ملتقى أسبار: التقرير الشهري رقم (58) لشهر ديسمبر 2019

تمهيد

يعرض هذا التقرير عددًا من الموضوعات المهمة التي تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر ديسمبر 2019 م، وناقشها نخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة حول القضايا التالية:

  • استضافة المملكة لمجموعة العشرين وفُرص الاستفادة منها.
  • واقع العمل التطوعي في المملكة العربية السعودية.
  • ثقافة الادخار لتحقيق رؤية 2030م.
  • أهمية المعلومات الجيومكانية في التنمية المستدامة والعائد الاقتصادي لها.

 

القضية الأولى

استضافة المملكة لمجموعة العشرين وفرص الاستفادة منها

(1/12/2019م)

  • الورقة الرئيسة: أ. د. رياض نجم
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: أ. منى أبو سليمان
  • التعقيب الثاني: أ. نبيل المبارك
  • إدارة الحوار: د. محمد الملحم

 

  • الملخص التنفيذي:

أكد أ. د. رياض نجم في الورقة الرئيسة أنه ليس هناك خلافٌ على المزايا التي يمكن أن تجنيها المملكة من خلال استضافة مجموعة العشرين العام القادم. فهذه الفرصة لا تتكرر إلا مرة كل 20 عامًا. ويمكننا أن نستغل هذه الفرصة كإحدى وسائل الدبلوماسية العامة والناعمة وتحقيق مجموعة من الأهداف من ضمنها ما يلي:

  • السعي لوضع اهتمامات المملكة الداخلية والإقليمية على قائمة الاهتمامات الدولية.
  • الاستفادة من خبرات الدول المتقدِّمة في المجالات المالية والاقتصادية والتعليم وغيرها.
  • اطلاع العالم وخصوصًا الدول المتقدِّمة على تنوُّع الثقافات في المملكة وإرثها الحضاري.
  • التعريف بالمملكة كوجهة سياحية جاذبة.
  • اندماج المملكة بشكل أكبر مع المجتمع الدولي.
  • تنمية ثقافة مراكز التفكير وأهميتها في المملكة، والاستفادة من تجارب المراكز الدولية والإقليمية ذات الخبرات الطويلة.

في الوقت نفسه، هناك بعض التحديات التي يلزمنا التعامل معها بطريقة إيجابية، ومن ضمنها المجموعات التي أصبح لها تأثير في دول العالم المتقدم وتطالب بحقوق لفئات في المجتمعات المختلفة، مثل: اللادينيين، والمثليين، وغيرهم. وهذا لا يعني أبدًا القبول بما ينادون به، بل الحوار معهم بأسلوب حضاري.

أما أ. منى أبو سليمان فأشارت في التعقيب الأول إلى أن مجموعة العشرين تتمحور حول وَضْع وتطوير برنامج عالمي، يركز بشكل أساسي على الاقتصاد العالمي، ويتمركز حول المنطقة بحسب البلد المضيف. وقد قامت المملكة العربية السعودية باختيار تنمية الشباب كركيزة، في حين اختارت اليابان شيخوخة السكان على سبيل المثال. وتأخذ المملكة العربية السعودية دورها كدولة مضيفة على محمل الجد، وقد بدأتِ الاستعداد للمجموعات المشارِكة قبل عام تقريبًا. ويتمثل الهدف المزدوج في المساعدة على إبراز المملكة العربية السعودية أثناء الاستضافة، وأيضًا المساعدة في تنمية وتحسين الموارد المحلية والبحوث أثناء العمل مع المجموعات المُشارِكة.

من جانبه يرى أ. نبيل المبارك في التعقيب الثاني أن المملكة بعد استضافة مجموعة العشرين، لن تكون بالتأكيد كما كانت قبل الاستضافة؛ إذا ما تم الاستفادة من هذا العام المميز للمملكة ٢٠٢٠، حيث إنَّ المملكة سوف تكون مركز العالم لمدة عام بكل نشاطاته وحواراته ومصالحه، وعلينا إدارتها والعمل على تحقيق أعلى النتائج الإيجابية للمملكة وللمجتمع الدولي من خلال هذه الفرصة. وهي تجربة بمثابة اختبار لنا في هذا التوقيت. ونحن – بإذن الله – قادرون على خوض التجربة بكل كفاءة واقتدار.

وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

  • مشاركات المملكة ما قبل قمة العشرين وسُبل الإفادة منها.
  • فرص استفادة المملكة من قمة العشرين.
  • مقترحات لتعظيم الاستفادة من استضافة المملكة لقمة العشرين.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول قضية: استضافة المملكة لمجموعة العشرين وفرص الاستفادة منها، ما يلي:

  • أهمية النجاح في إدارة اجتماع قمة العشرين ولوجستياته على نحو منظَّم يحقِّق الأهداف المحددة.
  • تعريف دول العالم بهوية المملكة ومواقفها المشرقة في جميع المجالات، وإبراز مكانتها كدولة عربية إسلامية تقود مدرسة فكرية في الوسطية والتسامح والتعاون مع الشعوب.
  • تسليط الضوء على البيئة الاستثمارية المحفِّزة للمملكة في ضوء ما تتمتع به من ميزات عديدة، فضلًا عن الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تنعم به المملكة.

 

  • الورقة الرئيسة: أ. د. رياض نجم

مقدمة:

أُنشئت مجموعة الـعشرين على هامش قمة مجموعة الثماني في سبتمبر 1999 في واشنطن، لتكونَ على مستوى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في دول العشرين. وكان الغرض منها هو تعزيز الاستقرار المالي الدولي، وإيجاد فرص للحوار ما بين الدول المتقدمة والدول النامية، والتي لم تتمكن اجتماعات وزراء المالية مع مجموعة الثماني من حلها.

وبعد الأزمة المالية عام 2008، قررت دول المجموعة تحويلها لتصبح على مستوى رؤساء هذه الدول حتى يمكن حل الأزمات العالمية المالية وغيرها بشكل أكثر فعالية. وينتمي أعضاء المجموعة إلى 19 دولة تمثل جميع قارات العالم والاتحاد الأوروبي هو العضو العشرون فيها. وتمثِّل دول المجموعة 90% من إجمالي الناتج العالمي و80% من حجم التجارة الدولية وثلثي سكان العالم.

وبالرغم من أن قرارات مجموعة العشرين ليست مُلزِمة لأعضائها، إلا أنها تعتبر من أكثر المجموعات الدولية فعاليةً بسبب قلة عدد أعضائها وحجم وتأثير هؤلاء الأعضاء على المستوى الدولي.

مجموعات المشاركة:

تعتبر مجموعات المشاركة Engagement Groups إحدى الأذرع الرئيسة في مجموعة العشرين، وهي مستقلة عن الحكومات وتتألف من مختلف أصحاب المصلحة في المجتمع الدولي. وتشمل هذه المجموعات مجتمع الأعمال (B20)، والمجتمع المدني (C20)، والاتحادات العمالية (L20)، والعلماء (S20)، ومراكز التفكير (T20)، والمدن الحضرية (U20)، والمرأة (W20)  والشباب .(Y20) وتقدِّم هذه المجموعات توصيات بشأن مجالات اهتمامها، ويصدر بعد انتهاء أعمال كل منها بيانٌ رسمي Communique)) يعبر عن اهتماماتها، ويُقدَّم لقادة مجموعة العشرين من قِبل رئيس الدولة التي تستضيف القمة. وتعطي دول مجموعة العشرين اهتمامًا كبيرًا لمجموعة مراكز التفكير؛ لأن اهتماماتها تتقاطع بشكل كبير مع باقي المجموعات، وتؤثر في السياسات التي تنتهجها دول المجموعة. وهذه هي المجموعة التي تعنينا في ملتقى أسبار.

فرق المهام في T20 السعودية:

تقوم الدولة المستضيفة للقمة باقتراح مجموعة من المواضيع التي ترى أهميتها للدول الأعضاء، وتشكِّل لكل من هذه المواضيع ما يُسمَّى بفريق المهام(TF)  Task Force، حيث يقوم بدراسة القضايا التي يشملها الموضوع من خلال أوراق عمل تحتوى على ملخص السياسة Policy Brief لكل من هذه المواضيع. وقد سعت مجموعة T20 السعودية إلى الاستفادة من خبرات مراكز التفكير الدولية لإعداد تصوُّر مناسب لفِرَق المهام في مجموعة T20 السعودية، وعقدت لهذا الغرض عدة اجتماعات داخل المملكة وخارجها.

وبعد المناقشة لفرق المهام واختصاصاتها مع مراكز التفكير السعودية والدولية، تم التوصل إلى القائمة التالية التي تحدِّد المواضيع التي سيتم دراستها خلال استضافة المملكة لمجموعة العشرين:

  • التجارة والاستثمار والنمو.
  • التغيُّر المناخي والبيئة.
  • الاستثمار والتمويل للبنى التحتية.
  • التلاحم الاجتماعي والدولة.
  • مستقبل التعددية والحوكمة العالمية.
  • الاقتصاد والتوظيف والتعليم في العصر الرقمي.
  • دعم مجموعة العشرين لأهداف التنمية المستدامة والتعاون في التنمية.
  • الهيكلة المالية الدولية.
  • الهجرة والمجتمعات الشابة.
  • النظم المستدامة للطاقة والمياه والغذاء.

مراكز التفكير السعودية المُشارِكة في نشاطات T20 السعودية: 

  • مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية KAPSARC.
  • مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية.
  • مركز الخليج للأبحاث.
  • ملتقى أسبار.
  • منتدى الرياض الاقتصادي.

وقد صدرت موافقة سامية ليكون المركزان الأولان هما القائدان لأعمال T20 في المملكة.

استفادة المملكة من استضافة مجموعة العشرين:

لا أظنُّ أن هناك خلافًا على المزايا التي يمكن أن تجنيها المملكة من خلال استضافة مجموعة العشرين العام القادم. فهذه الفرصة لا تتكرر إلا مرة كل 20 عامًا. ويمكننا أن نستغل هذه الفرصة كإحدى وسائل الدبلوماسية العامة والناعمة، وتحقيق مجموعة من الأهداف، من ضمنها ما يلي:

  • السعي لوضع اهتمامات المملكة الداخلية والإقليمية على قائمة الاهتمامات الدولية.
  • الاستفادة من خبرات الدول المتقدمة في المجالات المالية والاقتصادية والتعليم وغيرها.
  • اطلاع العالم وخصوصًا الدول المتقدمة على تنوُّع الثقافات في المملكة وإرثها الحضاري.
  • التعريف بالمملكة كوجهة سياحية جاذبة.
  • اندماج المملكة بشكل أكبر مع المجتمع الدولي.
  • تنمية ثقافة مراكز التفكير وأهميتها في المملكة، والاستفادة من تجارب المراكز الدولية والإقليمية ذات الخبرات الطويلة.

في الوقت نفسه، هناك بعض التحديات التي يلزمنا التعامل معها بطريقة إيجابية، ومن ضمنها المجموعات التي أصبح لها تأثير في دول العالم المتقدم، وتطالب بحقوق لفئات في المجتمعات المختلفة، مثل: اللادينيين، والمثليين، وغيرهم. وهذا لا يعني أبدًا القبول بما ينادون به، بل الحوار معهم بأسلوب حضاري.

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: أ. منى أبو سليمان

يتمحور دور مجموعة مركز الأبحاث والتفكير (THINK Tank Working group) في توحيد الأدلة والبحوث والأجندات من جميع أنحاء العالم وتقديمها لدعم السياسات التي يجب على دول مجموعة العشرين الانخراط فيها للعام المقبل. وتتطلع المملكة العربية السعودية لوضع نفسها ضمن الدول المتقدمة؛ وذلك بغرض استعراض الإنجازات والإصلاحات الاقتصادية والمجتمعية المفعمة بالحيوية. لذلك، تعدُّ استضافة قمة مجموعة العشرين في الرياض فرصةً رائعة للقيام بذلك.

يوجد ١٩ دولة مشاركة + الاتحاد الأوروبي في المجموعة: الأرجنتين، أستراليا، البرازيل، كندا، الصين، الاتحاد الأوروبي، فرنسا، ألمانيا، الهند، إندونيسيا، إيطاليا، اليابان، المكسيك، روسيا، المملكة العربية السعودية، جنوب إفريقيا، كوريا الجنوبية، تركيا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وإسبانيا كضيف دائم. كما قامت المملكة العربية السعودية بدعوة الإمارات العربية المتحدة لتكون ضيفًا خاصًّا لمجموعة العشرين في الرياض. وكان هناك أيضًا ممثِّلون عن منظمات دولية متعددة الجنسيات، مثل: صندوق النقد الدولي، والاتحاد الأفريقي، وما إلى ذلك.

تتمحور مجموعة العشرين حول وَضْع وتطوير برنامج عالمي، يركِّز بشكل أساسي على الاقتصاد العالمي، ويتمركز حول المنطقة بحسب البلد المضيف. وقد قامت المملكة العربية السعودية باختيار تنمية الشباب كركيزة، في حين اختارت اليابان شيخوخة السكان على سبيل المثال. وتأخذ المملكة العربية السعودية دورها كدولة مضيفة على محمل الجد، وقد بدأتْ الاستعداد للمجموعات المُشارِكة قبل عام تقريبًا. ويتمثل الهدف المزدوج في المساعدة على إبراز المملكة العربية السعودية أثناء الاستضافة، وأيضًا المساعدة في تنمية وتحسين الموارد المحلية والبحوث أثناء العمل مع المجموعات المُشارِكة.

هناك 7 مجموعات عمل في مجموعة العشرين، والتي يمكن إضافتها بحسب ما تراه البلدان المضيفة مناسبًا: العمران الحضري، والأعمال التجارية، والعمل، والمرأة، والمجتمع المدني، والعلوم، والشباب.

بعض القضايا التي تواجه مجموعة العشرين تتعلق بالشرعية:

إن حصرية العضوية والتي تمنح الشرعية للمجموعة، كانت موضع تنازع شديد، حيث أرادت بعض الدول مثل النرويج وبولندا الانضمام لكنها لم تتمكن من ذلك حتى الآن، كذلك القضايا المتعلقة بضآلة تمثيل دول القارة الإفريقية في كل اجتماع. فقد تمَّ تهميش القضايا الإفريقية أثناء الاستضافة السعودية، حيث لم تركِّز أيٌّ من فرق العمل عليها، في حين أن لهذه الدول تمثيلاً أكثر أو مجموعة مشاركة بشكل فعلي. في الوقت نفسه، بعض الانتقادات تشير إلى كونها كبيرة على نحو لا يمكنها من اتخاذ إجراءات حاسمة وسريعة.

هناك قضايا أخرى، وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت مؤخرًا في التصرف بشكل فردي مما أثر سلبًا في تقويض هيكلية مجموعة العشرين؛ لأنه لم يعُد هناك أي مصداقية في أي اتفاقية لتدوم لمدة عام أو أكثر.

فرق العمل:

كل مجموعة لديها فِرق عمل تعمل حول مختلف القضايا التي تهمُّ هذه المجموعة، مع بعض التداخل بين هذه القضايا أحيانًا. وتعمل فرق العمل هذه على إعداد البحوث المثبتة بالأدلة لمدة تتراوح بين ٦ إلى ٨ أشهر والتي تتبع جدول أعمال موضوع مسبقًا من قِبل قادة المجموعة، ويتم الضغط لاتباعها من قِبل مؤلفيها. حيث يتم الضغط للموافقة على هذه الأوراق للدخول في البيان الرسمي لمجموعة العشرين لتكون ضمن جدول أعمال قمة مجموعة العشرين حتى يتمكن القادة من الاطلاع عليها واستخدامها واعتمادها. وعادةً ما يتم قبول ما بين ١٠٪ إلى ٢٥٪ من أعمال فرق العمل في البيان الرسمي لمجموعة العشرين.

مجموعة التفكير الـ٢٠:

بالنسبة لمجموعة التفكير الـ٢٠، والتي تعتبر واحدة من أهم فرق العمل لأنها توفِّر الأساس الفكري لمجموعة العشرين، فإن البلدان التي تتمتع بمجموعات تفكير أكثر ثراءً في ثقافة مراكز الأبحاث والتي تعمل يدًا بيد مع حكوماتها والمنظمات متعددة الجنسيات للتأثير على عملية صنع القرار حيث لديها المعرفة والإلمام الواضحين وميزة توفُّر الموارد على المجتمع المحلي لمجموعة التفكير السعودي. وعلى الرغم من الطبيعة المجانية الموالية للمصلحة العامة للعمل والأبحاث، فإن حظوة المشاركة، وإمكانية وصول جدول أعمال مجموعة التفكير ومركز الأبحاث لتكون ضمن البيان الرسمي للمجموعة وكذلك لتكون ضمن ملفات الاستيداع لأبحاث مجموعة العشرين، فإن هذا يعدُّ أمرًا مهمًّا حيث تتنافس العديد من مراكز البحوث والباحثين والجامعات من حول العالم والمهتمة بهذه القضايا المطروحة للدخول في فِرق العمل.

لقد تناهى إلى علمنا عن محاولات فعلية لإرسال أوراق مكتوبة كاملة وجاهزة من مراكز تفكير حول العالم ليتم إدراجها في جدول أعمال مجموعة التفكير الـ٢٠ في السعودية. كذلك سيتم تخصيص كافة الموارد من الأطراف المعنية وأصحاب المصلحة لهذا الأمر؛ لأنه في بعض الأحيان يتعلق بالعمل الجاد للحيلولة دون إدراج بنود معينة بجدول الأعمال، وخاصة تلك التي قد تؤثر على الشركات الكبرى وسياساتها. إن مجموعات المشاركة في G20 ليست مهتمة بالنظريات ولكنها مهتمة بالحلول المثبتة بالأدلة، والتي تركز على النتائج بالنسبة لأولئك المهتمين.

هناك الكثير من التناغم في النقاشات وحول كيفية العمل معًا في قضايا من مجموعات مشاركة عديدة لتقديم حل متماسك وأكثر شمولية لزيادة فرص وصول هذه القضايا إلى البيان الرسمي.

أمر آخر وهو أن العمل والبحث والعمليات، والتي إلى وقت قريب، لم تكن موثقة ومتاحة للاستخدام، حيث لم يكن هناك مكانٌ مخصَّص للإيداع لكل الباحثين لتسهيل عملية البحث. ولكن هذا الأمر تغيَّر في حالة اليابان، وأعتقد أنه حاليًّا يوجد نظام مركزي للوصول إلى الأبحاث.

  • التعقيب الثاني: أ. نبيل المبارك

لعل البداية تكون بالتأكيد بأن المملكة بعد استضافة مجموعة العشرين، لن تكون المملكة قبل الاستضافة. أو هكذا أعتقد إذا ما تمَّ الاستفادة من هذا العام المميز للمملكة ٢٠٢٠، حيث إنَّ المملكة سوف تكون مركزَ العالم لمدة عام بكل نشاطاته وحواراته ومصالحه، وعلينا إدارتها والعمل على تحقيق أعلى النتائج الإيجابية للمملكة وللمجتمع الدولي من خلال هذه الفرصة. وهي تجربة بمثابة اختبار لنا في هذا التوقيت. ونحن – بإذن الله – قادرون على خوض التجربة بكل كفاءة واقتدار.
والاستضافة يمكن قراءتها من خلال محورين:

  • الأول حول متطلبات الاستضافة والأعمال اللوجستية التي تحتاجها كل اجتماعات وتنسيقات الوفود من مختلف الدول الأعضاء ومن أجندات مختلفة، بما في ذلك العديد من المؤتمرات المصاحبة بمختلف الاهتمامات، والقطاعات؛ حيث تعتبر فرصةً للمؤتمرات العالمية لعقدها في المملكة تزامنًا مع استضافة المملكة لها. وهي عملية إدارية بحتة ولكنها بحاجة إلى تنظيم وتنسيق أعمال غير طبيعي، والقصور فيها مرفوض تمامًا إذا ما أردنا تحقيق سمعة ممتازة في هذا المجال.
  • المحور الثاني، وهو سياسي اقتصادي ثقافي اجتماعي، وهو قيادة أجندة القمة بما يحقق أهداف المملكة بل المنطقة ككل، وبالذات ونحن نواجه وجهات نظر معاكسة لتوجهات المملكة في السنوات القليلة الماضية. وكذلك مع التغييرات الجذرية التي مرَّت ولا تزال تمرُّ بها المملكة، والتحديات الإقليمية التي تواجهها المملكة، والأجندات التي لا تتناسب مع معتقدات ومسلمات المملكة والمنطقة ككل، وأخيرًا التغيير الاجتماعي الهائل خلال سنوات قليلة وبأقل الأضرار على النظام العام.

الملف معقد جدًّا ويصعب فك جزئياته، ويحتاج إلى إدارة تعرف ما تريد أن تخرج به. وبالتالي، الافتراض أننا نعرف ما نريد أن نخرج به بالتأكيد من خلال فنّ الممكن، والدبلوماسية السعودية ذات النجاحات المتعددة في العديد من الأصعدة منذ عقود، ليس على الصعيد السياسي فقط ولكن الاقتصادي والثقافي أيضًا.

وعليه، نأمل أن نركّز على عدد من النقاط:

  • أولًا: مجموعة العشرين وإنْ كان أصل تأسيسها اقتصادياً، لكنها الآن لم تعُد اقتصادية فقط؛ بل أصبحت أداةً لتمرير الأجندات على كافة الأصعدة، والاعتقاد أن المملكة واعية لهذه الحقيقة.
  • ثانيًا: التركيز على تكوين خبرات لن توجد في أفضل الجامعات أو مراكز التدريب لإدارة الملفات بحنكة وحصافة، وأتمنى توثيق التجربة الإدارية لهذا الحدث.
  • ثالثًا: فتح المجال لأكبر عدد ممكن من الإخوان والأخوات للعمل خلال هذا العام، ليكونوا نواة للسنوات القادمة، لتفعيل دور المملكة في اجتماعات هذه المجموعة في كافة الدول التي سوف تستضيفها بعد المملكة من الناحية التقنية، وبالذات في الأجندات التي تتعاطى مع التقنيات والمؤسسات التي وُلدت من رحم مجموعة العشرين. فهناك العديد من المؤسسات الدولية في مجالات متعددة تعمل وفق أجندة العشرين، وعلينا أن يكون لدينا تمثيل أكثر.
  • رابعًا: دور مجموعات المشاركة، نحن بحاجة إلى التعامل معه بذكاء لتمرير السياسات والتي يُفترض أن تتحول إلى قرارات عالمية. لدينا إرث تاريخي غني بالحلول لمشاكل العالم، سوف يكون محل إعجاب إذا ما قُدِّم بطريقة عصرية وجذَّابة. فالعالم متعطش لحلول مشاكله.
  • المداخلات حول القضية:
  • مشاركات المملكة ما قبل قمة العشرين وسُبل الإفادة منها:

أشار م. أسامة كردي إلى أن المملكة ‏تستضيف خلال الفترة التي تسبق قمة العشرين نحو 100 اجتماع ومؤتمر، أبرزها:

  • مجموعة الأعمال B20
  • ‏مجموعة الشباب Y20
  • ‏مجموعة العمال L20
  • ‏مجموعة الفكر T20
  • ‏مجموعة المجتمع المدني C20
  • ‏مجموعة المرأة W20
  • ‏مجموعة العلوم S20
  • ‏مجموعة المجتمع الحضري U20

ومن ثَمَّ فالفرصة مواتية للمملكة لتُلهم العالم برؤيتها. ولعل أهم هدف لنا يجب أن يكون هو التعريف بالمملكة وتقدُّمها في كافة المجالات ورؤية المملكة ٢٠٣٠؛ لأن هذه فرصة لن تتكرر إلا بعد عشرين عامًا من حيث تنوُّع المشاركين من هذه الدول وارتفاع تأثيرهم في بلادهم.. ففي قطاع ال B20 على سبيل المثال، يمكن طرح مجموعة من القضايا المهمة، على أن يكون لكل قضية مجموعة عمل يشارك في كل واحدة منها نحو ١٠٠ مشترك، منهم ٣٠ سعوديًّا فقط، لتشجيع رجال وسيدات الأعمال من دول العالم على المشاركة في مجموعات العمل والحضور إلى المملكة لتحقيق الهدف أعلاه.

في حين ترى د. عائشة الأحمدي أنه إذا كانت اليابان تعدُّ ارتفاع نسبة كبار السن لديها مُعضلة للاقتصاد الياباني باعتبار انخفاض نسبة قوة العمل وارتفاع نسبة الإعالة، فلا بد أن مشكلة ارتفاع قوة العمل الداخلة للسوق أن يكون أيضًا معضلة لدينا ولا سيما في ضوء ارتفاع نسبة الإعالة من صغار السن. وإضافة لذلك، فإن همَّ المهددات الخارجية، وقضايا استقرار المنطقة هم آخر لا بد من العزف عليه، ولا سيما أن كثيرًا من دول العشرين هي لاعب أساسي فيما يخص هذه المهددات.

وذهبت د. وفاء طيبة إلى أننا في المملكة يجب أن نحذو حذو اليابان في الاهتمام بالشيخوخة، فقد تكون اليابان وجدت نفسها هي وبعض الدول تدريجيًّا أمام مشكلة الشيخوخة بعد تحسُّن الخدمات الصحية، أما نحن فلا بد أن نعدَّ العُدة لهذه النسبة الكبيرة من الشباب الذي سيتحول فجأة بأعداد كبيرة إلى الشيخوخة؛ ولذا يجب أن يتضمن التخطيط للشباب التخطيط لتحوُّلهم إلى الشيخوخة بسلاسة اجتماعية وصحية ومادية، حتى لا نُفاجأ بمشكلة الشيخوخة كما تفاجأنا بنسبة كبيرة من الشباب.

وذهب د. صدقة فاضل إلى أن الرياض ليست غريبة على هذه المؤتمرات، وما شابهها. فقد سبق أن عُقِد بالرياض مؤتمر رؤساء برلمانات دول العشرين، باستضافة مجلس الشورى لهذا المؤتمر. ولعلنا نستفيد من هذا الجمع بعرض القضايا العربية والإسلامية العادلة، وطلب دعمها؛ لأنها تستحق الدعم، كما أن هذا سيكسبنا مكانةً وقوةً واحترامًا من أشقائنا العرب والمسلمين. أما إنْ تجاهلنا هذه القضايا، مجاملةً لبعض الضيوف، فسنحصد العكسَ، لا سمح الله.

ومن جانبها تعتقد د. وفاء طيبة أن الإنجاح أو النجاح يعتمد على ما يُثار من موضوعات تخدم المملكة والعالم العربي باعتبار المملكة الدولة القائدة للدول العربية، وتُمثِّل العالم العربي في قمة العشرين، بل إنها السبيل الوحيد – لأنها الدولة العربية الوحيدة- لإيصال الموضوعات التي تهمُّ العالم العربي لقمة العشرين، ومن ذلك كل القضايا التي تهمُّنا والقضايا من حولنا، للتأثير على الأعضاء العشرين لاتخاذ ما يجب من أجل الإنسان وكل ما يخدمه من اقتصاد وحقوق وتعليم وغيره. وبالطبع، مشاركة منظمات المجتمع المدني إنْ أمكن سيكون لها وقعٌ جيد في إظهار صورة المملكة المشرقة. ولكن للنجاح شقّ آخر تخطيطي تنفيذي على الأرض، نريدها قمةً منظَّمةً مرتبةً سَلسلةً، بدون مفاجآت ومشكلات على كل الأصعدة، فهل بدأت الاستعدادات الفعلية لذلك؟

واتفق أ. جمال ملائكة مع أن من المهم للغاية استغلال المنصات المختلفة لتوضيح موقف المملكة من قضايا أخذت حيزًا كبيرًا من الاهتمام العالمي، وربما تقوم الأمانة العامة بتوزيع أوراق مكتوبة باللغة الإنجليزية للمشاركين غير السعوديين؛ لتبيان موقف المملكة من القضايا التالية، فهذه فرصة كبيرة حيث يشارك قادة الرأي ورجال الأعمال في كل ال Task Forces::

  • قضية حرب اليمن.
  • قضية خاشقجي.
  • الخلاف مع إيران.
  • موقفنا من القضية الفلسطينية.

إن اللقاءات الشخصية التي تتخللها هذه القمة مهمة جدًّا؛ لتبيان مواقفنا من هذه القضايا التي غالبًا ما سيتم سؤال المشاركين السعوديين عنها.

في حين ذهب د. علي الطخيس إلى أنه ليس من المُناسِب التركيز على توضيح وجهة نظر المملكة حول قضايا، مثل: قضية جمال خاشقجي، وقضية حرب اليمن؛ لأن هناك مَن يحاول أن يصطاد في الماء العكر، مثل تركيا وقطر وغيرهم، فهؤلاء سيفرحون لطرح مثل هذه القضايا، وسيعيدون البلبلة التي بدأت تندثر أو تضمحل.

  • فرص استفادة المملكة من قمة العشرين:

ذكر د. عبد الله المطيري أنه مما يلفت النظر أن اليابان ركزت عند استضافتها قمة العشرين على موضوع يؤرِّقها وهو الشيخوخة؛ لما له من انعكاس سلبي على الاقتصاد والتركيبة الاجتماعية والأمن القومي، بينما نحن في المملكة اخترنا موضوع الشباب، في حين أنه ليس بأهمية الاستقرار الإقليمي الذي يهدِّد الاقتصاد الوطني والعالمي والأمن الوطني والعربي. من جانب آخر، لا شك أن استضافة المملكة للمجموعة سيكون لها إيجابيات كثيرة، والأمل أن نستفيد إعلاميًّا من مثل هذا الحدث.

وبدوره تساءل د. محمد الملحم: ألا يمكن أن نستثمر فيما بدأته اليابان في هذا المحور، ولكن ليس من خلال الشيخوخة، وإنما من خلال المترتبات ذات الانعكاس السلبي على الاقتصاد والتركيبة الاجتماعية والأمن القومي؛ فلدينا ما يؤثر على التركيبة الاجتماعية من خلال القوى العاملة غير السعودية.

وعقَّب د. عبد الله المطيري بأنه ينبغي ألا نناقش قضية سكانية في مثل هذا التجمُّع؛ فالشباب والتركيبة الاجتماعية ليست مشكلة، وإنما المشكلة فيما تعاني منه المنطقة من تدخلات نحتاج لبحثها والاستفادة من المجموعات بكافة تخصصاتها في حلها.

وذكر د. محمد الملحم أن كلمة سمو ولي العهد – حفظه الله – عن رئاسة المملكة لمجموعة العشرين تضمنت إشارات إلى جوانب مهمة، لا سيما ما يتعلق بأهمية الموقع الجغرافي للمملكة بالنسبة لهذا اللقاء، وكذلك التركيز على الهدف العام المتمثل في اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع، والمتضمن ثلاثة محاور رئيسة:

  • تمكين الإنسان من خلال تهيئة الظروف للجميع، بما فيهم الشباب والنساء للمشاركة.
  • الحفاظ على كوكب الأرض من خلال الحفاظ على الأمن الغذائي والمائي والطاقة والبيئة.
  • تشكيل آفاق جديدة لإستراتيجيات جديدة وطويلة المدى لتبادل منافع الابتكار والتقدم التكنولوجي.

ولأجل نطاق واسع وشامل لوجهات النظر الدولية، تمت دعوة دول جديدة للحضور هي: الأردن، وسنغافورة، وإسبانيا وسويسرا، والمنظمات الدولية.

وفي تصوُّر د. خالد بن دهيش، فإن تصريح سمو ولي العهد عن رئاسة المملكة لمجموعة العشرين تضمنت إبراز منظور منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فمنطقة الشرق الأوسط تمرُّ بمرحلة صعبة من حيث التهديد الفارسي على استقرار المنطقة وأمنها، ومن المؤمَّل أن يضع قادة العشرين حدًّا سياسيًّا لهذه الزعزعة التي تمرُّ بها المنطقة التي يعتمد عليها اقتصاد العالم. إضافةً إلى أن المملكة والمنطقة تقع على مفترق القارات الثلاث التي يمرُّ منها الاقتصاد العالمي. كما تضمَّن تصريح سمو ولي العهد التزام المملكة بمواصلة العمل الذي انطلق من قمة العشرين بأوساكا.

وتساءل د. محمد الملحم: هل دعوة المملكة لبعض الدول لحضور قمة العشرين هي ممارسة شائعة في تاريخ هذه القمة أم مبادرة سعودية بحتة؟ وفي هذا الصدد، أوضح د. خالد بن دهيش أنها ممارسة دأبت عليها القمة بالإضافة للمنظمات الدولية المعنية بمجالات القمة، فهناك إسبانيا والتي تعدُّ ضيفًا دائمًا، بجانب الدول التي ترأس قممًا قارية أو إقليمية في عام انعقاد قمة العشرين، كما أن للدولة المضيف حق الاستضافة لعدد محدود من الدول، وهذا ما فعلته المملكة.

وأضاف د. رياض نجم أن الدولة المضيفة تسعى لتمرير الاهتمامات الإقليمية لمنطقتها لتكون على الأجندة الدولية، وبالتالي يتم استضافة الدول الإقليمية التي تدعم هذا التوجه. وبالنسبة للمملكة، ستكون دول الخليج الداعمة ومصر والأردن وربما المغرب. وأوضح د. عبد الله العساف أنه تم توجيه الدعوة لسويسرا والسنغال والأردن وجنوب إفريقيا والأردن والإمارات؛ لأن كل دولة ترأس منظمة في هذه المرحلة.

ويرى د. يوسف الرشيدي أن قمة العشرين وتركيزها على تمكين الجميع من الفرص المتاحة كهدف عام، من خلال تهيئة الظروف للشباب للتميُّز والتفوُّق للحصول على مستقبل أفضل، وإيجاد آفاق جديدة من خلال تبني إستراتيجيات جريئة وطويلة الأمد تُعنَى بالابتكار والتقنية، مع التأكيد على تعزيز العمل المشترك وبذل الجهود للحفاظ على بيئة كوكبنا من خلال المحافظة على الموارد – جميعها تعدُّ بمثابة نقطة انطلاق مميزة لتعريف العالم بما تقوم به المملكة في هذه المواضيع، وبشكل رسمي منذ انطلاق رؤية ٢٠٣٠.

وأكد أ. محمد الدندني أن استضافة المملكة لقمة العشرين لا شك أنها فرصة يجب استغلالها الاستغلال الأمثل من إدارة المؤتمر، بجانب كل المجموعات من B20، والشباب، والمرأة، والعلوم… إلخ. والاعتقاد أن المملكة لديها أجندة ليس من الضروري أن تكون مُعلَنة، فهي تشمل كل المجموعات. ولا يخفى الدور الإقليمي لبلادنا العزيزة، والذي يجب أن يؤطَّر كحقيقة معترف بها عالميًّا، والأهم من القوى العظمى. وعلينا أيضًا أن نُبرز مكانة المملكة كدولة عربية إسلامية تقود مدرسة فكرية في الوسطية والتسامح والتعاون مع الشعوب.

وأشار د. خالد بن دهيش إلى أنه ورد ضمن تصريح سمو ولي العهد حول استضافة المملكة لمجموعة العشرين: أن المملكة تسعى جاهدةً بالتعاون مع الشركاء بمجموعة G20 لتحقيق إنجازات ملموسة واغتنام الفرص للتصدي لتحديات المستقبل، فنحن في المملكة لا شك أننا نحتاج إلى الاستفادة من G20 لإيجاد تعاون قوي مع الدول المتقدِّمة التي سبقتنا في مجال مجموعة الفكر T20، من خلال إيجاد تعاون بين مراكز الأبحاث والتفكير Thank Tank بالمملكة العربية السعودية والمراكز الموجودة في هذه الدولة، وأن تكون بدايتنا في التعاون من حيث وصلت إليه هذه المراكز، من خلال التوقيع على اتفاقيات ومذكرات تفاهم. كذلك تسعى السعودية، خلال استضافتها قمة العشرين تحت عنوان: “اغتنام فُرص القرن الحادي والعشرين للجميع”، إلى أن تكون حاضنةً لمفاتيح حلول الملفات الاقتصادية والتنموية المعقدة، إذ تؤكد السعودية أن الفرصة أمامها لإظهار قدرتها على قيادة الأجندة العالمية الطموحة لتقديم سياسات اقتصادية فاعلة مستدامة للتعامل مع تلك المستجدات، وإيجاد حلول للقضايا الملحة للقرن الحادي والعشرين. وتدخل السعودية، برئاسة مجموعة العشرين، في تحدي الملفات الشائكة، خصوصًا الاقتصادية منها، إذ يكتنف العالم حاليًّا جملة من المصاعب المرتبطة بالتنمية، يمكن اختصارها في ثلاثة أشكال: الأول منها متعلق بالاقتصاد الكلي العالمي، والثاني يتعلق بالتوتر السياسي، أما الثالث فيرتبط بالاقتصادات المستجدة.

وانطلاقًا من القول بأن قمة العشرين هي “فرصتنا لنُلِهم العالم برؤيتنا”، تساءل د. حميد الشايجي: هل رؤية ٢٠٣٠ أمرٌ خاص بالمملكة فقط أم هي رؤية التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة ووقَّعت عليها الدول المشاركة؟ لأنها إنْ كانت أمرًا خاصًّا بنا ونحن مَن وضعها، فالعبارة في محلها. أما إنْ كانت تشاركنا دول أخرى في تبني الرؤية، فكيف نكون نحن الملهمين للآخرين؟ فهل يقصد أن نُلهمهم بحجم التزامنا بها (قيادةً وشعبًا) وبآليات تنفيذها وجديتنا في ذلك؟

وحول هذا التساؤل، يرى أ. محمد الدندني أن الرؤية عمليًّا هي مشروع وطني، ولا يخفى أن أي مشروع وطني يجب أن ينعكس على السياسة الخارجية والتعامل معها؛ لذا وبما أنه مشروع وطني بحت، فهو مُلهِم للآخرين كي يتعاملوا معنا من خلال أهداف هذا المشروع. أيضًا على الدول المحيطة فهمه كي تستطيع التعامل مع السعودية الحديثة.

