدفاع الفعال عن القضايا العربية والإسلامية العادلة.
****
وانطلاقًا من هذه الأسس، فإن السياسة الخارجية السعودية يجب أن تُخفِّف من الاعتماد الكلي على الغرب، وتتجه شرقًا… لتُقوي علاقاتها (الخادمة للمصالح المشتركة) مع كلٍّ من: روسيا، الصين، الهند، اليابان، وغيرها. كما أن على المملكة ألا ترتبط كتابع لأي إستراتيجية أجنبية، خاصة في المنطقة العربية. فهذا الارتباط يجلب النقمة والعداء، من قِبل المتضررين بهذه الإستراتيجية. وقد بدأنا نشاهد بعض التغيير الإيجابي في سياسات المملكة الخارجية الأخيرة.
ʘ التعقيب الثاني: أ. جمال ملائكة
هناك تغيرات كبيرة عالميًّا خلال الأعوام الماضية، ومنها على سبيل المثال: انخفاض الطلب الغربي على النفط الخليجي، ومعاهدات السلام مع إسرائيل، وما يُسمَّى بالثورات العربية، وقبل ذلك سقوط الاتحاد السوفيتي وعقيدته الشيوعية، وبروز الصين كلاعب عالمي كبير، وتغوُّل النفوذ الإيراني في عدة دول عربية، وغيرها من التغيرات؛ وهو ما أدى إلى تغير المشهد العالمي بصورةٍ كبيرة عما كان عليه. إن التحرك السعودي السياسي والاقتصادي شرقًا أصبح حتميًّا لاعتبارات واضحة لا تحتاج إلى شرحٍ كثير، إلا أننا نستطيع أن نُعدِّد بعضًا منها:
1- اختلال موازين القوى بشكلٍ كبير بين العرب وإسرائيل نتيجة للثورات الكارثية وما ألحقته من تآكل للنظام العربي، وإضعاف جيوش عربية، وإحداث دمار اقتصادي واسع… إلخ.
2- توقيع الاتفاق النووي والتغاضي الغربي – إنْ لم يكن “قبولًا” – عما تقوم به إيران من تهديد مباشر وخطير على ما تبقى من النظام العربي.
3- الدور الغريب للدول الغربية من حرب اليمن.
4- عداء الإعلام الغربي وبعض الأحزاب هناك لدول مركزية في العالم العربي.
5- تاريخ الحروب والعداء بين المسلمين والغرب، وما ترسَّب في الوعي الجمعي الغربي بعكس العلاقات مع الشرق.
إنَّ التحرك شرقًا أصبح ضرورة وليس ترفًا، وإن التحرك نحو عدة دول – مثل روسيا والصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية – دليل حصافة سياسية لتنويع الخيارات، وما تقوم به المملكة في هذا الاتجاه دليل وعي سياسي وإستراتيجي؛ إلا إننا نقترح التالي خلال هذا التحرُّك لتعظيم الفائدة ونزع الألغام المحتملة:
أ. العمل على مصالحة عربية شاملة، وبالأخص مع سوريا.
ب. بالتوازي مع التحرك الفردي تجاه الدول المذكورة، يتم التحرك جماعيًّا – وبالأخص بين السعودية والإمارات ومصر والأردن والبحرين – بتنسيق عالي المستوى، ووضوح الأهداف.
ج. عدم المساس بالعلاقة الإستراتيجية مع باكستان بالتحرك نحو الهند، حيث يبدو أن المصالحة بين الجارتين شبه مستحيلة.
د. الوصول إلى حل سياسي في اليمن يضمن إبعاد إيران (مع صعوبته)، وإنهاء نفوذها هناك. لا شك أن ما جاء بأعلاه ليس سهلًا، بل إن بعضها بالغ الصعوبة، وهناك مَن سيضع العراقيل لإفشالها إلا أن وضعها في الاعتبار ومحاولة إنجاحها سيكون له أبعد الأثر لنجاح توجُّهنا شرقًا.
ʘ المداخلات حول القضية:
ʘ قراءة في مؤشرات الوضع الراهن لتحالفات المملكة:
أشار د. سليمان الطفيل إلى أن الورقة الرئيسية تناولت مسألة الاستبدال أو التنوُّع في التحالفات مع الدول الأخرى. أنا لستُ متخصِّصًا في الأمور السياسية، لكنني أؤكد على مسألة التوازن؛ لأن مكانة المملكة العربية السعودية في العالم تفرض عليها – وهي تحمل رسالة محمدية وسطية عالمية – أن تُحقِّق مبدأ التعاون والسلام الدولي بالحكمة والمعاملة الحسنة لكسب رضا الجميع؛ وهذا يعني عدم الاندفاع للشرق ونسيان الغرب، كما يجب عدم الاعتماد الكلي على الغرب كما في السابق، الذي بلا شك يتحرك من مركز صهيونية عالمية، استطاعت طوال سنوات مضت السيطرة على دول وثروات شعوب، واستحكمت في مصالحهم حتى إنها جعلت لها خيوطًا في دول الشرق (الهند ورسيا وكوريا الجنوبية وغيرها)، وكذا في دول أفريقية يجب الحذر حين التعامل معها من هذا الصهيوني الخطير، الذي بلا شك همُّه بِنَاء دولة إسرائيل وحرب الإسلام. أما الجانب الاقتصادي، فهو غير متضمَّن في الورقة الرئيسة ولا في التعقيبات، والواقع أن الحديث عن أثر الاستبدال أو التنوُّع في التحالفات الدولية على اقتصادنا السعودي مع أهمية هذا البُعد في تحقيق أفضل التحالفات بعيدة المدى، بل يكاد يكون البعد الاقتصادي العنصر المهم في جدوى التحالفات مع بلد تمتلك ثروةً نفطية عالمية وموقعًا إستراتيجيًّا على سطح الكرة الأرضية، ناهيكم عن تأثيرها في العالم الإسلامي الذين يتجاوز عددهم اليوم المليار وستمائة مليون مسلم. كان التحالف الاقتصادي للمملكة سابقًا مع دول الغرب وبخاصة أمريكا دول الرأسمالية، بعيدًا عن دول الشيوعية (الصين الشعبية) والاشتراكية (الاتحاد السوفيتي) سابقًا، لكن في ظل التغيرات الاقتصادية الكبيرة للدول وتحوُّلها إلى اقتصادات مختلطة، مما أسهم في تقريب التعامل معها بعد أن تحسَّنت أنظمتها وبيئتها الاستثمارية؛ كذلك لا ننسى القارة السمراء وما تحتويه من مناجم وكنوز الذهب والمعادن الثمينة والسلة الخضراء للإنتاج الزراعي الأقل كُلفةً بسبب توفُّر الموارد الطبيعية المناسبة. وهناك تطورات في اقتصاديات المستقبل كما نوقش في منتدى أسبار الدولي 2019، وفي مؤتمر المستقبل كذلك ظهرت لنا أهمية المستقبليات الاقتصادية وتأثيراتها على مراكز القوة الاقتصادية العالمية. ولم يعُد هناك مجال للتفكير في مسألة تحقيق المصالح بدون النظر للجانب الاقتصادي الذي قد يكون هو الأساس منذ أن خلق الله الإنسان على وجه البسيطة، حيث جاءت رؤية المملكة 2030م لإعادة بوصلة الاقتصاد السعودي نحو الاقتصاد المحلي لتعزيز مركزه بإظهار مكتسباته، ليكون وسيلة قوية لكسب أفضل الاتفاقيات والتحالفات مع الدول الأخرى غربًا أو شرقًا، دولًا أوسطية أو أفريقية… إنها السياسة الجديدة لقيادتنا الحكيمة؛ لن يتطلع الناس إلينا ولن يعطوا اهتمامًا لمصالحنا وحقوقنا إذا وجدوا ضعفنا الاقتصادي وهواننا على الناس. والخلاصة أن مقياس التحالف لا يُنظر له من زاوية واحدة وهي السياسية؛ بل لا بد من مراعاة ثلاث زوايا مهمة:
– الدين.
– السياسة.
– الاقتصاد.
وبدون النظر لهذا المثلث في أي تحالف ستكون الجدوى أقل، أما عن الحماية فهي إطار شمولي لا ينفك جانب عن آخر.
ومن ناحيته تساءل أ. محمد الدندني: هل كانت علاقتنا إستراتيجية بنظر الأمريكان طيلة هذه السنين؟ إن كانت إستراتيجية، فكيف ساءت في عهد أوباما؟ أيضًا: ما أسباب التحوُّل، والتي من المتوقع أن تعود مع الديمقراطيين؟
وفي هذا السياق، استشهد أ. جمال ملائكة بمقولة أحمد زكي يماني أن العرب لم يفهموا أمريكا، فأمريكا هي “أمريكات”، فهناك مؤسسة الرئاسة، وهناك الكونغرس (وهو يشكِّل قوة مهمة)، وهناك المخابرات المركزية، وهناك الصحافة، وهناك مراكز الأبحاث… إلخ؛ وبالتالي التركيز على جهة واحدة، وأنها تتفرد بالقرار هو كلام يحتاج إلى نظر. وأضاف أ. جمال ملائكة أنه يبدو أن هناك سياسة عامة تتسم بالإستراتيجية ولا تتغير، مثل: الدعم المطلق لإسرائيل، والسيطرة المادية أو المعنوية على مصادر الطاقة، والتأكد من عدم “بروز” منافس قوي للقوة الأمريكية. وبالتالي نستشف أن أوباما وإدارته تحركوا في اتجاه إحداث تغيير في المنطقة لتكون شبيهة بالنموذج التركي ضاربين بعرض الحائط الاختلافات الشديدة بين تركيا والدول العربية. طبعًا هناك دائمًا الأجندة الصهيونية التي تهدف لتمزيق العالم العربي، وتستطيع النفاذ من خلال السياسة الأمريكية لتحقيق أهدافها.
وأشار د. صدقة فاضل إلى أنه بالفعل فإن أمريكا ليست كيانًا واحدًا؛ فهناك ما لا يقل عن عشر قوى أمريكية هي الأهم والأكبر، ومنها السلطة التنفيذية المصغرة المتمثلة في البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية والسي آي إيه، إضافة إلى وزارة الأمن الوطني وال ” إف بى آي”. هؤلاء يرسمون السياسة اليومية لأمريكا. ويمكن التأكيد بأن علاقة أمريكا بنا هي علاقة تكتيكية، من وجهة نظر أمريكا، وإستراتيجية من وجهة نظرنا؛ والتكتيك ترتيب مؤقت ينتهي بانتهاء مسبباته. علمًا أن بقية القوى الأمريكية التسع معادية ومناوئة للعروبة والإسلام، ولا تحمل أيَّ احترام حقيقي للعرب بعامة.
وذكر د. عبد الله العساف أن أمريكا لا تنظر لعلاقتها مع العرب بأنها إستراتيجية أو حلفاء، ومن يتتبع الخطاب السياسي الأمريكي يجد كثيرًا كلمة الأصدقاء، بعكس خطابنا الذي نحاول أن نصف من خلاله العلاقة بأنها تحالف. واشنطن لديها تحالفات محدودة حتى داخل الناتو، وعلاقاتها مع الآخرين قائمة على المصالح التي تكون فيها واشنطن الرابح الأول، ولعل وصول ترامب وهو الجمهوري عرَّى هذه الحقيقة وأظهرها بوضوح للجميع. وقد صدر عن الروس في الآونة الأخيرة كلامٌ مهمٌّ يجب أن نتوقف عنده كثيرًا، يتلخص في أننا اتخذناهم احتياطًا وفزاعة للغرب متى ما ساءت علاقتنا بهم هدَّدناهم بالتحوُّل شرقا! ورغم العلاقات السعودية الأمريكية ذات العقود التسعة؛ إلا أن علاقاتنا حبيسة الإطار الرسمي، لم نستثمر البعثات والسياحة مثلاً لبناء جسور وصلات مع القوى الشعبية ومع مؤسسات المجتمع المدني، والحال كذلك مع الشرق الأكثر انفتاحًا علينا، ويوجد به مسلمون ولا يحمل عنَّا ذات الصورة النمطية الغربية، فالإسلام وخدمة الحرمين واستقبال بعثات دراسية من تلك الدول تُمثِّل قوة ناعمة تدعم وتساند الرغبة السياسية.
وعقَّب د. زياد الدريس بأن الاتحاد السوفيتي هو أول دولة اعترفت بقيام المملكة العربية السعودية، حتى قبل الولايات المتحدة! لكن الملك فيصل اتخذ موقفه بقطع العلاقات بناء على ملابسات سياسية وقعت حينذاك! وذهب أ. جمال ملائكة إلى أن قطع العلاقات مع قوة عظمى أمرٌ فيه نظر. فقط، لننظر ماذا فعل الغرب بنا تاريخيًّا وحتى في العصر الحديث (وعد بلفور/مساعدة إسرائيل لتكون أقوى… إلخ).
وفي تقدير د. مساعد المحيا، أوضح أنه ليس مع القول بأن العلاقة ساءت مع الأمريكيين في العهد الأخير من أوباما؛ فالواقع فيما يبدو أن هناك رؤية إستراتيجية أمريكية بصناعة شرطي في المنطقة ومنحه قوة وسلطة أكثر.. هذا الأمر الغاية منه الابتزاز المستمر؛ ولذا فإن ترامب بدأ ممارسة سياسة طلب ثمن ما يُسمِّيه بالحماية مقابل المزيد من الابتزاز. إن السياسة الأمريكية ليست سياسة أفراد، وإنما هي إستراتيجية مستمرة ومتطورة، وتتطلب الكثير من العمق في الفهم وإنْ اختلفت الأدوات والرموز.. وإستراتيجيتنا السابقة في المد والجزر مع الدول الغربية ومع الأمريكيين كانت أكثر نجاعةً في تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، وفي ممارسة وجود شعرة معاوية في طبيعة العلاقة؛ إذ لا بترَ يقطعها، ولا استرسالَ ينفي عنها القدرة على التحرك والتأثير.
أما د. علي الطخيس فيرى أنه وقبل الإجابة على بناء تحالفات مع دول قوية في كل المجالات لا بد من الرجوع إلى الوراء قليلًا، والاستفادة من الدروس التي مرت على العالم العربي وأَخْذ العبر منها لدخول عهد جديد وحقبة تاريخية غريبة الأطوار. فوجود إسرائيل وهيمنتها على دول المنطقة عسكريًّا وعلميًّا واقتصاديًّا مدعومة من الغرب بكل أنواع الدعم، له أثر سلبي بكل المقاييس على الجهود التي تبذلها الدول العربية والإسلامية للنهوض والتقدُّم للأمام. قد يقول البعض: إن الفشل نتيجة الإيمان بقضية المؤامرة. تحالف أيٍّ من الدول العربية بما فيها المملكة أو أي دولة إسلامية مع الدول الغربية وأمريكا بالذات لن يتحقق إذا كان مثل هذا التحالف سينتج عنه دولة قوية، يمكن أن تصل إلى مستوى قوة إسرائيل خاصة من الناحية العسكرية. حتى لو تم التحالف مع روسيا أو الصين أو غيرها، فلن تقف الدول الغربية وأمريكا موقف المتفرج، وستخلق العراقيل لإفشاله، وهناك أمثلة منها:
1- أمريكا والغرب لا تريد قيام دولة تمتلك السلاح النووي، وكوريا الشمالية مثال قائم.
2- أمريكا والغرب يريدون التحكم في مصير الدول الإسلامية والعربية، ولا يريدون قيام أي تحالف مع غيرهم، وتركيا وحصولها على الصواريخ الروسية 400S مثال حيٌّ.
3- كادت العراق أن تصبح دولة نووية في الثمانينيات، وقامت إسرائيل بتدمير كل منشآت العراق النووية.
4- محاولة إيران أن تصبح دولة نووية ودخول الغرب وأمريكا في مفاوضات معها، ووضع شروط وضوابط؛ كل ذلك مدروس بعناية، ولن تتمكن إيران من صناعة أسلحة نووية؛ لأن إسرائيل لن تقبل بذلك.
5- تفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك خُطِّط له بعناية فائقة ونُفِّذ بدقة، وأُلصِقت التُّهم بالمملكة وغيرها لتشويه سمعة المملكة، في الوقت الذي بدأ يسود جو من الثقة والاحترام للمملكة نتيجة مواقفها الإنسانية والأخلاقية والمصداقية.
قيام تحالفات بين الدول فنٌّ وعلم في السياسة الدولية يجيده البعض. للمملكة – ولله الحمد – ميزة طيبة مع كل الدول تقريبًا، لكن الخوف من غيرة بعض الدول إنْ لم يتم التحالف معها.
