يونيو 2020
- تمهيد:
يعرض هذا التقرير عددًا من الموضوعات المهمة التي تمَّ طرحُها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر يونيو 2020م، وناقشها نخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة حول القضايا التالية:
- العشــوائيات.
- الغش التجاري ومدى كفاية العقوبات المُطبَّقة عليه.
- عقود تمويل الإسكان المدعوم.
- حقوق الإنسان ومواقف المملكة خلال أزمة كورونا.
القضية الأولى
العشــوائيات
(7/6/2020م)
- الورقة الرئيسة: د. عبد القـادر أميــر (ضيف الملتقى)
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: د. حميد الشايجي
- التعقيب الثاني: د. مشاري النعـيم
- إدارة الحوار: د. خالد الرديعان
- الملخص التنفيذي:
تناول د. عبد القـادر أمير في الورقة الرئيسة السمات السلبية للمناطق العشوائية، وربَط نموها بعوامل، منها: النمو السريع للمدن، والهجرة الداخلية والخارجية، وتركُّز الخدمات في المدن مقارنة بالريف، في ظل النقص الفادح في مساكن المدن؛ الأمر الذي أسهم في نمو عشوائيات المدن. وقد أشار إلى تركُّز العشوائيات في المدن الكبرى كمكة المكرمة وجدة، وأن عددها يبلغ في المملكة نحو ٧٠٠ عشوائية. وتناولت الورقة كذلك عددًا من القرارات الحكومية التي هدفت إلى معالجة وضع العشوائيات، كما تمَّ التطرُّق إلى أسباب نشأة العشوائيات ببعض من التفصيل، ومن ذلك: زيادة عدد السكان، ونقص المساكن، وارتفاع أسعار الأراضي، وضعف الاستثمارات الحكومية في قطاع الإسكان. كما صنَّف د. عبد القادر العشوائيات إلى أربعة أنماط: فهناك العشوائيات ذات المقومات الاستثمارية، والعشوائيات التي يمكن تطويرها وتحسينها، والعشوائيات التي ليس لها مقومات استثمارية، والعشوائيات التي تحتاج إلى علاج عاجل. وتناولت الورقة كذلك بعض التحديات التي تواجه الحلول؛ ومنها: بيروقراطية الجهاز الحكومي، وقصور الخدمات، والتعامل مع العشوائيات على أسس تمييزية (لسعوديين وغير سعوديين)، ونقص الاعتمادات المالية، إضافة إلى التعدي الدائم على الأراضي الحكومية. وطرحت الورقة إستراتيجية للتعامل مع العشوائيات تتوافق مع برنامج التحوُّل الوطني بحيث تُحقِّق الإستراتيجية أربعة أهداف، وهي: رفع جودة الخدمات، وتحسين المشهد الحضري، والحد من التلوث بمختلف صوره، وتحسين الظروف المعيشية لسكان العشوائيات.
في حين أشار د. حميد الشايجي في التعقيب الأول إلى القلق من نمو العشوائيات، وأنها غالبًا ما كانت بؤرًا للجريمة والسلوك المنحرف، ويدعم هذه النظرية عددٌ من الدراسات والنظريات الاجتماعية. ويرى د. حميد أن نقص الخدمات في العشوائيات قد يكون باعثًا على السلوك المنحرف مع وجود وقت فراغ غير مستغل عند صغار السكان. كذلك فقد تمت الإشارة إلى إيكولوجية الجريمة وارتباطها بالمكان والأحياء المتخلفة التي تمَّ تصنيفها إلى خمسة أنماط: الحي الفقير المزدحم، والحي المغلق، وأحياء العزَّاب، وأحياء الوافدين (الأجانب)، والأحياء المنزوية.
أما د. مشاري النعيم فتناول في التعقيب الثاني مفهوم “ثقافة الفقر” الذي عادةً ما يرتبط بالعشوائيات. وقد أشار إلى صعوبة تفكيك هذه الثقافة، بل إنه لا ينصح بتفكيكها بسبب تمركزها حول سلسلة من العلاقات الاجتماعية المتشابكة التي تخدم سكان العشوائيات؛ فالتفكيك – في رأيه – قد يخلُّ بنظام السكان الاجتماعي، ويخلق مشكلات أخرى. وعرض د. مشاري لبعض تجاربه في التعامل مع العشوائيات وذلك على المستوى الاستشاري والأكاديمي. وانتهى التعقيب بالإشارة إلى أن ثمة صعوبات تكتنف حلَّ مشكلة العشوائيات ما لم تتضافر الجهود لمواجهتها.
وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
- عوامل ظهور العشوائيات.
- المخاطر المترتبة على التجمعات العشوائية.
- نماذج من تجارب عالمية حول تطوير العشوائيات.
- آليات معالجة العشوائيات وأوجه القصور المتضمنة.
ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:
- وَضْع إستراتيجية وطنية شاملة لمعالجة مشكلة العشوائيات في المملكة، وإنشاء لجنة عليا لهذا الغرض تُمثَّل فيها الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، ومنحها كافة الصلاحيات والموارد المالية اللازمة، وربطها بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
- تأسيس قاعدة بيانات تفصيلية للعشوائيات في مدن المملكة؛ لتكون المنطلق في وضع الخطط والحلول بما يتوافق مع الواقع.الورقة الرئيسة: د. عبد القـادر أميــر (ضيف الملتقى) (*)
تعدُّ المناطق العشوائية ظاهرةً عالمية تنتشر في معظم الدول النامية وبعض الدول المتقدمة على حد سواء، وهي تنشأ بسبب الهجرة غير المنظمة والمطردة للطبقة الفقيرة ومحدودة الدخل للبحث عن العمل وتحسين ظروفهم المعيشية، وفي ظل غياب القوانين المنظِّمة للسكن والتي تعمل على توفيره لجميع شرائح المجتمع وخصوصًا الطبقة الفقيرة ومحدودة الدخل من المهاجرين والقادمين للعمل أو الزيارات الدينية. حيث تلجأ هذه الفئة من الناس إلى إنشاء المساكن والأحياء بطريقة عشوائية وغير نظامية على أراضي الغير أو الأراضي التي يتم الاستحواذ عليها بطُرق تملُّك غير نظامية.
إذ تعتبر العشوائيات من المشاكل ذات الانعكاسات الخطيرة على المجتمع في الجوانب العمرانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية والصحية والبيئية، والتي كان لها الأثر السلبي على التشوُّه البصري للمدن، وتدني مستوى المعيشة وجودة الحياة في التجمعات العمرانية، وظهور العديد من المشاكل والمخالفات الاقتصادية والبيئية والجرائم الاجتماعية وغير الأخلاقية غير المسبوقة في المجتمع.
ومن الملاحظ انتشار المناطق العشوائية في المملكة العربية السعودية خلال العقود الأربعة الماضية؛ نتيجة النمو السريع للمدن والتوسُّع في التنمية العمرانية وعدم توازنها على مستوى مناطق المملكة، وزيادة معدلات الهجرة الداخلية والخارجية من القرى والمناطق المجاورة إلى المدن الكبرى، بالإضافة إلى هجرة وتخلف العديد من العمالة والقادمين للحج والعمرة عن العودة لبلدانهم نظرًا لتوفُّر فرص معيشية أفضل لهم من العمل والتعليم والرعاية الصحية وغيره من الخدمات الحضارية والمعيشية. كما كان لضعف الرقابة البلدية، وعدم متابعة النمو العمراني، وارتفاع أسعار الأراضي السكنية، وعدم توفُّر مساكن ميسرة للفقراء ومحدودي الدخل؛ الدور الرئيس لتفاقم ظاهرة انتشار المناطق العشوائية في جميع أنحاء المملكة، وهو ما تسبَّب في نشوء ما يقارب سبع مئة (٧٠٠) منطقة عشوائية في جميع أنحاء المملكة، تتركز معظمها في المدن الكبرى وخصوصًا مكة المكرمة وجدة، والتي يبلغ عدد المناطق العشوائية فيها ٧٠ منطقة في مكة المكرمة و٦٠ منطقة في جدة؛ حيث تحوي هذه المناطق ما يقارب من ربع سكان هاتين المدينتين؛ وهو ما أدى إلى نشوء الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والبيئية، والتشوُّه العمراني وتردي جودة الحياة بهما.
وقد تنبَّهت حكومة المملكة العربية السعودية لهذه المشكلة العمرانية المتنامية، حيث أصدرت عددًا من القرارات الوزارية، واتخذت العديد من الخطوات التنفيذية، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
- تشكيل لجنة وزارية لمعالجة وتطوير الأحياء العشوائية لمنطقة مكة المكرمة (رقم القرار ٩٠٠٢/ م/ ب بتاريخ ٩/١٠/١٤٢٨)، والتي تتكون من أصحاب السمو الملكي وزير الداخلية ووزير الشؤون البلدية والقروية وأمير منطقة مكة المكرمة وأصحاب المعالي وزير العمل ووزير المالية؛ وذلك لمعالجة وتطوير الأحياء العشوائية بمنطقة مكة المكرمة.
- الإعداد والموافقة على لائحة تطوير العشوائيات، والموافقة على مشروع تطوير العشوائيات في منطقة مكة المكرمة (رقم القرار 5519/ م/ بتاريخ 16/7/١٤٢٩).
- صدور أوامر سامية لإنشاء كُلٍّ من شركة جدة للتطوير والتجديد العمراني بجدة، وشركة البلد الأمين للتنمية والتطوير العمراني بمكة المكرمة؛ للإشراف والمشاركة في مشاريع تطوير العشوائيات في كُلٍّ من جدة ومكة المكرمة.
- الموافقة على تنظيم هيئات المناطق والمدن، المادة (4) الفقرة (9): “الإشراف على تأهيل الأحياء العمرانية القائمة بما في ذلك الأحياء التاريخية وتحسينها، والأحياء العشوائية والارتقاء بها عمرانيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا وبيئيًّا، وإجراء ما يلزم لتنفيذ ذلك”.
- الموافقة على الترتيبات التنظيمية للهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، بند (5): الإشراف على تأهيل الأحياء العمرانية القائمة والعمل على تحسينها، ومعالجة وَضْع المناطق العشوائية وتطويرها والارتقاء بها عمرانيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا وبيئيًّا.
ولقد تمَّ تعريف المناطق العشوائية حسب لائحة العشوائيات بأنها المناطق الواقعة ضمن الحدود الإدارية للمدينة، والتي نشأت بدون مخططات تقسيم أراضٍ سابقة معتمدة على أملاك عامة أو أملاك خاصة أدَّت إلى توسُّع عمراني عشوائي غير مُخطَّط.
ولا يُشترَط أن يكون للمنطقة مساحة معينة حيث تتراوح مساحتها ما بين مجموعة مساكن صغيرة إلى مجموعة أحياء كاملة، وتتباين حجمًا ومساحة بصورة عفوية، ولا تخضع لقواعد التخطيط. وهي مناطق لا تتماشى مع النسيج العمراني للمجتمعات التي تنمو بداخلها أو حولها، ومتعارضة مع الاتجاهات الطبيعية للنمو والامتداد، وهي مخالفة للقوانين المنظِّمة للعمران.
وقد يرجع سبب نشأة هذه المناطق لبناء المساكن والمباني باجتهادات فردية من الأفراد بعضها بتراخيص وبعضها بدون تراخيص، وهي مناطق غير منظَّمة ولا تكتمل بها الخدمات والمرافق الضرورية، وتصعب فيها حركة المركبات، ولا يمكن معالجتها من خلال برامج التنمية العمرانية الاعتيادية.
وقد كانت هناك بعض العوامل القوية التي ساعدت على نمو وانتشار الإسكان العشوائي، يمكن أن نُلخصها فيما يلي:
- زيادة معدلات النمو السكاني.
- النقص في عدد الوحدات السكنية الميسرة والملائمة لذوي الدخول المنخفضة، وزيادة الطلب عليها نتيجة الهجرة السريعة من الريف إلى المدن.
- زيادة جاذبية المدن الرئيسية نتيجة تمركز الخدمات بها، وفي المقابل تراجع جاذبية المدن الريفية شديدة الطرد نتيجة ندرة الخدمات والإمكانيات بها.
- ارتفاع أسعار الأراضي والشقق السكنية في المناطق الرسمية المنظمة في المدن، والتي تتمتع بالمرافق العامة (مياه نقية – صرف صحي – كهرباء – طرق مناسبة).
- ضعف الاستثمارات الحكومية والقطاع الخاص في مجال الإسكان المنخفض التكاليف.
- التهاون مع منتهكي القوانين ومغتصبي الأراضي من قِبل الجهات الرسمية نتيجة لعدم توافر بدائل أخرى مناسبة، فأصبحت هذه المناطق تفرض أمرًا واقعًا وحالة إنسانية، وشكَّلت جماعات ضغط أجبرت حكومات المدن على مدِّ المرافق والخدمات إليها.
- زيادة القيمة الإيجارية للمعروض من الإسكان النظامي.
- رغبة الأهالي في سكن أبنائهم وأقاربهم بجوارهم؛ وهو ما شكَّل ضغطًا كبيرًا على هذه المناطق.
- محدودية المساكن الشعبية المنخفضة التكاليف.
ولقد صنَّفت لائحة العشوائيات المناطق العشوائية إلى عدد من الأصناف؛ وذلك بهدف وضع حلول مناسبة لكل صنف على حدة، تتناسب مع خصائصها المالية والاجتماعية وجاذبيتها الاستثمارية، ويمكن توضيحها كالتالي:
ولوضع الحلول العملية الناجعة لا بد من حصر التحديات المتوقع مواجهتها في تطوير المناطق العشوائية لاختيار المعالجات الملائمة والواقعية، ولتقليص الآثار السلبية الممكن حدوثها من تهجير السكان والتسبب في نشوء مناطق عشوائية جديدة في مناطق أخرى، ويمكن تلخيص هذه التحديات في التالي:
كما يعتبر تحسين مستويات المعيشة والسلامة من الأهداف الإستراتيجية لبرنامج التحول الوطني، وهي موضحة في الشكل التالي:
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: د. حميد الشايجي
فنَّد د. عبد القادر أمير العشوائيات من ناحية قابليتها للتطوير والتنمية من عدمه، مُعرِّجًا على رؤية 2030 حيال جودة الحياة. وتطرَّق لعوامل نشأة العشوائيات، وأُضيفُ للعوامل التي ذكرها عامل الهجرة القسرية وعدم القدرة على العودة إلى أرض الوطن بسبب الحروب أو النظام الجائر، كما هو الحال مع مسلمي الروهينجا القادمين من بورما. كما أشار إلى وجود 700 عشوائية في المملكة، منها 130 في جدة ومكة المكرمة، ولكنه لم يتطرق نهائيًّا لباقي العشوائيات البالغة 570 عشوائية، أين توجد هذه العشوائيات، وما هي أوضاعها؟
وأودُّ أن أضيفَ هنا جانبًا آخر للقضية تحت النقاش، وتوضيح أنه لم تكن الأحياء العشوائية مصدرَ قلق للمسؤولين في المدن المصابة بهذه الآفة. وكيف يمكن أن تكون الأحياء العشوائية مصدرًا من مصادر تكوين السلوك المنحرف. يعدُّ الحي – كما يرى الدوري (1983) – منطقة جغرافية تُحدِّد إقامة الأسرة، وتُشكِّل علاقاتها واختلاطها وتواصلها مع الآخرين. الحي يُتيح لأفراد الأسرة أسباب المخالطة. كما أن الحي يُسهم في تزويد الفرد ببعض القيم والمواقف والاتجاهات والمعايير السلوكية التي يتضمنها الإطار الحضاري العام الذي يُميِّز المنطقة الاجتماعية. فالحي هو المرآة التي تعكس قيم وعادات الأفراد الذين يعيشون فيه. وهكذا، تتكون شخصية الفرد من خلال دورين مهمين: الأول هو دور الفرد في الحي الذي يعيش فيه. والثاني هو مكانة الحي بين بقية الأحياء الأخرى، والدور الذي يلعبه الحي في المجتمع الكبير الذي يحتويه. فالحي الذي تتوافق قيمُه مع قيم المجتمع الكبير يكون حيًّا سويًّا يُهيِّئ لأفراده جوًّا يُكسبهم الشعورَ باحترام النظام والقانون؛ ولكن حين يخرج الحي في قيمِهِ الاجتماعية عن متواضعات المجتمع الكبير، فإن هذا الحي يُصبح مصدرًا لتكوين بعض الاتجاهات الخاطئة، حيث يفشل في توجيه قيم أفراده وضبط سلوكهم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن العشوائيات تفتقر إلى وسائل ترويح صحية مناسبة لأفراد الحي وخصوصًا الصغار منهم. إنَّ عدم وجود مكان ملائم لاجتماع شباب الحي واستثمار أوقات فراغه يجعلهم يبحثون عن أماكن وضيعة لقضاء أوقات فراغهم. فغياب وسائل الترويح السليمة عن محيط حي من الأحياء، يترك الأطفال والأحداث في حالة فراغ لا يُحسنون استخدامه، وغالبًا ما يكون الانحراف الحصيلة المتوقعة للاستثمار السيئ لوقت الفراغ.
وقد تناول الكثير من علماء الجريمة إيكولوجية الجريمة، وأشاروا إلى علاقة الحي في تكوين السلوك المنحرف، وذلك انطلاقًا من فرضية مفادها أن السلوك المُنحرف هو حصيلة تفاعل طويل بين الفرد وظروف بيئته الفيزيقية. وتمتاز هذه الأحياء بعدم التنظيم الاجتماعي، وتحترم المجرم وتُضفي عليه طابعَ الرجولة والبطولة. وأشار عددٌ من العلماء لصفات الأحياء الفاسدة، وذلك على النحو التالي:
- الحي الفقير المزدحم بسكانه والذي يشيع فيه الفقر، وتشيع فيه الرذائل الاجتماعية والموبقات، والذي تكون فيه السرقة البسيطة من أعمال العيش اليومية.
- الحي المغلق الذي تفصله عن بقية أجزاء المجتمع الكبير عوائق طبيعية، أو فوارق اجتماعية واضحة. وغالبًا ما تقع مثل هذه الأحياء بين منطقتين سكنيتين على مستوى معين من التنظيم الاجتماعي. فهي أحياء لا تعتبر جزءًا من المجتمع الكبير، ولكنها تعيش على هامشه أو في أطراف منطقة سكنية حسنة.
- الحي الذي يكثر فيه العزَّاب، ويجمع بين أشخاص غير متجانسين، ومن أقليات متعددة.
- حي الأجانب، وهو الحي الذي تتخذه أقلية معينة موطنًا لها (كحي البرماوية في مكة (. وعلى الرغم من تجانس سكان هذا الحي لأنهم ينتمون إلى أقلية واحدة، لكن هذا النوع من الأحياء يمتاز بعزلة اجتماعية كبيرة، وتشيع فيها الرذيلة والجريمة على نطاق واسع.
- الحي المنزوي في أطراف المدينة، الذي يلجأ إليه بعض المجرمين الفارين من العدالة للاحتماء به. وعندما ننظر إلى الأحياء العشوائية نجدها تحمل هذه الصفات؛ الأمر الذي يستدعي التدخل السريع من مُخطِّطي المدن ومُنظِّميها لتصحيح أوضاع هذه الأحياء والحد من مشاكلها المتعددة. وخير مثال على ذلك ما شاهدناه من إشكاليات تواجه العاملين الصحيين للسيطرة على انتشار فيروس كورونا المستجد في مثل هذه الأحياء العشوائية، كحي النكاسة في مكة، وغيره .
- التعقيب الثاني: د. مشاري النعيم
يجب أن نقول إن ظاهرة العشوائيات ليست جديدةً، بل هي ظاهرة منتشرة في جميع أنحاء العالم خصوصًا في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكثير من المدن العربية الكبرى، وهي من سمات القرن العشرين على وجه الخصوص، ونتيجة للتطوُّر العمراني السريع للمدن بعد الحرب العالمية الثانية؛ وبالتالي فإننا نواجه ظاهرةً إنسانية عالمية تمَّ دراستها ووَضْع تصوُّرات لحلول لها، أغلبها ركزت على تحسين الوضع القائم، والبحث عن بدائل تطويرية لهذه المناطق بدلاً من تهجير السكان؛ إذ يقول علماء الاجتماع إن له عواقب وخيمة وخطيرة على المجتمعات المعاصرة. إذًا، نحن أمام مأزق حقيقي يصعب وضع حلول جذرية له؛ وهو ما قد يؤدي إلى تصاعد المشكلة في المستقبل خصوصًا مع الضعف التنظيمي والتشريعي الذي أشار له مُعِدُّ الورقة الرئيسة.
ولعلِّي هنا أطرحُ جانبًا مهمًا لم تتعرض له الورقة بشكل مباشر، وهو ظاهرة “ثقافة الفقر” Culture of Poverty التي غالبًا ما تُميِّز هذه المناطق على وجه الخصوص. ثقافة الفقر تمَّ تعريفها على أنها “بنية اجتماعية” ليس من السهولة تفكيكها، أو بعبارة أخرى: لا يُنصح بتفكيكها كونها مثل نظام اجتماعي قائم على التكافل بين السكان مما يجعل هؤلاء السكان يُفضِّلون البقاء في المناطق العشوائية التي تتلاءم مع نظامهم الاجتماعي القائم على التعاون بين الأسر، والدعم الذاتي الذي يُعزِّز من البقاء وتحقيق الاكتفاء الذاتي. يتميز السكان في المناطق العشوائية بالتناغم الاجتماعي فيما بينهم، حتى وإنْ كان باقي أحياء المدينة تصفهم بالشذوذ عن القاعدة العمرانية المعاصرة التي تتوفر فيها الحدود الدنيا من الخدمات والحياة الكريمة. العلاقات الاجتماعية بالنسبة لهؤلاء مُقدَّمة حتى لو تمَّ توفير مساكن أخرى أكثر ملاءمةً.
من تجربتي الشخصية، عملت مستشارًا لمؤسسة الملك عبد الله (الأمير عبد الله في ذلك الوقت) للإسكان التنموي بين عامي 2002 و2003م، وقمنا بإجراء مسح شامل للمناطق الفقيرة والعشوائية في المملكة، والتقينا بخبراء في مجال الإسكان وإسكان المناطق العشوائية. وتبيَّن أن فكرة “نقل السكان” لم تكن هي الفكرة الصائبة حسب ما أكده الخبراء، رغم أن المؤسسة مضت في مشاريعها للإسكان التي لم تكن ناجحة بما يكفي، وأذكر أنني قدَّمت مشروعًا مُغايرًا يعتمد على تطوير هذه المناطق وتحسينها Upgrade of the spontaneous settlements، وقمتُ بدراسة قرية في الأحساء اسمها “قرية القرن”، وأجريت دراسة شاملة لتطويرها، على أن الدراسة لم يتم تنفيذها وذلك لضعف مقومات تنفيذ مثل هذه المشاريع التي تتطلب فِرَقًا مدرَّبة غير متوفرة في المملكة للأسف.
في العام 2005 و2006 طلبت مني مؤسسة الملك عبد الله إجراء دراسة ما بعد الإشغال Post Occupancy Evaluation للأحياء السكنية التي تم تنفيذها في المدينة المنورة، ووجدت أن مستوى الرضا للسكان منخفض بسبب انتقالهم من أحيائهم السابقة؛ وذلك لسبب رئيسي أن مصادر أرزاقهم كانت قريبة من الأحياء السكنية ولم يعودوا قادرين للوصول لتلك الأماكن للتكلفة الباهظة للتنقل. كما أن البنية الاجتماعية التي كانت موجودة في الحي السابق بدأت تتفكك في الحي الجديد، وبالتالي البنية التكافلية التي كانوا يتقاسمون فيها الفقر ويتعاونون عليه أخذت في الانهيار؛ وهو ما ولَّد مشاكل اجتماعية وأمنية وأخلاقية في الأحياء الجديدة.
إذًا نحن أمام معضلة عمرانية/حضرية خطيرة جدًّا، والحلول التي يُفترض أن تُوضع لها يجب أن تكون مبنيةً على دراية وخبرة عميقة، وأقترحُ في هذا الصدد أن تُشكَّل فِرقٌ من العمرانيين وعلماء الاجتماع والاقتصاديين بالإضافة إلى خبراء في التشريع للتعامل مع هذه المشكلة ووضع حلول عاجلة لها. هذه الحلول ليست بالضرورة تؤدي إلى نقل السكان وتهجيرهم من أحيائهم القديمة؛ بل بدراسة أوضاعهم بالتفصيل وفتح ملف مستقل لكل ساكن، وفهم ظروفه الاجتماعية والاقتصادية؛ لأنه حتى هذه الساعة لم أتقاطع مع دراسة اجتماعية واقتصادية شافية عن المناطق العشوائية في المملكة.
- المداخلات حول القضية:
- عوامل ظهور العشوائيات:
أشار د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أن أصل كلمة عشوائيات كمفردة عربية، هي تلك المباني المُقامة بلا تخطيط أو نظام، خارج نطاق خُطط التنمية السكانيَّة للحكومة، وغالبًا ما تفتقر إلى بعض الخدمات الأساس؛ فمنها ما كانت ذات خطط نظامية، ومنها ما تمَّ إنشاؤه من خلال مجموعة من الأفراد أو الأسر على أراضٍ قد تكون مملوكةً لهم وقد تكون مملوكة للغير، والغير قد يكونون حكومة أو أهالي، والعشوائية بطبيعة الحال هي نمط سلوكي غير مقبول، وعدم القابلية هذه لا ترتبط بالضرورة بإقامة مساكن أو مرافق سيئة التخطيط أو التنفيذ؛ بل عشوائية الأداء المقترنة بالقيام بأفعال غير مقبولة، حتى عندما يعمل فرد أو مجموعة من الأفراد عملاً ما لم يكن مُخطَّطًا له أو مدروسًا يُسمَّى ذلك عملًا عشوائيًّا. فقضية عشوائية تكوين الأحياء وبناء المساكن عشوائيًّا هي ظاهرة عالمية كما تطرَّق لها الجميع، وقد يكون إنشاء ذلك آتيًا من خلال تنظيم كان في مرحلة مضت إنشاءً منظَّمًا وقانونيًّا، ومع مرور الأزمان وإهمال ذلك من لدن إشراف وتطوير حكومي واجب الأداء، فضلًا عن القاطنين في ذلك حين تحولت أمكنتهم إلى عشوائيات بسبب تكاسلهم نحو تقويم مساكنهم لأسباب اقتصادية أو غير ذلك، وهذا بطبيعة الحال أمرٌ لا نختلف على حدوثه، فإهمال الأشياء مؤدَّاه انعكاس تنموي ضد البيئة السليمة، وداعم لتنشئة بيئية غير حميدة.
ومن ناحيته، ركَّز م. خالد العثمان في تناوله لمشكلة العشوائيات على الجوانب التالية:
- العشوائيات أولاً ليست مشكلة بحد ذاتها، بل مشاكلها ناجمة عن تردي مستوى المعيشة فيها نتيجة ما لاقته من إهمال وتجاهل لأسباب متنوعة؛ منها ما يتعلق بنظامية تخطيطها وبنائها من المنظور البلدي التقليدي، وما يتعلق بنظامية التملُّك فيها من المنظور التقليدي لكتابات العدل، وغير ذلك من الأسباب. المهم أن واقع العشوائيات هو نتيجة وليس سببًا، وإشغالها من الوافدين والفقراء ومخالفي الإقامة هو نتيجة لتردي مستوى المعيشة فيها. وكما ذكر د. عبد القادر، فإن العشوائيات هي نتيجة مباشرة لقصور أدوات توفير المساكن الملائمة لشرائح السكان المختلفة.
- مشكلة العشوائيات هي ارتباطها بعنصر الأرض الذي يُمثِّل بكل أسف منتجًا استثماريًّا ووسيلةً لاكتناز الثروة في النموذج الاقتصادي في المملكة. وبالتالي، فإن كافة مبادرات الحلول والعلاج كانت دومًا تنطلق من رؤية عقارية وبنماذج عقارية، وغالبا بأيدي شركات ومؤسسات عقارية. وكما نقول دومًا إن المدن لا يمكن أن تُبنى برؤية عقارية. وما نماذج التعثُّر والفشل إلا أدلة على هذا الطرح، بما فيها نماذج شركات تطوير مشاريع الرويس وخزام والبلد الأمين، وغيرها.
- تعاني العشوائيات مثلها مثل كثير من مشاكل التنمية من تعدُّد جهات الاختصاص وتنازع الصلاحيات وضياع المسؤولية في غالب الأحيان. ومع التحفُّظ على انخراط إمارات المناطق في هذه القضية من الأساس، إلا أن تصدُّر إمارة منطقة مكة المكرمة لقضية العشوائيات فيها قاد إلى نوع من تركيز الاختصاص وتنظيم الجهود للخروج بحل ما وتنفيذه، مع الاختلاف المطلق والتام مع طبيعة الحل المتبع، والذي تبنَّى الإزالة منهجًا وحيدًا من المتوقع أن يؤدي إلى عثرات عديدة في المستقبل.
- الجانب الذي يغفله كلُّ مَن يسعى لمعالجة قضية العشوائيات هو الجانب الحقوقي.. سكان العشوائيات في الغالب الأعم اكتسبوا حقوقًا في مساكنهم التي بنوها بأيديهم وجهدهم ومالهم، وهم لا يريدون سوى ملاجئ تضمُّهم هم وأبناءهم. حقُّ المسكن هو أحد الحقوق المدنية الأساسية وإنْ عجزت أو تأخَّرت مؤسسات الدولة في توفيرها، فلا يمكن لوم مَن يُبادر بحل مشكلته ولو كان فيما يفعل شيء من الاجتراء على أنظمة وحقوق عامة في دائرة اختصاص الدولة. بالتالي، فإن إخراج هؤلاء من مساكنهم وإزالة الأحياء دون معالجة الجوانب الحقوقية، وتوفير حلول إيوائية بديلة دائمة وليست مؤقتة – هو في الحقيقة حل مُجحف من الناحية الحقوقية، ويصبح أكثر إجحافًا عندما تُسلَّم هذه الأراضي بعد إزالة الأحياء العشوائية إلى شركات استثمارية عقارية لتطويرها وتحصيل أرباح ناتجة عن إسكان فئات أخرى في ذات المواقع.
وأشار د. حميد الشايجي إلى أن بعض العشوائيات قد تكون بوضع اليد مثل الحي الذي يُعرف (بالمغتصبة) في الرياض، ومن الوارد وجود أحياء نمت بطريقة غير نظامية أو أُهملت من متابعة البلديات مثل ما يُعرف بالغيتوز في أمريكا. وأضاف د. عبد القادر أمير أن هذا ما يُسمَّى بالتعديات على أراضي الغير سواء الحكومية أو الخاصة، ويمكن أن يكون ذلك بالتعدي غير القانوني وغير النظامي في الأراضي المهملة وغير المسورة أو المحمية، والتعدي شبه النظامي فيما يقوم به بعض تجار الأراضي العشوائية أو ما أسماهم سمو أمير منطقة مكة لصوص الأراضي، الذين يُصدِرون وثائق بيع لأراضي لا يملكونها ومتنازع عليها وبأسعار منخفضة وجذَّابة جدًّا للمحتاجين للسكن من المواطنين القادمين والنازحين من القرى والمدن القريبة، الباحثين عن عمل وظروف معيشية أفضل في المدن الكبرى.
وأوضح د. خالد الرديعان أن البعض يرى أن نشوء العشوائيات وخاصة في مكة والمدينة هو بسبب رغبة سكان هذه العشوائيات في مجاورة الحرمين. وأضاف د. عبد القادر أمير أن هذا أحد المسوغات والأسباب، ولكن ليس السبب الرئيسي، فجدة ليست بجانب الحرمين الشريفين ويوجد فيها أكثر من ٦٠ عشوائية تُغطي ما يقارب ٦٤ كم٢ ويسكن فيها ما يقارب المليون نسمة، أي ربع سكان المدينة تقريبًا، ومعظم سكان هذه المناطق من المواطنين الذين لم يستطيعوا توفير المسكن الملائم لأحوالهم وظروفهم الاقتصادية في الأماكن المخطَّطة والمنظَّمة رسميًّا في المدينة. باختصار، السكن في العشوائيات هو بسبب فشل آلية وإمكانية توفير المسكن الملائم لذوي الدخل المحدود والفقراء سواء للمواطنين أو المخالفين. ولا شك أن نزوح الكثير من المواطنين من القرى والبوادي المحيطة بمكة المكرمة هو للبحث عن لقمة العيش، وتوفير المعيشة في مدينة مكة الموسمية التي يمكن لهم العمل والكسب بسهولة من خلال الكدادة والعمل في الحرم بدفع العربات أو بيع مستلزمات الحجَّاج والمعتمرين خارج الاقتصاد المنظَّم الرسمي بما يُسمَّى informal economy، وهذا له أبعاد اقتصادية وسياسية كبيرة يطول شرحها.
ويرى د. صدقة فاضل أن ظاهرة العشوائيات في المملكة، وخاصة في المنطقة الغربية، لها ارتباط وثيق بظاهرة أسماها “الهجرة الاستيطانية غير المشروعة إلى المملكة”، فهؤلاء المهاجرون يُشكِّلون ربما غالبية القاطنين في هذه العشوائيات، وخاصة في مدن مكة المكرمة وجدة والطائف والمدينة المنورة والرياض. وهؤلاء يأتون من أسفل السُّلم الاجتماعي في بلادهم في إفريقيا وآسيا، ولا يريدون العودة لبلادهم. فهم هنا للاستيطان الدائم. واستيطانهم هذا يُمثِّل خطرًا فادحًا على بلادنا، وخاصة في المجالين الاقتصادي والسياسي. القضاء على العشوائيات قد يدفعهم للرحيل.
ومن وجهة نظر م. فاضل القرني، فإن معظم مكة أحياء عشوائية بسبب اختلاف تخطيط الشوارع والخدمات وواجهات البيوت، وإقفال شارع من المفترض أنه يكون فرعيًّا بمدرسة أو بيت وربما جدار مصمت لا يوجد تفسير له، وهذا أمر منتشر كثيرًا وفي أحياء ذات مسميات تعتبر راقية، مثل: (المعابدة، والششة، والزاهر)، والتي تنطوي على تمدُّن نسبي مع الوضع الاقتصادي قبل الطفرة البترولية، ولكن خلفها عشوائية. والواقع أن مقاييس العشوائية الآن قد ازدادت سوءًا للأسباب المبيَّنة بالورقة الرئيسة. والسؤال المطروح: هل أُخِذ في الاعتبار في دراسة تلك العشوائيات مستوى وتسهيلات التعليم؟ هل يوجد بها مدارس؟ فتحدٍ كهذا ليس من السهل التغلب عليه إلا بالوعي وبالوقت. وأفضل استثمار للوقت هو تعليم ساكني الأحياء العشوائية، وتسهيل وصولهم إلى المؤسسات التعليمية. وبالتالي، يتحسَّن وضعهم التربوي والأمني والاقتصادي.
وتطرَّق د. مساعد المحيا إلى نمط من العشوائيات يبدو ذا طابع قانوني، وهو المتعلق بالأراضي والإقطاعات الزراعية والسكنية التي تمَّ منحها لكثير من الأشخاص في مختلف مدن المملكة على أنها أرض زراعية أو سكنية؛ حيث يقوم صاحبها بتقسيمها وتوزيعها أو بيعها؛ إذ يحصل كل المالكين الجُدد على أوراق خاصة ثم يقوم هؤلاء بالمطالبة بكل الخدمات لتصل إليهم على الرغم من أنهم لا يمتلكون صكوكًا، ويقومون بالبناء بدون تصاريح وموافقات. وقد عالجت عدة تنظيمات مؤخرًا مثل هذه الحالات؛ لكنَّ هذه الأملاك العشوائية هي إفراز لنقص في التنظيمات أو تباطؤ في وضع الحلول العملية الممكنة.
وذكر م. إبراهيم ناظر أن من اللافت أن الدولة قد تنبَّهت لموضوع العشوائيات منذ عام ١٤٢٨، وتمَّ تشكيل لجنة بأمر وزاري، وتمت الموافقة على لائحة تطوير العشوائيات عام 1429. منذ ذلك التاريخ انقضى قرابة ١٢ عامًا ولا تزال العشوائيات كما هي لم يطرأ عليها تغيير؛ وعليه من الضروري التساؤل: ما الأسباب الأساسية لهذا التقاعس؟ وهل الفساد بشقيه المالي والإداري من بعض النافذين في الإدارة العامة كان وراء السماح لنشوء تلك العشوائيات إضافةً إلى الأسباب الأخرى المشار إليها في الورقة الرئيسة والتعقيبات، فلا تزال مخططات (وادي قوس) وما حصل لمخطط (أم الخير) بذلك الوادي ماثلة للعيان وشاهدة على ذلك الفساد الذي سبَّب الكارثة.
وتساءل د. خالد الرديعان: إذا كانت ثمة علاقة بين الفساد ونشوء العشوائيات، فهل ذلك بسبب أصحاب العقار ومَن يضعون أيديَهم على أملاك الدولة دون مُسوِّغ قانوني؟
وفي هذا السياق، يرى د. عبد القادر أمير أن الفساد الإداري لبعض قطاعات الحكومة لا شك أن له دورًا في تفشي ظاهرة العشوائيات في مدننا؛ فالبلديات مسؤولة عن ضعف الرقابة للبناء المخالف والعشوائي، والتباطؤ في إزالة التعديات، وأحيانًا السماح بتمديد التيار الكهربائي للمساكن في المناطق العشوائية لعقود من الزمن لظروف إنسانية، كما أن وزارة العدل أيضًا مسؤولة عن إصدار بعض الوثائق للملكية والصكوك التي لا أساس لها، والشرطة أيضًا مسؤولة لعدم القبض على المخالفين والمتسللين وترحيلهم إلى بلدانهم، ومن ثَمَّ فالمسؤولية متعددة الأطراف ومتشابكة ومعقدة، حتى أصبحت العشوائيات واقعًا مؤلمًا وقنابل إنسانية وبيئية وأمنية موقوتة، وتفاقَم تأثيرها السلبي وخطورتها في ظروف جائحة كورونا الحالية بأن أصبحت بؤرًا لتفشي وانتشار الأمراض والأوبئة للكثافة السكانية العالية وللظروف البيئية المتهالكة والسيئة، ونقص البنى التحتية الأساسية من المياه النظيفة الصالحة للشرب والصرف الصحي، والتخلص من النُّفايات.
وترى أ. مها عقيل أنه وبالنسبة للأحياء العشوائية والنمو غير المخطط، فجزءٌ كبير تتحمَّله البلديات بسبب سوء التخطيط والمتابعة وتطبيق النظام عبر سنين وعقود. حتى الأحياء التي تعتبر حديثةً إلى حد ما تُصبح عشوائيةً ومُنفِّرة بصريًّا بسبب تغيُّر النظام. هل يُعقل أن يكون مخطط سكني فلل يتحول إلى عمائر سبعة أدوار لأنَّ أمين المدينة قرَّر السماح ببنائها؟ ولماذا يُسمح بمحلات تجارية بأنواعها داخل الحي؟ الطبيعي أنه مع الوقت سيتغير شكل الحي وطابعه وسكانه.