وترى أ. علياء البازعي أن توقيت G20 هذه الأيام بالذات جاءت كإضافة حبة الكرز على الكعكة الجميلة. ويبدو أن كل ما يحدث الآن نتاج رؤية طموحة عمرها أربع سنوات. وما نراه من حراك في جميع مناحي الحياة في جوانب نلمسها ونراها كل يوم وأحداث خلف الكواليس تنظِّم ذلك؛ كل هذا كأنه حلم واقعي جميل.

ويرى د. عبد الله العساف أن قمة العشرين هي بمثابة فرصة ذهبية، بل جزءٌ ومرتكز من مرتكزات السياسية الخارجية السعودية ذات الأبعاد المتعددة، ومنها البعد العربي والإسلامي، فهناك متربصون ودُّوا لو ظفروا منا بتراجعٍ ليملؤوا المكان، ولنا في تجربة العراق ما يوقظنا ويحفِّزنا. ويمكن النظر لرئاسة السعودية لقمة العشرين بأنها حدث تاريخي لن يتكرر إلا بعد سنوات؛ لذا يجب علينا العمل على نجاحه أولًا ثم استثماره كحدث عالمي يحظى باهتمام ومتابعة ومراقبة خاصة، بالإضافة إلى الحضور الكبير المتوقع من الزوَّار ومُمثِّلي الإعلام العالمي بكافة قطاعاته، فضلًا عن الوفود الرسمية وضيوف الشرف. إنها بمثابة فرصة عظيمة أتت إلينا بجهود ومتابعة وإنجازات وطن جعَل العالم يعترف له بمكانته المرموقة بين الأمم، وبموقعه كحجر الزاوية في البناء السياسي والاقتصادي على خارطة الجغرافيا، ليحفر بخطوط من نور تاريخه، وهويته، وحاضره ومستقبله. رئاسة قمة العشرين لها مكاسب متعددة ومتنوعة، تدفع الدول مقابلها لشركات العلاقات العامة مئات الملايين من أجل العمل عليها، ونحن أتت إلينا على طبق من ذهب، بجهود تُذكر وتُشكر لسمو ولي العهد؛ ولذا فهي فرصة سانحة لتعريف دول العالم بهويتنا، ومواقفنا الكثيرة المشرفة في جميع المجالات، فالعالم سمِع عنَّا ولم يسمع منا، وقرأ عنَّا، ولم يعش الحقيقة معنا، علينا أن نُحسن استثمارها إذا أردنا العبور إلى عالم جديد نتجاوز فيه أخطاءنا وأخطاء غيرنا علينا.

وأشار أ. عبد الله الضويحي إلى أن الحوار بين الدول المتقدمة والدول النامية لم يكن وليدَ هذا القرن أو قمة العشرين إنْ جاز لنا أن نُسمِّيها كذلك، فقد بدأت خيوطه تُنسج في بدايات النصف الثاني من القرن الماضي عندما ظهرت لدى المجتمع الدولي الجدية في حل مشكلة الدول النامية، فكان لا بد من إعادة صياغة العلاقات الدولية بصورة أكثر عدالةً، فظهر على السطح مصطلح (الشمال والجنوب)، وبدأ يتردد في وسائل الإعلام في ستينيات القرن الماضي، وجرت محاولات لإجراء حوار بين الطرفين للاتفاق على صيغة مشتركة لنظام عالمي جديد، ولأسباب ليس المجال لذكرها، حيث انتقل الحوار لمرحلة أكثر جديةً، وتبنَّت فرنسا ذلك في عهد الرئيس جورج بومبيدو، ثم في عهد جيسكار ديستان الذي أعلَن الدعوة للحوار بين الشمال والجنوب، وعُقد أول مؤتمر للحوار بين الشمال والجنوب في باريس 1975 حضره نحو 27 دولة على مستوى وزاري ليس من بينها الولايات المتحدة التي لم تكن من مؤيدي الحوار. لكن حوار الشمال والجنوب مات في عز شبابه ولم تُجدِ محاولات إنعاشه! والتساؤل المطروح في هذا الصدد: هل يمكن اعتبار مجموعة العشرين امتدادًا لحوار الشمال والجنوب؟ أم أنها تختلف كونها أكثر شموليةً في مواضيع الحوار؟ الولايات المتحدة الأمريكية اعترضت أو لم تؤيد “حوار الشمال والجنوب”، وهي – كما أشارت أ. منى في تعقيبها – بدأت مؤخرًا في التصرُّف بشكل فردي، مما أثر سلبًا في تقويض هيكلية مجموعة العشرين! وما مدى انعكاس تصرفات أمريكا على استمرار المجموعة؟

وعقَّب أ. جمال ملائكة بأنه ومن خلال مشاركته السابقة في أعمال ال B 20 في فريق التجارة والاستثمار، لاحظ التالي:

  • عدم تمرير أغلب توصيات تسهيل التجارة العالمية بسبب تعارضها مع مصالح دول كبرى.
  • زيادة العراقيل والتعريفات الجمركية مع مرِّ السنين.
  • بوصول ترامب للرئاسة تعقَّدت الأمور بصورة أكبر كما هو واضح أمامنا.
  • لا توجد “آلية” قبل وبعد المؤتمر للمتابعة، والأهم lobbying لبعض التوصيات المهمة على مستوى الفائدة العامة، وليس فقط لدولة واحدة أو أكثر.

وركَّز د. مساعد المحيا على أهمية تعزيز فكرة المضي نحو استثمار قمة العشرين في المجال الإعلامي، ولكن باستخدام أساليب غير مباشرة تقوم على استيعاب طبيعة الفرد في العالم، وفهم طريقة تفكيره. ولعل أي عمل أو قرارات أو مواقف في قضايا معينة يراد إقناع دول العالم بها، وهي دول مؤسساتية عريقة، هو نوع من المحاولات غير المجدية، لا سيما أن قرارات مجموعة العشرين ليست مُلزِمة لأعضائها؛ مما يعني أن القرارات ترتبط برؤية كل دولة، وهذا يشير إلى أن الدول لا تزال تُؤمن بأنها هي مَن يصنع مصالحها وإستراتيجياتها. كذلك فإن قمة العشرين ينبغي أن نتعلم منها الواقعية في فهم الواقع، وفي إدراك معطيات المستقبل، وأن نتصور أننا نُمثِّل الفئة الأقل من اقتصاديات هذه الدول، وبخاصة أننا لا يمكن أن نفكِّر عن هذه الدول في مستقبلها الاقتصادي، والأمل أن نستفيد فقط من مسار هذه الدول، وكيف بنت لها هذه الكيانات وهذه القوة، وأن الفرد هو أساس الاستثمار في الوطن، وأن المستقبل لنا به وبمدى قوة ومتانة وجودة تعليمه وبمدى الثقة به وبإنتاجه وفكره وآرائه، فهو مصدر الفخر والنمذجة.. وأن التافهين المحليين وغير المحليين ينبغي ألا يتصدروا المشهد باستقطابهم وبجعلهم رموزًا ونماذج.

  • مقترحات لتعظيم الاستفادة من استضافة المملكة لقمة العشرين:

في تصوُّر م. إبراهيم ناظر، فإنه لا شك أن حدث استضافة قمة العشرين يحقِّق للمملكة مزايا كثيرة يجب استثمارها، والاستفادة منها إلى أقصى حد ممكن، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكن تحقيق ذلك؟

واقترح أ. محمد الدندني أن يُعلَن قبل انعقاد قمة العشرين بأشهر عن تخصيص نسبة معينة من الميزانية العامة للدولة فقط للتكنولوجيا والبحث العلمي، ودعوة الدول للتعاون في هذا المجال مع جامعات المملكة ومراكز الأبحاث فيها.

وعقَّب د. محمد الملحم على هذا المقترح المشار إليه بأنه ينطلق من افتراض أن المملكة يمكن أن تجذب إليها البحث العلمي النوعي، والذي من شأنه أن يصنع الفرق من خلال إعلان الدعم المالي، في حين أن الدول المالكة لهذه التقنيات وهذه الأبحاث النوعية لا تشكو بالضرورة من هذا الجانب، ومن ثَمَّ يكون الأكثر ملاءمةً هو أن تبحث المملكة عن جانب آخر يمكن أن تتقدم من خلاله لاجتذاب هذا المستوى من البحث العلمي، ولعلنا نسترجع في هذا الصدد تجربة كاوست وكذلك كابسارك في الطرف الآخر.

ومن جديد، أوضح أ. محمد الدندني أن ما يراه هو البعد عن المؤسسات الرسمية وكذلك عن الأفكار الكبيرة. ويمكن اقتراح تأسيس شركة مستقلة ربما تعود لصندوق الاستثمار، وتُطرح للاكتتاب مع وضع رأس مال كانطلاقة. تُعنى هذه الشركة بالاستثمار في الأفكار الواعدة، والتي تكون حبيسة الحاضنات في شتى بقاع الأرض.

وتطرَّق د. محمد الملحم إلى أن إشراك دول العشرين في هم الاستقرار السياسي هو مكسب عظيم، ولكن التساؤل المهم: ما المدخل المناسب لتحقيق هذا الهدف من خلال قمة العشرين؟ كيف يمكن مثلاً لمجموعات المشاركة من خلال ما تقدمه من أطروحات أن تُقنع القادة أو جزءًا منهم بمشاركة ما من هذا النوع مع المملكة أو مع دول المنطقة المتحالفة مع المملكة، والتي تعاني نفس المعاناة؟

وفي هذا الشأن، أوضحت د. عائشة الأحمدي أن فلسفة قمة العشرين تقوم على تحقيق الاستقرار الاقتصادي في كافة أبعاده، والمرتبط بتعزيز وتسخير كافة القوى الاجتماعية والثقافية، ولا يخفى على أحد أن قوة المنطقة في ثلاث دول: السعودية ومصر وتركيا، ومؤكد أن قوة العنصر الاقتصادي والثقافي مرتكزة في بلادنا، هذا عدا الموقع ودور المملكة في استقرار السوق النفطية، فإذا ما سخّرت السياسات الناعمة بدايةً من تشكيل حلفاء داخل المجموعة وخارجها، والضغط في اتجاه أن استقرار المنطقة، المبني على ذوبان الصراعات التاريخية، بيننا وبين إيران من جهة، والمنطقة العربية وإسرائيل من  جهة أخرى؛ فسيكون هذا دون شك عاملَ حسم في تحقيق المجموعة لجزء من أهدافها، ومن المؤكَّد أن هذا سيدفع نحو تخفيف الضغط من تلك التحديات علينا.

وترى أ. فائزة العجروش أن من المهم للمملكة استثمار فرصة استضافة قمة العشرين للتنويه عما يلي:

  • أولاً: أن تعود مبادرة المملكة) الطاقة للفقراء (*)( لمصدرها؛ والأولى أن تستعيد المملكة هذه المبادرة كأحد الأمثلة التي تجسِّد اضطلاع السعودية بمسؤوليتها الدولية. وفي هذا السياق، يمكن الاطلاع على مقال قديم للدكتور الحربش، الذي أكد فيه على ضرورة أن يكون للمملكة دور كبير – كونها الدولة المضيفة – في صياغة البيان الختامي للقمة لإعادة تأكيد هذا الدور المحوري للمملكة، ويقدِّم مزيدًا من الاقتراحات للقمة وللقائمين عليها.

http://www.al jazirah.com/2019/20190718/ar6.

  • ثانيًا: ما تحمله خطط المملكة من مشاريع كبرى وواعدة في عدة مجالات تعزِّز من مكانة المملكة وتأثيرها الاقتصادي العالمي بما يتوافق مع الأهداف المشتركة لمجموعة العشرين.
  • ثالثًا: تسليط الضوء على البيئة الاستثمارية المحفِّزة للمملكة في ضوء ما تتمتع به من ميزات عديدة، فضلًا عن الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تنعم به المملكة.
  • رابعًا: تعريف دول العالم بهوية المملكة ومواقفها المشرقة في جميع المجالات، وتعزيز الدور الطموح الذي تتبناه إقليميًّا ودوليًّا في تحقيق التكامل والرخاء. وكذلك فتح آفاق التعاون الاقتصادي لتحقيق” رؤية المملكة 2030 “والتقارب مع دول العالم، وتحقيق التنمية المستدامة الشاملة عالميًّا.

وأضافت أ. فائزة العجروش إنْ كان لا بد من الاختيار على سبيل ترتيب الأولويات، فبكل تأكيد سيكون الاهتمام بتعزيز مكانة المملكة اقتصاديًّا على الصعيد الدولي؛ كون الاقتصاد هو المحرِّك الرئيس للسياسة التي قد تنعكس سلبًا أو إيجابًا على الحياة الاجتماعية للشعوب، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى للأسباب التالية:

  • لنقل رؤية 2030، والتي تعدُّ أكبر عملية إصلاح اقتصادي في تاريخ الوطن إلى أكبر محفل عالمي.
  • كون هذه النقطة من صلب اهتمام القيادة كهدف إستراتيجي لتنويع مصادر الدخل الوطني.
  • لتعزيز دور المملكة كدولة فاعلة في رسم سياسة الاقتصاد العالمي، وكمنصة صناعية ولوجستية مميزة بين القارات الثلاث.
  • لأن المملكة هي مَن سيحدِّد القضايا والتحديات الاقتصادية والمالية التي سيتم الحوار والتشاور حولها بين المسؤولين في هذه الدول والتوافق بخصوصها، بعد أن يتم إقرار السياسات الملائمة إزاءها في اجتماع القمة بين زعماء هذه الدول في الربع الأخير من عام 2020.
  • لأن المملكة لا تمثِّل نفسها في مجموعة العشرين، وإنما تمثِّل الدول النامية والعالمين العربي والإسلامي وتشارك بقية الدول في رسم الخُطط والمسارات الاقتصادية للعالم.

ويرى م. خالد العثمان أن إحدى البصمات المهمة التي يمكن أن تضعها المملكة في هذه الدورة من قمة العشرين هي إطلاق مجموعة مشاركة ضمن أعمال القمة، تُعنى بموضوع الثقافة انسجامًا مع تنامي الحراك الثقافي.

وأيَّد د. رياض نجم ما طرحه م. خالد بإنشاء مجموعة مشاركة engagement group جديدة تُعنى بالثقافة، من خلال الاقتراح على لجنة التسيير لمجموعة T20 السعودية بإنشاء فِرقة مهام Task Force حادية عشرة تُعنَى بالثقافة. وإذا تعذَّر ذلك تُضاف كأحد العناصر لفرقة المهام ٤ (social cohesion and the state)؛ بالنظر إلى أن اللجنة العليا اتخذت قرارًا بعدم إضافة مجموعات اتصال / مشاركة جديدة.

واقترح د. مساعد المحيا أن تكون قمة العشرين فرصة لإبراز وتكريم العلماء والمفكرين من الشخصيات السعودية التي أسهمت في أي منجز دولي أو بحث علمي مميز أو اختراع فريد أو تسنموا منصبًا دوليًّا أو وظيفيًّا أو علميًّا، وهي شخصيات عديدة في عدد من دول العالم، بما فيهم الأطباء في التخصصات الدقيقة في مستشفيات كبيرة في العالم؛ فهؤلاء جزء من قوتنا الناعمة، وهؤلاء هم مصدر الفخر الأولى بالتكريم.

واهتم أ. عبد الله الضويحي بضرورة إظهار الجانب الآخر للمملكة بعيدًا عن السياسة والاقتصاد، وأن نخرج بهؤلاء من أروقة المؤتمر إلى إرثنا الحضاري والثقافي، من القاعات إلى الفضاء الرحب على طريقة النشاط اللاصفي في مدارس التعليم. لا نريد أن نُقدِّم لهم بيانات ولا مرافعات بقدر ما نقدِّم أنفسنا ومجتمعنا على طبيعته، ودولتنا على صورتها الحقيقية. نريد أن نكون حديث العالم، ليس في التنظيم فقط، ولا في قيادة المجموعة؛ ولكن أيضًا كدولة عصرية ومجتمع حضاري…!

 

  • التوصيات:
  • أهمية النجاح في إدارة اجتماع قمة العشرين ولوجستياته على نحو مُنظَّم يحقق الأهداف المحددة، وتوثيق تلك التجربة الإدارية.
  • تعريف دول العالم بهوية المملكة ومواقفها المشرقة في جميع المجالات، وإبراز مكانتها كدولة عربية إسلامية تقود مدرسة فكرية في الوسطية والتسامح والتعاون مع الشعوب.
  • تسليط الضوء على البيئة الاستثمارية المحفِّزة للمملكة في ضوء ما تتمتع به من ميزات عديدة، فضلًا عن الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تنعم به المملكة.
  • الاستفادة من تجمُّع قمة العشرين في عرض القضايا العربية والإسلامية العادلة، وطلب دعمها.
  • السعي لوضع اهتمامات المملكة الداخلية والإقليمية على قائمة الاهتمامات الدولية.
  • الإفادة من استضافة المملكة لمجموعة العشرين في اطلاع العالم على تنوُّع الثقافات في المملكة وإرثها الحضاري، وكذلك التعريف بالمملكة كوجهة سياحية جاذبة.
  • الإفادة من رئاسة المملكة لمجموعة العشرين في تنمية ثقافة مراكز التفكير وأهميتها في المملكة، والاستفادة من تجارب المراكز الدولية والإقليمية ذات الخبرات الطويلة في هذا الصدد.

 

القضية الثانية

واقع العمل التطوعي في المملكة العربية السعودية

(8/12/2019م)

 

  • الورقة الرئيسة: د. عبير برهمين
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. سمية شرف (ضيف الملتقى)
  • التعقيب الثاني: د. حميد الشايجي
  • إدارة الحوار: د. الجازي الشبيكي

 

  • الملخص التنفيذي:

أشارت د. عبير برهمين في الورقة الرئيسة إلى أن العمل التطوعي بصفة عامة يعتبر قطاعًا ثالثًا مكمِّلًا للقطاع الحكومي والقطاع الخاص. وقد يكون من النوع (المنظَّم) والذي تحكمه لوائح وقوانين أو (غير المنظَّم) والذي ينخرط فيه الفرد تبعًا لاجتهاداته الشخصية. والواقع أن رؤية المملكة الطموحة 2030 لم تغفل أهميةَ الجانب التطوعي لمجتمعنا، فكان الوصول إلى عدد مليون متطوع منطلقًا من أنه لا تُبنَى البلدان إلا بسواعد أبنائها وبناتها. وفي المملكة العربية السعودية، تتواجد الأعمال التطوعية في مختلف الساحات التعليمية والصحية والاجتماعية والاقتصادية، وغيرها؛ من خلال الجمعيات الخيرية، ومساهمة أفراد المجتمع في أعمال البر والإغاثة في الداخل والخارج، كما جاءت في لائحة الجمعيات والمؤسسات الخيرية – الصادرة بقرار مجلس الوزراء الصادر في عام 1410هـ. حيث زاد عدد الجمعيات الخيرية عن (400) جمعية مُرخَّص لها، والعدد في تزايد. كما صدرت القواعد التنفيذية للائحة الجمعيات والمؤسسات الخيرية بعدها بعامين. وفي بعض القطاعات كالمديرية العامة للدفاع المدني والهلال الأحمر السعودي، كان لهما تنظيم داخلي فيما يتعلق بالعمل التطوعي في ميادين أعمالهما تم اعتماده في العامين 1406هـ و1429هـ على التوالي. إضافةً إلى أنه عُقدت مؤتمرات ذات علاقة بالمملكة؛ إلا أنه من الملاحظ أن سقف التوقعات – وللأسف – لم يتسق مع الواقع الحالي للعمل التطوعي، فما زالت الاجتهادات الفردية تطغى، وما زالت هناك تجاوزات أدبية وأخلاقية، وما زال التوثيق والإحصائيات مغيبين؛ ناهيك عن التطوُّع النوعي والذي يوجِّه العمل التطوعي إلى مجالات معينة تعاني قصورًا.

وأوضحت د. سمية شرف في التعقيب الأول أن التطوع يعدُّ قضية إستراتيجية وطنية حثَّت عليها رؤية المملكة العربية السعودية الطموحة ٢٠٣٠، وذلك من خلال مؤشرات أداء واضحة وجلية في البرامج المختلفة، مثل: برنامج التحول الوطني، وبرنامج جودة الحياة، وبرنامج خدمة ضيوف الرحمن. ويدل ذلك على مدى عناية المملكة التي تنشدها في زيادة عدد المتطوعين وتأهيلهم، وتجويد خدماتهم بما يسهم في تحقيق المجتمع المزهر والمواطن المسؤول.

في حين ركَّز د. حميد الشايجي في التعقيب الثاني على أن المجتمع السعودي عُرف بالتطوع، بل هو أصيل فيه من منطلقات دينية وإنسانية واجتماعية وثقافية… ولكنه ما زال فردي الأداء، عفوي التوجه، إغاثي الهدف.. وهذه الصفات معوقات معتبرة في سبيل الوصول للعمل التطوعي الخيري المنظَّم الذي من أبرز قسماته: المنهجية العلمية، والاستدامة، والشمولية، والشفافية، والثقة، والاستقرار، والانتشار، والإنماء الشامل للفرد والجماعة والمجتمع.

وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

  • واقع العمل التطوعي في المملكة.
  • الأثر الاقتصادي للعمل التطوعي في ضوء رؤية المملكة 2030.
  • معوقات العمل التطوعي في المملكة.
  • مقترحات لتطوير العمل التطوعي.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول قضية: واقع العمل التطوعي في المملكة العربية السعودية، ما يلي:

  • وضع إستراتيجية متكاملة على مستوى الدولة من قِبل وزارة التخطيط، للارتقاء بالعمل التطوعي، وتنويع وتوسيع مجالاته، والوعي بتأثيره في التنمية، وتفعيل القيمة الاقتصادية للتطوُّع.
  • نَشْر ثقافة العمل التطوعي من خلال جميع الأجهزة المعنية بذلك، ومن خلال الجهاز التعليمي خاصة، وتعزيز مفهوم المبادرة والمسؤولية الاجتماعية بالقدوة وبالوسائل المتاحة، وربط العمل التطوعي بموضوعات المناهج المختلفة في المدارس.
  • الورقة الرئيسة: د. عبير برهمين

على مر العصور حظي العمل التطوعي باهتمام خاص محليًّا ودوليًّا، فتم طرح برنامج الأمم المتحدة التطوعي (دوليًّا) في العام 1967م، ومن ثَمَّ تمَّ إقرار هيئة دولية للمتطوعين وتشكيلها في العام 1971م. وأصبح اليوم العالمي للتطوع والذي يصادف اليوم الخامس من ديسمبر من كل عام ميلادي، من الأيام المعتمدة عالميًّا، ويُخصَّص الأسبوع التالي له للتذكير به، وتوضيح أهميته في بناء المجتمعات.

ويعتبر العمل التطوعي بصفة عامة قطاعًا ثالثًا مُكمِّلًا للقطاع الحكومي والقطاع الخاص. وقد يكون من النوع (المنظَّم) والذي تحكمه لوائح وقوانين، أو (غير المنظَّم) والذي ينخرط فيه الفرد تبعًا لاجتهاداته الشخصية.

رؤية المملكة الطموحة 2030 لم تغفل أهمية الجانب التطوعي لمجتمعنا، فكان الوصول إلى عدد مليون متطوع منطلقًا من أنه لا تُبنَى البلدان إلا بسواعد أبنائها وبناتها. وفي المملكة العربية السعودية، تتواجد الأعمال التطوعية في مختلف الساحات التعليمية والصحية والاجتماعية والاقتصادية، وغيرها؛ من خلال الجمعيات الخيرية، ومساهمة أفراد المجتمع في أعمال البر والإغاثة في الداخل والخارج، كما جاءت في لائحة الجمعيات والمؤسسات الخيرية – الصادرة بقرار مجلس الوزراء، الصادر في عام 1410هـ. حيث زاد عدد الجمعيات الخيرية عن (400) جمعية مُرخَّص لها، والعدد في تزايد. كما صدرت القواعد التنفيذية للائحة الجمعيات والمؤسسات الخيرية بعدها بعامين. وفي بعض القطاعات كالمديرية العامة للدفاع المدني والهلال الأحمر السعودي، كان لهما تنظيم داخلي فيما يتعلق بالعمل التطوعي في ميادين أعمالهما تم اعتماده في العامين 1406هـ و1429هـ على التوالي. إضافةً إلى أنه عُقدت مؤتمرات ذات علاقة بالمملكة؛ كالمؤتمر السعودي الأول للتطوع والمنعقد بمدينة جدة قبل ما يزيد على عشرين عامًا، والمؤتمر السعودي الثاني للتطوع والمنعقد بمدينة الرياض في عام 1430هـ، تلاه المنتدى العالمي للعمل التطوعي والمنعقد بمدينة أبها في العام نفسه، وعُقدت هذه المؤتمرات لتطوير العمل التطوعي المؤسساتي ووسائله وطُرقه والحث عليه كوسيلة إنماء للفرد وتنمية المجتمع، وضمان تكافله وتذليل المعوقات التنظيمية والإدارية والمالية والتشريعية، ودعم متلازمة الأمن والتنمية في المجتمع، وتفعيل دور الشباب في العمل التطوعي ونشر ثقافته. إلا أنه من الملاحظ أن سقف التوقعات – وللأسف – لم يتسق مع الواقع الحالي للعمل التطوعي، فما زالت الاجتهادات الفردية تطغى، وما زالت هناك تجاوزات أدبية وأخلاقية، وما زال التوثيق والإحصائيات مغيبين، ناهيك عن التطوع النوعي والذي يوجِّه العمل التطوعي إلى مجالات معينة تعاني قصورًا.

وبالرغم من تزايُد عدد المتطوعين إلا أن المفاهيم الأساسية للتطوُّع غابت عنهم، فنرى أن أبسط الأدبيات المتمثلة في الالتزام بالمواعيد المحددة مثلاً مفقودة. كما يتم استغلال بعض المتطوعين من قبل منظِّمي الحفلات والمناسبات، فيتم تقديم الوعود بتوفير المواصلات، وتحديد عدد ساعات معينة ومبلغ رمزي مقطوع، ثم لا يتم الالتزام بها.

حاليًّا في ظل التغيرات المتسارعة والإصلاحات في جميع مفاصل الدولة، يمكننا القول إن العمل التطوعي وكل ما يتعلق بأعمال القطاع الثالث بحاجة أكثر من غيرها لإعادة النظر فيها، وتقييم المكتسبات على مرِّ السنوات الماضية، ومحاولة سدِّ الفجوة بين ما هو واقع وما هو مأمول به؛ لضمان تحقيق أعلى مستويات التنمية فيما يخص تنمية معارف ومهارات الفرد ومجالات التطوع المطلوبة. هذا التطلع يستوجب تضافر جهود الجهات المعنية جميعها؛ وعلى رأسها الجامعات، ووزارة التعليم، ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية.

جامعة أم القرى كان لها مبادرتان جميلتان يُرجى منهما أن تكونا مساهمتين في تحقيق العمل التطوعي النوعي، والذي يعمل على سدِّ الفجوة ببناء معارف ومقدرات المتطوعين بمنهجية في مجالات نوعية، هما: العمل الصحي الميداني في مواسم الحج والعمرة، والبحث العلمي ضمن مبادرتي مقرر الحج والعمرة الرأسي ومبادرة عطاء. وهناك أيضًا مشروع الأمير نايف بن عبد العزيز للتدريب على الإسعافات الأولية والإنعاش القلبي الرئوي الأساسي، وغيرها. أوردت هذه الأمثلة تحديدًا؛ لأنني كنتُ شاهدةً عليها، وشاركت في بعضها، خاصة في المرحلتين الأولى والثانية من مبادرة عطاء. ومن ثَمَّ، راقبت من كثب مدى التطوُّر والنقلة النوعية لهاتين المبادرتين. أما مشروع الأمير نايف للتدريب على الإسعافات الأولية والإنعاش القلبي الرئوي الأساسي، فقد شاركتُ معهم كمدرِّبة متطوعة، وعملت على نشر الثقافة والوعي بهذا المشروع في عدد من المدارس الحكومية والأهلية بمكة المكرمة. وما زال المجال مفتوحًا لمبادرات نوعية عديدة تحقق المنشود بالوصول إلى رقم مليون متطوع مدرَّب ومؤهَّل تأهيلاً نوعيًّا للقيام بالدفع بعجلة التنمية الاجتماعية قدمًا، وبما يحقق طموحات الوطن والمواطن. ولعلي أختم ورقتي هذه ببعض التوصيات كالتالي:

  • الحاجة إلى وجود قاعدة بيانات على مستوى المملكة تحوي بيانات جميع المتطوعين ومجالات مهاراتهم؛ ليسهل التواصل معهم عند الحاجة.
  • الحاجة إلى تزويد المتطوعين بمهارات نوعية متخصصة، مثل: دورات في مجال الأمن السيبراني، أو مهارات التخاطب بلغات متعددة، أو مهارات التعامل مع إدارة الحشود وإدارة المخاطر والأزمات.
  • تدريب المتطوعين على بعض المهارات اليدوية، مثل: ترميم أسوار المنازل، والتعامل مع مصادر الكهرباء بصورة آمنة خلال الأعاصير أو الأمطار الغزيرة والسيول وعمليات الإنقاذ المختلفة.
  • رَفْع نسبة الوعي بأخلاقيات العمل التطوعي ومفاهيمه الأساسية، مثل: الالتزام بالوقت، والالتزام ببنود الاتفاق على نوع العمل المنوط بهم، ومعرفة مخاطر وتبعات التطوُّع إنْ وُجدت.
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. سمية شرف (ضيف الملتقى) (*):

يعدُّ التطوع قضيةً إستراتيجيةً وطنية حثَّت عليها رؤية المملكة العربية السعودية الطموحة ٢٠٣٠، وذلك من خلال مؤشرات أداء واضحة وجلية في البرامج المختلفة، مثل: برنامج التحول الوطني، وبرنامج جودة الحياة، وبرنامج خدمة ضيوف الرحمن. ويدل ذلك على مدى عناية المملكة التي تنشدها في زيادة عدد المتطوعين وتأهيلهم وتجويد خدماتهم، بما يسهم في تحقيق المجتمع المزهر والمواطن المسؤول.

ولعل مجالات العمل التطوعي في ازدياد، فلم تقتصر المملكة على تقديم الخدمات التطوعية فقط في القطاع غير الربحي، بل امتدت الخدمات لتضع لمسات واضحة في القطاعين العام والخاص، حيث برزت أعداد المتطوعين في المملكة في مختلف المجالات تعاضدًا في أكثر من مجال، مثل: مجال الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية والإعلامية، بالإضافة لخدمات الحج والعمرة وغيرها، سواءً تمَّ تقديم الخدمة بصورة واقعية ملموسة أو بصورة إلكترونية.

وبالرجوع إلى إحصائيات المتطوعين المذكورة في وثيقة مسح العمل التطوعي الصادرة من الهيئة العامة للإحصاء عام ٢٠١٨م، نجد أن نسبة عدد المتطوعين من إجمالي عدد السكان بالمملكة بلغت ١٤٪، كما بلغ متوسط عدد ساعات العمل التطوعي في الأسبوع ما يقارب ٥٢ ساعة. كما أظهرت النتائج أن أعلى فئة للمتطوعين كانت في الفئة العمرية من ٣٠-٣٤ سنة، يليها الفئة العمرية من ٤٠-٤٤ سنة. بينما أعلى نسبة للمتطوعين في المستوى التعليمي بلغت ٤١٪ من الحاصلين على مؤهل ثانوي ودبلوم. يليهم نسبة الحاصلين على مؤهل جامعي فأعلى ٣٨.٣٪. كما كانت أعلى نسبة للمتطوعين من نصيب المتزوجين بواقع ٧٦.٧٪. كما بلغت نسبة المتطوعين المنشغلين بمهنة ما يقارب ٦٥.٩٪، وهي أعلي من نسبة المتطوعين غير المنشغلين. وبلغت نسبة التطوع للمنشآت ١٥.٢٪ مقارنةً بالتطوُّع لصالح الأفراد الذي بلغ ٨٤.٨٪. كما بلغت نسبة التطوع للجهات الحكومية ما يقارب ٥٠.٤٪ مقابل التطوع في القطاع الخاص أو غير الربحي بنسبة ٤٥.٥٪.

وتعقيبًا على ما ذُكر في الورقة الرئيسة، وتحديدًا في شأن عناية الجامعات السعودية بالتطوع والمتطوعين، فقد كان لجامعة أم القرى دورٌ بارزٌ في إحداث التغير العلمي الملموس في ثقافة التطوُّع بالمجتمع السعودي خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث استحدثت عمادة البحث العلمي بجامعة أم القرى وكالة معنية بالتطوع البحثي وبحوث التطوع وذلك في عام ٢٠١٧م. وقد نتج عن ذلك ما يقارب ٥٩٢٢ ساعة تطوعية في خدمة مجال البحث العلمي، شارك فيها ما يقارب ٦١١ متطوعًا، ينتسبون إلى ما يقارب ٢٩ كلية ومعهدًا، ومما يقارب ٦٣ تخصصًا أكاديميًّا؛ وهو ما يدل على تنوع وإثراء الخدمة المقدَّمة. كما كان السبق للجامعة في تقديم أول لائحة علمية معنية بالتطوع، ومتضمنة لحقوق وواجبات وحوافز المتطوعين، وكذلك الشروط والمعايير والقيم ومؤشرات الجودة الخاصة بالتطوع، وتم المصادقة عليها من المجلس العلمي. وأعدت قاعدة بيانات ونظامًا إلكترونيًّا لإدارة المواد البشرية التطوعية بما يساعد على عرض الفرص التطوعية وتسجيل الساعات وتصنيفها وفقًا للخدمة التطوعية المقدَّمة. وقدَّمت وكالة التطوع ثلاث دراسات بحثية لتجويد خدمات التطوُّع في موسم الحج والعمرة، وهي بالعناوين التالية:

  • ميثاق العمل التطوعي في منظومتي الحج والعمرة.
  • واقع التطوع في الحج والتطلعات وفق رؤية المملكة٢٠٣٠.
  • فاعلية برنامج تدريبي لتنمية المهارات الإرشادية لدى المتطوعين العاملين في منظومتي الحج والعمرة.

وأشيد بما ذكرته الورقة الرئيسة من توصيات فعالة، وأضيفُ على ذلك المشاريع التي تقيمها إدارة التطوع في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، والتي تحثُّ على توفير بوابة وطنية لرصد العمل التطوعي والكفاءات التطوعية، كما تدعم وتحفظ بيانات المتطوعين والخدمات التطوعية في المؤسسات والجهات المختلفة. وأؤكِّد على ضرورة الاهتمام بتأهيل المتطوعين وتطوير مهاراتهم العامة والتخصصية بما يضمن تجويد الخدمة ورفع مؤشرات الجودة المرتبطة بها.

  • التعقيب الثاني: د. حميد الشايجي

إنَّ كل محور من المحاور الأربعة التي تضمنتها الورقة الرئيسة يحتاج إلى بحث أو ورقة مستقلة. فالعمل التطوعي وحجم الانخراط فيه يعدُّ رمزًا من رموز تقدُّم الأمم وازدهارها، فالأمة كلما ازدادت تقدُّمًا ورقيًّا، ازداد انخراط مواطنيها في أعمال التطوع الخيري. كما يعدُّ الانخراط في العمل التطوعي مطلبًا من متطلبات الحياة المعاصرة التي أتت بالتنمية والتطور السريع في كافة المجالات.

إن تعقد الحياة الاجتماعية وتطوُّر الظروف المعاشية والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والتقنية المتسارعة تملي علينا أوضاعًا وظروفًا جديدة تقف الحكومات أحيانًا عاجزةً عن مجاراتها؛ مما يستدعي تضافر كافة جهود المجتمع الرسمية والشعبية لمواجهة هذا الواقع وهذه الأوضاع. ومن هنا يأتي دور العمل التطوعي الفاعل والمؤازر للجهود الرسمية. فمع تعقُّد الحياة في كافة جوانبها، أضحى على الدول التي تواجه هذه المعضلات البحث عن شريك آخر يساهم معها في المواجهة والتصدي لتلك المشكلات. إن تزايد الطلب على الخدمات الاجتماعية نوعًا وكمًّا أصبح يشكِّل تحديًّا أمام الحكومات؛ وهو ما يتطلب وجود جهات مساندة للنظام الرسمي خصوصًا وأن الهيئات التطوعية مفضَّلة على الهيئات الرسمية؛ نظرًا:

  • لعدم تعقُّدها.
  • وانتفاء البيروقراطية.
  • والمتطوع عندما يقدِّم وقتَه وخدماته طوعًا يعتبر أداؤه أفضلَ من الموظفين مدفوعي الأجر.

وقد أثبتت التجارب أن بعض الأجهزة الرسمية لا تستطيع وحدها تحقيق كافة غايات خطط ومشاريع التنمية دون المشاركة التطوعية الفعالة للمواطنين والجمعيات الأهلية التي يمكنها الإسهام بدور فاعل في عمليات التنمية؛ نظرًا لمرونتها وسرعة اتخاذ القرار فيها. ولهذا اعتنت الدول الحديثة بهذا الجانب لمعالجة مشاكل العصر والتغلب على كثير من الظروف الطارئة، في منظومة رائعة من التحالف والتكاتف بين كلٍّ من القطاع الحكومي والقطاع الأهلي والقطاع الثالث (الخيري/ الأهلي). وهذا ما دعت إليه رؤية 2030، حيث رأت أن فتح باب التطوع لكافة الفئات سوف يساهم في توفير فرص خدمات اجتماعية تقدَّم بشكل طوعي، ومن خلال جمعيات ومنظمات متخصصة تستقطب تلك الفئات وتقوم بتدريبها وتأهيلها وتهيئتها للانخراط في الخدمات العامة. فقد أنشأت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية حديثًا وستُطلق قريبًا بشكل رسمي المنصة الوطنية للتطوع، وأطلت محفزات لكافة فئات المجتمع لزيادة الوعي بأهمية الأعمال التطوعية، مما يسهم في زيادة أعداد المتطوعين بالمملكة ليصل إلى 300 ألف متطوع في 2020، ويرتفع تدريجيًّا ليصل إلى مليون متطوع في 2030، وهو ما يسهم في زيادة القيمة الاقتصادية للتطوع لتصل إلى 450 مليون في 2020 (الموقع الرسمي لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية). وتجدر الإشارة إلى أن العمل التطوعي في المملكة في تطوُّر مستمر مع زيادة أعداد الفرق التطوعية وتنوُّعها. كما عُقدت العديد من المؤتمرات التي تناولت العمل التطوعي، وآخرها مؤتمر “العمل التطوعي بمنطقة المدينة المنورة” والمنعقد في 5/12/2019.