ʘ رؤية استشرافية حول تحالفات المملكة المستقبلية:
أشارت أ. مها عقيل إلى أن العلاقات الثنائية للدول بدايةً تنطلق بناءً على مبادئ وأولويات وإستراتيجيات، وفي الفترة الأخيرة حصل تحوُّل وتغيير في علاقات المملكة وسياساتها الخارجية، والذي قد لا يبدو فيها واضحًا: ما هي المبادئ والأولويات والإستراتيجيات التي تعمل عليها المملكة في تكوين التحالفات؟ أما بالنسبة لتنوُّع التحالفات فهذا مهمٌّ وأساسي، ولا مانع من الاتجاه شرقًا وغربًا، وإلى أفريقيا وغيرها بناءً على مصالحنا الإستراتيجية، وأخذًا في الاعتبار مكانة المملكة إقليميًّا ودوليًّا، وخاصة في العالم الإسلامي. وتنوُّع التحالفات يكون أيضًا داخل الدول، وذلك بأن لا نرتبط بحزب واحد أو شخص الرئيس، وإنما يكون هناك تواصل وعلاقات مع عدة أحزاب وجميع مراكز القوة والإعلام والمجتمع المدني والمنظمات الدولية؛ وهو ما يقود إلى التأكيد على أهمية الكوادر الدبلوماسية التي تُمثِّلنا في السفارات والمحافل والمنظمات الدولية. كما يجب أن نهتم بدور الإعلام والدبلوماسية الناعمة أو العامة بحيث تكون هناك إستراتيجية موحَّدة وتنسيق ووضوح للصورة التي نريد أن ننقلها للخارج، وخاصة للدول التي نريد أن نُؤسِّس لعلاقات قوية معها على المدى الطويل.
وترى أ. فائزة العجروش أن من الأهمية أن تُنوِّع المملكة في تحالفاتها، خصوصًا بعد نهوض عدد من الدول في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية اقتصاديًّا وعسكريًّا وتقنيًّا، مثل: (كوريا وسنغافورة وإندونيسيا، وجنوب أفريقيا، والبرازيل والأرجنتين)، وبما يخدم مصالح المملكة ويدعم توجهاتها، ويُعظِّم الاستفادة من الاستثمارات المنشودة داخل المملكة وخارجها. بجانب العمل على تعزيز الانفتاح مع الآخر، وترسيخ مبادئ الحوار بين أصحاب الثقافات والأديان؛ من أجل ترسيخ التعايش والتسامح بين الشعوب على أسُس إنسانية مشتركة.
وأوضح د. عبد الله العساف أن السياسة الخارجية السعودية في السنوات الأخيرة تسعى إلى تنويع سلتها السياسية كما تُنوِّع سلتها الاقتصادية، نحن بحاجة إلى الانفتاح مع الجميع. وقيادة دفة علاقاتنا مع الديمقراطيين في أمريكا دون توجُّس الخوف منهم أو البناء على تصورات سابقة، فالواجب أن يتم اقتحام الحصن الديمقراطي بحرفية، وأن نوازن بين الطرفين، والأهم أن يشعر الشرق أن توجُّهنا وانفتاحنا ليس مؤقتًا؛ فالشرق هو المستقبل.
وفي تصوُّر أ. جمال ملائكة، فإن التحرُّك المدروس في تحالفات المملكة شرقًا ليس ترفًا. ولنتذكر جميعًا أن روسيا لم تخن قط حلفاءها، والصين تعتبر من نفس الفكر تقريبًا. وربما علينا التفاهم مع دول مثل روسيا والصين، وأن تقوم السعودية بنشر الفكر الوسطي والتواصل مع الأقليات المسلمة هناك.
وأشار د. خالد الرديعان إلى أنه بالنظر إلى إسرائيل، نجد أن لها علاقات تقريبًا مع الجميع عدا بعض الدول الهامشية قليلة التأثير، وهي أذكى وأكثر احترافيةً في مسألة العلاقات مع الدول.
وعقَّب د. صدقة فاضل بأن المسالة ليست تحالفًا واستلطافًا عاطفيًّا. فهناك مصالح، يأتي بعدها قيم ومبادئ. والعالم كله ستسوده المبادئ المبجَّلة، أو تسود معظمه في معظم الحالات.
ومن وجهة نظر أ. بسمة التويجري، فإن ما يُحدِّد علاقات الدول ببعضها في أغلب الأحيان هو المصلحة والمصلحة فقط، والمملكة الآن بلغت مرحلة من النضج السياسي، ومن الانفتاح على دول العالم بغض النظر عن الاعتبارات التي كانت تُمثِّل عائقًا في التواصل مع بعض الدول، تُؤهِّلها لتقديم مصلحتها في أي علاقة أو تحالف جديد، سواءً كان شرقًا أم غربًا.
وطرح أ. محمد الدندني تساؤلًا مؤدَّاه: كيف توازن المملكة بين الطموح أن تكون دولة إقليمية مع وجود صراع مع تركيا وإيران قائم، ولو أنه أقل حدة مع الأتراك؟ هذا الصراع لا يتعارض مع ثوابت المملكة، والتي تعتبرها مركزية بالنسبة لإسرائيل. أليس بروز المملكة حتمًا سيواجه تحدي الدول الثلاث؟ وهل إعادة العروبة بشكل عملي مفيد لتلافي الخلافات الطائفية واستقطاب الأقليات التي سعت إيران وإسرائيل لتضخيمها؟
ومن جانبه يرى أ. جمال ملائكة أن التوجُّه شرقًا سيساعدنا في تعظيم أدواتنا. بالنسبة لإسرائيل، على العرب فتح قنوات اتصال مع اليسار والصحفيين والمجتمع المدني وحتى مع المتطرفين. كما أن تجميع الدول العربية تحت مظلة العروبة في الظروف الحالية صعب جدًّا. يكفي التفاهم والتنسيق مع دول مركزية ومهمة، مثل: مصر، والإمارات، والأردن، والمغرب.
وفي تصوُّر د. خالد الرديعان، فإن من الصعوبة بمكان التخلي عن العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية تحت أي ظرف من الظروف؛ لأن الآخرين لا يستطيعون القيام بما تقوم به عندما نحتاجها. أما بريطانيا فإنها تتقزم شيئًا فشيئًا وكذلك فرنسا، مع الأخذ في الاعتبار كذلك دور ألمانيا السلبي وعدم قدرتها على القيام بشيء خارج حدودها. دول أوروبا عمومًا سلبية في القضايا العربية وتأثيرها غير فاعل. أما الصين فإنها قوة قادمة، لكن ليس كقوة عسكرية يمكن الركون إليها. والصين مجرد تاجر كبير يبيع سلعًا وأسلحة، وغير معنيٌّ تمامًا بسياسة الشرق الأوسط؛ فهو يريد أن يكون تاجرًا للجميع دون تمييز ودون أن يتدخل في مشكلاتهم. ما يفترض القيام به هو ترميم العلاقة مع الولايات المتحدة، وإعادة صياغتها بطريقة تخدم الطرفين، ومعرفة نقاط الضعف والقوة والتحديات والمهددات التي تكتنفها. بينما وبالنسبة إلى روسيا فلن تكون بديلًا جيدًا للولايات المتحدة، لكن من الضروري أن تكون العلاقات معها منسجمةً لحلحلة القضية السورية وعدم تجزئتها كما تُخطِّط إسرائيل؛ لضمان ضعفها الدائم. والحل السحري والمفيد للدول العربية هو معروف وقديم لكنه صعب المنال وهو اتحادها بصورة تجعل لها هيبة. والتبادل الاقتصادي بين الدول العربية هو المدخل المناسب لتقوية العلاقات البينية، وماعدا ذلك هرطقة غير مفيدة. لو حدث اتفاق بين هذه الدول فإنه سيُحسب لها ألف حساب.
وتساءلت أ. بسمة التويجري: أين تقف المملكة في علاقاتها مع دول القارة الأفريقية (غير العربية)؟ ألا يوجد هناك أي مصالح؟ وفي الإطار نفسه، أوضحت د. وفاء طيبة أن إيران بدأت تنشر سياستها وعقيدتها في أفريقيا، فلماذا نحن صامتون؟ كثير من مسلمي تلك القارة وغير مسلميها يتمنون علاقات قوية مع المملكة لمكانتها في العالم. أفريقيا قوية نفسيًّا وجسديًّا، وكثير منهم مسلمون أو قابلون للإسلام بسهولة، هذه الشعوب لو تعلَّق قلبها بالإسلام فسوف تدافع عنَّا دفاعًا مستميتًا، كما أنه يجب أن نُغيِّر نظرتنا نحو أفريقيا باعتبارها شعوبًا متخلفة؛ حيث إنَّ بها حضارات وإمكانات كثيرة، كما أن أفريقيا أيضًا ليس لديها المواقف السلبية من العرب والمسلمين، وهذه نقطة قوة. هناك تهافت عالمي على أفريقيا، وإسرائيل خصوصًا، ويجب أن نكون جزءًا منه، هم يعلمون أن هذه دول أو قارة واعدة بقواها وموقعها وذهبها وألماسها ومائها وكل ما فيها من خيرات، بل إنَّ روسيا هي الأخرى تعمل على تعزيز علاقتها وقواها في أفريقيا.
وعقَّب أ. محمد الدندني بأنه لدينا المنصة الوطنية والعربية / الإقليمية والإسلامية، وليست شرطًا في أفريقيا. كلها يجب أن تُكرَّس لمشروعنا الوطني. نعم، أفريقيا مهمة وبالذات شرقها. لا يخفى الصراع بين الصين والغرب عليها، ويبدو أن الصين تُحقِّق تقدُّمًا ملموسًا.
وذكر د. زياد الدريس أنه حين أطلق الملك فيصل – يرحمه الله – دعوةَ (التضامن الإسلامي) توجَّه إلى أفريقيا وإلى آسيا لحَشْد التحالفات من المؤيدين لدعوته. وقد كانت زياراته المتوالية إلى دول أفريقيا والحشود التي كانت تستقبله بعواطف جياشة ملأت شوارع المدن الأفريقية. والوضع نفسه كان حين زار باكستان وإندونيسيا وغيرهما. وبالمناسبة، فإن الذين يدخلون انتخابات في المنظمات الدولية، يراهنون دومًا على أصوات المجموعة الأفريقية؛ لأنها المجموعة التي تملك أكبر عدد من الأصوات من بين المجموعات الجغرافية الأخرى.
وأشار د. عبد الله العساف إلى أن علاقتنا بأفريقيا شرقها وغربها توقفت بعد زيارة الملك فيصل رحمه الله، فرغم موقعها الجغرافي وثرواتها التي تنسجم مع توجُّهات الرؤية لفتح استثمارات خاصة معها؛ إلا أن التواجد السعودي رغم أسبقيته توقَّف عند حقبة زمنية ماضية، واستغلته ثلاث دول لديها مشاريع في منطقتنا العربية: إسرائيل، وإيران، وتركيا. لكن السعودية بسياستها الجديدة وانفتاحها على الجميع سعت لاستدراك هذا الخلل وعيَّنت وزيرًا لشؤون الدول الأفريقية، وسعت الرياض بمبادرة من خادم الحرمين تُوِّجت باتفاق تاريخي بتوقيع سبع دول عربية مشاطِئة للبحر الأحمر، وهو كيان سياسي اقتصادي عسكري أمني سيكون تكتلاً إقليميًّا مهمًّا، وربما موازيًا لمجلس التعاون الخليجي في بعض جوانبه. حان الآن وقت توجيه بوصلتنا تجاه القارة السمراء في سباق مع الزمن والخصوم؛ فالدول الغربية سعت لاستئجار مساحات مختلفة من الدول الأفريقية لإيجاد قواعد عسكرية مهما صغرت مساحتها، لكن مكاسبها عظيمة بالتأكيد. أما بالنسبة للبعد الإسلامي فقد كان مُحدِّدًا رئيسًا في علاقتنا بباكستان والهند، ومع المتغيرات والتحولات وتغير الولاءات والتوجُّهات نجحت السعودية مؤخرا بقيادة ولي العهد في تجاوز هذا المُحدِّد، وأصبحنا والهند نقترب من بعضنا أكثر وأكثر؛ فالهند دولة تحكمها مصالحها في المرتبة الأولى وكذلك بقية الدول، لكن باكستان تؤثر فيها الأيديولوجيا والحزبيات التي تكون سببًا في تعطُّل بعض المشاريع المهمة ما بين ترضية وما بين رفض.
وأكدت أ. مها عقيل على أننا بالفعل أهملنا كثيرًا البعد الأفريقي في علاقاتنا الدولية، بالرغم من وجود رصيد كبير من المشاعر الطيبة نحونا من الدول الأفريقية المسلمة ورغبتها في ترسيخ علاقات اقتصادية وسياسية. وكانت الجلسة في منتدى مبادرة الاستثمار المُخصَّصة للدول الأفريقية، والتي كان فيها رؤساء ثلاث دول أفريقية، لفتةً مهمةً.
وفي اعتقاد أ. جمال ملائكة، فإن الصين دولة عظمى والهند دولة قوية جدًّا، لا يستطيع أحد مهما بلغت قوته أن يفرض عليهما شيئًا. الحل هو تدعيم العلاقات والعمل دبلوماسيًّا على مواضيع مشاكل الأقليات بهدوء ونفس طويل، خاصة أنه ليست كل الهند متعصبة ضد المسلمين، ولكن جناح في الحزب الحاكم. والوضع في الهند مُعقَّد، وتعقيده ينبع من مشكلة كشمير. والذي يعتقد أن استمرار المواجهة مع الهند بخصوص كشمير، وأن ذلك سيؤدي إلى استقلال كشمير- واهمٌ جدًّا. باكستان تتحرك بدافع غير منطقي للأسف.
وتطرَّق د. نبيل المبارك إلى أهمية تناول الأسس التي يجب أن تُبنى عليها تحالفات المملكة في المقام الأول، في المديين المتوسط والطويل. ومن ثَمَّ، يكون مفيدًا التساؤل: ما هو الوجه الذي نودُّ أن نُقدِّم السعودية على أساسه، هل الوجه العربي؟ أو الإسلامي؟ أو القوة الإقليمية ذات الهويات المتعددة؟ أو الدولة المنفتحة؟ أو القوة الاقتصادية؟ أو كل ما سبق؟ أو حسب الحالة؟ هل تم تحليل الطريقة التي استقر عليها الغرب في تقديم نفسه كدول مسحية؟ هل هو نموذج ممكن أن يكون لدينا؟ لماذا نعم؟ ولماذا لا؟ فالسياسة مجرد أداة لتوظيف الأبعاد التي تُشكِّل أهمية الدولة للدول التي ترغب في التحالف معها. فلدينا بُعد السعودية التي تشكلت منذ أكثر من ٨٦ سنة، ولدينا البُعد العربي، والبعد الإسلامي، فأي تلك الأبعاد نريد أن نكون؟ وعقَّبت د. وفاء طيبة بأن سمو الأمير ولي العهد ذكرها جميعها عندما كان يتحدث عن الرؤية.
ومن ناحية أخرى، ذهب أ. محمد الدندني إلى أن من ركائز الرؤية 2030 الاعتماد على النفس والتحوُّل إلى مجتمع منتج. وهذا سيثير حفيظة دول كثيرة، منها مَن لا يودُّ أن يرى السعودية القوية مع حقيقة أننا لا ننافسها اقتصاديًّا، ودول تحذر المنافسة سياحيًّا وخدميًّا وصناعيًّا. وهذا يجعلنا بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى قوة رادعة لمنع الحرب. الغرب وغيره إذا وجد منطقة ضعف سيتحرك باتجاهها. إسرائيل والغرب مزَّقا المشرق العربي، وإيران تجدها فرصة لاقتطاع حصة، العيب في النظام العربي. هذا يعيدنا مرة أخرى للتأكيد على أهمية البعد العربي / الإقليمي لأمن المملكة.
وعقَّب د. عبد الله العساف بأننا نقع في قلب العالم، ومَن يسيطر على القلب يتحكم في الجسد، وهذه المنطقة مليئة بالثروات التي لا سبيل لوضع اليد عليها إلا بالثورات وبالتكلفة الصفرية أيضًا لمَن يشعل هذه الصدامات لجني ثمرتها؛ الغرب سمح لإيران بالتوسُّع والتمدُّد لكنه لن يرضى ويسمح بدخولها النادي النووي لأسباب كثيرة، أضف إلى ذلك أن السماح لإيران باجتياح أربع عواصم عربية ثم الانقلاب عليها مؤخرًا جزء من الإستراتيجية الغربية لاستنزاف إيران، والمنطقة بشكل عام. لو تصالحنا وإيران لكانت التكلفة علينا جميعًا منخفضة، لكن مَن يُقنع الملالي ذوي العقلية المتحجرة، والتي أتت تحمل مشروعًا تدميريًّا وحلمًا إمبراطوريًّا، ووجدت مَن يمدُّ لها يدَ العون، أفرادًا ودولاً. ليس أمامنا وإيران من خيار سوى تغليب المصالح؛ فإيران لن تستطيع إخراجنا من التاريخ وإزاحتنا من الجغرافيا، ونحن كذلك. لكن الملالي لا عهد لهم، كيف أعاهدك وهذا أثر فاسك؟!