ومن جانبها ترى أ. فائزة العجروش أنه من المستغرب أن العشوائيات تكثر في المدن الكبرى، وتستحوذ على نسبة كبيرة من تعداد سكانها، وكما يُعتقد للاستفادة من البنية التحتية، ومن خدمات الصحة والتعليم وللحصول على الوظائف وغيرها؛ لأن هناك نسبة كبيرة من الأسر التي تقطن تلك الأماكن كثير منهم من غير السعوديين، وليس لديهم أي أوراق رسمية ويلجؤون للعلاج في المنازل خوفًا من الذهاب للمستشفيات، وحتى عمليات الولادة والزواج فيما بينهم كلها تتم في المنزل ودون إثباتات رسمية. كما أنهم يعملون في الخفاء، وحياتهم كلها يعيشونها هربًا من الملاحقة القانونية. وكلنا نعرف أن هذه المناطق تفتقر كثيرًا لأدنى مستويات البنية التحتية المطلوبة لحياة صحية واجتماعية سوية. هذا فضلاً عن ارتباطها الطردي مع ارتفاع مستوى الفقر والجريمة فيها. وهنا يبرز التساؤل: لماذا تركَّزت معظم العشوائيات في المدن الكبرى (باستثناء مكة المكرمة والمدينة المنورة، بسبب رغبة قاطنيها في العيش بقرب المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف)؟
وترى د. عبير برهمين أن مشكلة العشوائيات في كلِّ مدن العالم لا تشبه مشكلة العشوائيات في أم القرى (مكة المكرمة). فهي مشكلة إنسانية بالدرجة الأولى مع تشابك كبير في تراكمات مشاكل أخرى، مثل: بعض اللوائح والأنظمة الخاصة بعمل الأمانات والبلديات، وتداخل صلاحيات جهات حكومية كثيرة في العمل البلدي، إضافةً إلى تداخل صلاحيات مقام الإمارة والحاكم الإداري والمشاريع المقررة مسبقًا لمكة. إلا أنه من المهم تسليط الضوء على دور المواطن؛ لأنه أحيانًا زاد من تشابك وتعقُّد قضية العشوائيات. فمثلاً، هجرة الأفراد من القرى والأماكن الأقل تنميةً لطلب العيش ينتهي بهم حسب تواضع وظائفهم ودخولهم للسكن في إحدى هذه العشوائيات، والزواج ببنات إحدى الأسر من البدون ومخالفي أنظمة الإقامة (لقلة المؤنة)، ولأنها الحل الأمثل لاحتياجاتهم الجسدية، وغالبًا لا يُوثَّق الزواج بأوراق رسمية، وتتفاقم المشكلة بوجود بنين وبنات دون أوراق ثبوتية، وتزيد من أعداد سكان العشوائيات. التركيز هنا على دور المواطن التاجر الذي يُقدِّس الكسب المادي على حساب الإنسانية، فقد قدِم بعض المواطنين من المدن خارج مكة وقاموا بشراء أراضٍ ووحدات إسكان بنظام المزايدات، طمعًا منهم في بيع الوحدات هذه لسكان مكة ممَّن نُزعت ملكياتهم لصالح تطوير المنطقة المركزية وتوسعة الحرم. وانتهى الأمر إلى أن تلك المساكن لم تُسكن لأنَّ التجار يريدون مبالغ فلكية، وانتهى الأمر بمَن نُزعت ملكياتهم بالسكن في المخططات الطرفية غير المكتملة الخدمات؛ لتتكرر مشكلة العشوائيات. أيضًا، ماذا عن دور المواطن الذي يملك قطعة أرض ويقوم بوضع يده على حديقة أو جبل، ومن ثَمَّ تقسيم الأرض إلى قطع محددة المساحات يبيعها على البدون ومخالفي الإقامة، لتبدأ عشوائية جديدة. كذلك، ماذا عن المواطن المسؤول في أمانة العاصمة المقدَّسة، والذي يقوم بمخالفات وتجاوزات أخلاقية (بصورة قانونية) لمصالح شخصية؟ وينسى أن مكة المكرمة مهوى الأفئدة، بها الحج والعمرة إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، وأن واجبه يُحتمُّ عليه الإلمام بجيوغرافية وطبوغرافية مكة وطبيعة التركيبة السكانية فيها، والتزايد المطرد في أعداد الزوَّار والحجَّاج يعني أن المشاريع في مكة يجب أن تكون متماشيةً مع التزايد السكاني، وأن التخطيط والعمل لثلاثين أو خمسين سنة قادمة يجب أن يبدأ اليوم وبمواصفات الغد.
- المخاطر المترتبة على التجمعات العشوائية:
ذكرت د. هناء المسلط أن قضية العشوائيات تعَدُّ قضيةً معقدة متداخلة نتيجة الإهمال والتراكم عبر السنين مما جعلها تتفاقم، وقد تكون بمثابة قنبلة موقوتة. لا شك أن العشوائيات تربة خصبة للجرائم والانحرافات والطرق الملتوية في سبيل البقاء. تكثر فيها المشكلات بجميع أنواعها نتيجة تدني المستوى المعيشي والاجتماعي والصحي؛ مما يُحتم ضرورة دراسة سكان هذه العشوائيات دراسة ميدانية متعمقة، وتحديد بياناتهم الأولية وخصائصهم، ولا يمكن حل هذه القضية بين يوم وليلة خاصة مع نقص الوحدات السكنية وزيادة معدلات النمو السكاني.
وتطرَّق أ. فهد الأحمري إلى خطورة التجمعات العشوائية على الثقافة المحلية بجوانب الثقافة المتعددة من السلوك والأدب والفنون… إلخ. والأمثلة موجودة في بعض المواقع التي غلبت عليها جنسيات معينة استوطنت بعض مناطقنا. الجانب الفكري أيضًا لا يقل خطورة في هذه المجاميع العشوائية، والذي قد تنشره في المجتمع.
بينما يعتقد د. خالد الرديعان أن تلاقح الثقافات مفيدٌ وليس في ذلك خطورة؛ فمجتمع جدة – على سبيل المثال – هو نتاج عدة ثقافات انصهرت في بوتقة واحدة. ووجود بعض السلوكيات السلبية في بعض العشوائيات لا يعني أن بقية سكانها غير متفاعلين إيجابيًّا مع مجتمع المدينة. علينا معرفة أسباب نشوء هذه العشوائيات، وخلق الظروف الملائمة لدمج سكانها مع الآخرين دون وصمهم.
واتفق د. عبد القادر أمير مع القول بتأثير التجمعات العرقية والثقافية الأجنبية لبعض هذه العشوائيات على الثقافة والأدب والفنون المحلية، لكنه يرى أن هذا التأثير من الممكن أن يكون إيجابيًّا إذا تمَّ تقنينه وتنظيمه، بل ومن الوارد أن تتحول المشكلة إلى فرصة كما حصل في بعض دول العالم التي تواجد فيها عرقيات وأجناس أجنبية في مناطق عشوائية، وتمَّ تنظيمهم وتقنين تواجدهم وتأهيلهم ودعمهم بالقروض لتُصبح هذه المناطق جاذبةً للأعمال والسياحة في المدن الكبرى، كما حصل في china town في نيويورك، والحي اللاتيني، وأيضًا في لندن وبعض المدن الأوروبية في الأحياء الصينية التي أصبحت مناطق جذب للأعمال والزوَّار والسياح.
وبدوره أكد د. حميد الشايجي على استمرارية دورة الجريمة في الأحياء العشوائية؛ الأمر الذي يحتاج إلى كسر ما يُعرف بحلقة الفقر المفرغة the vicious cycle of poverty؛ فالوضع الاقتصادي المتدني للأسر في تلك الأحياء يدفع الآباء لسحب أبنائهم من المدارس والزج بهم في سوق العمل غير النظامي لدعم الأب وتحسين الوضع المالي للأسرة. هذا الابن الذي لم يكمل تعليمه سيعمل في مهنة وضيعة جدًّا، وفي الغالب صبي في ورشة أو محل براتب بسيط يناسب سنَّه وطبيعة عمله، لكن بعد أن يكبر هذا الصغير يبدأ بالبحث عن عمل يُهيئ له فرصة الزواج والاستقرار، لكن مع المهارات والكفاءات المتدنية سيعمل بوظيفة متدنية، ويتزوج فتاة من حيِّه ظروفها شبيهة بظروف أسرته لأنها هي مَن تقبل به. وينجب ويُخرِج أبناءَه من المدرسة لمساعدته، وتستمر دائرة الفقر السيئة في مثل هذه الأحياء. لذلك، نحتاج إلى برامج ومبادرات متميزة لكسر دائرة الفقر هذه، ونقل شباب تلك الأحياء من وضع سيئ لوضع أفضل.
واتفقت أ. هيلة المكيرش مع القول بأن العشوائيات تُمثِّل مصدرًا للقلق؛ كون تلك المناطق العشوائية تزداد فيها معدلات الجريمة، وتنتشر فيها الأنشطة الاقتصادية الهامشية وغير المشروعة. وتعَدُّ بؤرة للمشكلات الاجتماعية والصحية والأمنية، وتصعب السيطرة على بعض هذه المناطق لعدم توفُّر أجهزة الضبط الاجتماعي؛ حيث تُمثِّل في الغالب تجمُّعًا سكنيًّا من الغرباء، وكذلك الضبط الأمني كونها مناطق مغلقة يصعب السيطرة عليها، فهي تُمثِّل مصدرَ قلق أمني واجتماعي يستدعي المبادرة بمواجهته بالحل والعلاج، وربما جائحة كورونا كشفت عن أهمية ذلك حمايةً للمجتمع.
- نماذج من تجارب عالمية حول تطوير العشوائيات:
تطرَّق د. حميد الشايجي إلى إحدى التجارب العالمية التي يمكن الإفادة منها، وهي تجربة حي بيوت تاون (Bute town) أو الدوكس (Docks) ومشروع Atlantic Wharf الأمواج الأطلسية الجديد على West Bute Dock في مدينة كارديف ببريطانيا. حيث تمَّ تحويل منطقة شعبية مهملة إلى منطقة تجارية تعجُّ بالحركة والحياة وتوفير الوظائف. وBute town (The Docks) هي منطقة ومجتمع في جنوب مدينة كارديف، عاصمة ويلز. كانت في الأصل عقارًا سكنيًّا نموذجيًّا تمَّ بناؤه في أوائل القرن التاسع عشر. أصبحت هذه المنطقة، المعروفة باسم “خليج تايجر”، من أوائل المجتمعات المتعددة الثقافات في المملكة المتحدة مع أناس من أكثر من 50 دولة استقروا فيها عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، حيث عملوا في الأحواض البحرية والصناعات المرتبطة بها. وشملت بعضًا من أكبر تجمعات الصوماليين واليمنيين والإغريق، الذين لا يزال تأثيرهم قائمًا حتى اليوم. بلغ عدد سكان الحي في تعداد (2011) 10.125 نسمة.
وقد مرَّ الحي بعدة مراحل تطويرية: ففي الستينيات، تمَّ هدم معظم المساكن الأصلية القديمة، وبُنِيَ في مكانها مُجمَّع سكني نموذجي من البيوت المنخفضة الارتفاع، ومُجمَّعان سكنيان شاهقان، عبارة عن مجموعة من الشقق. وفي الثمانينيات من القرن العشرين، تمَّ بناء مشروع Atlantic Wharf الجديد على West Bute Dock، وتضمَّن بناء نحو 1300 منزل جديد. جنبًا إلى جنب مع التطورات في الميناء الداخلي وحوض رواث، كان من المأمول أن يؤدي ذلك إلى إعادة التطوير والتوظيف في Bute town، ولكن يبدو أنه ليس كذلك. يبدو الانقسام بين خليج كارديف الثري وخليج تايغر الفقير واسع النطاق كما كان من أي وقت مضى، على الرغم من أن بعض المناطق الباقية من مدينة Bute town التاريخية أصبحت مكاتب رئيسية ومواقع للبيع بالتجزئة. مع تطوير Century Wharf الجديد إلى الغرب على ضفاف Taff، أصبحت العقارات السكنية محاصرة قليلًا، مما زاد من الشعور بالاستبعاد، ولم يحل المشكلة؛ الأمر الذي جعل بلدية المدينة تتحرك لتجديد مساكن الحي المبنية في الستينيات، وكان التطوير الجديد أكثر ملاءمةً للسياق الحضري للمنطقة، ووفَّر مزيجًا أفضل من المساكن الخاصة والعامة للمساعدة في الاندماج الكامل للمجتمع مع البقية من المدينة.
بدأ مشروع التطوير في ٢٠١٠ ولمدة ثلاث سنوات لإعادة تطوير مركز تسوُّق ومركز اجتماعي ومركز صحي ومنازل حديثة. وتضمَّن التطوير الجوانب البيئية، مثل حصاد مياه الأمطار. وكان المشروع هو تعاون بين جمعية الإسكان المجتمعي كارديف (CCHA)، ومجلس الصحة كارديف، ومجلس جامعة فالي.
وأضاف د. عبد القادر أمير أن هذه التجربة تعَدُّ من أنجح مشاريع تطوير المناطق المتدهورة في بريطانيا، وقد استمر بناء المشروع ١٧ عامًا ولا يزال لم تنته بعض أجزائه، وهو يعتبر الآنَ من أفضل مواقع العمل في بريطانيا.
وسلَّطت د. وفاء طيبة الضوءَ على تجربة Cape town أيضًا في العشوائيات، فقد تمَّ استبدال العشش الصفيح المصنوعة من علب السمن والحليب طوال الطريق من المطار إلى كيب تاون السياحية، ببيوت صغيرة منمقة بمشروع بدأه منديلا، وعلى مدى سنوات بعد ذلك كانت العشش تنحسر بمرور الوقت. أيضًا، فقد تمَ تنفيذ بعض المشاريع الترميمية في إسطنبول حيث كانت الدولة تُعطي بعضًا من السكان مكانًا آخر للسكن لعدة أشهر لترميم منازلهم بمقابل ما، ثم يعودون لبيوتهم بعد تعديلها، وتدريجيًّا يتم تعديل الحي كله.
وعقَّب د. عبد القادر أمير بأن تجارب تطوير مدن الصفيح أو ما يُسمَّى shanty towns منتشرة في العديد من الدول الإفريقية والآسيوية، منها المغرب ومصر وكيب تاون وغيرها، وتطوير هذه المناطق أسهل بكثير من تطوير العشوائيات في المملكة؛ لأن سكان مدن الصفيح من الفقراء والمعدمين جدًّا، ويمكن تهجيرهم وتسكينهم في شقق صغيرة في عمارات ذات كثافة عالية وبتكاليف منخفضة؛ على عكس سكان العشوائيات لدينا وخصوصًا المواطنين الذين لا يقبلون بمثل هذه المواصفات من الشقق الصغيرة والعمائر المكتظة بالسكان؛ مما يُعقِّد المسألة، ويزيد من تكاليف التهجير وإعادة التسكين.
وأضاف د. حميد الشايجي أن العمائر المتعددة الأدوار ذات الشقق الصغيرة الرخيصة تعتبر حلًّا لمشكلة الإسكان لذوي الدخول المنخفضة أو لساكني الأحياء العشوائية. إلا أنها في الحقيقة لا تحل المشكلة، بل تُفاقمها، حيث يتمخض عنها مشاكل كثيرة ناتجة عن تكدُّس مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأفراد الذين ينتمون لمستوى اجتماعي واقتصادي منخفض في مساحة جغرافية ضيقة، محدودة الخدمات الترويحية؛ مما يساعد على انتشار الجريمة والرذيلة والمخدرات في محيط تلك الأماكن. ولذلك، عدلت الحكومة البريطانية عن فكرة الإسكان المنخفض الرأسي، إلى الإسكان المنخفض الأفقي بحيث تكون بيوت صغيرة متصلة أو عمائر صغيرة مكوَّنة من عدد قليل من الشقق (٤-٦ شقق)؛ وذلك للحد من انتشار الأمراض الاجتماعية.
واقترح أ. عاصم العيسى أن يكون هناك بيوت رخيصة جدًّا، أشبه ببيوت خشبية، إلا أنها ملك، ولو على أرض بعيدة نسبيًّا، فدول عديدة تعتمد على بيوت الخشب كمثال، وأضاف أن من المهم الجدية في مواجهة المشكلات، واتخاذ القرار المناسب بشأنها، والشروع في تنفيذه.
وبدوره ذهب د. حمد البريثن إلى أن مفهوم البيوت الخشبية جيد حال وجود قدرة على توزيع الخدمات العامة مثل الكهرباء والصرف الصحي والماء والتعليم والخدمات الأمنية. وأضاف أن بالإمكان عمل برنامج لسكان العشوائيات لتوفير سكن لهم في أماكن قريبة نسبيًّا من بيئة العمل في المدن الصناعية.
وفي اعتقاد د. فايزة الحربي، فإن الأنسب هو تطوير الأحياء العشوائية بالارتقاء بها وتعديل ما يمكن تعديله وإصلاح ما يمكن إصلاحه، بدل استفزاز السكان بممارسات كقطع الكهرباء، وتأخير نظافة النفايات، وانتشار الشوارع المشبعة بالحفر ومياه المجاري، وانتشار الجرذان والصراصير دون مكافحة، كإهمال مقصود من بعض البلديات للتضييق على سكان الحي وتطفيشهم وإرغامهم على الرحيل والهجرة من بيوتهم وممتلكاتهم، دون النظر في محاولة مساعدتهم لحياة أفضل.
- آليات معالجة العشوائيات وأوجه القصور المتضمنة:
ذكر أ. عاصم العيسى أنه مع اعتراف الجميع أن العشوائيات مشكلة حضارية واجتماعية وأمنية واقتصادية، وأن تأخُّر الحل يزيد ويُعمِّق المشكلة. السؤال: أين تكمن الصعوبات لا سيما في ظل إمكانات المملكة المتميزة، فكرًا وبحثًا وإمكانيات مالية وأراضي، وغيرها؟
ويرى د. خالد الرديعان أن جزءًا من مشكلة العشوائيات هي مشكلة الحصول على مسكن في الأساس؛ فهناك نسبة كبيرة من أرباب الأسر لا يمتلكون مساكن؛ إما بسبب ارتفاع أسعارها أو ارتفاع أسعار الأراضي. والعشوائيات تندرج تحت ذلك؛ فهي إجراء قد يلجأ إليه البعض كسكن مؤقت ثم يتضح لساكن العشوائية غلاء أسعار الأراضي وصعوبة تملُّك مساحة صغيرة وبناء مسكن عليها في ظل غياب البدائل السكنية المناسبة. هنا تصبح العشوائية هي الخيار الذي لا مناصَ من قبوله، وتصبح المشكلة أكثر تعقيدًا عندما يزداد عدد أفراد الأسرة، ليلجأ بعضهم لتكرار ما قام به ربُّ الأسرة من التعدي على أرضٍ مجاورة لتشييد مسكن. غياب خطة شاملة لتوفير مساكن شعبية رخيصة للمحتاجين، وتشتُّت الجهود في هذا الجانب أيضًا سبب آخر لبقاء المشكلة وتراكم تداعياتها بمرور الوقت. وما قد يُفاقم من المشكلة في السنوات القادمة هي الإجراءات الأخيرة في طُرق تملُّك المساكن التي أصبحت عن طريق البنوك التجارية؛ فهذه البنوك تحصل على أرباح عالية قد تدفع بالبعض للانصراف عنها والبحث عن بدائل، ومنها السكن في مناطق عشوائية.
وأشار د. عبد القادر أمير إلى أنه بخصوص باقي العشوائيات في مناطق المملكة خلاف تلك الموجودة في جدة ومكة المكرمة، فموزعة تقريبًا على ٢٨٠ بلدية، ولا يوجد منهجية محددة ومعتمدة لدى وزارة البلديات للتعامل مع هذه المشكلة ومعالجتها، وتعتبر لائحة تطوير العشوائيات في منطقة مكة المكرمة هي اللائحة التطويرية الأولى التي تمَّ إعدادها بهذا الخصوص عام ٢٠٠٨، ولا يمكن تطبيقها على باقي مناطق المملكة بدون تعديد ومواءمة لاحتياجات ومتطلبات المناطق المختلفة والمتنوعة.
ووفقًا لما ذكرته د. مها العيدان، فإن من الملاحظ أن سكان المناطق العشوائيات في مدن المملكة مزيج من: المهاجرين من الريف، والبدون، ومخالفي الإقامة. والاعتقاد أنه لا يمكن تنمية هذه المناطق قبل حل مشكلة السكان غير السعوديين؛ فهم كانوا وما زالوا قنابل موقوتة يمكن استغلال أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية من الداخل أو الخارج في بعض الأجندات حتى ولو كانت في صورة أعمال الشغب. وبالإشارة لما ذكره د. عبد القادر من أن هناك تهاونًا في عمل البلديات في التعامل مع المناطق العشوائية، فالاعتقاد أنه ليس تهاونًا بقدر ما هو غض للطرف؛ لأنها تُمثِّل قطاعًا للنظام الاقتصادي غير الرسمي الذي يتراوح العائد منه ما بين ١٨- ٤٥٪، كما أنه مخرج لتقليل نسبة البطالة في المجتمع. أما بخصوص انتشار العشوائيات في جميع أنحاء المملكة، فإنها لا تبدو مشكلة إلا في المدن الكبرى؛ وقد يرجع السبب أنه من السهولة اندماج الأفراد في المجتمعات الصغيرة بخلاف المجتمعات الكبيرة، مما يدفع الأفراد المتماثلين اجتماعيًّا (فقر، تخلف، جهل، عدم وعي… إلخ) إلى تكوين مجتمع يتناسب مع أوضاعهم، مُتمثِّل في مناطق العشوائيات.
ويرى د. رياض نجم أنه من الواضح أننا كلما تأخَّرنا في حلِّ المشاكل المتعلقة بالعشوائيات، زادت تعقيدًا وصعوبةً في إيجاد الحلول لها. ومن وجهة نظره، فإن العقبة الكبرى في العشوائيات هي المسألة الديموغرافية؛ فثمة حلول لمعالجة وضع السعوديين ومخالفي الإقامة الذين يسكنون هذه المناطق؛ إلا أنه لا يوجد أي حلول مقترحة لمجهولي الهوية الذين أتوا للمملكة قبل ٥٠-٦٠ سنة وتوالدوا هنا، وليس لهم أي سجلات مدنية. فهل لدينا إحصائية لنسبة هؤلاء وأولادهم وأحفادهم؟ والأمر المُقلق أننا على مدار العشرين سنة الماضية ونحن نتحدث عن مشكلة العشوائيات، إلا أنه لا نجد أمثلةً لنجاحنا في معالجة أحياء عشوائية في المملكة، المثال الوحيد هو الحي العشوائي في منطقة المرسلات في الرياض الذي استغرق أكثر من ٢٥ سنة في المعالجة. ومن المهم لفت النظر إلى أن سكان البدون الأجانب (الذين وُلدوا في المملكة لأجانب مخالفين لنظام الإقامة)، يعدون أخطر شرائح سكان العشوائيات؛ نظرًا لعدم وجود حل واضح لوضعهم، فضلًا عن كونهم يُشكِّلون خطرًا أمنيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا. والتوقُّع أن عددهم بمئات الآلاف. كما أنه لا يمكن إعادتهم لبلادهم الأصلية حتى لو عُرفت. فهل من الممكن النظر في منحهم نوعًا من الإقامة النظامية المشروطة بممارستهم لأعمال مهنية تحتاجها المملكة؟ وبهذا نُقلِّل اعتمادنا على استيراد العمال المهنيين وغير المهنيين.
وأكد د. عبد القادر أمير على أن أكبر التحديات التي تواجه البلديات لمجابهة مشكلة العشوائيات المزمنة والمستعصية هو نقص المعلومات والإحصائيات الديموغرافية الصحيحة وخصوصًا في مكة. ربما جدة لديها معلومات أكثر دقةً وموثوقيةً عن مكة المكرمة، وقد تمَّ إعداد قواعد بيانات ممتازة في جدة خلال الفترة ما بين ٢٠٠٦ إلى ٢٠١٠، وتمَّ في ذلك الوقت إنشاء إدارة متخصصة للعشوائيات كأول إدارة منفصلة في جميع البلديات في المملكة، وتمَّ إعداد الكثير من المسوحات الديموغرافية، واقتراح عدة نماذج للتطوير لبعض المناطق ذات الجاذبية والمقومات الاستثمارية مثل منطقة الرويس وقصر خزام بمشاركة القطاع الخاص، وأُنشئت شركة جدة للتطوير والتجديد العمراني كأول شركة مشاركة بين القطاع الخاص والعام في المملكة لهذا الغرض، وبعد ذلك تمَّ إنشاء شركة البلد الأمين في مكة، وهما نموذج للشراكة بين القطاع العام والخاص، نجح في مكة ولم ينجح في جدة.
ويرى د. خالد الفهيد أن من الملاحظ أن المستفيدين من العشوائيات هم سكان سعوديون وغير سعوديين بسبب سوء أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، ومن هذا المنطلق يمكن التعامل معهم لمعالجة أوضاعهم؛ كلٌّ على حدة كما يلي:
- غير السعوديين في حال نظامية إقامتهم يتولى الكفلاء تأمين سكن لهم، وفي حال المتخلفين وإقامتهم غير نظامية يتم الترحيل لبلادهم.
- في حال السعوديين ومن المتوقع أن غالبيتهم هاجروا من الأرياف للبحث عن فرص عمل أو خدمات أفضل، فإن الوضع يتطلب إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة بين مختلف شرائح المجتمع، والاستفادة من مشروع التنمية الريفية الزراعية المستدامة الذي اعتمدت له الدولة حوالي ١٢ مليار ريال، ومن المتوقع أن يُوفِّر ٣٥ ألف فرصة عمل، وقد يستفيد منه ٣٠٠ ألف مواطن؛ للمساهمة في توطين أبناء الريف، وتخفيف الضغط السكاني على المدن. كما أن من الممكن إقامة مصانع صغيرة ترتبط بكل نشاط اقتصادي، وتشجيع الأسرة المنتجة، والعمل على ذلك لإتاحة فرص عمل، ودعم تلك الأنشطة عن طريق بنك التنمية الاجتماعية وصندوق التنمية الزراعية.
وفي هذا الصدد، أكد د. عبد القادر أمير على أن معالجة المناطق العشوائية يجب أن تعتمد على منهج تنموي شامل، وليست حلولاً عمرانية فقط تعتمد على الإزالة وتهجير السكان وخصوصًا المواطنين، ليضطروا إلى الذهاب إلى مناطق أخرى بعيدة في أطراف المدينة؛ ما يؤدي إلى ظهور عشوائيات جديدة. كما يجب دعم سكان العشوائيات المواطنين وتأهيلهم، ومساعدتهم لتطوير أنفسهم اجتماعيًّا واقتصاديًّا وعمرانيًّا. والواقع أنه إذا لم يتم تطوير وتنمية القدرات والإمكانيات البشرية للسكان، فستتدهور المناطق المطوَّرة، وهذا ما حصل مثلاً في منطقة جدة التاريخية التي لا تعتبر عشوائية، بل منطقة تاريخية كانت متدهورة في الثمانينيات، وصُرف على ترميم المباني فيها والبيئة العمرانية مئات الملايين وبأفضل الخبرات الفنية العالمية؛ إلا أن إهمال البيئة الاجتماعية والإنسانية أدَّى إلى تدهور المنطقة مرة أخرى، وحدوث الكثير من الحرائق وانهيارات المباني التاريخية فيها، وضياع مئات الملايين المصروفة في الماضي على الترميم والتأهيل العمراني للمباني. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن تحسين البيئة الاجتماعية وسكان العشوائيات من خلال مشاريع التنمية العمرانية؟ وللإجابة عن هذا السؤال يجب الوضع في الاعتبار أن مشاريع التنمية العمرانية (التسمية الأدق التنمية الحضرية) لها محاور متفرعة، أهمها الشقان العمراني والبشري (تنمية عمرانية وتنمية بشرية)، وكلٌّ منهما لها هيكلتها ومهامها، وفي الوقت نفسه تشتركان وتتداخلان في العديد من المحاور. الأساس بها هندسة تمويل المشروع، بحيث يكون التمويل والعوائد مزدوجة. التنمية البشرية تبدأ بالدراسة الاجتماعية الاقتصادية، ومن ثَمَّ الدراسة التأهيلية، ويتبعها تصميم برامج التدريب والتوظيف أو المشاريع الموجَّهة والمتابعة المزدوجة للموظف وصاحب العمل، ومتابعة مشروع المستفيد لعام كامل على الأقل.
وبناءً على ما تقدَّم في الفقرة السابقة، تساءلت أ. فائزة العجروش: أي من هذه الوسائل يجب البدء فيه أولًا:
- نقل أهالي المناطق العشوائية إلى أخرى غير بعيدة عن المناطق التي قطنوها سابقًا؛ حتى لا تنقطع صلتهم بمصادر رزقهم، وتتدهور أحوالهم المادية والنفسية.
- تحسين مناطق العشوائيات نفسها من حيث ترميم المباني وتحسين الطرق فيها، وتوصيل بعض المرافق أو الخدمات.
- تنمية المنطقة بأكملها، والنهوض بحالة سكانها الاجتماعية، وفتح الطريق لتطويرها بشكل كامل وشامل.
- نقل سكان هذه المناطق إلى أخرى جديدة مجهَّزة لكن أبعد، في مقابل دفع إيجارات محددة.
وتطرقت أ. هيلة المكيرش إلى تجربة تبنَّتها جمعية النهضة الخيرية في حي الفيصلية (الغالة) جنوب الرياض سعيًا لمعالجة الآثار السلبية المترتبة على ذلك الحي في حينه. فقد كان حي الغالة حيًّا مغلقًا شعبيًّا، وبحكم دور الجمعية في تقديم خدمات اجتماعية ومساعدات اقتصادية. كان معظم حالاتها من الفئات المحتاجة والأمية من هذا الحي. بالإضافة إلى وجود انحرافات سلوكية متعددة للشباب والفتيات. وتبنَّت الجمعية بالشراكة مع الإمارة والأمانة مشروع معالجة وضع الحي. وكان أهم الإصلاحات هو فتح طريق عريض واسع جدًّا أدى إلى شق الحي لقسمين بجانب عدة طرق فرعية؛ حيث كان الحي مغلقًا جدًّا، وتمَّ توفير الخدمات الضرورية كالمدارس ومركز صحي ومركز شرطة. وبُذِلت جهود اجتماعية إنسانية لبحث ودراسة الأسر في هذا الحي، وتلا ذلك تقييم لواقع الحي وسُمِّي حي الفيصلية.
وعقَّب د. عبد القادر أمير بأنه توجد بعض الأمثلة الناجحة لمثل هذه التجربة في المدينة المنورة في حي حمراء الأسد.
وترى د. هناء المسلط أنه بالتعرف على الأسباب المؤدية لظهور العشوائيات قد نصل لتوصيات علاجية وأخرى وقائية للحد من تضخمها، مثل:
- التخطيط لتخفيف الكثافة السكانية في المدن الكبرى، وتشجيع الهجرة العكسية من المدن إلى القرى أو الهجر، وحصر الهجرة السكانية من القرى إلى المدن بتشريعات وقوانين.
- تكثيف الجهود لإنجاز المشاريع العمرانية في هذه المناطق، وتشييد أحياء سكنية جديدة وتزويدها بالتسهيلات المعيشية والاجتماعية والصحية التي يحتاجها القاطنون.
وفي اعتقاد د. سعيد العمودي، فإننا بحاجة لتشكيل هيئة عامة ولو لفترة مؤقتة لحل مشكلة العشوائيات، وتجاوز تقاطع التخصصات بين الجهات الحكومية المختلفة، هناك تجارب في مكة في الأحياء العشوائية (جبل عمر، الشراشف، طريق الملك عبد العزيز ويشمل حي منصور وغيرها) تم تطويرها بأسلوب استثماري، ماذا عن مدى نجاح التجربة في كافة جوانبها خاصة في جانب السكان، وأين ذهبوا؟ وهناك تجربة جمعية بنيان لتطوير الأحياء العشوائية والشعبية في كُلٍّ من حي السبالة وحي العريجاء وحي العود وحي المرسلات، وإعادة تأهيل سكانها بالتعاون مع أمانة منطقة الرياض وهيئة تطوير الرياض برعاية ودعم من إمارة منطقة الرياض. وعلى سبيل المثال، مشروع تطوير “حي السبالة” بلغت عدد الأسر المشمولة فيه قرابة 244 أسرة، فيما بلغت الأسر التي تمَّ تسكينها 156 أسرة، وتمَّ بدء العمل فيه بتاريخ 13/6/1435هـ. المقصود أن الهيئة المقترحة لحل أزمة العشوائيات في المملكة تتطلب تعاونًا وخطةً تفيد من التجارب الناجحة في العالم وأيضًا في المملكة، حتى لا يطغى الحل الاستثماري على الحل الإنساني لمشكلة العشوائيات.
وأشار د. عبد الإله الصالح إلى أنه من الناحية القانونية النظرية، فإن الصورة قد تكون واضحةً على مستوى المخالفين لنظام الإقامة أو التعدي على الأملاك ووضع اليد، وغير ذلك. ولكن على المستوى العملي وصل الأمر لما هو عليه من تقصير أو تجاوز واضح من أجهزة ذات سيادة أو احتكار. وذلك هو سرُّ رغبة الدولة في التعامل الواقعي والإنساني، وليس الحل المثالي. وليس من المستبعد أن الدولة مقتنعة أو ستقتنع بالحل الإنساني الواقعي الاقتصادي في اتجاهين:
- عمل ما يلزم لعدم انتشار المشكلة أو زيادتها، وتحجيمها فيما هي عليه في الوضع الحالي. وتوظيف أي فرصة أمنية أو صحية أو تنموية لتحجيم هذه الأحياء (واختراقها وتغيير معالمها متى ما أمكن). ويتم ذلك من خلال الرقابة والمتابعة الإحصائية البلدية والأمنية والصحية والاجتماعية المشتركة.
- التعامل مع الواقع كما هو من خلال إجراءات على المستوى البلدي والاجتماعي والتنموي والمعماري لكلِّ حي حسب ظروفه.
ويمكن في هذا الإطار اقتراح ما يلي:
- تكوين فرق مختلطة تحت مظلة إحدى الهيئات العليا القائمة ذات الاختصاص المقارب للمطلوب في التنفيذ، من الأمنيين والبلديين والاجتماعيين والمؤسسات الخيرية وممثلين (قياديين من تلك الأحياء) للدراسة المستقلة، وتقديم حلول قصيرة المدى ومتوسطة وبعيدة، والإشراف على تنفيذها بشكل مستقل عن الأجهزة البلدية (ترتبط مباشرة بالإمارة أو بمجلس الهيئة)، ثم تمويل هذه الحلول من خلال الصناديق المختلفة كلٌّ في اختصاصه، مثلاً الصندوق العقاري (أو صندوق خاص) يُوظِّف القروضَ الميسرةَ لتحسين المنازل حسب معايير تحسين المعيشة (بدون تشديد في الشروط أو قانونية التواجد)، وإزالة ما بين (٢٠ – ٣٠٪) من البيوت واستبدالها بحدائق وأسواق وساحات ومراكز تعليمية ومراكز أمنية.
- تكوين وإنشاء مراكز تنمية (حسب أنظمة مراكز التنمية القائمة والمتميزة).
- توظيف الدخل من الأماكن التجارية وغيرها داخل الأحياء لتحسين الأماكن العامة.
- التنظيم الحضري في سبيل السيطرة على النمو مع استغلال أي إمكانية لتقسيم بعض الأحياء باختراقها بالشوارع والمرافق والمراكز التجارية، وغير ذلك من عناصر التطوير التنموي.
وتساءلت د. وفاء طيبة: ما هي الطريقة الصحيحة للتعامل مع العشوائيات، آخذين في الاعتبار الجوانب المعمارية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية؟
وفي هذا الصدد، يرى د. عبد الإله الصالح أن توحيد الطابع المعماري وتطوير كتالوج للتحسينات المعمارية وتدريب بعض المهندسين السعوديين على التنفيذ من خلال مؤسساتهم الخاصة المرخَّص لها بالعمل في الأحياء أسلوب ممكن تحت مظلة فريق التطوير. ولا بد من أن نضع في الاعتبار أن الدولة لن تقدم على حل مُكلِّف ماديًّا وغير مضمون. كما لا بد من العمل من خلال نموذج مركب يختلف من حي لآخر له استدامة مالية وتنموية.
ومن ناحيته يرى د. عبد الله بن صالح الحمود أن السؤال الملح: لِماذا لا تسعى الجهات المختصة من بلديات وأمن على الدوام نحو المتابعة والرفع من كفاءة الأحياء التي تعَدُّ نظامية الإنشاء وتحوَّلت لاحقًا إلى عشوائيات؟ إن العشوائيات التي تكوَّنت هي تقليد لتلك التي كانت نظاميةً وتحوَّلت إلى عشوائية بسبب الإهمال تجاهها، باستثناء تلك العشوائيات التي نشأت في أي قرية أو مدينة عند تأسيسها؛ فقد نشأت بسبب أحوال اقتصادية وانعدام لمعرفة التخطيط الهندسي أو عدم توافره، والمشكلة الكبرى التي تعاني منها دول العالم عامة ولدينا في المملكة على وجه الخصوص، هو النسيان واللامبالاة من الجهات المختصة، فالمسؤولية يُفترَض أن تُحدَّد، والمهام لا بد أن تُقنَّن، فالملاحظ أن وزارة الشؤون البلدية والقروية وأماناتها وبلدياتها يتركز اهتمامها تجاه الأحياء الناشئة والجديدة، بينما لا تُعطي اهتمامًا ملائمًا للأحياء القديمة التي أضحى البعض منها عشوائيًّا ظاهرًا وهي خلاف ذلك، فنرى في بلدان عدة اهتمامًا وحرصًا بالغين على أحياء وسط المدينة، وكيف أصبحت بيئة سياحية، ومزارات يَفد إليها الناس، لقد تسبَّبنا في عشوائية أحيائنا، وأصبحنا نمقت منها، بل وصمناها بالشعبية والعشوائية وذات التشوُّه البصري، وللأسف نحن مَن تسبَّب في ذلك، إلى متى لا نكون أفضل من غيرنا في حُبِّ التراث والحفاظ على القديم؟
ويرى م. خالد العثمان أن إزالة العشوائيات دون معالجة الجانب الحقوقي هي في الحقيقة مجرد تهجير للعشوائيات ونقلها إلى مواقع أخرى؛ فسكانها سينتقلون ببساطة إلى مواقع أخرى ويعيدون الكَرَّة، ولن يستطيع أحدٌ منعَهم بدليل كل التجارب والشواهد المماثلة عالميًّا. وحتى فكرة التعويض المالي لن تُعالج المشكلةَ في ظل علمنا المسبق بضآلة قيمة التعويضات المبنية على تقديرات لقيمة المنشآت بأوضاعها المتهالكة وليس بقيمة المواقع الحقيقية بحجة أنهم لا يملكونها أصلاً. والنتيجة أن هذه التعويضات الزهيدة لن تكفيَ لتوفير مساكن بديلة، وسنعود إلى المربع الأول وممارسة وضع اليد وتشكيل عشوائيات جديدة. ومن وجهة نظر عمرانية، هناك في الحقيقة كثير من الخلط بين مصطلحات متنوعة، مثل الأحياء العشوائية والعضوية والتقليدية والتاريخية وغير ذلك. وكثير من الناس وحتى المسؤولين يعتبرون الحي عشوائيًّا لمجرد أنه مختلف في نمطه التخطيطي عن تقسيمات الأراضي وأنماط التخطيط الهندسية المنتظمة، بينما في الحقيقة أن الأحياء العشوائية ثرية جدًّا في أنماطها التخطيطية التلقائية في تعاملها مع طبوغرافية الموقع وبيئته وحقوق المجاورين، وغير ذلك من المبادئ التي نشأت عليها المدن التاريخية قبل ظهور سياسات وإجراءات التخطيط بمنظوره البلدي. هذا الطرح يُمثِّل مُدخلاً مهمًّا لطرح إمكانية تبنِّي منهج تحسين وتهذيب ورفع كفاءة الأحياء العشوائية، ورفع مستوى المعيشة والخدمات فيها بدلاً من إزالتها وإهدار ما تضمُّه من أصول ومواردَ، علاوة على الوقت والجهد ومخاطر الإخلاء وهدر الحقوق، وغير ذلك الكثير.