وأجرت الهيئة العامة للإحصاء مسحًا عن العمل التطوعي في المملكة في عام 2018م، يوفِّر تقديرات ومؤشرات عن المتطوعين في المملكة (15 سنة فأكثر) سواء كانوا من المواطنين أو المقيمين. وقد ساهم هذا المسح في بناء قاعدة بيانات إحصائية خاصة بالعمل التطوعي، يمكن الاستفادة منها في الإعداد والتخطيط للبرامج التنموية الاجتماعية والاقتصادية المستقبلية في المملكة، ودعم التوجهات والجهود المبذولة من كافة أجهزة الدولة والقطاع الخاص والأهلي، الرامية إلى زيادة فاعلية العمل التطوعي. وأوضحت نتائج المسح أن نسبة إجمالي المتطوعين السعوديين خلال الـ 12 شهرًا السابقة إلى جملة السكان السعوديين (15 سنة فأكثر) (16.8%)، حيث بلغت نسبة المتطوعين السعوديين الذكور إلى إجمالي السعوديين الذكور (15 سنة فأكثر) (22.6%)؛ في حين بلغت نسبة المتطوعات السعوديات إلى إجمالي السعوديات (15 سنة فأكثر) (10.8%).

ويمكن الرجوع لمزيد من التفصيلات إلى نتائج المسح في موقع الهيئة العامة للإحصاءات على الرابط التالي:

https://www.stats.gov.sa/sites/default/files/voluntary_work_survey_2018_ar_0.pdf

وعُرف المجتمع السعودي التطوع، بل هو أصيل فيه من منطلقات دينية وإنسانية واجتماعية وثقافية.. ولكنه ما زال فرديَّ الأداء، عفوي التوجه، إغاثي الهدف؛ وهذه الصفات معوقات معتبرة في سبيل الوصول للعمل التطوعي الخيري المنظَّم الذي من أبرز قسماته: المنهجية العلمية، والاستدامة، والشمولية، والشفافية، والثقة، والاستقرار، والانتشار، والإنماء الشامل للفرد والجماعة والمجتمع.

هذا التوصيف للعمل الاجتماعي في المجتمع السعودي، وعدم مأسسته بالقوالب الحديثة، في الإدارة المتخصصة للعمل التطوعي، يجعله محدودَ الأثر، وعُرضة لزوابع الرغبات الشخصية، وحتى أحيانًا انحرافاتها التي لا تخفى على فطنة المراقب لمسار العمل التطوعي في بلادنا؛ من أجل ذلك يُنظر إلى العمل التطوعي المؤسسي بأنه خير ضمانة لاستقامة العمل الخيري، ونُبل مقاصده، وسلامة توجهه، بل وحتى من أجل نموه وتطوره واستدامته.

وقد أشارت د. عبير في الورقة الرئيسة إلى الاستغلال الذي يتعرض له المتطوعون من قِبل منظِّمي الحفلات والمناسبات حيث يعدونهم بمكافآت ولا يفون بها. وحقيقة هذا العمل غير أخلاقي، ويتنافى مع مقاصد العمل التطوعي من عدة نواحٍ. وقد تنبهت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية لهذه النقطة، فأصدرت قرارًا يضع حدًّا لهذه الممارسات المشينة، حيث طالبت أن تكون وظائف الفعاليات والمواسم بمقابل وعقود وليس عملًا تطوعيًّا، وطلبت إبلاغها عن المخالفين لاتخاذ الإجراءات المناسبة في حقهم. وهذه خطوة مهمة لحماية العمل التطوعي والتمييز بينه وبين العمل مدفوع الأجر، حيث يُعرَف التطوُّع بأنه “الجهد الذي يبذله أي إنسان بلا مقابل لمجتمعه، بدافع منه للإسهام في تحمُّل مسؤولية المؤسسة التي تعمل على تقديم الرعاية الاجتماعية”؛ أي إنه إذا تمَّ صرف مكافآت للمتطوعين، فهذا يُبطل عملهم التطوعي ويحوِّله إلى عمل مدفوع الأجر. لذا، وجب تنبه المؤسسات والجمعيات والجهات التي تحتاج لعمل المتطوع بألا تدفع مقابلاً ماديًّا لقاءَ خدمات الشخص التطوعية؛ لأن ذلك سيؤثر على إخلاصه وحرصه ومشاركاته المستقبلية. كما أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في الخلط في استخدام المصطلحات وعدم التمييز بين العمل التطوعي الفردي والمسؤولية الاجتماعية لشركات القطاع الخاص، ومن ذلك الملتقى الذي عُقِد مؤخرًا بمسمَّى “ملتقى التطوع في الشركات” (26-27/11/2019م)، فعطاء الشركات سواء كان ماديًّا أو معنويًّا يدخل ضمن المسؤولية الاجتماعية.

  • المداخلات حول القضية:
  • واقع العمل التطوعي في المملكة:

أشار د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أن التطوع هو خيار إنساني مُحبَّب للنفس، يتأتى من لدن الفرد كجهد يبذله طواعية؛ لذا سُمِّي هذا الجهد بالتطوع. والتطوع في المملكة العربية السعودية لا يزال دون الطموح، والأسباب متعددة في هذا الأمر، ومنها أسباب تنظيمية لا ترقى نحو وصول ثقافة التطوع بكامل مضامينها، وهناك أيضًا تشتُّت في مهام التطوع، بمعنى أن قيادة دفة التطوع لم نلحظ أن لها مرجعية واحدة؛ فنرى أن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية هي المسؤولة بحكم منحها تراخيص الجمعيات عامة، ونشاهد أن وزارة الصحة تقوم من خلال منسوبيها بأعمال تطوعية، كما أن جهات أخرى حكومية وغير حكومية تقوم بأنشطة تطوعية عديدة ومتنوعة، لا شك أن تعدُّد مصادر التطوع ينمُّ عن حس إنساني، ويشكِّل ذلك ثقافة تطوع مبتغاة، إنما عدم اكتساب هذا المشروع من أن يكون تحت مظلة متخصصة في الأعمال التطوعية عامة، وتكون مظلة تتظلل منها الجهات الراغبة في الأعمال التطوعية عامة، وتكون خير معين ومستشار لمهام التطوُّع بكافة صنوفه، من هنا نكون قد فقدنا تنظيمًا وطنيًّا يُفترض أن يكون أمرًا يسهل على الراغب في التطوُّع المشاركة والمشاركة شبه المستديمة والفاعلة.

ومناشط الجمعيات الخيرية تعدُّ أعمالاً تطوعية من الدرجة الأولى، إلا أن فقدان هذه الجمعيات لضوابط مالية وإدارية محكمة أفقدها دورها الأساس، بل جعل بعضًا ممَّن يشارك في أعمالها تطوعيًّا، يأتي لأجل الوجاهة دون أن يقدِّم أداءً نوعيًّا، متجاهلاً أو غيرَ مبالٍ بالدور الجليل الذي تأسست من أجله هذه الجمعية أو تلك. وأمام هذا كله، فلعل من الضروري تأسيس هيئة عامة للتطوع تحت مُسمَّى (الهيئة العامة للتطوع)، والاعتقاد أن الطريق مفتوح لاستقطاب متطوعين محترفين، فضلاً عن اكتساب نوعي لثقافة التطوع بمفاهيم إنسانية وعلمية، ينتج من ذلك مخرجات تطوعية نوعية في مجالات عدة: اجتماعية، واقتصادية، وتعليمية، وأمنية.

ومن وجهة نظر د. الجازي الشبيكي، فإن تواجد المتطوعين في جميع القطاعات حكوميةً كانت أو قطاعًا خاصًّا أو تنظيمات مجتمع مدني – تُعدُّ أمرًا صحيًّا ومطلوبًا، ولكن لا بد أن تكون هناك مظلة أساسية مرجعية تضع السياسات والأنظمة وَفْق رؤية موحَّدة.

في حين لفت د. حميد الشايجي النظر إلى ما يلي:

  • أن الجمعيات الخيرية تمَّ تغيير مسماها رسميًّا إلى الجمعيات الأهلية.
  • من ناحية الضوابط المالية في الجمعيات الأهلية، فهي ليست مفقودة، فمنذ سنوات عهدت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية مسألة تدقيق حسابات الجمعيات إلى مدقق خارجي مستقل لضبط أعمال الجمعية المالية، وهو من يصادق على ميزانية الجمعية. كما أن الوزارة طبَّقت الآن برنامج الحوكمة على الجمعيات لضبط سير عملها.

وأوضحت د. وفاء طيبة  أنه صدر القرار التالي: (وبعد الاطلاع على ما رفعه معالي وزير العمل والتنمية الاجتماعية، وبعد الاطلاع على التوصية المعدة في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية رقم (1 – 36 / 40 / د) وتاريخ 14/7/1440هـ؛ قرَّر مجلس الوزراء إنشاء مركز باسم “المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي”، يتمتع بالشخصية الاعتبارية، والاستقلال المالي والإداري، ويرتبط برئيس مجلس الوزراء؛ ويهدف إلى تفعيل دور منظمات القطاع غير الربحي وتوسيعه في المجالات التنموية، والعمل على تكامل الجهود الحكومية في تقديم خدمات الترخيص لتلك المنظمات، وإحكام الرقابة المالية والإدارية والفنية على القطاع، وزيادة التنسيق والدعم. ويُفترض أن تكون هذه الجهة هي المنظِّمة للعمل التطوعي.

وتطرَّق م. إبراهيم ناظر إلى تجربة وزارة الصحة كمثال يُحتذى فيما تقوم به من حملات في العمل التطوعي على مستوى المملكة، ومنها حملة (تطوعي صحة) الجديرة بالاهتمام، وأن تكون نموذجًا للعمل التطوعي، حيث بلغ عدد المشاركين في الحملة أكثر من 30 ألف متطوع، يقدمون أكثر من 90 ألف ساعة تطوعية، ويُلاحظ في هذا الإطار أن التطوع الصحي يسهم وبشكل كبير في زيادة مستوى وصول الخدمات الصحية للمستفيدين، إلى جانب عمله على تحسين جودة الخدمات الصحية من خلال الخبرات والطاقات المختلفة التي تعمل وتتطوع صحيًّا في المجالات والتخصصات كافة.

أما أ. عبد الله الضويحي فتساءل في مداخلته: ألم يتأخر المجتمع الدولي في الاعتراف بالتطوع كعمل تنظيمي مهم في حياة المجتمعات؟ وهل تأخَّرنا نحن في المملكة العربية السعودية في ذلك؟ وأوضِّح أن مصدر هذا التساؤل أن العمل التطوعي ليس وليدَ العصر، وإنما وُجِد مع وجود الإنسان؛ فالتطوع عمل خيري وروح مبادرة، والإنسان لديه هذه الفطرة، ولنا في قصص الأنبياء خير الأمثلة. فسيدنا موسى سقى للمرأتين، قال تعالى: ﴿فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إلى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [سورة القصص: الآية 24)، وفي سورة الكهف موقفان: أحدهما للخضر مع سيدنا موسى ﴿وَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [سورة الكهف: الآية77] والآخر لذي القرنين: ﴿فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا. قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا﴾  [سورة الكهف، الآيتان94-95)، بمعنى أن ما لديَّ من مال وتمكين خير مما لديكم. ونبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – هو القدوة قبل الرسالة وبعدها. وفي القرآن الكريم: ﴿فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [سورة البقرة: الآية184]، والنوافل هي أعمال تطوعية؛ لأنها ليست واجبات مفروضة ومُلزِمة. وكان للتطوع دورٌ كبيرٌ في الحروب والكوارث والأعمال الإنسانية. من هنا، يمكن القول إننا تأخَّرنا خاصة لدينا في المملكة إذا ما رجعنا لتأصيل التطوع… ومن المهم استثمار خبرات المتقاعدين وفراغهم، لكن ذلك يحتاج لمجهود كبير لإقناعهم وإقناع المجتمع بوجاهة عملهم.

وذكرت د. مها العيدان أنه وفي المجتمع السعودي بالرغم من تعدُّد الجمعيات الخيرية، إلا أن العمل التطوعي لا يزال يحتاج إلى ما يلي:

  • توفير قاعدة بيانات للمتطوعين.
  • تصنيف العمل التطوعي؛ لتحديد إمكانية كل فرد، ومجال تخصصه الذي يمكن تقديم خدماته فيه، وقدرته على العطاء.
  • وضع عقود للمتطوعين؛ لتحديد حقوق وواجبات جميع الأطراف المشاركين.

حيث من الملاحظ أن كثيرًا من المتطوعين يلتحقون بالتطوع ليس للهدف ذاته، ولكن للحصول على شهادة خبرة تؤهله للالتحاق بعمل بأجر خاصة أن الإحصائيات توضح أن النسبة الكبرى من المتطوعين هم من حملة الثانوية العامة.

ويرى د. علي الطخيس أنه لا يُشترط أن يكون العمل الخيري مرتبطًا بما يقدَّم من مال. والاعتقاد أن مَن يقوم على العمل الخيري بدون راتب، بل يبذل وقته وجهده للعمل الخيري بدون مقابل؛ لذا فإنه يعدُّ عملاً تطوعيًّا.

وأوضح د. عبد الله المطيري أن واقع العمل التطوعي شهد تطورًا في السنوات الأخيرة، ولكن تزايد أعداد السكان وتعقيدات الحياة وسرعة التغير الاقتصادي والاجتماعي وأيضًا السياسي، يفرض علينا أن تكون الأعمال التطوعية ضرورية من حيث نوعية المشاركة وليس فقط من ناحية زيادة حجمها، فلكل منطقة من مناطق المملكة – حفظها الله – خصائص بيئية واجتماعية تستدعي التركيز على نشاط تطوعي معين، مثلًا: المناطق الصناعية بالجبيل وينبع تحتاج لمتطوعين يُدرَّبون على كيفية التعامل في حالة وجود تسرُّب غازي لا سمح الله، وهكذا بالنسبة للمناطق الأخرى وَفْق طبيعة كلٍّ منها.

وأشارت أ. بسمة التويجري إلى بعض الإحصائيات عن دوافع العمل التطوعي اعتمادًا على عرض قدَّمته جمعية تكاتف المعنية بالعمل التطوعي وذلك في ورشة عمل لجمعية الاقتصاد السعودية خلال شهر ديسمبر 2019، ومن أبزرها ما يلي:

  • ٢٨.٧٪؜ واجب وطني.
  • ٨.٥٪؜ فرصة جيدة للتواصل.
  • ٤.٣ ٪؜ المساهمة في تطوير المهارات.
  • ٤٠.٦٪؜ الرغبة في مساعدة الآخرين.
  • الأثر الاقتصادي للعمل التطوعي في ضوء رؤية المملكة 2030:

تساءلت د. وفاء طيبة: كيف اهتمت رؤية المملكة 2030 بالعمل التطوعي من خلال برنامج جودة الحياة وخدمة ضيوف الرحمن والتحول الوطني حسب ما ورد في التعقيب الأول، وهل للعمل التطوعي برنامج خاص في الرؤية؟

وفي هذا الصدد أوضحت د. سمية شرف أنه فيما يخصُّ اهتمام رؤية المملكة الطموحة بقضية التطوع، فقد جاء ضمنيًّا في مؤشرات وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ببرنامج التحول الوطني، حيث استهدفت الرؤية الوصول إلى مليون متطوع بحلول عام ٢٠٣٠. كما جاء مؤشر تحقيق ٣٠٠ ألف متطوع ضمن المؤشرات في برنامج جودة الحياة، وكذلك جاءت صراحة في برنامج خدمة ضيوف الرحمن بتمكين العمل التطوعي والخدمات التطوعية والمؤسسات الخيرية لتحسين تجربة ضيوف الرحمن. ولم تنفرد الرؤية ببرنامج خاص للتطوع، ولكنه جاء حاضرًا ضمن ١١ مؤشرًا أساسيًّا للمملكة ككل في المرحلة القادمة.

وفي تصوُّر د. عبد السلام الوايل أنه من الواضح أننا مقبلون على فتح مجالات للتطوع لم يكن يُتصوَّر سابقًا أنها محل للعمل التطوعي، ومن أبرز صورها حاليًّا المهرجانات والأنشطة الترفيهية، والتي تعدُّ من المجالات التي فتحت أبوابها وبقوة للعمل التطوعي، وشهدت إقبالًا كبيرًا، وأغلب الظن أنه ستلحقها مجالات أخرى. والواقع أن العمل التطوعي عانى في السابق من محدودية الإقبال المجتمعي عليه؛ لأن “تعريفنا الإجرائي” له كان قاصرًا ومحدودًا. بتعبير أدق، كان محصورًا في مجالات محدودة؛ كمساعدة الفقراء عبر الجمعيات الخيرية مثلاً، وكانت مأسسته متاحة لتلك المجالات فقط. ومن أهم لوازم دفع النشاط التطوعي وتسهيل الوصول لهدف المليون متطوع الذي تستهدفه رؤية 2030، هو “فك” التأطير الأيديولوجي لمناشطه؛ فالتطوع مشروع ومُشجَّع عليه، سواء كان لتوصيل صدقات أهل المسجد لعائلات فقيرة أو للمساعدة الطبية لفئات تقصر بها مواردها عن الوصول إلى مراكز طبية متقدِّمة أو لتنظيم حفلة موسيقية. هذه المناشط جميعها من حيث هي تطوع تستحق تأطيرًا مفاهيميًّا ورعاية مؤسسية متساوية.

وركَّز أ. خالد الوابل على الأثر الاقتصادي للعمل التطوعي، حيث أورد الإحصاءات التالية:

  • “ساهم أكثر من 62 مليون شخص في الولايات المتحدة الأمريكية ب 8 مليارات ساعة من العمل التطوعي في عام 2008 وحده. والقيمة الاقتصادية من هذا العمل التطوعي 162 مليار دولار أمريكي، وهو ما يعادل تقريبًا الناتج المحلي الإجمالي (GDP) لمصر”[1].
  • “بين ثلث ونصف سكان الاتحاد الأوروبي يشاركون في النشاط التطوعي. وهناك أكثر من 100 مليون مواطن يعملون في النشاط التطوعي في الاتحاد الأوروبي”[2].
  • “ساهم أكثر من 13.3 مليون شخص وهو ما يمثل 47 ٪ من الكنديين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 وأكثر ب 2.7 مليار ساعة من العمل التطوعي في عام 2010.” [3].
  • “يُنتِج العمل التطوعي نحو 24 مليار جنيه إسترليني من الناتج الاقتصادي لبريطانيا، وهذا ما يعادل 1.5 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي”[4].
  • “أسهمت المؤسسات غير الربحية في أستراليا من قبل المتطوعين في 2006 – 2007 كقيمة اقتصادية تُقدَّر ب 14 بليون دولار”[5].

وهذه الأرقام والإحصائيات من دول “رأسمالية”، ومع هذا فالعمل التطوعي له دور كبير في تلك الدول!

ومن جانبها أشارت أ. فائزة العجروش إلى أن التطوع يرتبط بالتنمية الاقتصادية للمملكة اتساقًا مع توجهات رؤية 2030، ولا تكاد تخلو دولة متقدِّمة اقتصاديًّا واجتماعيًّا، إلا وقد أخذ التطوع منحى مهمًّا في مسار تنميتها الشاملة. وفي هذا الإطار، يُقصَد بالإسهام الاقتصادي للأعمال التطوعية: إسهام هذا القطاع كغيره من القطاعات في الدخل القومي والحسابات القومية.

وفيما يلي عدد من أوجه تأثير ما يقوم به القطاع التطوعي في التنمية الاقتصادية:

  • تقديم خدمات ملموسة في مجال الصحة والتعليم والبيئة وخدمات الفئات الضعيفة في المجتمع، كالأطفال والنساء والعجَزة والمقعدين وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى.
  • القيام بالكثير ‏من الأنشطة التي لا تدخل ضمن اهتمامات وأهداف الجهات الحكومية والجهات الخاصة، ‏مثل: تزويج ‏الفقراء، إيواء الغرباء، علاج المقيمين،… إلخ.
  • يقوم بدور مكمِّل لدور الدولة في معالجة بعض المشكلات الرئيسة، وبخاصة مشكلات الفقر والبطالة.
  • تخفيف ومعالجة المشكلات التي تواجهها بعض الفئات الاجتماعية؛ كتوظيف الأيتام وأبناء الفقراء والمطلقات والأرامل وذوي الإعاقة والمستفيدين من الضمان.
  • دعم كثير من الأنشطة العلمية والثقافية والتطويرية التي تكمِّل دور الدولة، منها على سبيل المثال: الجمعيات، والأندية العلمية، ومراكز البحوث الخاصة.
  • دور الوقف الخيري لبعض المتطوعين في تمويل بعض أنشطة ومشاريع البحث العلمي.

ولقد تبنّت المملكة رؤية 2030 كخارطة طريق للعمل الاقتصادي والتنمية، حيث رسمت التوجهات والسياسات العامة، والأهداف والالتزامات الخاصة بها؛ لتكون المملكة نموذجًا رائدًا على كافة المستويات. واستهدفت الرؤية في محورها الثالث (وطن طموح) تعظيم الأثر الاجتماعي للقطاع غير الربحي ودعم نموه، عبر زيادة مساهمة القطاع غير الربحي في إجمالي الناتج المحلي من أقل من (1%) إلى (5%)، حيث لا تتجاوز مساهمة القطاع  غير الربحي في المملكة في الوقت الراهن (0.3%) من الناتج المحلي، وتعَدُّ هذه المساهمة متواضعة إذا ما قورنت بالمتوسط العالمي الذي يبلغ (6%)، وبحسب الرؤية سيسهم نظام الجمعيات والمؤسسات الخيرية ونظام الهيئة العامة للأوقاف  – اللذان تمَّ إقرارهما مؤخرًا – في تمكين القطاع غير الربحي من التحوُّل نحو المؤسسية؛ مما سيدعم ذلك التعاون بين مؤسسات القطاع غير الربحي والأجهزة الحكومية، لتحقيق أثر أكبر للقطاع غير الربحي في عملية التنمية.

وحسب إحصائيات وزارة العمل لعام 2017م، فقد بلغ عدد المتطوعين في المملكة لعام 2017م (55832) فردًا، وهو ما يمثِّل أقل من (0.2%)، وهذا لا يعكس طبيعة المجتمع السعودي المعطاء؛ في حين بلغ عدد المتطوعين لعام 2017م بدول أخرى، مثل المملكة المتحدة تقريبًا (16%) من عدد السكان، وهذا ما دفع إلى وضع هدف من أهداف رؤية المملكة لعام 2020 أن يصل عدد المتطوعين إلى (300000) متطوع، وهو ما يمثِّل ما يقارب (1%)، ويستهدف  برؤية 2030 الوصول إلى مليون متطوع، بنسبة (3%).  ويتبين لنا الضعف العام في مساهمة العمل التطوعي في المملكة بالناتج المحلي الإجمالي GDP، فالعمل التطوعي ساهم فيه بـ (0.002%)   فقط! بينما تصل مساهمته في دول مثل كندا إلى (1%) من الناتج المحلي الإجمالي.

وعندما نتطرق للعمل التطوعي الذي يُقدَّم خارج المملكة بشكل عام، يتضح له تأثيران؛ مباشر وغير مباشر على عملية التنمية الشاملة: والأثر المباشر على عملية التنمية الشاملة يكمن في كونه داعمًا مهمًّا للتقارب والترابط الإقليمي بين المنظمات الخارجية، والحضور في المحافل والأزمات الدولية؛ أما الأثر غير المباشر فيكمن في انعكاسه على زيادة الخبرات للمتطوعين المختصين كالأطباء، وتبادل للخبرات، وتوظيف للطاقات، وتمرُّس على العمل الفرقي، وتعميق للوعي الاجتماعي والإداري كالفرق المشاركة في الأعمال الإغاثية. وهذا المنطلق مع أهميته يُغفَل في أحيان كثيرة؛ نظرًا لحداثة الاهتمام والعناية بقطاع المنظمات التطوعية وأدوارها المختلفة والمؤثرة في المسيرة التنموية للدول، وفي هذا السياق نعرض أبرز أوجه تأثير القطاع التطوعي بمنظماته في التنمية الاقتصادية:

  1. قيمة الإنفاق على القطاع التطوعي.
  2. القيمة المالية المقدرة للجهود التطوعية.
  3. التوظيف.

فضلًا عن كونه رافدًا مهمًّا للدولة والقطاع الخاص بعناصر ‏ناجحة وشخصيات متميزة تتحلى بثقة الناس والعدالة والنزاهة عن كل شبهة.

ومجمل القول: إن القطاع التطوعي يُشكِّل قوةً اقتصادية كبرى من منظور حجم إنفاقه على مشاريعه، ومكونات الأنشطة، وعدد المتطوعين وقيمة عملهم، وفُرص العمل، وعدد المستفيدين، مع التأكيد على أهمية توثيق حجم إسهام المتطوعين؛ لتحديد حجم الإسهام بدقة، وظهور الحاجة الملحة لدراسات معمقة ومتخصصة عن قوة إسهام العمل التطوعي في الجانب الاقتصادي خصوصًا في ظل تطوُّر القطاع التطوعي، وفي ظل التوجُّه الكامل لضمِّه والاعتراف به كشريك أساس في مسيرة التنمية.

  • معوقات العمل التطوعي في المملكة:

يرى د. خالد الرديعان أن هناك معوقات تواجه العمل التطوعي، ولا شك من أهمها: المعوق التنظيمي وبيروقراطية الجهاز الحكومي وبطء حركته، وتكبيله بلوائح قديمة عفاها الزمن. وفي تقديره، فإن التطوُّع لن ينجح في ظل غياب “منظمات مجتمع مدني” فاعلة وغير مرتبطة بالجهاز الحكومي. الإنسان السعودي بطبيعته معطاء ومُحِبٌّ للخير وكريم، وهناك أكثر من ٦٠٠ ألف متقاعد ومتقاعدة لديهم رغبة حقيقية في العمل التطوعي وتقديم شيء مفيد للمجتمع، لكنهم يصطدمون بأسئلة من نوع: من أين نبدأ؟ وأين نذهب؟ ومَن يريد خدماتنا؟ وكيف نصل للجهات التي يمكننا التطوع معها لخدمة المجتمع؟  القضية هي غياب التنظيم الدقيق للتطوع، والضبابية في اللوائح التي تحكمه وتوجِّهه. أيضًا، فإن ثمة معوقًا آخر ربما يكمن في توجُّس الجهاز الحكومي من مغبَّة التطوع، وخشية الوصم أنه قد يزيد من معدلات البطالة، وأنه لا يساعد في خلق وظائف للجنسين من الشباب والفتيات. وقد يكون هذا الفكر سائدًا عند صنَّاع القرار ومن ثَمَّ إحجامهم عن الدفع قدمًا بالتطوُّع كنشاط يقوم به بعض الأفراد دون مقابل مادي. وهناك أيضًا صعوبات لوجستية؛ كتباعد الأماكن في المدن وصعوبة الوصول، وقضية الاختلاط بين الجنسين في أعمال تطوعية، وسيادة فكر لا يزال متوجّسًا من وجود الجنسين في أعمال مشتركة دون وجود تنظيم واضح للتطوُّع في مثل هذا الوضع.

وأوضح د. حميد الشايجي أن العمل التطوعي المؤسسي – شأنه في ذلك شأن كافة الأعمال – يواجه عقبات تحدُّ من فاعليته، ويمكن تناول أبرزها فيما يلي:

أ) المعوقات المتعلقة بالفرد المتطوِّع:

  • الجهل بأهمية العمل التطوعي.
  • عدم القيام بالمسؤوليات التي أُسندت إليه في الوقت المحدد؛ لأن المتطوع يشعر بأنه غير مُلزَم بأدائه في وقت محدَّد خلال العمل الرسمي.
  • السعي وراء الرزق وعدم وجود وقت كافٍ للتطوع.
  • عزوف بعض المتطوعين عن التطوع في مؤسسات ليست قريبة من سكنهم.
  • تعارُض وقت المتطوع مع وقت العمل أو الدراسة مما يفوت عليه فرصة الاشتراك في العمل التطوعي.
  • سعي بعض المتطوعين لتحقيق أقصى استفادة شخصية ممكنة من العمل الخيري، وهذا يتعارض مع طبيعة التطوع المبني على الإخلاص لله.
  • استغلال مرونة التطوع إلى حد التسيب والاستهتار.

ب) معوقات متعلقة بالمؤسسة أو الجمعية الأهلية:

  • عدم وجود إدارة خاصة للمتطوعين تهتم بشؤونهم وتعينهم على الاختيار المناسب حسب رغبتهم.
  • عدم الإعلان الكافي عن أهداف المؤسسة وأنشطتها.
  • عدم تحديد دور واضح للمتطوع، وإتاحة الفرصة للمتطوع لاختيار ما يناسبه بحرية.
  • عدم توافر برامج خاصة لتدريب المتطوعين قبل تكليفهم بالعمل.
  • عدم التقدير المناسب للجُهد الذي يبذله المتطوع.
  • إرهاق كاهل المتطوع بالكثير من الأعمال الإدارية والفنية.
  • المحاباة في إسناد الأعمال، وتعيين العاملين من الأقارب من غير ذوي الكفاءة.
  • الشللية التي تعرقل سير العمل.
  • الإسراف في الخوف وفرض القيود إلى حد التحجُّر وتقييد وتحجيم الأعمال.
  • الخوف من التوسُّع خشية عدم إمكان تحقيق السيطرة والإشراف.
  • البعد عن الطموح والرضا بالواقع دون محاولة تغييره.
  • الوقوع تحت أسر عاملين ذوي شخصية قوية غير عابئين بتحقيق أهداف الجمعية وتطلعاتها.
  • الخوف من الجديد ومن الانفتاح، والوقوع في أسر الانغلاق.
  • اعتبار أعمال الجمعية من الأسرار المغلقة التي يجب عدم مناقشتها مع الآخرين.
  • تقييد العضوية أو الرغبة في عدم قبول عناصر جديدة، فتصبح المنظمة حكرًا على عدد معين.

ج) معوقات متعلقة بالمجتمع:

  • عدم الوعي الكافي بين أفراد المجتمع بأهمية التطوع والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها. فثقافة التطوُّع متدنية بشكل كبير في كثير من المجتمعات العربية.
  • اعتقاد البعض أن التطوع مضيعة للوقت والجهد وغير مطلوب.
  • عدم بثِّ روح التطوع بين أبناء المجتمع منذ الصغر.
  • عدم وضوح اللوائح والتنظيمات التي تنظِّم العمل التطوعي وتحميه.
  • عدم وجود مرجعية واضحة للعمل التطوعي.
  • ضعف المحفزات الرسمية الداعمة للقائمين بالأعمال التطوعية.

وأشار د. حميد الشايجي إلى أنه بالإضافة للمعوقات المذكورة، فهناك بعض الإشكاليات المتعلقة بالعمل التطوعي جديرة بالاهتمام، وتتمثل في الآتي:

  • المشكلة الأولى: العلاقة بين المتطوعين والموظفين الرسميين:

حيث يشعر الموظفون الرسميون (مدفوعو الأجر) أن وظيفتهم ومرتبتهم وساعاتهم الإضافية مُهدَّدة عند استخدام المتطوعين، فكون المتطوع مدفوعًا للقيام بالأعمال التي له اهتمام بها فقط، بالتالي سيجد الموظفون الرسميون أن حجم العمل ونوعية الإحالات والمعاملات بدأت تتغير، ويصبح هناك تكدُّس لنوعية معينة من المعاملات.

كما أن دور المتطوعين داخل المؤسسة إذا لم يحظَ بقبول وموافقة من الموظفين الرسميين، فإننا سنتوقع أن الاستفادة المُثلى من المتطوعين ستحجم كثيرًا؛ لذا يجب تدريب الموظفين الرسميين على أفضل الطرق للاستفادة من المتطوعين. إن الاتجاه السليم للحدِّ من هذه المشاكل يكمن في الاختيار السليم للمتطوع من خلال وسائل وطرق علمية سليمة، وتحديد المهام والواجبات بوضوح. هذا بالإضافة إلى تدريب المتطوع وتهيئته للعمل، والإشراف المستمر عليه أثناء تأدية العمل، هذه الأمور يُؤمل أن تحدَّ من الأمور السلبية والمخاطر المصاحبة لأي برنامج تطوعي جديد.

  • المشكلة الثانية: العلاقة بين المتطوعين والعملاء:

إنه من المعروف أن علاقة المتطوع بالعميل تتسم بجودتها، حيث إنَّ المتطوع يتخطى كلَّ حدود البيروقراطية في التعامل، كما يتحول مبدأ الواجب لدى الموظف الرسمي إلى مبدأ الرعاية والاهتمام، وبالتالي فإن العلاقة بين المتطوع والعميل تكون في أحسن صورها ونوعيتها؛ ولكن هناك مشكلة لا بد من الإشارة لها، حيث نتوقع أن تكون العلاقة بين المتطوع والعميل مرتبطة بما هو سائد في المجتمع العام من ممارسات وتمييز في المعاملة، فقد يشوب العلاقة بين المتطوع والعميل أو الخدمة المقدَّمة شيء من التمييز، فقد يكون التحيز في تقديم الخدمات للفئة أو القبيلة التي ينتمي إليها المتطوع أو يحرم بعض فئات المجتمع من الحصول على الخدمة نظرًا للتمييز الممارَس ضدهم بسبب المعتقد أو العرق أو الجنسية، ولحل هذه المشكلة يلزم الحصول على تمثيل متكافئ لفئات المجتمع المختلفة في العمل التطوعي، إلا أن ذلك يعدُّ أمرًا صعبًا ومشكلة قديمة.

  • المشكلة الثالثة: مشكلة مكانية:

حيث تمتاز بعض المناطق المحتاجة للخدمات التطوعية بقلة المتطوعين، بينما في المقابل نجد كثرة منهم في مناطق أخرى أقل حاجة. كما أنه من الصعوبة نقل المتطوع من منطقة للعمل في منطقة أخرى، إذ إنَّه متطوع وليس موظفًا رسميًّا. ولحل هذه الإشكالية، بالإمكان توجيه وتكثيف الخدمات الرسمية في المناطق التي تفتقر إلى متطوعين، وتقليلها في المناطق التي يكثر فيها المتطوعين، أي إعادة توزيع الخدمات الرسمية.

  • المشكلة الرابعة: عدم جدية بعض المتطوعين:

وهذا الأمر يرتبط بالأشخاص وليس بالمؤسسات. فبعض المتطوعين لا يمكن الاعتماد عليه في أداء بعض المهام؛ إما لعدم جديته، أو لعدم كفاءته.

  • المشكلة الخامسة: التمويل الحكومي:

والأمر يتعلق بتأثير التمويل على استقلالية المؤسسة التطوعية وحياديتها. إن القطاع التطوعي لا يكون مُبدعًا وتقدميًّا إلا إذا كان مستقلًا ماليًّا، وتقل هذه الميزة كلما قلَّت الاستقلالية المالية، بل إن الأمر أحيانًا يؤثر على جودة ونوعية الخدمة المقدَّمة. فالعاملون في المؤسسة الممولة من قِبل الحكومة سيكونون مشغولين بإظهار أنهم يقدِّمون خدمة أمام الحكومة أكثر من اهتمامهم بنوعية الخدمة المقدَّمة. ويقدِّم بلاتشر (1989) Blacher مثالًا جيدًا حول هذا الأمر: ففي مدينة بليموث في بريطانيا يوجد ملجأ للمشردين الذين لديهم مشاكل كحولية. هذا الملجأ يعتمد اعتمادًا كليًّا في مصاريفه على إعانة من الحكومة، واستمرت هذه الإعانة على الرغم من سوء الخدمات المقدَّمة للعملاء. فإدارة الملجأ تبذل مجهودًا كبيرًا لإثبات أهمية بقاء الملجأ من خلال إثبات حجم التشغيل وعدد الحالات التي تأوي إليه، دون النظر لنوعية الخدمات المقدَّمة لهذه الحالات.

  • المشكلة السادسة: إشكالية التوازن بين القطاع التطوعي والقطاع الحكومي:

إن ازدهار القطاع التطوعي بدأ يُقلص من الالتزام الحكومي في قطاع الخدمات. نعم، نحن ندعم وفي بعض الحالات نُفضِّل أن يتولى القطاع التطوعي تقديم بعض الخدمات، مثل مساندة ذوي الاحتياجات الخاصة على سبيل المثال؛ ولكن هذا لا يعني أن تكون الأمور كذلك في جميع الخدمات. لا بد أن يكون هناك توازن، وألا تتخلى الحكومة عن مسؤولياتها تجاه قطاعات المجتمع المختلفة واحتياجاتها، وعدم الاعتماد كليةً على القطاع التطوعي في القيام بكل المهام وتقديم كافة الخدمات؛ لأن له طاقة محدودة.

وفي تصوُّر د. الجازي الشبيكي، فإن من المهم للغاية الاهتمام ببناء قاعدة بيانات تضمُّ الأشخاص الراغبين في التطوع وكافة المعلومات عن تخصصاتهم وميولهم والأوقات والمجالات التي يحبون التطوع فيها. ومن أهم الخطوات بعد ذلك:

  • تحديد احتياج المؤسسة التطوعية أو التي تحتاج لمتطوعين.
  • تحديد احتياجات المتطوعين.
  • تحديد الوصف الوظيفي (الفرصة التطوعية).
  • تحديد المكاسب للطرفين، ومنها المعنوية.
  • التخطيط لكيفية الوصول للمتطوعين.
  • تحديد مواصفات المتطوع للفرصة التطوعية المطروحة.
  • وضع خطة زمنية.
  • تنفيذ الخطة.
  • تقييم كل الخطوات دوريًّا.
  • المتابعة والتقويم وقياس الأثر.

لكن ينقصنا لتنفيذ مثل ذلك، إدماج العمل التطوعي في خططنا الإستراتيجية بشكل عام، وخططنا الإستراتيجية الفرعية لكافة الوزارات والمؤسسات والمنظمات سواء الحكومية أو القطاع الخاص أو منظمات المجتمع المدني، كما ينقصنا – وبشكل كبير – قاعدة البيانات الدقيقة والشاملة والمُحدَّثة للمتطوعين والفرص التطوعية.