في حين ذكرت د. عبير برهمين أن عنوان القضية ” السعودية هل تستبدل التحالفات أم تُنوِّعها” يثير مجموعةً من التساؤلات المهمة:
1- لماذا نحصر الخيارات في اثنين فقط: الاستبدال والتنوع؟ وماذا عن “التوازن”؟ وماذا عن “خلق علاقات ذات طابع خاص”؟ وماذا عن ” صداقات السلام”؟
2- ورد ذكر القوة الناعمة، فما هو الدور الشعبي عبر منظمات المجتمع المدني غير الربحية، ألم يأن الأوان لتفعيلها بشكل يُحقِّق مكاسب أخرى خاصة مع تَرَؤُّس المملكة لاجتماعات مجموعة دول العشرين العام القادم ٢٠٢٠؟
3- ألا يتوجب استشراف وتقدير نظرة الدول الأخرى للمملكة، والعمل على هذا الأساس؛ لتحقيق أكبر استفادة في رسم ملامح علاقاتنا بها، بما يحقق مصلحة المملكة أولاً؟ أمريكا في عهد ترامب الذي أعلنها صراحة ترى أننا نعتمد عليها كثيرًا، وأننا يجب أن ندفع مقابل اعتمادنا عليها. وروسيا ترى أننا نستخدمها كفزَّاعة وقت الأزمات لأمريكا. والدول الإسلامية ترى أن السعودية هي حاملة الراية الإسلامية، وعليها الدفاع والتصدي لكل ما يمسُّ الإسلام من قريب أو بعيد من قضايا… إلخ.
4- هناك دول أخرى لم نتطرق لها في توجهات المملكة السياسية، وهي دول أمريكا اللاتينية، والتي ليس لديها أجندة خاصة تجاه المملكة، ألا يمكن الاستفادة منها في علاقات وصداقات ذات طابع خاص؟
وأوضح د. عبد الله العساف تعقيبًا على ما طرحته د. عبير برهمين بأن من المهم أن تبحث المملكة عن تنوُّع العلاقات وتوازنها؛ أو هكذا يُفترض في توجُّه السياسة الخارجية السعودية، خصوصًا بعد تفعيل الرؤية ذات الأبعاد المتعددة. في السابق، وضعنا بيضنا في سلة واحدة هي سلة واشنطن، وقد كفتنا حتى عقد مضى مؤنة البحث عن شركاء آخرين. ولكن التحولات الأخيرة والتاريخ والتجارب والحكمة والإستراتيجية تفرض علينا تفعيل البعد الميكافلي في علاقاتنا الخارجية، بدءًا بدول الخليج إلى البرازيل والصين وماليزيا وإندونيسيا. لدينا البعد الإسلامي والحرمان وأئمتهما كقوة ناعمة، كذلك فإننا لم نستثمر علاقتنا بأمريكا اللاتينية والتي بدأت مؤخرًا في التحسُّن، وكذلك أفريقيا وغيرها، كما أن دول آسيا الوسطى لديها انفتاح على السعودية ورغبة في أن تكون الامتداد الثقافي والإسلامي للسعودية.
وفي تصوُّر م. أسامة كردي، فإن عمل التوازن في التحالفات يجب أن يكون مرحليًّا وببطء، ويستغل الأوضاع مثل تغيُّر الحكومات في الغرب؛ فالمشكلة حاليًّا أن الغرب عاد إلى مقولة: if you are not with us then you are against us. والوقع أن أكبر مستوردي بترولنا هم الصين واليابان وكوريا والهند، ويتوجب التوجه لهم بدقة وبطء. ولكن المشكلة الحالية أنه بسبب عدد من الأحداث، فإن أقرب أصدقائنا هو ترامب وليس أمريكا، وبالتالي قد يكون خروجه من البيت الأبيض مشكلة لنا يمكن تحويلها إلى فرصة قصيرة المدى لتطوير علاقاتنا مع الشرق.
وعقَّب د. سليمان الطفيل بأن التعامل مع الغرب هو أصعب وأعقد من التعامل مع الشرق.. وتجنُّب مخاطرهم التي ليست وليدة اليوم، والتوازن والتدرُّج في تقوية مركزنا لا بد أن يبدأ من الداخل وألا نعطي الغرب أكثر مما كان، بل نعطيه قدر ما يوصلنا لأهدافنا السامية مع محافظتنا على علاقتنا الوطيدة بدول الجوار، وتقوية هذه العلاقة بكل السبل والوسائل، والدور الإعلامي يجب أن يسهم بشكل أكبر في هذا الجانب.
ويرى د. مساعد المحيا أن غالب ما سيترتب على سياسة الانفتاح على الشرق هو بعض الجوانب الدبلوماسية مع بعض الاتفاقيات اللوجستية… كما أن أي توجُّه للشرق أو القارة السمراء هو مفيد في حشد الأصوات إزاء موقف معين، وضريبته استنزاف اقتصادي دون مقابل يستحق. حاليًّا، فإن كل صوت يتحدث عن تعدُّد الخيارات هو صوت لا يرتبط بالواقع ولا يستشرف المستقبل.. نحن قدرًا لا نستطيع الانفكاك عن التحالف الإستراتيجي مع الأمريكيين ولا عن الغرب، ويعزز ذلك ارتباطنا اقتصاديًّا بالدولار، وبيعنا النفط عبر الدولار.. أيضًا نحن نبالغ في تصوُّر قدراتنا الفعلية في إدارة كثير من ملفات المنطقة.. وهناك فرق بين رؤيتنا القائمة على آمالنا وطموحاتنا وبين الواقعية التي تقوم على معطيات ومعلومات حقيقية، وبخاصة بعد أن أصبحت الشبكات الاجتماعية قادرة على نقل كثير من المعلومات التي تتحدث عمَّا يجري في المنطقة، والعوامل المؤثرة فيها. وبصفة عامة، فإنه لن يكون لنا قوة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا إلا من خلال ما يلي:
- العناية بما اختصنا الله به من رسالة سامية تُمثِّل الغاية من خلق الإنسان، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إلا لِيَعْبُدُونِ﴾ [سورة الذاريات: الآية 56]، وما يترتب على ذلك من رعاية للحرمين، وتقديم أفضل الخدمات للحجَّاج والمعتمرين، والاهتمام بشؤون المسلمين في العالم.. وهو الجانب الناعم في علاقتنا بالعالم الإسلامي.
- العمل على بناء قوتنا العسكرية في مختلف المجالات والقدرات، سواء في صناعة الكفاءات البشرية أو صناعة الأسلحة المتطورة.
- منح المواطن الكثير من الفرص للمشاركة في صناعة القرار.
- التوازن في التعامل مع كل القوى الدولية، واستثمار كل الأطياف التي نجدها تتعاطف أو تتقاطع مصالحها معنا.
أما د. خالد بن دهيش فيرى أن المُشاهَد في السنوات الأخيرة ومن خلال رؤية المملكة ٢٠٣٠ وبرامجها، أنه لم تعُد التحالفات السياسية هي الأهم للمملكة، بل التحالفات الاقتصادية الاستثمارية التي تركز على الانفتاح على العالم شرقه وغربه دون أي تحيُّز لطرف. فصندوق الاستثمارات العامة سيُصبِح أكبر صندوق استثماري سيادي؛ وبالتالي ستكون المملكة في نهاية رؤيتها عام 2030 سوقًا مالية متقدمة جاذبة لكبرى الشركات العالمية، وبالذات شركات التقنية والطاقة المتجددة والصناعات التعدينية وصناعة الأسلحة. إذًا لا بد من التركيز على التحالفات الاقتصادية لنتوافق مع أهداف الرؤية، بأن يكون اقتصادنا مزدهرًا، بالطبع مع التحالفات السياسية، وألا يبعدنا التباعد السياسي عن التحالف الاقتصادي.
وفي تصوُّر د. عبد الله العساف، فإن الاقتصاد هو القاطرة التي تقود بقية العربات وتُوجِّهها، ونحن بحاجة لاستثمار قوتنا الاقتصادية ووجودنا في العشرين الكبار وبورصة النفط والمعادن وغيرها، لخلق علاقات ومصالح اقتصادية، ومهما تعقَّدت العلاقات السياسية وتوتَّرت تبقى المصالح الاقتصادية هي الفيصل. وهذا يؤكد أن تنويع السلة الاقتصادية بالضرورة يستلزم بناء علاقات سياسية.
وإجمالًا، ذكر د. صدقة فاضل أن هناك خمس “دوائر” تدور في فلكها السياسة الخارجية السعودية: الخليجية، العربية، الإسلامية، دائرة الدول النامية، الدول الكبرى والعظمى. ولا بد لهذه السياسة أن تعطي الأولوية للدوائر (١، ٢، ٥). باكستان والهند تقعان في الدائرة (٣). إذًا، التركيز على حل القضية الفلسطينية (مثلاً) يجب أن يُقدَّم على ما بعده ترتيبًا. وهذا يجب ألا يعني حصر الاهتمام في الدوائر الأولى، دون بذل أي جهد خارجها.
وأضافت أ. مها عقيل أنه كلما كنا معتمدين على أنفسنا أكثر، كنا أقوياء أكثر إقليميًّا ودوليًّا. هذا لا يعني ألا ندخل في شراكات وتحالفات، ولكن أن نعرف كيف نستخدم نقاط القوة التي لدينا لنحصل على ما نريده بأقل التنازلات، وأن يكون لدينا مبادئ ثابتة وإطار عام نتحرك فيه.
وأكد د. سليمان الطفيل على مجموعة النقاط المحورية التالية في بناء تحالفات المملكة المستقبلية:
1- لا بد من مراعاة الجانب الاقتصادي في معادلة التحالفات الدولية.
2- النظر للدول التي لديها ميزة تنافسية مع المملكة لكسب مصالح اقتصادية أمثل معها.
3- مراجعة وتقييم جميع الاتفاقيات الاقتصادية للمملكة مع العالم الخارجي، سواء الاتفاقيات العالمية كاتفاقية WTO أو الجات، أو مع دول الاتحاد الأوروبي، أو الاتفاقيات العربية أو الخليجية أو الآسيوية؛ وذلك من منظور شمولي واحد، ويجب أن تُؤسَّس لها لجنة أو مركز موحَّد لتقليل التعارض وتقليص أو تخفيض تكاليفها على اقتصادنا.
4- الانفتاح الاقتصادي ضروري من العالم، لكن وفق ضوابط وشروط اقتصادية تحددها المملكة تتفق مع مبادئها ومصالحها.
ʘ التوصيات:
1- العمل على توازن علاقات بلادنا مع القوى العظمى، وبما يخدم مصالح المملكة، ويدعم توجهاتها، ويعظِّم الاستفادة من الاستثمارات المنشودة داخل المملكة وخارجها.
2- الاهتمام بالشرق؛ روسيا، الصين، الهند، وكوريا الجنوبية، ومجموعة البريكس، وغيرها من الدول الناهضة ممن تعيش نسبة نمو في اقتصاداتها، كإندونيسيا وتايلاند وفيتنام. تحديد الهدف من التحالف مع كل دولة، والتواصل مع هذه الدول بكافة الطرق الرسمية والمدنية أو الشعبية من خلال الغُرف التجارية مُمثلاً للقطاع الخاص والجامعات ومراكز الأبحاث، وأن يشمل ذلك تفعيل الدبلوماسية الناعمة وجمعيات المجتمع المدني ومراكز الفكر والبحث العلمي، وعدم حصرها في التواصل مع الحكومات، والتوسع في زيارات الوفود الشعبية للمملكة.
3- تفعيل القوانين والتشريعات لحماية المواطن والزائر والمقيم، وإشعار العالم بأننا دولة تحترم الإنسان، وتحترم العقود والاتفاقيات.
4- إبراز الهوية العربية والإسلامية عربيًّا وإقليميًّا ودوليًّا من خلال التأكيد على تبني المملكة لرسالة التعايش السلمي بين الشعوب، ودعمها لرسالة الوسطية والاعتدال النابعة من تعاليم الإسلام الحنيف.
5- السعي الحثيث لخلق مجتمع مدني له دور في تنشيط العلاقات مع الداخل والخارج.
6- تدريس مادة عن السياسات الخارجية في المرحة الثانوية؛ لتهيئة أجيال تفهم وتُحلِّل ما يدور من أحداث وعلاقة السياسة بمجرياتها.
القضية الثالثة
مجلس الشورى: الواقع والمأمول
(24/11/2019م)
ʘ الورقة الرئيسة: أ. د. صدقة فاضل
ʘ التعقيبات:
- · التعقيب الأول: د. زياد الدريس
- · التعقيب الثاني: د. عبد الله المطيري
ʘ إدارة الحوار: د. وفاء طيبة
ʘ الملخص التنفيذي:
أشار أ. د. صدقة فاضل في الورقة الرئيسة إلى أن مجلس الشورى السعودي ما زال بعيدًا عن السلطة التشريعية المأمولة، ولكن توجد فيه كثيرٌ من ملامح السلطة التشريعية الحقيقية. كما أن المجلس ليس جامدًا، بل إنه يتطور تدريجيًّا مقتربًا – مع مرور الزمن – من هذه السلطة المبتغاة. وكلنا نريد، بالطبع، لـمجلسنا أن يصبح كذلك، في إطار ثوابتنا الدينية والوطنية المعروفة. ويعتبر البعض أن مجرد تواجد المجلس – في حد ذاته – نقلة نوعية في التاريخ السياسي السعودي. فالتواجد غالبًا ما يكون أفضل من العدم، على أي حال. وقد لمسنا أن ولي الأمر يريد أن يكون هذا المجلس أداة فعالة لخدمة الوطن والمواطن. وأشار إلى رغبة كثير من المعنيين بالمجلس أن يتحلى بأهم خصائص البرلمانات: أنه يجب أن يبدأ الإصلاح والتطوير في المجلس بالبرلمان (الشورى) وينتهي به. كما تضمنت الورقة وصفًا لمهام وأجهزة المجلس وأدوارها.
فهو لم ينشأ للتفاخر أو الادعاء أو التمويه؛ وإنما أُنشئ ليكون عونًا فاعلاً وإيجابيًّا للسلطة التنفيذية في تسيير أمور الدولة، وتصريف شؤون البلاد. ومن يحضر أغلب النقاشات في هذا المجلس، سيرى بأم عينه، ويسمع بأذنه، كيف أن الأعضاء يتبارون في تصيُّد أي خطأ أو قصور للسلطة التنفيذية، ولكن بحذر واتزان. ويحاولون جهدهم تقويم أي تجاوز، بما يبدونه من آراء خلاقة وجريئة ونزيهة، وفي لُطف تام وأدب جمٍّ.
وذهب د. زياد الدريس في التعقيب الأول إلى أن الواضح من تتبُّع مسار المجلس منذ 1414 حتى 1441هـ أن الحكومة تعمل على تطوير أعمال المجلس وزيادة صلاحياته، ولكن بهدوء رصين يتلاءم مع رصانة نظام ملكي يدير الدولة ويرعى شؤونها فعليًّا، وليس صوريًّا (مملكة دستورية) أو شعبيًّا (جمهورية). مع أن البعض ينكر وجود هذا التطوير، ليس إنكارًا لوجوده حقيقةً، ولكن امتعاضًا من بطئه.
من جانبه استهل د. عبد الله المطيري التعقيب الثاني بالتطرُّق لما يعنيه نظام الشورى في الإسلام، وواقعه في عهد الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، والخلفاء الراشدين، ثم تناول واقع مجلس الشورى والمأمول منه من منظوره كمواطن.
وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
s هل نريد مجلس الشورى مُعيَّنًا أم مُنتخَبًا؟
s مدى أهمية تفرُّغ أعضاء مجلس الشورى.
s تساؤلات حول آليات عمل مجلس الشورى.
s سبل تطوير مجلس الشورى.
ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول قضية “مجلس الشورى: الواقع والمأمول” ما يلي:
1- إنشاء مركز دراسات فعَّال think tank يتم إلحاقه بمجلس الشورى؛ وحث مجلس الشورى على تفعيل شراكاته مع مراكز الدراسات الوطنية (غير الحكومية أو شبه الحكومية)، والاستفادة من الملتقيات والمنتديات الفكرية (كملتقى أسبار الفكري).
2- تدريب النشء في المدارس والجامعات على العملية الانتخابية بمفاهيمها (الترشيح، الانتخاب، التصويت، الكوتا، وغيرها من المفاهيم) في مجالس للطلبة مثلاً، كبداية لنشر ثقافة الانتخاب الصحيح، وزيادة حضورهم لجلسات المجلس للاستفادة، وكذلك تدريب المؤسسات المدنية. وزيادة مشاركة الشباب في المجلس برفع عدد مقاعدهم.