ويرى أ. محمد الدندني أن مشكلة العشوائيات ليست صعبة الحل إذا ما وجدت الإدارة والقرار السليم. ولا بد من المزج بين الحلول الجذرية والحلول العلاجية، فكلُّ عشوائية لها أسبابها وتركيبتها الاجتماعية والإثنية. ولا بد من قرار شجاع يُحدِّد مَن له حق الإقامة في البلد أو المغادرة كي تكون القرارات واضحةً لمَن سيبقى من الناحية القانونية وما له وما عليه. والمحصلة أن الأمر يحتاج إلى قرارات سيادية. مَن سيبقى يجب أن يُعطى الأدوات للعيش الكريم، وهذا ينطبق على المواطنين أيضًا كي نخرج من حلقة الفقر ومرتع الجريمة. ويمكن كذلك إنشاء هيئة عليا تُمثِّل كلَّ الجهات المعنية، وربما تبقى لعدة سنين؛ فالحل ليس ماديًّا فقط؛ بل ماديًّا وإنسانيًّا؛ لذا نحتاج إلى هيئة للتعامل مع تداعيات تصحيح أوضاع سكان العشوائيات. تركيبة الهيئة يجب أن تكون بعيدةً عن البيروقراطية ولها صلاحيات ترقى لحجم المشكلة.
ومن وجهة نظر د. عبد الله بن صالح الحمود، فإن مسألة إنشاء هيئة مستقلة تُعنَى بشؤون العشوائيات وقضايا ساكنيهم، هو توجُّه يمنح المزيدَ من خفض المسؤوليات المنوطة بالبلديات، فالبلديات هي الجهة الوحيدة المختصة بالشأن البلدي الذي من أساسياته رفع كفاءة أداء التخطيط العمراني الحضري، وخصوصًا أنه تمَّ إنشاء هيئات ملكية في أغلب أو كافة المناطق (على سبيل المثال، الهيئة الملكية لمدينة الرياض)، فهذه الهيئات مع وزارة الشؤون البلدية والقروية وأماناتها كفيلة بإعادة هيكلة المدن حضاريًّا وثقافيًّا.
وفي تصوُّر م. زيد الشبانات، فإن العشوائيات مشكلة يجب أن تُحلَّ جذريًّا من عدة نواحٍ:
- التعرُّف على أسباب حدوث مشكلة العشوائيات: هل هي اقتصادية أو اجتماعية أو عرقية؟
- تنفيذ دراسة ميدانية لأحوال هؤلاء السكان، والتعرف عليهم عن قرب. ومعرفة سبب لجوئهم للإقامة بالمناطق العشوائية.
- وضع خطط تدريبية وتنموية لرفع مستويات سكان العشوائيات التعليمية والمهنية… إلخ؛ فهم جزء من المكون الاجتماعي للمجتمع السعودي.
- ليس المسكن هو العنصر الوحيد المؤثر فقط؛ ولذا يجب معالجة جميع العناصر بشكل متوازٍ؛ لأن نقل سكان العشوائيات وتركهم على حالهم مجرد نقل للمشكلة، فمن الأهمية مشاركة بيوت الخبرة قطاع عام أو خاص (جامعات/ معاهد/ رجال أعمال/ مصانع… إلخ) في هذا المشروع الذي هو حقٌّ عليهم تجاه المجتمع.
- الاستفادة من سكان العشوائيات بتوجيههم الوجهة المناسبة ليكونوا عناصر بناء لأهلهم ومجتمعهم، مما يعود أثره الإيجابي على الوطن ككل.
بينما وفي تصوُّر أ. لاحم الناصر، لا يمكن أن يُلام ساكنو العشوائيات في البحث عن سقف يظلُّهم، وهم في الحقيقة ضحايا للخلل الحاصل في توفير المساكن اللائقة بالحياة الإنسانية الكريمة نتيجة الفجوة الكبيرة بين طبقات المجتمع، وعدم وجود شبكة أمان اجتماعي. والحق في المسكن حقٌّ أصيل نصَّت عليه مواثيق حقوق الإنسان، ومن ثَمَّ فأيُّ معالجات لهذه المشكلة يجب أن تنبع من فهم هذا الحق والسعي لتوفيره. ولا يمكن أن يكون الحلُّ أبدًا في إنشاء أحياء بديلة لهؤلاء فحسب، وعزلهم فيها. فمن المهم وجود إستراتيجية شاملة ومتكاملة تجمع بين تطوير البنيان وتطوير الإنسان.
من ناحيته، يرى م. سالم المري أن حل أزمة العشوائيات يلزمه:
- تصحيح إجراءات عمل وزارة الداخلية، وتوفير الموارد المناسبة لها للقضاء على مشكلة المتخلفين غير النظاميين الموجودين حاليًّا، ومنع أي زيادة مستقبلية في عددهم، ومحاسبة المسؤولين عن أي تقصير في هذا الشأن.
- تصحيح عمل البلديات بحيث:
- يُعطى المستحقون من المواطنين حقوقَ ملكية الأراضي التي يستخدمونها بهدف إسكان عوائلهم أو أحيائها بهدف الاستثمار في المناطق الريفية.
- العمل بقدر المستطاع على تخطيط المناطق العشوائية القائمة فعليًّا، وتحسينها بدلاً من إلغائها بالكامل.
- الاعتراف بالحوزات الزراعية في تهامة وعسير والأراضي المسكونة والمحياة في الهجر والقرى، وإصدار صكوك لأصحابها. هذه الأراضي تكون ثروةً هائلةً موجودة ومجمدة؛ لأنه لا يوجد لها صكوك، والاعتراف القانوني بها سيرفع الناتج المحلي وينتشل أصحابها من الفقر والعوز.
- توفير مساكن نظامية وملائمة للبدون، وحل مشكلتهم بشكل نهائي.
وفي تصوُّر أ. مها عقيل، فإنه لا بد من إشراك سكان الحي عند دراسة واتخاذ أي قرار حول العشوائيات. كما يجب أن يتم العمل على تصحيح وضع العشوائيات تدريجيًّا وحسب وضع وسلامة السكن وسكانه.
وأشارت د. هند الخليفة إلى أنها تتفق مع الأخذ بالحلول الشمولية لمشكلة العشوائيات، والتي تأخذ في الاعتبار الجوانب المعمارية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، باعتبارها الأنجع في التعامل مع المشكلات والتحديات التي تواجهها المدن، حيث وجود العشوائيات في قلبها وأطرافها أحيانًا أخرى. ولكن التساؤل: كيف يمكن تحقيق هذه الحلول الشمولية؟ فمن الواضح أن أحد المعوقات الرئيسية هو الخلفيات الثقافية والعرقية لسكان العشوائيات. الاتجاهات النظرية الاجتماعية تؤكد على أهمية عنصر مشاركة سكان هذه الأحياء في التخطيط والتنفيذ للمشاريع التطويرية لها، إلا أننا نواجه مشكلة تنوُّع الخلفيات وعدم استمرارية تواجدها نظرًا للعودة للموطن الأصلي، وغير ذلك من عوامل تعوق ديمومة الاستفادة من التغيير ومناسبته لسكان العشوائيات. وهناك مشكلة أخرى توجد في بعض الأحياء التي كانت مركز المدينة وتحوَّلت مع الوقت إلى عشوائيات أو على الأقل أحياء هامشية، كما هو الحال في وسط مدينة الرياض، حيث تقع فيها مبانٍ تراثية تسعى الدولة إلى ترميمها وإحياء المنطقة، إلا أن التركيبة السكانية خليط من جنسيات مختلفة ومستويات اقتصادية وثقافية لا تتوافق مع التغيير الذي تهدف إليه. والتساؤل المطروح هنا: كيف يمكن تطوير هذه الأحياء مع تبنِّي المنهج الشمولي الذي يأخذ في الاعتبار مشاركة السكان في التخطيط والتنفيذ، واستدامة التنمية؟ وفي هذا الصدد، ترى أ. مها عقيل أن ذلك ممكن عن طريق إشعار سكان الحي بأنهم جزءٌ من الحل وليس مشكلة يجب التخلص منها.
وذكر د. مساعد المحيا أن البعض من الدول تعمل على توطين هذه العشوائيات وشرعنة وجودها والتعاطي معها، كما فعلت مثلاً الدول التي استضافت مهاجرين من فلسطين في الأردن ولبنان. كما أن دولاً أخرى كانت لها تجارب أخرى في مواجهتها وبخاصة بعض الدول الأوروبية التي تواجه الهجرات المتتالية، حيث تعمل على معالجة ذلك. في المملكة ونظرًا للبُعد الديني المتعلق بالحج والعمرة وكذلك البعد الاقتصادي، وهذا البعدان يُمثِّلان أهم أسباب العشوائيات في مكة خاصة وفي عدد من المدن، ولأن قدر المملكة رعايتها للحرمين وتشرُّفها بخدمة الحجَّاج والمعتمرين؛ فإن هذه الظواهر نمت حتى أصبحت تُشكِّل عبئًا اقتصاديًّا وأمنيًّا. والسؤال الجدير بالطرح هو: هل استطاعت الجهات التي تمَّ تشكيلها لدينا معالجة هذه العشوائيات؟ وهل حدَّت منها فعلاً؟ أم هي تتنامى وتزداد وتتوسَّع وربما تنبعث في أماكن أخرى، مما يعني أنها ستبقى أمرًا أزليًّا؟ وهو ما يُضعِف فكرةَ إنشاء لجنة عليا لذلك، لا سيما أن الحلول بمنح هؤلاء فرص إسكان أخرى لم تكن مُحبَّبة لهم؛ إذ إنهم يألفون هذه العشوائيات لما فيها من مصادر رزق أفضل. ويبقى من المهم العمل على فرض الأنظمة وتطبيقها بحزم ودون أي تراخٍ حتى يأمن المجتمع ويسلم من إفرازات هذه العشوائيات وما تُسبِّبه من مشكلات اجتماعية وأخلاقية وقيمية، فضلاً عن العبء الاقتصادي.
وقد ناقش الملتقى بعضَ الأفكار، مثل:
- تبنِّي حلول التطوير والتجديد والتأهيل العمراني لمناطق العشوائيات، وتقليل اللجوء إلى الهدم والإزالة والترحيل للمناطق القابلة للاستثمار.
- توفير أماكن إقامة غير مُكلِّفة وبمساحات معقولة لسكان بعض العشوائيات التي لا بد من إزالتها، مع تطبيق مفهوم “الإسكان التنموي” لدفع السكان للاعتماد على أنفسهم.
- التوصيات:
- وضع إستراتيجية وطنية شاملة لمعالجة مشكلة العشوائيات في المملكة، وإنشاء لجنة عليا لهذا الغرض تُمثَّل فيها الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، ومنحها كافة الصلاحيات والموارد المالية اللازمة، وربطها بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
- تأسيس قاعدة بيانات تفصيلية للعشوائيات في مدن المملكة، لتكون المنطلق في وضع الخطط والحلول بما يتوافق مع الواقع.
- توسُّع الجامعات ومراكز الأبحاث في الدراسات والبحوث المتعلقة بالعشوائيات من مختلف الجوانب؛ العمرانية، والاجتماعية، والأمنية والاقتصادية، وغيرها.
- تبنِّي منظور أنسنة المدن في التعامل مع العشوائيات ومشكلاتها، ليكون الإنسان هو محور العمل والهدف والوسيلة، ومن ذلك تبنِّي سياسات عمرانية واجتماعية تحقق الدمج بين شرائح السكان المختلفة، والبعد عن التقسيم الفئوي المؤدي إلى الوصم الاجتماعي للسكان.
- ضرورة إشراك ممثلين من سكان العشوائيات في الحلول المقترحة للمشكلة، ومعرفة مرئياتهم واحتياجاتهم، وإشراك المهرة منهم في أعمال البناء.
- معالجة وضع مخالفي الإقامة لسكان بعض العشوائيات من قِبل جهات الاختصاص، وعدم تأجيل هذا الملف لخطورته على الأمن الداخلي. ومكافحة جميع أنواع الفساد التي أسهمت في زيادة عدد العشوائيات في مدن المملكة.
- تطوير قدرات ومهارات أبناء الجاليات ذوي الإقامة، وتصحيح أوضاع المخالفين والبدون، وتأهيلهم كأيدٍ عاملة بديلة عن المُستقدَمة من خارج المملكة.
- منع أي شكل من أشكال التعدي على الأراضي الحكومية والخاصة في أي موقع، وعدم استخدامها لأي غرض، دون ترخيص من جهات الاختصاص.
- فيما يخصُّ مكة تحديدًا، هناك ضرورة لتوفير مناطق بناء جديدة في أطرافها بعد توفير مواصلات عامة لتسهيل الوصول للخدمات المختلفة وسط المدينة.
- ضرورة تنمية المناطق الريفية ومناطق الأطراف؛ للحد من وتيرة الهجرة إلى المدن الكبرى التي ترتَّب عليها بعض السلبيات، ومنها العشوائيات.
القضية الثانية
الغش التجاري ومدى كفاية العقوبات المُطبَّقة عليه
(14/6/2020م)
- الورقة الرئيسة: د. عبد الرحمن الشقير
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: د. علي الحارثي
- التعقيب الثاني: أ. لاحم الناصر
- إدارة الحوار: م. فاضل القرني
- الملخص التنفيذي:
اشتملت الورقة الرئيسة على محورين: تناول المحور الأول الغشَّ التجاري، وآليات ضبط المخالفات، والعقوبات وفق مفهوم وزارة التجارة؛ وتضمَّن المحور الثاني مناقشة مدى كفاية العقوبات المطبَّقة على الغش التجاري. وأوضح د. عبد الرحمن الشقير أن المنتج المغشوش ووفق ما نشره حساب وزارة التجارة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر بتاريخ 12 فبراير 2020 هو: المنتج الفاسد وغير صالح للاستعمال أو الاستهلاك الآدمي والحيواني، وكل منتج غير مطابق للمواصفات المعتمدة، والمنتهية صلاحيته، وكل منتج تعرَّض للتغيير. وقد يكون الغش في مصدر المنتج وكميته ووزنه وصفاته الجوهرية. وآليات ضبط المخالفات تتمّ عبر البحث والتحري وتلقي البلاغات، ثم ضبط وحجز المنتجات المشتبه فيها، ثم دخول المنشآت وتفتيشها، ثم مصادرة وإتلاف المنتج الذي ثبت غشه، ثم إغلاق المستودعات أو المحلات المشاركة في ذلك. وانتهى د. الشقير إلى أن نجاح وزارة التجارة وغيرها من الجهات المماثلة في حقيقته ليس في الحملات التفتيشية واكتشاف الغش والأخطاء، بل في العمل على عدم وقوع الغش ابتداءً وتجفيف منابعه والعوامل المشجِّعة عليه. وعندئذٍ يتحقق للمجتمع الأمن الغذائي والثقة بمؤسسات الدولة التي تعمل على تحقيقه.
وأشار د. علي الحارثي في التعقيب الأول إلى أن الغش التجاري بأنواعه المختلفة من الجرائم التي يصعب الإحاطة بها ووأدها في مهدها؛ لتنوع أساليبها وتعدُّد طُرقها، وكثرة المزاولين لها، وكثرة المواد والأغراض المغشوشة، وسهولة وابتكارات أساليب وطرق الغش: زراعةً وصناعةً وتوريدًا وتقليدًا وتسويقًا وبيعًا، وتكاثر المستهلكين وثقتهم في كل ذلك، والتي هي في غير محلها إلى حدٍ ما. وهو ليس وليدَ الحاضر، بل له امتداد تاريخي في حضارات الشعوب وثقافاتها. وفي اعتقاده، فإن الغش التجاري الغذائي من أخطر جرائم الغش التجاري على صحة الإنسان، بل أخطرها على الإطلاق. ورغم تعدُّد الجهات الرقابية المختصة بالغش الغذائي، ابتداءً من وزارة الزراعة إلى الجمارك إلى وزارة التجارة والصناعة وكذلك الشؤون البلدية والقروية وهيئة الغذاء والدواء وغيرها، إلا أن آليات ضبط المخالفات غير قادرة على ملاحقة وتتبُّع تطوُّر هذه الجريمة أو تجفيف منابعها لأسباب متعددة، قد يكون منها: قلة عدد العاملين، وعدم الكفاءة المهنية والخبرة والتخصص، وصعوبة اكتشاف المواد المضافة المهدرجة والمغشوشة، وكثرة أنواع المنتج الغذائي المستورد الطازج والمعلب والمطهي، وكثرة ممتهني هذا الغش أفرادًا ومؤسسات، وسهولة تصنيعه، وعدم كفاية العقوبات النظامية، وبيروقراطية الإجراءات، وقلة المختبرات ومتاهات التنسيق بين الجهات المسؤولة، وغيرها.
ومن جانبه أكَّد أ. لاحم الناصر في التعقيب الثاني على أن الغش التجاري جريمة ليست حديثة، بل هي من الجرائم التي وُلدت مع تكوُّن المجتمعات البشرية. كما أن الغش التجاري جريمة كسائر الجرائم لا يمكن القضاء عليه بالكلية، ولكن تحاول الدول عبر الأنظمة والتشريعات الرادعة والمراقبة والمتابعة الفاعلة الحدَّ منه وتقليل خطره والتضييق على مرتكبيه؛ نظرًا لفداحة آثاره على الاقتصاد والصحة والإنسان. وانتهى إلى أنه لا بد من مراجعة شاملة لنظام مكافحة الغش التجاري على ضوء أفضل التجارب العالمية إذا أردنا الحد من هذه الظاهرة التي تنخر في الاقتصاد وفي صحة الإنسان.
وتضمَّنت المداخلات حول القضية المحاورَ التالية:
- واقع ظاهرة الغش التجاري وعوامل تفاقمها.
- الآثار المترتبة على الغش التجاري.
- آليات مكافحة الغش التجاري.
ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:
- مراجعة مهام وواجبات تنظيمات كُلٍّ من هيئة المواصفات والمقاييس، وزارة التجارة، جمعية حماية المستهلك، وتحديثها بكل ما يلزم لتعريف الغش التجاري ومكافحته وتجريمه والتشهير بمن يُدان قضائيًّا، ورفع الوعي والمستوى الرقابي وتنظيم التجارة وحماية المستهلك من خلال جهة أو لجنة مشتركة. مع النظر في تحويل جمعية حماية المستهلك إلى هيئة ترتبط بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، والاطلاع على أفضل الممارسات العالمية مثل النموذج البريطاني.
- تطوير قدرات الكوادر المسؤولة عن الكشف على الواردات التجارية في المنافذ البحرية والبرية والجوية وداخليًّا، لأخذ الاحتياطات الأمنية اللازمة أثناء القيام بالمداهمات (تدريبًا ومعدات وتحريزًا للمضبوطات؛ لضمان أمن وسلامة العملية).
- تحديد المعايير الوطنية المقبولة للبضاعة المستوردة من الخارج وخاصة البضاعة زهيدة الأسعار، مع تزويد هيئة الجمارك السعودية بالكفاءات والأجهزة للكشف الجاد عن مخالفة تلك المعايير قبل دخولها الأسواق.
- الورقة الرئيسة: د. عبد الرحمن الشقير
سوف تُركِّز هذه الورقة على محورين: يتناول الأول الغشَّ التجاري، وآليات ضبط المخالفات، والعقوبات وفق مفهوم وزارة التجارة؛ ويتضمن المحور الثاني مناقشة مدى كفاية العقوبات المطبَّقة على الغش التجاري، وذلك كما يلي:
الغش التجاري:
نشر حساب وزارة التجارة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر بتاريخ 12 فبراير 2020 سلسلة تغريدات تثقيفية (ثريد) عن مفهوم الغش التجاري، وأعلن فيه أن تعريف المنتج المغشوش هو: المنتج الفاسد وغير صالح للاستعمال أو الاستهلاك الآدمي والحيواني، وكل منتج غير مطابق للمواصفات المعتمدة، والمنتهية صلاحيته، وكل منتج تعرَّض للتغيير. وقد يكون الغش في مصدر المنتج وكميته ووزنه وصفاته الجوهرية.
وآليات ضبط المخالفات تتم عبر البحث والتحري وتلقي البلاغات، ثم ضبط وحجز المنتجات المشتبه بها، ثم دخول المنشآت وتفتيشها، ثم مصادرة وإتلاف المنتج الذي ثبت غشه، ثم إغلاق المستودعات أو المحلات المشاركة في ذلك.
أما ما يخصُّ عقوبات الغش التجاري، فهي تنصُّ على غرامة مالية تصل إلى مليون ريال، أو السجن مدة تصل إلى ثلاث سنوات، أو بهما معًا، وإغلاق المنشأة لمدة لا تتجاوز سنة، ومصادرة الأدوات المستخدمة في الغش، ومصادرة المنتج المغشوش وإتلافه، والتشهير بالمخالف على نفقته.
وينصُّ النظام على أنَّ مَن يُبلِّغ عن الغش التجاري يُمنَح مكافأة 25% من قيمة الغرامة المتحصلة، و30% للتبليغ عن حالات التستُّر وتحصيل قيمة الغرامة.
وتشير إحصاءات عام 2019 إلى أن الوزارة أحالت (1315) قضية غش تجاري إلى النيابة العامة، ونشر أكثر من 100 إعلان تشهير.
مدى كفاية العقوبات المُطبَّقة عليه:
سوف أحاول قراءة اجتماعية لتوثيق وتصوير وبث مداهمات حالات الغش التجاري، وهي حالات الغش الكبيرة مثل المخازن والتصنيع في المستودعات والشقق المتهالكة، وتأثيرها على المزاج العام، ومدى كفاية العقوبات، وذلك كما يلي:
فيما يخص كثرة حالات مداهمات تصنيع الأغذية في أماكن معرضة للتلوث وغير آمنة بيئيًّا، وبأيدي عمالة لا تُراعي معايير السلامة الصحية، فإن حملات وزارة التجارة تحاول تكييف المداهمات على أنها أعمال بطولية. وهي كذلك إذا كانت مداهمات قوية تكفي لتجفيف بقية المصانع والمستودعات المشابهة لها. وهذا ما لم يحدث؛ لأن القضية تمتد أبعد من ذلك في حال تكرار وجود المصانع والمستودعات المهدّدة للأمن الغذائي والاجتماعي، دون تأثير واضح على انخفاضها بعد إعلان المداهمات.
نحن أمام مستويين من فهم الموضوع؛ الأول يتمثل في مجتمع الصورة، وهو ما تحدَّث عنه دي بونو في كتابه “مجتمع الفرجة” عن المجتمع الذي يُفضِّل الصورة على الواقع، في أنه يعيش في واقع وهمي ترسمه الصور والمقاطع المنشورة والمتداولة، وليس مجتمعًا يعكس الواقع فعليًّا.
وفي حال محاولة فهم مجتمع الصورة في جهود وزارة التجارة، نجد أن استمرار أعمال المداهمات الرسمية الموثَّقة في سناب شات الوزارة وسناب بعض المشاهير المتعاونين مع الوزارة منذ سنوات، قد أضفى عمليات الإثارة الإعلامية والتشويق للمتابعة، والوعود باستمرار الكشف، بل وتهديد بعض المستثمرين عبر منصات التواصل بفضح الغش التجاري في نشاطهم، ولكن لم يظهر السؤال الجوهري، وهو: إلى متى سوف تستمر هذه الحالة التي تكاد أن تتحول من أمن وجودي للمجتمع إلى إثارة إعلامية؟ ولماذا لم تكن العقوبات كافية لتجفيف منابع الغش في أهم أسس المجتمع، وهو الغذاء؟
المستوى الثاني يتمثَّل في مجتمع المخاطرة، وهو ما تحدَّث عنه أولريخ بك وأنتوني غدنز وغيرهما، من أن غذاءَنا والماء الذي نشربه والأشياء التي نستهلكها، صارت من مهددات حياتنا لعدم معرفتنا بالمصانع التي تشرف عليها، مما يتطلب وجود عنصر الثقة الذي تقوم به الدولة من خلال وضع المعايير الصارمة والإشراف على تنفيذها بدقة.
المقترح:
من المهم إدراك أن المؤسسات الأمنية والمعنية بالضبط والردع مثل وزارة التجارة، لا تحتاج إلى إعلام فرجة ودعايات لنشاطها؛ لأنه جزء من طبيعة عملها الروتيني مثل بقية المؤسسات المماثلة لها، لكنها تحتاج إلى إصدار تقارير أسبوعية عن حالات الضبط، ويمكن لها عندئذٍ تسجيل المداهمات للحفظ، وليس لتداول الرأي العام، ويمكن لها استخدامها للنشر بحدود؛ وذلك لأن الإثارة الإعلامية تُمثِّل فرصةً للمترددين من المتفرجين لأن يتشجعوا على الغش من خلال تحليلهم لأساليب المداهمات ومستوى العقوبات مقابل الأرباح التي يحققها الغش وارتفاع فرص عدم اكتشافهم أو تأخُّره.
ومن المهم إدراك أن للغش شقين، هما: حكومي، ويتمثل في التقنين والضبط والردع؛ وفردي ويتمثل في التبليغ عن حالات الغش، وأنَّ رفع ثقافة الوعي المجتمعي ضرورية للحد من الغش. وهذا يُحقِّق تجفيف منابع الغش ودفن بذوره، وهو الهدف النهائي الذي تسعى التجارة والمؤسسات الأمنية للوصول إليه.
إنَّ نجاح وزارة التجارة وغيرها من الجهات المماثلة في حقيقته ليس في الحملات التفتيشية واكتشاف الغش والأخطاء؛ بل في العمل على عدم وقوع الغش ابتداءً، وتجفيف منابعه والعوامل المشجِّعة عليه. وعندئذٍ يتحقق للمجتمع الأمن الغذائي والثقة بمؤسسات الدولة التي تعمل على تحقيقه.
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: د. علي الحارثي
الغش التجاري بأنواعه المختلفة من الجرائم التي يصعب الإحاطة بها ووأدها في مهدها؛ لتنوع أساليبها وتعدُّد طرقها، وكثرة المزاولين لها، وكثرة المواد والأغراض المغشوشة، وسهولة وابتكارات أساليب وطرق الغش: زراعةً وصناعةً وتوريدًا وتقليدًا وتسويقًا وبيعًا، وتكاثر المستهلكين وثقتهم في كل ذلك، والتي هي في غير محلها إلى حدٍ ما.. وهو ليس وليدَ الحاضر، بل له امتدادٌ تاريخي في حضارات الشعوب وثقافاتها.
ومع تطوُّر الوسائل الإعلامية وخاصةً التواصل الاجتماعي، تكشَّف للناس عن الغش التجاري ما لم يكن في خلدهم وتصوُّرهم مما يأكلون ويشربون ويلبسون ويركبون ويبنون، وكل ما أصبح جزءًا من حياة الناس، سواء كان في الضروريات أو التحسينات أو الكماليات. ساد المجتمعات الخوف على صحة الإنسان والتذمر من الإجراءات التطبيقية التي أشار إليها د. عبد الرحمن في مجتمع الصورة ومجتمع المخاطرة، مما يستدعي تجسيد الحق الإنساني إعلان الحرب المستديمة على الغش التجاري وأهله في كل زمان ومكان، وبالذات تجفيف منابعه. سنتجاوز الحديث عن كل منتج متعلق بالتحسينات والكماليات غير الضروري وغير المطابق للمواصفات والمقاييس، وسنُركِّز على الغش في المنتج الغذائي لأثره وخطورته على صحة الإنسان وعلى الاقتصاد.
الغش التجاري الغذائي من أخطر جرائم الغش التجاري على صحة الإنسان، بل أخطرها على الإطلاق لما يُسبِّبه من سيئ الأسقام على المديين المتوسط والبعيد؛ كالسرطان والأمراض الباطنية وأمراض القلب والشرايين وغيرها، حيث أصبحت نسب هذه الأمراض من الأعلى عالميًّا في المملكة، وكلفتها الاقتصادية عالية، والسبب الرئيس الغذاء أسلوبًا وغشًّا وقلة حركة، أو ما يكون على المدى القصير كالتسمم وما يؤدي إلى الوفاة. إنه كما جاء في تعريف الوزارة: المنتج الفاسد منتهي الصلاحية، غير الصالح للاستهلاك الآدمي والحيواني، وغير المطابق للمواصفات المعتمدة، الذي أُدخل عليه تغيير يُنقص من قيمته المادية والمعنوية، سواء كان في مصدره أو عناصره أو جنسه أو حجمه أو صفاته أو نوعه أو طبيعته أو لونه أو كيله أو وزنه وعدده وسعره… إلخ. ومخاطره متعددة؛ منها ما هو على النفس، ومنها ما هو على العقل، ومنها ما هو على الأمن، ومنها ما هو على الاقتصاد. ولهذه الجريمة ثلاثة أركان: ركن شرعي باعتباره مُحرَّمًا ومعاقبًا عليه قضائيًا، وركن مادي يُقدِّم المادة للمستهلك على خلاف المواصفات الفنية، وركن معنوي أدبي معنوي (جنائي) يُجرم الفعل ويعاقب عليه، والضابط في الحكم على الغش هو مخالفته للمواصفات والمقاييس الفنية للدولة وما يندرج تحت معاني أركان الجريمة وآثارها، ليتوافق معها تدرُّج العقوبة حسب خطورتها. والخطورة تتمثل في كثرة أنواع المنتج الغذائي، وكثرة الاستيراد من كل مكان في العالم، وكثرة التصنيع الغذائي العالمي والمحلي، وكثرة مواد الإضافات وتحسينات النكهة واللون والطعم والهدرجة التي يصعب كثيرًا كشف الغش فيها والإحاطة بمكوناتها. لقد شاهدنا كيفيةَ وكمية الغش في الخضراوات الطازجة وغير الطازجة والفواكه والمعلبات والتوابل والمياه والعصائر والزيوت واللحوم بأنواعها الحمراء والبيضاء والأسماك وحقنها بالهرمونات والماء لتبييض هزالها وفساد استهلاكها، من خلال ما نُشر وما ينشر في الوسائل الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي عبر حسابات الوزارة وهيئة الغذاء والدواء ووزارة الشؤون البلدية والقروية والجمارك والمتعاونين والمهتمين في هذا المجال، وهو غيض من فيض. الإنتاج الزراعي مغشوش بالأسمدة والمبيدات الحشرية فوق المعدل الفني أو الطبيعي، التصنيع المراقب يطاله الغش باشتراط توضيح مكوناته غير الأصلية، وأن مستوى جودته متدنية رغم أنه يحمل علامة الشركات المشهورة. أما التصنيع الرديء فهو ما يُنتج خارج الرقابة في الأحواش والمنازل المهجورة المتهالكة من خلال عمالة غير صحية في ذاتها، ودون أدنى معرفة بوسائل السلامة الصحية الغذائية، أو يُنتج تحت الرقابة ومُصرَّح له رغم تدني جودته الصحية، وهذا ما أفسحه لهم الجشع والطمع وابتكار وسائل غش لا تكتشفها أجهزة الرقابة، إضافةً إلى المنتجات المقلدة المغشوشة سواء كانت محلية الصنع أو خارجية.
الغش الغذائي لم يعُد كما كان مع كثرة الإنتاج والاستيراد، ومع كثرة مراكز البيع من بقالات وسوبر ماركت ومخازن جملة تجاوزت خمسين ألفًا في ٢٠١٩، بل قد يصل أو قد وصل الغش إلى التركيب الجيني في أنواع من المنتج الغذائي المزود بجينات حشرية تتسرطن معها هذه المنتجات. كما أنه لم يعُد عملًا فرديًّا، بل أصبح فنًّا تُمارسه مؤسسات ومصانع ومن الممكن دول.
ورغم تعدُّد الجهات الرقابية في الدولة المختصة بالغش الغذائي، ابتداءً من وزارة الزراعة إلى الجمارك إلى وزارة التجارة والصناعة وكذلك الشؤون البلدية والقروية وهيئة الغذاء والدواء وغيرها، إلا أن آليات ضبط المخالفات غير قادرة على ملاحقة وتتبُّع تطوُّر هذه الجريمة ودفنها في مهدها أو تجفيف منابعها لأسباب متعددة، قد يكون منها: قلة عدد العاملين، وعدم الكفاءة المهنية، والخبرة، والتخصص, وصعوبة اكتشاف المواد المضافة المهدرجة والمغشوشة، وكثرة أنواع المنتج الغذائي المستورد الطازج والمعلب والمطهي، وكثرة ممتهني هذا الغش أفرادًا ومؤسسات، وسهولة تصنيعه، وعدم كفاية العقوبات النظامية، وبيروقراطية الإجراءات، وقلة المختبرات ومتاهات التنسيق بين الجهات المسؤولة، وغيرها.
في قراءة اجتماعية ربط كاتب الورقة الرئيسة بين مجتمعي الصورة والمخاطرة حسب المراجع التي استقى منها، وبين تصوير مداهمات الغش التجاري وتأثيرها على المزاج العام ومدى كفاية العقوبات، وأن مجتمع الصورة حسب المصادر يعيش واقعًا وهميًّا وليس مجتمعًا يعكس الواقع؛ في حين أن مجتمع المخاطرة هو مجتمع الواقع الذي يرى أن الأشياء التي نستهلكها غذاء وماء أصبحت من مهددات حياتنا؛ لعدم الثقة في الصانع والمعايير الصارمة والإشراف والتنفيذ. أتفقُ معه في صورتي المجتمع كون أحدهما جامدًا والآخر متحركًا في رؤيتيهما لخطر الغش، ولكن استنتاج أن نَشْر صور المداهمات ما هو إلا إثارة إعلامية ليس على إطلاقه؛ لأن ذلك جزءٌ مهمٌّ توعويًّا يصبُّ في زيادة ثقافة الوعي واستثارة المشاعر بخطورة الظاهرة والحد منها وانتشارها ومساندة الجهات المسؤولة عنها. أما كونها تُشجِّع مجتمع الصورة وممارس الغش على تحليل أساليب الاكتشاف وارتفاع فرص التمويه، فوقوعه مع العمل الجاد والمساندة المجتمعية سيكون نادرًا.
عقوبات الغش التجاري القانونية وخاصةً في الغش الغذائي متدنية بالنسبة للآثار الصحية والنفسية والاقتصادية المترتبة عليه؛ لأنها أغفلت ما يُعتبر عقوبة أصلية كالقصاص والحدود والدية والكفارة، (الركن الشرعي)، وركَّزت على العقوبات النظامية (الركن المادي والمعنوي)؛ غرامة، حبس، ضمان، إتلاف، تشهير، مصادرة، إغلاق، شطب السجل لفترة أو نهائيًّا، وما ورد من عقوبات في نظام الغش التجاري ليس كافيًا للحدِّ منه.
أشار د. عبد الرحمن في المقترح إلى أن الجهات المعنية واجب عليها إصدار تقارير أسبوعية، وأضيف شهرية وسنوية عن الوقائع وعقوباتها والتشهير بها، وعلى الدولة التقنين والضبط والردع والتنسيق، وهو ما يستدعي إعادة النظر في نظام الغش التجاري مشتملًا على الأركان الثلاثة (الشرعي والمادي والمعنوي)، التي يتدرج من خلالها تكييف الجريمة والعقوبة، إضافةً إلى الاهتمام بالعنصر البشري في الجهات المعنية؛ عددًا وتدريبًا وكفاءةً ومهنية، وزيادة ملائمة من مختبرات كشف الغش ومختبرات المواصفات والمقاييس، مع تحفيز وتوعية مكونات المجتمع للمشاركة والمساندة ونَشْر التوعية.
- التعقيب الثاني: أ. لاحم الناصر
لا شك أن الغش التجاري يعتبر من أخطر الجرائم بحقِّ المجتمعات، وهو جريمة ليست حديثة، بل هي من الجرائم التي وُلِدت مع تكوُّن المجتمعات البشرية، وقد وُجِدت حتى في أفضل المجتمعات وأنقاها، وهو المجتمع النبوي، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، “أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي”. [رواه مسلم]. وإلى يومنا هذا، والمجتمعات جميعها المتقدِّمة منها والنامية، الغنية والفقيرة تعاني من هذه الجريمة، ففي أمريكا مثلاً وصل تداول السلع المغشوشة إلى ٢٦٪ من حجم التداول السلعي، نتج عنه خسائر توصلت إلى ١١٠ مليارات دولار أمريكي، فهو يعتبر ظاهرةً عالميةً، وقد أدت هذه الظاهرة إلى خسائر تصل قيمتها إلى ٨٩٠ مليار دولار عالميًّا. أما بالنسبة للاقتصاد السعودي فللأسف بعد البحث في المواقع المفترض وجود مثل هذه التقارير فيها مثل وزارة التجارة وهيئة الإحصاء، فلم أجد تقارير حول هذا الأثر، وبعد الرجوع إلى محرك البحث وجدت تصريحات تحمل أرقامًا متضاربةً ومتناقضة، وبعضها تورد نفس الرقم، وهو ٤٠ مليارًا مع أن الفارق بين التصريحين يصل إلى عشر سنوات، لكنني وجدت في موقع وزارة التجارة الإحصائية التالية، حيث أجرت فِرق الوزارة جولات رقابية عددها ٦١٢، ٢٧٢ زيارة تفتيشية على المنشآت التجارية ومنافذ البيع بكافة مناطق المملكة في العام ٢٠١٩م، بزيادة مقدارها ٥٢٪ عن عام ٢٠١٨م، وقد ضبطت الفِرَق نحو ٧٤ مليون منتج مُخالف، تصل قيمتها إلى ١٢٨ مليون ريال، نتج عن ذلك إحالة ١٢٩٦ قضية غش تجاري إلى النيابة العامة.
إنَّ الغشَّ التجاري جريمة كسائر الجرائم لا يمكن القضاء عليه بالكلية، ولكن تحاول الدول عبر الأنظمة والتشريعات الرادعة والمراقبة والمتابعة الفاعلة الحدَّ منه وتقليل خطره والتضييق على مرتكبيه؛ نظرًا لفداحة آثاره على الاقتصاد والصحة والإنسان. ويعتبر النموذج البريطاني لحماية المستهلك من أقوى النماذج وأكثرها تطوُّرًا وفعاليةً، ولا يتسع المجال في هذه الورقة لشرحه. وأتمنى أن تتم دراسته والاستفادة منه من حيث آلية العمل وتفصيل القوانين وفقًا للجرائم وخطورتها، وكذلك في جانب المساعدة القانونية في القضايا المدنية، وفي الجانب الجنائي والعقوبات، وتفعيل دور جمعيات حماية المستهلك. فلا شك أن تفاقم جرائم الغش التجاري لدينا وتعدُّدها ناتج عن أمرين: الأول ضعف الرقابة، والثاني عدم فعالية العقوبات نظرًا لتدنيها؛ فبمرور سريع على نظام مكافحة الغش التجاري تجد أن النظام جعَل عقوبةَ مَن ارتكب جريمة الغش بما يضر بصحة الإنسان هي مليون ريال أو السجن ثلاث سنوات، وإذا انقضت عقوبته يحق له العودة لممارسة النشاط إنْ كان سعوديًّا؛ لأن المادة (٢٤) من النظام تنصُّ على أنه لو عاد إلى ارتكاب المخالفة خلال ٥ سنوات يُعاقب بضعف العقوبة الأولى، وهنا نجد أن النظام لا يُفرِّق بين جرائم الغش ومدى خطورتها، وإلا كيف يتم السماح لمَن غشَّ في بضاعة أضرَّت بصحة الناس للعودة بممارسة نشاطه مع فرض هذه العقوبات البسيطة، كما أنه يجب أن لا ننسى أن أحكام التعويضات القضائية للمتضررين لدينا متدنية جدًّا؛ ومن ثَمَّ فلا بد من مراجعة شاملة لنظام مكافحة الغش التجاري على ضوء أفضل التجارب العالمية إذا أردنا الحدَّ من هذه الظاهرة التي تنخر في الاقتصاد وفي صحة الإنسان.