  • مقترحات لتطوير العمل التطوعي:

أشارت د. هند العتيبي إلى أن رؤية المملكة العربية السعودية (2030) لم تغفل جانبًا مهمًّا من جوانب تطوير المملكة، ألا وهو جانب العمل التطوعي حيث تطمح من خلال رؤيتها المستقبلية الطموحة إلى تطوير مجال العمل التطوعي، ومن أجل تحقيق ذلك فمن الضروري:

  • تعزيز ثقافة العمل التطوعي والعمل على تنشئة جيل مُدرِك ومُشارِك في الأعمال التطوعية من خلال البرامج المناسبة، وتوعية كافة طالبات المراحل التعليمية بالتعليم العام والجامعي بأهمية العمل التطوعي ونتائجه على المديين القريب والبعيد.
  • تحديد الاحتياجات التطوعية في كل محافظة من محافظات المملكة.
  • عمل الدراسات اللازمة لتقييم الأعمال التطوعية الحالية ومدى فعاليتها في مدارس التعليم العام والجامعي.
  • تصميم برامج تطوعية على حسب الفئات العمرية، مع ابتكار أعمال تطوعية غير تقليدية، مثل: برامج تحفيز الطلاب بزيارة المتفوقين والمميزين من أبناء المناطق بمختلف تخصصاتهم، وبرامج تطوعية لدعم المخترعين والمتفوقين دراسيًّا، والتدريب على تعلُّم لغات جديدة، وغيرها من البرامج التطوعية التي يجب أن نستحدثها حسب احتياجات مجتمعنا، بعيدًا عن التقليدية التي تقتل روح العمل التطوعي وتفقده معناه الحقيقي.
  • إنشاء أندية تطوعية في المدارس ببرامج مبتكرة.

ويرى د. يوسف الرشيدي أنه لا يوجد معوقات كبرى، وخاصة أن الوعي بأهمية التطوع والدخول في الأعمال العامة في كافة قطاعات السوق الربحي منه والخيري كخيار يفتح باب التوظيف للشباب – سيزيد من معدل الانخراط في العمل التطوعي بشكل كبير، ولكن التخوُّف من تنظيم العمل التطوعي لدرجة جعله عبئًا على الشركات والجمعيات والجهات؛ ومن ثَمَّ تقل الفرص التطوعية للشباب. لذا، فربما يكون من المناسب ترك مساحة من الحرية في إدارة العمل التطوعي.

وأضافت د. سمية شرف أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بدأت ممثَّلة في إدارة التطوع في وضع منظومة وطنية متكاملة لرصد العمل التطوعي في جميع المؤسسات، مما يُوفِّر معلومات عريضة تساند أصحاب القرار في أَخْذ قراراتهم بشكل جذري وداعم.

وأكدت د. عبير برهمين على أن إدماج العمل التطوعي في خططنا الإستراتيجية في كل القطاعات العامة والخاصة ومنظمات المجتمع المدني هو مطلب مهم لم يتحقق بعدُ بالشكل المأمول. وما زال هناك خلطٌ في بعض المفاهيم الخاطئة حول التطوُّع من قِبل الهيئات والأفراد على حد سواء.

وذهب د. صدقة فاضل إلى ضرورة تبنّي نظام التجنيد الإجباري للشباب السعودي، وإنْ تعزَّر ذلك يمكن أن يكون هذا التجنيد اختياريًّا وتطوعيًّا.

وأكد د. سليمان الطفيل على ضرورة الإسراع في إطلاق النُّظُم والتشريعات الميسرة والمحفِّزة للقيام بالأعمال التطوعية من قِبل جميع القطاعات وجميع الأفراد، ليشعر الجميع بروح التعاون والتآزر والرقي الإنساني في التعامل.

في حين ذكر د. سعيد العمودي أن من المهم إيجاد منصات تضمُّ المتطوعين وتحصيهم وتعمل على استقطابهم، مع ملاحظة الحاجة إلى عدم حصر التطوع في التنظيم والعمل الخيري التقليدي، فهناك مجالات يمكن للفرد أن يتطوع فيها ولا تُحسب بأنها تطوع؛ ربما لعدم الوعي أو لتعذر وجود طريقة للإحصاء، ومن بينها كأمثلة:

  • تقديم الاستشارات للطلاب والطالبات بخصوص مستقبلهم الدراسي والوظيفي.
  • تقديم المحاضرات والدورات العامة.
  • مراجعة الخُطط للجمعيات الخيرية وغيرها.
  • الترجمة.
  • مساعدة كبار السن في المستشفيات وغسيل الكُلى.

وهناك مجالات عديدة خِصبة جدًّا للتطوع، ولكن من الضروري أن تُحسب هذه الساعات كقيمة إحصائية لعدد المتطوعين والساعات التطوعية في مجتمعنا لتحقيق أهداف الرؤية.

وأشار د. خالد الرديعان إلى بعض ما يمكن القيام به من أنشطة تطوعية للمتقاعدين والمتقاعدات:

  • مراقبة المرافق العامة كالحدائق والمساجد والعناية بها سواء نظافة أو صيانة.
  • العناية بكبار السن ومساعدتهم في قضاء وتوفير احتياجاتهم، ومساعدتهم مع الجهات الحكومية كالمستشفيات على سبيل المثال.
  • مراقبة المطاعم للتأكد من سلامة عملها والشروط الصحية، وتبليغ جهات الاختصاص عن المخالفات في هذا الشأن.
  • مساعدة الطلاب والطالبات في الدخول والخروج من مدارسهم، والتأكد من عدم حدوث ما يهدِّد سلامتهم من المارة والسيارات والمتحرشين، وخاصة في فترات الاختبارات.
  • تقديم دروس خصوصية مسائية للطلاب والطالبات سواء في المدارس أو المساجد، يقوم بذلك المعلمون والمعلمات المتقاعدون، أو غيرهم ممَّن هم مؤهَّلون لذلك.
  • الانخراط في خدمات عامة بغرض تحسين المدينة كريّ الأشجار في الشوارع والحدائق وتقليمها، وتنظيف الشوارع، وطلاء الأرصفة، وجدران المدارس والمساجد، وبيوت الفقراء في كل حي بعد تدبير تمويل لذلك من أهل الخير.

وأكَّد م. إبراهيم ناظر على أهمية المقترحات التالية:

  • إنشاء هيئة حكومية تجمع تحت مظلتها جهود العمل التطوعي المبعثرة، ومن مهمتها تنظيم ومَنْح التراخيص لمزاولة العمل التطوعي.
  • العمل على وضع إستراتيجية وطنية للعمل التطوعي.
  • الاسترشاد بمبادرة وزارة الصحة التي أُطلِق عليها برنامج المشاركة المجتمعية بوزارة الصحة؛ بهدف المساهمة في تحقيق رؤية 2030، بتحفيز التطوع في المجال الصحي، ونشر ثقافة التطوع بين منسوبي الوزارة. ويتقدم قيادات المنشآت الصحية للمشاركة في هذه المبادرات التي تتنوع الخدمات التي تقدِّمها من علاجية أو توعوية أو غيرها.

وفي تصوُّر د. خالد بن دهيش، فإن دور الكشافة في العمل التطوعي مهم، ولم يأخذ نصيبه الكافي من الدعم والتشجيع.

ومن جهته، يعتقد د. راشد العبد الكريم أننا بحاجة للدمج بين الجهود الحكومية والجهود الأهلية التطوعية، بالنظر إلى المجالات والأهداف أيضًا. فمن المجالات ما ينبغي للعمل الحكومي أن يكون رائدًا، ويكون فيه التطوع رافدًا. ومنها ما يصح أن يتم العمل متوازيًا أو يسبقه العمل التطوعي. كما أن الميل إلى توجُّه على حساب الآخر قد يسبب ارتباكًا في العمل التطوعي، قد يُحرفه عن هدفه الأساسي.

وأشار د. عبد العزيز الحرقان إلى أن مجلس الشورى ناقش نظام لتنظيم الأعمال التطوعية في المملكة، ومن أهم تفاصيل النظام كما نشرته جريدة الرياض: أنه يتعين على لجنة العمل التطوعي مسؤولية التنسيق بين الجهات المستفيدة، وعليها وضع إستراتيجيات وآليات تنظيم العمل التطوعي وتطويره والإشراف على قواعد البيانات الخاصة بالمتطوعين، ودعم تنظيم المؤتمرات والندوات، وتشجيع البحوث والدراسات المتعلقة وتفعيلها بالتنسيق مع الجهات المعنية، وإبراز الجهود التطوعية في المملكة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، وإعداد تقرير سنوي عن العمل التطوعي في المملكة.

وذهبت د. سمية شرف إلى أنه يمكن تشجيع المؤسسات العامة والخاصة وغير الربحية لاشتراط وجود ساعات تطوعية كحد أدنى لدى المتقدم على الوظائف المتاحة؛ فالتطوع بدوره يعمل على الإشارة لضمنية السلوك المُنتَج لدى الفرد في جوانب معينة، ويشير إلى حُبِّ العمل والمشاركة المجتمعية، وإلى القدرة على العمل تحت الضغط وفي النطاقات والمواسم المختلفة. بالإضافة إلى كون بعض الجهات تعتبره كشهادة يُستعاض بها عن شهادات الخبرة المهنية، فهي تعادلها من حيث اعتماد الكفاءة إنْ صدرت من جهة لها اسمها وسمعتها في الوطن والمجتمع.

في حين يرى د. مسفر الموسى أنه يتعين على وزارة العمل أن تُقدِّم دليلاً إرشاديًّا يتضمن غايات التطوُّع وضوابطه في إطار عام يشمل أنظمة العمل التطوعي وأخلاقياته.

في حين تساءل م. خالد العثمان حول مسألة تنظيم حراك المتطوعين في شكل جماعي، وهل لا بد أن تكون الفرق التطوعية مُسجَّلة رسميًّا في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية؟ وفي هذا السياق، يرى د. محمد الملحم أن التطوُّع في المملكة يحتاج إلى كثير من التنظيمات والرعاية والاهتمام. والمتطوعون أيضًا يحتاجون إلى أن يُقدَّرُوا فيما يخصُّ طبيعة عملهم، وأن يتم تكريمهم والعناية بالمتميزين منهم لتشجيعهم على العطاء، كما أنه يجب تدريب مَن يتعامل مع المتطوع على كيفية التواصل معه بطريقة مناسبة، وعدم معاملته بطريقة رئيس/مرؤوس؛ وهذا يعني ضرورة سنّ نظام حول تدريب مَن يرأسون عملاً فيه متطوعون.

وأضافت د. فايزة الحربي المقترحات التالية في مجال تطوير العمل التطوعي في المملكة:

  • تسهيل الإجراءات التنظيمية للعمل التطوعي.
  • فَتْح قنوات لراغبي التطوع في مجالات متنوعة كلٌّ حسب اهتمامه.
  • احتساب نقاط مفاضلة للمتطوعين في جميع القبولات والترشيحات للجامعات والوظائف والترقيات.
  • حساب التطوع كرصيد يمكن التكريم عليه في المناسبات كلٌّ بحسب مجال تطوعه.

وتطرَّق د. حميد الشايجي إلى بعض مقومات العمل التطوعي، حيث أوضح أن العمل التطوعي لا بد له من مقومات وأسباب تأخذ به نحو النجاح؛ ولذلك من الأهمية بمكان معرفة أسباب النجاح ليتم الحرص عليها وتفعيلها وتثبيتها. وفي المقابل، معرفة الأسباب التي تؤدي إلى الفشل والإخفاق ليتم البُعد عنها وعلاجها في حال الوقوع فيها أو في بعضها. ومن أسباب نجاح العمل التطوعي – كما أشار إلى ذلك فوزي عليوي الجعيد (1424هـ) – ما يلي:

  • أن يتفهم المتطوع بوضوح رسالة المنظمة وأهدافها.
  • أن يُوكَل لكل متطوع العمل الذي يتناسب مع إمكاناته وقدراته.
  • فَهْم المتطوع للأعمال المُكلَّف بها والمُتوقَّع منه.
  • أن يلم المتطوع بأهداف ونظام وبرامج وأنشطة المنظمة وعلاقته بالعاملين فيها.
  • أن يجد المتطوع الوقت المطلوب منه قضاؤه في عمله التطوعي بالجمعية.
  • الاهتمام بتدريب المتطوعين على الأعمال التي سيُكلَّفون بها حتى يمكن أن يؤدوها بالطريقة التي تريدها المنظمة.
  • إيضاح الهيكل الإداري للمنظمة للمتطوعين.
  • إجراء دراسات تقويمية لأنشطة هؤلاء المتطوعين في المنظمة.

وأضافت د. طلحة فدعق بعضَ المقترحات المتعلقة بتنظيم العمل التطوعي في المملكة، وتتضمن:

  • مراجعة السياسات المتعلقة بتنظيم التطوُّع في كافة القطاعات على مستوى الماكرو (المظلة الكبرى، ونقصد بها المؤسسات)، والميكرو (المظلات الصغيرة المتمثِّلة في الفرق التطوعية أو الأفراد).
  • لا بد من تنظيم الفرق التطوعية واحتوائها مؤسساتيًّا وتنظيميًّا.
  • تفعيل المؤسسات التعليمية لقيمة العمل التطوعي من خلال إقرار احتساب ساعاته ضمن المتطلبات التعليمية الأساسية أو المساندة، وفي ذلك نوع من التحفيز للطالب لولوج هذا المجال.
  • تعديل ما يمكن تسميته باللوائح العقابية أو نظام العقوبات في بعض المؤسسات ولبعض القضايا، بحيث يُدرَج تحتها ما يمكن تسميته بخدمة المجتمع (العقوبات البديلة) من خلال ساعات عمل تطوعية خدمية يقضيها الشخص في مجال معين.

وأكدت د. هناء الفريح على ما يلي:

  • اعتماد تعريف للعمل التطوعي ومجالاته.
  • توفير قاعدة معلومات بأسماء العاملين في المجال التطوعي وتخصصاتهم.
  • إعداد برنامج تدريبي لتطوير العمل التطوعي بالمملكة ليكون عملًا مؤسساتيًّا يسير وفق منهج علمي واضح، ويحقق الأهداف المأمول منه.
  • وضع إستراتيجية وخطة عمل للعمل التطوعي لمدة خمسة أعوام يمكن تقييمه من خلال بيوت خبرة؛ ليتسنى تطويره والارتقاء به وتنويع تخصصاته ومجالاته.

وفي سياق متصل، ترى د. مها المنيف أن العمل التطوعي مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا بمؤسسات المجتمع المدني أكثر من ارتباطه بالمؤسسات الحكومية؛ لذلك لن ينمو هذا العمل التطوعي إلا إذا ركَّزنا جهودنا في رفع مستوى العمل في هذه المؤسسات.

واقترح د. مساعد المحيا من أجل ترسيخ ثقافة التطوُّع في المجتمع ما يلي:

  • مَنْح كل مَن عمِل لمدة ثلاث سنوات في عمل تطوعي في إحدى الجمعيات وسامَ الملك، تمامًا كما يُمنَح الذي يتبرع عدة مرات بدمه وسامَ الملك؛ إذ إن هذا المتطوع قد تبرع بوقته وجهده وربما ماله ليشارك الآخرين.
  • حصول المتطوع على عدد من النقاط لتوازي جهده، وليستفيد منها في عملية التوظيف أو أي منافسة وظيفية.
  • مَنْح الموظف أو الطالب الذي يرغب في أن يتطوع داخل المملكة أو خارجها ضمن فريق لمؤسسة تطوعية محلية إجازةً خاصةً بدلاً عن أيامه التي قضاها في عمله التطوعي؛ وبهذا نُحفِّز الكثيرين ممَّن يرتبطون بأعمال وظيفية ليشاركوا في عدد من الأعمال التطوعية.

ومن جانبه، أكد أ. د سعد آل سعود على أهمية المقترحات التالية:

  • إقرار نظام للتطوع في مختلف مجالاته، يتم العمل به على مستوى المملكة.
  • إنشاء بوابة للتطوُّع في كل مجال من المجالات (صحي، بيئي، اجتماعي… إلخ) على مستوى المملكة.
  • تأسيس مراكز للتطوع في جميع القطاعات الحكومية.
  • إقرار مادة في التعليم العام والتعليم العالي (كمتطلب جامعة) تختصُّ بالصحة العامة للإنسان والحياة والبيئة وحمايتها، والأعمال التطوعية والخيرية والإنسانية.
  • إيجاد محفزات للتشجيع على العمل التطوعي ونَشْر ثقافته بين أفراد المجتمع، مثل: مزايا في التوظيف والترقيات والقبول في المعاهد والجامعات، والإعفاء من بعض المخالفات… إلخ.

وقد ورد في المناقشة بعضُ الأفكار الجيدة:

  1. إنشاء أندية تطوعية في المدارس ببرامج حديثة وجاذبة، والمشاركة في الأسابيع التوعوية والمناسبات الوطنية والحملات الإغاثية.
  2. تنظيم برامج وحملات تطوعية دورية لطلبة الجامعات لخدمة المجتمع.
  3. تضمين الخطط الجامعية موادَّ نظريةً وتطبيقية عن التطوع.
  4. تفعيل منصة التطوع والبوابة الوطنية للتطوع بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية.
  5. وَضْع نظام شامل وحديث لتنظيم العمل التطوعي في المملكة.
  6. التنسيق بين المؤسسات والجمعيات والمراكز التطوعية لتفعيل الأنشطة والبرامج التطوعية، وتفادي الازدواجية والتضارب.
  7. توسيع وتطوير إطار دور الكشافة التطوعي بالشراكة مع وزارة التعليم.
  8. إقرار نظام الأوسمة والشهادات والمُحفِّزات على العمل التطوعي.
  9. الاستفادة من التجارب الناجحة لوزارة الصحة في تفعيل العمل التطوعي، واستثمار جهود المتطوعين.
  10. تحديد الأدوار التطوعية من قِبل الجمعيات والمؤسسات الخيرية.
  11. تنظيم العلاقة بين المتطوعين والموظفين وبين المتطوعين والعملاء في المؤسسات الخيرية.
  12. الحرص على التسجيل الرسمي للأندية.
  13. الاهتمام بالتنسيق والجودة في العمل.
  14. التوثيق والشفافية والتقييم المستمر للأداء.
  15. الوعي بالحدِّ من استغلال المتطوعين في برامج وأنشطة ربحية.
  16. تطوير خطط وإستراتيجيات العمل الكشفي.
  17. توسيع نطاق عمل الكشافة ليشمل المناسبات الوطنية والخدمات المجتمعية خارج نطاق وزارة التعليم.
  18. الاهتمام بجودة وتحكيم العمل ومؤشرات الأداء والقياس بشكل دوري.
  19. إنشاء فريق عمل تطوعي محترف يشارك في الأعمال التطوعية العالمية، يفيد ويستفيد من مشاركته الدولية.
  20. الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في اعتبار حساب الساعات التطوعية اقتصاديًّا.
  21. تصميم برامج تطوعية بحسب الفئات العمرية مع التأكيد على الابتكار والتجديد.
  22. تنشئة الأطفال على فَهْم ومعرفة أهمية التطوع بالقدوة الصالحة، وتنظيم زيارات أسرية للمراكز الاجتماعية والإغاثية، انطلاقًا من مبادئنا وقيمنا الدينية وأعرافنا وعاداتنا العربية.
  23. تطوير الخُطط والهياكل الإدارية للمؤسسات الخيرية.
  24. تبنّي فكرة إنشاء موقع إلكتروني يهتم ويركِّز على الأعمال التطوعية من قِبل إحدى المؤسسات الاجتماعية ذات الإمكانات العالية.
  25. إقرار ميثاق وأخلاقيات العمل التطوعي.

 

  • التوصيات:
  1. وضع إستراتيجية متكاملة على مستوى الدولة من قبل وزارة التخطيط للارتقاء بالعمل التطوعي وتنويع وتوسيع مجالاته، والوعي بتأثيره في التنمية، وتفعيل القيمة الاقتصادية للتطوع.
  2. نَشْر ثقافة العمل التطوعي من خلال جميع الأجهزة المعنية بذلك، ومن خلال الجهاز التعليمي خاصة، وتعزيز مفهوم المبادرة والمسؤولية الاجتماعية بالقدوة وبالوسائل المتاحة، وربط العمل التطوعي بموضوعات المناهج المختلفة في المدارس.
  3. إنشاء مسارات تخصص في الدراسات العليا عن العمل التطوعي.
  4. تفعيل وظيفة الجامعة الثالثة (خدمة المجتمع) من خلال إعطاء أهمية واعتبار لمشاركات الطلبة والأساتذة في التطوع لخدمة المجتمع، بمَنْح درجات أو امتيازات يُتفق عليها بنظام معين.
  5. الإسراع في إقرار نظام العمل التطوعي المعروض على مجلس الشورى، وتحديد مظلته، وإقرار مميزاته وحقوق وواجبات المتطوعين ونظام الرُّخص التطوعية.
  6. الاهتمام بتأهيل المتطوعين وتطوير مهاراتهم العامة والتخصصية في بعض المجالات؛ بما يضمن تجويد الخدمة، ورفع مؤشرات الجودة.
  7. العمل على إيجاد استقلالية مالية للمؤسسات التطوعية عن طريق الأوقاف.
  8. إنشاء قاعدة بيانات دقيقة للمتقاعدين ومحدَّثة باستمرار لأعدادهم وتخصصاتهم واهتماماتهم؛ وذلك لاستثمار خبراتهم وتجاربهم وخلفياتهم العلمية وأوقات فراغهم. وكذلك توفير بيانات دقيقة ومحدَّثة عن المتطوعين عامة، والفرص التطوعية بالتنسيق مع وزارة العمل.
  9. إعطاء أهمية للخبرة والسنوات التطوعية في السير الذاتية للمتقدمين للوظائف في القطاع الخاص أو الحكومي.

 

 

القضية الثالثة

ثقافة الادخار لتحقيق رؤية 2030م

(15/12/2019م)

 

  • الورقة الرئيسة: أ. بسمة التويجري
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. ناصر القعود
  • التعقيب الثاني: أ. فهد القاسم
  • إدارة الحوار: د. سليمان الطفيل

 

  • الملخص التنفيذي:

أكدت أ. بسمة التويجري في الورقة الرئيسة على أن رؤية المملكة العربية السعودية 2030 الطموحة أولت كثيرًا من الاهتمام لتحفيز الادخار والتمويل والاستثمار من خلال برنامج “تطوير القطاع المالي 2020 “، الذي يُعَدُّ أحد برامج تحقيق الرؤية، ويهدف إلى: خلق سوق مالية متطورة، وتمكين المؤسسات المالية من دعم نمو القطاع الخاص، وتعزيز وتمكين التخطيط المالي. ولهذا البرنامج عدة مستهدفات، يتمثل أهمها في تحقيق (التنوع، والاستقرار، والشمول) المالي، والتحول الرقمي، وزيادة عمق القطاع المالي. أما بالنسبة لثقافة الادخار فمن المهم التوضيح أنه لا يمكن بناؤها بسرعة، وتستلزم جهودًا متضافرة من الدولة ومن الأفراد أنفسهم، حيث قامت الدولة بجهود كبيرة في وَضْع البرامج والمبادرات التي تهدف إلى خلق هذه الثقافة وتعزيزها بين أفراد المجتمع، ولكن هذه البرامج والمبادرات لن تكون ذات جدوى إنْ لم تتزامن مع بعض الأدوات التي تساعد على وضعها موضع التنفيذ، ومن أهمها: إيجاد القنوات الاستثمارية الملائمة لاستيعاب مدخرات الأفراد؛ على أن يكون الوصول إلى هذه القنوات سهلًا ومتاحًا لجميع الراغبين فيها، وأن تكون متعددة ومتنوعة وذات مخاطر مدروسة ومحتملة.

في حين أشار د. ناصر القعود في التعقيب الأول إلى أن تشجيع ثقافة الادخار يتطلب جهودًا حثيثة من الأسر والمؤسسات الحكومية، حيث ينبغي أن تتضافر جهود كلٍّ مِن: الأسر، لتكون قدوةً لأفرادها في الإنفاق دون إسراف أو تقتير، وتعوِّدهم منذ الصغر على الادخار وترشيد الإنفاق. وكذلك المؤسسات التعليمية بتضمين مناهج التعليم أهميةَ وفوائد الادخار وآلياته، من خلال عروض مبسطة وقصص جاذبة لنجاحات معتمدة على الادخار التدريبي. إضافةً إلى الشركات المساهمة، بحيث تُشجِّع الادخار من خلال إنشاء صناديق ادخارية يساهم فيها موظفو هذه الشركات، وتُدعَم من الشركة بتوزيع عوائد مجزية على شكل مكافآت وحوافز، كما هو الحال في شركة أرامكو وبعض الشركات الرائدة (الاتصالات وسابك). جنبًا إلى جنب مع المؤسسات الحكومية المسؤولة عن القطاع المالي.

أما أ. فهد القاسم فأوضح في التعقيب الثاني أن من المهم تناول أوجه التعارض بين أهداف الرؤية وبعض المبادرات القائمة حاليًّا، ومن أمثلتها التحفيز على الاقتراض للكماليات الصرفة، كما أغفلت الورقة ترويج النهم الاستهلاكي وتحفيز الاقتراض الذي تقوم به البنوك لأغراض استهلاكية وكماليات.

وتضمَّنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

  • أهمية ثقافة الادخار والحاجة إليها.
  • واقع ثقافة الادخار في المجتمع السعودي.
  • معوقات ثقافة الادخار.
  • وسائل تعزيز ثقافة الادخار لدى أفراد المجتمع.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول قضية: ثقافة الادخار لتحقيق رؤية 2030 م، ما يلي:

  1. دعوة وزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي إلى تطوير السياستين المالية والنقدية، بحيث يضمنان تحقيق التوازن في الاقتصاد الكلي (العرض الكلي، الطلب الكلي)؛ لسد الفجوة التي قد تظهر ما بين معدل الادخار ومعدل الاستثمار المخطَّطين بسبب ضعف أدوات السياستين المالية والنقدية أو عدم التنسيق الجيد فيما بينهما.
  2. تشجيع الجهات الحكومية والشركات المساهمة بأنواعها على تأسيس صناديق أو محافظ ادخارية تُستقطَع من رواتبهم بنسبة بسيطة جدًّا، ويساهم فيها موظفوها بدعم من الشركة كحوافز أو مكافآت كما هو الحال في الشركات الرائدة (أرامكو، سابك، الاتصالات).

 

  • الورقة الرئيسة: أ. بسمة التويجري

مقدمة:

إن رؤية المملكة العربية السعودية 2030 الطموحة أولت كثيرًا من الاهتمام لتحفيز الادخار والتمويل والاستثمار من خلال برنامج “تطوير القطاع المالي 2020 “، الذي يُعَدُّ أحدَ برامج تحقيق الرؤية، ويهدف إلى:

  • خلق سوق مالية متطورة.
  • تمكين المؤسسات المالية من دعم نمو القطاع الخاص.
  • تعزيز وتمكين التخطيط المالي.

ولهذا البرنامج عدة مستهدفات، وهي:

  • التنوع المالي. 2- الاستقرار المالي. 3- الشمول المالي. 4- التحوُّل الرقمي. 5- زيادة عمق القطاع المالي.

ونشأت الحاجة لبرنامج تطوير القطاع المالي لعدة أسباب، وهي:

  • تدني مستوى التغطية الشاملة للخدمات المالية: حيث إنَّ 74% هي نسبة الذين يمتلكون حسابًا مصرفيًّا في المملكة، في حين تصل نسبة الشمول المالي إلى أكثر من 90% في الأسواق المتقدِّمة.
  • محدودية مصادر التمويل: حيث يتم الاعتماد على التمويل المصرفي في معظم الحالات.
  • الحاجة إلى تطوير البيئة التحتية للأتمتة: وذلك من خلال الدفع باتجاه مجتمع غير نقدي، ويلتزم البرنامج بزيادة حصة المعاملات غير النقدية إلى 28% بحلول العام 2020 م.
  • تدني نسبة الادخار: حيث تبلغ هذه النسبة 6% من الدخل السنوي المتاح في المملكة، بينما يصل المعدل العالمي إلى 10%.
  • ضعف الثقافة المالية: حيث نجد 30% فقط من الراشدين في المملكة يمكن اعتبارهم ملمين بالشؤون المالية، وهي النسبة الأدنى على مستوى منطقة الخليج.

وبالنظر إلى الهدف الثالث لبرنامج تطوير القطاع المالي “تعزيز وتمكين التخطيط المالي”، والذي يعتبر إحدى الركائز المهمة لهذا البرنامج؛ نجد أنه يهدف إلى:

  • تحفيز ودعم الطلب المستدام على خطط الادخار.
  • الدفع باتجاه التوسُّع في منتجات الادخار والقنوات المتاحة في السوق.
  • تحسين منظومة الادخار وتعزيزها.
  • تعزيز الثقافة المالية.

وقد نتج عن برنامج “تطوير القطاع المالي 2020” العديدُ من المبادرات المحورية، وما يهمنا منها المبادرات المتعلقة بتعزيز ثقافة الادخار وزيادة الثقافة المالية، ومن هذه المبادرات:

  • إنشاء كيان وطني للادخار يُقدِّم منتجات ادخارية مدعومة من الحكومة.
  • تزويد المستهلكين المحليين بمخطط ادخار مُصمَّم يستهدف خطة تملك سكن خاص.
  • تزويد المستهلكين المحليين بمخطط ادخار مُصمَّم يستهدف خطة التعليم العالي لأبنائهم.
  • زيادة مستوى الادخار لدى الفئات منخفضة الدخل من خلال تصميم وتطوير وإطلاق منتجات ادخارية مرتبطة بالإقراض الاجتماعي.
  • دفع المستهلكين المحليين للادخار بشكل منتظم، وبخاصة الفئات ذات الدخل المنخفض.
  • إنشاء كيان تثقيف مالي متخصص.

وكنتيجة لهذه المبادرات، سيتمكن المواطنون من التخطيط والتوفير بشكل أفضل لاحتياجاتهم المالية المستقبلية من خلال تقديم منتجات وخدمات جديدة. كما أن الكيان الوطني للادخار سيعمل مع المؤسسات المالية لتطوير المنتجات الادخارية الجديدة وزيادة جاذبيتها من خلال منتجات الحوافز، وسيقوم هذا الكيان أيضًا بتحسين الوصول إلى المنتجات الادخارية عن طريق زيادة قنوات التوزيع المختلفة.

كذلك ستؤدي هذه المبادرات إلى استفادة المؤسسات المالية من الأموال الإضافية الموجَّهة من خلال المدخرات المالية المحلية. كما سيُمكِّن المؤسسات المالية من الوصول إلى مجموعة من العملاء الذين لم يتم الوصول إليهم في السابق من خلال المنتجات المصرفية الحالية.

وهذا هو منطلق مناقشة ثقافة الادخار لتحقيق رؤية 2030، من خلال المحاور التالية:

  • مفهوم ثقافة الادخار.
  • تعزيز ثقافة الادخار وزيادة الوعي المالي.
  • الآثار الاقتصادية والاجتماعية للادخار.
  • مقترحات لتشجيع ثقافة الادخار.

مفهوم ثقافة الادخار:

يُقصد بالادخار اقتطاع جزء من الدخل المادي للأسرة أو الفرد بعد تغطية كافة أوجه الإنفاق الأساسية؛ وذلك بهدف مقابلة الظروف المستقبلية الطارئة، أو بهدف الاستثمار قصير أو طويل الأمد. والادخار على نوعين:

  • ادخار إجباري، وهو ما تقوم مؤسسات التقاعد والتأمينات الاجتماعية باقتطاعه شهريًّا من رواتب موظفي الدولة وموظفي القطاع الخاص، بهدف صرف راتب تقاعدي بعد انتهاء فترة خدمة الموظف.
  • ادخار اختياري، ويأخذ صيغتين:
  • اقتطاع نسبة من الدخل تتراوح بين 10-30 %.
  • تأجيل شراء بعض السلع.

وهناك عدة أسباب تدفع الأفراد إلى عملية الادخار، بعضها يكون على المستوى الشخصي، مثل:

  • مواجهة الظروف الطارئة.
  • مواجهة الزيادة في الأسعار.
  • تكوين احتياطي يساعد في بعض الأمور، مثل امتلاك منزل أو تعليم الأبناء مستقبلًا.
  • مواجهة العجز والشيخوخة.
  • القيام بأعمال تجارية استثمارية.

ومنها ما يكون على مستوى الاقتصاد الوطني، مثل:

  • المساهمة في تحقيق أحد أهداف رؤية 2030، وهو رفع مستوى ادخار الأسر من 6% إلى 10%.
  • المدخرات تساهم في تشجيع الإنفاق الرأسمالي للأسر في منتجات وخدمات تعود بالنفع على كافة أفراد الأسرة.

ويرى الاقتصاديون أن مفهوم الادخار يستند إلى منطق بسيط جدًّا، وهو: “الذي تستهلكه الآن يمكن أن تستهلكه مستقبلًا”، والادخار يحمل في طياته درجات متفاوتة من التضحية، وعلى الفرد الراشد أن يتحملها لأجل مستقبله، وتبدأ بأن يقوم بتوزيع المدخرات في ثلاثة أوعية: احتياجات قصيرة الأجل، ومتوسطة الأجل، وطويلة الأجل. أما الأولى فهي تتراوح بين عام واحد وثلاثة أعوام، والثانية خمسة أعوام، والثالثة ما فوق ذلك؛ فقد يحتاج الفرد مثلًا إلى أجهزة منزلية جديدة بعد عام، أو دفعة أولى لشراء مسكن بعد أربعة أعوام، أو رسوم دراسية جامعية لأطفال حين يكبرون بعد عشرة أعوام.

والادخار أحد الأمور المهمة التي نبَّه إليها ديننا الحنيف في تنظيم الحياة الاقتصادية للأفراد والمجتمع بما فيه صلاحه وسعادته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رَحِمَ اللهُ امْرَأً اكتسب طَيِّبًا، وأَنْفَق قَصْدًا، وقَدَّمَ فَضْلًا ليومِ فقرِه وحاجتِهِ”.

وتقع مسؤولية الاهتمام بموضوع الادخار على عاتق الأسرة والدولة معًا، حيث يُفترض تعليم الأولاد منذ الصغر أهمية الادخار وقيمته من خلال توفير حصَّالة صغيرة للطفل يضع فيها ما يزيد عن حاجته من مصروفه الشخصي، يستعملها عندما يحتاج إليها وفق حاجات ضرورية أو مهمة تبينها له الأسرة، ومن هذا المستوى نستطيع القياس حتى نصل إلى مستوى ميزانية وثروات الدولة، والأمة بشكل عام.

واقع الادخار في المملكة:

نجد من خلال الرسم البياني التالي أن معدل الادخار في الأسر السعودية يعدُّ متدنيًّا جدًّا، إذ يبلغ حوالي 2.4% من الدخل السنوي المتاح في العام 2014م، وهذه النسبة أقل بكثير من المعدل العالمي البالغ 10% والمعترف به عالميًّا كحد أدنى لضمان الاستقلالية المالية على المدى البعيد، ورغم أن هذه النسبة قد تحسَّنت إلى 6% في الوقت الحاضر لكنها لا تزال دون المستوى المقبول عالميًّا.

كما بلغت نسبة المدخرين من إجمالي السكان في المملكة 44%، وهي نسبة قليلة إذا ما قارناها ببقية دول العالم، حيث يبلغ متوسط معدل الادخار في الدول ذات الدخل المرتفع 71% من إجمالي السكان؛ في حين يبلغ متوسط معدل الادخار في الدول ذات الدخل المنخفض 48% من إجمالي السكان.

 

ويوضِّح الرسم البياني التالي الطرق المفضَّلة للادخار لدى الأسر السعودية حيث إنَّ غالبية الناس (83 %) تحتفظ بمدخراتها في حساب مصرفي، بينما يلجأ 11% إلى إقامة جمعية مالية مع الأصدقاء والزملاء، 7% يحتفظون بالمال لدى أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء، 7% يحتفظون بالمال في مكان آمن في المنزل، و1% يحتفظون بمدخراتهم لدى أشخاص خارج نطاق الأسرة.

تعزيز ثقافة الادخار وزيادة الوعي المالي:

بالإضافة إلى كل ما تمَّت الإشارة إليه من مبادرات وزارة المالية عبر برنامج تطوير القطاع المالي لتعزيز ثقافة الادخار وزيادة الوعي المالي، لا بد من الأخذ في الحسبان بعض النقاط التي تساهم في تنفيذ هذه المبادرات وجَعْلها حقيقة واقعية وليس مجرد صور مثالية غير قابلة للتطبيق، ومن هذه النقاط:

  • أولًا: تعديل السلوك الاستهلاكي والابتعاد عن عمليات الشراء غير الضرورية (التبذير) أو عمليات الشراء الزائدة (الإسراف)، وكذلك الابتعاد عن القروض الاستهلاكية واستخدام البطاقات الائتمانية.
  • ثانيًا: التركيز على فكرة ترشيد الاستهلاك والإنفاق، بمعنى الاستخدام الأمثل للمواد والأموال، وتحقيق التوازن في الاستهلاك والإنفاق؛ وذلك عبر إجراءات وخُطط واعية توجِّه الفرد لهذا التوازن، وتُحقِّق له تنمية مستدامة، وتحفظ حقوقَه في الحاضر والمستقبل. والترشيد في الاستهلاك والإنفاق لا يعني أبدًا التقتير، ولكنه استعمال راشد وعقلاني لكل الأشياء التي يمتلكها الفرد أو التي أُتيح له استخدامها، وهذا الترشيد نابع من ديننا الحنيف حيث توجد الكثير من النصوص الشرعية التي تحثُّ على الاعتدال في الإنفاق، وتُحذِّر من التبذير والإفراط.
  • ثالثًا: الاقتناع بأن التخطيط المالي وما يتبعه من عمليات الادخار وترتيب ميزانية الأسرة هو جزء من الوعي المالي للفرد، والذي حرصت رؤية 2030 على الاهتمام به والعمل على زيادته. ويُقصد بالوعي المالي امتلاك المعرفة والمهارات الضرورية والثقة التي تمكِّن كلًّا منَّا من اتخاذ القرارات المالية السليمة والمسؤولة، فالوعي المالي يصف مستوى فهم الشخص لطريقة إدارة أمواله الخاصة ووعيه بالفرص الاستثمارية المتاحة مع القدرة على تقييم مخاطر تلك الفرص ومدى مساهمتها في تحسين أوضاعه المالية.