ʘ الورقة الرئيسة: أ. د. صدقة فاضل
لقد شرُفت باختياري عضوًا في مجلس الشورى، اعتبارًا من دورته الرابعة، التي بدأت يوم 3/3/1426هـ. وشرُفت بتجديد عضويتي في هذا المجلس مرتين، انتهت يوم 3/3/1438هـ. وحظيت وسعدت بإتاحة هذه الفرصة الثمينة لي (12 عامًا) لأشارك، مع الصفوة المختارة من خيرة رجالات هذا البلد الكريم، في بلورة النظُم والقرارات التي تحكم الحياة العامة لبلادنا، وتُوجِّه – بعد الله – حاضرَها ومستقبلَها نحو الخير والرفعة والتطور الإيجابي. هي عضوية تكليف قبل أن تكون عضوية تشريف.
لقد تابعت (بحكم التخصص) هذا “المجلس” منذ نشأته في بلادنا، ومنذ صدور نظامه الجديد في عام 1413هـ، مرورًا ببدء دورته الأولى عام 1414هـ، وحتى الآن. وأستطيعُ القول: إن هذا “المجلس”، في صورته الحالية، تطوَّر نحو الأفضل، ولكن ببطء لا يُحسد عليه. ومن أبرز ملامح هذا التطوُّر (الثانوي): زيادة أعضاءه من 60 في الدورة الأولى إلى 150 عضوًا في الدورتين الرابعة وما بعدها، وتوسيع بعض صلاحياته مبتعدًا عن “الاستشارة” فقط، ومقتربًا نحو “التشريع الأساسي”. كما انفتح المجلس على المجتمع، وزاد تفاعله مع المواطنين، عبر زياراتهم له ومشاركتهم غير المباشرة في مخرجاته. وواكب ذلك انفتاحٌ إعلاميٌّ جعَل معظم ما يدور في المجلس معروفًا لدى المواطنين، ومُقدَّرًا من أغلبهم؛ كون ما يدور فيه يتحسس مشاكلهم وآمالهم، ويكرِّس الفكر لإيجاد الحلول الأنجع للمشاكل والآلام، والسبل الأسلم لبلوغ الطموحات والآمال.
****
ومن الصعب تقديم “تقويم” للمجلس في عجالة كهذه، فمثل هذا التقويم يحتاج – بالفعل – إلى كتاب، على الأقل. ولا أخفيكم أنني قد وضعتُ اللمسات الأولى لكتاب مُطوَّل عن المجلس، من حيث واقعه والمأمول منه. ولا أدرى متى يمكن إصداره. ومبدئيًّا، أرى أن المجلس يمكن اعتباره الآنَ مركزَ ترشيد القرارات والنظُم والقوانين، الصادرة عن حكومتنا الرشيدة، والمُنظِّمة لحاضر ومستقبل شعبنا. ويتطلع الكثير من المسؤولين والمواطنين، بمختلف فئاتهم ومستوياتهم، إلى أن يصبح هذا المجلس “قطب الرحى” في نظامنا السياسي السعودي، عبر تحويله – المتأني والمتدرِّج – إلى سلطه تشريعية كاملة… لها ما لهذه السلطة من اختصاصات وصلاحيات، وعليها ما عليها من واجبات واستحقاقات.
****
لقد توصَّل الفكر السياسي العالمي على مدار أربعة آلاف من السنين تقريبًا، واستنادًا إلى التجارب العملية وأحداث التاريخ السياسي لبني الإنسان – إلى صيغة عامة معروفة لما ينبغي أن تكون سلطة التشريع عليه؛ من حيث: التكوين والصلاحيات، وما إليهما. فالحكومة – أيّ حكومة – هي السلطة العليا العامة في البلاد – أيّ بلاد – بفروعها الثلاثة: التشريع، التنفيذ، القضاء. وإنَّ أي حكومة، وفي أي مكان وزمان، هي في الواقع عبارة عن جهاز إداري ضخم، يُشرِّع ويُنفِّذ ويُقاضِي، وتعتبر “السلطة التشريعية” أهمَّ السلطات الثلاث، كيف لا؟! وهي التي تضع القوانين، وتجيز السياسات، وتُرشد القرارات والاتفاقات، وتراقب التنفيذ وتتابعه، وتختار القضاة الدستوريين.
وما زال مجلسنا بعيدًا عن السلطة التشريعية المأمولة، ولكن توجد فيه كثيرٌ من ملامح السلطة التشريعية الحقيقية. كما أن المجلس ليس جامدًا، بل إنه يمكن أن يتطور مقتربًا – مع مرور الزمن – أكثر من هذه السلطة المبتغاة. وكلنا نريد، بالطبع، لـمجلسنا أن يصبح كذلك، في إطار ثوابتنا الدينية والوطنية المعروفة. ويعتبر البعض أن مجرد تواجد المجلس – في حد ذاته – نقلةً نوعية في التاريخ السياسي السعودي. فالتواجد غالبًا ما يكون أفضل من العدم، على أي حال.
****
وقد لمسنا أن ولي الأمر يريد أن يكون هذا المجلس أداة فعالة لخدمة الوطن والمواطن. فهو لم ينشأ للتفاخر أو الادعاء أو التمويه؛ وإنما أُنشئ ليكون عونًا فاعلاً وإيجابيًّا للسلطة التنفيذية في تسيير أمور الدولة، وتصريف شؤون البلاد. ومَن يحضر أغلب النقاشات في هذا المجلس، سيرى بأم عينه، ويسمع بأذنه، كيف أن الأعضاء يتبارون في تصيُّد أي خطأ أو قصور للسلطة التنفيذية، ولكن بحذر واتزان. ويحاولون جهدهم تقويم أي تجاوز، بما يبدونه من آراء خلَّاقة وجريئة ونزيهة، وفي لُطف تام وأدب جمٍّ.
****
وبالطبع، فان أهم خصائص أي برلمان هي: امتلاكه لكامل السلطة التشريعية المُلزِمة (بما في ذلك مناقشة ميزانية الدولة، وإقرارها، ومتابعتها، والمساءلة بشأنها)، إضافةً إلى كون أشخاصُه منتخبين – بعدد مناسب – عبر الاقتراع الشعبي المباشر؛ لضمان تمثيلهم لشعبهم. وغالبًا ما يتراوح عدد النواب بين 50 – 600 في أغلب دول العالم ذات الحكومات الديمقراطية. هذا عدا أشخاص المجلس الآخر – إنْ وُجد – من السلطة التشريعية، التي يتكون معظمها من مجلسين شبه مستقلين، وخاصة في الدول الفيدرالية.
لذلك، لا يُستغرب أن تنصبَّ أهم وأبرز “المطالب” (الداخلية والخارجية) تجاه مجلس الشورى، على تطويره؛ ليتضمن العناصر التي هي أهم خصائص البرلمانات. حتى أن ما يُعرف بـ “الإصلاح” أو “التطوير”، على الأصح، أهم ملامحه هي: أنه يجب – في رأي الكثير من المعنيين – أن يبدأ بالبرلمان (الشورى) وينتهي به.
وهذا نابعٌ من كون “التنمية السياسية” الإيجابية هي أساس (المتطلب الأساس) التنمية الشاملة في كل مجالات الحياة، وكون “المشاركة الشعبية” هي “أُس” التنمية السياسية الإيجابية وجوهرها. وهذه التنمية تتطلب، وكما هو معروف، وجود لجنة سياسية (دستورية) مُشرِفة من كبار المختصين والخبراء. ولكن، ومع الاحترام لهذه الآراء (المطالب) نذكر أن التدرُّج والتأني أمران مطلوبان بشدة وإلحاح في حالتنا بالذات. وأي تطوير جادٍّ لـمجلس الشورى الراهن يجب أن يتم في إطار الثوابت الدينية والوطنية لشعبنا.
ولا بأس في مَنْح المجلس سلطات تشريعية متنامية (من ضمنها مناقشة الميزانية)، والأخذ بوسيلة الانتخاب بشكل جزئي ومُتدرِّج، مع زيادة عدد أعضائه إلى 300 عضو كحد أعلى؛ لضمان “تمثيل” كافة أرجاء البلاد، إضافةً إلى الاستمرار في إشراك المرأة، وإعطائها حق المشاركة السياسية كاملاً، طالما أن ذلك لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية.
ويجب أن يظل “الملك” في نظامنا السياسي هو المرجعية السياسية الدستورية. فذلك ضرورة تقتضيها اعتبارات سياسية واجتماعية وتاريخية وأمنية معروفة. لذا، لا بد أن يكون له حقُّ “النقض” المشروط على قرارات مجلس الشورى، وَفْق قواعد محددة دستوريًّا. كما أن تطويرًا كهذا لا بد أن يتم على مدار سنوات، 12 – 24 عامًا مثلًا.
****
أهم الملاحظات على المجلس:
صحيحٌ أنني وبحكم تخصصي في العلوم السياسية، وعملي الأكاديمي بالجامعة لأكثر من عقدين، أعرف نظريًّا كلَّ شيء تقريبًا عن نظامنا السياسي السعودي بصفة عامة، وعن مجلس الشورى فيه على وجه الخصوص. ومرَّ حينٌ من الزمن كنتُ أظنُّ خلاله أن المجلس عبارة عن لجنة كبرى يحيل إليها الملك ما يشاء من مواضيع، ويحجب عنها ما يريد حجبه، لتبدي رأيها في تلك المواضيع، وترفعه إليه. والملك في حلٍّ بعد ذلك؛ إما أن يأخذ بذلك الرأي أو ببعضه، أو يتجاهله ويعمل ما يشاء!
ولكن، تبين لي أن “الأعضاء” يمثِّلون – بشكل أو آخر – المواطنين، بمختلف فئاتهم ومناطقهم، وأن الملك يحيل إليهم كثيرًا من أمور وشؤون الدولة الكبرى، ليبدوا رأيهم فيها، وأن ذلك الرأي محل احتفاء من قِبل الملك، فهو يأخذ بمعظم ما يرد إليه من مجلس الشورى من توصيات.
****
لقد صار لديَّ عدة ملاحظات عن تكوين المجلس حاليًّا وصلاحياته وسلطاته وتأثيره؛ أي عن “عمل” هذا المجلس الفعلي. ويمكن في الواقع تقسيم “الملاحظات” إلى قسمين رئيسين: ملاحظات جوهرية، تشمل تكوين المجلس وصلاحياته، وقد أوردناها آنفًا. وملاحظات ثانوية، تتضمن ما عدا الأمور الجوهرية من أمور مهمة. وأُوجز فيما يلي ملخصًا لبعض الملاحظات غير الجوهرية المهمة، التي أحصرها في الأبعاد التسعة التالية:
أولًاً – الإدارة والتجهيزات:
إن تنظيم وإدارة المجلس أمران أثارا إعجابي في البداية. فتسيير دفة المجلس تتم على أحدث الأسُس التي تمخض عنها علم الإدارة الحديث، ويقوم بها شباب سعودي كفؤ، يمتلئ حيويةً ونشاطًا وإخلاصًا، ويتدفق لُطفًا وانضباطًا، ورئاسته حكيمة ونشطة. وقد اكتملت جودة الإدارة باكتمال تجهيزات المجلس، وروعة وفخامة مبناه. فهذا المبنى الضخم بما يحتويه من فخامة وتجهيزات عصرية يُبهر الزوَّار، سواء من داخل المملكة أو من خارجها. وكثيرًا ما سمعنا من برلمانيين أجانب عبارات الإعجاب والانبهار بفخامة وضخامة مبنى المجلس. وكل ذلك يليق بأهمية المجلس وما له من مكانة سامية في نظامنا السياسي، وكذلك مكانة وسمعة بلادنا. غير أنني لاحظت لاحقًا أن كثيرًا من الموظفين بهذا المجلس (الإداريين) يحتاجون للمزيد من التدريب والانضباط، بما يساعد الأعضاء على القيام بمهمتهم الكبيرة.
ثانيًا – جدول الأعمال:
إن المادة رقم 15 من نظام مجلس الشورى تُحدِّد اختصاصات (سلطات) هذا المجلس، وتُبين مجالات عمله. فرئيس مجلس الوزراء يحيل إلى المجلس ما يندرج ضمن اختصاصاته من مواضيع. وبعد تسلُّمه، يحيل رئيس المجلس الموضوع إلى اللجنة المعنية، والتي يجب أن يُحدِّد لها وقتًا للبتِّ فيه. وبعد أن تجتمع اللجنة مرة أو أكثر، لمناقشة الموضوع المُحال إليها ودراسته، يقوم رئيس اللجنة أو نائبه بالرفع لرئيس المجلس محضر جلسات اللجنة وتوصياتها فيما يخص الموضوع. وتجتمع تقارير (محاضر) اللجان لدى “الهيئة العامة” التي تضع جدول أعمال كل جلسة بناءً على ما لديها من مواضيع مدروسة على مستوى اللجان. (المادة 11 من اللائحة الداخلية لمجلس الشورى).
ويلخص رئيس اللجنة رأي وتوصيات لجنته، ويطرح الموضوع بكامله على الأعضاء للتعليق عليه، وإضافة وتعديل ما يرونه. ويُسجِّل رئيس اللجنة ملاحظات الأعضاء، وتجتمع اللجنة المعنية لمناقشة تلك الملاحظات، وتُقدِّم تقريرها وتوصياتها من جديد، آخذةً في الاعتبار رأي المجلس. ويُطرح للمرة الثانية للمناقشة الإضافية، ومن ثَمَّ “التصويت” بالموافقة من عدمها، على توصيات اللجنة النهائية، التي إنْ وافق عليها المجلس تُصبح توصيات المجلس. ويرفع رئيس المجلس تلك التوصيات للمقام السامي لاتخاذ ما يراه مناسبًا، على ضوء رأي مجلس الشورى. وأرى أن يقتصر رئيس اللجنة، اختصارًا للوقت، على تلخيص فقرتي “الرأي” و”التوصيات” فقط؛ لأن تقرير اللجنة يكون بين يدي الأعضاء، ولا يحتاج إلى تلاوته.
ومع كل الاحترام للهيئة العامة وأمانة المجلس، فحبذا لو يُطرح في نهاية جلسة يوم الإثنين من كل أسبوع جدولُ الأعمال المقترح للجلسة المُقبلة، للمناقشة السريعة، ومن ثَمَّ إقراره عبر “التصويت” من قِبل المجلس ككل. وحبذا لو تتضمن جلسة واحدة في كل شهر – على الأقل – “مشروع قرار” مقترح من قِبل أحد الأعضاء؛ وهذا يعني تشجيع الأعضاء على تقديم مقترحات (مشاريع قرارات ونُظم) إلى المجلس، لمناقشتها عبر المادة 23 من نظام المجلس، واتخاذ توصية بشأنها. فلدى كل عضو ربما عشرات المواضيع التي تهمُّ الوطن والمواطن، ويُستحسن الاستفادة منها. ولا شك أن انخراط الأعضاء في هذه العملية يُضفي على المجلس الكثير من الحيوية، بل والأهمية، ويستقطب اهتمام أعداد وفئات متزايدة من أبناء الشعب؛ وهو ما يجعل المجلس ديوان الشعب، وحديث الناس، وأحد محاور اهتمامهم اليومي.
إنَّ وضع جدول الأعمال عملية مهمة جدًّا. فهذا الجدول يُحدِّد “ماذا” يناقش، وماذا يستبعد. لذلك، فإن عملية وضعه تعتبر قرارًا موضوعيًّا، لا بد أن يحظى بموافقة المعنيين. وهذا ما يحدث في البرلمانات، إذ يبدأ كلُّ برلمان جلسته بإقرار جدول أعماله. لذا، ينبغي أن يحرص مجلس الشورى على إيلاء هذا الموضوع اهتمامًا مناسبًا، يتناسب وأهميته البالغة.
ثالثًا – توصيات اللجان المختلفة:
لاحظتُ في كثيرٍ من الجلسات أن لجان المجلس تنحصر توصياتها فيما قُدِّم لها من نظُم ولوائح واتفاقيات وتقارير، فتُركِّز عصارة فكرها وجهدها على نصوص وبنود صماء، ناقدةً ومُقيِّمةً. وهذا أمر إيجابي، ولكن الأكثر إيجابيةً هو أن تلحق كل لجنة بتوصياتها القيمة بمرئياتها ورؤاها المتعلقة بـ “ما ينبغي أن يكون” فيما يخص الموضوع المطروح للنقاش، فتُذيل كل توصية بما تراه مناسبًا، من الرأي، ولا تحصر مشورتها في النصوص، وتنفق جهدها فيما دون فقط.
رابعًا – النقاش (التحدُّث / التعليق):
بالطبع، لا بد من فتح باب النقاش على تقرير كل لجنة، ولكن وَفْق الضوابط المعروفة، فهذا هو الإجراء المعتاد في كل برلمانات العالم. ولعل أهم تلك الضوابط هي: الالتزام بالموضوع المطروح والاختصار (التعليق فيما لا يزيد عن 5 دقائق)، وإضافة “جديد” على ما قيــل… إلخ. ومن أبرز مؤشرات الخروج على تلك الضوابط:
- الحرص على استصدار قوانين ممتازة وراقية، دون اكتراث يُذكر بالواقع الفعلي على الأرض، وبمدى إمكانية التطبيق. فأي قانون – مهما كان راقيًا – لا قيمة له دون تطبيق صحيح، يحقق في الواقع جوهره وهدفه.