- المداخلات حول القضية:
- واقع ظاهرة الغش التجاري وعوامل تفاقمها:
استهل د. عبد الله بن صالح الحمود مداخلته حول الغش التجاري بقول المناوي: “الغش ما يخلط من الرديء بالجيد”، وما قاله ابن حجر الهيثمي: “الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئًا لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذ بذلك المقابل”. وكذلك قول الكفوي: “الغش سواد القلب، وعبوس الوجه؛ ولذا يُطلق الغش على الغل والحقد”. وأضاف د. الحمود أن للغش مظاهر عديدة، تظهر ممارسته من خلال صور متنوعة بما يمسُّ شؤونَ حياة الناس، فهناك الغش في البيع والشراء، والذي يتأتى في ذاتية أي صنعة لعناصرها أو كمياتها أو وزنها أو صفاتها الجوهرية أو مصدرها، كما أن هناك غشَّ الخدمات، وغش المباني، والقائمة تطول، فالغش عامة هو وباء يُصيب المجتمع في مقتل، ويُكبِّد الاقتصاد أضرارًا وخيمةً، فضلاً عن التسبُّب في نشوء أمراض كما في غش السلع الغذائية أو الفقدان التدريجي للصحة حال العبث في المنتجات الطبية.
وأشار د. خالد الرديعان إلى أن ظاهرة الغش في أسواقنا مقلقة ومستفحلة، لكن بيئة العمل وارتخاء نظام مكافحة الغش التجاري ساعد في تفشيها. كما أن تراخي كفلاء العمالة الآسيوية تحديدًا أسهم في نمو الظاهرة وتعدُّد أساليبها وطُرقها. فالغش التجاري يعود إلى عدة عوامل، منها:
- انهماك الوافدين بعمليات البيع والشراء لحسابهم الخاص؛ وذلك بسبب التستُّر على أنشطتهم من قِبل كفلاء فاسدين يوكلون العمل إلى هذه العمالة، ويكتفون بمبلغ شهري مقطوع قلَّ أو كثُر.
- تقاعس هيئة المواصفات والمقاييس والجمارك عن القيام بدورهما في مَنع استيراد وإدخال السلع المغشوشة والرديئة.
- ميل التاجر إلى استيراد سلع رديئة وعدم منعه من ذلك. التاجر يدعي أن سعر هذه السلع مناسب، وفي متناول اليد.
- كثرة محلات “البضائع المخفضة” التي تديرها وتشرف عليها وتستفيد منها عمالة يمنية. هذه المحلات تبيع بضائع رديئة للغاية وغير صالحة وتتلف بسرعة.
- التقاعس في “سعودة” كثير من المناشط؛ الأمر الذي أفسح مجالاً واسعًا للعمالة الوافدة للعبث بالسوق بغرض الكسب السريع.
- نشوء شبكة واسعة “لسلسلة الإمدادات” من قِبل وافدين يدعمون بعضهم البعض توزيعًا وبيعًا للسلع، وهي أنشطة يمارسونها بحرفية عالية، لضمان عدم دخول سعوديين في هذه الشبكة؛ الأمر الذي أسهم في اتساع ظاهرة الغش التجاري بغرض الكسب السريع وتحويل الأموال للخارج. الوافد صاحب المحل التجاري الذي يبيع سلعًا رديئة يستلمها عادةً من وافد آخر يقوم بدور الموزِّع، والأخير يستلم بضاعته من مورِّد سعودي للأسف لا يعنيه مَن يشتري منه. التاجر الكبير أو المُوزِّع في الغالب لا يبيع على الموزعين ولكن يدفع لهم عمولات نظير بيع وتصريف البضاعة. وهذا يعني أن المُوزِّع ليس مطلوبًا منه حيازة رأس مال؛ إذ يكفي امتلاكه سيارة ووسائل لتوصيل البضاعة لمحلات التجزئة التي تملكها وتديرها كذلك عمالة وافدة. الإشكالية الكبيرة أن شبكات سلاسل الإمدادات أصبحت عصيةً على التفكيك، وهو الأمر الذي أفشل الكثيرَ من الأنشطة التي حاولت الجهات الرسمية توطينها.
ويرى أ. فهد الأحمري أنه قد تكون بعض العقوبات مُشدَّدة وصارمة غير أن المعضلة تكمن في صعوبة الرقابة والمتابعة الدقيقة. كما أن نقص أعداد المراقبة البشرية من التجارة والأمانات وغيرها، قد تُحَلُّ من خلال برامج التواصل مثل تطبيق بلاغ تجاري وتطبيق 940، لكن تبقى المشكلة في ضعف التجاوب مع تلك البلاغات، فوفقًا لتصريح مُتحدِّث التجارة فقد هبطت أعداد البلاغات بنسبة 20% من 500 ألف بلاغ إلى 400 ألف بلاغ خلال عامي 1439،1440 على التوالي. والسؤال: هل هذا عائد لانخفاض معدل الغش التجاري أو لضعف ثقة المستهلك في جدوى البلاغات؟ رغم أن التاجر الحصيف مفترض أن يهمَّه ثقة العميل. وكيل المنتج يُوفِّر غالبًا مكتبًا واحدًا فقط لخدمات ما بعد البيع، ويكون عادةً في أماكن بعيدة عن المستهلك، فضلًا عن الزحام ومسلسل الوعود البعيدة؛ مما يضطر العميل لشراء جهاز جديد بدلًا من إصلاح أو شراء قطعة. على سبيل المثال؛ حين يفسد عليك خرطوم أو رأس مكنسة كهربائية يكلفك جهدًا ووقتًا ومماطلة مما يضطرك لشراء مكنسة جديدة، وهذا ما يريده التاجر، والمثال ينطبق على قطع غيار أجهزة مهمة كالثلاجات والأفران… إلخ. وقد يكون جزءًا من الغش بطريقة غير مباشرة. لماذا لا تُلزم وزارة التجارة وكيل المنتج بآلية صيانة وتوفير قطع غيار من خلال بعض المعارض التي تبيع السلعة؟ لا يُشترط الصيانة المباشرة بل استلام الطلب وإرساله إلى الوكيل دون عناء العميل.
وفي اعتقاد م. فاضل القرني، فإن من أسباب انتشار السلع الرديئة في السوق السعودي أن المستهلك والتاجر التقيا بدون اتفاق على الإقبال على تلك الرداءة (المستهلك بدائل رخيصة، والتاجر تنوُّع وكميات لا تُكلِّفه إلا بمقياس حاويات وليس بالأعداد والأنواع). وهذا الذي يحدث عندما يغيب الجانب المشرِّع والإشرافي.
وأضاف د. خالد الرديعان أنه فيما يتعلق بانتشار الغش التجاري، فإن المستهلك أحيانًا قد يكون مسؤولاً عن ذلك. فكثير من المستهلكين يشترون بضائع مُقلَّدة وهم يعلمون أنها كذلك، بل إن البائع يُخبرهم أنها مُقلَّدة. يدفعهم إلى الشراء رخص سعرها ودرجة الإتقان في عملية التقليد. جميع هذه السلع تأتي عادةً من الصين، وتُوزَّع من خلال وكلاء في دول الخليج العربية. ويتم ذلك تحت أنظار الجهات الرسمية في تلك الدول، ولا ترى فيه أيَّ مخالفة طالما أن البضاعة يُعاد تصديرها إلى دول مجاورة. هناك على سبيل المثال ساعة سويسرية شهيرة تُباع بآلاف الريالات، يتم في الصين تصنيع ساعات شبيهة لها وبذات التصميم وتحمل ذات الاسم، وتباع في أسواقنا الشعبية بأقل من مئة ريال. وفي حالات كهذه، فإن المستهلك مسؤول عن رواج الغش بسبب إقباله على بضائع سيئة ليس لها ضمان تجاري، فقط لأنه يشتريها بسعر بخس. وقد يشتري بضاعة سيئة قابلة للتلف وليس عليها ضمان وربما لا يمكن إصلاحها، كالساعات في المثال السابق. المستهلك في هذه الحالة ضحية رغم كل شيء. ومن صور الغش التجاري، وقد وصل إلى أسواقنا ما يتعلق بالسيارات وتحديدًا جيوب اللاندكروزر اليابانية؛ حيث تقوم بعض الورش المتخصصة في الخليج بتغيير واجهة السيارة وإكسسواراتها الداخلية وفرشها وإزالة كل ما يشير إلى اسمها وموديلها، وإعطائها اسمًا آخر (لكزس)؛ ومن ثَمَّ تصديرها للمملكة وبيعها في أسواقنا. عمل كهذا ليس واسع النطاق، إذ يتم بطلب من أفراد يقتنون هذه السيارات، وتخضع للجمركة باعتبارها استخدام شخصي لكنها في النهاية تُباع في معارض السيارات في المملكة. من السهل على المتخصص في السيارات اكتشاف ذلك، لكن الغالبية من الناس لا تستطيع اكتشاف الغش بسبب المهارة الفائقة للورش المذكورة في إجراء التعديل على السيارة، ليُصار في النهاية إلى بيعها بسعر مرتفع غير سعرها الحقيقي.
في حين يرى د. عبد الله بن صالح الحمود أن المستهلك لا يُلام أحيانًا؛ لأنه يبحث عن أقل الأسعار وما يشبع رغباته. وأضاف م. فاضل القرني أن المستهلك يُفضِّل أن يدفع مبلغًا أقلَّ آنيًّا، ولا مشكلةَ مع تكراره عوضًا عن دفع مبلغ باهظ في صفقة واحدة.
وذكر د. علي الحارثي أن رئيس هيئة الغذاء والدواء صرَّح قبل فترة بأنهم تتبَّعوا إعلانات بيع منتجات غذائية مطبوخة وطازجة وكذلك منتجات صحية عبر وسائل التواصل الاجتماعي بلغت أكثر من (٨٠٠٠) آلاف، وأنهم منعوا أكثرها، لم يُبيِّن السبب، وهذا يحتاج إلى صدور بيانات تفصيلية أسبوعية تُبيِّن المطابق للمواصفات وغير المطابق، والضار منها وغير الضار؛ لتوعية الناس واطمئنانهم.
وذهب أ. محمد الدندني إلى أن الغش التجاري يشمل أشكالاً أخرى إضافةً لما تمَّ ذكره؛ فالخدمات أيضًا بها العديد من صور الغش، كما يطال الغش عمومًا مناحي كثيرة في الحياة اليومية.
وفي ذات السياق المتعلق باستيراد بضائع مغشوشة وإعادة تصديرها على أنها من المكان الوسيط، ذكر د. حميد الشايجي أن المناطق الحرة في بعض الدول تسمح باستيراد وتصنيع درجات أقل جودة من المنتج الأصلي، ويُعاد بيعها مرة أخرى على أنها الأصلية، مُصنَّعة في مصنعهم في ذلك البلد أو منطقته الحُرة. بينما في الحقيقة المواد المستخدمة في التصنيع تكون أقلَّ جودة. ومثال ذلك قضية السجائر المغشوشة التي حصلت قبل فترة. ومثلاً، يُلاحظ على أرفف بعض محلات بيع التجزئة (السوبر ماركت) أن هناك رفًّا مُخصَّصًا لما يُسمَّى بالبضائع المستوردة (أو يُكتب مستوردة من أمريكا)، وكأنَّ كل البضائع الأخرى في السوق مُصنَّعة محليًّا! والغريب أن أسعار هذه البضائع أضعاف سعر نفس الصنف، والأغرب أن هذا الصنف أيضًا مستورد، ولكنه ليس مستوردًا من نفس بلد المنشأ، بل من منطقة حرة في بلد آخر. لماذا هذا الاختلاف في السعر على الرغم من أنه يُفترض نفس المنتج ونفس العلامة التجارية ونفس الشركة المالكة للعلامة التجارية، سواء كان ذلك سجائر أو شامبو أو شوكولاتة أو مشروبًا غازيًّا أو جهازًا كهربائيًّا أو أي منتج آخر؟ إن أسلوب عمل المناطق الحرة يساعد بشكل كبير على الغش التجاري المبطن. فجودة البضائع تختلف. كما يتم التهرُّب من الرسوم الجمركية. فالرسوم الجمركية على المنتج الخليجي مثلاً تختلف عن رسوم المنتجات من دول أخرى.
وتطرَّق أ. عبد الرحمن باسلم إلى أن هناك أنواعًا من الغش لا تظهر للعامة، وتؤثر بشكل كبير على الاستهلاك والأسعار، منها غش الشركات الكبيرة من خلال إبقاء علبة المنتج كما هي، وتخفيض وزنها من الداخل والسعر ثابت، أو تخفيض كميتها مثلاً من 36 حبة تصبح 24 والسعر ثابت، والمستهلك لا يعلم. مثال آخر، كراتين البلاستيك، الأكياس الخاصة بالثلاجة كان وزنها 3 كيلوات أو 2.5 كيلو، والآن كيلو واحد والسعر ثابت. أيضًا، يطال الغش مسألة جودة السلعة ذاتها والتلاعب بأسعارها، كذلك إعطاء عروض قوية للتجار تصل إلى تخفيض قيمة السلعة من 10-15% لكنها لا تصل للمستهلك. أما غش التجار الوسطاء فيكون من خلال إزالة العروض المُقدَّمة من الشركات، مثال: شركة زيوت تضع حبتين بسعر واحدة، فيقوم التاجر بقص العرض وبيعها بالحبة، قد لا نجد ذلك في السوبر ماركات الكبيرة؛ لأن الشركات تقوم باستئجار المواقع داخل السوبر ماركت. المشكلة الأخرى في التخزين لدى الوسطاء؛ فمعظم مستودعاتهم بيوت غير مؤهلة أو خلف المحل في هناجر وتحت الغبار ودرجات الحرارة العالية، والأدهى تخزين الثلاجات، وكمثال تخرين كميات من الدجاج المستورد، وعند انطفاء الثلاجة لمدة لأي سبب يبدأ الدجاج في الذوبان ثم يُعاودون عمل الثلاجة بدون ذمة، وهنا يكون الدجاج قد أُصيب ببكتريا، وأصبح غيرَ قابل للاستخدام، وغيرها من أمثلة، فالقائمة تطول.
وذكر م. أسامة كردي أن من عوامل ازدياد الغش التجاري مشاركة بائعي التجزئة فيه، كما يُلاحظ تطوُّر هذا الغش وتنظيمه، وقد يعني هذا عبورَ أعمال هذا الغش للحدود، وقد يعني تشكيله داخل المملكة.
وذكر د. مساعد المحيا أن البلديات أصبحت اليوم توكل للقطاع الخاص مراقبة المنشآت والمباني الجديدة والمحلات التجارية وتطبيق الغرامات عليها، لكن الملاحظ أن العاملين فيها هم من غير السعوديين.
وأوضح د. علي الحارثي أن الغش التجاري يتداخل مع الفساد ونظام الملكية الفكرية (التقليد) وغيرها مما يدخل في النوع والكمية والتركيب والعدد وتغيير الصورة… إلخ، إلا أنها في النهاية تعتبر غشًّا وتدليسًا على المستهلك، يحقُّ له الرجوع على البائع إذا تبيَّن له شيء من ذلك بصور شرعية وقانونية ونظامية لإعادة السلعة أو بالتعويض عن الضرر الفردي أو الضرر الجمعي بحق المجتمع وحق صاحب الملكية والوكيل الأصلي.
وطرح د. علي الطخيس عدة تساؤلات ذات صلة بقضية الغش التجاري، وهي: هل التزوير يدخل ضمن قضية الغش، مثل تزوير تاريخ نهاية بعض المنتجات؟ وكذلك القضايا التي تظهر باستمرار في المستودعات وتحويلها إلى مصانع مخالفة، وتقبض عليها الجهات الرقابية؟ وأيضًا، ما يكتشفه رجال الجمارك من دخول الممنوعات بأشكالها المختلفة قبل دخولها المملكة؟ وما يتم كشفه من تزوير للعملات، هل يدخل جميع ذلك ضمن الغش التجاري؟ وما العقوبات التي تُطبَّق بحق مرتكبي الغش التجاري غير التشهير؟
وأشار د. عبد العزيز الحرقان إلى أن نظام مكافحة الغش التجاري ينصُّ على أنَّ مَن يقوم بحيازة أو عرض أو بيع منتج مغشوش بقصد المتاجرة، أو تصنيع منتج مخالف للمواصفات والمقاييس المعتمدة، أو استعمال آنية أو أوعية أو أغلفة أو عبوات أو ملصقات مخالفة للمواصفات والمقاييس المعتمدة، يُعاقب بغرامة مالية تصل إلى (1,000,000) مليون ريال، أو السجن مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو بهما معًا، كل مَن ارتكب المخالفات المنصوص عليها بنظام مكافحة الغش التجاري.
وأضاف د. عبد العزيز الحرقان أنه يترتب على ثبوت غش المنتج مصادرته وإتلاف السلع المغشوشة، وكذلك مصادرة الأدوات التي استُعملت في الغش أو الخداع.
وأضاف م. إبراهيم ناظر أنَّ من صور الغش الأخرى المنتشرة، الغش في البرمجيات كنسخ برامج مايكروسوفت مثل الويندوز وغيرها وبيعها، والتساؤل: ألا يُعتبر هذا العمل جريمةً مُركَّبة إنْ صحَّ التعبير، واعتداءً على حقوق الملكية وغشًّا؛ لأن البرامج المنسوخة عند أي تحديث عليها سوف تتعطل؟ أيضًا، لماذا التغاضي في السعودية عن نسخ برامج الحاسوب دون حسيب أو رقيب حتى قيل إننا في السعودية من أكبر البلدان التي تُنتهَك فيها حقوق الملكية؟
أما أ. عبد الله الضويحي فقال إنه مع كثرة الحملات التي تقوم بها الجهات المسؤولة وما تصرفه من مبالغ طائلة على هذه الحملات، يظل السؤال قائمًا: هل حقَّقت هذه الحملات أهدافها بما يوازي المصروف عليها؟ الواقع الملموس ينفي ذلك، فما زال الغشُّ قائمًا وفي ازدياد؛ وهو ما يجعلنا نطرح السؤال الأكثر أهميةً: لماذا لم تكن مُجديةً بالحد الأدنى على الأقل؟ ولماذا يستمر الوضع؟ هل إدراك (الغاشّ) بأن الوصول إليه يحتاج وقتًا، وأن العقوبة التي ستُطبَّق عليه فيما لو اكتُشف لا تُقاس بما يُحقِّقه من مكاسبَ من وراء الغش؟ هل تحتاج العقوبات إلى إعادة النظر كمًّا وكيفًا؟ هل هذه الجهات لا تملك الكوادر البشرية (المراقبين) الكافية والمؤهَّلة لهذا الغرض؟ كلنا يتذكر أن مثل هذه الكوادر في الأمانات كانت من الأدنى تأهيلًا ومركزًا وظيفيًّا ودخلًا؛ ولذلك لم تكن تؤدي دورَها على الوجه المطلوب؛ لأسباب لا حاجة لذكرها. هل أصبحت الحملات مجرد تواجد (نحن هنا) وحضور إعلامي لأصحاب السنابات؟ وما يدفع لهذه التساؤلات أن العلاقة بين الغش والمكافحة علاقة طردية، والمفروض أن تكون عكسية، وهو لن يظهر لنا إلا إذا استطاعت الجهات المسؤولة أن تُقدِّم ما يُثبت عكس ذلك من خلال دراسات موثَّقة. وهنا يُطرح سؤال: هل لدى هذه الجهات مثل هذه الدراسات، أم أن العملية تقوم على اجتهادات؟ أمام هذا كله، أتساءل: هل نحتاج إلى هيئة مستقلة لمكافحة الغش التجاري؟
وفي تصوُّر أ. فائزة العجروش، فإن من أهم أسباب انتشار عمليات الغش التجاري في المملكة ما يلي:
- التقصير في سنِّ التشريعات والآليات المطلوبة لجودة أي منتج وتطبيقها بشكل حاسم لا يقبل أيَّ شفاعات أو تهاون عند المخالفة في الإنتاج أو عند الاستيراد؛ فغش السلعة أخطر من غش السعر. فغش السلع قد يؤدي إلى الموت، ومن أهم الأمثلة: (قطع السيارات والأجهزة والتوصيلات الكهربائية)، ويُشكِّل خطرًا حقيقيًّا على الصحة: (كالأغذية والأدوية ومستحضرات التجميل المغشوشة، وما تحويه دكاكين العطارين من خلطات وبهارات وعسل مخلوطة بأدوية مطحونة لجذب المستهلكين للشراء منهم، رغم خطورتها الكبيرة على صحة مستخدميها في إنقاص الوزن أو تبيض البشرة أو لعلاج عدة أمراض كالسكر والضغط والضعف الجنسي).
- عدم الوعي سواء كان بسبب:
- اندفاع المستهلك لشراء السلع الرخيصة من دون التنبه إلى خطورتها، بسبب عمليات الدعايات الترويجية الخادعة للسلع المقدَّمة من التجار أنفسهم أو من مشاهير سناب شات.
- قلة وعي التاجر أو عدم معرفته بالقوانين المنظِّمة للاستيراد من خارج الدولة، وما يترتب على ذلك من مخالفات قد لا يدركها التاجر، أو معرفته بذلك ورغم ذلك يلجأ لها طمعًا في جلب المزيد من الأموال بعيدًا عن الجودة التي تُكسِبه المصداقية والثقة الكبيرة في السوق.
- عدم توفُّر خدمة ما بعد البيع بالشكل المرضي على نحو يضمن حقوق المستهلك؛ لذلك يلجأ المستهلكون لشراء أجهزة رخيصة لمعرفتهم المسبقة بعمرها الافتراضي القصير؛ نظرًا لعدم وجود خدمة الصيانة وتوفير قطع الغيار المطلوبة.
- الآثار المترتبة على الغش التجاري:
تطرَّق د. خالد الرديعان إلى بعض من الآثار المترتبة على الغش التجاري، كونه ينطوي على أكثر من مخالفة، ومنها:
- انتهاك الملكية الفكرية لأصحاب الماركة الأصلية، وهذه مخالفة صريحة.
- الإضرار بالوكيل الرسمي للماركة الأصلية، وإغراق السوق ببضائع مُقلَّدة.
- خلق سوق موازية للسوق ممثَّلة بسوق البسطات لتصريف هذه السلع المقلَّدة، إضافةً إلى البيع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
- وجود هذه السلع أسهم في ظهور تجار شنطة غير مُصرَّح لهم بالبيع، يقومون باستيراد هذه السلع من أسواق الخليج وذلك بكميات صغيرة لكي لا يلفتوا الانتباه.
ومن جانبها ذكرت أ. فائزة العجروش أن الغش التجاري – للأسف – طال جوانب كثيرة تضرُّ باقتصاد الدولة ضررًا كبيرًا، واخترق معظم الأنشطة ومعظم السلع والخدمات في حياتنا اليومية، فعمليات الغش طالت الأطعمة وغيارات السيارات والتوصيلات الكهربائية، حتى الأدوية لم تسلم! وما رأيناه من استغلال بعض التجار خلال أزمة كورونا الحالية من طرح معقمات طبية مغشوشة، وحتى الحيوانات لم تسلم من هذا أيضًا؛ ويلجؤون للغش سواء في الأعلاف المقدَّمة لها أو حقنها بالهرمونات طمعًا في زيادة وزنها دون أدنى إحساس بما سيرتب على ذلك من أضرار طبية بالغة الأذى لمَن يأكلها! وغيرها الكثير. ولأنَّ أسواقنا تتمتع بقوة شرائية هائلة، وتعَدُّ من أقوى الأسواق العربية والعالمية (خاصة في المنتجات الغذائية، وأجهزة الهواتف الجوالة، ومستحضرات التجميل)؛ لذلك فهي مُستهدَفة من كلِّ مستثمر طامع وتاجر غشاش. وزادت عمليات الغش التجاري والسلع المقلَّدة بشكل مخيف خلال السنوات الأخيرة، وأصبحنا لا نعرف الفرقَ بين الأصلي والمُقلَّد، والسليم من المغشوش من جودة السلع المقلَّدة! وأصبحت تُمثِّل هدرًا كبيرًا للثروة في سلع لا تجلب غير الأسى والضرر، والركض وراء تقليد المشاهير بصورة مربكة لميزانية كثير من الأسر.
وذهب م. فاضل القرني إلى أن الضرر الإنساني والمادي للغش يتناسب طرديًّا مع حجمه، وهو مؤشر لضياع الأمانة الذي نبَّه عنها الرسول صلى الله عليه وسلم.
بينما اختلف م. خالد العثمان مع ما ذكره د. علي الحارثي في تعقيبه من أن الغش الغذائي هو أخطر أنواع الغش على الإطلاق؛ فالخطورة ربما تُقاس بمدى اتساع دائرة التأثير، ولا يصح بالتالي تعظيم خطورة نوع من الغش على نوع آخر؛ على سبيل المثال، الغش في سلك كهربائي يمكن أن يُحدِث حريقًا هائلاً يُوقِع خسائرَ عظيمة في الأرواح والممتلكات، والغش في خلطة خرسانية يمكن أن يُوقع بناية متعددة الطوابق على رؤوس مَن فيها مِن سكان. الغش كله خطأ ولا يصح؛ لأن تعظيم بعض الأنواع يقود إلى التهوين في أنواع أخرى، وهذا بداية الخطر. كذلك فإن تعريف وزارة التجارة للغش – في تصوُّر م. خالد العثمان – هو تعريف منقوص، فهناك من الغش ما هو غير ملموس ولا يمكن قياس أثره بموجب الأطر والمقاييس التي تضمَّنها ذلك التعريف. من ذلك مثلاً، الغش في مستوى أداء الخدمات والأعمال اليدوية والمهنية والحرفية، بل وحتى الفكرية. ومن ذلك أيضًا: الغش في الفحص الطبي أو التصاميم الهندسية أو الأعمال المحاسبية، وما إلى ذلك. وهذا النوع من الغش يمكن أن يكون من أخطر الصور بما ينطوي عليه من فساد وتآمر وتدليس وصعوبة في القياس والكشف إلا بعد وقوع الضرر. وعلى أية حال، فإنه من الضروري توسيع تعريف الغش التجاري ليتعدى المنتجات والسلع إلى الخدمات كذلك؛ كونها خاضعة أيضًا لرقابة وزارة التجارة، ويجري تقديمها من قِبل كيانات مرخَّصة من الوزارة وذات شخصيات اعتبارية منظمة. أما بالنسبة للمنتجات المقلَّدة، فإن الواقع في الأسواق يبرز بجلاء مدى التهاون في عرض وبيع المنتجات المقلدة من مختلف العلامات التجارية بلا رقيب ولا حسيب. والسؤال هنا هو ليس فقط في غياب الرقابة عن بيع هذه المنتجات في الأسواق، بل في كيفية فسحها أساسًا من المنافذ الجمركية، وإنْ كانت مهربةً فالمصيبة أعظم بلا شك. إنَّ هذا المشهد المسكوت عنه في هذا الجانب يُسهم في تكريس ثقافة الغش والتهاون فيه، ويُشجِّع على كسر قيود الملكية الفكرية، والاجتراء على اختراقها والتعدي عليها بلا وَجل. ومن الضروري تفعيل الرقابة على المنتجات المقلَّدة في كامل دورة الإمداد؛ من الاستيراد إلى المنافذ الجمركية، إلى منافذ البيع بالجملة والتجزئة.
وعقَّب د. علي الحارثي بأنه لا شك أن كافة جوانب الغش لها من الضرر الاقتصادي على الفرد والأسرة والوطن ما يعادل ميزانيات دول، وضرره على صحة الإنسان ضرر فادح؛ لأن النفس الإنسانية مُحرَّمة عمدًا وخطأً. والإشارة إلى أن الغش الغذائي أخطر أنواع الغش يرجع لكثرة الأنواع الغذائية الطازجة والمطهية والمصنَّعة وما يُضاف إليها من إضافات أثبت الطب أنها تُسرطن الأغذية على المدى البعيد. من هذا الجانب وعلى المدى البعيد، ترتفع الكلفة الاقتصادية، وفقدان الكلفة البشرية أكثر من أن تنهار بناية أو ما يُماثلها من أحداث أخرى نتيجةً لغش وقع في التكوين أو التجهيز.
- آليات مكافحة الغش التجاري:
يرى د. علي الطخيس أن صحة المواطن والمقيم واجب وطني، ومعاقبة كل مَن يُعرِّض هذه الصحة يجب أن يكون محلَّ اهتمام جميع الوزارات والهيئات والأفراد.
ومن وجهة نظر أ. لاحم الناصر، فإن من المهمِّ جدًّا وجود جهة لتنسيق الجهود بين مختلف الجهات المعنية بالرقابة (كهيئة الغذاء والدواء، وهيئة المواصفات والمقاييس، والجمارك، ووزارة التجارة، ووزارة الزراعة والبلديات)، ويكون لديها صلاحيات قوية في التنسيق بين هذه الجهات وربطها بهدف واحد لتحقيقه، وهو مكافحة الغش التجاري. كما أنه يجب كذلك إعطاء صلاحيات لجمعيات حماية المستهلك، تستطيع من خلالها تتبُّع حالات الغش والتبليغ ورفع الدعاوى ودعم المتضررين من الغش التجاري قانونيًّا.
وفي السياق ذاته، ذكر أ. محمد الدندني أن مكافحة الغش علم يُدرَّس ويتدرَّب عليه العاملون به. كما أن هناك أهمية لوجود جهة مستقلة معنية بمكافحة الغش، ويكون من مهامها الفحص والإجازة لأي منتج أو خدمة، فالملاحظ أن أغلب ما اكتُشف هو نتيجة بلاغ أو حملة بالصدفة. لا توجد آليات من البداية لتقليل عمليات الغش. نحتاج كما في كل الدول المتقدمة شركة أو شركات تقوم بوضع المواصفات بالتعاون مع الجهات الرسمية، وتراقب عملية الإنتاج وإجازة المنتج. أما عن كيفية مراقبة عملية الإنتاج، فهذا من صلب عمل الشركة أو الشركات في بلد المنشأ. حيث إنَّ هذه الشركة أو الشركات يجب أن تعمل داخل المملكة وخارجها. أما العقوبات الحالية فهي لا تصل لحد الجريمة. ما ينبغي فعله هو السجن والحرمان من ممارسة العمل التجاري مدى الحياة.
واتفق د. حميد الشايجي مع أهمية وجود المحققين المتخصصين المؤهلين الدارسين لفن التحقيق في مجال التحايل والغش التجاري. فإذا توفَّر لدينا هذا النوع من المتخصصين، بحيث يكونون مُوزَّعين وبعددٍ كاف على المنافذ والأسواق، فإنهم سيكونون خطَّ الدفاع الأول ضد الغش التجاري. ويتبع ذلك العقوبات الناجعة التي تحدُّ من عمليات الغش وتردع مَن تسوِّل له نفسه القيام به، فمن أَمِنَ العقوبةَ أساءَ الأدبَ.
وفي تصوُّر م. فاضل القرني، فإنه لا ينقصنا تأسيس أنظمة وسن قوانين (وإنْ كانت بحاجة للتطوير)، إلا أن عوامل التمكين (enablers) بحاجة لأولوية في هذا الشأن، ومن أبرز هذه العوامل الطاقة البشرية المؤهلة والمدرَّبة، أيضًا مناحي التوريد، وجودة المنتج، وتطبيق التفتيش، ومعايير السلامة وما يهددها حسب السلعة أو الخدمة، والمؤسسات التي تتولى تدريب ذلك داخليًّا، بالإضافة إلى الابتعاث والدورات خارجيًّا، وخاصةً في الدول التي تكاد تُجرِّم الغش والاحتيال في المنتجات والخدمات (ولعلَّ أوروبا وسنغافورة أفضل من أمريكا ممارسةً). وأيضًا أجهزة الكشف الحديثة، ومختبرات التحليل، والكشف الإشعاعي، والعربات التي تُعطي المرونة والسرعة في اتخاذ إجراء معين، وغيرها كثير. إضافةً إلى نَشْر الوعي بالأساليب الهادفة والمشوقة للتاجر والموزِّع والمستهلك. ومع هذا، فإن ثمةَ تساؤلات مطروحة في هذا الإطار، ومنها: ما هي أفضل السُّبُل لتوظيفها في تحقيق الغرضين الدعائي والردعي؟ وهل التشهير أصبح ضرورة لا خيارَ عنها بالاسم والجرم والعقوبات والأحكام؟ كذلك، هل إعادة النظر في الأحكام والعقوبات مهمٌّ الآنَ مع تغيُّر وتنوُّع المنتجات والخدمات، وتعدُّد الأيدي العاملة فيه، ووجود العقود من الباطن، وغيره؟ وما سقف الشدة في الأحكام؟ وهل الاحتياطات الأمنية المواكبة في المداهمات كافية، ومدى التعرُّض للخطورة؟
ويرى د. عبد الله بن صالح الحمود أنه إذا تحدَّثنا عن مدى كفاية العقوبات المطبَّقة تجاه الغش، فيمكن القول إن التشريعات الدينية والقانونية في المملكة هي كفيلة لمحاربة هذا الوباء، كما أنها تعَدُّ عقوبات كافية، بينما ما نراه من حاجة ماسة إليه، هو تفعيل الدور الرقابي، والدور الرقابي في المملكة هو متعدد المهام من لدن جهات عدة؛ فوزارة التجارة تراقب، وهيئة الغذاء والدواء تراقب، ووزارة الشؤون البلدية والقروية تراقب، وأخيرًا وزارة البيئة والمياه والزراعة تراقب أيضًا، ولكن مع ذلك كله فالتساؤل: هل وصلنا إلى وجود شبكة متكاملة من الرقابة الدقيقة الفاعلة، أم أنَّ لدى تلك الجهات تدنيًا في مقاومة آفة الغش؟ الإجابة يُفترض أن تأتي من تلك الجهات لتُصرِّح لنا عن قدرتها من خلال إمكانياتها البشرية والأدوات والطرق التي تنتهجها لمحاربة الغش، وفي الوقت نفسه نلحظ أن هناك تشتتًا وتباينًا في المهام الرقابية، فضلاً عن أن هناك سلعًا يُفترض أن تنتقل المهام الرقابية عليها من جهة لأخرى، مثل ما يُفترَض لنقل مهام الإشراف الرقابي للمنتجات الزراعية من وزارة الشؤون البلدية والقروية إلى وزارة البيئة والمياه والزراعة؛ ولهذا فإن توزيع المهام حسب التخصص والاختصاص هما الطريقان اللذان يُحقِّقان الأهدافَ المنشودةَ في الوصول إلى مكافحة مرجوة تُؤمِّن منتجات تحدُّ من تلاعب مؤدَّاه تدمير البلاد صحيًّا واقتصاديًّا. وثمةَ حاجة إلى أن تنشَأ هيئة متخصصة المهام لحماية المستهلك، تحت مُسمَّى (هيئة الرقابة وحماية المستهلك) أو (هيئة حماية المستهلك)، وألا تكون تابعةً لوزارة التجارة، بحكم أنَّ من مهام وزارة التجارة حماية التاجر والمستهلك معًا، وهذا الأمر يتعارض مع تحقيق أهداف كل طرف.
وتطرَّق د. خالد بن دهيش إلى موضوع الإعلانات الإلكترونية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مثل السناب شات والفيس بوك وغيرها، فقد كانت في بداياتها تعجُّ بفوضى وغش واضح وصريح دون وجود عقوبات في حال التضليل. ولقد أثمرت جهود وزارة التجارة، وأصدرت نظام التجارة الإلكترونية عام ١٤٤٠/٢٠١٩، الذي نظَّم ووضَع عقوبات في حالة قدَّم الإعلان الإلكتروني معلوماتٍ كاذبةً أو اشتمل على عبارات من شأنها أن تؤدي بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى خداع المستهلك أو تضليله، فالمادة رقم ١٨ من النظام أوجدت العقوبات التالية: (الإنذار، الغرامة المالية التي لا تزيد عن مليون ريال، الإيقاف عن مزاولة التجارة الإلكترونية مؤقتًا أو دائمًا، حجب المحل الإلكتروني) بالتدرُّج أو حسب الحالة. فبعد تطبيق هذا النظام، تمَّ تقليص أو الحد من الغش التجاري الإلكتروني، وأصبح لدى المستهلك الحق في اللجوء إلى القضاء إذا تعرَّض للتضليل عبر مواقع التواصل الاجتماعي. علمًا بأن الاتجاهات الحديثة في حماية المستهلك في الأمم المتحدة تدعو للمساواة بين المستهلك في التجارة الإلكترونية والعادية من حيث التعويض والمعرفة والضمان (كما ذكر د. رزين الرزين رئيس المجلس التنفيذي لجمعية حماية المستهلك السعودية). المهم أن المواطن يحتاج للتنبيه والتوضيح الإعلامي لمعرفة حقوقه أمام حالات الغش بأي وسيلة كانت، ويطالب بها، ولا يكون فريسةً لضِعاف النفوس من المُعلِنين.
وأضافت د. فايزة الحربي أن الأنظمة الجديدة فرضت على مشاهير السناب الإفصاح بشكل صريح عن إعلاناتهم، حيث كانوا يُمرِّرون الإعلانات وكأنها قصص حقيقية في حياتهم، وهي مجرد إعلان قد يكون لمنتج جيد أو غير جيد. ومن الإعلانات المغشوشة والتي راح ضحيتها كثير من أفراد المجتمع الشقق والأملاك الوهمية في تركيا، والتي رُبطت بشروط تعيق تملُّكها أو بيعها وتُقدَّر بالملايين، وقد كان السنابيون يروِّجون لها.
وأكد د. حميد الشايجي على أنه لا بد من حماية الأسواق التجارية المحلية وبشكل حازم من مثل هذه البضائع المغشوشة التي تستغل ثغرات في أنظمة الاستيراد والتصدير المحلية. والتصوُّر أن المشكلة ليست في وجود الأنظمة، فهي موجودة وكافية، ولكن المشكلة تكمن في:
- تطبيق وتنفيذ الأنظمة وأحكامها.
- مدى وجود محققين (مفتشين) متخصصين ومتمرسين في كشف أساليب الغش التجاري.
- ضبط واستكمال كافة أوراق وملفات قضية الغش التجاري بشكل يجعلها تصمد في المحكمة.
- سد الثغرات التي ينفذ منها الغشاشون للهروب من طائلة النظام.
- تطبيق النظام وأحكامه على جميع المخالفين دون تمييز أو محاباة.
- متابعة التنفيذ الفعلي للأحكام.
ويرى أ. عبد الرحمن باسلم أن حل مشكلة الغش التجاري يكمن في الآتي:
- من الضروري بجانب العقوبات تفاعل الغرف التجارية مع التجار من خلال تكثيف الإرشادات والتأكد من وصولها لهم، وإلزام التجار بحضور بعض الدورات الأساسية للتعريف بالأنظمة والتشاور معهم. الوسطاء بالآلاف ولا يعرفون الوزارة أو الغرف إلا عند تجديد السجل فقط.
- إصدار كتيب يشرح الأخلاق التجارية السليمة Business ethics العالمية وكذلك أخلاق التاجر المسلم وحق العملاء عليه، ونَشْره على أوسع نطاق. لا ننسى أن الذين يُديرون الأعمال من كل جنسيات العالم، ولهذا أهمية في تثقيفهم.
- التشتت الكبير للجهات الحكومية التي يتعامل معها التاجر، فهي لا تنسق مع بعضها، وكل جهة تضع القوانين والغرامات بدون تنسيق مع الجهات الأخرى، وللأسف الضحية التجار، وهذا جعل بعضهم يلجأ إلى التلاعب؛ لذلك يجب وضع جهة تراجع كلَّ القوانين التي تصدر لتنظيم التجارة، أو لجنه دائمة لهذه الجهات.
- وزارة التجارة يجب أن تلزم الشركات ومن خلال موقع إلكتروني تشرف عليه بوضع كافة الأسعار وليس متوسطاتها، حتى تكون مرجعية للمستهلكين.