ويتضمن الوعي المالي القدرة على اتخاذ قرارات مالية سليمة في نواحٍ عدة، مثل:

  • كمية الأموال المدخرة.
  • تحديد أوجه الإنفاق المختلفة وأولوياتها.
  • الإدارة اليومية للموارد المالية.
  • عقد صفقات الشراء المختلفة.
  • إدارة الديون والبطاقات الائتمانية.

يشير استطلاع للرأي أجراه البنك الدولي في عام 2017 م إلى أن معدل الثقافة المالية بين البالغين في المملكة يُقدَّر بــ 31% فقط، وقارن هذا الاستطلاع معدل الثقافة المالية لدى عدد من بلدان العالم، لنجد أن هذا المعدل قريب من معدل دولة ماليزيا على سبيل المثال (36%)، ولكنه أعلى بكثير في دولة أخرى مثل النرويج (71%).

 

الآثار الاقتصادية والاجتماعية للادخار:

كما هو معروف من الناحية الاقتصادية، فإن مستوى الادخار يساوي مستوى الاستثمار؛ لأن الاستثمارات يتم تمويلها من الأموال المدخرة. وكلما زاد مستوى الادخار، استطاعت المؤسسات المالية إقراض الراغبين في الاستثمار بشكل أكبر. وفي الاقتصادات التي ينخفض فيها معدل الادخار يكون الاستهلاك قصير الأجل على حساب الاستثمار طويل الأجل.

ووفقًا لنموذج Harrod – Domar   للنمو الاقتصادي، فإن معدل الادخار يعتبر عاملًا رئيسًا لتحديد معدلات النمو الاقتصادي؛ لأنه كما سبقت الإشارة إليه، فإن زيادة الادخار ستؤدي إلى زيادة الاستثمار، وبالتالي إلى زيادة رؤوس الأموال والوصول إلى معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي وذلك على المدى الطويل؛ أما في المدى القصير، فإن زيادة معدلات الادخار لدى الأفراد ستؤدي إلى انخفاض معدلات الإنفاق والاستهلاك، وربما تُسبِّب حالة من التراجع أو الانكماش الاقتصادي المؤقت.

ومن الناحية الاجتماعية، يعتبر الادخار من أهم وسائل تحسين جودة الحياة وزيادة الثروات، وهو وسيلة مباحة منضبطة لمحاكاة فطرة الإنسان في حب المال ورغبته في المحافظة عليه. كما أن الادخار يسهم في تنمية الإحساس بالمسؤولية لدى الأفراد، ويزيد من رغبتهم في المشاركة في بناء اقتصاد بلادهم وشعورهم بأهميتهم من خلال هذه المشاركة.

مقترحات لتشجيع ثقافة الادخار:

ثقافة الادخار لا يمكن بناؤها بسرعة، وتستلزم جهودًا متضافرة من الدولة ومن الأفراد أنفسهم، حيث قامت الدولة بجهود كبيرة في وَضْع البرامج والمبادرات التي تهدف إلى خلق هذه الثقافة وتعزيزها بين أفراد المجتمع، ولكن هذه البرامج والمبادرات لن تكون ذات جدوى إنْ لم تتزامن مع بعض الأدوات التي تساعد على وضعها موضع التنفيذ، ومن أهمها: إيجاد القنوات الاستثمارية الملائمة لاستيعاب مدخرات الأفراد، على أن يكون الوصول إلى هذه القنوات سهلًا ومتاحًا لجميع الراغبين فيها، وأن تكون متعددة ومتنوعة وذات مخاطر مدروسة ومحتملة.

بناء ثقافة الاستثمار يحتاج أيضًا أن يغير الأفراد أساليب حياتهم التي تقوم في الغالب على أنماط استهلاكية غير صحيحة، وتستهلك من دخولهم الكثير. وتعديل الأنماط الاستهلاكية في الإنفاق يتطلب القيام بمجموعة من الأنشطة، منها:

  • التركيز على الجودة والسعر وعدم الاندفاع نحو العلامات التجارية الشهيرة.
  • الاهتمام بالدورة الاستهلاكية، أي عدم شراء سلعة جديدة حتى يتم استهلاك السلعة التي قبلها بالكامل.
  • مقاومة ظاهرة “تبني السلعة”، أي الإصرار على سلعة معينة مهما ارتفعت أسعارها.
  • فهم الخدع والفنون التسويقية التي تستهدف جذب العملاء وجعلهم يشترون ما لا يحتاجون.
  • الابتعاد عن “الاقتراض السالب”، وهو الاقتراض من أجل شراء سلع استهلاكية بدخل سيتحقق مستقبلًا؛ مما يؤدي إلى تراكم الديون والعجز عن سدادها في بعض الأحيان.

الأفراد أيضًا مطالبون بأن يكون ترشيد الإنفاق والاستهلاك جزءًا أساسيًّا من حياتهم اليومية مهما كانت مستويات دخولهم وقدرتهم على تغطية النفقات؛ لأنهم وإنْ ملكوا المال، فإنهم لا يملكون الموارد!

الخلاصة:

الادخار ليس ترفًا ولا وقفًا على أشخاص دون آخرين، بل هو مَطلب وطني وحاجة اقتصادية مُلحة تساهم في عمليات النمو الاقتصادي على المدى البعيد، وبناء ثقافة الادخار هو مجهود جماعي تتضافر فيه جميع الجهود وتنصهر فيه جميع الرغبات في المساهمة في رقي وطننا ورفعته.

المراجع:

  • برنامج تطوير القطاع المالي – موقع وزارة المالية.
  • موقع الهيئة العامة للإحصاء.
  • موقع البنك الدولي.
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. ناصر القعود

يتطلب تشجيع ثقافة الادخار جهودًا حثيثة من الأسر والمؤسسات الحكومية، وفي هذا الصدد ذكرت كاتبة الورقة الرئيسة عددًا من المقترحات والنصائح لتعديل الأنماط الاستهلاكية والتمكن من ثقافة الادخار. ومن هنا ولزيادة الوعي بأهمية الادخار للأسر والأفراد وجَعْله جزءًا من الثقافة الاقتصادية؛ ينبغي أن تتضافر جهود كلٍّ من:

  • الأسر، لتكون قدوةً لأفرادها في الإنفاق دون إسراف أو تقتير، وتعودهم منذ الصغر على الادخار وترشيد الإنفاق.
  • المؤسسات التعليمية، تضمين مناهج التعليم أهمية وفوائد الادخار وآلياته من خلال عروض مبسطة وقصص جاذبة لنجاحات معتمدة على الادخار التدريبي.
  • الشركات المساهمة، بحيث تُشجِّع الادخار من خلال إنشاء صناديق ادخارية يساهم فيها موظفو هذه الشركات، وتُدعَم من الشركة بتوزيع عوائد مجزية على شكل مكافآت وحوافز، كما هو الحال في شركة أرامكو وبعض الشركات الرائدة (الاتصالات، وسابك).
  • المؤسسات الحكومية المسؤولة عن القطاع المالي من خلال تفعيل ما تضمنته الورقة من مبادرات، مثل:
  • إنشاء كيان وطني للادخار يقدِّم منتجات مدعومة من الحكومة، ويحثُّ القطاع المالي لتنويع أدواته وقنواته الادخارية والاستثمارية.
  • إنشاء كيان تثقيف مالي متخصص ينشر ثقافة التخطيط المالي ويُنمِّي سلوك الادخار.

قد يتساءل البعض عن ارتفاع معدلات الاستثمار في الاقتصاد السعودي خلال العقود السابقة رغم انخفاض معدلات الادخار لدى الأسر والأفراد في المملكة. والجواب عن ذلك يعود إلى ارتفاع معدلات الادخار (الاستثمار) من الحكومة، حيث تُخصَّص نسب كبيرة من الميزانية في معظم السنوات السابقة للإنفاق الرأسمالي (الاستثماري)؛ وبذلك استطاعت المملكة تحقيق معدلات نمو مرتفعة على المديين المتوسط والطويل.

وختامًا، من صفات عباد الرحمن: ﴿وَالَّذينَ إِذا أَنفَقوا لَم يُسرِفوا وَلَم يَقتُروا وَكانَ بَينَ ذٰلِكَ قَوامًا﴾ [الفرقان: ٦٧].

  • التعقيب الثاني: أ. فهد القاسم

فصَّلت الورقة الرئيسة كثيرًا في الجوانب الأكاديمية والنظرية حول مفهوم الادخار ومفاهيم الرؤية، وذكرت الورقة أن الدولة قامت بجهود كبيرة في وضع البرامج والمبادرات التي تهدف إلى خلق ثقافة الادخار وتعزيزها، وكان من المستحسن لو تمَّ ذكر هذه الجهود والبرامج والمبادرات، وعلى الأخص مصير المبادرات المحورية المتعلقة بتعزيز ثقافة الادخار والتي ذكرت الورقة الرئيسة ستًا منها. كما أغفلت الورقة العديد من أوجه التعارض بين أهداف الرؤية وبعض المبادرات القائمة حاليًّا، ومن أمثلتها التحفيز على الاقتراض للكماليات الصرفة مثل الترفيه، كما أغفلت الورقة ترويج النهم الاستهلاكي وتحفيز الاقتراض الذي تقوم به البنوك لأغراض استهلاكية وكماليات.

أيضًا، فقد ركَّزت الورقة على مقترحات موجَّهة للأفراد في الغالب، وأغفلت التوصيات الأهم والمرتبطة بالمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، وجمعيات النفع العام، ووسائل الإعلام، والمؤثرين في المجتمع.

  • المداخلات حول القضية:
  • أهمية ثقافة الادخار والحاجة إليها:

في تصوُّر د. عائشة الأحمدي، فإن ثقافة الادخار هي قضية حيوية على الصعيدين الفردي والمجتمعي، لا سيما بالنسبة لنا، وقد حظيت باهتمام كبير في الدراسات الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء، منذ زمن ليس قصيرًا؛ نظرًا لما يمثِّله هذا المتغير من أهمية على مستوى الدولة ككل، من حيث ارتباطه بالاستهلاك من جهة، وبالاستثمار الحكومي والخاص من جهة ثانية، وما يترتب على ذلك من وضع إستراتيجيات لتنمية الادخار، سواء كان ذلك على مستوى القطاع العائلي والفردي أو حتى على مستوى الحكومات. ويؤكد رجال الاقتصاد أن نمو نسبة الادخار للدخل القومي وارتفاع معدلات نموه يؤدي حتمًا إلى نمو القدرة الإنتاجية لاقتصاديات الدول المتقدمة والنامية على حد سواء من جهة، كما أنهم يتفقون على أن معظم الدول التي تمتعت مجتمعاتها بارتفاع نسبة الادخار من دخلها القومي وارتفاع نمو الادخار فيها، قد حقَّقت معدلات نمو اقتصادي مرتفعة، ومن هذه الدول: اليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان.

وترى أ. فائزة العجروش أن الادخار مطلبٌ وطني وحاجة اقتصادية ملحة تساهم في عمليات التنمية على المدى البعيد؛ فالاستثمار هو عصب النمو الاقتصادي في أي دولة، وأن معدلات الاستثمار مبنية على معدلات الادخار، ولا يمكن أن يكون هناك استثمار دون ادخار؛ ولهذا فالادخار هو دالة الاستثمار. وتكمن أهمية الادخار في أية دولة في أن قدرتها حول مدى ضخ استثمارات جديدة في اقتصادها، تُقاس بمقدار الميل الحدي للادخار. وبنظرة على وثيقة برنامج تطوير القطاع المالي، نلاحظ الأهمية التي أولاها البرنامج للتخطيط المالي والادخار، فقد جعلته الوثيقة أحد ثلاثة أهداف رئيسة للبرنامج.

ويعدُّ معدل الادخار لدى الأسر السعودية من أدنى المعدلات في العالم، وهو ما استدعى الحكومة لاستحداث برامج توعوية مختلفة تُعنَى بالثقافة المالية وعيًا وتخطيطًا، وتمخضت الجهود في عدد من المبادرات البالغ عددها 42 مبادرة خاصة، إضافة إلى المبادرات المحورية وغيرها، بمشاركة إجمالية من 12 جهة حكومية، لتحقيق تطلعات رؤية المملكة 2030 في رفع نسبة الادخار. فمن جهة، يهدف برنامج تطوير القطاع المالي إلى رفع نسبة مدخرات الأسر على أساس منتظم إلى 29% بحلول عام 2020م. ومن جهة أخرى، تهدف إستراتيجية تعزيز وتمكين التخطيط المالي إلى تحفيز ودعم الطلب المستدام على خطط الادخار، والدفع باتجاه التوسُّع في منتجات الادخار والقنوات المتاحة في السوق، وتحسين منظومة الادخار وتعزيزها، وتعزيز الثقافة المالية، وبمشاركة لجنة الإعلام والتوعية المصرفية بالبنوك السعودية التي تسعى للنصح باستقطاع نسبة من الدخل للادخار من أجل مواجهة الالتزامات المالية الطارئة والتخطيط لمرحلة الاستقرار المالي، وحملة (ادخارك أمان) التي أطلقها المركز السعودي للمسؤولية الاجتماعية؛ وهي أول حملة سعودية تنص على رفع ثقافة الادخار من 6 ٪؜ إلى 10٪؜ للأسر السعودية.

  • واقع ثقافة الادخار في المجتمع السعودي:

ترى د. عائشة الأحمدي أن اقتصاد المملكة العربية السعودية حتى اكتشاف الثروات النفطية الهائلة عام 1938 كان قائمًا على زراعة المناطق القاحلة والرعي، لكن الانعطاف الشديد من الاقتصاد المعتمد على الرعي والزراعة، إلى الاقتصاد القائم على استخراج النفط والتوسُّع في إنتاجه، وزيادة دخل الفرد وقدراته على الاستهلاك؛ أدى إلى التوسُّع في تدفُّق السلع المستوردة، لا سيما أن خُطط التنمية قد شجَّعت هذا التوجُّه، مُستهدِفةً رفع مستوى معيشة المواطن السعودي من خلال زيادة دخله. وقد اتفقت دراسات كثيرة على أن انتشار نمط الحياة الاستهلاكي والتوجه الاستهلاكي في السعودية أمرٌ واضح وجلي.

وذكرت أ. فائزة العجروش أنه وبعد الاطلاع على بيانات الهيئة العامة للإحصاء، يتضح لنا ما يلي:

  • عند مقارنة الربع الثاني في عام 2018 بمثيله في 2019، نجد أن معدل الادخار الإجمالي ارتفع قليلًا ووصل إلى 246.858 مليون ريال بعد أن كان 245.936.
  • أن نسبة الادخار إلى الناتج المحلي الإجمالي ارتفعت في الربع الثاني من 2019 ارتفاعًا طفيفًا، حيث بلغت 33.36%، بعد أنْ كانت 33.29% في الربع الثاني لعام 2018.
الادخار الإجمالي للربع الثاني 2019
2018 * 2019
(ملايين الريالات السعودية) Q2 Q2
الادخار الإجمالي      245،936      246،858
نسبة الادخار إلى الناتج المحلي الإجمالي 33.29% 33.36%
بيانات أولية * المصدر: الهيئة العامة للإحصاء.

وتساءل د. سليمان الطفيل: ما أشكال تطبيقات الادخار في المملكة؟ ومن جانبه ذكر أ. فهد القاسم أن أبرز تطبيقات الادخار المعمول بها هو الادخار العكسي، بما معناه الشراء بالتقسيط للسلع المعمِّرة (منزل، سيارة وما شابههما) بما يجعل من الادخار عملاً قسريًّا لا خيار فيه. وفي كثير من المجتمعات، يُطبِّق الموظفون ما يُعرف بالجمعية، وهي ما يتم تجمعيه من مجموعة من الموظفين حسب قدرات كل منهم، وفي كل شهر يستلمها أحدهم.

في حين يعتقد د. حمد البريثن أن مفهوم الادخار يجب أن يبدأ من مراحل مبكرة؛ حيث يتم وضع حساب بنكي للشخص يتم تجميع المبالغ التي يحصل عليها واستثمارها، يُضاف لذلك تقليل النفقات بالتقليل من الكماليات وإيجاد البدائل الأرخص.

أما د. ناصر القعود فذكر أن هناك عددًا من التطبيقات، منها أنظمة التقاعد والتأمينات الاجتماعية، حيث يُخصم من راتب الموظف أو العامل ٩ في المئة، ويساهم ربُّ العمل بـ ٩ في المئة، وهذه تحكمها أنظمة العمل والتأمينات، أما الادخار الاختياري من خلال القطاع المصرفي فيحكمه تعليمات مؤسسة النقد والأنظمة المالية عمومًا، إضافةً إلى الادخار من خلال برامج الشركات مثل أرامكو والاتصالات، وتُحكم بأنظمة داخلية من حيث العوائد والمكافآت.

من جانبه يرى د. عبد الله بن صالح الحمود أننا في المملكة العربية السعودية لا يوجد لدينا مفهوم مركز وذو تقنين فاعل يرقى إلى مفهوم الادخار، مَنْ يدخر فعلاً هو مَن يحاول شخصيًّا أن يدخِّر بطُرق تقليدية أو من خلال شراء أسس بالتقسيط كالعقار مثلاً؛ والسبب أن البنوك التجارية فضلاً عن مؤسسة النقد العربي السعودي، والذي يُفترض من كل منهما سن تشريع أشبه ببرامج تُسهم في تنمية المال، ففي مصر – على سبيل المثال – تقوم البنوك بفتح حسابات توفير للمودعين، من ذلك يحصل صاحب الحساب على عائد شهري أو ربع سنوي، ويمكن أيضًا تشغيل هذا العائد مرة أخرى في ذات الصندوق الخاص بتنمية مبالغ التوفير في البنك. وبخصوص الأنظمة والتنظيمات المعمول بها في المملكة ذات العلاقة بتطبيقات الادخار قديمًا وحديثًا، فلا تزال البنوك هي الموظِّف الوحيد للاستثمار المالي، إنما السؤال: ما هو العائد من جراء ذلك؟ والجواب: نسبة لا تُذكر، خصوصًا إذا المبلغ كان المستثمَر متدنيًا للغاية؛ لذا لا يعدُّ ذلك استثمارًا حقيقيًّا يطمح له مَن يرغب في تنمية ماله.

ومن وجهة نظر د. عبد الله المطيري، فإن ممارسة الادخار في مجتمعنا السعودي تختلف حسب المحيط الاجتماعي والمكاني، فمن يمارسون التجارة ومن يعيشون في القرى والأرياف يتميزون بترشيد الإنفاق ومن ثَمَّ الادخار، وذلك في الغالب. أما مَن يعيشون في البادية فطبيعتهم وقلة دخلهم وتأثره بالتغيرات المناخية جعَلهم يلهثون لسدِّ احتياجاتهم الأساسية البسيطة؛ ونتيجة لذلك فإن أبناءهم يفتقدون ثقافة الادخار، وزاد الطين بلة أنهم بعد استقرارهم اعتمدوا في الغالب على الدخل الوظيفي مع الاحتفاظ بعاداتهم وتقاليدهم، وأكثرها تأثيرًا على الادخار كثرة الإنجاب. وكما تشير البيانات الإحصائية أن نسبة سكان البادية عند توحيد المملكة نحو 70٪؜ جميعهم تقريبًا حاليًّا في المدن والقرى. وهذا يدعو للتساؤل: كيف يمكننا غرس ثقافة الادخار في هذه الفئة الاجتماعية الكبيرة؟

  • معوقات ثقافة الادخار:

ترى د. عائشة الأحمدي أن من أسباب شيوع النزعة الاستهلاكية ومن ثَمَّ الوقوف حائل دون تنمية ثقافة الادخار لدى أفراد المجتمع ما يلي:

  • ضعف دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية (الأسرة، المدرسة) في دعم ثقافة الادخار.
  • عدم وجود قيود وضوابط صارمة على الاقتراض، مثل: تحديد الأسباب التي من أجلها يتم الإقراض.
  • ضعف دور الجهات الأمنية نحو استرداد الحقوق.
  • المفاخرة بعدم الاكتراث بالمال، كصفة اجتماعية محمودة.
  • ميل الطبقات الأقل في المجتمع لتقليد الطبقات العليا.

ولفت د. عبد الله المطيري النظر إلى أنه حسب بيانات موقع حساب المواطن، فإن 12.6 مليون مواطن استفادوا من دعم حساب المواطن الدعم لشهر نوفمبر 2019، أي أكثر من نصف السعوديين، ومن ثَمَّ يكون التساؤل: كيف لهؤلاء ضمن هذه الفئة أن يدخِّروا؟

وعقَّبت أ. فائزة العجروش على ذلك بأن أجدادنا ومع أن ظروفهم المالية كانت صعبة إلا أنه كان لديهم عددٌ من الحيل المالية التي يتحايلون بها على وضعهم المالي الصعب للادخار ولو بالقليل جدًّا. كما كانت كثير من السيدات قديمًا تلجأ للحيلة الذهبية – الاستثمار في الذهب- بخاصة الجنيهات التي تمتلكها. وكذلك كانت هناك طريقة شائعة سابقًا للادخار لدى الكثير من الموظفين وغيرهم من ربات البيوت، وتتلخص في تكوين «جمعيات الادخار الإقراضية»، التي تشكل اليوم إحدى الوسائل الناجعة بين العديد من الأسر والمؤسسات والشركات في الدول العربية.

وبدوره ذكر م. خالد العثمان أن الحديث عن الادخار بالتأكيد لا ينطبق على محدودي الدخل من الباحثين عن الكفاف، لكن مفهوم الدعم في برنامج حساب المواطن موضوع آخر، وهو يشمل شريحة الدخل بسقف أعلى يبلغ ٢٠٠٠٠ ريال شهريًّا. ويهدف حساب المواطن إلى مساعدة المتضررين من رفع الدعم عن منظومة الطاقة والوقود، وهذا لا يعني أنهم عاجزون عن شيء من الادخار في نمط حياتهم الاستهلاكي المعتاد.

لكن د. خالد بن دهيش يرى أنه يجب ملاحظة أن معدل الأسرة السعودية ٥ أفراد ومتطلباتهم الأساسية كثيرة في هذا الزمان، خاصة إذا علمنا أن نصفهم   ١٢.٦ مليون يعتمدون على الدعم لمقابلة الزيادة في المصروفات (الكهرباء، الماء، الوقود) والرسوم والضرائب… إلخ. وهناك مَنْ يحثُّهم على الاقتراض من البنوك للترفيه.

أما د. خالد الرديعان فتطرق إلى بعض المعوقات الاجتماعية التي تعيق ثقافة الادخار في المجتمع السعودي؛ فالواقع – برأيه – أن قيم الكسب والإنتاج والتراكم، وتمثِّل القيم الرأسمالية على المستوى الفردي وفي السلوك الاجتماعي، ليست من طبيعة مجتمعنا؛ بل إنها غير متجذرة لدينا بسبب منظومة معايير وأعراف اجتماعية نشأنا ودرجنا عليها، ونجد صعوبة بالغة في تغييرها، رغم هذا التحول الذي مررنا ونمرُّ به منذ عدة عقود. نحن أكرم من أن ندخِّر، هكذا تعاملنا مع المال، فنحن نُنفق وننفق بسخاء. والادخار بهذه الصورة “قد” يتعارض مع فكرة “اصرف ما في الجيب.. إلخ”. ولننظر إلى أسواقنا نهاية الشهر، وكيف تعجُّ بالمتسوقين، فقط لأن معهم بعض السيولة… إنهم يشترون كلَّ شيء تقريبًا دون حساب للعواقب والأيام العصيبة نهاية الشهر. ينطبق ذلك على الجميع دون استثناء: محدودي الدخل، وأصحاب الدخول المرتفعة. هي نزعة استهلاكية، يعززها قوة الإعلان التجاري، وحديثًا نجوم السوشيال ميديا الذين يُعلنون عن كل شيء بما في ذلك ما لا حاجة له. انظر كذلك إلى بضائعنا التي نبتاع؛ فنحن لا نشتري أي بضاعة، بل لا بد أن تكون “ماركة”، وهو هوس آخر ابتُلينا به رغم توفُّر البدائل الأخرى التي تفي بالغرض. المظهرية جانب يُؤخذ في الحسبان في هذه المسألة، مما يعيدنا مرة أخرى إلى “جماعيتنا”، وأننا نضع الآخرين في الاعتبار قبل أن ننظر إلى حاجاتنا كأفراد. أمر آخر يُفترض أن ننتبه له يتمثل في التزاماتنا الاجتماعية تجاه مَن يُحيطون بنا، فهي ليست مما يمكن التقليل من أهميتها في السلوك الفردي، وأثرها في تعاملاتنا الاقتصادية ونظرتنا للمال. “جماعيتنا” الطاغية تُقصي مفهوم الفردانية ونزعة الأنا وحب الذات بصورة واضحة، ومن ثم نؤمن تمامًا أن هذه “الجماعية” هي الادخار الأكبر الذي نحافظ عليه ونعمل من أجله. صحيحٌ أننا نتحول ونمرُّ بتغيرات عميقة وننتقل من المجتمع البسيط إلى المجتمع المعقد “والمترسمل”، لكنَّ جزءًا مهمًّا من ثقافتنا لا يزال ينتقل معنا دون أن يطرأ عليه تغيرات مصاحبة. نتج عن ذلك شيءٌ يشبه “الهوَّة الثقافية” التي تحدَّث عنها أوجبرن ونيمكوف، وذلك عندما تتقدم الماديات ولا يصاحبها تغيُّر في الأفكار والممارسات. والخلاصة أن الادخار سلوك يمكن تعلُّمه وتطبيقه، لكن المتواضعات الاجتماعية هي التي تحدِّد لنا أهميته ووظيفته وأثره؛ وهي متواضعات لا تخلو من خلل يلزم إصلاحه.

وذهبت د. هند الخليفة إلى أن الجانب الاجتماعي يعدُّ من أهم العناصر المؤثرة على بناء ثقافة الادخار، إذ إن التغير الاقتصادي في المجتمع السعودي، وما صاحبه من تغيُّر اجتماعي وقيمي أدَّى إلى تعزيز السلوك الاستهلاكي، وارتباط القيمة الاجتماعية للعمل بالمردود المادي، على عكس ما كان سائدًا في الحقبة التقليدية من ارتباطها بالجُهد المبذول في العمل. وقد أسهمت هذه التغيرات في تعزيز النزعة الاستهلاكية في المجتمع السعودي، والتي تعدُّ أحد أهم معوقات التنمية المستدامة. من مؤشرات ذلك ظهور الاستهلاك التفاخري الذي يركِّز على الجوانب الكمالية قبل الأساسية، وزيادة نسب القروض الشخصية، والتركيز على الاستهلاك في السلع الغذائية، وارتياد المطاعم، وما شابه ذلك؛ كلُّ ذلك يترتب عليه استنزاف الموارد، والتلوث البيئي، وإنهاك ميزانية الفرد والأسرة. ومن اللافت للنظر تأثير هذا النموذج الاستهلاكي على كافة الطبقات الاجتماعية، وبروزه كقدوة يحاول المجتمع بكافة أطيافه التشبُّه به وتقليد ممارساته. هذه العوامل والظروف تجعل نشر ثقافة الادخار مهمة صعبة، تتطلب تدخُّلاً من مؤسسات المجتمع: التعليم، والاقتصاد، والتنمية، والترفيه.

وأشار م. إبراهيم ناظر إلى أن الاستثمار في الفكر الاقتصادي يُعرف بأنه الجزء من الدخل الذي لا يُستهلك وإنما يُعاد استخدامُه في العملية الإنتاجية، أي في الاقتصاد، وأن أحد شروط التوازن الاقتصادي هو تساوي معدلات الاستثمار المُستهدَف مع معدلات الادخار، والاعتقاد أن هناك فجوة في اقتصادنا بين معدل الادخار والمعدل المُستهدَف في الاستثمار، وأن العجز المستمر في الميزانية العامة لفترة طويلة وتزايد معدلات الاستهلاك العائلي أدَّيا إلى تدني مستويات المدخرات نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. إضافةً إلى ما ذُكِر من العوامل الأخرى في تدني معدل الادخار، فإن تحويلات أرباح المستثمرين الأجانب، وتحويلات العمالة الوافدة من الأسباب المهمة في تدني معدل الادخار، والسؤال المهم: كيف نقلل الفجوة بين معدل الادخار والمعدل المستهدَف في الاستثمار لتحقيق التوازن الاقتصادي اللازم؟

وأوضح د. سليمان الطفيل أن المعلوم اقتصاديًّا أن الادخار المخطَّط يفترض أن يساوي الاستثمار المخطَّط لتحقيق التوازن في الدخل والاقتصاد، وإلا أصبح هناك فجوة إما بالزيادة أو بالنقص؛ لأن شرط تحقيق التوازن الاقتصادي هو أن العرض الكلي (الدخل أو الناتج الكلي) يساوي الطلب الكلي (الاستهلاك + الاستثمار) أو الإنفاق الكلي. وعلى هذا الأساس، فإن الاستثمار المُخطَّط لا يتساوى مع الادخار المُخطَّط إلا عند التوازن الاقتصادي؛ لكونهما يتمان بواسطة فريقين مختلفين ولدوافع مختلفة. ويمكن سد الفجوة بين العرض الكلي والطلب الكلي لتحقيق التوازن بأن نستعين بالمخزون السلعي (الاستثمار غير المخطَّط الناشئ عن تبايُن العرض الكلي والطلب الكلي)، وتحقيق التوازن يصبح عندما يكون المخزون يساوي صفرًا، والادخار يساوي الاستثمار، والدخل الكلي يساوي الإنفاق الكلي.

في حين يرى د. راشد العبد الكريم أن الشريعة تحثُّ على إنفاق المال في طرقه المشروعة، وتنهى عن (الكنز)، خاصة إذا وُجِد في المجتمع فقراء، فكيف إذا كان مع (الكنز) فوائد ربوية؟! لكن رصد أموال تتنامى لتحقيق أشياء معينة ضرورية محددة قد لا يدخل في الكنز المنهي عنه، خاصة مع إخراج الزكاة. ويرتبط موضوع الادخار بثلاث قضايا رئيسة:

  • الأولى: ارتفاع نسبة الفقراء في مجتمعنا (برؤية نسبية). فكيف نخاطب بالادخار مَن لا يملك الكفاف؟
  • الثانية: أن نمط الحياة عندنا لا يؤصِّل عادة الادخار.
  • الثالثة: أن الإعلام يشجِّع (بقصد أو بغير قصد) على الاستهلاك غير المنضبط من خلال المواد الإعلامية المعروضة، وبناء صورة ذهنية للحياة قائمة على البذخ والكماليات، أو من خلال (الإعلانات التجارية).

وتناول أ. عبد الله الضويحي ثقافة الادخار في المجتمع من جانبين:

  • الجانب الأول: يرى بعض علماء الاقتصاد الإسلامي ومنظِّروه أن الدين الإسلامي يحثُّ على الإنفاق والاستهلاك، بل وربما الإسراف فيه كوسيلة من وسائل الإنعاش الاقتصادي، مستدلين بكثير من النصوص القرآنية التي وظَّفت الإنفاق في آياته وتكررت في أكثر من موضع، وهذا ما جعل بعض علماء الغرب – ومنهم الألماني “ماكس فيبر” – ينظرون إلى الإسلام باعتباره عائقًا للتنمية من خلال البذخ والإسراف، على حد قوله؛ وهذا ما يدعونا للتساؤل: كيف يمكن الرد على هؤلاء وتصحيح هذا المفهوم؟ وعلى النقيض، لو تأمَّلنا في بعض النصوص القرآنية لوجدنا الاعتدال والوسطية، كقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: الآية 67]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ [الإسراء: الآية 27]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾ [الإسراء: الآية 29]، بل في سورة يوسف في تأويله عليه السلام لرؤيا الملك إشارة واضحة للادخار، قال تعالى: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ﴾ [يوسف: الآية 48)؛ أي تدخرون. والاعتقاد أن هناك خيطًا رفيعًا بين الادخار والشُّح، وهو ما يجب أن يكون واضحًا للجميع. وهذا يتطلب توعية كبرى لا بد أن تتحملها جهة رسمية، تؤكِّد على هذه الفوارق، والفرق بين علاقة الإنفاق بالتنمية من جهة، والادخار والتنمية أيضًا من جهة أخرى.
  • الجانب الثاني: ويمكن توضيحه في النقاط التالية:
  • معظمنا يطرح النظريات لكنه لا يُطبِّقها على نفسه.
  • نتسوق بمجرد ظهور الراتب وبكميات استهلاكية كبيرة، ثم نبدأ بالتقليل كلما اقتربت نهاية الشهر. وهناك قول مشهور: (لا تتسوق وأنت جوعان).
  • يدفع البعض ثُلث راتبه قسطًا للسيارة أو غيرها، ويعيش في ظروف جيدة، وإذا انتهت الأقساط لا يتغير شيء في حياته مع أنه بإمكانه توفير مبلغ القسط.
  • في منازلنا لو جرَّبنا تقليل كمية الاستهلاك من الكهرباء أو الماء أو كميات الطعام التي نتناولها أو ما إلى ذلك بنسبة 25%، هل ستتأثر حياتنا؟

والخلاصة مما سبق أن الظروف تُجبرنا على التوفير والادخار، فلماذا ننتظر هذه الظروف؟ لماذا لا نُطبِّقها في حياتنا العامة؟ الأمر يحتاج فقط إلى قرار.

وعقَّب د. سليمان الطفيل بأن الحقيقة أن علماء الاقتصاد الإسلامي ومنظِّروه لم يذكروا قط أن الإسراف وسيلة من وسائل الإنعاش، بل هو مُحرَّم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وأمر الشرع بالاعتدال والوسطية في الإنفاق والاستهلاك، ودعا إلى الادخار في آيات وأحاديث كثيرة.

ومن جانبه يرى د. مساعد المحيا أنه لا شيءَ حولنا يساعد الناس على الاهتمام بالادخار، فأنشطة الترفيه تبعثُ الرسائلَ وتلحُّ على كل الناس لحضور الفعاليات المختلفة وربما تدعوهم للاقتراض، وإعلانات السوشيال ميديا تعزِّز الثقافة الاستهلاكية على نحو غير مسبوق. لدينا قناعة بأننا نحتاج لضبط السلوك الاستهلاكي وترشيده، والاستخدام الأمثل لمواردنا المالية من خلال العناية بالتخطيط في ميزانية الأسر؛ لكن – للأسف – على المستوى العملي يقل لدينا مَن يفكِّر في ذلك، بل هناك مَن يُنَظِّر لعدم الادخار ويعتقد أن الظروف اليوم لا تساعد على إمكانية استثمار المال المُدخر؛ لذا يرى البعض أن الممارسة الاستهلاكية المقنّنة ربما تكون هي الأنسب لذوي الدخل الأقل، وحتى المتوسط. ويظل الادخار سلوكًا رشيدًا يراه الباذخون تقتيرًا، ويرونه عادات من البخل، المهم هو القناعة بهذا السلوك.

أما أ. د. عثمان العثمان فحدَّد رؤيته لمعوقات ثقافة الادخار من منطلق أنه وقبل الحديث عن الادخار، لا بد من الوعي به والاقتناع بضرورته. كحالنا في كل شيء، لا نتنبه لأهمية أمر ما حتى نحتاجه. كذلك فإنه عندما ينشأ الناشئ على عادة الصرف والتبذير، يصعب التعوُّد على ضد ذلك. ومما له علاقة بالنزعة الاستهلاكية، الخواء الثقافي الذي يُزعزع الثقة بالنفس؛ ولذا تصبح المفاخرة بالماديات ملجأً لـ “تثمين الذات” بالماديات.

  • وسائل تعزيز ثقافة الادخار لدى أفراد المجتمع:

أشار د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أن وجود ميزانية مالية للفرد أو الأسرة تعدُّ أحد الأسس الرئيسة لبناء قاعدة رصينة للتوفير، كما أن أولى خطوات الادخار هي القيام بدراسة الميزانية، وتحديد الدخل الكلي، بالإضافة للتكاليف والنفقات الكليّة، ثم محاولة تخفيض قيمة هذه النفقات؛ من هنا لا بد من اتباع سياسة تُسمَّى سياسة التغيير في العادات اليوميَّة في الإنفاق عامة، وخاصة الإنفاق على الكماليات. وهناك خطوات يمكن من خلالها تطبيق سياسة توفيرية تحدُّ من الإنفاق غير المبرر، ومن ذلك:

  • الادخار البنكي، وهذا يتمثل في فتح حساب جارٍ آخر بخلاف الحساب الرئيس الذي يُودَع فيه الدخل الشهري، باعتباره حسابَ توفير، يتم من خلاله استقطاع ما لا يقل عن ١٠ % إلى ١٥ % من الدخل الشهري خصوصًا للموظف، ويكون هذا الاستقطاع أمرًا مستديمًا شهريًّا.
  • الادخار الذهبي، ويتمثل في شراء ذهب بأي مبلغ كان، سواء أونصة أو سبيكة، وقد يكون بصفة شهرية أو ربع سنوية.
  • الادخار الإجباري، والمتمثل في الاشتراك في جمعية، من خلال المشاركة مع الأهل أو الأصدقاء أو الزملاء، بدفع قسط شهري لمبلغ يُتفق عليه.
  • الادخار بالعملات، وهذا يتمثل في شراء عملة أو عملات من غير العملة المحلية، فمثلاً في السعودية، يتم شراء الدولار الأمريكي أو اليورو، مما يجعل الشخص لا يلجأ للبنك لتغيير العملة بعملة محلية دائماً؛ الأمر الذي يجد معه قناة للتوفير.
  • طريقة أخيرة وهي تأخذ أسلوب الاقتناع، وهو الشعور أو إقناع النفس بأنك قمت بشراء ما كنت تودُّ شراءَه، وهو غالبًا ما يعدُّ من الكماليات، هنا يمكن مرحليًّا اتباع سياسة توفير غير مباشرة.