- عدم الحرص على ضرورة المراجعة الدورية لما يصدر عن المجلس من أنظمة (قوانين).
****
خامسًا – متابعة مدى الأخذ بــ “توصيات” المجلس:
بعد إعداد “المحضر” متضمنًا ما نُوقش من مواضيع، وتوصيات المجلس عليها، واعتماده؛ يرفعه معالي رئيس المجلس إلى المقام السامي، الذي يتخذ بشأنه ما يراه مناسبًا. وسواء وافق المقام السامي على ” توصية” لمجلس الشورى أو تحفظ عليها أو رفضها؛ فإن ذلك من حقه، حسب النظام. وأيضًا من حقِّ مجلس الشورى أن يعرف الرأي النهائي تجاه ما أوصى به، وأولًا بأول.
لذا، لا بد من إيجاد آلية أكثر عمليةً لتحقيق هذا المتطلب الأساسي، فلا يكفي أن يصدر المجلس قرارات ونُظُمًا متميزة وممتازة، بل لا بد له أن يعرف مصيرها وردَّ الفعل عليها، ومن ثَمَّ مدى تطبيقها، والكيفية التي تمت بها – إنْ طُبِّقت. إنَّ المتابعة هنا ضرورية لجميع مَن يهمُّهم الأمر، وأهميتها وحيويتها لا تخفى. وحبذا، لو تُعرض – في بداية كل جلسة – ردود المقام السامي ومرئياته تجاه ما أوصى به المجلس؛ لإحاطة الأعضاء، وللاستفادة من تلك المرئيات في توصياتهم اللاحقة. فذلك يسهم كثيرًا – إنْ تمَّ – في ترشيد القرارات والسياسات، وعدم إضاعة وقت وجهد كل المعنيين.
****
سادسًا- لجان المجلس:
كما هو مُتبع في كل برلمان في العالم، فإن المجلس ما أن يعقد أولى جلساته السنوية في كل دورة، حتى يبدأ بتشكيل لجانه الدائمة، إيذانًا ببدء أعماله، بأسلوب منهجي ومنظم. فـ”اللجنة” في أي مجلس تشريعي (تنظيمي) هي محور عمل ذلك المجلس، والذراع التي تسهم في أدائه لأعماله على أكمل وجه ممكن. إذ إنَّ كل لجنة تضمُّ في عضويتها خبراء ومتخصصين في مجال عملها، من الأعضاء الذين تُحوَّل إليهم المواضيع التي تندرج تحت اختصاصهم؛ ليناقشوها، ويبدوا بشأنها رأيهم وتوصياتهم، ثُم تُعرض هذه الآراء والتوصيات على المجلس بأكمله لاتخاذ قرار نهائي باسم كل المجلس.
ولا شك أن “اللجنة” تُسهِّل على المجلس عملية اتخاذ القرار الصائب؛ كونها تُصدر توصيات – عن علم وخبرة واختصاص – في المجـال المعنيِّ. ولمعرفة الأهمية القصوى للجان في أي مجلس، علينا أن نتخيل عدم وجودها، وكون كل موضوع يُطرح أمام المجلس، يُناقش رأسًا ومباشرة من قِبل كل الأعضاء! وكما هو معروف، توجد في المجلس 13 لجنة، وذلك على النحو التالي(*):
- لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية.
- لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب.
- اللجنة الصحية.
- لجنة الاقتصاد والطاقة.
- اللجنة المالية.
- لجنة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات.
- لجنة الشؤون الخارجية.
- لجنة الشؤون الأمنية.
- لجنة التعليم والبحث العلمي.
- لجنة الثقافة والإعلام والسياحة والآثار.
- لجنة الحج والإسكان والخدمات.
- لجنة حقوق الإنسان والهيئات الرقابية.
- لجنة الإدارة والموارد البشرية.
- لجنة المياه والزراعة والبيئة.
(وتضم كل لجنة حوالي 12 عضوًا)
****
ويغيب في تشكيل هذه اللجان أبعاد مستجدة، يستحق كلٌّ منها أن تُشكَل له لجنة، مواكبةً للتطورات الداخلية والخارجية التي تمرُّ بها بلادنا. لذلك، أقترح تشكيل اللجان الدائمة الخمس التالية أيضًا، إضافةً إلى ما ذُكر:
1- لجنة الشؤون السياسية والدستورية: وتهتم بالقضايا والأمور ذات البعد السياسي البحت، والتي تفرضها المرحلة التي تمرُّ بها البلاد والعالم في الوقت الراهن، وهذه اللجنة تهتم بالآتي:
أ. مراجعة النظُم والمؤسسات السياسية المختلفة، واقتراح التعديلات المناسبة في إطار ما يُعرف بــ “عملية التطوير” وغيره.
ب. متابعة تطبيق النظُم والقوانين السياسية في إطار الواقع، ورصد وتحليل الإيجابيات والسلبيات، والعمل على تعظيم الإيجابيات وإنقاص السلبيات لأقصى حد ممكن. ومن ذلك: أنظمة الانتخابات المختلفة.
ج. العمل على “مأسسة” (وإعادة هيكلة) ما نحتاج لمراجعته من دوائر ومؤسسات وهيئات حكومية.
2- لجنة المرأة: وتهدف إلى تمكين المرأة السعودية – وهي تُمثِّل نصف المجتمع – من المشاركة السياسة، والتعبير عن آرائها وتطلعاتها، ومعالجة قضاياها بالسبل السليمة، ووفق الشريعة الإسلامية الغراء.
3- لجنة النفط والطاقة: للأهمية المعروفة للنفط في بلادنا، وكون هذه البلاد تمتلك أكبر احتياطي نفطي مؤكَّد وجوده في العالم، بما يمثِّل حوالي 25% من إجمالي الاحتياطي العالمي، ولكون هذه المادة المصدر الرئيسي للدخل بالمملكة؛ فإن كل ذلك يستحق أن يُعطى اهتمامًا خاصًّا، وأن تكون للنفط (والطاقة) لجنة مُتخصِّصة في البترول واقتصادياته، وكذلك بقية مصادر الطاقة وفصلها عن الاقتصاد.
من المستحسن ألا يُدرج النفط وقضاياه في لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة، لتصبح الأخيرة “لجنة الشؤون الاقتصادية” فقـــط.
4- لجنة السكان والهجرة: كما هو معروف، يتنوع سكان المملكة تبعًا لتنوُّع واختلاف مناطق هذه البلاد الواسعة المساحة، وخاصة من حيث: المستوى الحضاري والثقافي والقيمي، والعادات والتقاليد، وهذا يتطلب من المجلس – في رأيي – إنشاء لجنة خاصة، تكون من أهم اختصاصاتها:
أ. دراسة كل ما يتعلق بسكان المملكة من أبعاد وأمور، واقتراح سُبل تحقق الانصهار الوطني الفعلي في البلاد.
ب. تحديد متطلبات التنمية في المناطق المختلفة بناء على الحاجة، وبهدف أن تصبح كل البلاد في مستوى تنموي متقارب.
ج. دراسة كل ما يتعلق بـ “الأجانب” المقيمين بالمملكة، والعمل على “ترشيد” هذا التواجد، وجعله في أضيق نطاق ممكن، وبالقدر الذي تتطلبه المصلحة العامة.
د. اقتراح سُبل الحد من الهجرات الخطرة والضارة، التي تتعرض لها البلاد، والمتمثل معظمها في الهجرات “الاستيطانية” غير المشروعة لبلادنا من بعض بلدان آسيا وأفريقيا، وما إلى ذلك من مسائل.
5- لجنة شؤون المناطق: وتهتم بالشؤون العامة لمناطق المملكة الثلاث عشرة؛ وخاصة من حيث أمور البنية التحتية، والصحة والتعليم، ومكافحة الفقر.
****
وهناك لجان أخرى، قد تظهر الحاجة فيما بعدُ لإنشائها، مثل: لجنة الطفل، التي تندرج مهامها الآن في لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والقوى العاملة، كما أتصور، ولجنة “الميزانية”… إلخ. المهم ألا يكون تشكيل لجان المجلس ثابتًا (ودائمًا على نحو واحد) بالضرورة؛ بل لا بد من أن يكون هذا التشكيل استجابةً للحاجة، ولما تقتضيه المصلحة العامة لشعبنا، أولًا وقبل كل شيء.
****
سابعًا – تمثيل كل عضو لأهل منطقته / دائرته:
لا شك أن من أهم معايير اختيار أعضاء المجلس (السابقين واللاحقين) هي: “تمثيل” كل منطقة في المملكة، وكل فئة من أبناء شعبها، بـ “ممثل” أو أكثر لها وعنها بالمجلس. وحبذا، لو تمت الاستفادة من هذا الاختيار الحكيم، من شتى الزوايا. حبذا – على سبيل المثال – لو حُدِّدت لكل عضو الدائرة (أو الفئة) التي يُمثِّلها، ورُسمت خارطة تقريبية تُحدِّد “نطاق” هذه الدائرة، وأُعلن ذلك لكل المعنيين. وأعتبرُ العضو (الممثِّل للدائرة) بمثابة همزة الوصل بين المجلس وسكان الدائرة المعنيين (إضافةً إلى تمثيل كل الأمة)، بحيث يكون للعضو مكتب أو مركز (أو موقع على الشبكة العنكبوتية) لتلقي طلبات وآراء أهل تلك الدائرة، وبلورة تلك المطالب والآراء، وعرض المناسب والمُلحّ منها على المجلس عبر آلية معينة، لاتخاذ ما يراه بشأنها.
إن هذا – لو عمل – سيربط الناس بالمجلس، ويجعله أداةَ الأهالي للتعبير عن آمالهم وآلامهم نحو ما تعمله حكومتهم، التي لا تدخر وسعًا لخدمتهم. وذلك إنْ حصَل، يُعتبر تطوُّرًا سياسيًّا إيجابيًّا بالغ التميُّز والأهمية.
****
ثامنًا – ضمُّ هيئة الرقابة والتحقيق للمجلس:
تقوم هذه الهيئة – التابعة الآنَ لمقام رئيس مجلس الوزراء – بدور مهم في مراقبة أداء المؤسسات الحكومية المختلفة، وضمان قيام هذه المؤسسات بالمهام المطلوبة منها، خدمةً للوطن والمواطن، وسن النظم والقوانين المختلفة أو المساعدة في سنِّها وفقًا لسياسة الدولة. والمفترض أن تكون هذه المهمات بيد المجلس، كما هو الحال في ” البرلمانات”؛ لذلك بادرت أصوات تطالب بضمِّ هيئة الرقابة والتحقيق إلى مجلس الشورى، لتشابه مهامهما؛ الأمر الذي يبرر ارتباطهما. وما ذُكر عن هيئة الرقابة والتحقيق ينطبق على “هيئة الخبراء” أيضًا.
تاسعًا – إنشاء مركز بالمجلس لاستطلاع رأى المواطنين:
سبق أن اقترحتُ على مجلس الشورى إنشاء مركز لاستطلاع الرأي بالمجلس، مهمته استطلاع عينات عشوائية من المواطنين عن رأيها في القضايا والمواضيع التي تحت العرض بالمجلس، ومن ثَمَّ تزويد اللجنة المعنية بالمجلس باستنتاجاتها؛ وهذا يساعد اللجنة في اتخاذ القرار الأصوب، بالاستنارة برأي المعنيين به.
****
ʘ التعقيبات:
ʘ التعقيب الأول: د. زياد الدريس
ألمحتْ الورقة الرئيسة في مطلعها إلى قضية مفصلية عن مجلس الشورى دار، وما زال يدور حولها جدلٌ كثير في المجتمع السعودي منذ إنشائه، أو بالأصح إعادة إنشائه عام ١٤١٤هـ، تلك هي: الجدوى الحقيقية من مجلس الشورى، وهل هو برلمان حقيقي، أم نواة لبرلمان حقيقي سينمو لاحقًا، أم أنه مجلس صوري لذرّ الرماد في العيون؟!
الحقيقة أني منذ قيام المجلس أنحازُ إلى الخيار الثاني، الذي يبدو من سياق حديث د. صدقة أنه يميل إليه أيضًا. نعلم جميعًا أن فئةً كبيرة من الناس تنحاز إلى الخيار الثالث، وأخرى أقل منها مع الخيار الأول أو الثاني؛ لكن الأهم من هذه المحاصصة الشعبية بين الخيارات الثلاثة، هو أيُّ الخيارات تتبنى الحكومة؟
الواضح من تتبُّع مسار المجلس منذ ١٤١٤ حتى ١٤٤١هـ أن الحكومة تعمل من خلال الخيار الثاني على تطوير أعمال المجلس وزيادة صلاحياته، ولكن بهدوء رصين يتلاءم مع رصانة نظام ملكي يدير الدولة ويرعى شؤونها فعليًّا، وليس صوريًّا (مملكة دستورية)، أو شعبيًّا (جمهورية). وقد أشار د. صدقة بحسِّه السياسي الرفيع إلى هذه الملابسات والشروط التي يجب أن نستحضرها عند الحديث عن تطوير مجلس الشورى.
البعض ينكر وجود هذا التطوير، ليس إنكارًا لوجوده حقيقةً، ولكن امتعاضًا من بُطئه. وبالنسبة لي فإني أُفضِّل البطء الذي يأتي بنتائج (صلبة) على العجلة التي تأتي بنتائج (هشّة)!
أمرٌ آخر يكثُر الجدل حوله أيضًا كلما فُتح ملف الشورى للنقاش، وهو طريقة اختيار الأعضاء بالتعيين لا بالانتخاب. ولأَكُنْ صريحًا وشفَّافًا، فقد كنتُ في بدايات نشوء المجلس من المتحمسين لقضية انتخابات الأعضاء، ربما بسبب المرحلة العمرية التي كُنت فيها حينذاك (في الثلاثينيات)، لكني الآن، بعد تحوُّل لهب الثلاثينيات إلى جمر الخمسينيات المختبئ تحت رماد التجارب، أرى برلمانات دول مجاورة لم يزدها انتخاب أعضائها إلا نكوصًا وانشطارًا، ليس على صعيد (المجلس) فقط؛ بل على صعيد (الأمة) كلها في تلك البلاد!
أُدركُ أن النظام الديمقراطي السائد في العالم الآن بات هو الخيار الأكثر ملاءمةً لإدارة الدول، لكن يجب أن نعيَ أننا لسنا مُلزمين باستيراد (العلبة) وفتحها وتشغيلها كما هي تمامًا، فالديمقراطية ديمقراطيات متنوعة ومتعددة بين الدول الغربية نفسها صاحبة المنتج الأصلي، أما دول الشرق فقد أعادت تركيب الديمقراطية وَفْق شكل جديد يتلاءم معها، وتكاد لا تعرفه الدول الغربية نفسها.
الخصائص السوسيولوجية لمجتمعنا، المنعكسة من تراكيبه القبلية والفئوية المتجذرة فيه، تجعل مسألة انتخاب الأعضاء خاضعةً لحسابات تفوق مقاييس البرنامج الانتخابي للعضو المُرشَّح.
وإذا كنَّا نعلم أن التعيين سيجعل العضو خاضعًا لإرادة الحكومة، فإن الانتخاب سيجعل العضو خاضعًا لإرادة الجماهير وليس لحاجة الشعب.
وما يزال البحث جاريًا عن التوليفة الإجرائية التي تتيح اختيار ممثلين للشعب، يكونون حكماء ومستقلين في الوقت نفسه.
ʘ التعقيب الثاني: د. عبد الله المطيري
سوف أبدأ بالتطرُّق لما يعنيه نظام الشورى في الإسلام، وواقعه في عهد الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، والخلفاء الراشدين، ثم واقع مجلس الشورى والمأمول منه من منظوري كمواطن:
لأهمية الشورى في الإسلام خصها الله سبحانه وتعالى بسورة في القرآن الكريم، كما أن من طلبة العلم من اعتبر الشورى واجبة؛ كونها ذُكرت مع الصلاة والزكاة في قوله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [سورة الشورى: الآية 38].
وفي توجيه رباني لصفوة الخلق، ولمن بعده، يقول الله في سورة آل عمران: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إن اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: الآية 159].
فالمتمعن في الآية يجد أنها تحتوي على توجيه سياسي متمثل في اللين والمشاركة ثم اتخاذ القرار معتمدًا على الله. وقد مارس عليه الصلاة والسلام الشورى في جميع مناحي الحياة كما تعلمون (سياسية، وعسكرية، واجتماعية، واقتصادية)، ولا يسمح المجال لذكرها، وقد طبَّق منهج الشورى الخلفاء الراشدون من بعده.
وبما أن الملك عبد العزيز – طيَّب الله ثراه – أسس الدولة على الكتاب والسنة، فقد اتخذ من الشورى منهجًا ينهجه في إدارة الدولة، ومن بعده أبناؤه.