وفي اعتقاد أ. فائزة العجروش، فإن القضاء على ظاهرة الغش التجاري بصورة كبيرة لن يتحقق إلا من خلال الآتي:
- إنشاء منصة واحدة تُنظِّم كلَّ ما يخصُّ مكافحة الغش التجاري والخدمات المقدَّمة من: (هيئة المواصفات والمقاييس، وزارة التجارة، البلديات، وهيئة الغذاء والدواء، هيئات حماية المستهلك الرسمية والتطوعية)، وإيجاد قنوات تجمع جميع الجهود وتُنظِّم التواصل الفعال والسريع بين تلك الجهات بهذا الشأن.
- زيادة عدد مختبرات وزارة التجارة، وعدد المراقبين مع مراقبتهم وتفقُّد أحوالهم المالية، ووَضْع الحوافز المشجِّعة لهم للعمل بنزاهة وأمانة تُغنيهم- لا قدر الله- من تقاضي الرشوة من التجار المخالفين، وتضمن عدم التبليغ عنهم.
- تشديد العقوبات الرادعة مع التشهير المطلوب، للتأثير على سمعة ومصداقية التجار المخالفين.
- تجديد ثقة المستهلكين لدى الجهات المختصة بمدى جدوى شكواهم؛ فالمستهلك هو خط الدفاع الأول بعد توعيته بحقوقه وإلمامه بواجباته.
- إجراءات وقائية لمنع حدوثه في المقام الأول من خلال حملة وطنية شاملة ومستمرة لمكافحة الغش التجاري، ودعم الجهات المعنية بالمال والموظفين.
- تنظيم حملات توعوية وإرشادية مكثَّفة تُوضِّح تعارض الغش التجاري مع مبادئ الإسلام، وتُوضِّح كذلك خطورته على حياة الإنسان وعلى اقتصاد الدولة وعلى الثقة بين المستهلكين والتجار، والأنظمة المحلية والإقليمية والدولية وحقوق الإنسان.
واهتم د. حامد الشراري بدور التقنية في الحد من الغش التجاري، ففي تصوُّره فإن من الممكن استثمار التقنية في الحدِّ من الغش التجاري من خلال إيجاد منصة أو تطوير تطبيقات تشمل جميع المنتجات، كتطبيق “تأكَّد” الذي قامت بتطويره الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة بالشراكة مع المركز السعودي لكفاءة الطاقة، ويتيح للمستهلك التحقُّق من علامة الجودة وملصقات بطاقة كفاءة الطاقة للمنتجات الكهربائية (المكيفات، الغسالات والثلاجات)، الإطارات والمركبات والإنارة.
واتفق د. علي الحارثي مع أهمية توظيف التقنية سواء من ناحية التوعية وإيجاد تطبيقات متعددة ومنصات لأكثر المواد المغشوشة خطورةً، والمواد المقلَّدة الأكثر ضررًا واستنزافًا لاقتصاد الأسرة والوطن، والجانب الآخر المتعلق بالكشف عن الغش في تكوين المنتج ومدى صلاحيته للاستهلاك والاستعمال.
ومن جانبه أكد د. خالد الفهيد على أهمية الإجراءات التالية لمكافحة الغش التجاري:
- توحيد جهة الإشراف على سلامة الغذاء سواء المستورد أو المحلي.
- رفع قدرات الكوادر وأجهزة الكشف على سلامة الغذاء بمختلف أنواعه في المنافذ (البحرية، البرية، الجوية).
- رفع قدرات الأسواق المركزية بتنظيم أجود وتقنية أعلى، والتوسع في تأمين أجهزة الكشف عن بقايا المبيدات الزراعية في تلك الأسواق.
- تعزيز الجهود بالتوسع في تطبيق الشهادة السعودية للممارسات الزراعية الجيدة؛ لتعزيز ثقة المستهلك في المنتجات الزراعية السعودية.
وأكد أ. عاصم العيسى على أهمية التوازن بين تطبيق النظام الصارم بمعاقبة الحالات الإجرامية، مع أحقية التجار في حمايتهم في ألا يُساء تطبيق النظام، مع سن وتطبيق الإجراءات الوقائية لبيئة خالية من الغش. وفيما يخص سُبُل الوقاية، فمن أبرزها:
- إحكام الجمارك في تطبيق عدم إدخال البضائع المغشوشة والمواصفات الرديئة.
- يكثر الغش من العمالة الرديئة وغير المتعلمة؛ ولذا من المهم دراسة إحصائيات السوق لمعرفة مصادر الغش، والتأكيد على اختيار العمالة الوافدة المتعلمة المثقفة الماهرة، مع مُساءلة أصحاب المصالح ممَّن يستعمل هذه العمالة الرديئة، حيث تقتضي مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه؛ مسؤوليته عن حُسن الاختيار والتوظيف والاستقدام.
- تخفيض أعداد الاستقدام من الدول التي ثبُت كثرة الغش في عمالتها، وأن يكون من ضمن الإجراءات قبل استقدامهم فحصهم طبيًّا وجنائيًّا ومهنيًّا، وذلك معمول به في كثير من الدول.
- مراقبة وتنظيم التسويق والإعلان المغشوش، حيث من المُلاحظ أن السوق يزدحم بالإعلانات عن مهارات غير حقيقية، أو نتائج طبية أو علمية (غير مدروسة أو غير ثابتة)، ومنتجات غذائية صحية أو خالية من بعض المنتجات (دون إثبات)، وهو ما ولَّد استهلاكًا لمنتجات رديئة أو مغشوشة؛ الأمر الذي يقتضي تنظيم الإعلانات، وأقلها مراجعة صيغة الإعلانات وألا تكون إلا للثابت من المعلومات، فها هو المحامي مثلًا يُمنع عليه في المملكة التسويق والإعلان عن نفسه، وتبرير ذلك أن الجودة هي مَن تُسوِّق لنفسها لا الشخص ولا الإعلان، ويُستحسن أن يُطبَّق ذلك على الكثير من المهن ذات الارتباط المباشر بصحة الإنسان وحياته.
- التأكيد على تطبيق الجودة والمواصفات في المنتجات والخدمات المتداولة والمستوردة والمصنوعة داخليًّا؛ للوقاية من الحياة المريضة، إذ إن درهم وقاية خير من قنطار علاج.
- تفعيل (حُسبة) السوق؛ بمعنى أن يكون لكل سوق جهة رقابية، تتشكل من الجهات الحكومية المعنية ومن التجار أصحاب الصنعة، أو من تجار السوق، إذ هم أعرف بسوقهم، وأعرف بوجود الغش فيه من عدمه، وبذلك يراقب السوق نفسه؛ أو بعبارة أخرى: تفعيل المراقبة التطوعية لمراقبة الأسواق ومكافحة الغش.
- مناسبة تأسيس جمعيات أهلية لمكافحة الغش ومراقبة الأسواق.
- دراسة اقتراح إنشاء سجل ائتماني للشركات، يتضمن تاريخ المنشآت ومراعاتها للجودة والمواصفات العالية، وخلو أنشطتها وعمالتها من الغش، فيُضاف للسوق شهادة ائتمان للمتعاملين معه، كما هي علامة الجودة والمواصفات السعودية على المنتجات.
أما فيما يخصُّ العقوبات فمن المهم من وجهة نظر أ. عاصم العيسى مراعاة ما يلي:
- تغليظ العقوبة، ونَشرها وتفعيلها، وبالذات للأفعال الكبيرة المُجرَّمة بالغش.
- حماية التجار من التعسف في استخدام النظام وتشديد العقوبة نتيجة لأخطاء السوق الطبيعية وغير المتعمدة، أو غير المتكررة، أو متوقعة الحصول، والسوق مليء بالعديد من الأخطاء اليسيرة التي لا يمكن أن تُعامَل كالغش المؤثر الكبير.
- أتاح النظام أن يكون للمبلِّغين عن الغش نسبة وتربُّح مما يُصادر، وهو جيد، ولكن قد يُولِّد تعارُض مصالح؛ ولذا يجب ضبطه بتجريم مَن يسيء استعمال النظام، وأن تكون سلطة الضبط والتحقيق منفصلة عن سلطة التبليغ، وتأسيس إدارات مستقلة محايدة للمراقبة.
- ألا يكون إغلاق المحلات (بالنسبة لحالات الاشتباه في الغش، في الحالات اليسيرة) إلا بحكم قضائي.
- تعويض مَن تضرَّر ممَّن اتهم من التجار بالغش، دون الثبوت.
وقد ناقش الملتقى أفكارًا، مثل:
- إنشاء مؤسسة تعليمية وتدريبية للتفتيش، تكون هي المرجع الوطني لبقية الجهات فيما يخصُّ آليات وسياسات التفتيش.
- حملة إعلامية وبأساليب إبداعية لزيادة وعي المجتمع عن خطر الغش التجاري. وتكون حملة ذات رسالة واضحة أن الأحكام والعقوبات في طريقها للتعديل والإضافة والتغيير إلى الشدة والصرامة. وتُسمَّى هذه الحملة (من غشَّنا فليس منَّا).
- أن تقوم وزارة التجارة عبر جميع وسائل الإعلام (وسائل التواصل والتقليدي) بإعداد برنامج شهري عن إنجازات وزارة التجارة (تقارير) فيما يخص مكافحة الغش التجاري.
- رفع الوازع الديني والأخلاقي في النفس، كإصدار كتيب يشرح الأخلاق التجارية السليمة (Business ethics) العالمية وكذلك أخلاق التاجر المسلم وحق العملاء عليه، ونَشْره على أوسع نطاق، وذلك لاعتبارات عدة، منها أن جُلَّ الذين يُديرون الأعمال من كلِّ جنسيات العالم، ولهذا أهمية في تثقيفهم.
- إيجاد منصة إلكترونية أو تطبيق إلكتروني، أو تطوير تطبيقات حالية للمساهمة في الحد من الغش التجاري.
- التوصيات:
- مراجعة مهام وواجبات تنظيمات كُلٍّ من هيئة المواصفات والمقاييس ووزارة التجارة وجمعية حماية المستهلك، وتحديثها بكل ما يلزم؛ لتعريف الغش التجاري ومكافحته وتجريمه والتشهير بمن يُدان قضائيًّا، ورفع الوعي والمستوى الرقابي وتنظيم التجارة وحماية المستهلك من خلال جهة أو لجنة مشتركة. مع النظر في تحويل جمعية حماية المستهلك إلى هيئة ترتبط بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، والاطلاع على أفضل الممارسات العالمية مثل النموذج البريطاني.
- تطوير قدرات الكوادر المسؤولة عن الكشف على الواردات التجارية في المنافذ البحرية والبرية والجوية وداخليًّا؛ لأخذ الاحتياطات الأمنية اللازمة أثناء القيام بالمداهمات (تدريبًا ومعدات وتحريزًا للمضبوطات، لضمان أمن وسلامة العملية).
- تحديد المعايير الوطنية المقبولة للبضاعة المستوردة من الخارج وخاصة البضاعة زهيدة الأسعار، مع تزويد هيئة الجمارك السعودية بالكفاءات والأجهزة للكشف الجاد عن مخالفة تلك المعايير قبل دخولها الأسواق.
- أن تقوم جهة مسؤولة في وزارة التجارة بمتابعة ما يعرض في وسائل التواصل الاجتماعي من عروض تجارية غير صحيحة وتحمل قدرًا كبيرًا من التضليل في السلع والخدمات، وتجريم مَن يُضلِّل بأحكام قضائية صارمة.
- تفاعل الغرف التجارية مع التجار من خلال تكثيف التواصل معهم إلكترونيًّا، والتأكد من وصول التعليمات والإرشادات أولاً بأول، وتحفيز التجار لحضور بعض ورش العمل لتطوير المفاهيم التجارية السليمة.
- إلزام التجار من قِبل وزارة التجارة بوضع كافة الأسعار (وليس المتوسط)، لتكون مرجعية للمستهلكين من خلال موقع إلكتروني تشرف عليه الوزارة.
- أهمية توحيد جهة الإشراف على سلامة الغذاء سواء المستورد أو المحلي، وأهمية رفع قدرات الأسواق المركزية بتنظيم أجود وتقنية أعلى، والتوسع في تأمين أجهزة الكشف عن متبقيات المبيدات الزراعية في تلك الأسواق.
- تعزيز الجهود بالتوسع في تطبيق الشهادة السعودية للممارسات الزراعية الجيدة؛ لتعزيز ثقة المستهلك في المنتجات الزراعية السعودية.
- التعاقد أو عمل شراكة مع شركة عالمية مشهود لها بالكفاءة لبناء منظومة مكافحة الغش التجاري والصناعي والخدمي بمحتوى محلي جيد، من تدريب وإجازة العاملين الوطنيين ونقل التقنية.
القضية الثالثة
عقود تمويل الإسكان المدعوم
(21/6/2020م)
- الورقة الرئيسة: أ. عاصم العيسى
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: أ. نبيل المبارك
- التعقيب الثاني: أ. فهد القاسم
- إدارة الحوار: أ. لاحم الناصر
- الملخص التنفيذي:
ذكر أ. عاصم العيسى في الورقة الرئيسة أن صندوق التنمية العقارية قد منح المواطنين المليارات لتمويل بناء مساكنهم بمزايا مُختلفة، آخرها برنامج (تمويل الإسكان المدعوم) الذي منحَ خلال 2019م أكثر من (165,000) تمويل بقيمة (78) مليار ريال، والمُتوقع خلال 2020م الوصول إلى (204,000) تمويل بقيمة (100) مليار. كما تشير النشرة الإحصائية الشهرية الصادرة عن مؤسسة النقد أن التمويل العقاري السكني المُقدَّم للأفراد من المصارف لشهر مارس 2020م، مُوزَّع بنسبة (80,42%) للفلل، و(15,70%) للشقق، و(3,88%) للأراضي. ونظرًا لأهمية هذا التمويل للمواطنين وإقبالهم عليه، ولأن تمليك المواطنين للسكن يُعَدُّ أحد أهداف رؤية المملكة، سعيًا لتحقيق الحياة الكريمة المُستقرة للمواطن؛ كان لزامًا مُراجعة عقود البرنامج حمايةً لأطرافه الثلاثة، وهم: المواطن، والجهة التمويلية، ووزارة الإسكان.
وركَّز أ. نبيل المبارك في التعقيب الأول على تناول عقود تمويل الإسكان المدعوم من زاوية مالية، وما يجب أن يكون عليه دور الأطراف الثلاثة في هذا الموضوع، وهم: المواطن، وجهة التمويل، والحكومة ممثَّلة في وزارة الإسكان عبر صندوق التنمية العقاري. وهي أطراف المعادلة للتمويل العقاري المدعوم، والذي يعني أن المواطن الراغب في الحصول على تمويل عقاري، والدخل الشهري يقل عن ١٤ ألف ريال، فيمكن الحصول على تمويل رهن عقاري من الجهات التمويلية، مقابل تحمُّل الصندوق العقاري نسب عمولة التمويل، ويدفع العميل أصل التمويل. وهي مبادرة من قِبل وزارة الإسكان لهذه الشريحة غير القادرة على تحمُّل تكاليف التمويل طويل الأجل. واختُتم التعقيب بالإشارة إلى أن عقود الإسكان الحالية قد لا تكون فيها إشكالات كبيرة، ولكن تصميم الرهن العقاري ككل ينطوي على قصور واضح آخذين في الاعتبار أن المنظومة في عوار، والمواطن يفتقد للتخطيط طويل الأجل، والأطراف المتداخلة كلٌّ يظنُّ أنه محميٌّ، ومع الأسف، جميع متخذي القرار لا يفكرون في السنوات الطويلة القادمة، ولكن في تحقيق نجاح حالي بنظرة قصيرة، وقد تكون قاصرةً.
أما أ. فهد القاسم فذكر في التعقيب الثاني أن التوازن يحدث عند العقلانية في التمويل وارتباطه بعقار مُقيَّم بعدالة (الاهتمام بسوق التقييم العقاري)، والتمويل لمتمول يستطيع السداد في الظروف الاعتيادية وفق دخل مستقر (دراسة ائتمانية جيدة للمتمول)، وعدالة العقود المبرمة بين الأطراف (صيغة المرابحة قد تكون هي الصيغة المثلى)، ووجود محاكم مختصة تفهم وتعي تفاصيل العقود وطبيعة العلاقة ومتغيرات السوق (إيجاد محاكم متخصصة في التمويل السكني).
وتضمنت المداخلات حول القضية المحاورَ التالية:
- واقع مشكلة الإسكان وتمويل عقوده في المملكة.
- الإشكاليات المعيقة لحل مشكلة تمويل الإسكان ودعمه.
- مقترحات عملية.
ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:
- أهمية التركيز على الوعي الادخاري لدى المجتمع منذ الصغر عبر تدريس ذلك في المراحل الدراسية المختلفة. وتغيير فكر المواطن حول بيت العمر، وجَعْل تخطيطه مرحليًّا وفقًا لاحتياجاته.
- ابتكار وإيجاد قنوات ادخارية تُحقِّق عائدًا جيدًا مع مخاطر متدنية تناسب جميع شرائح المجتمع، تساهم الدولة في بعضها لتحفيز المواطنين على الادخار.
- الورقة الرئيسة: أ. عاصم العيسى
منَح صندوق التنمية العقارية المواطنين المليارات لتمويل بناء مساكنهم بمزايا مُختلفة، آخرها برنامج (تمويل الإسكان المدعوم) الذي منحَ خلال 2019م أكثر من (165,000) تمويل بقيمة (78) مليار ريال، والمُتوقع خلال 2020م الوصول إلى (204,000) تمويل بقيمة (100) مليار.
وتشير النشرة الإحصائية الشهرية الصادرة عن مؤسسة النقد أن التمويل العقاري السكني المُقدَّم للأفراد من المصارف لشهر مارس 2020م، مُوزَّع بنسبة (80,42%) للفلل، و(15,70%) للشقق، و(3,88%) للأراضي.
ونظرًا لأهمية هذا التمويل للمواطنين وإقبالهم عليه، ولأن تمليك المواطنين للسكن يُعَدُّ أحد أهداف رؤية المملكة سعيًا لتحقيق الحياة الكريمة المُستقرة للمواطن؛ كان لزامًا مُراجعة عقود البرنامج حمايةً لأطرافه الثلاثة، وهم: المواطن، والجهة التمويلية، ووزارة الإسكان.
يحكم تمويل السكن المدعوم ثلاثة عقود:
- الأول: اتفاقيات الجهة التمويلية للقرض السكني مع المواطن، وهي إما عقد إجارة (الإيجار المُنتهي بالتمليك)، وفيه العقار يبقى باسم المُمول واعتباره مؤجَّرًا طوال فترة التمويل واعتبار المواطن مُستأجرًا؛ أو عقد مُرابحة لتمويل شراء السكن أو البناء الذاتي، وفيه يتملك المواطن العقار مع إبقائه رهنًا لدى المُمول. كما يحقُّ أن يتضامن أكثر من مواطن في الحصول على تمويل لشراء سكن واحد، كتضامن الزوج مع زوجته.
وقد تضمَّنت بنود تلك العقود:
- استقطاع المُمول (المؤجر) الدفعة الإيجارية الأولى بمبلغ كبير لا يتناسب مع أقساط الأجرة الشهرية.
- في حال تعثُّر العميل (المستأجر) عن سداد الإيجار لثلاثة أشهر متتالية فللمُمول (المؤجر) حقُّ فسخ عقد الإيجار والتصرف في العين تصرُّف المالك في ملكه من بيع أو إيجار، وتحصل البنوك على تفويض من المُقترض بحقها في بيع المسكن، وتعهُّد منه بإخلاء العقار.
- الثاني والثالث: اتفاقيتا صندوق التنمية العقارية؛ الأولى مع البنوك، والثانية مع المواطن المستفيد، اللتان تضمنتا أنه: في حال وفاة المقترض، أو في حال السداد المبكر، يحقُّ للصندوق وقف تقديم مبلغ الدعم، وأن الدعم السكني يقف في حال تأخُّر المستفيد عن سداد أي قسط، مع إقرار الصندوق للممول العقاري بحقه في فسخ عقد التمويل.
موقف القضاء في حال تخلف مواطن عن السداد في عقود الإيجار المُنتهي بالتمليك:
تخلف أحد عملاء البنوك عن سداد أقساط تمويل مسكنه، فلجأ البنك إلى القضاء، وصدر في قضيته أمام المحكمة العامة بجدة الصك القضائي رقم (361324874) وتاريخ 15/11/1436هـ، ومنطوقه: فسخ العقد المُبرم بين الطرفين، وإلزام عميل البنك بتسليم العقار للبنك، وإلزام العميل بدفع الأجرة حتى تاريخ الحكم، واعتبار جميع ما دُفع بما في ذلك الدفعة الأولى أجرة. وقد صادق الاستئناف بالأكثرية على الحكم.
وتتمحور الإشكالية في العقد وفي الحكم المذكور، في الخلط بين حقيقة العقد وهي (التمويل)، وصورته وهي (الإيجار).
إن عقد التمويل السكني المدعوم يخصُّ جموع المواطنين، وبسلعة أساسية لديهم، ومدة التمويل تصل إلى عشرين سنة، مما يُصاحبه الكثير من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المُستفيد من البرنامج، فذاك يترك وظيفته وهذا يطلق زوجته، في حين أن العقد صُمِّم بحماية أحادية للطرف الذي صاغه، مما سيُرتب إشكاليات حقيقية كبيرة وكثيرة، وبالذات أن الند للمواطن في هذا التعامل هو البنوك، بما تملك من خبرات قانونية وأدوات تحصيلية، سيولِّد الصراع على المسكن (في حال تخلف العميل عن السداد ولو لأقساط محددة، وفي حال تغير ظروفه) بين المواطن الذي يعتبر السكن ملكه، وبين الجهة التمويلية التي تسعى لاستيفاء جميع أقساطها تحقيقًا لربحية منشآتها، وتطبيقًا للعقود المبرمة بين عملائها وما تخوله لها من حقوق.
إن أحد أهم أسباب الأزمات المالية العالمية هو الخلل الائتماني.
وثمة تساؤلات مطروحة في هذا الإطار:
- هل تعثر المواطنين عن سداد تمويل مساكنهم يُمثِّل أزمة قادمة؟ وكم نسبتهم المُتوقعة؟
- هل ستولد مثل هذه العقود فُقاعة تعثُّر البعض أو الكثير عن القدرة على السداد، وبالتالي فقاعة بيوع الرهون وإشكالياتها؟
- ما هي مواطن الخلل في العقود؟ وما العلاقة النموذجية المُقترحة؟
- ما أبرز المخاطر التي تواجه هذه المبادرة؟
- ما دور الجهات الرقابية بشأن هذه العقود؟ ومَن هي الجهة المسؤولة عن مراجعتها؟
- ما الشكل المناسب لمسكن العائلة السعودية؛ شقة، فيلا، مُجمع؟
- هل الخلل يكمن في التوجه لشراء الفلل، مما يعني زيادة في حجم التمويل وعدد سنوات سداده؟
- هل المُفترض تحديد نسبة من إجمالي التمويل يدفعها المواطن عند الحصول على التمويل؟ وكم هي؟
- هل ستستخدم الجهات التمويلية الحقوقَ الممنوحة لها بموجب العقود؟ كفسخ العقد وبيع المنزل كونه ملكًا أو رهنًا لها. وإنْ حصل ذلك، فما الإشكاليات الاجتماعية والأمنية المُتوقعة؟
- هل ستتدخل الدولة لحماية المواطنين؟ أو لسداد البنوك؟
- ما المقترحات لإيجاد التوازن لحماية حقوق الدائنين والمدينين معًا؟ وما الأدوات المُقترحة لحماية الجهات التمويلية في حالات التعثُّر؟
- ما التجارب المعمول بها لدى الدول الأخرى؟
- ما التوعية المنشودة للمواطنين؟
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: أ. نبيل المبارك
يُركِّز هذا التعقيب على تناول عقود تمويل الإسكان المدعوم من زاوية مالية بحتة، وما يجب أن يكون عليه دور الأطراف الثلاثة في هذا الموضوع، وهم: المواطن، وجهة التمويل، والحكومة ممثَّلة في وزارة الإسكان عبر صندوق التنمية العقاري. وهي أطراف المعادلة للتمويل العقاري المدعوم، والذي يعني أن المواطن الراغب في الحصول على تمويل عقاري، والدخل الشهري يقل عن ١٤ ألف ريال، فيمكن الحصول على تمويل رهن عقاري من الجهات التمويلية، مقابل تحمُّل صندوق التنمية العقاري نسب عمولة التمويل، ويدفع العميل أصل التمويل. وهي مبادرة من قِبل وزارة الإسكان لهذه الشريحة غير القادرة على تكاليف التمويل طويل الأجل. علمًا أن الرهن العقاري كمنتج موجود منذ زمن طويل للقادرين، والذين لديهم خطط واضحة لأنفسهم، وهو منتج ممتاز. ولكن نحن هنا لا نتحدث عن تلك الشريحة القادرة، ولكن عن شريحة محدودي الدخل، وهي الشريحة الأكثر والغالبة في المجتمع.
ولنتأمل معًا وضع الأطراف الثالثة بعناية، حتى نفهم طبيعة العلاقة التعاقدية ومدى سلامة هذه العلاقة طويلة الأجل على الأطراف الثلاثة؛ لأن مدد التمويل قد تصل إلى ثلاثين سنة.
بطبيعة الحال الطرف الأضعف في هذه المعادلة بالتأكيد هو “المواطن”، الذي يفترض أنه المستفيد الرئيس من العلاقة؛ لأن تمكُّنه من تأمين منزل للأسرة بما يتوافق مع احتياجاته (المفترض)، ولكن خلال ثلاثين سنة يصعب تصوُّر ذلك. هذه أولى الإشكاليات المرتبطة بعقود الإسكان المدعوم. كما أن هناك طرفًا رابعًا يبدو أنه غير معنيّ ولكن له دور ويُغفل عنه وهو “المطور العقاري” الذي باع وخرج من المعادلة قبل الدخول فيها.
والمواطن كطرف أساسي عليه مسؤولية كبيرة أمام نفسه وأسرته في اتخاذ القرار، وكما قال وزير الإسكان في ندوة بمركز أسبار قبل سنوات، أزمة الإسكان أزمة فكر. فهناك أسئلة كثيرة على المواطن أن يكون مُدركًا لإجابة كل سؤال قبل الإقدام على قرار مثل هذا، وهنا نقطة ضعف كبيرة مع كل أسف في هذا الجانب. فعلى سبيل المثال، هل كل شخص يعرف حجم أسرته خلال الثلاثين سنة القادمة؟ وهل يعرف ظروفه العملية والمهنية كذلك؟ وهل يعي متى يكون قرار شراء المسكن مناسبًا؟ وهل هناك عروض كافية في السوق العقاري؟ وهل يمكن الحصول على الضمانات الكافية لجودة وسلامة البناء؟ وهل يمكن التنبؤ بمستوى الدخل الذي سوف يستمر خلال السنوات القادمة؟ وهل لديه خطط طوارئ؟ ماذا لو؟ مثال رجالات الجيش، فاحتمال انتقالهم من مكان إلى آخر عالية جدًّا. فهل يشتري في مكانه الأصلي (بلدته) حتى وقت التقاعد، ومن ثَمَّ السكن يكون دائمًا؟ وكيف يجب أن يسكن خلال سنوات العمل والعطاء للوطن؟ ومَن يتحمل تكاليف السكن؟
والنقطة الأخرى فيما يخصُّ المواطن، هي موضوع الملاءة الائتمانية، حيث إنَّ الموافقة من عدمها من قِبل جهات التمويل مرتبطة بشكل كامل مع مستوى الملاءة المالية للعميل، وهي عملية متطورة جدًّا، وتُبنى على أساس علاقات العميل الائتمانية خلال السنوات السابقة. وبالتال، فجهات التمويل وبحكم أنها ملزمة بما يعرف “التمويل المسؤول” الذي صدر في العام ٢٠١٤م، عليها دراسة حالة العميل، وهل يستطيع الوفاء بالالتزام طويل الأجل بناءً على مدخلات عديدة وبيانات تاريخية من قِبل الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمة)؛ الأمر الذي قد يزيد من نسب رفض العديد من العملاء بسبب التاريخ الائتماني والقدرات المالية للعميل.
معادلة الرهن العقاري مع الأسف هي منقولة من تطبيقات غربية رأسمالية، ولكن نُقلت منقوصةً تمامًا من منطق تطوُّر هذا المنتج في الرأسمالية الغربية، وأذكر أيام مناقشة نظام الرهن العقاري منذ العام ٢٠٠٧م تحت قبة هيئة الخبراء، أني قد طرحت عددًا من الأسئلة، ولكن لم أجد إجابةً عنها، علمًا أن النظام صدر في العام ٢٠١٢م. وبالتالي، هناك أمور لا تزال غير واضحة، وقد نضطر لمواجهتها في السنوات القادمة. حيث لدينا أيضًا أزمة فكر لدى الأجهزة المعنية بهذا الموضوع، بعد أكثر من خمسين سنة كان التمويل حكوميًّا والمواطن يقوم بالبناء الذاتي.
أما الطرف الآخر (الحكومة) وأعتقد أن هذا الالتزام على الحكومة بدفع تكاليف التمويل لهذه الشريحة لجهات التمويل، فيه تكاليف غير مبررة على الحكومة، كان يمكن تلافيها، لو أن هناك رغبة في إبداع منتجات مالية أفضل وبطرق أقل تكلفة. ولكن هذا هو الواقع اليوم. ربما يتغير الحال بتغيير المسؤول. ولكن لا أرى الموضوع مستدامًا، وقد تمَّ فعلاً إيقاف بعض أنواع الدعم في هذا المجال بسبب تراجع إيرادات الدولة.
أما جهات التمويل كطرف ثالث، أعتقد أنها تعرف ما تريد ومتحصنة بالعقود والتأمين والنظام، وعمومًا المؤسسات المالية على مستوى العالم معروف أنها لا تُخطِّط إلا على مستوى قصير ومتوسط الأجل، ولا يهمها ماذا يحدث غدًا، فهي تعكس المخاطر وتُخرِجها من محفظتها بشكل ذكي جدًّا. وحتى لو حدثت أزمة رهن عقاري، النظام سوف ينقذها كما حدث في أزمة ٢٠٠٨م. ولا مزيد من التعليق هنا.
في الختام، العقود الحالية قد لا تكون فيها إشكالات كبيرة، ولكن في اعتقادي أن تصميم الرهن العقاري ككل فيه قصور واضح آخذين في الاعتبار أن المنظومة في عوار، والمواطن يفتقد للتخطيط طويل الأجل، والأطراف المتداخلة كلٌّ يظن أنه محميٌّ، ومع الأسف جميع متخذي القرار لا يفكرون في السنوات الطويلة القادمة، ولكن في تحقيق نجاح حالي بنظرة قصيرة، وقد تكون قاصرة. وثمة نقطة مهمة، فالمنظومة أصلاً لمَّا تكتمل بعدُ؛ لا في شق آليات البناء والتغييرات التي تحدث، ولا في شق التنظيم والتطوير العقاري، ولا في شق برامج الادخار للأفراد، ولا في موضوع الأراضي، ولا في موضوع دور الحكومة في المنظومة، ولا في مستوى وعي المواطن؛ ولكن لا بد من بداية وإنْ كانت متعثرةً بعض الشيء.
- التعقيب الثاني: أ. فهد القاسم
فصَّلت الورقة الرئيسة في شرح أهمية التمويل السكني المدعوم، وتحدَّثت عن طبيعة عقود التمويل التي تحكم العلاقة بين الممول (البنك) والمتمول (المواطن) والضامن (صندوق التنمية العقاري) والمستفيد (المواطن)، وهي إما عقود إجارة أو عقود مرابحة، وقد استعرضت الورقة نموذجًا لموقف القضاء في حالة تخلُّف المواطن عن السداد في حالة عقود الإيجار، وتطرَّقت إلى إشكالية الحكم القضائي في القضية حيث تمَّ الخلط بين حقيقة العقد وهي (التمويل) وصورة العقد وهي (الإيجار).
وكنت أودُّ لو ختم أ. عاصم الورقة الرئيسة بتوصيات مقترحة حول موضوعها، إلا أن الورقة خُتمت بـ ١٣ تساؤلًا مهمًا، لم تُجب عن أيٍّ منها!
ولعلِّي أضعُ هنا بعضَ الإجابات المقترحة لبعضٍ من تلك التساؤلات:
س1) هل تعثُّر المواطنين عن سداد تمويل مساكنهم يُمثِّل أزمةً قادمة؟
في رأيي أن توقُّع تعثُّر المواطنين من عدمه مرتبط بشكل مباشر بأمور خارج العلاقة مع البنوك، وهي مدى احتفاظ المواطنين بوظائفهم، وعدم انخفاض دخولهم، وهذه تبدو – والله أعلم – أنها ستحدث جزئيًّا في بعض مؤسسات القطاع الخاص.
س٢) هل ستُولِّد مثل هذه العقود فقاعة تعثُّر البعض أو الكثير عن القدرة على السداد، وبالتالي فقاعة بيوع الرهن وإشكالياتها؟
لا أعتقد حدوث ذلك؛ لسببين: أولهما أن هذه العقود مرتبطة بمشتريات بأسعار عادلة غير متضخمة للمساكن، والثاني لأن التعثُّر المتوقع لن يصل حجمه لتكوين فقاعة مماثلة.
س٣) ما هي مواطن الخلل في العقود؟ وما هي العلاقة النموذجية المقترحة؟
لقد شرحت ورقة العمل هذه الإشكالية، حيث تمَّ الخلط بين حقيقة العقد وهي (التمويل) وصورة العقد وهي (الإيجار)، وبالتالي عند التعثُّر خسارة المتمول أكبر من المفترض عليه، وتُغري الممول ببيع العقار بأي سعر لتحصيل مستحقاته بغض النظر عن القيمة العادلة له، بسبب طبيعة العقد، وأعتقد أن العلاقة المتوازنة بين الطرفين تكون على شكل طرفي عقد بيع بالمرابحة.
س٤) ما دور الجهات الرقابية بشأن هذه العقود؟ وما هي الجهة المسؤولة عنها؟
أرى أن أهم دور يمكن أن تقوم به مؤسسة النقد بحكم كونها الجهة الرقابية للبنوك، ووزارة الإسكان بحكم أنها الضامن لتلك القروض؛ هو تصحيح طبيعة العقود، وأن تُحال منازعات العقود لجهة متخصصة تستطيع سبر أغوار العلاقة بين الأطراف والحكم بعدالة وفهم لطبيعة العقود.
س٥) هل المفترض تحديد نسبة من إجمالي التمويل يدفعها المواطن عند الحصول على التمويل، وكم هي؟
في رأيي أن الطريقة المعمول بها حاليًّا فعَّالة من حيث ربط مبلغ التمويل بدخل المواطن، إضافةً إلى الديون الأخرى المستحقة عليه، وبقدرته المتوقعة للسداد، وبتاريخه الائتماني.
س٦) هل ستستخدم الجهات الممولة حقوقَها وفقًا لعقود التمويل، مثل فسخ العقد وبيع المنزل؟ وإنْ حصل ذلك، فما الإشكاليات المتوقعة؟
بغض النظر عن أي إشكاليات متوقعة لذلك، فمن الطبيعي أن تستخدم الجهات التمويلية جميعَ حقوقها، وأهمها: الربح، وتطبيق العقد وفسخه إنْ لزم الأمر، وبيع الرهن تحصيلًا لحقوقها. وأي خلل في ذلك هو خلل في تحفيز الممول للتمويل، وخلل في دافعية المواطن للسداد؛ وبالتالي خلل يسقط مشروع تمويل الإسكان برمته.
س٧) هل ستتدخل الدولة لحماية المواطنين، أو لسداد البنوك؟
لا أرى أن الدولة ستتدخل إلا في حالات استثنائية، وسيكون تدخُّلها في حالات الظروف القاهرة العامة، مثل حالات الحروب أو الجوائح التي يصبح معها تطبيق العقد مستحيلًا، وآنذاك سيكون التدخل المتوقع هو تأجيل السداد أو تعطيل التنفيذ لفترات محددة تنتهي بانقضاء هذه الظروف.
س٨) ما المقترحات لإيجاد التوازن لحماية حقوق أطراف العقد؟
في رأيي أن التوازن يحدث عند العقلانية في التمويل وارتباطه بعقار مُقيَّم بعدالة (الاهتمام بسوق التقييم العقاري)، والتمويل لمتمول يستطيع السداد في الظروف الاعتيادية وفق دخل مستقر (دراسة ائتمانية جيدة للمتمول)، وعدالة العقود المبرمة بين الأطراف (صيغة المرابحة قد تكون هي الصيغة المُثلى)، ووجود محاكم مختصة تفهم وتعي تفاصيل العقود وطبيعة العلاقة ومتغيرات السوق (إيجاد محاكم متخصصة في التمويل السكني).
وقد يكون في هذه الإجابات بعض التوصيات المقترحة لهذه القضية، في موضوع مهم للمجتمع ككل، وللتنمية في المملكة كأحد محاورها الرئيسية لجودة الحياة.
- المداخلات حول القضية:
- واقع مشكلة الإسكان وتمويل عقوده في المملكة:
ذكرت د. عائشة الأحمدي أن مشكلة الإسكان هي مشكلة تواجهها كافة المجتمعات في مختلف الدول ومختلف الأنظمة الاقتصادية، مهما كان ترتيبها على خطوط التنمية ومؤشراتها، وهي هاجس مُقلِق لجميع الحكومات، فالأمن الإسكاني هو أحد أهم عناصر الاستقرار للمجتمعات. والحقيقة أن قضية الإسكان ترتبط ارتباطًا مباشرًا بقضايا اجتماعية ومدنية أخرى، مثل: قضية الزيادة في تعداد السكان، وقضية التمدد والنمو العمراني غير المنضبط للمدينة، وقضية العشوائيات في المدن، وقضية الفقر، إلى آخر هذه القضايا التي تواجه المجتمعات. كما أن علوم الإسكان تشمل علومًا أخرى، مثل: الاقتصاد والتمويل، وعلوم الإنسان والمجتمع… إلى آخره. فإذا أردنا أن نُعالج قضية الإسكان بطريقة علمية صحيحة، فلا بد أن يكون العلاج شاملًا؛ بمعنى أن نأخذ في الاعتبار كلَّ هذه القضايا التي تتصل بالإسكان. وكما نعلم جميعًا، لم تواجه المملكة في مشكلات التنمية مشكلةً كمشكلة الإسكان، على الرغم من الوفرة المالية والمخصصات التي تجاوزت 250 مليار ريال، ونعلم كذلك أنه لا توجد في المملكة أي مشكلة في سكن الطبقة الغنية أو الطبقة فوق المتوسطة، بل فقط فيما يخصُّ سكن الطبقة المتوسطة أو الطبقة الفقيرة. والمعلوم أن الطبقة المتوسطة هي في العادة عصب المجتمع وعموده الفقري في جميع المجتمعات والدول. ومن الملاحظ أيضًا أن الطبقة المتوسطة في معظم الدول النامية بدأت تتقلص وتنزلق إلى الطبقة دون المتوسطة؛ لذلك تصبح قضية الإسكان في تلك المجتمعات، ومجتمعنا في المملكة واحد منها، قضية ذات أهمية خاصة. وتشير الإحصائيات إلى أن غالبية أفراد الشعب السعودي لا يمتلكون الوحدات السكنية التي يعيشون فيها، هذا بالرغم من جهود الحكومة منذ أكثر من ثلاثين عامًا والمتمثِّلة في مشاريع الإسكان، وصندوق التنمية العقاري، وبرنامج منح الأراضي السكنية لمواجهة حاجة المواطنين إلى السكن الخاص، كما قامت الجهات المختصة حديثًا بتطبيق نظام التمويل العقاري، وهو أمر جيد سهَّل من حصول المواطن على السكن الذي يناسب ظروفه وإمكانياته ومتطلباته. وبالرغم من جميع هذه الجهود، لكن ما زالت هناك شريحة ليست بالقليلة لا تملك مقومات الإيفاء باشتراطات نظام التمويل.