وتساءل د. سليمان الطفيل: ما الجهة المسؤولة عن تعزيز وتمكين ثقافة الادخار؟ وفي اعتقاد أ. بسمة التويجري، فإن تعزيز وتمكين ثقافة الادخار هي مسؤولية الجميع، الأفراد والدولة على حد سواء، ولن يتحقق الهدف منها إلا بالتعاون فيما بينهما؛ فالأسر عليها تبني فكرة الادخار والعمل على تدريب أفرادها على تطبيق هذه الفكرة، أما الدولة فمن واجبها تنويع الأوعية والأدوات الادخارية التي تدرُّ عوائد معقولة تشجِّع الأفراد على استثمار مدخراتهم.

بينما أوضح أ. فهد القاسم أنه يوجد في ماليزيا مؤسسة معنية بالادخار لصالح المواطنين بهدف مساعدتهم على شعيرة الحج فقط، ويبدأ المواطن الادخار فيها منذ ولادته عن طريق والديه، واليوم هي أكبر صندوق استثماري في ماليزيا، ومن الأكبر على مستوى آسيا (تستثمر أموال المودِعين من المواطنين).

ويرى د. عبد الله بن صالح الحمود أن وزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي هما مَن يُعوَّل عليهما تمكين الأفراد من اكتساب ثقافة ادخارية ناجحة وناجعة.

أما د. مسفر الموسى فتساءل: هل خُططنا العامة تشجِّع على ثقافة الادخار أو الاستهلاك؟ ففي مقابل المشاريع الادخارية، نجد برامج التمويل للمشاريع الصغيرة، التي تركزت على المقاهي والمطاعم، والتي ضاعفت السلوك الاستهلاكي.

وذكرت د. فايزة الحربي أن من المهم لنجاح ثقافة الادخار وتطبيقها بشكل جيد معرفة محبطات الادخار والتغلب عليها أولًا. أيضًا من المهم تحديد هدف بعيد المدى للادخار له، وهذا من أقوى المحفزات على الادخار.

وأضافت أ. فائزة العجروش يمكن الاستفادة والاسترشاد بالتجربة السنغافورية في الادخار من أجل تملُّك السكن، ويجب أن يكون أحد أهم الأهداف، إنْ لم يكن الأهم، حيث يوجد لديها نموذجٌ جيدٌ في مجال الادخار الإجباري، وهو برنامج إجباري يُعرف بـCPF، وقد بدأ عام 1955، من خلال جَعْل الموظفين يشاركون بنسبة من رواتبهم الشهرية في ادخار مستقبلي؛ وفي المقابل تمنحهم الحكومة حوافز، منها: توفير العقار للمواطن مقابل قيامه بالادخار بمعدل إجباري وإلا سيفقد المواطن مثل هذه الميزة التي تمنحها الحكومة. واليوم، وبفضل البرنامج الادخاري الوطني تمكَّن أكثر من 80 % من السنغافوريين من امتلاك منازل خاصة.

ويرى د. خالد الرديعان أنه يُفترض طرح مقترحات تساعد الأسرة على الادخار جنبًا إلى جنب مع الجهود الحكومية في هذا الجانب. ويمكن في هذا الإطار قيام جمعيات تعاونية نشطة وفاعلة؛ بحيث تكون بديلًا آخر للأسواق القائمة. فمن خصائص التعاونيات أن أسعار بضائعها في متناول اليد، إضافةً إلى أنها وسيلة للادخار (شراء أسهم فيها من قِبل سكان المجتمع المحلي). ولا بأس أن تكون بضاعة التعاونيات مختلطة (صنف أول ممتاز، وصنف ثانٍ أقل جودة)، بحيث تكون جاذبةً لجميع شرائح المجتمع، حتى لا تُوصم التعاونية بأنها للفقراء ومحدودي الدخل؛ ومن ثَمَّ ينصرف عنها البعض.

وفي تصوُّر م. خالد العثمان، فإن تكريس ثقافة الادخار يتطلب بالضرورة معالجة النمط الاستهلاكي المرير الذي يغلب على مجمل المجتمع. وأول خطوات الادخار هو تقليل الاستهلاك الجائر في كل شيء؛ فلا يمكن الحديث عن ادخار في مجتمع استهلاكي، يرى أن كلَ ما يحصل عليه هو حقٌّ مكتسب طالما كان بالمجان، لو خُضنا في التفاصيل سنجد الكثير من الهدر في الأسر من شرائح الدخل المحدود نتيجة طغيان هذا النمط الاستهلاكي الجائر. كما أن هناك ضرورة لرفع مستوى الوعي والتنبيه من مقاومة محفِّزات النمط الاستهلاكي الجائر، خصوصًا في القطاع البنكي. النموذج الأكثر فداحةً هو بطاقات الائتمان ومغريات الشراء والسداد بالتقسيط الذي كثيرًا ما يؤدي بالأسر إلى الغرق في ديون لا تنتهي على النمط الأمريكي المعروف، وما يزيد هذا النمط فداحةً هو نماذج التمويل “الإسلامية” مثل التورق وغيرها، والتي في الحقيقة هي أكثر تكلفة على المستفيد من النماذج التقليدية “الربوية”، فتكلفة أرباح بطاقات الائتمان بنظام التورق تبلغ أكثر من 40% وفق نمط السداد، ولا أحد يشرح لمستخدميها طبيعة المخاطر المحدقة بهم قبل أن يقعوا في هذا الفخ السحيق.

ويرى د. محمد المشيقح أن أحد التحديات التي تواجه موضوع الادخار اليوم هو عدم وجود الأدوات الادخارية لا سيما التقنية منها، والتي تساعد الناس ليدخروا فيها سواء في مجال الادخار أو الاستثمار أو غيرها، وكمثال: فهناك شركات عالمية مليارية مثل شركة Wealthfront  التي تقدِّم خدمات بسيطة جدًّا تسمح للناس وبكل بساطة أن يقوموا بوَضْع بعض الخيارات التي لا تتجاوز أربع ضغطات يستطيعون من خلالها تحويل مبلغ مستقطع من حساباتهم، ويتم وضعه في محفظة استثمارية بشكل سريع وآمن وسلس مع القدرة على متابعة محفظتهم بكل سهولة.

أما أ. محمد الدندني فيعتقد أن الادخار شديد الارتباط بالعادات والتقاليد، والواقع أننا بحاجة إلى مراجعة سلوكنا العام، وألا يندفع المجتمع إلى أن يكون مجتمعًا ماديًّا مستهلِكًا فقط. هنا لا نقصد الطبقة الغنية، بل نقصد الطبقات المتوسطة العليا والمتوسطة والفقيرة. وعلينا النظر في توزيع الثروة وخلق الفرص في المناطق الأقل حظًّا. وتحتاج رؤية المملكة إلى طرق تعريفات ومفاهيم ربما تكون غير مقبولة، وما دُمنا في مرحلة التغيير والتحوُّل فلا بد من نَشْر الوعي وحتى محاربة العادات التي على النقيض من الادخار والتوفير، والموازنة مع فكر السوق الحر كي يكون الادخار مساهمًا في عجلة السوق.

وترى د. مها العيدان أن من أهم العوامل التي تشجِّع على الادخار تنظيم وضع البنوك بإجراء دراسات شرعية حول الفائدة من العائد الاقتصادي، فهناك خوف من الربا؛ مما لا يساعد الأفراد على الاستثمار أو يُشجِّعهم على الادخار أو الاستفادة من الأرباح مع حفظ رأس المال كنوع من الادخار.

وتساءلت د. وفاء طيبة: كم هي نسبة الأسر التي تربَّى أولادها على فكرة الادخار، خاصة إنْ كان الوضع كما قال د عبد الله المطيري؟ وكم هي نسبة الأسر التي تضع ميزانية شهرية، وتعرف كيف تعدلها مع كل هذه المدخلات الجديدة التي أثرت سلبًا على جيب المواطن؟ وكم هي نسبة الأسر التي تعرف وتستطيع أن تستثمر ما ادخرت؟ هل لدينا برامج تعليمية تدريبية توجِّه الراغبين في الاستثمار من مدخراتهم إلى أفضل مشروع يقومون به مثلاً؟ وإنْ كانت موجودة، فهل يعرفها الراغبون؟ وهل هي بدون مقابل مادي أو بمقابل؟  كثير من الناس لا يعرفون أين يضعون المال، ولا كيف يتصرفون في حال فشل المشروع، ومتى يتوقفون عن استنزاف مدخراتهم فيه! ومادام الادخار واردًا في الرؤية للأسرة السعودية، فحتمًا يجب أن يدخل في المناهج المدرسية بطريقة عملية (في القراءة، في الرياضيات، في الثقافة العامة)؛ بحيث يشعر الطفل أن الادخار قيمة من القيم المهمة في حياته حتى وإنْ لم يستطع هو أو الأسرة في مرحلة من حياته أو حتى كلها أن يدخر؛ لأنها إنْ ترسَّخت كقيمة نقلَها للأجيال من بعده.

وفي اعتقاد أ. فائزة العجروش، فإن أهم ما يجب أن نبدأ به لتعزيز الادخار كثقافة، هو فهم احتياجات الفرد السعودي لمساعدته في بناء موازنة خاصة به يراقبها دخله، ويسترشد بها للتحكم في مصروفاته. ويمكن في هذا السياق ترسيخ العمل بقاعدة 20-30-50؛ وتهدف هذه القاعدة إلى تقسيم صافي دخل الفرد إلى عدة مجموعات يبلغ عددها الكلي ثلاث مجموعات، أولاها: مجموعة الاحتياجات ويرصد لها 50% من الدخل، يتم تخصيصها لكلٍّ من: (السكن والغذاء والصحة والخدمات والنقل)؛ تليها مجموعة الرغبات ويُخصَّص لها 30% من الدخل، ويتم تخصيصها لكلٍّ من: (الهواتف والأجهزة الإلكترونية الأخرى وما يشابهها)، أما آخر المجموعات فتتمثل في مجموعة الأهداف المالية ويُخصَّص لها 20% من الدخل، وتشتمل على مخصص الطوارئ والادخار. وتترك هذه القاعدة تحديد الحاجات والرغبات والأهداف المالية محل تقدير المدخر، وهو الأمر الذي يختلف تبعًا لاختلاف ثقافة الفرد ودخله وعمره وحالته الاجتماعية، وغير ذلك من المعايير المعتادة. ولو أخذنا مثالاً حيًّا في المجتمع السعودي: نجد أن الزيادة التي تمثَّلت في بدل غلاء المعيشة، ماذا لو تمَّ ادخارها وكأنها لم تأتِ! ولكن للأسف، معظم مَن حصل عليها توسَّع في إنفاقه الاستهلاكي، ولم يفكر في ادخارها، واستمر كذلك في الاستدانة! والادخار يتطلب كأي سلوك مجتمعي آخر زيادة توعية أفراد المجتمع عامة، والأسر بصفة خاصة تجاه أهميته. وقد يصبح الادخار ثقافةً ممكنة بحيث يمكن تحقيقه من خلال العمل بعدة اعتبارات:

  • بناء مهارة وثقافة الادخار لدى الأفراد منذ الصغر، وفي وقت مبكر من حياتهم؛ إذ إن إدراك أهمية ذلك متأخرًا قد يصعب معهم الوصول إلى نقطة الاستقرار والوفرة المالية، بل يسعى الفرد لتحقيق احتياجاته الأساسية والتي تتطلب توافر مبالغ كبيرة، مثل: الزواج، والسكن، وتوفير مصاريف الدراسات العليا.
  • بناء ثقافة التكامل بين الادخار والاستثمار في المجتمع، والكشف عن الفرص المتنوعة والمتاحة للاستثمار الآمن أو متوسط المخاطرة الذي يمكن أن يتكامل مع الادخار في الوصول إلى حالة الوفرة المالية بمنتهى الشفافية.
  • الاستفادة من تجارب الدول الناجحة في هذا الموضوع.
  • أهمية تضمين المناهج الدراسية موادَّ تختص بالوعي المالي، وإبراز ضرورة التخطيط المالي الذي أشارت له رؤية المملكة 2030 حيث تضمنت رفع نسبة الادخار لدى الأسر السعودية من 6% إلى 10%.
  • التكامل في العمل والتنسيق بين المؤسسات التي لها علاقة بالادخار والاستثمار من جهة، والمؤسسات التعليمية والإعلامية من جهة أخرى، في عمل متسق منظم، تتكامل فيه منظمات القطاع الحكومي والخاص وغير الربحي.
  • من المهم التوعية بعدم الانسياق لعروض الترفيه والأسواق والدعاية التسويقية التي تسبِّب الإغراءات لشراء المتطلبات الضرورية وغير الضرورية، وتجعل المستهلك يشتري أكثر من حاجته، وبالتالي التوسع أو التبذير والإسراف في شراء السلع الكمالية.

وترى د. الجازي الشبيكي أن رفع نسبة الادخار كما تطمح إليه رؤية 2030 يتطلب توحيد السياسات والتنسيق بين خُطط المؤسسات ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة، مثل: المؤسسات التعليمية والإعلامية، والمؤسسات ذات العلاقة بشؤون الأسرة، ومنظمات المجتمع المدني، وغيرها. فبدون توحيد السياسات والتنسيق التخطيطي التكاملي بين المؤسسات المختلفة لن يكون هناك ضمان لنجاح المبادرات الخاصة برفع الوعي بأهمية الادخار، وبالتالي رفع النسبة المستهدفة له. كما أن منظمات المجتمع المدني عليها بالذات إلى جانب الأسرة والمدرسة مسؤولية تكثيف تنظيم البرامج الإرشادية والتوعوية في مجال الادخار، والتوعية فيما يخص ثقافة الاستهلاك من خلال آليات وأساليب جاذبة لمختلف الفئات العمرية، وبما يناسب ميولهم واهتماماتهم في هذا العصر؛ أي أن أساليب التوعية والنُّصح والإرشاد التقليدية لم تعُد ذات فاعلية للنشء في هذا الزمن، وعلينا الاعتراف بذلك، والتركيز على تطوير أساليبنا التثقيفية والتوعوية لنضمن الوصول لتحقيق الأهداف المرجوة.

وأضاف د. سليمان الطفيل أن التعليم مرحلة مهمة في تأسيس الثقافة والسلوك الادخاري السليم، لكن ما بعد التعليم، كيف نُعدِّل السلوك؟ وفي هذا السياق، أكدت د. عائشة الأحمدي أن التعليم هو البوصلة الموجِّهة للقيم في المجتمعات، ومنها ثقافة الادخار، لكن مع التأكيد على دور الإعلام المساند، إضافةً إلى تجفيف المنابع المعزِّزة لثقافة الاستهلاك، على سبيل المثال: القروض، وضعف قوانين متابعة استخلاص الديون للقروض التي مصدرها الأفراد الميسورين، وجميعها عوامل تتداخل في تغذية ثقافة الاستهلاك.

وذهب أ. جمال ملائكة إلى أننا وحتى نستطيع تشجيع عادة الادخار عمليًّا؛ يتعين تبني المقترحات التالية:

  • إعداد حملة توعية تتزعمها جهة حكومية، ولتكن وزارة الإعلام؛ لتوضح للمواطن أن العالم لديه برامج “تأمينية” تكافلية بالطبع للاستثمار عن طريق شركات مؤهلة مما يعود بعائد للمستثمر، بجانب حماية المستثمر من مخاطر الموت أو الإصابات المقعدة… إلخ.
  • إيجاد وسيلة لجعل الشباب يعملون بنظام الساعة وكذلك في الصيف، مما يُنمِّي عندهم احترام المال وتقديره، وبالتالي الادخار.
  • إدراج برامج منذ المرحلة الابتدائية لغرس عادات احترام القوانين والنظام وآداب الحوار والعمل والادخار… إلخ؛ حيث غرس هذه الأفكار منذ الصغر سيكون لها أبلغ الأثر في نفسية وعقلية المواطن.

أما م. إبراهيم ناظر فيرى أن موضوع الادخار والاستثمار يرتبطان ارتباطًا عضويًّا بالنمو الاقتصادي السريع والمستدام، ويمكن حصر السياسات التي تهدف إلى تقليل فجوة المدخرات لدى القطاع الخاص فيما يلي:

  • تخفيض الضرائب على الإيرادات التي يحققها القطاع الخاص وعلى الدخول، حتى يؤدي إلى زيادة الحوافز على الادخار والاستثمار، ليتم انتقال الموارد من عمل ورأس مال إلى القطاعات الأكثر إنتاجيةً.
  • تقديم الإعفاءات الضريبية المفروضة على الأرباح والدخول في مجال أعمال المشروعات الإنتاجية الجديدة حتى تحفِّز المستثمرين على الاستثمار، وبخاصة في قطاع الصادرات.
  • مَنْح إعفاءات جمركية على الواردات الاستثمارية والوساطة للمشروعات الجديدة حتى يمكن خفض تكاليف الإنتاج، وتحقيق معدلات مرتفعة من الأرباح والدخول.
  • زيادة سعر الفائدة على الودائع الادخارية لتشجيع القطاع العائلي على الادخار، وإعفاء هذه الفوائد من الضرائب.

وهذه السياسات أعلاه وإنْ كانت قد تؤدي إلى خفض موارد الدولة الضريبية، إلا أن هذا سيكون مؤقتًا فقط، حيث سرعان ما ينتج عنها لاحقًا قفزة في النمو استجابة لهذه الحوافز؛ فترتفع بذلك الدخول، وتخلق فرصًا للعمالة في السوق المحلي؛ ما يؤدي إلى مزيد من النمو، وبالتالي تحقيق عائدات ضريبية أكبر.

وفي تصوُّر د. عبير برهمين، فإن الادخار ثقافة، ولتغييرها لا بد من إيجاد حلول عملية وبدائل أساسية لتساعد الشرائح من ذوي الدخل ما دون ٨ آلاف ريال، ومن هذه الحلول ما يلي:

  • استكمال مشاريع النقل العام بكل مدن المملكة وعمل محطات ثابتة مريحة ومواعيد سير منتظمة للحافلات أو القطارات وجعلها بتعرفة رمزية، لتكون بديلاً مناسبًا لشريحة كبيرة من الناس تُشجِّع على استخدامها كبديل عن السيارات الخاصة.
  • استكمال مشاريع الإسكان العام وتملُّك العقارات حتى يتمكن المواطن المحدود الدخل من تأمين احتياجه وأسرته لسقف دائم يؤمِّن لهم حياة كريمة، بعيدًا عن جشع أصحاب العقارات وتلاعبهم بأسعار الإيجارات.
  • تشجيع الناس على اكتساب عادات جيدة في التسوق.
  • تبنى ثقافة مقارنة أسعار السلع وعدم تبني العلامات التجارية، والقيام بمقاطعة المنتجات وخاصة عند جشع أصحاب المتاجر ورفع الأسعار بدون مبرر.
  • تبني عادات غذائية صحية بالطبخ في المنازل، وتقليص عدد الوجبات الغذائية المتناولة في المطاعم والمقاهي وغيرها.
  • تشجيع ثقافة تسوق الأساسيات ذات الجودة والبعد عن المنتجات الرخيصة؛ لأنها تُشجِّع على إدمان النمط الاستهلاكي.
  • عدم التسوق بدون لائحة تسوق.
  • غرس أهمية العمل لدى الأبناء ومعرفة قيمة المال لديهم، وتشجيعهم على العمل بمقابل سواء في فترة الصيف أو طول السنة بنظام عدد ساعات محدَّد خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وقد وردت في المناقشة مجموعة من الأفكار المهمة:

  1. إيجاد الوسائل الكفيلة برفع مستوى الوعي الادخاري لدى أفراد المجتمع، مثل: استخدام وسائل الإعلام والدعوة للمشاركة في احتفالية اليوم العالمي للادخار الذي تقرَّر أن يكون 31 أكتوبر من كل عام، لنشر لوعي المجتمعي بأهمية الادخار وأثره الإيجابي على الاقتصاد والمجتمع.
  2. العمل على معالجة أوجه التعارض الذي قد يعتري برامج تحقيق رؤية المملكة 2030م فيما بين الدعوة للادخار وتنظيم الاستهلاك أو خلاف ذلك.
  3. تشجيع الأسرة على اتباع سياسة التغيير في العادات اليومية والإنفاق عامة وبخاصة الإنفاق على الكماليات، ووضع خطط وبرامج هادفة لمعالجة الأسباب المؤدية إلى ضعف الادخار على مستوى الأسرة والأفراد وبخاصة معدلات التضخم وارتفاع الأسعار والتقليد الأعمى والأذواق.
  4. الاستفادة من تجارب الآخرين الملهمة (دولًا أو شركات) في مجال التنظيم المؤسسي للادخار، مع الأخذ في الاعتبار طبيعة المجتمع السعودي العربي المسلم؛ لأن استنساخ التجارب لن يُحدِث الأثر المرجو، بل قد يؤدي إلى النقيض.
  5. تطوير أداء المؤسسات الادخارية العامة مثل التأمينات الاجتماعية ومصلحة المعاشات والتقاعد؛ وذلك من خلال تحسين أدائها الاستثماري لمواردها المالية، بالإضافة إلى تنويع مصادر الدخول المالية كي تشمل الادخارات الاختيارية.
  6. أن تعمل المؤسسات والجمعيات الخيرية على إطلاق صناديق دعم المشروعات متناهية الصغر حتى يمكن تشجيع الأسر محدودة الدخل على توظيف أموالهم اليسيرة في مشروعات بسيطة مُنتِجة ونامية.
  7. ضرورة العمل على إطلاق أنظمة ولوائح متخصصة في معالجة ما نستهلكه قبل إتلافه من أطعمة وملابس وأجهزة وأثاث…إلخ، وإعادة تدويرها أو استثمارها والاستفادة من عوائدها في نَشْر ودعم برامج التوفير والادخار.
  8. التأكيد على أهمية دور المرأة في تعزيز مفهوم الادخار لدى أفراد الأسرة، إذ هي القدوة الأساس داخل المنزل، وعليها يُعوَّل في الكثير من سلوكيات الأبناء؛ لهذا وجب تطوير مهارات المرأة الادخارية وقدراتها على التخطيط المالي، وتقليص النفقات على شؤون المنزل الكمالية.
  9. مراجعة برامج التمويل والإقراض الشخصية التي تتنافس عليها البنوك لمصلحتها دون النظر إلى مصلحة المواطن والمجتمع من جراء التوسُّع فيها، وربطها بأهداف استثمارية تمثل متطلبات ضرورية وليست كمالية. وإجراء دراسات دينية حول الفائدة من العائد الاقتصادي ومعالجة الإشكالات الربوية.
  10. تفعيل دور المسجد والجامع وتجديد الخطاب الديني التوعوي فيما يخص الادخار، والتذكير بمساوئ الإسراف والتبذير عن طريق دعوة المختصين لشرح قنوات الادخار وفوائده.
  11. تشجيع وتيسير إنشاء الجمعيات التعاونية الادخارية للإسهام في نشر ثقافة الادخار، وتأسيس المشروعات أو الصناديق الادخارية المتنوعة، وبيع السلع بأسعار تنافسية تساعد على الادخار.
  12. دعم مراكز التدريب لإطلاق برامج تدريبية متنوعة تستهدف تعزيز ثقافة وتمكين الادخار لدى أفراد المجتمع.
  13. دعوة القطاع الخاص للمشاركة من خلال برامج المسؤولية المجتمعية في تعزيز مفهوم الادخار لدى المجتمع، وداخل قطاعاته وأنشطته العاملة.

 

  • التوصيات:
  1. دعوة وزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي إلى تطوير السياستين المالية والنقدية، بحيث يضمنان تحقيق التوازن في الاقتصاد الكلي (العرض الكلي، الطلب الكلي)؛ لسدِّ الفجوة التي قد تظهر بين معدل الادخار ومعدل الاستثمار المخطَّطَينِ؛ بسبب ضعف أدوات السياستين المالية والنقدية أو عدم التنسيق الجيد فيما بينهما.
  2. تشجيع الجهات الحكومية والشركات المساهمة بأنواعها على تأسيس صناديق أو محافظ ادخارية تُستقطع من رواتبهم بنسبة بسيطة جدًّا، ويساهم فيها موظفوها بدعم من الشركة كحوافز أو مكافآت كما هو الحال في الشركات الرائدة (أرامكو، سابك، الاتصالات).
  3. دعوة البنوك لإطلاق مبادرات وابتكارات لمنتجات ادخارية يمكنها استيعاب جميع احتياجات المواطنين من هذه المنتجات، بما يلائم مستويات دخولهم، ويحقق تطلعاتهم.
  4. تضمين مناهج التعليم مفاهيمَ وأشكال الادخار وآلياته كقيمة مهمة في حياة الإنسان، وذلك بدمجها في المناهج بطريقة مناسبة، ومن خلال القصص الجاذبة والأمثلة الميسرة والمسابقات والألعاب الابتكارية والإبداعية.
  5. بناء ثقافة الادخار من خلال مشاركة الإعلام وغيره من المؤسسات ومؤسسات المجتمع المدني؛ لتوعية محدودي الدخل وغيرهم بأهمية اتباع الطرق الفُضلى للاستهلاك، حتى يمكن تقليص حجم الاستهلاك إلى الاعتدال بين الأسرة والأفراد. ويمكن أن تقوم الاتصالات بإرسال رسائل توعوية لتبني ثقافة الادخار.
  6. دعم المبادرات الادخارية الوطنية التي تمَّ إطلاقها، مثل: مبادرة “زود” من بنك التنمية الاجتماعية، ومبادرة “حصَّالة” من مؤسسة الملك خالد الخيرية، ومبادرة “خليك حصيف” من شركة عبد اللطيف جميل، ومبادرة الوعي المالي من جمعية النهضة النسائية، وغيرها من المبادرات لتعزيز ونشر ثقافة الادخار في المجتمع.
  7. تشجيع مراكز البحث العلمي والجامعات على تطوير ومعالجة مفاهيم ادخارية جديدة تتواكب مع التطورات والتغيرات الحديثة في أساليب وأشكال الاستهلاك، وتقديم رؤى وحلول ادخارية مستوحاة من الدراسات الميدانية والتطبيقية، وبشكل مستمر.

 

القضية الرابعة

أهمية المعلومات الجيومكانية في التنمية المستدامة والعائد الاقتصادي لها

(22/12/2019م)

  • الورقة الرئيسة: م. علي بخيت (ضيف الملتقى)
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: م. وليد ملا (ضيف الملتقى)
  • التعقيب الثاني: م. إبراهيم ناظر
  • إدارة الحوار: د. عبد الله المطيري

 

  • الملخص التنفيذي:

أشار م. علي بخيت في الورقة الرئيسة إلى أن المعلومات الجيومكانية تُعرف بأنها مجموعة من البيانات الرقمية الممثِّلة للمواقع على الأرض باستخدام برامج متخصصة وتخزينها في قواعد البيانات، ومنها تتم معالجتها وإدارتها وتحليلها للوصول إلى عدد من النتائج المهمة التي تساهم في دعم اتخاذ القرار وتوفير سبل أفضل للحياة. كما تضمُّ المعلومات الجيومكانية العديدَ من طبقات البيانات، من أبرزها: الطبقات الطبوغرافية التي تصف الارتفاعات  وأعماق البحار، وطبقات الجيولوجيا التي تشمل المعلومات البيئية والمخاطر الجيولوجية ونحوها، وطبقات الخدمات كالكهرباء والمياه والاتصالات، وطبقة الطرق المشتملة على المسارات المتعددة للنقل، وطبقة قطع الأراضي التي تُعنَى بتقسيمات الأراضي وتسجيلها وإصدار وثائق التملُّك، وطبقة العناوين التي تضمُّ عادةً مجموعة من العناصر، مثل: اسم المدينة والمنطقة والحي والشارع وأرقام المباني والرموز البريدية، بحيث تؤدي هذه العناصر إلى الاستدلال وتسهيل الوصول للمواقع؛ هذا إضافةً لطبقة المصورات الفضائية والجوية والتصوير البانورامي، وغير ذلك العديد من الطبقات الرئيسة والفرعية التي ترسم بمجملها واقع الأرض من باطنها إلى سمائها بأفضل دقة ممكنة. وحيث تسعى رؤية 2030 إلى أن تكون المملكة نموذجًا ناجحًا ورائدًا في العالم على كافة الأصعدة؛ فإن لمنظومة المعلومات الجيومكانية دورًا تمكينيًّا مهمًّا ومحوريًّا في تحقيق العديد من الأهداف الطموحة لمحاور هذه الرؤية.

في حين ذكر م. وليد ملا في التعقيب الأول أن غالبية الجهات الحكومية إنْ لم يكن جميعها استدركت أهمية نُظُم المعلومات الجيومكانية في تيسير أعمالها، حيث بدأت في العقدين الأخيرين ببناء نظُم معلومات جغرافية ضمن أنظمتها، غير أن افتقار الكفاءات وضعف التنسيق مع الجهات الأخرى أدى إلى نتائج سلبية في معظم الأحيان؛ حيث ظهرت الازدواجية في بناء الخرائط الرقمية، إضافةً إلى تباين المواصفات والمعايير، وقد نتج عنهما عدم تطابق البيانات المنتَجة من الجهات، وبالتالي هدر مالي وبطء التنفيذ. ومن هذه المسببات، بادرت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالدعوة إلى إنشاء البنية التحتية الوطنية للمعلومات الجيومكانية، وصدر الأمر السامي بتكوين اللجنة الوطنية المؤقتة لنظُم المعلومات الجغرافية، ومرورًا بتكوين اللجنة الدائمة، وانتهاءً باليوم الذي نرى أنَّ كلَّ هذه الجهود تكللت بالسعي لإطلاق المنصة الجيومكانية من خلال لجنة تيسير والهيئة العامة للمساحة.

أما م. إبراهيم ناظر فتطرق في التعقيب الثاني إلى أنه قد صدر قرار مجلس الوزراء رقم 388 وتاريخ 2/12/1431هـ بتحويل اللجنة المؤقتة لتوحيد المواصفات والأسس العامة لمتطلبات إنشاء القاعدة الوطنية لنظم المعلومات الجغرافية إلى لجنة دائمة تُسمَّى (اللجنة الوطنية لنظُم المعلومات الجغرافية) يكون مقرُّها الهيئة العامة  للمساحة، ومن أهم مسؤولياتها: إنشاء البنية التحتية للبيانات الجيومكانية (NSDI) وَفْق أحدث المعايير والمواصفات الوطنية والدولية، والتنسيق بين الجهات المنتِجة للبيانات الجيومكانية وتوفيرها للمستفيدين من القطاعين العام والخاص، واعتمادها من قِبل الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس والجودة السعودية، وحث الجهات المعنية بتطبيق نظم المعلومات الجغرافية. وتعمل الهيئة العامة للمساحة على إعداد قاعدة بيانات جيومكانية على المستوى الوطني باستخدام البيانات الجيومكانية الحالية المتوفرة لديها، والتي تم جمعها من مختلف الجهات الحكومية ونشرها عبر البوابة الجيومكانية الحالية للهيئة.

وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

  • تقنية المعلومات الجغرافية GIS.
  • أهمية المعلومات الجيومكانية واستخداماتها.
  • نماذج لمشروعات البنية التحتية الجيومكانية في المملكة.
  • تحديات الإفادة من نظم المعلومات الجيومكانية.
  • مواطن الضعف والقوة المتعلقة بالمعلومات الجيومكانية الحالية.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول قضية: أهمية المعلومات الجيومكانية في التنمية المستدامة والعائد الاقتصادي لها، ما يلي:

  • المبادرة بتنفيذ التوجيه الكريم بإنشاء المركز الجيومكاني الوطني لممارسة مهامه، وتوفير ما يحتاجه لتحقيق أهدافه ومبادرته.
  • إعداد وتدريب واستقطاب الكوادر السعودية المتخصصة هندسيًّا وفنيًّا وإداريًّا في نظُم المعلومات الجغرافية والتخصصات ذات العلاقة، وذلك بالتنسيق مع الجامعات والمراكز والجهات المتخصصة ذات العلاقة داخليًّا وخارجيًّا.

 

  • الورقة الرئيسة: م. علي بخيت (ضيف الملتقى) (*)

تُعرف المعلومات الجيومكانية بأنها مجموعة من البيانات الرقمية الممثِّلة للمواقع على الأرض باستخدام برامج متخصصة وتخزينها في قواعد البيانات، ومنها تتم معالجتها وإدارتها وتحليلها للوصول إلى عدد من النتائج المهمة التي تساهم في دعم اتخاذ القرار، وتوفير سبل أفضل للحياة.

وتضمُّ المعلومات الجيومكانية العديدَ من طبقات البيانات، من أبرزها: الطبقات الطبوغرافية التي تصف الارتفاعات وأعماق البحار، وطبقات الجيولوجيا التي تشمل المعلومات البيئية والمخاطر الجيولوجية ونحوها، وطبقات الخدمات كالكهرباء والمياه والاتصالات، وطبقة الطرق المشتملة على المسارات المتعددة للنقل، وطبقة قطع الأراضي التي تُعنَى بتقسيمات الأراضي وتسجيلها وإصدار وثائق التملُّك، وطبقة العناوين التي تضمُّ عادةً مجموعةً من العناصر، مثل: اسم المدينة والمنطقة والحي والشارع وأرقام المباني والرموز البريدية، بحيث تؤدي هذه العناصر إلى الاستدلال وتسهيل الوصول للمواقع؛ هذا إضافةً لطبقة المصورات الفضائية والجوية والتصوير البانورامي، وغير ذلك العديد من الطبقات الرئيسة والفرعية التي ترسم بمجملها واقع الأرض من باطنها إلى سمائها بأفضل دقة ممكنة.

إنَّ بناء المنظومات الوطنية الجيومكانية لم يعُد ترفًا اليوم، بل بات مطلبًا يجب توفيره للعديد من الاستخدامات الحيوية كالملاحة الجوية والبحرية، وغيرها الكثير من الاستخدامات بالغة الأهمية والتي تساهم في تعزيز الأمن والاستقرار وحفظ الأملاك لأصحابها، وتحقيق مبادئ الحقوق والواجبات لأفراد المجتمع بناءً على مواقعهم المكانية. (بصفة عامة، فإن الهوية المكانية تعزِّز الانتماءات الوطنية للأفراد)، وتساهم في تيسير تقديم الخدمات العامة واللوجستية، إضافةً لخدمات الطوارئ ومكافحة الأمراض والحد من الكوارث الطبيعية، كما تعدُّ المعلومات الجيومكانية بنيةً تحتية أساسية للتعاملات الإلكترونية الحكومية والتجارية، وبالتالي فإنها تلعب دورًا محوريًّا في مختلف أهداف التنمية المستدامة، ومنها: (الصحة، التعليم، النظافة، الطاقة، المدن والمجتمعات المحلية المستدامة،…).

وحيث تسعى رؤية 2030 إلى أن تكون المملكة نموذجًا ناجحًا ورائدًا في العالم على كافة الأصعدة، فإن لمنظومة المعلومات الجيومكانية دورًا تمكينيًّا مهمًّا ومحوريًّا في تحقيق العديد من الأهداف الطموحة لمحاور هذه الرؤية، حيث تساهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف الارتقاء بجودة الخدمات المقدَّمة في المدن السعودية، وتحسين المستوى الحضري لها من خلال تخطيط المدن والتوزيع الأمثل للخدمات فيها؛ وتساهم أيضًا في تعزيز السلامة المرورية، والرفع من مستوى الخدمات المقدَّمة لضيوف الرحمن، والارتقاء بالخدمات الصحية، وتعزيز الوقاية ضد المخاطر الصحية، والمساهمة في ضمان الاستدامة البيئية بالحدِّ من التلوث وحماية البيئة من الأخطار الطبيعية؛ وتساهم في تحسين فعالية وكفاءة منظومة الخدمات الاجتماعية، وتحقيق أهداف ترسيخ مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي عبر تحسين الربط المحلي والإقليمي لشبكات التجارة والنقل، بالإضافة إلى تحسين الأداء الحكومي خاصة في تطوير الحكومة الإلكترونية والارتقاء بجودة الخدمات المقدَّمة للمواطنين؛ وتساهم هذه المنظومة أيضًا في دعم ثقافة الابتكار وريادة الأعمال وزيادة مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد.

ولكون البيانات أصبحت اليوم لغة العصر الحالي ونفط الحاضر والمستقبل؛ فإن للمنظومة الجيومكانية عوائدَ وآثارًا اقتصادية مُذهلة للغاية، لا تقتصر على حجم الإنفاق الحكومي المباشر في إنتاج البيانات، الذي قد يصل تقديريًّا إلى قرابة الـ 2 مليار ريال سنويًّا، وما خلقه ذلك بطبيعة الحال من حجم فرص وظيفية وفرص استثمارية واعدة، ولا سيما أن لمثل هذا الإنفاق عوائد استثمارية مميزة مباشرة (كبيع تراخيص البيانات) أو غير مباشرة (كاستخدامها في تقليص النفقات من خلال منظومة دعم اتخاذ القرار الأنسب للعديد من المشاريع التنموية، مثل توزيع الخدمات وفقًا للكثافات السكنية والسكانية، وبالتالي سيؤدي هذا لرفع كفاءة الخدمات المقدَّمة عبر تسهيل الوصول لها من المستفيدين).

كما أن هناك المزيد من العوائد الاقتصادية لدى المستخدمين في بقية الأجهزة الحكومية التي تسعى لتحسين أدائها ورفع فعاليتها وتطبيقها للحكومة الإلكترونية عبر تفعيل استخدام المعلومات الجيومكانية في إجراءات أعمالها، بالإضافة للقطاع الخاص، وتحديدًا شركات النقل والتوصيل وشركات التجزئة ومنشآت تطبيقات الاقتصاد التشاركي والمتاجر الإلكترونية، هذا بالإضافة إلى أن منظومة الإبداع والابتكار تخلق مزيدًا من الفرص الاستثمارية المبتكرة والوظائف الحديثة المرتبطة بالمجالات الجيومكانية وعلوم البيانات.