وأعرضُ فيما يلي وجهة نظري في واقع مجلس الشورى الحالي وما أمله:
- أولًا: مجلس الشورى السعودي، مجلس يقوم على مفهوم الإسلام للشورى، فهو يقدِّم الرأي فيما يُطلب منه وما يلاحظه عن طريق نصح ولي الأمر، هذا هو الأساس، فهو ليس كباقي المجالس في الدول الأخرى التي تُعتبر مجالس تشريعية. من هذا الواقع، تنحصر مهامه في النصح لولي الأمر، ولا يُنتظر منه مهما بلغ عدد الأعضاء أن يكون مُشرِّعًا للقوانين، ويلزم بها ولي الأمر.
- ثانيًا: من خلال المشاهد من تجربة الدول المجاورة لنا خاصة الخليجية والعربية عمومًا، فإن المجالس بها على اختلاف مسمياتها محدودة الفعالية، فهناك خطوط حمراء إذا لامستها تُحلّ المجالس، ودولة الكويت ذات التجربة الرائدة في منطقتنا خير مثال.
- ثالثًا: أورد الكاتب عدة مقترحات لتطوير المجلس، منها: الرغبة في أن يبدأ في انتخاب أعضاء المجلس بالتدريج، واتفق مع طموحه، ولكن تجربتنا في انتخابات المجالس البلدية محبطة بكل ما تعنيه الكلمة، فنحن مجتمع قبلي في الغالب طال الزمن أو قصُر، وللأسف وسائل التواصل الاجتماعي تُجذِّره؛ وهذا لا يعني معارضتي، ولكن كما يقول المثل (إن طاعك الزمان وإلا أطعه).
- رابعًا: أمرٌ جيد أن يبذل الأعضاء الجهد في تحديث أنظمة وآليات المجلس، والتي تؤدي إلى جودة عمل المجلس وتجعله رافدًا قويًّا يُسهِم في تنمية وتطوير المملكة.
- خامسًا وأخيرًا: أُعارض المحاصصة المناطقية في اختيار الأعضاء، لماذا؟ لأن الأساس في المستشار أن يكون من راجحي العقل والمشهود لهم بالحرص والتقوى والنُّصح للمسلمين، وليس شرطًا أن يكون من منطقة معينة. وفيما يخصُّ التمثيل المناطقي فهو موجود في المجالس البلدية ومجالس المناطق، حيث يُفترض فيهم أن يُمثِّلوا ويقوموا بواجبهم نحو مناطقهم.
ʘ المداخلات حول القضية:
ʘ هل نريد مجلس الشورى مُعيَّنًا أم مُنتخَبًا؟
تساءلت د. وفاء طيبة: هل نريدُ مجلس الشورى مُعيَّنًا أم مُنتخَبًا أم بين بين؟ وفي هذا الإطار، يميل د. راشد العبد الكريم إلى التعيين الرشيد؛ بمعنى أن تُوضع معايير ويتم الاختيار بناءً عليها، ويُتوخى فعلاً من يقل الخلاف حول أحقيته، بضوابط لا يكثر الخلاف حولها. فالانتخاب في عالمنا العربي (وربما في العالم كله) ثبُت أنه غير فعَّال، وأن به من العيوب ما يماثل أو يقرب من التعيين. والأمر الذي يجب التركيز عليه هو فاعلية المجلس بغض النظر عن طريقة تكوينه. يجب أن يهتم بالقضايا المهمة، والتي يشعر معها (المواطن) أنه مجلس شورى، وليس مجلس لمناقشة القرارات وتمريرها. لا يهمُّ المواطن كيف أتى (الشورى) إلى المجلس، لكن يهمه فيم يفكر، وماذا يُقدِّم؟
وبدوره ذهب د. رياض نجم إلى أنه مع عدم جدوى الانتخاب في ظل الوضع الحالي؛ فالمسألة لا تتعلق بحاجتنا لمزيد من الوقت حتى (ننضج) انتخابيًّا، فإنْ لم يتغير شيءٌ فلن نكونَ مستعدين للانتخاب حتى بعد عشرات السنين. كما أننا بالفعل بحاجة إلى التأهل للانتخاب تدريجيًّا، ليس في مجلس الشورى فقط، ولكن في المدرسة والجامعة والمؤسسات المدنية والاجتماعية.
ومن جانبه يرى د. خالد الرديعان أنه كان يتمنى دائمًا أن يتم انتخاب أعضاء مجلس الشورى السعودي، رغم إدراك عور العمل الديمقراطي في دولنا العربية، الذي ينتج في الغالب طبقات سياسية فاسدة، والأمثلة على ذلك كثيرة. وحقيقة، فإن الأمنيات شيء والواقع شيء آخر؛ فالديمقراطية تحتاج إلى إرث طويل من الممارسة المتدرِّجة، وعدة متطلبات قبل أن تُمارس على أرض الواقع، وهذا غير مُتحقِّق في مجتمعنا بسبب طبيعته الأبوية، وتركيبته القبلية والمناطقية التي أشار لها د. زياد الدريس؛ فالقبلية، ومن تجارب دول قريبة لا تفرز إلا انتخابات مُشوَّهة تقوم عادةً على المحسوبية وليس كفاءة وجدارة الأعضاء المنتخَبين. لذلك، فالأفضل في هذه المرحلة هو التعيين على الانتخاب، بشرط أن تُشكَّل لجنة عليا للاختيار تُطرح عليها الأسماء، وتفحصها جيدًا لاختيار الأنسب لكي يُمثِّل شريحة الجمهور المستهدفة سواء كانت منطقة أو جهة أو طائفة أو قبيلة.
وعقَّب د. صدقة فاضل بأن كل الدول النامية تذخر بالقبلية، لكن هناك حلول سياسية – قانونية لكل ما تثيره القبلية والطائفية والمذهبية والمناطقية من مشاكل. دول أفريقية كثيرة حديثة الاستقلال بدأت تقترب بما فيها من استقرار سياسي من الدول المتقدمة. هذه الدول فيها دستور وانتخابات رئاسية وبرلمانية ومناطقية، وأيضًا أحزاب مختلفة، وقد حقَّقت نجاحات ملحوظة على مقياس الديمقراطية.
وفي اعتقاد م. خالد العثمان، فإن الانتقال من التعيين إلى الانتخاب يجب أن يكون وَفق خطة ومنهج مُحدَّد المعالم، ليس هكذا بفرض الأمر الواقع، وإلا ستكون النتائج وخيمة؛ لذلك فإننا بحاجة إلى محور للتنمية السياسية في المجتمع ضمن محاور رؤية 2030.
وبدورها ذكرت د. وفاء طيبة أن التحول التام إلى مجلس مُنتخَب صعب في المرحلة الحالية، والتحوُّل الجزئي بانتخاب بعض الأعضاء ما دام الانتخاب سيكون بالطريقة التي نعرفها – قد لا يكون له قيمة؛ بل قد يكون فيه إضعاف للمجلس.
ومن وجهة نظر د. حميد الشايجي، فإنه يمكن أن يكون التحوُّل تدريجيًّا؛ بمعنى البدء بأن يكون نصف المجلس بالانتخاب، والنصف الآخر بالتعيين.
لكن د. وفاء طيبة ترى أنه حتى النصف يُعَدُّ كثيرًا في البداية، وأشارت إلى أن الأهم هو آلية الانتخاب، هل نتركها مفتوحةً؟ أم هل يُعيِّن الملك اسمين أو ثلاثة يختار بينها المواطن؟ وما هي الآلية المناسبة حتى نقلل من أثر المناطقية والقبلية على عملية الانتخاب قدر الإمكان؟
وأشار د. خالد الرديعان إلى أنه يمكن اقتراح معايير يتم عن طريقها اختيار أعضاء المجلس، ومن المعايير التي يمكن الأخذ بها:
1- النزاهة ونظافة اليد.
2- الخبرة الكافية في مجال التخصص.
3- وسطية الطرح دون شَطط هنا أو هناك.
4- الولاء للوطن وقيادته.
5- البعد عما يثير النعرات الطائفية والمذهبية والقبلية والمناطقية.
6- البُعد عن الإثارة وخاصة ما يتعلق بحقوق الجنسين، وحقوق المرأة على وجه التحديد.
7- استخدام لغة مهذبة وراقية في وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام.
8- التواصل الفعَّال مع الجمهور والجهات الرسمية.
ʘ مدى أهمية تفرُّغ أعضاء مجلس الشورى:
أشارت أ. فائزة العجروش إلى ملاحظة عدم التزام أعضاء المجلس الموقر بأحد أنظمته الأساسية المتمثِّلة في تفريغ أعضائه لأعمال المجلس، وليس المقصود هنا الأعمال الرسمية أو الحكومية؛ وإنما تفريغهم من العمل في القطاع الخاص لأعمال المجلس، ليكون التركيز أكثر على عملهم في المجلس دون تأثيرات من انغماسهم في عملهم في القطاع الخاص.
وأوضحت د. وفاء طيبة أنه عادةً لا يُفرَّغ العاملون في القطاع الخاص للعمل في المجلس، وإنما يُفرَّغ العاملون في الحكومة إلا بعض الاستثناءات، مثل الأطباء؛ أي يُطبَّق النظام على الموظف الحكومي، ولا يُطبَّق على القطاع الخاص، والواقع أن التفريغ للموظف الحكومي أسهل بالطبع من القطاع الخاص. ومع أن جلسات المجلس تُجرَى بواقع ثلاث جلسات كل أسبوعين؛ إلا أن عمل العضو يستغرق وقتًا طويلًا خارج المجلس لقراءة التقارير ونقدها ودراستها والتعليق عليها، بالإضافة إلى العمل في اللجان ومتطلباته.
وأضاف د. رياض نجم أن موضوع التفرُّغ لمجلس الشورى ضروري سواء أتى العضو من القطاع العام أو الخاص، حتى يعطي العضو كلَّ جهدِه ووقته للعمل في المجلس، وحتى لا يكون هناك تضارب في المصالح بين عمل العضو في الجهة السابقة (أو المستمرة إذا أتى من القطاع الخاص) وعمله في المجلس. وهذا يستلزم إعادة النظر في الراتب والميزات التي يتقاضاها العضو أثناء عمله في المجلس، حتى تكون مجزيةً له بتَرْك عمله أثناء عضويته في المجلس.
أيضًا، فقد أكد د. صدقة فاضل على أن النظام يوجب على عضو مجلس الشورى التفرُّغ التام للمجلس. ولا يسمح للعضو أو العضوة بممارسة أي عمل خارج المجلس إلا بإذن خاص من رئاسة المجلس. والتفرُّغ الكامل ضروريٌّ، خاصة إنْ فعَلنا ما جاء في المقترح السابع المشار إليه في الورقة الرئيسة. أما إنْ بقي المجلس على ما هو عليه، فلا يوجد فرق يُذكر ما إذا كان العضو متفرِّغًا أم له عمل آخر.
ʘ تساؤلات حول آليات عمل مجلس الشورى:
ذكر د. صدقة فاضل أنه في كل برلمان هناك لجان دائمة، تُشكَّل سنويًّا أو مرة كل سنتين أو أربع سنوات. وهناك لجان برلمانية مؤقتة، هدفها النظر في قضية ما معينة، وكتابة تقرير عنها، مرفقًا بتوصيات محددة، للبرلمان، يعرضه رئيسها على الأعضاء في جلسة عادية أو طارئة. وعادةً ما تتم مناقشة تقرير اللجان ومن ثَمَّ التصويت على توصياتها. واللجان البرلمانية هي لجان دائمة، أو يُعاد تشكيلُها في نهاية كل سنة. وهذا تقليد برلماني عريق (وجود لجان متخصِّصة تقوم بمعظم مهام البرلمان) تمارسه كل البرلمانات، مع اختلاف في مدة التشكيل. وفي الغالب تتم إعادة التشكيل مرة كل سنة، ولكن هناك برلمانات تُشكِّل لجانها الدائمة مرة كل سنتين أو مرة كل أربع سنوات.
وطرح أ. محمد الدندني وجهة نظره من خلال مجموعة التساؤلات والمقترحات المبينة فيما يلي:
1- هل لدى المجلس لجنة متابعة لما أوصى به؟
2- هل لكل مجموعة من الأعضاء مكتب مساندة وسكرتارية، والأهم هل يوجد مركز أبحاث ولو مصغَّرًا للحصول على المعلومة الدقيقة والصحيحة؟
3- هل يجوز للمجلس طرح قضايا تهمُّ المجتمع بلا تكليف من مجلس الوزراء / ولي الأمر؟
4- تمثيل المناطق مهمٌّ لما له من فائدة لكل منطقة، حيث إنَّ عضو الشورى يكون أدرى بمنطقته، وعليه التواصل مع الحاكم الإداري وزيارة منطقته. هذا بجانب الاهتمام بما يمليه النظام حسب توزيع اللجان، كلٌّ في اختصاصه. ولا يكفي زيارة كل سنة أو سنتين، ومن ثَمَّ عمل تقرير ربما أخذ نفس الوقت؛ فالمجتمع يمرُّ بديناميكية متسارعة يجدر بالمجلس أن يكون على نفس الدرجة من التسارُع. ولِمَ لا يكون هناك قنوات اتصال مباشرة بين المجالس المحلية ومجلس الشورى؟
5- هل يجوز للمجلس رَفْع توصية بعدم أهلية وزير أو رئيس هيئة (الوزارات والهيئات غير السيادية) بعد أن يتم استجوابه في المجلس، وبعد التحقُّق من مدى إنجازاته في المؤسسة التي يرأسها، وإنْ لم يكن، فلماذا لا يكون؟
6- مادام النظام بالتعيين، فلِمَ لا يضمُّ المجلس نسبة من الشباب؟
7- بجانب التواصل مع مجالس المناطق، هناك أيضًا الجمعيات المهنية؛ جمعية المهندسين والمحاسبين، وكل الجمعيات. يجدر بالمجلس أن يسمع صوتهم، ويكون هناك آلية للأخذ ونقاش آرائهم وتوصياتهم. فهذه الجمعيات تُمثِّل طبقة مُوزَّعة في كثير من المؤسسات الخاصة والحكومية؛ وبهذا يمكن الاطلاع على ما يدور في مجتمع العمل والأعمال، ولا ننسى أهميتها في رفع مستوى المحتوى المحلي.
8- هل يوجد خطة زمنية لتحديث المجلس من المجلس نفسه بالتنسيق مع الجهات المعنية كشعبة الخبراء؟
ومن جانبها قدَّمت د. وفاء طيبة إجابات مُحدَّدة على بعض التساؤلات المبينة كما يلي:
ʘ بالنسبة للتساؤل الذي مفاده: “هل لدى المجلس لجنة متابعة لما أوصى به؟” فبحكم المادة ١٧ من نظام مجلس الشورى، فإن توصيات المجلس أو مشروعات الأنظمة التي تُرفع ابتداءً من المجلس أو تقرير المجلس عما ورد من خادم الحرمين الشريفين يجب أن يُناقش في مجلس الوزراء، وإنْ اختلفت وجهات النظر بين مجلسي الوزراء والشورى يعود التقرير للشورى لمناقشته مرة أخرى، ويبين اتفاقه أو اختلافه مع وجهة نظر مجلس الوزراء، ثم يعود التقرير لمجلس الوزراء، فإن اتفقا كان بها، وإلا فالرأي النهائي للملك. ما كنا نعاني منه هو عدم سير توصيات المجلس في نفس خط سير المشاريع، مع أن المادة 17 لا تُفرِّق بين المشروع والتوصية. أما مقاييس الإنتاج والنجاح فلم يكن هناك مقياس في الدورة السادسة، قد يكون هناك تطوير الآن.
ʘ بالنسبة للتساؤل الذي مفاده: “هل لكل مجموعة من الأعضاء مكتب مساندة وسكرتارية، وهل يوجد مركز أبحاث ولو مصغَّرًا للحصول على المعلومة الدقيقة والصحيحة؟” من المهم التوضيح بأن لكل عضو سكرتير، وهناك وحدة دراسات، ولكن في الواقع كثير من العاملين الإداريين في المجلس يحتاجون لمزيد من التدريب لمساعدة الأعضاء على أداء دورهم، ويحتاج عضو المجلس إلى مَن يقوم بمهام تتجاوز مهام السكرتارية المتعلقة بتنظيم الأوراق والمواعيد؛ كالمتخصصين في العلوم السياسية، أو مَن يعاون في الوصول إلى المعلومات الداخلية والخارجية ذات الصلة بمهام المجلس.
ʘ بالنسبة للتساؤل حول مدى جواز طرح المجلس قضايا تهمُّ المجتمع بلا تكليف من مجلس الوزراء / ولي الأمر، فإنه بالطبع يجوز للمجلس، بل من الواجب أن يطرح المجلس قضايا جديدة ومشاريع أنظمة أو تعديل على الأنظمة، وآخرها نظام المسؤولية الاجتماعية الذي بدأ وولد في المجلس، ولا ننسى أنه حتى خارج المجلس يمكن المشاركة فقد وضع نظام الحماية ابتداءً من مؤسسة الملك خالد، وسار في أروقة الشورى، وانتهى بموافقة مجلس الوزراء وخادم الخرمين الشريفين عليه. والمقصد أن المؤسسات يمكن أيضًا أن تقترح، وليس العضو فقط.