وذكر م. خالد العثمان فيما يتعلق بتمويل الإسكان المدعوم وآلية استحقاقه، وهو بالطبع البديل الذي قدَّمته وزارة الإسكان لقرض صندوق التنمية العقاري بشكله السابق. والتمويل المدعوم يعني أن وزارة الإسكان تقوم بتغطية قيمة فائدة التمويل الذي يقدِّمه البنك للمستفيد في حدود قيمة القرض المدعوم، وقيمته 500000 ريال. وهذا يعني أنه إذا زادت قيمة العقار الذي يرغب المستفيد في شرائه عن 500000 ريال، فإنه يتحمل نسبة الفائدة عن المبلغ الفائض. مع التنبيه إلى أن هذا البرنامج متاح فقط للمستفيدين الذين لا يزيد دخلهم الشهري عن 20000 ريال، كما أن نسبة الدعم ترتبط بعدد أفراد الأسرة وعوامل أخرى بموجب آلية الدعم السكني. في مقابل هذا البرنامج، فإن الوزارة قدَّمت أيضًا برنامج الإسكان الاجتماعي الذي يستهدف إسكان مستحقي الضمان الاجتماعي دون تملُّك، كما يُقدِّم صندوق التنمية العقاري بعضَ المبادرات الموجَّهة لفئات محدَّدة من المستفيدين، مثل العسكريين ومنسوبي جهات قامت بتوقيع اتفاقيات مع الصندوق، منها شركة الكهرباء والخطوط السعودية.
وتساءل أ. محمد الدندني: هل حقُّ السكن حق مكتسب مع المواطنة كالتعليم والصحة، وليس بالضرورة بالمجان ولكن يتعين تيسير كل السبل لضمان سكن للمواطن أو المواطنة؟
ومن جانبه يرى د. منصور المطيري أن المسكن يعَدُّ ضرورة من الضرورات، يقع على كاهل الحكومة وحدها عبء تنظيمه وإتاحته للمواطن. وقد وقعت أخطاء في الماضي البعيد سبَّبت مآسيَ للمواطن في العقود الأخيرة، تمثَّلت هذه الأخطاء في اقتطاع مساحات كبيرة من الأرض السكنية لشخص واحد، قام هؤلاء باحتكار هذه الأرض السكنية فترة ثم قاموا ببيعها على تجار متخصصين في العقار، احتكروها بدورهم مدة طويلة ثم خطَّطوها وباعوها على المواطنين، كانت نسبة كبيرة منهم تجارًا رأوا في الأرض مستودعًا لحفظ نقودهم فاحتكروا نسبة كبيرة من الأراضي. لتصل أخيرًا أسعار الأرض عنان السماء، وليُترك المواطن فريسةً لهذه الأسعار التي تحول بينه وبين تأمين إحدى ضرورات الحياة.
وذكر أ. عاصم العيسى أن المملكة أعطت كثيرًا للإسكان، سواء عبر الصندوق قديمًا، أو عبر برنامج التمويل المدعوم حاليًّا. ومشاكل الإسكان متنوعة، منها مثلًا: ضمان حُسن تنفيذ البناء، أو اختيار النموذج الأمثل للسكن، مثل الفلل أو الشقق وغيرها. ولكن الورقة الرئيسة ركَّزت على إشكاليات العقد وتصميمه الخاص بالتمويل، وضماناته، وتنظيم العلاقة بين أطرافه: الممول والمواطن المستفيد ووزارة الإسكان الجهة الداعمة، وما يرتبط بذلك. وفي السياق ذاته، فإن الدولة كان من أنظمتها المكتوبة، حق المواطن في منحة أرض، ولعل ذلك ما زال مكتوبًا ولكن لا يُعمل به. الأهمُّ هو حقُّ المواطن فيما يخص حمايته من عقد يشوبه إشكاليات وبالذات مع طول الزمن، حق البنك والمواطن في تصميم المبادرة والعقد بحيث تحميهما معًا، تحمي المواطن بألا يُوقِّع عقدًا إلا والجهات الرسمية راجعته، بحيث لا تُمكَّن الجهات التمويلية من صياغة بنود قد تؤدي للإضرار بالمواطن، كسحب المنزل، وفقده لما دفعه؛ وحق البنك في عقد يحميه من مماطلة المتهربين عن السداد، وهم موجودون.
وذكر د. خالد الرديعان أن موضوع الحصول على سكن مناسب مقلق للمواطن صاحب الدخل المنخفض من الشبان حديثي التخرج، وخاصة المتزوجين. جزء كبير من دخول الشباب الشهرية يذهب لإيجار المسكن، الأمر الذي يدفع البعضَ للسكن في أحياء لا يفضلونها وبعيدة عن أماكن عملهم، فقط لأن إيجارات المساكن في تلك الأحياء منخفضة. ويظل قلق الحصول على المسكن ملازمًا للمواطن طيلة وقته حتى حصوله على مسكن خاص به.
وفيما يتعلق بمدى تضمين نظام الإيجار التمويلي ولائحته التنفيذية الجوانب المتعلقة بحفظ حقوق المستأجر في حال فسخ العقد أو انفساخه في أثناء مدة الإجارة، أوضح أ. لاحم الناصر أن اللائحة التنفيذية لنظام الإيجار التمويلي عالجت هذا الجانب من خلال وضع متطلب بتضمين العقد جدولاً للسداد يُحدِّد قيمة أجرة الأصل وقيمة حق التملك منفصلين. وفي حال فسخ العقد أو انفساخه أثناء مدة الإجارة، فللمستأجر الحق في استرداد قيمة حقَّ التملك المنصوص عليها في العقد للفترة التي دفعها مع مراعاة ما يكون للمؤجر في هذه الحالة من تعويض وفق ما حددته اللائحة التنفيذية. ويُقصَد بقيمة حق التملك المشار إليها في المادة التاسعة من اللائحة التنفيذية لنظام الإيجار التمويلي، حق التملك ما زاد عن قيمة أجرة الأصل من قيمة القسط الذي يدفعه المستأجر بصفة دورية، ويكون للمستأجر استرداد إجمالي قيمة حق التملك من الأقساط التي دفعها في حالات فسخ العقد أو انفساخه أثناء مدة الإجارة وبما يتوافق مع أحكام نظام الإيجار التمويلي ولائحته التنفيذية. أما عن كيفية احتساب قيمة حق التملك في عقد الإيجار التمويلي فهي كالآتي:
- يُحدِّد العقد قيمة الأجرة للأصل المؤجر لكل فترة من فترات عقد الإيجار، ويكون بناءً على أُسُس ومعايير فنية واضحة وموضوعية ومفصَلة في الطلب الذي يُقدَّم للمؤسسة للحصول على عدم ممانعتها على منتج الإيجار التمويلي.
- يُحدِّد العقد قيمة القسط الذي يدفعه المستأجر بصفة دورية، ويُراعى في ذلك ألا يقل القسط لأية مدة من مدد العقد عن أجرة الأصل لتلك المدة.
- تُحتسب قيمة حق التملك للفترة بخصم قيمة الأجرة من القسط الدوري، بحيث يكون المبلغ المتبقي من القسط بعد خصم قيمة الأجرة بمثابة قيمة حق التملك لتلك الفترة، وتُحتسب قيمة حق التملك في نهاية كل فترة بإضافة قيمة حق التملك لتلك الفترة مع قيمة حق التملك من الفترات السابقة.
- الإشكاليات المعيقة لحل مشكلة تمويل الإسكان ودعمه:
في اعتقاد أ. عاصم العيسى، فإن مشروع التمويل المدعوم بصورته الحالية، بعقده الحالي الذي يحمي فقط البنك، وبتصميمه المتضمِّن العديدَ من المخاطر؛ سيسبِّب العديدَ من الإخفاقات.
ويرى د. عبد الله بن صالح الحمود فيما يتصل بالتساؤل المتضمَّن في الورقة الرئيسة، ومفاده: ما المقترحات لإيجاد التوازن لحماية حقوق الدائنين والمدينين معًا، وما الأدوات المقترحة لحماية الجهات التمويلية في حالة التعثُّر؟ إن حماية حقوق أطراف العلاقة التمويلية تكمن في أن تُعاد هيكلة بنود عقود التمويلات المالية بما يتفق والمتغيرات الإجرائية، والاستفادة من تجارب التمويل سابقًا وما نجم منها من سلبيات وإيجابيات. أما الجهات التمويلية فتمتلك من الطرق والآليات لحماية حقوقها من خلال ما تعتمده من عقود قانونية مع المتعاملين معها. أما عن التوعية المنشودة للمواطنين فتكمن في ألا يتجاوز المقترض للسكن في الشراء لمسكن أكبر من احتياجه الفعلي الآني، وأكثر من مصدر دخله الشهري عند طلب التمويل، وعليه أن يتحمل أكبر قدر مالي من قبله تخفيفًا عليه من التزام يُثقل كاهله شهريًّا.
وأوضح م. خالد العثمان أن نظام الرهن العقاري الذي صدر قبل حوالي 9 سنوات لم يجد سبيلاً لتفعيل حقيقي لمفهوم التمويل بنظام الرهن العقاري، بل إن نماذج التمويل العقاري الممارسة حاليًّا هي تكييف مُجتزَأ لنماذج التمويل التجاري لتُلائِم المنتجات العقارية التي تتطلب مُدد سداد طويلة مقارنة بالسلع الاستهلاكية التقليدية، مثل السيارات ونحوها. ولتبيان الفارق، فإن التمويل بالرهن العقاري يعتبر الوحدة العقارية ضمانًا للتمويل، ويبني بالتالي كلَّ هيكل التمويل على قيمة الوحدة وضمانها وتقييمها الحقيقي. بينما يُبنَى التمويل التجاري على معدل دخل المستفيد وضمان تحويل راتبه، ويؤخذ العقار نفسه ضمانًا إضافيًّا للتمويل بدلاً من أن يكون ضمانًا أساسيًّا له. ونتيجة لذلك، فإن برامج التمويل المتاحة صُمِّمت وبُنيت على الملاءة المالية وليس على القيمة الحقيقية للوحدات العقارية الممولة، وأصبح التمويل بالتالي مقتصرًا على فئات محددة ومُعرَّضًا لهزات وتحولات الدخل؛ وهو ما حدا بالبنوك وشركات التمويل إلى بناء نموذج التدفق النقدي لتحقيق سداد الفوائد على مدى قصير، وترك سداد أصل القرض على مدى طويل. وهو نموذج لا يخلو من تدليس على المستفيد الذي سيجد نفسه مضطرًا لسداد كامل قيمة التمويل في حال السداد المبكر في غضون 5 سنوات مثلاً، وهو ما جعل اتفاقية التمويل تتضمن شروطًا ملزمة حيال السداد المبكر تصل إلى حد فقدان الدعم المُقدَّم من وزارة الإسكان. أيضًا وفي سياق متصل، فإن قصور العمل بأدوات التمويل بالرهن العقاري الحقيقي سبب لتعثر مستدام في تفعيل عمل شركة إعادة التمويل العقاري التي أسَّسها صندوق الاستثمارات العامة. تصكيك الرهون والقروض العقارية بشكله الحالي غير ممكن عمليًّا، ولا يمكن أن يكون وسيلةً فاعلة لتدوير أموال التمويل العقاري. وفيما يتصل بجانب تكاليف الوحدات السكنية ودوره في تعسير دورة التمويل، فتكلفة إنتاج الوحدات السكنية في حد ذاتها تعاني من التضخم والهدر نتيجة غياب الاحترافية في كامل دورة إنتاج الوحدات السكنية، بدءًا بتضخم قيمة الأرض نتيجة بناء مستويات ربحية متعددة من التداول التجاري للأراضي الممنوحة أساسًا، ومرورًا بتضخم تكاليف تطوير الأحياء السكنية نتيجة التخطيط الرديء والتنفيذ المشتت وتردي مواصفات وقدرات التنفيذ، وكذلك تضخم تكاليف إنشاء الوحدات السكنية نتيجة ضعف التصميم وفردية التنفيذ واستخدام تقنيات بالية تعتمد على العنصر البشري بدلاً من النماذج الصناعية المنمذجة، وكذلك تضخم تكاليف تمويل المُطوِّرين والمقاولين، وانتهاءً ربما بقصور الخدمات الموصلة بين جانبي العرض والطلب. كل هذه العوامل تؤدي إلى تضخم تكاليف الوحدة، وبالتالي ارتفاع التكلفة على المستفيد وزيادة مخاطر التمويل، وبالتالي التكلفة الإجمالية لمجمل البنية العمرانية، ناهيك عن ارتفاع فاتورة الصيانة والتشغيل على المدى الطويل.
وأشار أ. لاحم الناصر إلى أن وزارة الإسكان كانت تُسمَّى الهيئة العامة للإسكان، ولم تُفلح في تحقيق شيء. والإشكالية لدينا هي في الإرادة الحقيقية لحل المشكلة، حيث إنَّ الجميعَ يعلم أن جزءًا كبيرًا من المشكلة يكمن في غلاء الأراضي الناتج عن احتكار قلة للأراضي البيضاء، قاموا بشرائها بأثمان بخسة من الممنوحين أو تملَّكوها عن طريق المنح واحتفظوا بها لسنوات عديدة تم تجفيف السوق فيها من المعروض فتضخمت الأسعار بشكل مُبالَغ فيه؛ لذا فإن المهم هو الإرادة لا الهياكل أو المسميات.
وفي اعتقاد د. منصور المطيري، فإن المواطن قد وجَد نفسَه أمام خيارات صعبة، منها إجباره على عقود ذات طبيعة إذعانية بحتة: فمحل العقد منفعة ضرورية لا غنى عنها للعموم، ومُحتكرة من قِبل الممولين بحكم السعر المرتفع جدًّا، الذي يُجبر المواطن على الذهاب إلى البنك وهو صاغر، وبحكم انفراد الممول بوضع الشروط وتفاصيل العقد دون حق في مناقشتها. وأخيرًا، فرض الواقع تطبيق أسوأ أنواع العقود للمواطن، وأفضلها للممول؛ وذلك لتحكُّم العلاقة بين البنك والمواطن (متملك الوحدة السكنية). حيث استقرت البنوك على اختيار عقد أسمته الإيجار المنتهي بالتمليك، حيث حوَّرت في بنوده ليصبح هجينًا، فليس هو بالبيع ولا هو بالإيجار؛ وإنما هو مزدوج ومُضلل، يفهمه المشتري على أنه بيع، ويفهمه البنك على أنه إيجار في حال التعثر وبيع في حال الانتظام في السداد، فقيمة القسط عالية جدًّا، وأكثر بأضعاف مضاعفة من قيمة الإيجار العادي. وفي حال العجز عن السداد يستولي البنك على كل ما وصل إليه إضافةً إلى المنزل نفسه. وقد أضافت البنوك من عند نفسها دون استشارة أحد إلقاء عبء الصيانة الأساسية على المستأجر (المشتري) في محاولة منها لحماية نفسها من عيوب البناء الذي يفتقد فيما مضى إلى كود صارم يُحدِّد مواصفات المواد والبناء.
وأضاف د. منصور المطيري أن الإشكالية الحقيقية التي تجعل التمويل عرضًا من الأعراض هي سعر الأرض بالذات. وفيما يتعلق بمعاناة فئة محدودي الدخل، فالحقيقة أن فئة محدودي الدخل لا تستطيع الشراء بمثل هذه الأسعار، فهي في يأس من الحصول على سكن. لكن الفئة التي تعاني هي الفئة المتوسطة، فئة الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات والضباط والمدرسين ومَن شاكلهم، حيث يلتهم المسكن ما يصل في بعض الأحيان إلى ٥٥ ٪ أو ٦٠ ٪ من دخلهم لمدة طويلة.
وترى د. فوزية البكر أن من أسباب مشكلة السكن غلاء الأراضي، والذي ساهم في ارتفاعه الفاحش (هوامير) العقار، حيث وضعوا قيمًا ماليةً غير حقيقية لسعر المتر مما رفع قيمة الأراضي بشكل خيالي، إضافةً لمضارباتهم، وهكذا أصبح من الصعب على معظم شباب الطبقة الوسطي تملُّك منزل العمر حتى في حدود ٣٠٠ إلى ٤٠٠ متر.
ومن جانبه، لاحظ أ. نبيل المبارك – من واقع تجربة طويلة مع تمويل الأفراد والشركات في المملكة في مؤسسة النقد ومن ثَمَّ تأسيس “سمة”، والآن في تصنيف المقاولين والشركات عمومًا – أن الحلقة الأضعف هم الأفراد أنفسهم، غير أن النظام والجهات حاولت بكل ما هو ممكن عمليًّا حمايتهم؛ لكن موضوع شراء منزل والحصول على تمويل قبل أن يكون منتجًا لدى جهات التمويل، وكذلك عقود بين أطراف متعددة، هو ثقافة الفرد نفسه، وخطط الشخص لنفسه ولأسرته. فإذا لم تتوفر شروط الثقافة المالية للفرد في التخطيط الكافي منذ اليوم الأول لبداية حياته العملية، فالنتيجة مأساة. وسوف يتم استغلال هذا الجهل من كافة الأطراف. الإنسان حقيقةً يمرُّ بثلاث مراحل منذ الولادة؛ منذ الولادة وحتى العشرين من عمره، هذه مرحلة أولى، ليس له فيها دخل كثير، إنْ كنت ابن أو بنت مليونير أو شخص فقير جدًّا. لذا، الدول تحاول تأمين التعليم والصحة بشكل متساوٍ قدر الإمكان بالحد الأدنى، ومَن يستطيع أن يُغيِّر الواقعَ من خلال الفرص المتوفرة وتحديدًا التعلم، فهو مَن يقول ها أنا ذا. وبعد العشرين حتى سن التقاعد مرحلة ثانية. وبعد التقاعد، مرحلة ثالثة. ما بين العشرين وسن التقاعد وهو الستين، هناك أربعون عامًا من العمل والعطاء كلٌّ في مجاله، وإذا لم يُخطِّط الإنسان خلال الأربعين عامًا، تخطيطًا ماليًّا واضحًا أيًا كان دخله، سواء عشرة آلاف أو ١٠٠ ألف ريال؛ فالنتيجة مهما كان هناك من حرص من الجهات الإشرافية والرقابية ومن المصارف، هو أنه لن يُحقِّق أهدافَه. أما عملية شراء منزل فهي عملية ذات عرض وطلب. جانب العرض، مع الأسف المعادلة لا تعمل بالشكل المطلوب، والمدخلات فيها كثير من الخلل، مثل أسعار الأراضي وكذلك مكونات وأدوات ومواد البناء فيها من الخلل الكثير. وبالتالي، المعروض لا يتناسب مع المطلوب أو الذي يجب أن يُطلب. وهي مع الأسف نتيجة استرخاء لأكثر من خمسين سنة على الطفرة الأولى، وتخبط مَنْ تولَّوا تأسيس هيئة الإسكان، وضياع عشر سنوات من أعمار المجتمع دون جدوى رغم أنه كان تحت أيديهم ٢٥٠ مليار ريال. وللأمانة، حاولت وزارة الإسكان في العهد الجديد تعديل الأمور، لكن تراكمات خمسين سنة تحتاج إلى عمل طويل ومعقد. أما جانب الطلب فكان في السابق بناء ذاتيًّا من خلال صندوق التنمية العقاري بنحو ثلاث مئة ألف ريال، والأمور تسير بشكل معقول في حينه. منذ التسعينيات بدأت الأمور لا تسير حسب المأمول نتيجة ارتفاع الطلب وعجز الصندوق عن الدفع للعملاء الجُدد بسبب عدم سداد المستفيدين من الصندوق، ففي إحدى المناطق كانت نسبة السداد نحو ١٪ فقط يسددون قروضهم لصندوق التنمية العقاري. وبالتالي، توقفت العجلة عن الدوران، وهنا يتضح أن المواطن كان له دورٌ سلبيٌّ في هذا الموضوع، فضلًا عن أن المتوفى يتم إعفاؤه من القروض، وبالتالي تكوَّنت ثقافة عدم السداد؛ لأن الدولة سوف تتحمل العبء.
وذكر أ. عاصم العيسى أن عقد تمويل المساكن المدعوم هو عقد (ضمن برنامج التمويل المدعوم الذي تنفذه وزارة الإسكان)، يحصل المواطن المستفيد من خلاله على تمويل لشراء مسكن من إحدى الجهات التمويلية، وتقوم الوزارة بسداد تكاليف التمويل عنه بشكل كلي أو جزئي. ومن خلاله يحصل المواطن على التمويل بعقد مع الجهة التمويلية، وعادةً ما تُستخدم صيغة عقود (الأجرة للعقار مع الوعد بالتمليك)، أو عقود المرابحة مع رهن العقار للجهة التمويلية، وقد لوحظ توسُّع الجهات التمويلية وتفضيلها لاستخدام صيغة (الأجرة المنتهية بالتمليك). وبمراجعة العقود، يتضح تضمينها للكثير من البنود غير المتوازنة في حق المواطن المستفيد، الذي يعتقد بمجرد حصوله على التمويل وشروعه بسداد الأقساط أنه مالك للمنزل، وبالذات أن مضى على السداد سنوات؛ في حين أن العقود تتضمن:
- تفويضًا من المواطن إلى الجهة التمويلية بحقها في فسخ عقد التمويل وبيع المنزل (في حال تعثُّر العميل عن سداد ثلاثة أقساط) دون اتخاذ أية إجراءات نظامية أو قضائية.
- عدم أحقية العميل بالسداد المبكر خلال الأربعة والعشرين شهرًا الأولى من تاريخ إبرام العقد.
- إخلاء مسؤولية الجهة التمويلية في عقود الإيجار المنتهي بالتمليك، من مسؤوليتها بوصفها مالك العقار ومؤجرة للمواطن، من أية أخطاء هندسية أو تنفيذية في البناء محل التمويل، في عقود تمويل شراء المنازل.
- أحقية الجهة التمويلية بإمساك الرهن حتى الوفاء بكامل التمويل.
- حرمان العميل من فك الرهن جزئيًّا، ولو كان الرهن يفوق بأضعاف مبلغ التمويل المتبقي.
- تضمين بعض العقود لحرمان العميل من أي نوع من التصرفات في العقار المرهون كالإيجار أو البناء، إلا بعد موافقة الجهة التمويلية كتابيًّا.
ويتضح من اشتراطات العقود المُبرمة بين الجهة التمويلية والمواطن، أن الجهة التمويلية في عقود التمويل سواء أكانت مرابحة أو أجرة، لها حق بفسخ العقد وإخلاء المنزل وبيعه متى ما تعثَّر المواطن عن سداد ثلاثة أقساط، سواء عند تغير وظيفته أو فقدها. كما يتضح من خلال دراسة واقع الأنظمة والتطبيقات القضائية الخاصة بإجراءات بيع الرهن، عدم وضوح تلك الإجراءات وتناقضها أحيانًا، وبالذات مع وجود صيغ اشتراطات متضمنة في العقود تُعطي الحقوق كاملةً للبنوك وشركات التمويل في أن تبيع ما تملكه من عقار (في عقود الأجرة) أو ما ترهنه لديها (في عقود المرابحة)، والتي تمنح الجهة التمويلية حقَّ البيع دون اتخاذ أي إجراءات رسمية أو قضائية؛ الأمر الذي تتحجج به أحيانًا بطلب منحها السلطة المطلقة في بيع الرهونات. وإذا علمنا أن مدة التمويل لشراء المنزل طويلة، تتراوح بين عشرين سنة وأكثر، وأن المواطن لا يخلو طوال هذه المدة من تغيُّر وضعه الاجتماعي أو الاقتصادي أو الائتماني؛ فإن هناك احتمالية عالية في تعثُّره أو تأخُّره في سداد بعض الأقساط، والتي قد تتيح استعمال الجهة التمويلية لحقوقها المصاغة في العقود، ومن ذلك البيع وسحب العقار بالرغم عن أنف المواطن. وفي الجانب الآخر، فإن الجهات التمويلية لها حق في استيفاء مديونياتها من المقترضين، وأنها لم تأخذ الضمانَ المُتمثِّل في رهن العقار (في حال المرابحة) أو تملُّكه (في حال الأجرة) إلا لتستفيد منه، في سبيل إلزام المواطن المقترض بالسداد. إنها معادلة بين جهة تمويلية غرضها الربح وحقها في استيفاء مديونيتها، دون أية مراعاة لاعتبارات إنسانية أو اجتماعية؛ في مقابل مواطن مُقترض حريص على تملُّك المسكن لاستقرار أسرته وحياته الكريمة.
وأشار د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أن التمويل عامة يعَدُّ الجسرَ الميسر لاقتناء حاجيات البشرية، ولأن الحديث هنا عن التمويل الموجَّه لاقتناء المساكن؛ فلا شك أن آليات التطبيق للإقراض المالي تنهج منهجًا مختلفًا عن أي إقراض تجاه أي احتياجات منفعية أخرى. وفيما يتعلق بالتساؤل الوارد في الورقة الرئيسة ونصه: هل تعثُّر المواطنين عن سداد تمويل مساكنهم يُمثِّل أزمةً قادمة، وكم نسبتهم المتوقعة؟ يمكن القول إنه ليس بالضرورة أن تحدث أزمة على الإطلاق، فالأمر يعتمد على مقدار التمويل ومستوى الدخل الشهري للمقترض، فضلاً عن وجود التزامات أخرى لديه، فأزمة المديونية تنجم جراء الاندفاع في طلب تمويل أعلى من القدرة المالية للانتظام في السداد، والنسبة هنا تعتمد على عدد المقترضين ممَّن يكونون من الفئة التي لا تتفق مداخيلهم ومقدار التمويل. وبالنسبة للتساؤل: هل ستُولِّد مثل هذه العقود فقاعة تعثُّر البعض أو الكثير عن القدرة على السداد، وبالتالي فقاعة بيوع الرهون وإشكاليتها؟ فإن الإجابة عنه لها علاقة بالتساؤل السابق مضافًا إليها أن مسألة بيع الرهون هي حقٌّ للدائن (المُقرض)، وهنا يكون قانونًا في حِلٍّ من أمره أن يمضي في بيع المرهون، ولا شك أن ذلك غالبًا ما يترتب عليه نشوء إشكاليات، أهمها أن المقترض سيفقد أموالاً طائلةً جراء ما أنفقه على ذلك المرهون مسكنًا كان أو أرضًا فضاء. وبخصوص التساؤل: ما هي مواطن الخلل في العقود، وما العلاقة النموذجية المقترحة؟ فيمكن الإشارة إلى أنه ليس ثمةَ خللٌ في عقود التمويل، بقدر ما يقال عنها أحيانًا أنها عقود إذعان؛ وبالمقابل، يكون في البعض منها ما يصل إلى الإجحاف في حق المقترض؛ لذا ومع تعدُّد إنشاء مؤسسات وشركات مالية تختص في الرهن العقاري، يُفترض أن تستحدث مؤسسة النقد العربي السعودي عقدًا موحَّدًا تحت مُسمَّى (عقد التمويل الموحَّد) كما هو حاصل الآن في عقد نظام إيجار الذي تلزمه وزارة الإسكان ما بين المستأجر والمؤجر، والذي أحدث نقلةً نوعيةً في العلاقة الإيجارية بين أطرافه، وأوجَد أمانًا لهما، وربطه في التقاضي تنفيذيًّا مع محاكم التنفيذ. أما عن أبرز المخاطر التي تواجهها هذه المبادرة، فتتمثل في أن مخاطر التمويل مع انتشاره وتعدُّد راغبي التمويل السكني، أصبح يُنذر بمخاطر متعددة الأوجه، على رأسها مخاطر اجتماعية قبل أن تكون اقتصادية؛ لذا لا بد من إعادة هيكلة صناعة التمويل حسب المتغيرات عامة، واستشعار وقدرة وكفاءة المقترض درءًا لحدوث إشكاليات مجتمعية يصعب حلها. وبشأن دور الجهات الرقابية في هذه العقود والجهة المسؤولة عن مراجعتها، فإن الجهة المعنية والمسؤولة عن عقود التمويل هي مؤسسة النقد العربي السعودي، فهي التي تُرخِّص لشركات الرهن العقاري، والمناط بها مراجعة أنظمة وضوابط التمويل عامةً ومنه التمويل العقاري، فهي المُنظِّم والمُراقِب؛ لذا لا بد من أن يُعاد النظر بين وقت وآخر في هذه العقود التمويلية؛ لمواكبة المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، وألا تمضي عقود من الزمن دون الأخذ في الاعتبار تعديل بنود العقود الحالية وتطوير ما يلزم تطويره أو تحديثه. وفيما يخصُّ الشكل المناسب لمسكن العائلة السعودية فهي مسألة تعتمد على أمرين؛ القدرة المالية وتعداد أفراد العائلة، ولذا غالبًا فإن الأمر هنا ليس خيارًا بقدر ما هو قدرة وحاجة، إنما المناسب ينطوي على مدى القدرة المالية لدى طالب المسكن والاحتياج الفعلي لمساحة الوحدة السكنية. وبالنسبة للتساؤل: هل الخلل يكمن في التوجه لشراء الفلل، مما يعني زيادة في حجم التمويل وعدد سنوات سداده؟ فليس ذلك بالمطلق، فهناك وحدات سكنية تُمثِّل طابعَ الشقق وكلفتها أعلى من الفلل أحيانًا، المشكلة تكمن في أمرين لا ثالث لهما؛ قيمة الوحدة السكنية، وأمد سنوات الأقساط التي تصل إلى ١٥ أو ٢٠ سنة، مما يرفع معه نسبة فائدة التمويل، وينسحب على ذلك القسط الشهري المُثقل على كاهل المقترض. أما بخصوص التساؤل: هل المفترض تحديد نسبة من إجمالي التمويل يدفعها المواطن عند الحصول على التمويل؟ وكم هي؟ فهذا يعتمد على سياسة المُمول، إنما غالبًا ما هو ملحوظ هو أن المقترض يتحمل ما نسبته ١٠ % من مقدار القرض، وكلما كان بمقدور المقترض الدفع لأعلى نسبة، انخفض لصالحه مبلغ الفائدة. وبشأن مدى إمكانية استخدام الجهات التمويلية الحقوق الممنوحة لها بموجب العقود، كفسخ العقد وبيع المنزل كونه ملكًا ورهنًا لها، والمشكلات الاجتماعية والأمنية المتوقعة إنْ حصل ذلك؛ فبالطبع فإن العقد شريعة المتعاقدين، شريطة ألا يكون حاملًا لشروط فيها من الإجحاف أو الظلم، إنما من حق الممول أن يسترجع ماله تجاه المدين من خلال الطرق والآليات التي أُقِرت من قِبل طرفي العقد، ومسألة ما قد يترتب جراء الفسخ أو بيع المرهون من مشكلات اجتماعية وخلافه، فلا شك أن غالبًا ما يحدث ضرر سيقع على المدين، إنما تظل المسألة فيها من الحق المشروع للممول من استرداد ماله، وإلا سيقف عن نشاطه التمويلي تجاه الآخرين فضلًا عن التبعات التي ستواجهه من خسائر مالية في موازنته العامة. أما عن التساؤل: هل ستتدخل الحكومة لحماية المواطنين أو للسداد للبنوك؟ فيمكن القول إن الحكومة ليس من مسؤوليتها تحمُّل تعثُّر المقترضين، إنما قد يمنح القضاء فرصًا للمدين بإعطائه فسحةً من الوقت للسداد، وإنْ قدَّمت الحكومة مساعدةً مالية فهذا قرار حكومي.
ويرى أ. عبد الرحمن باسلم فيما يتعلق بمواطن الخلل في العقود التمويلية السكنية أن عقود التمويل فيها خلل كبير ومُجحِف في حقِّ المقترض، فهي عقود إذعان وظُلم بحق المقترض، والبنوك وشركات التمويل استطاعت أن تفوز بكل اقتدار بالصيغ التي تريدها في العقود حتى تضمن حقوقَها بشكل مُجحِف وغير إنساني، ويُفترَض أن تستحدث مؤسسة النقد عقدًا موحَّدًا تحت مُسمَّى عقد التمويل الموحَّد، بحيث يراعي مصالح الطرفين بشكل قانوني شرعي، ويساعد على حلِّ مشكلة أزلية نحو تملُّك المواطنين بيوت العمر، ويُطبَّق بشكل احترافي. ويجب على كافة الجهات (مؤسسة النقد، ووزارة الإسكان، والبنوك) مواكبة المتغيرات الاقتصادية وخاصة في حالات الركود والجوائح، وإصدار القرارات المناسبة التي تراعي أوضاعَ الناس في تلك الفترة من تأخير سداد أو أي قرارات تحفظ حقوقَ الطرفين بشكل احترافي مع مراجعتها كل خمس سنوات أو أكثر لتطويرها، المهم أن لا تضيع حقوق أي طرف.
- مقترحات عملية لحل مشاكل تمويل الإسكان ودعمه:
من وجهة نظر د. عائشة الأحمدي، فإننا نحتاج إلى مُنسِّق قوي يستطيع أن يربط بين القنوات المختلفة للدعم، ويقودها في إطار نظام مُوحَّد مرن قابل للتحديث لمواجهة قضية الإسكان في المملكة. والاعتقاد أن هناك مَن يستطيع أن يقوم بدور المُنسِّق لهذه الجهود وإدارتها أفضل من الهيئة العليا للإسكان. كما أنه من المهم أن تُشكَّل لجان خبرة (خارج الهيئة العليا للإسكان) تشترك معها بيوت خبرة، تُقيِّم التجربة السعودية عبر عقودها الثلاثة أو حتى الأربعة، ومدى نجاحها مقارنة بتجارب أخرى في الإسكان، في مجتمعات أقل منَّا في نموها الاقتصادي، وأكبر منَّا في حجم سكانها. كما أن من المهم تحمُّل الدولة والمؤسسات الكبرى جزءًا من القروض للفئات الأقل حظوظًا في المورد المالية، على هدي ما يحدث في تخصيص نسبة من مقاعد الجامعات لأبناء الطبقة الأقل حظًّا (المستفيدين من الضمان الاجتماعي).
بينما عارض م. خالد العثمان فكرةَ تأسيس هيئة عليا للإسكان، بل ذهب إلى إلغاء وزارة الإسكان بشكلها الحالي ودمجها في وزارة الشؤون البلدية والقروية، ويكون قطاع الإسكان وكالةً أو هيئةً تحت مظلة الوزارة. حالة التنافس على إدارة أحد أهم مكونات البنية العمرانية هي أحد أهم أسباب تعثُّر قطاع الإسكان طوال الفترة الماضية.
وفي تصوُّر د. منصور المطيري، فإن بداية حل مشكلة الإسكان وإيقاف تفاقمها يتمثل في محور المشكلة المتمثِّل في الأرض وسعرها. وهذه المشكلة تحتاج إلى حلول حقيقية جذرية تتجاوز مسألة التمويل، إلى محاولات تقديم الأرض مجانًا للمواطن (ولا يوجد مانع حقيقي يمنع من ذلك، هناك فكرة الضواحي، وهناك مسألة تشجيع العودة إلى البلدات والمدن الصغيرة)، وفي هذا الصدد فإن الرسوم لا تكفي؛ بل يجب أن يصحبها التهديد بسحب المنح الكبيرة من أصحابها إذا لم يقوموا بتطويرها، ثم يأتي بعد ذلك تحسين وتطوير ثقافة تصميم المسكن والحي. وكذلك إشراك المطورين والأفراد والجهات الحكومية أيضًا في بناء المساكن، حيث يُلاحظ توقُّف مشاريع إسكانات الجهات الحكومية. ثم يأتي بعد ذلك العمل على إيجاد علاقة تعاقدية عادلة بين الطرفين (المؤسسات التمويلية والعميل)، وفي هذا الصدد ما المانع من تنفيذ عقد الإيجار مع الوعد بالتمليك على وجهه الحقيقي المتمثِّل في منع الدفعة المقدَّمة، وفي تحميل المالك الصيانة الأساسية، وفي أجرة معتادة حتى لو طالت المدة كثيرًا، وهذا لن يحصل إلا إذا وُجدت شركات تبني مجمعات سكنية وتؤجرها.
واقترح د. خالد الرديعان أن تقوم كل جهة حكومية ببناء نوعين من المساكن: أبراج تضمُّ شققًا بمساحات مختلفة، وفيلات صغيرة، بحيث تقدِّمها لموظفيها؛ فحديث العمل وصاحب الأسرة الصغيرة يُقدَّم له شقة بمساحة مناسبة، وصاحب الأسرة الكبيرة يُقدَّم له فيلا. يُستقطَع من مرتب الموظف الشهري “إيجار رمزي”، ولنقل يتراوح من ١٠٠٠ إلى ١٥٠٠ ريال شهريًّا حسب نوع المسكن ومساحته وعدد غُرفه. وفي الوقت ذاته، يُستقطَع من الموظف مبلغ آخر مماثل للإيجار الذي يدفعه، مع خيار رفع المبلغ المستقطع لمَن يشاء من الموظفين ويُسمَّى برنامج (ادخار مسكن)، وليكن برنامجًا اختياريًّا للموظف وغير إلزامي. فائدة هذا البرنامج أنه يُعطي الموظفَ فرصةَ ادخار مبلغ يساعده على تملُّك مسكن عند بلوغ سن التقاعد وربما قبل التقاعد. وعندما يترك الموظف العمل فهو سيخلي المسكن لموظف آخر جديد، لكنه سيستفيد من (ادخار مسكن) لبناء بيت يخصه؛ فهو عندما يدخِّر مبلغ ٢٠٠٠ ريال في الشهر طيلة سنوات خدمته في الدولة، ولنقل ٣٠ سنة؛ فهو سيحصل في النهاية على مبلغ ٧٢٠ ألف ريال تساعده في بناء مسكن دون الدخول في متاهة القروض والبنوك. أيضًا، فهذا الادخار “حلال” ولا يخالطه شبهة الفوائد البنكية. ويبقى السؤال: كيف تشتري الجهة الحكومية الأرض، وكيف تُموِّل بناءها؟ هناك خيار أن تُؤسس جمعية تعاونية فقط للموظفين بالجهة الحكومية المقصودة، بعدد معين من الأسهم، على أن تدفع الدولة جزءًا من رأس المال كنوع من الدعم كما تفعل مع الجمعيات التعاونية الناشئة. يتم البناء من خلال شركة آسيوية بمواد بناء مناسبة غير باهظة الثمن، مع وضع آليات مناسبة لمَنْع أي صورة من صور الفساد الذي قد يدخل في تنفيذ مثل هذه المشاريع. كما أن خيار التملُّك مبكرًا وارد إذا كان المبلغ المُدخَّر يكفي. وهناك بديل مناسب لتوفير السكن، وهو الجمعيات التعاونية في مجال الإسكان؛ إذ من المعلوم أن ١٢ شخصًا يستطيعون التقدُّم للجهات الحكومية لإنشاء جمعية تعاونية، ويزيدون العدد لاحقًا من قِبل آخرين يشترون أسهمًا فيها. كما تحصل الجمعية على دعم حكومي. هذا الحل مُغيَّب، ولن تتحمس له بعض الجهات التي ترى فيه اعتداءً على مصالحها، كالبنوك وملاك الأراضي.