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: م. وليد ملا (ضيف الملتقى) (*)

بدأ م. علي بخيت الورقة الرئيسة بتعريف المعلومات الجيومكانية ومكوناتها من الطبقات الرئيسة كطبقات الطرق وقطع الأراضي، كما بيَّن أهميتها في مختلف المجالات كتخطيط المدن وتعزيز الأمن والاستقرار وغيرها، والتي تحقق أهداف التنمية المستدامة، ثم ربط منظومة المعلومات الجيومكانية برؤية 2030 وتأثيرها على المحاور الرئيسة لها، مثل: الارتقاء بجودة الخدمات المقدَّمة في المدن السعودية وتحسين المستوى الحضري لها، وكذلك المساهمة في ضمان الاستدامة البيئية بالحد من التلوث، إضافةً إلى تأثيرها لتحسين الربط لشبكات التجارة والنقل. واختتم م. علي بإيضاح العوائد الاقتصادية من خلال توفير شامل للمعلومات لمتخذي القرار؛ مما يسهم في تقليص النفقات وإلغاء الازدواجية.

وحيث إنَّ الموضوع متشعب ومتعدد المحاور، نظرًا لارتباطه بكافة مجالات الحياة؛ إلا أن كاتب الورقة الرئيسة حاول أن يلم بجميع المجالات رغم محدودية المساحة المعطاة للورقة. وقد كنت أطمحُ أن يتطرق الكاتب إلى الوضع الراهن والمستقبلي في هذا المجال في المملكة، حيث إنَّ هناك مبادرات رائدة لتوحيد الجهود في هذا المجال.

ويمكن القول: إن غالبية الجهات الحكومية إنْ لم يكن جميعها استدركت أهمية نظم المعلومات الجيومكانية في تيسير أعمالها، حيث بدأت في العقدين الأخيرين ببناء نظم معلومات جغرافية ضمن أنظمتها، غير أن افتقار الكفاءات وضعف التنسيق مع الجهات الأخرى أدَّيا إلى نتائج سلبية في معظم الأحيان، حيث ظهرت الازدواجية في بناء الخرائط الرقمية، إضافةً إلى تباين المواصفات والمعايير، وقد نتج عنهما عدم تطابق البيانات المنتجة من الجهات، وبالتالي هدر مالي وبطء التنفيذ.

من هذه المسببات، بادرت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالدعوة إلى إنشاء البنية التحتية الوطنية للمعلومات الجيومكانية، وصدر الأمر السامي بتكوين اللجنة الوطنية المؤقتة لنظم المعلومات الجغرافية، ومرورًا بتكوين اللجنة الدائمة، وانتهاءً باليوم الذي نرى أن كلَّ هذه الجهود تكللت بالسعي لإطلاق المنصة الجيومكانية من خلال لجنة تيسير والهيئة العامة للمساحة.

وفي تقديري، فإن مؤشر نجاح المنصة هو التركيز على القاعدة الرئيسة المتمثِّلة في حوكمة المعلومات الجيومكانية؛ حيث أصبح لكل جهة دورٌ محدَّد في إنتاج وإدارة وتحديث طبقات المعلومات الجيومكانية.

وألخِّص القول بأن المعلومات الجيومكانية تعدُّ المحرك الرئيسي لكافة مجالات الحياة، ولها الأهمية البالغة في دعم اتخاذ القرار من خلال توفير المعلومات المكانية والوصفية.

  • التعقيب الثاني: م. إبراهيم ناظر

إن الأهمية العظمى لهذه التقنية أنها تساهم في تخطيط ورسم إستراتيجية بعيدة المدى، تساعد الدول في تشخيص ومعالجة المشاكل التي تتعرض لها في جميع مجالات التنمية الوطنية، وإمكانية وضع الحلول.

فهي تمكِّن من التمثُّل (المحاكاة Simulation) للاقتراحات الجديدة والمشاريع التخطيطية، ودراسة النتائج قبل التطبيق الفعلي على أرض الواقع، ومنها: إدارة الأزمات والخدمات الطبية الطارئة، والتخطيط العمراني، والنقل والمواصلات، والخدمات وحماية البيئية، والدراسات الاقتصادية والاجتماعية، وتحسين الإنتاج لاتخاذ القرارات المناسبة.

وقد وافق مجلس إدارة الهيئة العامة للمساحة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للمساحة على الرؤية المستقبلية لقطاع المساحة والمعلومات الجيومكانية، التي أوصت بضرورة وجود جهة موحَّدة (بعد أن كانت جهات حكومية متعددة) تُعنَى بالتنظيم والرقابة والإشراف على قطاع المساحة والمعلومات الجيومكانية بالمملكة، وتوجيه وترشيد مسيرة الإسراع في التحوُّل الرقمي؛ بهدف حوكمة وتطوير البنية التحتية لقطاع المساحة والمعلومات الجيومكانية، ودراسة وَضْع السوق والوضع الراهن لإنشاء منظومة اقتصادية مستدامة في قطاع المساحة والمعلومات الجيومكانية، وزيادة مساهمة القطاع الخاص، مسترشدةً  في ذلك بأفضل الممارسات الدولية.

وقد عملت الهيئة العامة للمساحة على تنفيذ التوجيه الكريم بإنشاء المركز الجيومكاني الوطني أحد المحاور الرئيسة لإستراتيجية الرؤية المستقبلية لقطاع المساحة والمعلومات الجيومكانية بوصفه الجهة المسؤولة عن مرجعية البيانات الجيومكانية وتكاملها ومشاركتها مع الجهات ذات العلاقة، وَفْق أسُس حفظ ونشر سهلة وآمنة، وإتمام الأعمال الفنية المرتبطة بجَمْع ونَشْر البيانات الجيومكانية على المنصة الجيومكانية الوطنية وإتاحتها للمستفيدين.

وتقوم الهيئة العامة للمساحة بالتواصل مع المنظمات الدولية والإقليمية التي تُعنَى بالمساحة والمعلومات الجيومكانية.

إن المملكة العربية السعودية ممثَّلة في الهيئة ترأس اللجنة العربية لخبراء الأمم المتحدة لإدارة المعلومات الجغرافية المكانية، حيث تم إعادة انتخاب المملكة العربية السعودية لرئاسة وأمانة اللجنة العربية للدورة القادمة خلال الاجتماع الذي عُقِد في مدينة جدة في فبراير الماضي 2019م.

وعلى المستوى المحلى، يُجرى التعاون بين الهيئة العامة للمساحة والهيئة العامة للإحصاء، لتحقيق التكامل بين المعلومات الجيومكانية والبيانات الإحصائية، وكذلك التعاون مع دارة الملك عبد العزيز في مجال الأسماء الجغرافية. وقد وقَّعت الهيئة العامة للمساحة عددًا من مذكرات التفاهم مع عدد من الجهات الحكومية، وبذلت جهودًا في مجال نشر الوعي الجيومكاني؛ حيث نظَّمت عددًا من الورش المتخصصة التي دعت لها عددًا من المختصين والخبراء الدوليين.

وتعمل الهيئة العامة للمساحة مع الشركاء لتقديم الاستشارات في مجال نظُم المعلومات الجغرافية، حيث شكَّلت الهيئة العامة للمساحة لجنةً بهذا الخصوص؛ لتقديم الدعم والمشورة في بناء نظُم المعلومات الجغرافية للقطاع الحكومي في ظل التطورات السريعة التي طرأت على التكنولوجيات الجيوفضائية المعاصرة، مثل: التـصوير بالـسواتل، والتـصوير الجـوي، والـنظُم العالميـة للملاحـة بواسـطة الـسواتل، (أي النظـام العـالمي لتحديد المواقع)، والحواسيب اليدوية، ونظم المعلومات الجغرافية، وقد هيَّأت فُرصًا لم يـسبق لهـا مثيل لاستخدام المعلومات الجغرافية، ويظهر أثر هذه التطورات بشكل خـاص في الإحصاءات الرسميــة في جميــع مراحــل تعــدادات الــسكان وتعــدادات المــساكن، حيــث تم تحــسين كفــاءة التعدادات في مراحل ما قبل العدِّ، والعدِّ وما بعـد العـدِّ تحـسينًا كـبيرًا بفـضل اسـتخدام أدوات المعلومات الجغرافية.

وتُستخدَم هذه الأدوات بصورة متزايدة أيضًا في سـياق إدارة الكـوارث، ورصد البيئة، وحماية الموارد الطبيعية، واستخدام الأراضي، وخـدمات المرافـق، وتقييم ومراقبة ثروات المناجم والتعدين، ومـا إلى ذلـك من تطبيقات في مجالات التنمية الوطنية وإمكانية وضع الحلول؛ إذ تهيِّئ تيسير جَمْع البيانات على جنـاح الـسرعة، وتُعـزِّز تحليـل البيانـات، وتيـسير وسائل مـرنة ومتكاملة لتبادل المعلومات ونشرها استنادًا إلى إطار مكاني.

وقـد أصبح مـن الواضـح بـصورة متزايـدة أن تطبيـق هـذه التكنولوجيـات ومـا ينـتج عنـها من تحدٍ يتـسم بأهمية إستراتيجية متمـثِّلاً في إدارة المعلومـات الجغرافيـة، وهـذا مـن شـأنه أن يـثير تحديين: الأول، كيـف يمكـن إدارة المعلومـات الجغرافيـة بطريقـة أفـضل علـى جميـع المـستويات (الوطنية والإقليمية والعالمية)؟ والثاني، ما هـي طريقـة معالجـة التفاعـل بـين المعلومـات الجغرافيـة والإحصائية وتكاملها؟

لذا، فقد صدر قرار مجلس الوزراء رقم 388 وتاريخ 2/12/1431هـ، بتحويل اللجنة المؤقتة لتوحيد المواصفات والأسس العامة لمتطلبات إنشاء القاعدة الوطنية لنظُم المعلومات الجغرافية إلى لجنة دائمة تُسمَّى (اللجنة الوطنية لنظم المعلومات الجغرافية)، يكون مقرُّها الهيئة العامة للمساحة، ومن أهم مسؤولياتها: إنشاء البنية التحتية للبيانات الجيومكانية (NSDI) وفق أحدث المعايير والمواصفات الوطنية والدولية، والتنسيق بين الجهات المنتِجة للبيانات الجيومكانية وتوفيرها للمستفيدين من القطاعين العام والخاص، واعتمادها من قِبل الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس والجودة السعودية، وحث الجهات المعنية بتطبيق نظُم المعلومات الجغرافية.

وتعمل الهيئة العامة للمساحة على إعداد قاعدة بيانات جيومكانية على المستوى الوطني باستخدام البيانات المتوفرة لديها، والتي تم جمعها من مختلف الجهات الحكومية ونشرها عبر البوابة الجيومكانية الحالية للهيئة.

  • المداخلات حول القضية:
  • تقنية المعلومات الجغرافية :GIS

ذكر م. إبراهيم ناظر أن تقنية المعلومات الجغرافية GIS ما هي إلا تقنية عامة لجميع التخصصات للجمع بين البيانات المكانية (الخرائط ونقاط الإحداثيات والصور الجوية والمرئيات الفضائية… إلخ)، والبيانات غير المكانية لنفس الظواهر الطبيعية والبشرية الموجودة على سطح الأرض أو جزء منها مع استخدام إمكانيات الكمبيوتر وبرامجه في عمليات تحليل البيانات ومعالجتها واستنباط النتائج؛ أي إن GIS بصفة عامة يتم تطبيقه في تخصصات عديدة جدًّا (هندسية، وزراعية، وبيئية،… إلخ)، وكلٌّ يأخذه من وجهة نظره طبقًا لنوع بياناته والأهداف المطلوب الوصول إليها. حتى برامج الحاسب الآلي المتخصصة في أعمال المساحة وGPS أصبحت الآن تُدخِل بياناتها في صيغ قابلة للمعالجة في برامج GIS المشهورة – مثلًا shapefile  – حتى يمكن الجمع بين كلتا التقنيتين لمهندسي المساحة، بمعنى أنها أداة تساعد في جمع وخزن وتحليل المعلومات وعرضها جغرافيًّا، وعرض المعلومات الوصفية عليها، وتشمل أيَّ معلومات يمكن الحصول عليها بوسائط قابلة للتخزين في قاعدة البيانات رقميًّا؛ فمثلًا: يعمل للخرائط القديمة أو الصور القديمة أو المنحوتة بدرجة وضوح جيدة scan، وتُخزَّن بقاعدة المعلومات وتُعالَج على أحد برامج Arc Gis، وتُعرَض ضمن طبقات المعلومات.

  • أهمية المعلومات الجيومكانية واستخداماتها:

أشار م. خالد العثمان إلى أن نظم المعلومات الجغرافية (المعلومات الجيومكانية) تمثِّل أداة مهمة لرفع كفاءة وأداء العمل وتحسين مستوى إدارة العملية التخطيطية، حيث تساهم بشكل مباشر وكبير في رؤية وتنفيذ المخططات العمرانية بجميع مستوياتها، وذلك لتحطيم العائق الذي كان يؤثر بشكل مباشر على عدم تنفيذ المخططات.  فالمخططون يحتاجون إلى وقت معين للقيام بإعداد الدراسة والتحليل والوصول إلى النتائج، وفى ظل هذه المعلومات الكبيرة والمتعددة الأبعاد. وعلى الجانب الآخر، فإن متخذي القرار والتنفيذيين يسعون للوصول إلى القرارات ورؤية النتائج بشكل سريع نظرًا للمتغيرات المتلاحقة سواء على المدى القريب أو البعيد. فتطبيق هذه التقنية المعلوماتية “نظم المعلومات الجغرافية” والتي تعمل على توفير إمكانية تناول هذا الحجم الهائل من البيانات ومعالجتها وتحليلها بشكل يساعد في زيادة كفاءة عمليات التخطيط – سوف يساهم بشكل مباشر في رفع كفاءة وفاعلية عمليات التخطيط العمراني. ولذلك، كان هناك مشروعات لتبني تقنيات نظُم المعلومات وخاصة الجغرافية؛ لكونها ذات أسلوب غير تقليدي للتعامل مع عناصر التنمية المختلفة (العمرانية، والبيئية، والبنية التحتية، وغيرها) بمتغيراتها الديناميكية فضلاً عن كونها تكنولوجيا حديثة. ومن أهم هذه المشروعات “المراصد الحضرية” التي تبنَّت أهمية المعلومات وتطبيقات الجيومكانية. وتكمن أهمية المعلومات الجيومكانية في المراصد والتنمية الحضرية فيما يلي:

  • تساعد في تخطيط المشاريع الجديدة والتوسعية.
  • تساعد في تسريع الوصول إلى كمية كبيرة من المعلومات بفاعلية عالية.
  • تساعد على اتخاذ أفضل قرار في أسرع وقت.
  • تساعد في نشر المعلومات لعدد أكبر من المستفيدين.
  • تعمل على دمج المعلومات المكانية والمعلومات الوصفية في قاعدة معلومات واحدة.
  • توثيق وتأكيد البيانات والمعلومات بمواصفات موحَّدة.
  • التنسيق بين المعلومات والجهات ذات العلاقة قبل اتخاذ القرار.
  • القدرة التحليلية المكانية العالية.
  • القدرة على الإجابة عن الاستعلامات والاستفسارات الخاصة بالمكان أو المعلومة الوصفية.
  • القدرة على التمثيل المرئي للمعلومات المكانية.
  • التمثيل والمحاكاة Simulation للاقتراحات الجديدة والمشاريع التخطيطية، ودراسة النتائج قبل التطبيق الفعلي على أرض الواقع.

وأكد م. علي بخيت على ما ذكره م. خالد العثمان حول أهمية المعلومات الجيومكانية والتقنيات الحديثة المرتبطة بها في مجالات تخطيط المدن والتخطيط العمراني، وبالتأكيد في دعم اتخاذ القرار بشكل عام. وأضاف أن الأهمية المذكورة للمعلومات الجيومكانية في تطبيقات المراصد الحضرية، هي ذاتها أهمية المعلومات الجيومكانية في مختلف المجالات.

وأشارت أ. فائزة العجروش إلى أن المعلومات الجيومكانية هي حجر زاوية مهم في بناء أي دولة، ويتم الاعتماد على مثل تلك المعلومات بشكل متزايد كجزء جوهري وأساسي من البنى التحتية. واستخدامها يساهم بدور أساسي في توفير التنمية الاقتصادية، والاستثمار في مثل هذه المعلومات يستحق كثيرًا من الجهد والعناء، فالعائد الاقتصادي لها سيزيد عن التكاليف التي صُرفت لإنشائها. وتنبع أهمية المعلومات الجيومكانية في أي دولة من خلال تأثيرها وفعاليتها في تقديم الخدمات العامة والاجتماعية والتنموية المستدامة ومكافحة الجريمة. وهناك بعض الاستخدامات الفعالة لها في دول عديدة؛ ففي جمهورية كوريا تم استخدامها لتحديث خرائطها المساحية وإدارة ملكية الأراضي بشكل أفضل، وفي مصر تم اللجوء لاستخدام المعلومات الجيومكانية التفصيلية بهدف المساعدة في نمو الاقتصاد وزيادة فعالية جَمْع الضرائب، وفي إسبانيا كان استخدامها لإدارة اقتصاد القطاع الزراعي، أما في البرازيل فقد استُخدمت هذه المعلومات لخفض معدلات الجريمة.  وتهدف رؤية المملكة 2030 إلى تحقيق بيئة عامرة وبنيان متين من خلال تنمية الإنسان والمكان، وتعزيز الاقتصاد المحلي. وتتطلب هذه الأهداف تحليل المعلومات والبيانات بدقة وسرعة عالية (إذ يعتبر إحدى الأدوات المهمة التي تساعد في تنظيم توزيع استعمالات الأراضي والخدمات في المدن) لتحقق أفضل الخيارات التنموية لمتخذ القرار.

وأضافت أ. فائزة العجروش أنه وبموجب التصنيف الدقيق للمعلومات الجيومكانية في المملكة، فإنه يتم استخدامها في عدة مجالات فاعلة، منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • سرعة اتخاذ قرارات لتطوير مواقع تجمُّع السكان، واختيار الأماكن الملائمة لتنفيذ المشاريع المناسبة لها.
  • الحد من عدم مساواة التنمية المناطقية والقطاعية والرعاية الصحية في مدن ومناطق المملكة المختلفة.
  • في بعض الحالات الحرجة يعتبر استخدام تلك المعلومات حياتيًّا؛ لإنقاذ سكان المناطق المنكوبة من الكوارث الطبيعية، والسرعة في مساعدتهم لتوفير مكان آمن، وإمدادهم بالاحتياجات الضرورية من الغذاء والماء والأدوية.
  • المساعدة في توجيه سيارات الاستجابة الطارئة للحوادث الكبيرة، أو لمكافحة انتشار الأمراض في المناطق الموبوءة.
  • توفير سجلات الأراضي لتمكين نظام إدارة الملكية العقارية.
  • تنظيم وإدارة التنمية العمرانية والتحكم في إدارة الأراضي داخل نطاق المدن والمحافظات.

وذكر أ. د. عثمان العثمان بعضَ الفوائد المجتمعية للمعلومات الجيومكانية في عدد من المجالات، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، ومنها: *

  • في مجال الكوارث: ‎نماذج تقييم المخاطر/ المحاكاة وتقييم المخاطر، والتنبؤ / الإنذار المبكر، والرصد، وتقييم الضرر، الوقاية / التخطيط.
  • في مجال الصحة: ‎التنبؤ بجودة الهواء/ الإنذار المبكر/ الرصد، التنبؤ بالأوبئة العالقة بين الأمراض والعوامل البيئية.
  • في مجال الطاقة: ‎تقييم الموارد للطاقة المتجددة، ودعم استكشاف موارد الطاقة، ورصد خطوط الأنابيب وتعظيم إنتاج الوقود الحيوي.
  • في مجال المناخ: ‎الرصد والنمذجة، وخُطط حساب الكربون والتنبؤ بالآثار والتخفيف منها.
  • ‎ في مجال المياه: ‎تضاريس المحيط ودرجة الحرارة والتيارات، وجودة مياه المحيط والكلوروفيل، مصايد الأسماك، رصد الجفاف / الإنذار المبكر، ‎نظم المعلومات الهيدرولوجية) بما في ذلك الأرصاد الجوية الزراعية (نمذجة رطوبة التربة، مراقبة / توقعات الرياح ‎الموسمية).
  • ‎ في مجال الطقس: ‎التنبؤ العالمي/ المحلي، رصد / توقعات هطول الأمطار، والرمال / الغبار، توقعات الرياح.
  • ‎ في مجال الأنظمة البيئية: ‎النظم البيئية البحرية والساحلية (عالمية / إقليمية)، والنظم البيئية الأرضية والمياه العذبة (عالمية/ إقليمية)، ‎المتغيرات الجيوفيزيائية الحيوية، الغطاء النباتي، التربة، الإشعاع، دورة المياه والتطبيقات المحلية، على سبيل المثال ‎المناطق المحمية.
  • الزراعة: ‎الصيد عبر الأقمار الصناعية، الزراعة الدقيقة، رصد ووضع نماذج حالة للمحاصيل بما في ذلك الأمن الغذائي، ‎ومراقبة التأمين، ومراقبة الغابات، بما في ذلك قطع الأشجار غير القانوني.
  • ‎التنوع الأحيائي: ‎نمذجة ورصد التنوع البيولوجي، ومراقبة الأنواع المتطفلة، والتنبؤ البيئي والنظم البيئية.

المصدر: الهيئة العامة للمساحة.

وأكد م. علي بخيت على أنه بالرغم من أهمية المجالات المشار إليها أعلاه، إلا أن هناك فوائد أخرى للمنظومة الجيومكانية لا تقل أهميةً عن المجالات المشار اليها، مثل: دور المنظومة الجيومكانية في تحسين مستوى تقديم الخدمات بالمدن، وإسهامات تلك المنظومة في تعزيز الأمن والاستقرار وحفظ الحقوق والممتلكات وتفعيل التعاملات الإلكترونية الحكومية والتجارية، والعديد من الإسهامات التي أصبحت المعلومات الجيومكانية معها مطلبًا ضروريًّا لا يمكن الاستغناء عنه بأي حال من الأحوال.

من ناحيته تساءل أ. عبد الرحمن باسلم: هل المعلومات والأنظمة المتعددة الجيومكانية موجودة على أرض الواقع فعليًّا في هيئة المساحة أو الوزارات المختلفة أم لا تزال في طور التطوير؟

وحول هذا، ذكر م. علي بخيت أنه وعلى نحو إجمالي، فإن هناك العديد من البيانات الجيومكانية المتوفرة بالمملكة، لكن يختلف مستواها من مدينة لأخرى. كما أن نقاط التحسين التي يتم العمل عليها حاليًّا من خلال إطلاق مبادرة المركز الجيومكاني الوطني بدعم من لجنة “تيسير” ترتكز على:

  • تحقيق التكامل بين البيانات المتوفرة لدى مختلف الجهات.
  • ضمان توفير البيانات بشكل مُحدَّث من الجهات المنتِجة للبيانات الجيومكانية.

ويرى أ. فهد الصالح أن الهيئة العامة للإحصاء تملك اليوم معلومة جيومكانية اختصرت عليها جهدًا كبيرًا كانت قد قامت به في السنوات الأولى للتعداد السكاني بكل تفاصيله وأنواعه وفئاته واحتياجاته، وقد أفادت أمانات المدن اليوم من المعلومة الجيومكانية وذلك في تسمية مئات الأحياء وآلاف الشوارع، ورقَّمت ملايين المنازل، وأسقطت في الرياض مواقع ٦٢٠٠ حديقة، واستفادت منها في الانتخابات البلدية والعديد من المنافع الأخرى التي يصعب حصرها.

وطرح د. سليمان الطفيل التساؤلات التالية:

  • كيف يمكن الجمع بين منظومة المعلومات الجيومكانية وحلول تقنيات البلوك تشين، خاصة أننا نلاحظ توجُّه دول العالم المتنامي لتقنيات البلوك تشين؟
  • كيف يمكن أن تخدم منظومة المعلومات الجيومكانية الإحصاءات العامة السكانية والموارد الطبيعية التي ما زلنا نفتقد الكثير من الدقة في البيانات حولها، وبخاصة تطوير هذه البيانات من حيث الدقة والسرعة والشمولية؟
  • ماذا عن دور منظومة المعلومات الجيومكانية في تحديد الثروة السمكية للمملكة؟
  • ما أهم المؤشرات التي استهدفتها رؤية المملكة ٢٠٣٠م لتمكين منظومة المعلومات الجيومكانية، وإلى أي مدى حققت تلك المؤشرات الأهداف المطلوبة؟

وعرض م. علي بخيت توضيحات تفصيلية حول التساؤلات المبينة أعلاه، وحدَّدها في النقاط التالية:

  • فيما يتعلق بالبلوك تشين: لا شك أنه أصبح من المُلاحظ للجميع في سلوكيات حياتنا اليومية، أن استخدام خدمات ومنتجات المعلومات الجيومكانية (كخرائط Google مثلًا) لم يعُد محصورًا على الجهات الحكومية أو الشركات فحسب، بل هناك استخدام كبير جدًّا من الأفراد بشكل يومي وكبير عبر مشاركة مواقعهم مع الآخرين للوصول إليهم؛ ومن ذلك وصول طلبات الشراء من المتاجر الإلكترونية، أو توصيل طلبات المطاعم، أو وصول سائقي التاكسي واستدلالهم على المواقع المراد الوصول إليها، هذا بالإضافة لما سيشهده عالمنا من تسارع في استخدام طائرات الدرون في التوصيل أو غيره من التطبيقات الأخرى لإنترنت الأشياء؛ وعليه، فإن هذا التبادل الهائل لبيانات المواقع لا بد أن يواكبه على الدوام مزيدٌ من التحسين للدقة والموثوقية في البيانات المتبادلة بين أطراف العملية، مع تعزيز ذلك بضوابط الأمن السيبراني اللازمة، وخاصة مع إمكانية حدوث تلاعب أو اختراقات في تلك البيانات. وعليه، فإن استخدام تقنيات البلوك تشين في منظومة الخدمات والمنتجات المرتبطة بالمعلومات الجيومكانية، سيكون له فوائد كبيرة لرفع مستوى الموثوقية والدقة والأمان بين أطراف العملية، كما هو الحال في بقية الخدمات والمنتجات المعلوماتية.
  • فيما يتعلق باستخدام الإحصاء للمنظومة الجيومكانية: فإن المنظومة الإحصائية تقوم على جمع المعلومات لثلاثة عناصر رئيسة (ديموغرافية، اقتصادية، مكانية)، وبالتالي فإن العنصر المكاني عنصرٌ رئيسي في العمليات الإحصائية، ولا يمكن القيام بالمسوحات الإحصائية دون التركيز على هذا الجانب، وهنا من المهم التنويه بأن عمليات التعداد السكاني تشمل السكان والمساكن؛ ولذلك وحرصًا على تعظيم الاستفادة من نتائج ومخرجات التعداد السكاني القادم في مارس 2020، فقد عملت الهيئة العامة للإحصاء بمبدأ التشاركية وتنسيق الأعمال مع مختلف الجهات الحكومية، ومن أبرز تلك الشراكات هيئة الشراكة مع مركز المعلومات الوطني فيما يتعلق بالمعلومات الديموغرافية، والشراكة مع العنوان الوطني من البريد فيما يتعلق بالمعلومات الجيومكانية، بخاصة مع اكتمال عنونة المباني في كافة مناطق ومدن ومراكز وقرى المملكة؛ وهو ما سيؤدي إلى إجراء التعداد استنادًا إلى هذه المعلومات الجيومكانية الدقيقة التي تصل إلى حد المبنى، وبالتالي الوصول إلى نتائج مميزة وتُحقِّق فوائد كبيرة لمختلف الجهات.
  • فيما يتعلق بمؤشرات رؤية المملكة 2030 لتمكين المنظومة الجيومكانية: فإن دور منظومة المعلومات الجيومكانية في الرؤية هو دور تمكيني لبرامجها وأهدافها ومبادراتها بامتياز؛ ولذلك فلن يكون هناك أي مؤشرات مباشرة خاصة بالأدوات الممكنة في مبادرات الرؤية، إنما يكون ذلك من ضمن البرامج الفرعية والمبادرات الخاصة بالرؤية، فمثلًا: تقوم العديد من الوزارات بالعمل على هدف الرؤية المتمثل في الارتقاء بجودة الخدمات المقدَّمة في المدن السعودية، وبطبيعة الحال فإن هناك العديد من المبادرات والمشاريع في هذا الهدف تتعلق بالمعلومات الجيومكانية، وبالتالي يمكن متابعتها ورصدها ومعرفة مستوى التقدم الذي تحققه ضمن هذا الهدف. وكذلك هو الحال لبقية أهداف الرؤية التي تؤثر المعلومات الجيومكانية مباشرة عليها، كما تمت الإشارة إليه في الورقة الرئيسية. من هنا أيضًا، تأتي أهمية وجود المركز الجيومكاني الوطني، الذي سيعمل على رصد جميع المبادرات والمشاريع من مختلف الجهات ضمن أهداف الرؤية، ومنها يمكن تحديد الاحتياجات ومتابعة مؤشرات الأداء ومستوى التقدم والنضج للمنظومة الجيومكانية بالمملكة.

وتساءلت أ. بسمة التويجري: هل للبيانات الجيومكانية أي دور في عمليات التنقيب عن المعادن وتحديد أماكن تواجدها؟ وفي هذا السياق، ذكر م. إبراهيم ناظر أنه إذا استُخدمت معلومات الاستشعار عن بُعد وصور الأقمار الصناعية وتمَّ جمعها وتحليلها بواسطة برامج مثل ArcGis لغرض الكشف عن المعادن بذلك المكان؛ فبالتأكيد سيتم الكشف عن المعادن الموجودة بتلك المنطقة بشكل مبدئي، ومن ثَمَّ فإنها تكون بحاجة إلى المزيد من عمليات الاستكشاف لغرض الاستغلال التجاري.

  • نماذج لمشروعات البنية التحتية الجيومكانية في المملكة:

أشار د. عبد الله المطيري إلى أن هناك جهودًا تقوم بها الهيئة العامة للمساحة تتمثل في مشروعات البنية التحتية الجيومكانية، ومن أبرز هذه المشروعات: (*)

  • مشروع التغطية الوطنية ببيانات خرائط الأساس مقياس رسم ١: ٢٥٠٠٠، ويغطي كامل مساحة المملكة. ومن هذه المخرجات: صور فضائية مصحّحة، نماذج الأسطح الرقمية والتضاريس الرقمية، شبكة الأودية وشبكة الطرق، وغيرها.
  • مشروع جمع أسماء الأماكن الجغرافية وتوثيقها لخرائط الأساس بمقياس رسم ١: ٢٥٠٠٠، ومن مخرجاته:
  • قاعدة معلومات للأسماء الجغرافية حديثة.
  • إعداد مستكشف مصور للأسماء الجغرافية يمكن من خلاله البحث عن الاسم الجغرافي وتحديد إحداثياته وتصنيفه وتبعيته الإدارية وصورته وقياس المساحات والمسافات بين معالم المملكة الطبيعية والبشرية، وسيكون متاحًاً للجميع عبر بوابة الهيئة الإلكترونية.
  • مشروع إنتاج الغطاء الأرضي واستخدامات الأراضي بالمملكة، وسيسهم هذا المشروع في دعم الخطط التنموية المستدامة، ويمنع الازدواجية في التنفيذ للجهات المحتاجة للمعلومات، ويتوقع أن تكون مدة المشروع ٩ أشهر.
  • مشروع إنتاج صور جوية تاريخية مصححة للمملكة اعتمادًا على مصورات جوية في فترات زمنية متعددة، وسوف يستفيد من هذا المشروع عدة جهات حكومية، مثل وزارة العدل في فصل النزاعات، ويوضِّح مواقع الأودية ومجاري السيول التي طرأت عليها تغيرات بفعل الردم وغيرها.
  • المركز الجيومكاني الوطني.
  • المنصة الجيومكانية الوطنية، وهي منصة إلكترونية تحتوي على بيانات ومعلومات وخدمات جيومكانية بمعايير موحَّدة، وتُحدَّث باستمرار، بحيث تُمكِّن جميع المستفيدين والمنتجين للبيانات الجيومكانية من الوصول لها بسهولة ويُسر وأمان، والاستفادة من هذه البيانات والخدمات.
  • تحديات الإفادة من نظُم المعلومات الجيومكانية: 

ذكرت أ. فائزة العجروش أنه على الرغم من أن استخدام نظُم المعلومات الجيومكانية في التنمية العمرانية يشوبه الكثير من التحديات؛ إلا أن نتائجه تختصر الكثيرَ من الجهود، وتساهم في فضِّ المنازعات وحل العديد من إشكالات التعديات أو الاستخدامات الخاطئة للأراضي، مثل تغيير الملكيات أو الاستحواذ
على الأراضي البيضاء أو المسطحات الخضراء أو الأراضي الحكومية. ومن أكبر التحديات التي تواجه استخدام وإدارة المعلومات الجيومكانية في
المملكة، والتي تختلف من حيث حجمها ومجالها، ما يلي:

  • ضرورة إنشاء وإدامة قاعدة معلومات جيومكانية موثوق بها ودقيقة.
  • العمل على تقليل أي فرص محتملة لوجود أي فجوة رقمية بين المملكة والدول الأخرى التي تمرُّ بمراحل متباينة في التنمية والثقافة، واستخدامها في البنية التحتية لتلك المعلومات.
  • أهمية زيادة الوعي بالاعتماد على المعلومات الجيومكانية عند عملية اتخاذ القرار، والذي يعتمد على حُسْن إدارة المصادر المهمة بين صانع القرار والمستخدمين النهائيين؛ ليتمكنوا بعدها من استخدام البيانات المكانية المضمونة من قِبل الحكومة بمستوى عالٍ من الثقة والشفافية.
  • توفُّر المهارات الجديدة المتغيرة لإدارة الكم المتزايد من المعلومات الجيومكانية خلال السنوات القادمة.
  • حداثة الكادر البشري في مجال المعلومات الجيومكانية.
  • نَقْص خبرة البلديات لتصحيح البيانات الورقية السابقة.
  • تفعيل القوانين والسياسات للتحكُّم في التنمية العمرانية وفق أسُس وأدوات منهجية قبل اتخاذ القرارات؛ لتساعد في تنظيم توزيع استعمالات الأراضي والخدمات في المدن.

وذهب د. سليمان الطفيل إلى أنه يتبين من خلال الورقة الرئيسة والتعقيبات أن هناك حجمًا ضخمًا من الخدمات المعلوماتية التي تقدِّمها منظومة المعلومات الجيومكانية. كما أن دخل الاستثمار في البيانات السحابية في السعودية، بات في المرحلة الأخيرة يوازي دخلَ هذا النوع من الاستثمار في دول مثل فرنسا والصين وبريطانيا، وبصورة تعكس تسارُع النمو في السوق السعودية لهذه الخدمات التقنية السحابية الحديثة.  حيث تشهد أتمتة المعلومات الضخمة مرحلة تطور كبير في السعودية بحكم برنامج التحول الرقمي ضمن رؤية 2030، وأغلب أسباب هذا التحول الرقمي هو سعي الشركات في المملكة وليس الجهات الحكومية فقط إلى رفع تنافسيتها في تقديم أفضل الخدمات للزبائن، وأن عدم قدرة الشركات على الانتظار لتكوين قواعد بيانات قوية تتطلب سنوات عديدة، جعَل من الشركات السعودية تُقبِل أكثر على تطوير البيانات السحابية التي توفِّر خدمة البيانات بشكل أسرع. وأشار تقرير لشركة التكنولوجيا العالمية   SAP – ، والتي قامت بتدريب أكثر من 900 من الشباب السعودي وتأهيلهم للوظائف في هذا المجال – أن 66% من صنَّاع القرار في المؤسسات السعودية يرون أن تحويل قواعد البيانات للبيانات السحابية خلال العام الحالي سوف يستحوذ على 59% من نفقاتهم المخصَّصة لتقنية المعلومات. وأن السعودية تصدَّرت دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الاستثمار في البيانات الكبيرة.  لكن ثمة تساؤلات مهمة تبرز في هذا الشأن، وهي: هل هناك توجُّه لجَعْل القطاع الخاص على الأقل لديه الفرصة للاستفادة من هذه التقنية لمواجهة المنافسة القادمة لشركات عالمية؟ وهل هناك شركات محلية تستثمر في منظومة المعلومات الجيومكانية، وكيف يتم تأهيلها وترخيصها؟  أيضًا، ما هو حجم الإنفاق المتوقَّع للمملكة على تقنية المعلومات الجيومكانية، وما هي الإيرادات المتوقعة منها كذلك؛ لقياس الأثر الاقتصادي لهذه التقنية على الناتج المحلي؟

وفي هذا الإطار، أبرز م. علي بخيت أن جهود القطاع الخاص موجودة، ولكن هناك فرص استثمارية واعدة وعظيمة جدًّا في هذا المجال أمام القطاع الخاص. وما يحصل اليوم هو أن القطاع الخاص يقدِّم خدمات استشارية أو كمقاول يعمل لتنفيذ مشاريع محددة للجهات الحكومية في أغلب الأحيان. ومع هذا، ظهرت مؤخرًا بعض التطبيقات المحلية (مثل، تطبيقات التوصيل) التي تعتمد بشكل كبير على المعلومات الجيومكانية، وفتحت مزيدًا من الآفاق في الدور الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص. كما أن هناك العديد من الشركات المحلية العاملة في الوطن، لكن حجم السوق أكبر بكثير مما هو موجود اليوم. فضلًا عن أن معظم المكاتب والشركات العاملة في هذا المجال تحتاج إلى مزيدٍ من الدعم لتقدِّم خدمات نوعية في هذا المجال. ولعل من المناسب دعوة المستثمرين للاستثمار في هذا القطاع، جنبًا إلى جنب مع دعوة الجهات الحكومية المختصة، مثل هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة والجهات الأخرى الداعمة للمستثمرين ورواد الأعمال في هذا المجال، وبخاصة أن القطاع الخاص هو شريكٌ ولاعب رئيس في هذه المنظومة. ومن ناحية أخرى، وفيما يخص حجم الإنفاق والإيرادات المتوقعة من المنظومة الجيومكانية بالمملكة، فبالرغم من أن حجم الصرف المباشر من الجهات الحكومية قد يصل تقديريًّا إلى قرابة الـ 2 مليار ريال سنويًّا، إلا أن هذا لا يمثِّل حجم جميع المصروفات السنوية على المنظومة الجيومكانية، حيث إنَّ القطاع الخاص لديه مزيدٌ من المصروفات الإضافية غير المقدَّرة في هذا الجانب، لا سيما الشركات التي تعمل في مجالات البريد والخدمات اللوجستية والمتاجر الإلكترونية والبنوك والاتصالات والكهرباء والمياه، وغيرها. وعمومًا يمكن القول إنه قد يصل الصرف تقديرًا بنفس تقدير الصرف الحالي خلال السنوات الخمس القادمة (٢ مليار سنويًّا). أما بخصوص الإيرادات، فهناك إيرادات كبيرة مباشرة وغير مباشرة من هذه المنظومة، وفرص كبيرة في هذا المجال، فالمصروفات الحكومية ومصروفات القطاع الخاص المباشرة في هذا المجال سوف تخلق بطبيعة الحال حجم وظائف وفرص استثمارية واعدة أمام المنشآت الصغيرة والمتوسطة. كما أن توفُّر البيانات الجيومكانية سيتيح المجال لتقديمها بأساليب متعددة، مثل: بيع التراخيص المباشرة، أو بيعها بأسلوب التحقُّق والاستعلام للعملية (API) ، أو تقديمها ضمن حزمة تراخيص خدمات إلكترونية جاهزة. كما أن هناك المزيدَ من العوائد الاقتصادية التي تتحقق باستخدام وتفعيل بقية الأجهزة الحكومية للمعلومات الجيومكانية ضمن إجراءات أعمالها، بهدف تحسين أدائها ورفع فعاليتها وتطبيقها للحكومة الإلكترونية، كذلك لدى القطاع الخاص أيضًا – تحديدًا شركات النقل والتوصيل وشركات التجزئة ومنشآت تطبيقات الاقتصاد التشاركي والمتاجر الإلكترونية، هذا بالإضافة إلى أن منظومة الإبداع والابتكار باتت تخلق مزيدًا من الفرص الاستثمارية المبتكرة والوظائف الحديثة المرتبطة بالمجالات الجيومكانية وعلوم البيانات. ونظرًا لأن حجم الإيرادات ضخمة في هذا المجال؛ فإن الشركات العالمية مثل Google وApple تتسابق للتركيز على هذا المجال، لكن في ظل عدم وجود دراسات فمن الصعب تحديد أرقام تقريبية أو دقيقة لها، هذا مع الإحاطة أن البنك الدولي يُجري حاليًّا دراسة للعوائد الاقتصادية من المعلومات الجيومكانية بالمملكة، ومن المتوقع أن ترى النور في شهر مارس أو إبريل 2020.