ʘ بالنسبة لتمثيل المناطق فهي مسألة مهمة، ولكن الزيارات أيضًا مهمة خاصة أن أعضاءها عادةً مُمثّلون من كل لجنة، فتكون الملاحظات شاملة، وربما نحتاج في الحقيقة إلى تطوير الاستفادة من الزيارات؛ كضرورة ألا تقتصر الزيارة على كتابة تقرير يُرفع لمعالي رئيس المجلس فقط. وقد اقتُرح في الدورة السادسة ضرورة أن يُعامل هذا التقرير معاملة أي تقرير آخر؛ بمعنى أن يضع وفد الزيارة توصياته في التقرير، ثم يُحدَّد له موعد، ويُناقش في المجلس وتُناقش التوصيات، وقد يتقدم عضو آخر بتوصية إضافية، ثم يتم التصويت على التوصيات وتُرفع لمجلس الوزراء مثل توصيات أي تقرير آخر؛ وبذلك يتم الاستفادة قدر الإمكان من الزيارة، فضلاً عن شعور المواطنين هناك في المنطقة بالأهمية والاستماع لهم وآرائهم وحاجاتهم.
ʘ بالنسبة للتواصل بين مجلس الشورى وصانع القرار، له بالطبع آلية محددة ولكنها غالبًا بطيئة.
من ناحيته وفي السياق ذاته، أوضح د. صدقة فاضل فيما يتعلق بدور مجلس الشورى في تعيين كبار المسؤولين، أنه لا دور له على الإطلاق. أما بخصوص وجود وزير لشؤون المجلس، فإن بعض الدول تُعيِّن وزيرًا لشؤون السلطة التشريعية، يكون بمثابة منسق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، والحال لدينا هو أن هناك بالفعل وزيرًا لشؤون مجلس الشورى. وبصفة عامة، تتحدد أهم الأعباء الوظيفية لهذا الوزير في: تمثيل التشريع لدى التنفيذ، وتمثيل التنفيذ لدى التشريع، ومتابعة مدى التزام التنفيذ بقرارات وتوصيات التشريع، وشرح وجهات النظر بين السلطتين ومحاولة تقريب هذه الوجهات. إضافةً إلى ضمان التزام البرلمان ومجلس الوزراء (التنفيذ) بأحكام الدستور، خاصة فيما يتعلق بأعمالهما وبالعلاقة بينهما.
أيضًا، فقد أوضح د. ناصر القعود أنه لا توجد ازدواجية بين مجلس الشورى وهيئة الخبراء، فمهمة مجلس الشورى إبداء الرأي وتعديل ما يراه فيما يُعرض عليه من أنظمة أو ما يقترحه منها، فمهمته تشريعية؛ في حين أن مهمة هيئة الخبراء قانونية تهتم بالصياغة وبالربط بين ما صدر ويصدر من أنظمة، بالإضافة إلى مهامَّ أخرى غير ذات علاقة بمجلس الشورى.
وأضاف د. رياض نجم أنه وعلى الرغم من أنه ليس هناك تعارُض بين هيئة الخبراء ومجلس الشورى من حيث تعريف المهام الموكلة لكل منهما، لكن إذا استمر مجلس الشورى في إسداء المشورة فقط للحكومة، يصبح هناك ازدواجية. ومهمة هيئة الخبراء ليست فقط قانونية، وإنما تدرس أيضًا محتوى ما يُقدَّم لمجلس الوزراء.
وأشارت د. مها المنيف إلى أن الذي يعمل داخل المجلس يرى الحراك الإيجابي، وتأثير المجلس على كثير من القضايا، منها قضيتان على سبيل المثال لا الحصر:
ʘ الأولى: وَضْع مادة خاصة بالعقوبات لممارسي العنف الأسري (المادة 13 من نظام الحد من الإيذاء). وقد بدأ بعض القضاة الآن بتطبيقها عوضًا عن نظام الإجراءات الجزائية في قضايا العنف الأسري.
ʘ الثانية: تعريف الطفل في نظام حماية الطفل على أنه كل إنسان أقل من 18 سنة بعد تصويت مجلس الشورى على ذلك.
والاعتقاد أن مرور جميع الأنظمة على مجلس الشورى ليس فقط ضروريًّا، ولكنه يُحسِّن من النظام خاصة أن المجلس يستمع لجميع الآراء، كما أن الأعضاء لديهم اطلاع على القوانين الدولية، بجانب أنه يمكن دعوة بعض الخبراء في مجالات محددة للاسترشاد برأيهم.
ʘ سُبُل تطوير عمل مجلس الشورى:
أشار د. سليمان الطفيل إلى أنه مضى نحو رُبع قرن هجري على إنشاء مجلس الشورى السعودي كتجربة عملية حريٌّ بأن يعمل له تقييم شامل لجميع أعماله وقراراته وآثاره على الوطن والمواطن؛ وذلك من خلال جهة محايدة تبرز جميع الملاحظات أو المقترحات والنتائج بكل تجرُّد وحيادية حتى نستفيد من هذه التجربة في المرحلة القادمة، والتي يُفترَض أن يتم ربطها بمراحل تنموية متتالية تعكس التقدُّم في جميع مجالات الحياة التي تهمُّ المجتمع والفرد. وقد أصبح مجلس الشورى مكوِّنًا أساسيًّا في تطوُّر المجتمع السعودي الذي يحتاج الكثير من الجهد والوقت ليُصبح أكثرَ مدنيةً وتحضُّرًا في التعاطي مع ما يحتاجه المجتمع بكافة أطيافه، وما يطمح له الوطن في سباقه الدولي ليُحقِّق أعلى المنجزات كما هي في رؤية قيادتنا الحكيمة 2030.
وأيدت أ. فائزة العجروش مقترح د. صدقة فاضل في الورقة الرئيسة بتشكيل خمس لجان دائمة بشكل أكثر تخصصًا وديناميكيةً؛ لما سيكون لها من دور فاعل في زيادة خدمة مفاصل مهمة للغاية تلمس حياة المواطن، وخصوصًا لجنتي (الشؤون السياسية والدستورية) و(المرأة) لدورهما السياسي البحت في المجلس، بالإضافة إلى لجنة (السكان والهجرة) لدورها المهم جدًّا تجاه سكان المملكة سعوديين ومقيمين، وَفْق أسُس محسوبة ومرصودة بهدف الوصول إلى تنمية متقاربة لعموم البلاد من أقصاها إلى أقصاها. كما اتفقت مع د. زياد في تعقيبه بعدم الاستعجال في تغيير آلية اختيار عضو المجلس المتبعة حاليًّا إلى أن يأتي اليوم الذي نكون قد استطعنا تجاوز التجاذبات القبلية والفئوية.
ويرى د. راشد العبد الكريم ضرورة أن يبتعد أعضاء المجلس عن الطرح الشعبي الإعلامي المثير. فالحصانة التي لعضو الشورى يجب أن تزيده وقارًا واستشعارًا لمنصبه ولثقة ولاة الأمر فيه؛ لا أن تجعله يسعى لأن يكون (مشهورًا)، أو مُصلِحًا اجتماعيًّا، فهو لم يُؤْتَ به لذلك. ويمكن أن يقوم بذلك بعد أن يخرج من مجلس الشورى. كما أن إقناع المواطن بفاعلية المجلس أمرٌ ضروريٌّ لنجاحه، ولسمعة أعضائه.
وفي تصوُّر د. حمد البريثن، فإن رفع سقف حرية المجلس وجَعْل بعض جلساته سريةً مهمٌّ جدًّا لأنْ يكون الطرحُ مميزًا وفعالاً؛ فالسرية في الطرح الجريء مهمة حتى يتم تفادي الضغط الاجتماعي. وأوضحت د. وفاء طيبة أن المعمول به في السابق وربما لا يزال مستمرًا هو أن هناك جزءًا من كل جلسة يُفترض أنه سريٌّ في بداية كل جلسة. في حين أكد د. صدقة فاضل أن لأي برلمان حقَّ جعْل جلسة ما له سرية. الأصل هو العلانية، ولكن هناك مواضيع تقتضي السرية. ويُصوَّت عادةً لإقرار سرية أي جلسة. ومجلس الشورى يمارس هذه التقاليد، كما أنه يمارس أغلب “الشكليات” البرلمانية.
وطالب د. خالد الرديعان فيما يخصُّ عمل لجان المجلس وتوصياته؛ بوجود مركز دراسات ضخم think tank يتم إلحاقه بمجلس الشورى؛ بحيث تتوفر معلومات كافية وذات مصداقية عن الموضوع المراد عرضه وتناوله، بحيث تأتي القرارات ذات خلفية علمية. وقد يضمُّ هذا المركز وحدة إلكترونية لاستطلاعات الرأي تتوفر على كوادر مدرَّبة يمكنها تزويد أعضاء اللجان بالمعلومات المطلوبة قبل اتخاذ التوصية أو القرار المناسب. كما طالَب كذلك بابتعاد أعضاء وعضوات مجلس الشورى عن تويتر ووسائل التواصل الاجتماعي؛ لأن بعضَهم يطرح آراءً لا نعلم إنْ كانت شخصية أم أنها تمثِّل توجهات المجلس، ومن هنا يحدث لبس وجدل، وتعريض بالمجلس من قبل بعض المغردين. ولا أخفيكم أن صورة مجلس الشورى في أذهان العامة ليست كما ينبغي؛ ربما بسبب تصريحات وتغريدات بعض أعضائه وعضواته، وربما لاعتقاد بعض الجمهور أن المجلس يدرس قرارات غير مهمة بصورة مباشرة للمواطن. أيضًا، فمن الضروري مناقشة ميزانية الدولة (الموازنة) وبجميع تفاصيلها في مجلس الشورى وذلك بشفافية تامة، وأن يكون ذلك جزءًا من عمل المجلس لكي تتحقق الحوكمة ومَنْع تسرُّب الفساد إلى أجهزة الدولة.
في حين يرى م. خالد العثمان أنه طالما تأخَّر التفعيل الحقيقي لمؤسسات المجتمع المدني، فلن تترسخ في المجتمع أية ثقافة سياسية ديمقراطية تكون رافدًا لممارسة انتخابية ناجعة. ومن ناحية أخرى، فليست المشكلة في ظهور أعضاء مجلس الشورى في وسائل التواصل الاجتماعي؛ وإنما المشكلة فيما يواجهونه من خطاب شعبوي كاسح أصبح غالبًا على هذه المنابر، وبالتالي ليست المشكلة في أعضاء المجلس، بل في مناخ الحوار عمومًا. أما تفاعل أعضاء المجلس في وسائل التواصل الاجتماعي فيمكن أن يكون إحدى وسائل حشد التأثير على اتخاذ القرار في المنظومة التشريعية، وليس الحل هو منع أعضاء المجلس من التعبير والتفاعل مع المجتمع، فهو يراهم مُمثِّلين له ويحملون همومه وتطلعاته وطموحاته.
واتفقت أ. فائزة العجروش مع ما تضمنته الورقة الرئيسة من ملاحظات خاصة بعمل المجلس وخصوصا في (رابعًا)؛ فعمل المجلس لن يتطور في حال عدم تلافي سلبية عدم ارتباط فحوى القوانين والأنظمة الصادرة بالواقع المعاش، وكذلك في حال عدم مراجعة تلك القوانين والأنظمة بين الفينة والأخرى؛ بهدف تطويرها وتحقيق سُبل تنفيذها بالقدر الذي يعود بالفائدة المرجوة على عمل المجلس والمواطن.
وأوضحت د. وفاء طيبة أن لمجلس الشورى مُتحدِّثًا رسميًّا، ولكن المشكلة بالفعل أنه لا يقوم بإبراز دور المجلس؛ ومن جهة أخرى، فإن أنشطة المجلس وتوصياته عندما تصدر كقرار من مجلس الوزراء لا ينتبه المواطن لها رغم أن القرار يصدر وفيه إشارة إلى قرار مجلس الشورى، والاقتراح هو التركيز على ذلك في موقع المجلس أو من قِبل الأعضاء، على النحو الذي قد يسهم في تحسين صورته لدى أعضاء المجتمع.
أما د. عبد الله المطيري فيعتقد أن تحسين صورة المجلس لا تتم إلا إذا انتُخب المجلس؛ حيث سيستمر النظر للعضو على أنه موظف يهمُّه في المقام الأول الاستفادة من المميزات التي يحصل عليها، هذه صورة العضو في المجتمع. ويغذي هذا ما يُسرَّب من بعض الموضوعات التي تُناقش، ويعتبر المواطن أن نتائجها في غير صالحة أو لا تهمُّه.
وأوجزت د. فوزية البكر وجهة نظرها في الملاحظات التالية:
– من خلال متابعة أداء بعض أعضاء مجلس الشورى رجالًا ونساء، يُلاحظ أنَّ البعض نشيطٌ وحريصٌ، والبعض الآخر غارق في صمته ومهمته التصويت السري، نحن بحاجة إلى مَن يطرح ويتكلم ويناقش.
– رئيس المجلس هو المُحرّك والدينامو للجلسات، وملاحظاته بل وربما إيماءاته لها دور في صُنع قرار الموافقة على توصية ما أو رفضها.
– تمثل رؤية المملكة 2030 عصب حياتنا اليوم، وهي ما يقود البرامج والمؤسسات ضمن برامج التحوُّل، لكن ليس لها وَقْع كثير في مجلس الشورى وكأنها مفصولة ببرامجها عنه.
– إن المجلس باختياراته في أعضائه مُقسَّم إلى فصائل أو توجُّهات: نعم، قد يُعبِّر هذا عن واقع الأمر نوعًا ما، لكن الفكرة في وجود الاختلاف في الأعضاء بتوجُّهاتهم الفكرية ليس تحزُّب كل عضو لما يراه؛ بل خدمة لقضايا واحتياجات المنطقة التي يُمثِّلها، والوطن ككل بغض النظر عن الرؤى الشخصية.
وأوضحت د. وفاء طيبة أن بعض الصامتين بقليل من المداخلات في المجلس قد يكونون من العاملين بصمت بدون شوشرة وظهور، خاصة في اللجان وهي عصب المجلس، والعكس صحيح أحيانًا، ولا يمكن الحكم على عمل العضو من صوته، فالعمل الحقيقي في اللجان والمجالات الأخرى، وهذا بالطبع لا يعني أن كل الصامتين فعَّالون.
وبدروه تساءل د. سليمان الطفيل: كيف يمكن لعضو في مجلس الشورى أن يُبدع ويُطوِّر ويُسهم وهو عاكفٌ على كرسي أكثر من ثماني أو عشر سنين؟! ونحن نعلم مدى سرعة التطوُّر الحاصل اليوم في أتمتة النُّظُم والبرامج وسباق المعرفة والتقنية والرقمنة؛ وهي عوامل تقتضي إعادة النظر في عدم إطالة العضوية لأكثر من فترتين إذا لزم الأمر؛ بل ندعو إلى تقليص كل مرحلة إلى ثلاث سنوات بدلًا من أربع إنْ كُنَّا نريد إعادة هيكلة المجلس بما يتواءم مع متطلبات العصر الجديد.
ومن جانبه ذكر د. صدقة فاضل أن مدة العضوية غالبًا ما تكون أربع سنوات، كما في معظم البرلمانات. ومسألة التجديد تعود غالبًا للناخبين. وكثيرٌ من دول العالم تُحدِّد العضوية بثلاث دورات. ويجب أنْ نفهم أنَّ هناك شروطًا صارمة يجب أن تُطبَّق على الناخب والمُرشَّح. تلك هي ألف باء الانتخابات. كما أن الدوائر الانتخابية يمكن أن تُوضَع بما يضمن التمثيل الفعلي الشامل لكل الناخبين.
وركَّز أ. جمال ملائكة على ضرورة الاهتمام باللجنة الاقتصادية وفصلها عن الطاقة، وأن يُراعى تشكيل أعضائها من كبار الاقتصاديين في البلاد ومن أساتذة الجامعات، بجانب رجال الأعمال الوطنيين ورجال الدولة السابقين ذوي الخبرة؛ بحيث يُعرَض على هذه اللجنة كافة القرارات الاقتصادية والمالية وخاصة الاستثمارية. فعلى سبيل المثال، فإن فرض بعض الرسوم قد أتى بنتائج عكسية، مثل: الرسوم على العمرة الثانية وما يليها، ورسوم العمالة على القطاع الصناعي، وكلا القرارين تمَّ التراجع عنهما. وبالرغم من الجهد الكبير الذي بذلته الدولة؛ فإننا نرى تراجعًا في أعداد المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وثبات معدل البطالة المرتفع، إلخ. وبالفعل، هناك نجاحات ضخمة للقرارات الاقتصادية، ومنها برنامج التحوُّل المالي؛ إلا أن هذا النجاح سيظلُّ قاصرًا إنْ لم يرتفع الناتج المحلي لقطاع الأعمال، والتخفيض الملموس للبطالة البالغة الخطورة. وعليه، هناك حاجة ماسَّة لتوسيع دائرة اتخاذ القرار الاقتصادي ليأتي بأفضل النتائج، بما يتواءم مع تطلعات القيادة الرشيدة.