وفي اعتقاد م. فاضل القرني، فإن الحكومة لا بد أن تُراجع مفهوم الإسكان وتمويله، وتحديث الأنظمة التي تضمن سلامة قطاع الإسكان والعقود المعنية به وخاصةً بعد الجائحة، والتي لم يتضح بعدُ درجة سوء نتائجها الاقتصادية، والتي ستكون في صور عدة، منها: قلة التمويل، التسريح، بالإضافة إلى مشكلة رفع الضريبة المضافة والجمارك، فضلاً عن ثمة اعتبارات أخرى كالارتقاء بالفكر والوعي بضرورة المسكن الذي يلبي الحاجة. والتخلص من ثقل الكاهل الاجتماعي في مواقع ومساحات وتصميم السكن. كذلك مراقبة الاحتكار والأسعار المُبالَغ فيها أصلاً. جودة تنفيذ المسكن والذي يعاني الكثيرَ من الغش في البناء والتشطيب، وما يتمخض عن ذلك من مشاكل إنشائية لاحقًا، وأن يُدرَج في نصوص العقود بنود تضمن ذلك وتبعات الإخفاق فيها أو بعضها. بالإضافة لما ورد فيما يخص الصيانة الأساسية. أيضًا، لا بد من تدخل الحكومة أكثر؛ لضمان جودة وسلامة واستدامة قطاع العقار، ومن ذلك إعادة بناء ومراجعة العقود والتي تميل إلى الأطراف كلها إلا المواطن، وكذلك الواقعية في التمويل ومدة السداد.
ويرى م. خالد العثمان أن نظام الرهن العقاري بآلياته التفصيلية الشاملة يُمثِّل حجرَ الأساس في سوق التمويل العقاري، وبدونه فإن سوق التمويل الحالي هو سوق مُشوَّه مُوجَّه وقاصر عن تحقيق أثر حقيقي في دعم وتمكين تملُّك الوحدات السكنية. كما أنه من الضروري الإشارة إلى أن حلول التمويل الحالية في دعم وزارة الإسكان موجَّهة بشكل كبير إلى برنامج البيع على الخارطة، وهو ما أثَّر كثيرًا على قدرة المستفيدين على شراء وحدات جاهزة في السوق، خصوصًا من ذلك المخزون الكبير الذي بُنِي خلال السنوات الأربعين الماضية بتمويل صندوق التنمية العقاري. وهو ما يحدُّ كثيرًا من تداول تلك الوحدات السكنية وتوظيفها لسد جزء من الطلب على الإسكان. ووزارة الإسكان بالطبع استخدمت هذا البرنامج لدعم المُطوِّرين لبناء وضخ وحدات جديدة في السوق لسد جانب العرض، وهو توجُّه مشروع لكن يفتقر إلى العديد من عوامل النجاح؛ بما في ذلك وفرة الأراضي وأسعارها ومواقعها، وتقنيات البناء، وتكاليف البناء، وقدرات المطورين والمقاولين، وغير ذلك الكثير من العناصر والعوامل التي تعاني من تعثُّرات كثيرة وتشوهات عميقة.
وذكر م. إبراهيم ناظر أنه في السنوات الأخيرة ابتكرت البنوك المحلية التمويلَ الإسلامي بصيغ متعددة لعقود التمويل العقاري التي تستهدف الطبقة الوسطى، مثل عقود الإجارة، وعقود المرابحة، ومشتقاتھما، هذه العقود في مجملها هي عقود إذعان، وأحادية الجانب، فهي مكتوبة لحماية البنوك، وبطريقة تجعل البنوك تُفسِّر الغامض منها لمصلحتها، ولا تتضمن حتى الحد الأدنى من الحماية للمقترضين، وهم الجانب الأضعف في العلاقة التعاقدية مع البنوك والأحق بالحماية. وعقود الإجارة هي الأكثر انتشارًا وتفضیلًا لدى البنوك المحلية، وهذه العقود هي المعمول بها في عقود تمويل الإسكان المدعوم، وتعتمد على ما يُسمَّى هامش الربح، وهو معدل فيه الكثير من التضليل، حيث يوحي بأن الفائدة منخفضة بعكس الفائدة الحقيقية التي يتحملها المقترض وهي تساوي نحو ضعفي ما يُسمَّى بـــ «هامش الربح» الذي تستخدمه البنوك. وهذا هو أحد الأسباب المهمة في الضرر الذي تنطوي عليه هذه العقود؛ فعلى الرغم من أن نحو 64% من ودائع بنوكنا المحلية تأتيهم من دون تكاليف؛ إلا أن فوائد قروض الأفراد العقارية في السوق المحلية تصل إلى نحو ضعفي مثیلاتھا في السوق الأمريكية. إنَّ عدم توفُّر حتى الحد الأدنى من الحماية للمقترضين هو السبب الرئيسي وهو الدور الذي يجب أن تضطلع به مؤسسة النقد ساما قبل وزارة الإسكان.
وأكَّد أ. نبيل المبارك أن وزارة الإسكان سعت إلى تغيير الثقافة إلى ثقافة جديدة وفكر جديد، وهي لا تزال في مرحلة مخاض عسير رغم بوادر التغيير وقبول الفكر الجديد. وهنا المسألة بحاجة إلى وقت. لذا، رَبْط الفرد نفسه بقرض لمدة ثلاثين عامًا بعقود مع هذه الحقائق والواقع، ومع عدم اليقين في عناصر كثيرة؛ قد يكون قرارًا انتحاريًّا للمنظومة ككل، وبالذات مع تراكم القروض العقارية بمعطياتها الحالية؛ الأمر الذي ينطوي على مخاطر عالية على المجتمع والقطاع المالي والأجهزة الحكومية. ومثل تلك القرارات طويلة الأجل، تحتاج إلى تمحيص وتدقيق، وبالتالي الموضوع إستراتيجي للمجتمع ككل، ولا يجب أن يكون لجهة أو شخص ما. الموضوع أمن قومي. اليوم فقط حتى نستطيع سد الحاجة، نحن بحاجة إلى مليوني وحدة سكنية لسد العجز، ومعدل النمو السنوي أكثر من ١٠٪ سنويًّا. سلاسل الإمداد في هذا القطاع المهم والحيوي لم يتم تركيبها بشكل مناسب؛ لذا فإن النصيحة لمَن يريد منزلاً، أن لا يزيد التمويل العقاري عن عشر سنوات، وأن يكون مسبوقًا بتخطيط دقيق منذ بداية الحياة الأسرية للشخص والتخطيط للزواج، بل مع بداية الحصول على وظيفية، المنزل مكون رئيسي من مكونات بناء الأسرة السليمة صحيًّا ونفسيًّا. وبالتالي، على الأب بالدرجة الأولى والأم في الدرجة الثانية، التخطيط الجيد منذ اليوم الأول. والدولة عليها مسؤولية جانب العرض وتوفير أكبر عدد ممكن من خلال التطوير العقاري، ولكن بضمانات وأسُس سليمة، حتى يضمن جانب الطلب عدم التلاعب والغش سواء في مكونات البناء أو في الأسعار.
أما أ. فائزة العجروش فترى أن أهم ما يجب أن نبدأ عليه أولًا تعزيز ثقافة أن يكون السكن من أهم الأولويات التي يجب أن يهتم بها أي فرد، وأن الترتيب لذلك يُفضَّل أن يكون مبكرًا، وهذا لا بد أن ينطلق من أهمية فهم احتياجات الفرد السعودي لمساعدته في بناء موازنة خاصة به يراقب بها دخله، ويسترشد بها للتحكم في مصروفاته ومعالجة الأمور المالية الطارئة دون اللجوء إلى الاستدانة، والتخطيط للأمور المالية المستهدفة لتملُّك المنزل منذ استلام أول مرتب؛ وذلك لأن هناك نسبة كبيرة من المواطنين يحتاجون لكثيرٍ من الوعي حول كيفية إدارة شؤونهم المالية، والتحكُّم في نفقاتهم بشكل أفضل! إن بناء ثقافة الادخار لدى الأفراد يجب أن تكون منذ الصغر، ومساعدتهم في اكتساب مهارة إعداد خطط استثمارية مستقبلية تساعدهم على الأقل في تملُّك منزل العمر، لا بد أن تبدأ في وقت مبكر من حياتهم؛ إذ إن إدراك أهمية ذلك متأخرًا قد يصعب معهم الوصول إلى نقطة الاستقرار والوفرة المالية، بل يسعى الفرد لتحقيق احتياجاته الأساسية والتي تتطلب توافر مبالغ كبيرة، مثل: الزواج والسكن وتوفير مصاريف الدراسات العليا، وتجعله يعاني طيلة حياته من دوامة القروض وكيفية تسديدها.
وعقَّب أ. لاحم الناصر على هذا الطرح بأن الادخار يعني وجود فائض عن الحاجات الأساسية، ومع التمعُّن في متوسط دخل الفرد السعودي نجد أن دخله بالكاد يكفي لتغطية هذه الحاجيات خصوصًا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن نمو الدخل (الرواتب) لا يتماشى مع معدل التضخم؛ لذا فكثير من الشباب لا يستطيع تأمين حاجياته الأساسية بدون الحصول على تمويل بنكي، ويبدأ معه ذلك مع أول سنة عمل، بالإضافة إلى محدودية قنوات الادخار لدينا والتي تستطيع تحقيق عائد مع مخاطرة مقبولة.
وذكر د. خالد الرديعان أن هناك خيارات معقولة لامتلاك مسكن كما هو معمول به في عدة دول، لكن المشكلة أن الحلول المطروحة والمعمول بها لتملُّك مسكن تعود بالنفع بالدرجة الأولى على البنوك قبل المواطن المحتاج للسكن. وزارة الإسكان تشتري كذلك بعضَ المساكن الجديدة ولكن عن طريق وسيط (شركة)، بحيث تقوم الوزارة لاحقًا بعرض هذه البيوت للشراء عن طريق البنوك التجارية.
ولفت د. حميد الشايجي النظر إلى إمكانية الإفادة من تجارب الدول الأخرى في مجال تمويل المساكن. واتفق د. حمد البريثن مع ذلك، وأضاف أن الميزة في الاطلاع على حلول وتجارب الآخرين معرفة الجوانب الخفية لتلك الحلول بحكم وجود الممارسة على أرض الواقع.
وذكر م. خالد العثمان أن صندوق التنمية العقاري، اللاعب المهم في صناعة التمويل العقاري، أسهم عبر تاريخه في بناء عدد كبير من الوحدات السكنية ربما تزيد على مليون وحدة سكنية، لكنه بات عاجزًا منذ سنوات عديدة عن تلبية الطلب المتراكم، وعانى فوق ذلك من سطوة وزارة الإسكان عليه وفرض رؤيتها الأحادية عليه بدلاً من إعادة هيكلته ومعالجة مشكلاته لتمكينه من أداء دور حقيقي في التنمية العقارية الشاملة، وتملُّك المساكن على وجه الخصوص. وقد كنَّا منذ زمن بعيد وما زلنا نُنادي بتحويل هذا الصندوق إلى بنك للإسكان، يقوم بدور تنموي كامل في هذا القطاع على غرار نماذج عديدة ناجحة، ربما يكون أهمها بنك الإسكان التونسي. والدور المفترض بهذا البنك هو إدارة عمليات الإيداع والادخار والتمويل والاستثمار لكامل منظومة تطوير المساكن، وليس فقط تمويل المستفيدين في شكل رعوي بحت. وقد تضمَّن برنامج الإسكان حديثًا تحويل الصندوق إلى مؤسسة مالية لكننا ما زلنا ننتظر تفاصيل هذه المبادرة وآليات تنفيذها. ولعله من الضروري التوصية بتسريع هذا البند على وجه التحديد، والتأكيد على ضرورة تبني وتنفيذ مبادئ التمويل بالرهن العقاري الحقيقي، وقيادة تحوُّل شامل في المؤسسات التمويلية باتجاه هذا النموذج. نحن بحاجة ماسَّة إلى تكريس وترسيخ مفاهيم التخطيط الذكي والتصميم الذكي والبناء الذكي والتسويق الذكي والتمويل الذكي بشكل شمولي فاعل. كذلك فإن الإسكان الاجتماعي والإسكان التعاوني نموذجان لا بد من تفعيلهما باهتمام خاص لتحقيق اختراق حقيقي في حل مشكلة الإسكان. والحديث هنا ليس فقط من منطلق التطوير السكني، بل من جانب التمويل والشراكة التكافلية لتحقيق مصلحة مشتركة لمجموعات من المستفيدين في إطار تعاوني مُنظَّم. في المملكة هناك أربع جمعيات تعاونية للإسكان لم تبنِ سوى عدد محدود من الوحدات السكنية، وانحرف بعضها إلى المتاجرة في مواد البناء. في المقابل، هناك في تركيا أكثر من 20000 جمعية إسكان تعاوني، وفي المغرب أكثر من 4000 جمعية إسكان تعاوني، ويُمثِّل الإسكان التعاوني والإيجار التعاوني نموذجًا رئيسًا في هولندا والنرويج، وهما من أكثر الدول عالميًّا في توفير المساكن وتمليكها. وهذا مدخل تمويلي بديل فعَّال، وليس فقط نموذج اجتماعي ولا حتى خيري، ولا بد من أن تُوليه وزارة الإسكان ما يستحق من اهتمام. وفي الإطار ذاته، فإن التأمين يعَدُّ أداةً مهمةً مهملةً تمامًا في جانب التطوير والتمويل العقاري. ويمكن للتأمين أن يكون وسيلةً فاعلةً لتقليل المخاطر على أطراف عمليات التطوير والتمويل بما يسهم في تخفيض هوامش الربح والتحوُّط التي يبنيها أطراف العلاقة لتجنُّب الخسائر غير المنظورة. من ذلك مثلاً، التأمين على القروض العقارية الذي يمكن أن يُوفِّر وسيلةً لسداد أقساط القروض خلال فترات التعثُّر الناتج عن التعطل المؤقت عن القدرة على السداد بسبب المرض أو الانتقال أو الانقطاع عن العمل وغير هذا، وذلك كبديل عن الإخلاء السريع ووَضْع اليد على الوحدة المتعثرة وبيعها بسعر بخس لسداد قيمة القرض. هذه الحلول الإبداعية مطلوبة بشدة في سوق تغلب عليه مخاطر عديدة غير منظورة، ومن الممكن أن يُقدِّم التأمين حلولاً مبدعة متنوعة من شأنها أن تُسهِم بفعالية كبيرة في تقليل تكاليف التمويل العقاري، وفوق ذلك خلق حراك اقتصادي إضافي في سوق التأمين الذي يعاني أساسًا من منافسة شرسة.
وذهب أ. محمد الدندني إلى أنه إذا كان الهدف هو توفير سكن لغالبية المواطنين، فمن المفترض أن لا تقوم علاقة بين البنك والمواطن، المواطن تُمثِّله الدولة أمام البنك، هذا للمواطن الذي لا يملك سكنًا كأول بيت، وبعد ذلك مَن أراد الاقتراض والرهن فهذا خياره.
وأضاف أ. عاصم العيسى أن الأمر يتطلب تدخُّل المُشرِّع لسنِّ الحماية النظامية ومراجعة العقود لتكونَ متوازنةً لحماية الدائنين والمواطنين المُتمولين معًا. وبالذات أن برنامج تمويل المساكن المدعوم، هو أحد برامج الوزارة لتحقيق رؤية المملكة 2030، المتضمِّنة توفير السكن والحياة الكريمة المستقرة للمواطن، بل إن الوزارة تُسوِّق لبرنامجها وتفتخر بإحصائيات تمليك المواطنين عبر التمويل المدعوم. لقد راجعت الجهات الرسمية كثيرًا من العقود، وخاصة ذات المساس بعموم المواطنين، ومن ذلك مراجعة عقد الاستقدام، وعقد الإيجار الموحد، وغيرها من العقود، في حين أن عقد التمويل المدعوم هو الأهم بالمراجعة المتوازنة كونه يمسُّ الشريحة الكبرى وموضوعه الأكبر. إنَّ مراجعة العقد هي مسؤولية كُلٍّ من وزارة الإسكان (الجهة المُشرِفة على إسكان المواطنين) ومؤسسة النقد العربي السعودي (الجهة المشرفة على مراقبة أعمال البنوك وشركات التمويل). تؤكد ذلك المادة (العاشرة) من اللائحة التنفيذية لنظام الإيجار التمويلي، والتي تنصُّ على أنه: “للمؤسسة إقرار صيغ نموذجية لعقود الإيجار التمويلي، تراعي حقوق الأطراف ذات العلاقة. وعلى المؤجر الحصول على خطاب من المؤسسة يتضمن عدم ممانعتها على منتجات الإيجار التمويلي قبل طرحها؛ لضمان عدالة شروطها”. وتوصي الدراسة بتفعيل العمل بهذه المادة، وأن يكون إقرار الصيغ النموذجية للعقود لحماية الطرفين، التزامًا على مؤسسة النقد وليس من باب الجواز، كما صيغت المادة، بحيث لا يُترك موضوع مراجعة العقود وصياغتها إلى الجهات التمويلية وحدها، إنما تتولى المؤسسة مراجعة العقود وبالذات ما ارتبط ببرنامج تمويل المساكن المدعوم، لتكون متوازنةً عادلةً حمايةً للبنوك والمواطنين معًا، وتجنُّبًا لكثرة الشكاوى الحاصلة في السوق الائتماني، وتؤكِّد هذا المعنى الفقرة (1) من المادة (العاشرة) من اللائحة، حيث تنصُّ على أن: “للمؤسسة وضع معايير لعقود الإيجار التمويلي بما يُحقِّق سلامة النظام المالي وعدالة التعاملات وأهداف النظام واللائحة”. وتوصي الدراسة بأهمية مراجعة صياغة العقود الخاصة بالبرنامج، ومتابعة تقيُّد جميع الجهات والشركات التمويلية بذلك.
ومن ناحيته ركَّز د. عبد الإله الصالح على إبراز النقاط التالية:
- ليس ثمة تأكيد أن العلاقة بين الصندوق والمستفيد والممول تعاقدية (قد تكون ذات جانب تنظيمي)، وهذا يُغيِّر الكثيرَ في السلطات والصلاحيات للأطراف خصوصًا الصندوق (الوزارة)، وإمكانيات التعديل والتحديث. والعبرة بالمعاني وليس بالمباني.
- عالم الإقراض والاستدانة عالم محل اختلاف النظرات السياسية وتجاذبها؛ فهناك مَن يرى ترسيخ البرامج الاجتماعية، ومَن يرى زيادة إطلاق آليات السوق. وتجربة المملكة في الإسكان سوف تقود لنُضج في النظرتين، وتفتح المجالَ للمواطن للابتعاد عن مخاطر سوق الاقتراض بشكل مباشر (يعرضه للخطر)؛ لأنه معقد (ولا يعتبر المواطن صاحب خبرة ومعرفة من المنظور العدلي).
- لا يمكن إهمال التأمل فيما يُسبِّبه الارتباط بالقروض طويلة الأجل على كتلة المواطنين (من مختلف الشرائح) من تأثير في ثقافة سوق العمل وعادات الالتزام المهني، والتوقعات الاجتماعية والسياسية، وهذه نتيجة غير مباشرة لم تُشر إليها برامج الرؤية بشكل مباشر ولكنها ثابتة، وقد تكون إيجابيةً على المدى الطويل.
- هذه الآلية المتمثِّلة في العقد المدعوم لا تخرج عن كونها تحويل قرض الصندوق (خمس مئة ألف) من الدولة للقطاع المصرفي، وتخفيض تحمُّل الدولة لمجرد الربح التمويلي واستثمار السلطة السيادية (بدلاً من المالية) في التنظيم وتوازن الأطراف. مثلاً، المواطن ليس عليه اقتراض ما يتجاوز خمس مئة ألف خصوصًا إذا كان في المدن الصغيرة. ويأتي هنا دور الجمعيات التعاونية وصناديق الادخار التي يمكن الجزم بأنها آتية في الطريق.
- الهيكلة النظامية والتنظيمية والعدلية تحكم الموضوع؛ ولذلك نحتاج للمراجعة وبعض التجديد. مثلاً، تمثيل المواطن تمثيلاً جماعيًّا في جميع مراحل الدورة (التشريعية والتعاقدية والتنظيمية).
- التوقُّع أن تتجه الدولة بقوة أكثر لزحزحة الكثافة السكانية؛ لأنه أمرٌ باتَ ضروريًّا على كافة المستويات.
- لا يمكن التغاضي عن عمل مؤسسي لرفع مستوى الوعي المالي والادخاري للمواطن (جميع الشرائح). خصوصًا في مراحل الثانوية والجامعة والمدارس الفنية (العسكرية والمدنية). وهذا سوف يقود لبنية تحتية تخدم وتستجيب لهذا الوعي. بمعنى، أن المؤسسات المالية تُعطَى الفرصة في سياق المسؤولية الاجتماعية أداء هذا العمل من خلال عمل مؤسسي.
- الغرف التجارية تُمثِّل العملَ التجاريَّ والصناعي، وتفاوض نيابة عنهم وتُمثِّلهم وتُمثِّل مصالحهم بشكل مُنظَّم وناجح. وإلى الآن لم تُوفَّق للوصول لمؤسسة تُمثِّل المستهلك وتفاوض عنه، وتستطيع أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية الاستفادة منها في تمثيل المستهلك تمثيلاً منظَّمًا فنيًّا وقانونيًّا. والمستفيد في القروض المدعومة مستهلك، ويجب أن يُمثَّل تمثيلاً ملائمًا فنيًّا وقانونيًّا وإحصائيًّا بحيث يخدم الدولة في المعلومات والدراسات، وتكوين الجمعيات التعاونية، وغير ذلك.
- التوصيات:
- أهمية التركيز على الوعي الادخاري لدى المجتمع منذ الصغر عبر تدريس ذلك في المراحل الدراسية المختلفة. وتغيير فكر المواطن حول بيت العمر، وجَعْل تخطيطه مرحليًّا وفقًا لاحتياجاته.
- ابتكار وإيجاد قنوات ادخارية تُحقِّق عائدًا جيدًا مع مخاطر متدنية تناسب جميع شرائح المجتمع، تساهم الدولة في بعضها لتحفيز المواطنين على الادخار.
- مراجعة برامج التمويل المدعوم من قِبل وزارة الإسكان لتقديم خيارات متعددة تناسب الشرائح المتوسطة والمتدنية ومَن ليس لديه دخل، مع تجنُّب إرهاق المواطن بالتمويل المصرفي طويل الأجل.
- مراجعة عقود التمويل العقاري من قِبل مؤسسة النقد؛ لتحقيق التوازن بين واجبات وحقوق طرفي العقد، مع التوصية بأن تصدر المؤسسة عقودًا مُوحَّدة للتمويل العقاري.
- إدخال شركات التأمين في برامج التمويل العقاري بحيث تقوم بطرح منتجات لتغطية مخاطر عدم السداد الناتجة عن فقدان العمل أو تغير الدخل، بالإضافة إلى ما هو موجود الآن من تغطية الوفاة والعجز الكلي.
- إنشاء الدولة شركات لشراء مديونيات التمويل العقاري وتصكيكها، وهذا سيُقلِّل من كلفة التمويل البنكي بالإضافة إلى خلق قنوات استثمارية مُدرّة للدخل مقبولة المخاطر.
- الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في رَفْع نسبة التملُّك كتونس وهولندا عبر تبني وتفعيل هياكل الإسكان التعاوني، والتوسُّع في تأسيس جمعيات الإسكان التعاوني وتفعيل أدوارها في تطوير المساكن بنماذج تمويل تعاونية تكافلية.
- التوسُّع في إنشاء الضواحي، وإيجاد برامج للهجرة العكسية لمنع الازدحام في المدن الرئيسة.
- تطوير أساليب البناء والأخذ بالأساليب الحديثة، والمرونة في التراخيص بهذا الشأن، والاتجاه للاستغلال الأمثل للأراضي عبر البناء الرأسي وتعدُّد الأدوار، وتفعيل رسوم الأراضي البيضاء لزيادة العرض للسيطرة على تضخم أسعار العقار.
- تطبيق نظام التمويل العقاري، بحيث تكون مخاطر المتمول محصورةً في الرهن، دون الرجوع على رواتبه وشخصه وكفلائه كضمانات أخرى، مع تنظيم حالات سحب المنازل وبيع الرهونات واشتراطاته وإجراءاته حمايةً لجميع الأطراف.
- طرح مسودات الأنظمة والتشريعات الخاصة بمنظومة الإسكان والتمويل والرهن العقاري للعامة؛ لدراستها والتعليق عليها وإبداء الملحوظات.
القضية الرابعة
حقوق الإنسان ومواقف المملكة خلال أزمة كورونا
(28/6/2020م)
- الورقة الرئيسة: أ. لاحم الناصر
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: د. عبد الإله الصالح
- التعقيب الثاني: د. وفاء محمود طيبة
- إدارة الحوار: أ. مها عقيل
- الملخص التنفيذي:
أشار أ. لاحم الناصر في الورقة الرئيسة إلى أن جائحة كورونا ضربت العالم على حين غِرة ودون أي إنذار مُسبَق، وفيما كان موقف بعض الدول المتقدمة مُخجلاً من رعاياها في الخارج حيث تخلَّت عنهم؛ كان نهج وخطة المملكة العربية السعودية في التعامل مع الجائحة نهجًا إنسانيًّا يُمثِّل عقيدتها ودينها والتزامها بالشريعة الإسلامية، التي تعتبر أول شريعة تُنادي بحقوق الإنسان، وتفرض العدل والمساواة بين البشر. وقد أثبتت المملكة في جائحة كورونا أن حقوق الإنسان ليست شعارات تُقال، وإنما أفعال، فنجحت فيما فشلت فيه الدول المتقدمة ولا تزال المملكة مستمرةً في خطها الذي اختطه لنفسها لمواجهة الوباء، مُحاوِلة كل جهدها مساعدة العالم في تخطي هذه الأزمة عبر التنسيق مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية، وتقديم المساعدة المادية لمنظمة الصحة العالمية.
وأوضح د. عبد الإله الصالح في التعقيب الأول أن منطلقات ما اتخذت المملكة من إجراءات واستحدثت من تنظيمات على صعيد حقوق الإنسان في ظل الجائحة (وقبلها) مُسطَّرة بوضوح في نظامها الأساسي (الفقرات: 26، 28، 29، 30، 39، على سبيل المثال). ولا يختلف اثنان على أن هذه المبادئ تُترجم بشكل متسارع إلى واقع تشريعي وتنظيمي في مجال الشؤون العدلية، والشؤون والخدمات الصحية والتعليمية والثقافية والاجتماعية والأحوال الشخصية. كما أنه ليس محل اختلاف أن المُشرِّع السعودي في ترجمته لهذه المبادئ ينظر بعين الجد ونية الالتزام، في شرعة حقوق الإنسان وفي المعاهدات والمواثيق الدولية ذات العلاقة حتى لو لم تكن المملكة طرفًا فيها، فضلًا عن التأثير فيها بالرغم من مخاضات وتحوُّلات محلية وإقليمية، ثقافية واجتماعية مصاحبة لا تخفى على المراقب.
ومن جانبها تطرقت د. وفاء طيبة في التعقيب الثاني إلى أن المملكة – وهي تقود مجموعة العشرين- استحدثت مجموعة عمل خاصة ضمنT20 خاصة بكوفيد – 19، للمساهمة في حل المشكلة على مستوى عالمي، كما عملت على توفير جميع احتياجات الطاقم الصحي لحمايتهم ومساعدتهم على القيام بأعمالهم. أيضًا، فإن مراجعة دور مؤسسات حقوق الإنسان الحكومية والمدنية في السعودية في ظل جائحة كورونا يكشف عن أن هيئة حقوق الإنسان أقامت بعض الفعاليات عن بُعد خاصة بكوفيد- 19، كما تابعت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الإجراءات الوقائية والاحترازية المتبعة في السجون باعتبارها أماكن مكتظة ومغلقة، وعرضت جمعية حماية المستهلك بدورها في موقعها لبعض تطبيقات الدولة الخاصة بمرض كورونا، وقامت ببعض الجهود التوعوية الخاصة بالجائحة في مجال حماية المستهلك، إلا أن دور هذه المؤسسات كان يُفترض أن يكون أكثر مساندةً لدور الحكومة فيما قامت به، أما الجمعيات الخيرية فقد قامت بتقديم بعض المساعدات العينية والنقدية للأسر المحتاجة، بجانب دور مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية والذي قام بتشكيل لجنة خاصة بجائحة كورونا لدى الدول المتضررة؛ لتقديم المساعدات الطبية والإغاثية وغيرها من جهود.
وتضمَّنت المداخلات حول القضية المحاورَ التالية:
- تبعات جائحة كورونا على مفاهيم حقوق الإنسان.
- جهود المملكة في مجال حقوق الإنسان في ظل جائحة كورونا.
- حقوق الإنسان الاقتصادية ومواقف المملكة خلال جائحة كورونا.
ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:
- وَضْع إستراتيجية إعلامية تبدأ في وزارة الخارجية مع الإعلام، وتساهم فيها هيئة حقوق الإنسان وغيرها من المؤسسات الحقوقية لتعديل الصورة السلبية بطريقة مناسبة وقوية، وتتفق مع الأساليب العلمية في تقديم ذلك، والاستعانة بمتخصصين في علم النفس والاجتماع لهذا الغرض.
- المعلومة قوة، ويجب توحيد الجهود بمركز متخصص ليجمع البيانات والإحصائيات، بما يخدم سياسة بلادنا ومواقفها، ويخدم حلفاءنا.
- وضع خطة إستراتيجية للتوسُّع في مجال البحث العلمي والرقمنة.
- الورقة الرئيسة: أ. لاحم الناصر
ضربت جائحة كورونا العالم على حين غِرَّة ودون أي إنذار مُسبَق، فمنظمة الصحة العالمية تأخَّرت جدًّا في إعلان وبائية كورونا، حيث بقي العالم مفتوحًا يستقبل السياح والمسافرين من الصين بؤرة الوباء. وكان أمر الإغلاق الجوي منوطًا بكل دولة، فلم يكن هناك أي دور لمنظمة الصحة العالمية في وَضْع بروتوكول عالمي لمحاصرة الوباء؛ وهو ما أدَّى لانتشاره حول أنحاء العالم في موجة أشبه بتسونامي أطاحت بكل شيء أمامها، وتخبطت الدول في تعاملها معه. وأصبحت الشعوب حقل تجارب للحكومات في كيفية محاصرة الوباء والحد من انتشاره، وانشغلت كلُّ دولة بنفسها حتى أن أكثر التكتلات السياسية نُضجًا وتقدُّمًا وهو الاتحاد الأوروبي تخلى عن أعضائه، فهاهي إيطاليا تُعاني وتستغيث فلم يُقدِّم لها الاتحاد ودُوله أيَّ معونةٍ. وكشفت النفس البشرية عن غريزة البقاء دون النظر إلى الأخلاق والقيم والتحضُّر، وعاد الإنسان بدائيًّا متوحشًا، فسطت الدول على المعونات العابرة إلى الدول الأخرى، وانقطعت السُّبل بالمسافرين والسائحين وتخلت عنهم دولهم، وأصبح الضعفاء والمهمشون وكبار السن والفقراء في آخر سُلَّم اهتمامات هذه الدول، فقضى الكثير من كِبار السن في دور الإيواء نحبهم نتيجة الإهمال وتفشي الوباء وشُحّ التموين. وفرغت الأرفف، وطالت الصفوف للحصول على المواد الغذائية والعناية الشخصية، بالإضافة إلى ارتفاع أرقام البطالة بشكل غير مسبوق خصوصًا في أمريكا، وكما في بريطانيا وأمريكا والسويد قدَّمت الحكومات في البداية الاقتصادَ على صحة الأفراد وسلامتهم، وسعت لما يُسمَّى مناعة القطيع حتى تبيَّن لها فداحة الخيار وخطؤه، لقد لاحظت منظمات حقوق الإنسان هذا التوجُّه المُخالِف للعهد الدولي الخاص (بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، حيث يرتبط الحق في الصحة بحقوق الإنسان الأخرى مثلما ورد في شرعة حقوق الإنسان، بما فيها الحق في المأكل والمسكن والعمل والتعليم والكرامة الإنسانية والحياة وعدم التمييز والمساواة، ونبَّهت المنظمات على أهمية توفُّر البيانات الصحية الصحيحة ومعلومات الوقاية من الوباء، وأهمية توفير الخدمات وعدم انقطاعها والقدرة على الوصول لها عند اتخاذ إجراءات الحظر أو الحد من حركة الإنسان؛ كالغذاء والدواء والرعاية الصحية للمرضى وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة. ومع إغلاق المدارس والجامعات، أوصت المنظمات باستخدام التكنولوجيا والإنترنت عبر التعليم عن بعد. وفيما كان العالم الغربي وأمريكا يتخبط في مواجهة الوباء كانت المملكة العربية السعودية واضحةً منذ البداية في خياراتها، فقد اختارت الإنسان على الاقتصاد والمال والأعمال، الإنسان دون تمييز بين مواطن أو مقيم سواء كانت إقامته شرعية أو مخالفة، وبناءً على ذلك وضعت خطتها الاحترازية والوقائية لمحاصرة الوباء والحد من آثاره الصحية والاجتماعية والاقتصادية، فكانت من أوائل الدول التي علَّقت الدخول إليها، كما علَّقت العمرة من الخارج والداخل والدراسة إلى أن وصلت إلى مرحلة الإغلاق الكلي مع الحظر الكلي. وقد كانت الخطوات متدرجةً آخذةً في الحُسبان محاصرةَ الوباء والتحكُّم في انتشاره مع عدم إحداث صدمة في المجتمع ومُفاجَأته تجنُّبا لحدوث فوضى نتيجة الفزع، كما أنها جعَلت من أولوياتها تسهيل الوصول للخدمات الضرورية أثناء المضي في إجراءات الوقاية؛ ففعَّلت التعليم عن بُعد، ونظرًا لوجود نسبة من الطلاب ربما لم تتهيأ لهم فرصة التعلم عن بُعد، رأت أنه من باب العدل والمساواة تجاوز جميع الطلاب ونقلهم للمرحلة التالية، ودعمت خدمات التوصيل عبر التطبيقات المختلفة، وشجَّعت المواطنين على التسجيل بها ودعَّمتهم ماليًّا، كما فعَّلت كذلك وألزمت بقنوات الدفع الإلكتروني، وطوَّرت التطبيقات الحكومية للتواصل والحصول على تصاريح التنقل إلكترونيًّا، كما علَّقت إيقاع عقوبة السجن في الحقوق المالية، كما توسَّعت وزارة الصحة في إجراء المسح والفحص ليشمل المواطنين والمقيمين نظاميًّا أو مخالفين مع إعفاء المخالفين من العقوبات النظامية والتكفُّل بعزل وعلاج المصابين. وفي سبيل كفالة حياة كريمة للمواطنين والمقيمين، قدَّمت الدولة حزمًا تحفيزيةً للقطاع الخاص للمحافظة على الوظائف؛ من تسهيل الائتمان إلى دعم الأجور إلى تعديل مواد نظام العمل. ومع استمرار الإجراءات الاحترازية والوقائية، كان المجتمع يتابع تطورات الوباء بكل بشفافية عبر مؤتمرات المتحدِّث باسم وزارة الصحة مع تكثيف الجهود التوعوية عبر الرسائل النصية والأفلام القصيرة ومنصات التواصل الاجتماعي واللوحات الإرشادية وبلغات مختلفة، في محاولة لإيصالها لأكبر شريحة من المستهدفين. وفيما كان موقف بعض الدول المتقدمة مُخجلاً من رعاياها في الخارج حيث تخلَّت عنهم، كانت الحكومة السعودية في غاية الكرم مع أبنائها؛ فمع الإغلاق الدولي الكامل وصعوبة التنقل وفَّرت لهم طائرات لإحضارهم على حسابها، ومَن لم تتهيأ الظروف لإحضاره أسكنته على حسابها. لقد كان نهج وخطة المملكة العربية السعودية في التعامل مع الجائحة نهجًا إنسانيًّا يُمثِّل عقيدتها ودينها والتزامها بالشريعة الإسلامية، التي تعتبر أول شريعة تُنادي بحقوق الإنسان، وتفرض العدل والمساواة بين البشر. وقد أثبتت المملكة في هذه الجائحة أن حقوق الإنسان ليست شعارات تُقال، وإنما أفعال، فنجحت فيما فشلت فيه الدول المتقدمة، ولا تزال المملكة مستمرةً في خطها الذي اختطته لنفسها لمواجهة الوباء، محاولة كل جهدها مساعدة العالم في تخطي هذه الأزمة عبر التنسيق مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية، وتقديم المساعدة المادية لمنظمة الصحة العالمية.
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: د. عبد الإله الصالح
مبادئ “حقوق الإنسان” هي في أصلها تراكم أعراف مشتركة، نتاج مخاضات إنسانية. نمت من رحم تعاليم الأديان السماوية، ثم رسبت في الثقافة الغربية فيما كان يُسمَّى بـ”القانون الطبيعي”. وقد دفع للإجماع عليها في صيغتها العصرية، ما خلَّفت الحروب العالمية من ويلات. وفلسفة هذه المبادئ وصياغتها العصرية تُمثِّل طموحاتٍ إنسانية مشتركة ومعايير للمسؤوليات والواجبات للفرد والمجتمع والدولة الوطنية. تبلورت على المستوى الدولي في “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” (30 فقرة) بإجماع الأعضاء في الجمعية العامة في الأمم المتحدة، في عام 1948 ميلادية. ثم في إطار هذا الإعلان، واستنادًا على فقرات في ميثاق الأمم المتحدة الفقرات 1(3) و55(ج) و56 حول مسؤوليتها للعمل في سبيل تفعيل مبادئ حقوق الإنسان على مستوى القانون الدولي العام والخاص، تأسَّس تراكم مهم من المواثيق والمفاهيم في ظل مؤسساتها، أُطلِق عليه “الشرعة الدولية لحقوق الإنسان”. من أركانها، فضلًا عن ” الإعلان” ذاته، العهدان الدوليان الخاصَّان بـ “الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” و”الحقوق المدنية والسياسية” وآليات تنفيذها ومتابعتها. وقد كسب حراك حقوق الإنسان في العقود الأخيرة حيويةً وتطوُّرًا متسارعًا، وحقَّق منافعَ كبيرة لا يمكن إنكارها. بالرغم من المماحكات السياسية دوليًّا وإقليميًّا حولها، فقد اختارت بلادنا التفاعلَ الإيجابي العملي الجاد مع هذا الحراك، بشكل مؤسسي وتشريعي وتنظيمي، تمثَّل في استحداث مؤسسات وطنية مختصة (مثلًا، هيئة وجمعية حقوق الإنسان)، وفي المصادقة (والتجهيز للمصادقة) على عدد من المعاهدات والتنظيمات، وصياغة العديد من الأنظمة التي هي في غالبها وفحواها كاشفة (أكثر منها مُنشِئة) لثقافة وتقاليد مجتمعها وفلسفة الحكم فيها، ونظرة ولاة الأمر منذ التأسيس في مجال حقوق الإنسان في إطار تحكيم كتاب الله، وسنة رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام، والنظام الأساسي للحكم.