وتساءل د. خالد بن دهيش: ما دور الأقمار الصناعية في توفير المعلومات الجيومكانية، وهل هناك قمر صناعي سعودي يتولى هذا الدور؟ وماذا عن أمن هذه المعلومات خاصة المتعلقة بالأمن الوطني وأمن المعلومات الخاصة بالمواطن؟ أيضًا، فقد ذهب د. خالد الرديعان إلى أن توفُّر هذه المعلومات الجيومكانية ووجودها في متناول الجميع بما في ذلك غير السعوديين وأطراف خارجية – قد يكون مُضِرًّا على الأمن الوطني، والخوف من استخدامها لأهداف عدائية، وهذا أمر مُقلِق؛ وفي الوقت نفسه، فإن هذه المعلومات من الضروري أن تكون متوفِّرة، كيف نحلُّ هذه الإشكالية؟  أي عدم استخدام البيانات فيما هو مُضِرٌّ بالأمن الوطني وسلامة ترابنا وأفراد المجتمع؟

وحول هذه التساؤلات، أوضح م. وليد ملا بالنسبة للتساؤل الخاص بالأقمار الاصطناعية ودورها في توفير المعلومات الجيومكانية، فإن صور الأقمار الاصطناعية الخاصة بالاستشعار عن بُعد (التصوير الفضائي) تعدُّ أحد المصادر الرئيسة للمعلومات الجيومكانية؛ لما تتميز به من ميزتَينِ رئيستَينِ تتمثلان في دقة الوضوح إضافةً إلى التصوير المتزامن الذي يُوفِّر تحديثًا للمعلومات بشكل مستمر. أما بالنسبة للأقمار الاصطناعية السعودية، فالمعلوم أن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية أطلقت قمرين اصطناعيين للاستشعار عن بُعد.

وذكر م. إبراهيم ناظر أنه لم يعُد من الممكن الآنَ إخفاء ما هو فوق الأرض أو تحت الأرض عن رصد الأقمار الاصطناعية التي تجوب الفضاء الخارجي للكرة الأرضية، والتي تعددت أنواعها ومهامها، ولكن من حيث المعلومات الجيومكانية فهي نوعان: مكانية تُحدِّد الإطار المكاني، ووصفية وهي المعلومات فوق سطح المكان المُحدَّد والتي من الممكن إضافتها أو نرغب في إضافتها من شوارع وأبنية وتضاريس حسب رغبة المستخدم والغرض الذي يريد استخدام المعلومات فيه؛ فالمعلومات التي تمسُّ الأمن الوطني ممكن إزالتها أو عدم إضافتها ضمن طبقات البيانات الجيومكانية.

أيضًا، فقد أشار م. علي بخيت إلى أن المعلومات الجيومكانية تتمثل في عدة طبقات مكانية، وفي كل طبقة هناك مجموعة من البيانات التي تختلف درجة أهميتها وسريتها حسب طبيعتها؛ فمنها ما يُعتبر معلومات عامة تقتضي المصلحة نشرها على نطاق واسع، ومنها ما هو سري وينبغي الحفاظ على أعلى درجات السرية فيه، وهنا يأتي دور إطار العمل الوطني المشترك بين الجهات المنتِجة للبيانات الجيومكانية في حوكمة تلك البيانات وتحديد الأدوار والمسؤوليات فيها وسياسات النشر لها، وهو ما عملت عليه الهيئة العامة للمساحة هذا العام عبر لجنة إطلاق المركز الجيومكاني الوطني. وبصفة عامة، فإن المعلومات المكانية المنشورة على منصات الخرائط الرقمية هي معلومات عامة وقابلة للنشر إلى حد كبير، وليس فيها أي معلومات سرية أو تتجاوز حدود الخصوصية للجهات أو الأفراد. كما أن هناك المزيدَ من الجهود تقوم بها جهات الاختصاص (هيئة الأمن السيبراني، هيئة البيانات) تضمن بمجملها الحفاظ على الأمن الوطني في هذا المجال.

وفي الإطار ذاته طرح د. محمد الملحم التساؤلات التالية:

  • كيف يتم التحقُّق من دقة البيانات validity وتكاملها خاصة ما يتعلق بالعنوان الوطني؟
  • ماذا عن الآثار في المملكة ومواقعها وكذلك أعماقها، لماذا لم يتم إيرادها ضمن حزمة الطبقات الجيومكانية؟
  • كيف يتم التعامل مع مشكلات الـ big data؟ وهل هناك خطط يدوية للأزمات المتوقعة في انقطاع النت أو فَقْد المعلومات لأية أسباب تقنية أو سياسية؟

ومن جانبه أورد م. علي بخيت فيما يخص هذه التساؤلات التوضيحات التالية:

  • بالنسبة للتحقُّق من دقة البيانات، فهناك العديد من الخدمات التي يقدِّمها منتجو البيانات الجيومكانية، مثل توفير خدمة التحقُّق عبر الربط الآلي بقواعد بيانات الجهة مع الجهات الأخرى(API) سواء كان هذا الربط مباشرًا بين الجهات أو عبر منصة التعاملات الحكومية (يسّر)، إلا أن مستوى النضج يختلف من جهة لأخرى في تقديم هذا النوع من الخدمات.
  • بالنسبة لمشكلة عدم دقة البيانات، فهي تتعلق فقط بمواكبة التحديثات التي تطرأ على المعلومات الجيومكانية بين الجهات، وهي تتم حاليًّا بشكل دوري، وتسعى الجهات للنضوج بهذه الخدمة للوصول إلى الربط الآلي بينها، وبالتالي يصبح التحديث بشكل فوري.
  • بالنسبة للآثار فهي فعلاً من ضمن حزمة الطبقات الجيومكانية، فقط تجدر الإشارة إلى أن مبادرة إطلاق المركز الجيومكاني الوطني تُركِّز حاليًّا على الطبقات ذات الأولوية القصوى من ناحية الحاجة لها وأهمية حوكمتها وتنظيمها والعمل عليها، ومن ثَمَّ سوف تأتي المرحلة الثانية التي ستشمل بقية الطبقات. هذا بطبيعة الحال لا يعني أنه لا توجد جهود من جهات الاختصاص للعمل على تلك الطبقات، إنما العمل عليها قائم، وسيتم إدراجها ضمن المنظومة الجيومكانية الوطنية بعد الانتهاء من مرحلة الطبقات ذات الأولوية العالية.
  • بالنسبة لموضوع الـ big data، فتقوم كل جهة بتصميم بنيتها التحتية بشكل يواكب تدفق البيانات إليها بشكل مُنظَّم، وعادةً ما يكون لدى الجهات منظومة بنية تحتية احتياطية تعمل بشكل آلي في حال حدوث مخاطر الأعطال الفنية أو انقطاع الاتصالات أو غيره.

ويرى د. صدقة فاضل أن جانبًا من المعلومات الجيومكانية تبقى سرية، ويُحتفَظ بها للأغراض الحربية؛ لكن الأمر المهم كذلك ما يتعلق بسبب بقاء معظم مدننا دون عناوين دقيقة، تشبه ما هو موجود في الدول المتقدمة وغير المتقدمة، وما هو دور هيئة المساحة في هذا الموضوع؟

أيضًا، فقد أكَّد م. علي بخيت على أنه كما للمعلومات الجيومكانية أهمية بالغة في الاستخدامات المدنية خاصة استخداماتها لتحديد المواقع والاستدلال والوصول إليها، بالإضافة إلى كونها أداة مثالية في تطوير منظومة الخدمات العامة: “المياه، والكهرباء، والاتصالات، والبريد والنقل”، أو بالاستفادة منها في خدمات الطوارئ والاستخدامات العسكرية والحربية. كذلك تُستخدَم كأداة مثالية للتحليل والتخطيط والتوزيع الأمثل للخدمات التعليمية والصحية ونحوه، كذلك هو الحال في توزيع الدوائر الانتخابية وتسجيل الناخبين لدى منظمي الانتخابات، وتم بالفعل الاستفادة من المعلومات الجيومكانية بشكل جزئي في الانتخابات البلدية الماضية، إلا أن الجهات المختصة تبذل جهودها بصورة أكبر لتعظيم الفائدة من هذه المنظومة في الانتخابات القادمة. وبالنسبة لمسألة العنونة، فبالفعل إلى وقت قريب لم تكن هناك عنونة مكتملة في المملكة؛ ولذلك قام البريد منذ العام 2005 بالعمل على إنشاء عناوين للمباني والمنشآت، ومنها فقد تمَّ الانتهاء من عنونة جميع تلك المباني في مختلف مناطق ومدن المملكة، بل وشملت العنونة المخططات الجديدة التي لا تزال معظمها أراضي بيضاء، ولدينا اليوم أكثر من سبعة ملايين عنوان تشمل كافة المباني في مدن ومراكز وقرى المملكة. ومنه فقد أصبح تقديم العنوان لدى الجهات مثل البنوك وشركات التأمين وغيرها إلزاميًّا، وتمَّ ربطه بتقديم خدمات تلك الجهات كما نص عليه قرار مجلس الوزراء بهذا الخصوص. ومع هذا، فإن تأخُّر توفُّر العناوين بالمملكة، وبفضل وجود تقنيات حديثة في تحديد المواقع – خلَق تحديات جديدة في انتشار استخدامها بشكل واسع محليًّا ودوليًّا، وبالرغم من ذلك فللعناوين أهمية بالغة وتعدُّ مطلبًا رئيسًا في الكثير من المجالات؛ لذلك فهي تشهد تقدُّمًا في الانتشار والاستخدام يومًا بعد يوم. أما عن دور الهيئة العامة للمساحة، فهي بالإضافة لكونها جهة مسؤولة عن إنتاج مجموعة من الطبقات، فهي المنوط بها تنظيم هذا المجال.

ويرى د. عبد العزيز الحرقان أن المعلومات الجيومكانية التي تملكها الدولة قليلة ولا يتم تحديثها بشكل جيد أو دوري أو منتظم ومتوازن بين مالكي البيانات، وقد أصبحت هذه المعلومات ملكًا لشركات تقنية المعلومات العالمية، مثل جوجل وفيس بوك وأبل، ولا توجد معلومات جيومكانية ذات قيمة اقتصادية حاليًّا تُماثِل ما عند هذه الشركات.

وذكر م. علي بخيت أن الشركات العالمية هي في الحقيقة تقطف ثمار ابتكاراتها وإبداعاتها في توفير خدمات ومنتجات تلبي احتياجات مستخدميها بالدرجة الأولى، وتوفِّر لها بأساليب وطُرق خلَّاقة مزيدًا من البيانات التي يؤدي تحليلها بطريقة منظَّمة إلى الوصول إلى فهم أكبر للاحتياجات الفعلية، ومن ثَمَّ توفير المزيد من الخدمات لتلبية تلك الاحتياجات، وبالتالي تنال استحسان المستخدِم الذي يجد ضالته دومًا لدى مَن يوفِّر له متطلباته. وعلى أي حال، كما أنه من المهم أن تقوم الجهات الحكومية بدورها في توفير البيانات الجيومكانية الأساسية المطلوبة منها بشكل منتظم ومُحدَّث، فإن للقطاع الخاص الوطني دورًا محوريًّا لا يقلُّ أهميةً عن دور الجهات الحكومية في توفير خدمات ومنتجات تلبي احتياجات المستخدمين على غرار الشركات العالمية، هذا مع التأكيد على دور الجهات الحكومية في تمكين القطاع الخاص للوصول إلى هذا الطموح.

ولاحظ د. منصور المطيري في الآونة الأخيرة نشاطَ دارة الملك عبد العزيز في تتبُّع أسماء الجبال والأودية والموارد القديمة والحديثة، ومن ثَمَّ تساءل: هل للدارة علاقة بهذا الموضوع أم أنه موضوع هوياتي ثقافي؟ وما مدى الاستفادة من الخرائط الرقمية الدقيقة التي نراها في التطبيقات الشائعة كقوقل وغيره؟

ومن جانبه أوضح م. إبراهيم ناظر أن هناك تعاونًا وثيقًا بين الهيئة العامة للمساحة ودارة الملك عبد العزيز، وفيما يخصُّ أسماء الأماكن فإن هيئة المساحة طرحت عدة مشاريع لجَمْع أسماء الأماكن الجغرافية وتوثيقها لتوفير قاعدة بيانات للأسماء الجغرافية. ويتم ذلك عن طريق الرفع المساحي، وكذلك المسح الميداني بسؤال أهالي المنطقة، والاعتقاد أنه يتم الرجوع إلى الدارة في التأكُّد من أسماء الأماكن. وبالنسبة للخرائط الرقمية أو الصور الجوية لقوقل لا يُعتمد عليها في الاستخدامات الرسمية، وفي الغالب يتم شراء الصور الجوية من شركات عالمية ذات موثوقية، وفي السعودية يتم شراؤها في الغالب من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية؛ لأنها تتعامل مع أقمار ذات دقة عالية، مثل القمر ايكونوس  (IKONOS)  الذي تصل قوة وضوحه المكانية إلى متر واحد.

وأضاف م. علي بخيت أن هناك لجنةً وطنية للأسماء الجغرافية تمَّ تشكيلها بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 318 في العام 1436هـ، برئاسة دارة الملك عبد العزيز وعضوية حوالي 17 جهة حكومية منها، وتُعنَى بتوحيد الجهود ذات الصلة بالأسماء الجغرافية من ناحية كتابة تلك الأسماء وضبطها وتهجئتها وكل ما يخص المعيار الوطني لها. وتعدُّ اللجنة هي المرجع الرسمي في كل ما يتعلق بالأسماء الجغرافية القائمة أو الجديدة؛ ومن المهام المنوطة باللجنة جَمْع الأسماء الجغرافية ونشرها وإعداد قواعد بيانات لها، وإعداد معجم وطني مُفهرس يتضمن تلك الأسماء بالحروف العربية واللاتينية “الرومنة”، كما تقوم اللجنة بالتنسيق مع الجهات الحكومية ذات العلاقة والتعاون معها لتوحيد الجهود المبذولة في هذا الشأن، وتُمثِّل اللجنة المملكة داخليًّا وخارجيًّا في هذا الاختصاص، ومن ذلك المشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة ضمن المجموعة الدولية للأسماء الجغرافية.

وركَّز د. رياض نجم على أن من الأمور الملاحظة وجود اختلاف في بعض المواقع بين العنوان الوطني الذي يوفِّره البريد السعودي ومعلومات العنوان التي توفِّرها خرائط قوقل. هل سيتم حل هذا الإشكال؟ حيث إنَّ معظم المستفيدين يستخدمون خرائط جوجل في الوصول إلى وجهاتهم. والسؤال الآخر: كيف يمكن حل الإشكالية المتعلقة بتداخل الصلاحيات للمعلومات الجيومكانية بين عدة أجهزة حكومية، وهل هي قائمة في الدول الأخرى؟

وأوضح م. علي بخيت أنه بالنسبة لاختلاف عناوين بعض المواقع عن العناوين الموجودة على خرائط Google فهو ليس اختلافًا في حقيقة الأمر، إنما لم يتم تحديث العناوين على خرائط Google وفقًا للتحديثات الأخيرة خلال السنوات الماضية؛ وذلك بسبب انتهاء العقد السابق بين الشركة والبريد، ولا تزال المفاوضات التجارية قائمةً للوصول إلى اتفاق جديد، ومنه سيتم تحديث العناوين وإضافة العناوين الجديدة والمُحدَّثة على خرائط .Google  أما بالنسبة لموضوع تداخل الصلاحيات بين الجهات الحكومية، فيمكن القول إن الحل يتم من خلال وضع إطار حوكمة للبيانات الجيومكانية يُحدِّد الأدوار والمسؤوليات والصلاحيات ونحوه، ومن ثَمَّ دعم تلك الحوكمة بما تحتاجه من الأنظمة والتشريعات اللازمة، ثم يتم تقديم الدعم اللازم للمبادرات المهمة لإنتاج البيانات لدى مالكي البيانات مع توفير تلك البيانات للمستخدمين بشكل منتظم ومُحدَّث وآلي، وهو ما يلبي احتياجاتهم. وقد تمَّ هذا العام الانتهاء من وضع إطار حوكمة البيانات الجيومكانية عبر مبادرة إطلاق المركز الجيومكاني الوطني بإدارة الهيئة العامة للمساحة، وبإشراف ومتابعة من لجنة تحسين بيئة الأعمال “تيسير”، وهذا الأمر يدعو لكثير من التفاؤل للمُضي في تكامل أكبر بين الجهات خلال الفترة القادمة، ولا سيما مع وضوح الأدوار المنوطة بكل جهة، مع اتفاق الجميع على تلك الأدوار. أما بالنسبة للتجارب الدولية، فتسعى الكثير من دول العالم إلى بناء NSDI منصات وطنية للبيانات الجيومكانية، وتواجه الكثيرُ من الدول العديدَ من التحديات لتحقيق هذا الهدف، لكن تختلف طبيعة تلك التحديات من دولة لأخرى. وبصفة عامة، ليس من التحديات التي تواجهها تداخل الصلاحيات بين الجهات الحكومية، إلا في حالات قليلة للغاية ونادرة ولا تكاد تذكر.

وبدوره تساءل د. حميد الشايجي: ما دور إدارة المساحة العسكرية في موضوع المعلومات الجيومكانية؟ وهل هناك تنسيق بينها وبين الهيئة العامة للمساحة؟ وإنْ كان هناك تعاون هل هو إلزامي (أي يوجد قرار مُلزِم) أم تطوع بالمعلومات مبني على الاجتهادات؟ وردًّا على ذلك، ذكر م. علي بخيت أن إدارة المساحة العسكرية تُعنَى بالاحتياجات العسكرية والحربية، ولها استخداماتها الخاصة. والمساحة العسكرية لا يوجد لديها طبقات خاصة بها، ولا تعتبر مُنتِجًا للبيانات الجيومكانية، إنما تعتبر جهة مُستخدِمة للبيانات المتوفرة من الجهات الأخرى. أما الهيئة العامة للمساحة فهي هيئة مدنية مسؤولة عن المرجع الجيوديسي ومُنتِجة لمجموعة من الطبقات (الحدود الدولية، والخرائط البحرية، وخرائط الارتفاعات، والأسماء الجغرافية)، بالإضافة لدورها في تنظيم مجال المعلومات الجيومكانية بالمملكة. وبالتأكيد، هناك تعاون كبير من الهيئة العامة للمساحة وجميع الجهات المُنتِجة مع إدارة المساحة العسكرية.

وأضاف م. إبراهيم ناظر أنه قبل إنشاء الهيئة العامة للمساحة عام ١٩٨٩ كانت المساحة العسكرية هي المرجع الجيوديسي والمُنتِجة للخرائط الجغرافية بكل مقاساتها، وبعد إنشاء الهيئة تمَّ انتقال رئيس الهيئة وعدد كبير من الضباط والموظفين المتخصصين للهيئة، وظل التعاون قائمًا بين الهيئة وإدارة المساحة العسكرية، والواقع أنه لا يمكن أَخْذ صور جوية لأي منطقة إلا بعد التنسيق مع إدارة المساحة العسكرية والموافقة عليها من بقية أفرع وزارة الدفاع الأخرى، وخاصة القوات الجوية.

أما أ. عبد الله الضويحي فقد طرح مجموعة من التساؤلات في هذا السياق، وهي كما يلي:

  • هل تأخَّرنا في المملكة العربية السعودية في الاهتمام بالمعلومات الجيومكانية؟ وإذا كُنَّا كذلك فلماذا؟ وهل يمكن دراسة هذا الموضوع كتخصص، وبالتالي فتح مسارات علمية له في الجامعات أو ابتعاث بعض الطلاب لتأهيلهم؟
  • هل كان لبيروقراطية العمل الحكومي دورٌ في ضعف التنسيق بين بعض الجهات ذات الصلة بتطوير والإفادة من المعلومات الجيومكانية؟
  • هل نقص الكفاءات المؤهَّلة وبعد النظر لدى المسؤول في بعض القطاعات سبب رئيس؟

وأكد م. علي بخيت أننا في المملكة بالفعل متأخرون في مجال المعلومات الجيومكانية؛ لأسباب كثيرة، من أبرزها هو أن هذا العمل يحتاج تشاركية وتنسيقًا عاليًا بين الجهات المختصة، وكان هناك ضعفٌ واضحٌ في التنسيق بين الجهات، هذا بالإضافة لعدم وجود جهة حاملة لمشعل هذا المجال، وأيضًا لعدم وجود جهة مُنظِّمة للبيانات، ونقص الكوادر المؤهَّلة في هذا المجال بخاصة مع عدم وجود مسارات علمية في الجامعات. لكننا أصبحنا اليوم أمام فرصة كبيرة للنهوض بهذا المجال بشكل استثنائي يتفوق على التجارب الدولية في ظل وجود رؤية المملكة 2030، التي وضعت النقاط على الحروف في هذا المجال، كما في غيره من المجالات، لا سيما أيضًا أن الكثير من التحديات قد تمَّ تذليلها، فقد أصبحت لدينا هيئة تُنظِّم البيانات، كما تلعب هيئة المساحة دورَ حامل المشعل للمجال، وتشهد الفترة الحالية تنسيقًا ملحوظًا بين مختلف الجهات الحكومية، هذا بالإضافة إلى أن هناك الكثيرَ من الجامعات استحدثت مساراتٍ تعليميةً لهذا المجال؛ وكل هذه الظروف والتنظيمات تدعو لمزيد من التفاؤل في المستقبل القريب.

  • مواطن الضعف والقوة المتعلقة بالمعلومات الجيومكانية الحالية:

تتمثل مواطن القوة في المعلومات الجيومكانية الحالية طبقًا لما ذكره م. خالد العثمان فيما يلي:

  • توجُّه سياسة الدولة لاستخدام تكنولوجيات نظُم المعلومات وتطبيقاتها وتهيئة المناخ الإداري، ويعدُّ تأسيس هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي والبناء على قدرات مركز المعلومات الوطني خطوة مهمة في هذا المجال.
  • توافر الدعم المالي والفني لتطوير الكوادر البشرية.
  • اهتمام المؤسسات الأجنبية المانحة، والتي تقوم بالدعم والتمويل لمثل هذه المشروعات.
  • تطوُّر مناهج التعليم التخطيطي لتقابل التطور التكنولوجي.
  • توافر البرمجيات وأجهزة الحاسبات الآلية التي تدعم استخدام تكنولوجيات نظُم المعلومات الجغرافية.

وفي المقابل، فقد أوجز م. خالد العثمان مواطنَ الضعف في المعلومات الجيومكانية الحالية فيما يلي:

  • ضعف الهيكل المعلوماتي لقواعد البيانات الرقمية سواء المكانية أو الوصفية.
  • عدم وجود نوع من التوحيد القياسي سواء للمعايير أو الرموز.
  • ما زال النظام الإداري للمنظومة المعلوماتية بحاجة إلى تطوير جوهري وأسلوب متطور لتناول مشاكل نظُم المعلومات.
  • الأسلوب التقليدي لإدارة عمليات التخطيط العمراني وديناميكيته.
  • ضعف شبكة الربط والاتصال التي تدعم المنظومة المعلوماتية.
  • عدم تقبُّل بعض الأفراد من داخل الهيكل المؤسسي وخارجه للتعامل مع التقنيات الحديثة.

ومن أجل تجاوز بعض مواطن الضعف في المعلومات الجيومكانية الحالية، فقد أوصى م. خالد العثمان بما يلي:

  • ضرورة وجود إستراتيجية شاملة تدعم وتُحسِّن الاندماج الإداري لتنفيذ برامج التطوير وتطبيقات نظُم المعلومات الجغرافية؛ وذلك للاستفادة منها في الحفاظ على الموارد المؤسسية، لما لهذه التقنية من قدرة على المشاركة في البيانات وسهولة تبادلها، إذ إن البيان في مفهومه الحديث هو تجميعه مرة واحدة مع استخدامه في عدة مجالات لعدة مرات.
  • تقليل المساحة التي تتضمنها الوحدة الإحصائية لتجميع البيانات الديموغرافية، والاقتصادية، أو العمرانية.
  • الاهتمام بضرورة تدريب الكوادر البشرية على أساسيات ومفاهيم علم نظُم المعلومات الجغرافية للاستفادة من البرمجيات الخادمة له.
  • تأسيس وحدات خاصة داخل كل مؤسسة تعمل على تطوير وتبني هذه التقنيات الحديثة “GIS” وفقًا لكل مؤسسة وتطبيقاتها.
  • تطوير أداء الكوادر البشرية بالتعامل مع البرمجيات الخادمة لـــGIS ، والاستفادة من إمكانياتها التحليلية والوسائل المتاحة لاسترجاع المعلومات وعرضها.

وركَّز د. علي الطخيس على ضرورة حثِّ وزارة العدل على الاستفادة من التقنية الجيومكانية عند دراسة إصدار حجج استحكام أو صكوك على الأراضي، وكذلك أهمية حث وزارة البيئة والزراعة والمياه أيضًا على الاستفادة من التقنية الجيومكانية عند إثبات إحياء الأرض بالزراعة، حيث يقوم بعض المحتالين بغرس أشجار ونخيل كبيرة الحجم في الظلام بعيدًا عن الرقابة، ويدعون أن لها عشرات السنين. كذلك الحال مع قطاع المياه عند الطلب من بعض أصحاب المزارع نُسخًا من رخص حفر آبارهم ويدّعون أنها حُفرت قبل صدور الأوامر السامية التي صدرت بهذا الخصوص.

واقترح د. خالد الرديعان وجود تنسيق عالٍ بين الهيئة العامة للإحصاء، والهيئة العامة للمساحة حتى يتسنى إصدار بيانات سنوية دقيقة ومكثَّفة يمكن الإفادة منها في عدة مجالات؛ كالتخطيط للمشاريع، وتقديم الخدمات، وفي مجال البحوث والدراسات الاجتماعية والاقتصادية، ودراسات الجدوى والتسويق. فالمعلومات المتاحة والمنشورة الصادرة من الهيئة العامة للإحصاء عادةً غير كافية، وتتسم بالعمومية.

ومن جهته يرى أ. محمد الدندني إمكانية الاستفادة من البيانات المتاحة في وجود أرشيف وطني أسوةً بما هو متعارف عليه في الدول المتقدمة، يُجمع به بالإضافة للمعلومات الجيومكانية معلومات مكمِّلة عن العنصر البشري في التخصصات العلمية والإنسانية؛ لما له من فائدة وبالذات لهيئة الإحصاء، وأيضًا للإدارة المحلية، كي نرتقي بطريقة الاختيار للوظائف بكافة درجاتها.

وأكَّد د. مساعد المحيا على أن ما يتطلع إليه هو حسم المعلومات الجيومكانية بحيث يتم توثيقها واعتمادها بدلاً من الفوضى التي تمارسها بعض الجهات غير المسؤولة؛ إذ إن ضبط بيانات هذه المواقع وأسمائها وطرقها والمعلومات حول كل جزء منها، من شأنه أن يمنح المستثمرين والمواطنين فرصًا متزايدة لمعرفة تفاصيل مهمة عن جغرافيا الأرض وطبوغرافيتها وطبيعة مائها ومدى بُعده عن سطح الأرض وما تشتمل عليه من فرص، بحيث يتضمن ذلك نتائج دراسات نوعية لأماكن محددة.

ومن الأفكار المهمة التي تمت مناقشتها:

  • الاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال لتوفير الجهد والمال.
  • توعية المجتمع بأهمية المعلومات الجيومكانية، والتشجيع على طرح مبادرات متنوعة من رياديي الأعمال ورأس المال الجريء.
  • العمل على تقليل المملكة والدول الأخرى.
  • حُسْن إدارة المصادر المهمة بين صانع القرار والمستخدمين النهائيين؛ ليتمكنوا بعدها من استخدام البيانات المكانية المضمونة من قِبل الحكومة بمستوى عالٍ من الثقة والشفافية.
  • إنشاء منصة وتطبيقات وطنية جيومكانية خاصة بالمواقع الترفيهية والسياحية ومواقع التراث والآثار.
  • اختيار اسم عربي بدلًا من الاسم المركب المستعمل حاليًّا (الجيومكانية) وذلك تماشيًا مع هوية المملكة، وتناسقًا مع جهودها في دعم اللغة العربية. ويمكن اقتراح أحد الأسماء التالية: المساحة المكانية، أو الجغرافيا المكانية، أو المعلومات الجغرافية.

 

  • التوصيات:
  1. المبادرة بتنفيذ التوجيه الكريم بإنشاء المركز الجيومكاني الوطني لممارسة مهامه، وتوفير ما يحتاجه لتحقيق أهدافه ومبادرته.
  2. إعداد وتدريب واستقطاب الكوادر السعودية المتخصصة هندسيًّا وفنيًّا وإداريًّا في نظُم المعلومات الجغرافية والتخصصات ذات العلاقة، وذلك بالتنسيق مع الجامعات والمراكز والجهات المتخصصة ذات العلاقة داخليًّا وخارجيًّا.
  3. نظرًا لتعدد المجالات التي تستفيد من خدمات المنظومة الجيومكانية في المملكة وعدم قدرتها على مواكبة التطورات السريعة، وتحقيقًا لرؤية المملكة ٢٠٣٠م؛ نقترح تخصيص ميزانية مناسبة للمأمول منها لجعَلها مصدر دخل للناتج المحلي.
  4. التوسُّع في مَنْح تراخيص للقطاع الخاص للعمل في تقديم خدمات الجيومكانية حسب القطاعات أو الأنشطة الاقتصادية المتعددة.
  5. الاستفادة من تقنية البلوك تشين في تطوير منظومة الجيومكانية لمواكبة المستجدات العالمية في توثيق سلسلة المعاملات المرتبطة بالمعلومات المطلوبة، وتسهيل وصول العميل لها.
  6. سنُّ وتفعيل القوانين والسياسات التي تفرض التخطيط والمحاكاة للتنمية العمرانية وَفق أسس وأدوات منهجية قبل اتخاذ القرارات؛ لتساعد في تنظيم توزيع استعمالات الأراضي والخدمات في المدن.
  7. تفعيل الدور المرتقب للهيئة السعودية للفضاء، وتطوير برامج معهد بحوث الفضاء والطيران بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، والاعتماد على منظومة أقمار صناعية لتوفير المعلومات الجيومكانية.
  8. نقل إدارة المراصد الحضرية وغيرها من المراصد التخصصية إلى هيئة البيانات العامة والذكاء الاصطناعي.

 

المشاركون في مناقشات هذا التقرير

(حسب الحروف الأبجدية)

  • المشاركون في قضية “استضافة المملكة لمجموعة العشرين وفرص الاستفادة منها”:
  • م. إبراهيم ناظر
  • م. أسامة كردي
  • أ. جمال ملائكة
  • د. حميد الشايجي
  • د. خالد بن دهيش
  • م. خالد العثمان
  • د. صدقة فاضل
  • د. عائشة الأحمدي
  • أ. عبد الله الضويحي
  • د. عبد الله العساف
  • د. عبد الله المطيري
  • أ. علياء البازعي
  • د. علي الطخيس
  • أ. فائزة العجروش
  • د. وفاء طيبة
  • أ. محمد الدندني
  • د. مساعد المحيا
  • د. يوسف الرشيدي
  • المشاركون في قضية “واقع العمل التطوعي في المملكة العربية السعودية”:
  • م. إبراهيم ناظر
  • أ. بسمة التويجري
  • د. خالد الرديعان
  • م. خالد العثمان
  • أ. خالد الوابل
  • د. خالد بن دهيش
  • د. راشد العبد الكريم
  • أ. د سعد آل سعود
  • د. سعيد العمودي
  • د. سليمان الطفيل
  • د. صدقة فاضل
  • د. طلحة فدعق
  • د. عبد السلام الوايل
  • أ. عبد الله الضويحي
  • د. عبد الله بن صالح الحمود
  • د. عبد الله المطيري
  • د. عبد العزيز الحرقان
  • د. علي الطخيس
  • أ. فائزة العجروش
  • د. فايزة الحربي
  • د. محمد الملحم
  • د. مساعد المحيا
  • د. مسفر الموسى
  • د. مها العيدان
  • د. مها المنيف
  • د. هناء الفريح
  • د. هند العتيبي
  • د. وفاء طيبة
  • د. يوسف الرشيدي
  • المشاركون في قضية “ثقافة الادخار لتحقيق رؤية 2030 م”:
  • م. إبراهيم ناظر
  • د. الجازي الشبيكي
  • أ. جمال ملائكة
  • د. حمد البريثن
  • م. خالد العثمان
  • د. خالد الرديعان
  • د. خالد بن دهيش
  • د. راشد العبد الكريم
  • د. سليمان الطفيل
  • د. عائشة الأحمدي
  • أ. عبد الله الضويحي
  • د. عبد الله المطيري
  • د. عبد الله بن صالح الحمود
  • د. عبير برهمين
  • أ. د. عثمان العثمان
  • أ. فائزة العجروش
  • د. فايزة الحربي
  • أ. فهد القاسم
  • أ. محمد الدندني
  • د. محمد المشيقح
  • د. مساعد المحيا
  • د. مسفر الموسى
  • د. مها العيدان
  • د. ناصر القعود
  • د. هند الخليفة
  • د. وفاء طيبة
  • المشاركون في قضية “أهمية المعلومات الجيومكانية في التنمية المستدامة والعائد الاقتصادي لها”:
  • أ. بسمة التويجري
  • د. حميد الشايجي
  • م. خالد العثمان
  • د. خالد الرديعان
  • د. خالد بن دهيش
  • د. رياض نجم
  • د. سليمان الطفيل
  • د. صدقة فاضل
  • عبد الرحمن باسلم
  • د. عبد العزيز الحرقان
  • أ عبد الله الضويحي
  • د. عبد الله المطيري
  • أ. د. عثمان العثمان
  • د. علي الطخيس
  • أ. فائزة العجروش
  • أ. فهد الصالح
  • أ. محمد الدندني
  • د. محمد الملحم
  • د. مساعد المحيا
  • منصور المطيري

(*) طرحت المملكة هذه المبادرة في بيان قمة أوبك الثالثة في الرياض، وطلبت من الصناديق الأخرى التي تساهم فيها بالنصيب الأكبر أن تنفذها على أرض الواقع، قبل أن ينادي بها بان كي مون تحت مسمى الطاقة للجميع.

(*) أستاذ الصحة النفسية والبرامج الإرشادية المساعد، ووكيلة عميد البحث العلمي للتطوع البحثي وبحوث التطوع، جامعة أم القرى.

[1] – المصدر: مكتب الولايات المتحدة لإحصائيات العمل.

[2] – المصدر: هيئة تعزيز دور المنظمات الطوعية بالاتحاد الأوروبي.

[3] – المصدر: هيئة تعزيز دور المنظمات الطوعية بالاتحاد الأوروبي.

[4] – المصدر: المركز الكندي للعمل التطوعي والمشاركة.

[5] – المصدر: مكتب الإحصاءات الأسترالي.

(*) مدير عام العنوان الوطني بالبريد السعودي (منذ مارس 2012م)، ورئيس اللجنة الدولية للعنونة بالاتحاد البريدي العالمي، الأمم المتحدة (2013 – 2016)، وممثل للاتحاد في اللجنة الدولية للمعايير الجيومكانية ISO TC211

(*) مدير المعلومات الجيومكانية بمؤسسة البريد السعودي.

* المصدر: https://unctad.org/en/PublicationsLibrary/dtlstict2012d3_en.pdf

(*) المصدر: الهيئة العامة للمساحة.

تحميل المرفقات: التقرير الشهري 58

تحميل المرفقات

وقت البيانات لتقنية المعلومات شركة برمجة في الرياض www.datattime4it.com الحلول الواقعية شركة برمجة في الرياض www.rs4it.sa