وتطرق د. حامد الشراري إلى لجان الصداقة البرلمانية، حيث أوضح أن مرتكزها هو “الصداقة” بين مجلس الشورى والبرلمانات الأخرى؛ بمعنى بناء علاقة صداقة بينهما. بالإضافة إلى أن اللجان البرلمانية لها دور محوري وإستراتيجي لبناء علاقة صداقة وثقة مع المجالس والبرلمانات الأخرى، وهي تُمثِّل إحدى أذرع القوة الناعمة لسياسة المملكة الخارجية. ويمكن في هذا الإطار التوصية بدعم لجان الصداقة البرلمانية بمجلس الشورى، وتكثيف زياراته للبرلمانات الأخرى؛ كونها تُمثِّل إحدى أذرع القوة الناعمة لسياسة المملكة الخارجية.
وفيما يتعلق بكيفية تحويل مجلس الشورى من مجلس استشاري إلى مجلس تشريعي، أوضح د. رياض نجم أنها مسألة تحتاج إلى نوع من التحوُّل التدريجي، ويمكن في هذا الإطار التوصية بتولي مجلس الشورى بعضًا من المهام، مثل:
– إقرار السياسات الداخلية على مستوى المملكة بمختلف أنواعها: النقدية، التعليمية، الإعلامية، الترفيهية، وغيرها.
– الموافقة على تعيين رؤساء الهيئات التنظيمية والتشغيلية، حتى لو استمر تعيينهم بأمر ملكي.
– الموافقة على الحساب الختامي لميزانية الدولة، وربما في مرحلة لاحقة الميزانية قبل إعلانها.
– إمكانية مساءلة رؤساء الهيئات، وتقييم أدائهم.
ومع مرور الوقت ستتولد القناعة بإقرار الأنظمة والقوانين من خلال مجلس الشورى.
وذهب د. صدقة فاضل إلى إمكانية تطبيق مقياس KPI على أداء مجلس الشورى السعودي أو غيره، كمؤسسة لها أهداف معينة. أما مدى رضا الشعب عن برلمانه، فذلك له مقاييس خاصة أخرى. كلما رضي الشعب – أي شعب – عن برلمانه، رضي عن حكومته؛ والعكس صحيح. ومن ثَمَّ، نحتاج أن نعرف مدى رضا السعوديين عن مجلس شوراهم. وفي علم السياسة، فإن رضا الشعب لدرجة معقولة هو أساس الاستقرار السياسي لأي بلد.
ومن جانبها اقترحت د. الجازي الشبيكي الاهتمام بالتثقيف البرلماني (التصويت، الترشيح، الانتخاب، الكوتا، وغيرها) في البرامج التعليمية بتدرُّج منذ المراحل المتوسطة والثانوية حتى الجامعية. كما ذهبت إلى أهمية وجود وحدة أو لجنة في كل قطاع حكومي وفي الغرف التجارية، ومن يُمثِّل قطاع منظمات المجتمع المدني، مهمتها التركيز على اختيار الكفاءات المناسبة لعضوية الشورى وفق معايير سليمة وواضحة مُتّفق عليها.
ومن وجهة نظر د. مساعد المحيا، فإن دور مجلس الشورى لدينا تراجَع كثيرًا؛ ربما لضعف أدائه أو لشعور صانع القرار بأنه لا يمتلك القدرة ليكون في مستوى طموح الدولة في رؤيتها الجديدة، وبالتالي لعدم الحاجة إليه؛ لذا تتبدد كلُّ الآمال التي تنظر إلى المجلس كمشروع برلمان. المجلس استشاري، والخشية أنه ثمةَ مُهددات لهذه الوظيفة جعلت الثقة به أقلَّ مما يُتوقع. ومما يعزز ذلك أن واقع الممارسة الإدارية لرؤية المملكة تُظهِر أن مجلس الشورى لم يعُد مجلسًا لتقديم المشورة والرأي في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المهمة، التي صدرت اليوم من مختلف جهات صُنع القرار، ولا سيما بعد 27 عامًا من تجربة المجلس. لذا، فقد يكون من المناسب تقليل أعداد المجلس إلى نحو ٦٠ عضوًا، فهو لجنة استشارية لمجلس الوزراء ولمؤسسات الدولة، وأن يقتصر دوره على بعض المجالات وخاصة الاقتصادية والاجتماعية، وأن تتم عملية الاختيار وَفْق معايير أكثر دقةً واهتمامًا؛ على أن تكون نسبة المرأة فيه في حدود النسب العالمية وبخاصة الدول المتقدِّمة برلمانيًّا. وبشأن الدعوة لعدم خوض عضو المجلس عبر وسائل التواصل الاجتماعي بما يطرحه من آراء في المجلس، فمن الضروري أن يعيَ العضو أن الغاية من المجلس هو الخروج بآراء تُمثِّل غالبية الأعضاء، وليس من حق اثنين أو ثلاثة مناكفة زملائهم حين يختلفون معهم بمحاولة استثارة الرأي العام تجاه قرارات المجلس، خاصة حين تُبتسر ولا يتم إيضاح مقاصدها.
وأكدت أ. بسمة التويجري على ضرورة أن يكون هناك سقفٌ زمنيٌّ مُحدَّد ومعقول للجان المجلس لإنهاء دراسة مشاريع الأنظمة؛ لأن غياب هذا السقف الزمني قد يؤدي إلى تعطيل تلك المشاريع من ناحية، وفوات أوان بعضها الآخر من ناحية أخرى. كذلك فإن من الضروري أن يقوم إعلام المجلس بالمبادرة في خدمة أعضائه وإبراز جهودهم بشكل حقيقي وواقعي. أما فيما يتعلق بتحسين صورة المجلس وإدارة سمعته وعلاقته مع الإعلام والمجتمع فذلك مرهون بتحسين أدائه أولاً؛ لأنه ليس من واجب الإعلام تجميل الأداء المتواضع!
وفي تصوُّر د. عبير برهمين، فإن الفجوة بين حقيقة ما يتم من عمل في مجلس الشورى وما يتم تداوله بين الناس لا تزال كبيرة. ربما الأداء الحالي للمجلس ورتمه البطيء، وطبيعة البشر العجلة ورغبتهم في رؤية نتائج وإجابات على أرض الواقع بسرعة أكبر؛ لكن ذلك يجب ألا يُنسينا جهودَ كلِّ من عمل تحت قبة الشورى رجالاً ونساءً، ولا مزايدة على حبِّهم وإخلاصهم وتفانيهم في مصلحة الوطن. ويمكن التوصية في هذا الإطار بما يلي:
1- إخضاع أعضاء مجلس الشورى لدورات متخصِّصة في البروتوكولات وأساليب التعاطي مع الإعلام، وكيفية الظهور بمظهر إعلامي جيد.
2- التوصية بوجود معايير لتقييم أداء عضو مجلس الشورى وفعاليته، وجعْلها أساسًا لتمديد العضوية.
3- التوصية باحتفاظ عضو مجلس الشورى ببعض المزايا بعد خروجه من المجلس.
4- فتح منصة تواصل مع الشعب لطرح القضايا التي تشغله، ومن ثَمَّ غربلتها ودراسة ما يستحق منها.
5- الاهتمام بتطوير الكوادر الإدارية العاملة بالمجلس، وأن يكون لديهم تخصصات معينة؛ لأن وجود الإداري الناجح يعني نجاحَ المجلس في كل دوراته.
أما أ. نورة الفايز فقد أشارت فيما يخص تكوين مجلس الشورى وآليات عمله إلى النقاط التالية:
1- عدم مناسبة تقليص مدة عضو الشورى لثلاث سنوات؛ إذ إن زيادة مدة العضوية وخاصة للأشخاص الفاعلين تزيد من فرصة تمكُّنهم، وبالتالي جودة عطائهم.
2- إمكانية إتاحة الفرصة للطلاب في المرحلة الثانوية والجامعية للمشاركة في بعض جلسات المجلس.
3- الحاجة إلى وجود معايير قابلة للقياس لإعادة ترشيح أعضاء الشورى، مع أهمية أن تكون هذه المعايير واضحة ومعروفة للجميع، وبالأخص أعضاء الشورى، وأن تكون قابلةً للقياس.
4- من المهم جدًّا الربط بشكل واضح بين أعمال المجلس ورؤية المملكة ٢٠٣٠، على أن يكون هذا الربط واضحًا لأعضاء المجلس أولًا، ولعامة الناس ثانيًا.
5- من المهم أن يتم تفعيل مسألة التوعية والتثقيف للمجتمع بدور وأهداف المجلس بشكل أفضل، والعمل على تحسين صورة المجلس أمام مَن يرى غير ذلك.
6- إن الجمع بين أشخاص يتم اختيارهم من القطاع الحكومي وأشخاص يتم اختيارهم من القطاع الخاص – مهمٌّ جدًّا، وله دور في زيادة فعالية المجلس وإثرائه.
7- ضرورة أن يكون هناك آليات وضوابط لتفعيل دور أعضاء المجلس بشكل أكبر، وخاصة غير الفاعلين.
8- أن يتم الجمع – في الوقت الراهن – بين الانتخاب والترشيح لعضوية المجلس، مع العمل على التوعية بأساسيات وأهمية الانتخابات، ومع التأكيد بأن إرضاء الناس غاية لا تُدرك.
9- أن يكون هناك خُطة وتدريب مكثَّف وتعريف بكل آليات العمل وما تم من جهود سابقة، وذلك لعضو الشورى في بداية التحاقه بالمجلس؛ لزيادة فعالية دوره، وتسهيل عمله.
10- أن تُتاح الفرصة لمَن يرغب في التقدُّم بأي مقترحات أو توصيات قد تخدم المجتمع، وأن تتم الاستفادة من هذه المقترحات بعد فرزها من قِبل لجنة مختصة
11- ألا يكون مجلس الشورى هو الملجأ الأخير لمَن يتم إعفاؤهم من مواقع قيادية لإرضائهم؛ إلا مَن يثبت تميُّزهم وتنطبق عليهم المعايير، وأن يتم الاختيار والترشيح لأعضاء الشورى وَفْق معايير دقيقة حتى نحافظ على الصورة الإيجابية للمجلس.
ومما سبق يتضح أن الملتقى ناقش بعض الأفكار الجيدة، مثل:
1- أن يكون من صلاحيات مجلس الشورى الموافقة على تعيين رؤساء الهيئات التنظيمية والتشغيلية، أو التمديد لهم.
2- تفريغ العضو للعمل في المجلس للاستفادة من كامل خبراته، وتفاديًا لحصول أي تضارُب في المصالح بين عمله في المجلس وخارجه؛ تطبيقًا للمادة رقم 9 من نظام المجلس، مع الأخذ في الاعتبار دخله قبل التعيين في المجلس.
3- نقل أو إذاعة الجلسات غير السرية على موقع الشورى وقناة السعودية، ويكون النقل للجلسة كاملة.
4- احتفاظ عضو مجلس الشورى ببعض المزايا المعنوية بعد خروجه من المجلس، وإضافة نسبة معينة أو مبلغ ثابت إلى راتبه التقاعدي.
5- فصل لجنة الاقتصاد عن الطاقة لتصبح لجنتين، واستقطاب المتخصصين ذوي الخبرة والأكاديميين في الاقتصاد من المجلس في اللجنة الاقتصادية؛ لأهميتها وتأثيرها البالغ على اقتصاد الدولة وحياة المواطنين مباشرة، والتوسُّع في الاستئناس برأي ذوي الخبرة من خارج المجلس.
6- إضافة بعض اللجان للجان مجلس الشورى، مثل: لجنة الشؤون السياسية والدستورية، ولجنة السكان والهجرة، ولجنة المرأة.
ʘ التوصيات:
1- إنشاء مركز دراسات فعَّال think tank يتم إلحاقه بمجلس الشورى؛ وحث مجلس الشورى على تفعيل شراكاته مع مراكز الدراسات الوطنية (غير الحكومية أو شبه الحكومية)، والاستفادة من الملتقيات والمنتديات الفكرية (كملتقى أسبار الفكري).
2- تدريب النشء في المدارس والجامعات على العملية الانتخابية بمفاهيمها (الترشيح، الانتخاب، التصويت، الكوتا، وغيرها من المفاهيم) في مجالس للطلبة مثلاً، كبداية لنَشْر ثقافة الانتخاب الصحيح، وزيادة حضورهم لجلسات المجلس للاستفادة، وكذلك تدريب المؤسسات المدنية. وزيادة مشاركة الشباب في المجلس برَفْع عدد مقاعدهم.
3- أن يكون من صلاحيات المجلس مناقشة ميزانية الدولة (الموازنة) وبجميع تفاصيلها في مجلس الشورى وذلك بشفافية تامة، وأن يكون ذلك جزءًا من عمل المجلس لكي تتحقق الحوكمة، ومَنْع تسرُّب الفساد إلى أجهزة الدولة.
4- دعم وتكثيف زيارات المجلس للمناطق وتطوير آلياتها، والاجتماع بمجالس المناطق لإيصال حاجاتها ومقترحاتها للمجلس، ومناقشتها مناقشة فاعلة في المجلس، وإصدار التوصيات بشأنها.
5- تقديم تدريب لأعضاء مجلس الشورى في البروتوكولات وأساليب التعاطي مع الإعلام، وكيفية الظهور بمظهر إعلامي جيد والتحدُّث بلغة سليمة، والاستجابة للأسئلة المُحرِجة وكل ما يحتاجه العمل البرلماني؛ لأنه يُمثِّل الدولة.
6- وَضْع معايير لتقييم أداء عضو مجلس الشورى وفعاليته، وجَعْلها أساسًا لتمديد العضوية.
7- الاهتمام بتطوير الكوادر الإدارية العاملة بالمجلس، وأن يكونوا من تخصصات يحتاج لها المجلس، مثل التخصصات السياسية والقانونية والإدارية وغيرها.
8- إدراج تطوير مجلس الشورى في رؤية 2030 كذراع للدولة يحتاج للتطوير وإعادة الهيكلة والحوكمة، بحيث تكون هناك خطة زمنية تُعنى بصلاحيات ومسؤوليات المجلس لتتناسب مع عجلة التطوُّر، على أن يتم دراستها بعناية وتناقش مع ولاة الأمر؛ ليتماشى مع كل تحديث آخر في المملكة.
تحديد إطار زمني للانتهاء من مشاريع الأنظمة أو تعديلها في المجلس حتى لا تتأخر.
المشاركون في مناقشات هذا التقرير
(حسب الحروف الأبجدية)
– المشاركون في قضية: “تعثُّر وإفلاس المنشآت في المملكة العربية السعودية.. مناقشة الأسباب والحلول:
- م. إبراهيم ناظر
- م. أسامة كردي
- أ. بسمة التويجري
- أ. جمال ملائكة
- د. خالد بن دهيش
- د. خالد الرديعان
- م. خالد العثمان
- د. رياض نجم
- د. سليمان الطفيل
- د. عبد العزيز الحرقان
- د. علي الطخيس
- أ. فهد القاسم
- أ. محمد الدندني
- د. مساعد المحيا
- أ. نبيل المبارك
– المشاركون في قضية: السعودية.. هل تستبدل التحالفات أم تُنوِّعها؟
- م. أسامة كردي
- أ. بسمة التويجري
- أ. جمال ملائكة
- د. خالد بن دهيش
- د. خالد الرديعان
- د. زياد الدريس
- د. سليمان الطفيل
- د. صدقة فاضل
- د. عبير برهمين
- د. عبد الله العساف
- د. علي الطخيس
- أ. فائزة العجروش
- أ. محمد دندني
- د. مساعد المحيا
- أ. مها عقيل
- د. نبيل المبارك
- د. وفاء طيبة
– المشاركون في قضية: مجلس الشورى: الواقع والمأمول
- أ. بسمة التويجري
- د. الجازي الشبيكي
- أ. جمال ملائكة
- د. حامد الشراري
- د. حمد البريثن
- د. حميد الشايجي
- د. خالد الرديعان
- م. خالد العثمان
- د. راشد العبد الكريم
- د. رياض نجم
- د. زياد الدريس
- د. سليمان الطفيل
- د. صدقة فاضل
- د. عبير برهمين
- د. عبد الله المطيري
- أ. فائزة العجروش
- د. فوزية البكر
- أ. محمد الدندني
- د. مساعد المحيا
- د. مها المنيف
- د. ناصر القعود
- أ. نورة الفايز
- د. وفاء طيبة
(*) صحيفة الرياض، الجمعة 1 صفر 1437 هـ – 13 نوفمبر 2015م – العدد 17308.
(*) يُلاحظ أنه تم تعديل مسميات بعض اللجان حسب تعديل 1439هـ.