في سياق التعقيب على الورقة والتمهيد، سوف أسعى للنظر في الواقع مع إيراد أمثلة لتوقُّع المستقبل الممكن أو المرجو، من خلال وضع مادة الورقة والقضية محل النظر، بشكل عام، في ثلاثة أفرع أساسية:
الفرع الأول: النظر في طبيعة مبادئ “حقوق الإنسان”؛ مصطلحاتها وتاريخها ومآلاتها، شعاراتها ومادتها وانعكاساتها الثقافية والقانونية والتنظيمية الدولية والوطنية، في قاموس العصر وتحولاته بشكل عام، وبعد هذه الجائحة بشكل خاص، بين تدافع ثقافات الشرق (الصين خصوصًا)، الذي يبدو صاعدًا (متخففًا من قيود حقوق الإنسان) والغرب (الذي يبدو متقهقرًا مُثقلًا بحقوق الإنسان!)، والقطبية السياسية والضرورات الاقتصادية والأمنية والتطورات الرقمية الهائلة. وهذا النظر ليس ترفًا فكريًّا، بل هو ضروري تستدعيه طبيعة الأحوال وضرورات الاستقرار والتنمية. ويعين على التشخيص واستشراف النتائج، تلكم الجوائح والمفاجآت والضرورات التي تكون الدول (والتحالفات والمنظمات الدولية) وأنظمتها وقيمها أثناءها على المحك، خصوصًا في خِضمِّ ارتباكها. حينها تظهر على السطح الطبائع المتأصِّلة من وراء حجب الإعلام والمثل المصنوعة، ويشرق الإبداع الإنساني في آن. ونتاج النظر والتحليل سوف يُشكِّل مادةً مهمة تضع المُشرِّع والمسؤول (على المستوى الوطني والدولي) والأكاديمي والمواطن في موقف معين حول الحقيقة من الشعار، والضروري من الكمالي. إنَّ هناك إجماعًا دوليًّا على مبدأ حقوق الإنسان، ولكن هناك خلاف لن ينتهيَ على التفاصيل. وتبيَّن من هذه الجائحة رسوخ مبدأ الدولة الوطنية، وضعف الاتحادات والتحالفات القارية أو الدولية، منطلقاً لحماية المواطن. كما تبيَّن أنه لا غنى عن التعاون الدولي من خلال منظمات دولية ذات “أنياب” في ظل تنازع مؤسف بين المحاور والأقطاب السياسية والتجارية وانعكاساتها الثقافية، ولكن العمل سيتواصل لمزيد من تطوير عملي قانوني مؤصَّل، لماهية “شرعة حقوق الإنسان”، في عالم يزداد صغرًا واعتمادية متبادلة وتنافسًا، في سبيل التعايش بل والتأثير في تناغم مع الثقافات المختلفة (الإسلامية الربانية بالنسبة لنا، ولثلث البشرية على الأقل) واحتياجاتها وواقعها وطموحاتها الوطنية، على أساس “براغماتي” مرن، ومحاولة الدبلوماسية تجنُّب الانزلاق في المزايدات والعصبيات الثقافية ومسارب الخوف والانغلاق والتشدُّد.
الفرع الثاني: النظر في تبعات ما تعرَّضت له واضطرت الدول لاتخاذه (أو عدم اتخاذه) بسبب الجائحة لحماية مواطنيها ومجتمعاتها ومؤسساتها في مجال حقوق الإنسان، بشكل مباشر من الناحية القانونية والسياسية، وبشكل غير مباشر على الأصعدة الصناعية والاقتصادية والاجتماعية. فعلى سبيل المثال، فإن الحجر الصحي وتقييد الحركة وتبعاته أضحى أمرًا مقبولًا، وقد يُترجَم إلى ثقافة تقبل بالمزيد من سلطة الدولة الوطنية على مواطنيها والعابرين في إقليمها، مؤثرة بذلك في معايير اثنين من مبادئ حقوق الإنسان: حرية الحركة والتنقل، والخصوصية. ولكن الكثير من الدول بسبب التباطؤ أو حتى الانكماش الاقتصادي وانهيار بعض القطاعات فيه، ونسب البطالة الهائلة التي طرأت بسبب الجائحة، سوف تتجه مضطرةً في الجهة المقابلة للتوسُّع في حقوق للمواطن في مجال العمل والضمان الاجتماعي، وما قد يستدعيه ذلك ويعين عليه، في حقل الاكتفاء الذاتي في الصناعات الإستراتيجية (الأدوية والمعدات الطبية والغذائية…)، والتوسُّع في الحمائية التجارية، وإعادة منظمة التجارية الدولية النظر في فلسفتها العامة، والتعايش في آفاق الحروب التجارية بين أقطاب الاقتصاد العالمي (التي قد تخدم الدول النامية وقاعدة صناعاتها الإستراتيجية). وعلى ذلك، قِس في مجالات تزداد سخونةً كتلك المتعلقة بحقوق العامل، والتعليم، والترفيه (الإعلام)، وغيره مما أشارت إليه الورقة.
الفرع الثالث: مراجعة وتحليل ما قامت به بلادنا واتخذته من إجراءات، ولا تزال، في ظل الجائحة من منظور “حقوق الإنسان”. إن موقع المملكة الجغرافي ومقامها الديني والسياسي وخدمتها الحرمين الشريفين، ومواردها، فضلًا عما تعيشه في سياق ترجمة الرؤية التي جمعت ونسقت طموحات وضرورات الدولة الحديثة للبقاء والاستدامة. في ظل هذه الحقائق والمماحكات السياسية حولها، فإن لـ “شرعة حقوق الإنسان ” في بلادنا بعدًا خاصًّا، ليس لذاتها ومواطنيها فحسب؛ بل لخدمة الحرمين وزوَّارهما ذلك الواجب (الثابت ثبات الدين) الذي يتفوق على الاقتصاد ويُسخِّره ويتكئ لشرعيته على توفير وتسخير كفؤ للخدمات بأنواعها والأمن على جميع مستوياته للزوَّار والمواطنين والمقيمين في إطار حقوق الإنسان “المسلم”!
إنَّ منطلقات ما اتخذت المملكة من إجراءات واستحدثت من تنظيمات على صعيد حقوق الإنسان في ظل الجائحة (وقبلها) مُسطَّرة بوضوح في نظامها الأساسي الفقرات (26، 28، 29، 30، 39، على سبيل المثال). ولا يختلف اثنان على أن هذه المبادئ تُترجم بشكل متسارع إلى واقع تشريعي وتنظيمي في مجال الشؤون العدلية، والشؤون والخدمات الصحية والتعليمية والثقافية والاجتماعية والأحوال الشخصية. كما أنه ليس محل اختلاف أن المُشرِّع السعودي في ترجمته لهذه المبادئ ينظر بعين الجد ونية الالتزام، في شرعة حقوق الإنسان وفي المعاهدات والمواثيق الدولية ذات العلاقة حتى لو لم تكن المملكة طرفًا فيها فضلًا عن التأثير فيها، بالرغم من مخاضات وتحوُّلات محلية وإقليمية، ثقافية واجتماعية مصاحبة لا تخفى على المُراقِب.
لذلك، فإنه سوف يرسب في ذهن المُراقِب الفَطِن من الدروس المستفادة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا الكثير، على المستوى الفردي والمجتمعي والسياسة العامة، وخصوصًا ما يؤثر ويتوازى مع مبادئ شرعة حقوق الإنسان (المواطن والمقيم والزائر) التي باتت معيارًا دوليًّا أساسيًّا. فمن غير المستبعد إعادة النظر في نماذج تقديم الخدمات الصحية العامة والمتخصصة وانتشارها. والنظر في نماذج الخدمات البلدية وحوكمتها واستدامتها، وتفعيل مسؤولية المواطن ومشاركته فيها، لتكون صعيدًا لتنسيق كافة النشاطات والخدمات الأساسية في الريف والقرية والمدينة. وكذلك الرفع من معايير ظروف العمالة المستقدَمة مع محاولة جادة لتقليل نسبتها مع الاستمرار في تحسين جاذبية بيئة العمل للمواطن. والمضي بوتيرة أسرع في رقمنة البيانات وتسهيل الوصول للمواطن (في سياق الثورة الصناعية الرابعة)، وترسيخ إمكانيات العمل عن بُعد تقنيًّا وتنظيميًّا. والمضي في رفع مستوى الإجراءات العدلية. والتخصيص والحمائية الجمركية لخدمة الصناعات الوطنية الإستراتيجية (الغذاء والتقنية والأدوية والمعدات الطبية). وأخيرًا، لا أستبعدُ النظر في تطوير مبدأ صندوق للطوارئ والجوائح، يُموِّل ويُنظِّم إجراءات التعامل معها وإدارتها، لمزيد من الفعالية وتجنيب الميزانية العامة وكادر الحكومة والاقتصاد صدماتها ومفاجآتها وتكاليفها. والحقيقة أن معظم هذه التوجهات هي مما ورد في برامج الرؤية (2030) بشكل أو بآخر، ولكن دروس الجائحة سوف تُسرِّع بالبعض على حساب البعض الآخر إنْ لم تُغيِّر بعضَ التوجهات.
- التعقيب الثاني: د. وفاء محمود طيبة
تعقيبًا على ورقة أ. لاحم الناصر التي قدَّمت بعضًا مما قدَّمته المملكة لمواطنيها من حقوق لم يحظ بها كثيرٌ من مواطني دول كبرى كانت تتباهى بحقوق الإنسان، فقد تعاملت المملكة مع هذه الجائحة حسب مقاصد الشريعة الإسلامية، وبخُطة احترازية ووقائية قدَّمت أروع مثال في تقديم الأولويات، وتدرُّجها حسب الشريعة، فجاء الإنسان أولاً، وتعاملت مع كثير من القضايا المالية بحزم وسخاء وضبط، وكان التناسق والتكامل بين عمل الجهات المختلفة من أهم العوامل في نجاح هذه الخطة والمحافظة على حياة الإنسان. وهنا أُضيف بعضَ النقاط لما ذكره أ. لاحم:
- استحدثت المملكة – وهي تقود مجموعة العشرين- مجموعة عمل خاصة ضمن T20 خاصة بكوفيد – 19؛ للمساهمة في حل المشكلة على مستوى عالمي، وذلك بعد اجتماع القمة الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين والخاص بكوفيد- 19، نتج عنه التزام مجموعة العشرين بعدة التزامات تصبُّ كلها في حقوق الإنسان.
- توفير جميع احتياجات الطاقم الصحي؛ لحمايتهم ومساعدتهم على القيام بأعمالهم.
- تقديم تقرير يومي بشفافية تامة للمواطنين من مسؤول رفيع المستوى في وزارة الصحة، بالإضافة إلى مسؤولين من الداخلية أو التجارة أو غيرها حسب الحاجة.
- أعلن معالي وزير الصحة عن (برنامج داعم)، والذي أطلقته وزارة الصحة لدعم الممارسين الصحيين نفسيًّا ووظيفيًّا عبر متخصصين في هذا المجال وبرامج دعم متنوعة، وهذا مهم جدًّا، وكان توصية سابقة من توصيات الملتقى.
ولكن ما دور مؤسسات حقوق الإنسان الحكومية والمدنية في السعودية في هذه الجائحة؟
للتعرُّف على ذلك، قمتُ بالتواصل مع بعض الشخصيات، وبمراجعة مواقع بعض المؤسسات، وقد أشادت جميع هذه الجهات بجهود المملكة في مجال الجائحة وخاصة تقديم العلاج للمواطنين والمقيمين ومخالفي الإقامة على حد سواء وبدون تبعات قانونية، وهو ما أعلنه خادم الحرمين الشريفين (بالصحة للجميع)، والذي يتفق مع الأنظمة الدولية لحقوق الإنسان في أحقية العلاج بلا تمييز ولا عنصرية.
وفي مراجعتي توصلت لبعض الجهود:
- أقامت هيئة حقوق الإنسان بعضَ الفعاليات عن بعد خاصة بكوفيد- 19، ولكن للأسف لم أستطع الوصول لأوراق هذه الفعاليات.
- تابعت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الإجراءات الوقائية والاحترازية المتبعة في السجون باعتبارها أماكن مكتظة ومغلقة، وقدَّمت بعض المقترحات وبعض التوصيات للجهات ذات العلاقة؛ بهدف التقليل من أعداد السجناء، وخصوصًا المطالبين بحقوق خاصة، وقد صدرت تعليمات العفو من قِبل الدولة أعزَّها الله، والتي استفاد منها كثيرٌ من السجناء والموقوفين؛ وهو ما قلَّل من الاكتظاظ في السجون، وساعد في المحافظة على صحة السجناء، وقد أكَّدت الجمعية على أن مثل هذه القرارات سيكون لها دورٌ فعَّال ليس فقط على مستوى المحافظة على صحة السجناء والموقوفين؛ وإنما يتجاوز ذلك إلى دعم الجوانب الإنسانية لأسرهم، وقدرة بعضهم على ترتيب أوضاعه فيما يتعلق بسداد ديونهم.
- جمعية حماية المستهلك: عرضت جمعية حماية المستهلك في موقعها لبعض تطبيقات الدولة الخاصة بمرض كورونا، وقامت ببعض الجهود التوعوية الخاصة بالجائحة في مجال حماية المستهلك في موقعها على تويتر.
- الجمعيات الخيرية التي كانت تُقدِّم المساعدات العينية والنقدية للأسر المحتاجة.
في الواقع، أرى أن هذه المؤسسات ومقارنة بأنظمتها وأهدافها – وأستثني الجمعيات الخيرية التي تقدم المساعدات- لم تقم بالدور المأمول منها لدعم الجهود العظيمة التي قامت بها الدولة، مثلاً في التعريف والمراقبة والمتابعة للقرارات الحكيمة والسخية التي صدرت، وقد كان من الممكن أن تكون ضمن المنظومة المتناغمة التي عملت بنجاح في مواجهة الجائحة من الجهات الحكومية؛ فلم نشهد لهم دورًا في بطالة المقيمين ومعاناتهم أثناء الجائحة، أو سكن العمالة السيئ والذي كان سببًا مهمًّا في تفشي مرض كوفيد- 19 بين العمالة، أو متابعة تطبيق قرارات الدولة التي جاءت لحماية حقوق مواطنيها والمقيمين، أو نَشْر الوعي بين المواطنين والمقيمين بشكل مدروس، أو تقديم مزيد من المبادرات بشأن حفظ حقوق الإنسان في هذه الجائحة.
أما مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية فدوره بشكل عام خارجي، وقد كانت له مساهمات عديدة في الجائحة؛ فعلى سبيل المثال، قام مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بتشكيل لجنة خاصة بجائحة كورونا لدى الدول المتضررة لتقديم المساعدات الطبية والإغاثية، وإنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود- حفظه الله، وقَّع مركز الملك سلمان للإغاثة ستة عقود لدعم دولتي اليمن وفلسطين الشقيقتين لمكافحة فيروس كورونا “كوفيد 19″؛ لتوفير عدد من الأجهزة والمستلزمات الطبية الضرورية والوقائية، كما قام المركز بتوزيع 250 سلة غذائية في مديرية غيل باوزير بمحافظة حضرموت، لإغاثة المستهدفين من إجراءات الحجر المنزلي.
- المداخلات حول القضية:
- تبعات جائحة كورونا على مفاهيم حقوق الإنسان:
يرى د. عبد الإله الصالح أن أيَّ تغيُّر أو تحوُّل في المفاهيم في الإدارة والشؤون سواء الاقتصادية أو الأمنية أو الاجتماعية لا محالةَ له انعكاس على مرآة حقوق الإنسان (المواطن).. ومع أن مبدأ حقوق الإنسان عليه إجماع كوني ووطني؛ إلا أن هناك اختلافًا في التفاصيل لأسباب مختلفة من ثقافة لأخرى ومن دولة لأخرى ومن مرحلة لأخرى، ولكن يكاد يكون من الثابت على مستوى العالم أن حرية الحركة (التنقل) سوف تتقلص لصالح السلطة على حساب المواطن. يفرض ذلك تكاتف المصالح والمخاطر ذات الطابع العمومي. والجائحة إنما عجَّلت من الرؤى المستقبلية مثل ذلك في الخصوصية التي سوف تتقلص لصالح الأجهزة العامة (والشركات الكبرى)، وعلى حساب المواطن. وفِي المقابل، سوف تتأثر حقوق العلاج والعناية الطبية والخدمات الاجتماعية لصالح المجتمع على حساب المالية العامة (وما يصاحب ذلك من زيادة في الضرائب…). وفيما يتعلق بالمملكة، فإنها تأخذ المعايير الدولية لحقوق الإنسان بجدية مثار الاحترام، وتترجمها بشكل مؤسسي وتنظيمي بالرغم من التحديات الثقافية والاجتماعية. والخصوصية وحرية الحركة والعلاج والخدمات الاجتماعية أقل في سُلَّم التحديات من أمور أخرى في شرعة حقوق الإنسان بالنسبة لبلادنا. لذلك، سوف تنظر المملكة في تلك الحقوق الأخرى بشكل جدي وتدريجي يتناسب مع الخلفيات الثقافية والتماثل الإقليمي.
وأكد م. فاضل القرني أنه لا يخفى على الجميع، ما لقضية وشعار حقوق الإنسان من هاجس يُصنع في الدول الكبرى وخاصة الغرب، وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة (صاحبة مبادرة حقوق الإنسان). ولطالما انتابها القلق ومتابعة الوضع والأحداث في دول العالم بأزمنة وأحداث مختلفة، ومنها المملكة العربية السعودية. وقد ارتقى مفهوم وتطبيق حقوق الإنسان في المملكة، تنظيمًا وإيضاحًا وتطبيقًا (وإنْ كانت هناك حاجة لأَخْذه إلى آفاق أوسع من خلال تعزيز وتأسيس المؤسسات المعنية للارتقاء بالإنسان في الكرامة والحقوق، والتي لا تزال بحاجة إلى الدعم والوعي). وقد كانت المملكة في ظل الجائحة من الأوائل في التنبؤ بما سيحدث وأَخْذ الإجراءات، والتي كان لها الفضل – بعد حفظ رب العالمين – في السيطرة على تفشي المرض، وخاصةً في الشهرين الأولين. وبما أن القضية الحالية تتعلق بالإنسان وحقوقه، وبالبحث في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبالتحديد ما يتعلق بالصحة كحق للإنسان بدون تمييز. نجد ما نصُّه (لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية، وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ فيما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته، والتي تُفقده أسبابَ عيشه). وبالنظر لما تمَّ من الدول المتقدمة في العالم، نجد أنهم اصطدموا مع هذا البند من خلال وَضْع أولويات عمرية في احتواء أزمة كورونا. هل هو فشل في التخطيط لتفشى الأوبئة وهذا احتمال ضئيل، بسبب أن العالم مرَّ بتجارب مريرة من بداية القرن العشرين وانتهاءً بعام ٢٠١٣ تقريبًا. وكانت جائحة كورونا بمثابة اختبار ميداني لمعايير القيم الغربية تحديدًا ومدى التمسك بها. ففي حين أن دول تمسَّكت بذلك روحًا وتطبيقًا وليست المملكة فقط، ما انعكس بالتالي على نتائج الخسائر المادية والبشرية الأخلاقية الناجمة عن الجائحة. وبذلك فإن مبادئ وحقوق الإنسان بعد جائحة كورونا، لن ولا يجب أن تكون حكرًا غربيًّا أمريكًا مستقبلًا. ولا بد للمملكة ودول العالم التي نجحت في إدارة الأزمة أن تكون مؤثرًا رئيسًا ومشاركًا من خلال مبادئها الإسلامية والإنسانية في مشروع إعادة بناء حقوق الإنسان، وبتضافر الدول الأخرى. إنَّ الأحداث الراهنة في الغرب هي عبارة عن تفاصيل مقنعة لفراغ أخلاقي وإنساني لها تأثيرات سلبية على المجتمع الدولي، وعلى رأس تلك الأحداث الفشل الأوروبي كاتحاد، والأحداث العنصرية الراهنة في الولايات المتحدة.
وتساءلت أ. مها عقيل: فيما يتعلق بالدور الذي يمكن أن تلعبه المملكة في تشكيل مبادئ وحقوق الإنسان دوليًّا بناءً على مبادئها الإسلامية والإنسانية، هل ستواجه ممانعةً قوية من الدول التي ليست إسلامية أو تلك التي لا تريد للإسلام أو أي دين أن يكون مرجعية؟
وأكد م. فاضل القرني أن المملكة ستواجه ممانعةً بالفعل إذا كان الاقتراب لذلك إسلاميًّا صِرفًا. ولكن الإسلام ثري جدًّا بالمبادئ الإنسانية، بل معظم بنود إعلان حقوق الإنسان إن لم تكن كلها رسائل إنسانية. وهناك ممارسات من الدول الإسلامية عبر تاريخها حتى اليوم كان لهم مشاركات في المواثيق والمعاهدات الدولية. والمؤكد أن ما حدث أثناء كورونا سيزيد الثقة في المملكة والدول الإسلامية في إثراء هذا الجانب. نعم، بنجاحاتهم النسبية، والأهم بفشل الآخر. الأحداث في أمريكا منذ بداية تحوُّل الرأسمالية من كيانها الأصل إلى الرأسمالية المحسوبية (هذه التسمية من كتاب لوزير العمل في عهد كلينتون اسمه “إنقاذ الرأسمالية”)، والذي كان في بداية عهد ريغان وتخلي الحكومة عن دورها الرئيس في الأنظمة والقوانين جعلها ديمقراطية نخبوية للشركات وأباطرة المال وليس للشعب، بالإضافة إلى الأحداث العنصرية المتتالية والتقاعس في مجابهة واحتواء كورونا، وضبابية دور الحكومة الأمريكية لحماية الشعب وحماية الدستور روحًا وليس نصًّا. كل ذلك يفسح المجال بأن هناك أدوارًا يمكن المساهمة فيها إيجابيًّا. وسواء كان ذلك إنسانيًّا أو إسلاميًّا، لا اختلاف بينهما. والمملكة ومن خلال تحولاتها ككيان سياسي ودولة نظم، ومبادراتها المتعددة وقيادة الدول الإسلامية يمكنها أن تكون مؤثرًا قويًّا.
وبدوره اتفق أ. محمد الدندني مع أن الإسلام اهتم بحقوق الإنسان أيما اهتمام، والقرآن واضح في لغته، والسنة والخلفاء وبالذات سيدنا عمر في عدة حوادث، وأدبيات حقوق الإنسان تستمد من الثقافة الغربية والوضعية، وهم يعرفون دور الإسلام في هذا المجال.
وفي تصوُّر أ. منى أبو سليمان، فإن المبادرات الإعلامية الإيجابية الموجَّهة للخارج غير مُرحَّب بها في إعلامهم، نحتاج لمبادرات أخرى disruptive ربما عن طريق المكاتب الإعلامية للـ G20 أو دراسة كيفية أخذ معلومة وبنائها بطرق مختلفة، لتجعل الإعلام الغربي هو مَن يجري وراءها.
في حين يرى أ. محمد الدندني أن مخاطبة الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي لن يفيدنا؛ كون هذا الإعلام مُسيَّسًا وغير محايد. ولعل من الأفضل مخاطبة منظمات المجتمعات المدنية، وأيضًا مخاطبة البرلمانات دون إهمال منصات التواصل الاجتماعي وبأغلب اللغات.
وذكر أ. محمد الدندني أنه عند ذِكْر حقوق الإنسان دوليًّا ستأتي أمور يرددونها كثيرًا؛ منها ما هو محل تقبُّل من المجتمع كتمكين المرأة وهو في تسارع غير مسبوق، ومنها ما لا يمكن قبوله شرعًا كمهزلة المثليين وحقوقهم. هناك أمور أخرى سينبري لها حتى بنو جلدتنا وأغلبها تأتي تحت الحقوق السياسية، ولكن يجب أن نكون أكثر حدةً في الدفاع عمَّا نراه مناسبًا لمجتمعنا ودعم قيادتنا بشتى الوسائل. هناك إنجازات عظيمة في القضاء وحفظ الحقوق، وهناك تطوُّرات جمَّة في بنائية الدولة يجب إبرازها ولجم مَن يتشدق بأنظمة وادعاءات على الورق فيما يخصُّ حقوق الإنسان، أقلها الانتقائية والضرب بعرض الحائط عندما تأتي حقوق الآخرين. ليس هناك ما نخجل منه، وليس كل ما يفخرون به يرقى للمصداقية المطلوبة.
ومن جانبها أشارت د. وفاء طيبة أنه ومن خبرتنا، فإنه برغم كل الإصلاحات التي نلمسها فردًا فردًا في الداخل (داخل المملكة)، فإن الملاحظ:
- أولًا: أنها إذا لم توافق هواهم (ولن توافقه) لا تهمهم، العالم كله مُركِّز تركيزًا عجيبًا بجميع أجهزته على حقوق المثليين، رأينا مَن استجاب لهم داخليًّا للأسف، ويوم أن أعلن الملك – حفظه الله – السماحَ للمرأة بقيادة السيارة كحق، صدر في اليوم التالي قائمة من ١٧ حقًّا مُغفلاً (من وجهة نظرهم) يجب تحقيقها للمرأة. معاييرهم يجب ألا تشغلنا! نحن وقَّعنا على معظم مواثيق حقوق الإنسان، ونعمل تدريجيًّا على تحقيقها مثل أي شعب آخر، ولكن بطريقتنا ومعاييرنا واختلاف ثقافتنا، ويجب أن تُحترَم! لأنه حتى مواثيق حقوق الإنسان فيها بنود بهذا المعنى، أي احترام الثقافات والاختلافات. أما مَن هم مِن بني جلدتنا، فالأفضل محاورتهم ثم غض الطرف عما يقولون.
- ثانيًا: كل هذه الإصلاحات الداخلية إذا أردنا أن نستخدمها كقوة ناعمة والإعلان عنها، نحتاج إلى إستراتيجية إعلامية تبدأ في وزارة الخارجية، وتسهم فيها هيئة حقوق الإنسان وغيرها من المؤسسات الحقوقية. ولا بد أن نستخدم كلَّ الإصلاحات التي تتم في المملكة لتصحيح الصورة الذهنية بطريقة مناسبة وقوية، وتتفق مع الأساليب العلمية في تقديم ذلك، والتي تعتمد على المعرفة التامة بالنفس البشرية وكيفية تغيير فكرها ونظرتها. ويمكن أن يساعدنا في ذلك فئة من المتخصصين، مثل: علماء النفس الاجتماعي، وعلماء الاجتماع السياسي، وعلماء التغيير في علم النفس.
وفي سياق متصل، قال د. زياد الدريس: نعلم أن الحقوق الدولية يتم تطبيقها على مسطرة “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، الذي صُنع على معايير قد لا تتقاطع في بعض موادها مع معاييرنا الدينية والاجتماعية، هذا من جانب؛ ومن جانب آخر، فإن مكينة القوى الدولية سياسيًّا وإعلاميًّا باتت تُوجِّه بعضَ المواد التي لا إشكال في عموميتها نحو خدمة توجهات خاصة أفرزتها مستجدات الحرية الجديدة (ما بعد ثورة مايو ٦٨م)، مثل فتح الأبواب للمثلية (الشذوذ الجنسي). والسؤال: كيف ستتعامل هيئة حقوق الإنسان مع الضغوط التي تصبُّ عليها للسير على معايير مُسطَّرة تخالف بعضُ موادها معاييرَنا وقيمنا؟ وبدورها أوضحت د. وفاء طيبة أن المملكة تعلن وبكل ثقة أنها لا تقبل فيما يتعلق بمسائل حقوق الإنسان ما يتعارض مع الشرع، وأن نظام المملكة لا يقبل سوى الأسرة القائمة على أب وأم وأطفال. وفي اعتقاد أ. لاحم الناصر، فإن هناك العديد من الدول في العالم وحتى بعض الحركات اليمينية في أوروبا وأمريكا تناهض وتُعارض وترفع صوتها في شجب ورفض هذه الحقوق، وبعضها وصل للحكم كما في بولندا، وكذلك روسيا ترفضها، ويمكن أن يكون هناك إجماع لدى اليمين المحافظ برفض ذلك كالمثلية والإجهاض، والمطالبة بالمحافظة على الأسرة الطبيعية ككيان، فلسنا وحدنا في العالم مَن يقف ضد الحركات التي يدعمها اليسار. وأكد د. زياد الدريس على أننا لسنا وحدنا في هذا التوجه، فمعظم دول الشرق وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تنحاز ضد الاتجاه السائد في معظم دول الغرب الآن، ومِن ثَمَّ نُريد أن يكون لنا إسهام فعلي مع تلك الدول، بل ومع الحركات المناهضة في دول الغرب نفسها لمواجهة ضغوط العولمة الثقافية! وأضاف أ. لاحم الناصر أنه لذا يجب أن يكون هناك تجمُّع يجمع هؤلاء المناهضين، ويضع إستراتيجية لإعادة البشر إلى الصواب. ومن جديد، أكدت د. وفاء طيبة على أن هذا مشروع مهم، ولكن للأسف دائما نتخذ موقف المدافع وأحيانًا الواثق الثابت ولكن ليس المبادر، وربما كان صعبًا في الوقت الحاضر.
- جهود المملكة في مجال حقوق الإنسان في ظل جائحة كورونا:
أكدت د. وفاء طيبة أن ما قامت به الدولة في جميع المناحي سواء الصحية أو الاقتصادية والأمنية تزامنًا وجائحة كورونا بشكل عام يدعو للفخر، ولا داعي لتكرارها ولكنها جاءت شاملة واستباقية بمعنى أنها في الوقت المناسب، ونحن نلمس ذلك الآنَ. إلا أنه كان المرجو أن تساند طاقات هذه الجهات الحقوقية جهود الدولة العظيمة بقوة. بالطبع، هناك بعض الأنشطة ولكنها لا ترقى إلى المطلوب منها. فنظام هيئة حقوق الإنسان ونظام جمعية حقوق الإنسان كلاهما ينصان على حماية حقوق الإنسان وفقًا للنظام الأساسي للحكم، وتلقي الشكاوى من المواطنين والمؤسسات والمنظمات، كذلك فقد تواصلت جمعية حقوق الإنسان مع الداخلية وقدَّمت بعضَ المقترحات فيما يخصُّ السجونَ والمساجين. أما جمعية حماية المستهلك فهي تهدف حسب نظامها (المادة الخامسة) إلى تلقي الشكاوى المتعلقة بالاحتيال والغش والتدليس والتلاعب في الخدمات والمغالاة في الأسعار، ورفع ذلك للجهات المختصة، وأيضًا مساندة جهود الحكومة المعنية بحماية المستهلك. لكن في الواقع، لم نجد شيئًا من ذلك في نشاطها الحالي في الجائحة أكثر مما ورد في التعقيب الثاني. وكلنا سمع وشاهد ولمس مشكلات الغش ورفع الأسعار والاحتكار التي حدثت أثناء الأشهر الماضية. فما هي الأسباب الحقيقية وراء ذلك؟ هل هو قلة عدد العاملين أو المتطوعين، أم أن الأسباب غير ذلك؟ بالنسبة لهيئة حقوق الإنسان، قد يكون شغلها توجهها عادة نحو الخارج، والمعاهدات الدولية وتحقيقها (وإنْ كان من موادها ما يخصُّ المواطن في مثل هذه الظروف!) فلا بد أن تعود هذه الجهات لأنظمتها – والتي تمَّت الموافقة على الأنشطة والأهداف فيها من قِبل الدولة – وتضع آليات لتحقيقها حتى تكونَ بالفعل ذراعًا للدولة ومساعدًا لها. ويمكن إضافة تساؤل آخر فيما يخصُّ لماذا كان دور بعض الجهات الحقوقية ناقصًا، وهو: هل المواطن لا يعرف حقوقَه، ويعرف أحقيته في الشكوى لهذه الجهات لتساعده؟
وفي تقدير د. يوسف الرشيدي، فإن خطاب خادم الحرمين الشريفين قبل اجتماع مجموعة العشرين الموجَّه للشعب كان بمثابة إعلان أن ما سيتم من إجراءات اقتصادية وصحية وأمنية، كلها ستراعي المواطن والمقيم وسلامتهم مهما كلَّف ذلك. كفالة الدولة العلاج للمواطن والمقيم والمخالف كانت لفتة إنسانية فشلت فيها دول متقدمة حيث نظامها الصحي لا يسمح بعلاج مَن لا يملك تأمينًا، كيف بالمقيم المخالف لقوانين الإقامة، جنبًا إلى جنب مع التشديد على عدم الاستغناء عن العمالة وإلغاء العقود، كما وضعت وزارة الموارد البشرية إجراءات تحول دون الفصل المطلق، وما الحزم الاقتصادية المالية للقطاع الخاص إلا لإعانة الشركات ودعمها للتقليل من الأثر الاقتصادي القائم بسبب أزمة الطلب الناشئة من تقييد الحركة. وفي الوقت نفسه الدعم المالي لمنظمة الصحة العالمية لدعم الدول الأقل حظًّا، ودعم اليمن وتوفير مستلزمات الصحة والحماية لكوادرهم الصحية، وتبرعها للجهود الدولية من خلال مجموعة العشرين بــ ٥٠٠ مليون، كل هذا ما هو إلا تعزيزٌ لدور المملكة الرائد في حفظ الحقوق الإنسانية للبشر.
وأشار أ. لاحم الناصر إلى أن من أولى المبادرات التي قدَّمتها المملكة ممثَّلة في وزارة الموارد البشرية إنشاء الصندوق المجتمعي للتخفيف من آثار أزمة كورونا على الفئات الإنسانية الأشد تضرُّرًا، وكذلك تحمُّل الوزارة كُلفة التوصيل في فترة الحظر الكلي عن المسجلين لديها من مستحقي الضمان عبر التعاقد مع أحد تطبيقات التوصيل للتوصل لهم مجانًا، كذلك فحص العمالة وإيواؤهم في المدارس، وغيرها من المبادرات التي قدَّمتها الحكومة مستقلةً أو بالتعاون مع القطاع الخاص أو القطاع الثالث.
وتساءلت أ. مها عقيل: هل كان الاعتماد على تطبيقات التوصيل والتواصل مناسبةً وكافيةً لمثل هذه الفئات المتضررة؟ وماذا عن المناطق خارج المدن الرئيسية؟ وفي هذا الصدد أوضح أ. لاحم الناصر أن مثل هذه المبادرة لم تكن كافيةً وليست شاملة، لكنها كحل لمشكلة مباغتة تعتبر مبادرةً جيدةً، والتصور أن القرى والأطراف لم يكن الحظر فيها مُشدَّدًا كالمدن الكبرى.
بينما لم يستبعد د. عبد الإله الصالح أن تتطور مبادرة الصندوق المجتمعي والهياكل التنظيمية الطارئة (اللجان المختصة) لتتبلور في صندوق للطوارئ للتمويل وإدارة الطوارئ بحيث يتم تجنيب الحكومة وكوادرها وميزانيتها الصدمات. ويكون الصندوق ذا كوادر هيكلية تزيد من قدراتها ومهارتها خارج وقت الطوارئ، وأثناء الطوارئ يُطبِّق خُططًا شبه جاهزة لزيادة الموارد البشرية والتمويل.
وأكدت د. هناء المسلط على أن فارق النجاح في مواجهة الأزمات يعتمد على السرعة في اتخاذ القرارات، وهو عامل مهم في المواجهة. وتعامل المملكة مع الجائحة كان تعاملًا فوريًّا حسَم جوانب عديدة، وحجَّم من تصاعد الأزمة على مختلف المستويات.
وذكر د. صدقة فاضل أنه أصبح على الدولة التي تريد حقًّا حماية وتنمية قوتها، أن تحرص على تطبيق مبادئ: الحرية والعدالة والمساواة، والديمقراطية (الشورى) والتكافل الاجتماعي أو ما يُسمَّى بـ «المبادئ الخمسة المبـجلة» عالميًّا وإنسانيًّا (Universally – Appreciated). فكلما تمسَّكت الدولة بجوهر هذه المبادئ، زاد احترامها وتقديرها من قِبل الآخرين. والعكس صحيح. وهناك بعض من دول العالم تفتقر إلى احترام وتقدير الآخرين، بسبب خرقها لهذه المبادئ، رغم امتلاكها لقدر كبير (نسبيًّا) من القوة الخشنة، وعناصر القوة الناعمة. وهذا ما يُقلِّل من نفوذها وتأثيرها، ويُسيء لسمعتها. ويجب أن نُوضِّح للعالم أن التزامنا بحقوق الإنسان هو التزام يقتضيه دينُنا، وتقتضيه مصلحتُنا، ويقتضيه وجودُنا. كما أن سعينا لتقوية أنفسنا يقتضي تقوية قوتنا الناعمة عبر تمسُّكنا بقيم ومبادئ حقوق الإنسان.
وعقَّبت د. وفاء طيبة بأنه تطبيقًا للمبادئ التي أوردها د. صدقة في الفقرة السابقة، فإن المملكة قد قامت بتطبيق هذه المعايير في مجال جائحة كورونا؛ فالعدل والمساواة بين المواطن والمقيم بل والمخالف للإقامة في حق العلاج المجاني كان أمرًا إنسانيًّا عادلاً لم نجده في كثير من البلاد، والمساواة في العلاج بين الطفل والشاب والأكبر سنًّا وجدناه، وافتقرت له بعض الدول، وحتى الحرية أساء بعض الغرب استخدامها، واعتبروا الحظر هو تحجيم للحرية التي هي من حقِّه، بينما فهمنا بإسلامنا أن للحرية حدودًا، فالحرية الفردية تنتهي بأي أذى يقع على النفس (نفس الفرد ذاته أو نفس غيره)؛ وبهذا فهمنا أن الحظر المفروض من الدولة هو حقٌّ للفرد بالفعل، وليس عكس ذلك. وحقيقةً، هناك بعض المشكلات التي واجهتها الدولة ولم تكن ملتفتة لها في مجال المساواة والعدل، مثلاً: مشكلة العمالة وسكنها، وهي مشكلة تفاقمت عبر سنوات عدة نتيجة لظلم أصحاب العمل وعدم اعترافهم بحق هذا العامل في أن يحيا حياة كريمة حتى لو كان محتاجًا لما ندفعه له مقابل عمله. تضخَّمت هذه المشكلة وظهر لها أثرٌ سيئ جدًّا في هذه الجائحة بانتشار العدوى بين العمالة بسبب التكدُّس في المساكن، وعدم مراعاة النظافة، وغير ذلك من أسباب. هذه مشكلة عدل واحترام حق، يجب بذل الجهود في سبيل تنظيمها من الآن فصاعدًا. والواقع أن حقوق الإنسان سنجدها قضيةً حاضرةً في كلِّ مشكلة يعاني منها أي مجتمع، ومراعاتها في الداخل حقٌّ من جهة، ومن جهة أخرى أقوى قوة ناعمة يمكن استخدامها لتحسين صورة أي مجتمع أو الحفاظ عليها كما يحب.
من جانبه، يرى د. خالد الفهيد أنه وعلى الرغم من الجهود الرائعة التي قامت بها أجهزة الدولة وأصبحت محطَّ أنظار وإعجاب المنظمات الدولية، إلا أنه لدينا قصورٌ في إبراز هذه الجهود إعلاميًّا على المستوى الدولي بعدد من اللُّغات المختلفة؛ للتعريف بما قامت بها المملكة العربية السعودية لحقوق الإنسان غير السعودي قبل السعودي.
وذكر د. خالد بن دهيش أن الخطاب الملكي الكريم الذي بثَّته وكالة الأنباء السعودية (واس) في ١٩ مارس ٢٠٢٠ تضمَّن تأكيد خادم الحرمين الشريفين على أن جهود المملكة ركَّزت على المحافظة على صحة الإنسان التي وضعتها في طليعة اهتماماتها ومقدمة أولوياتها، وقامت بتوفير ما يلزم المواطن والمقيم في هذه الأرض المباركة للمحافظة على صحتهم وسلامتهم، وتوفير سُبُل العيش الكريم لهم خلال فترة الجائحة التي تسبَّب فيها فيروس كورونا. ولكن من المهم عند إبراز هذه الجهود، التأكيد على مبادئنا والتزاماتنا التي يفرضها علينا ديننا الإسلامي السمح ولا سيما في الاجتماعات والمؤتمرات التي تُعنَى بحقوق الإنسان، والوقوف بقوة ضد هذه الهيئات الرسمية الدولية ومؤسسات المجتمع المدني التي أصبحت أبواقًا صوتية وأدوات سياسية لدعاة حقوق الإنسان لتحقيق أهدافهم العدائية للمملكة، ومحاولاتهم لعلمنة المملكة رغبةً في فصل الدين عن الدولة. وهذه هي الحقيقة التي يجب أن نعيها ونقف لها بالمرصاد، خاصةً وأن المملكة قد وقَّعت على كافة الاتفاقيات الدولية التي تنادي بتطبيق حقوق الإنسان وتناهض التفرقة العنصرية بكافة أشكالها، والتي لا تتعارض مع النصوص الواضحة من القران الكريم.
وتطرَّقت أ. هيلة المكيرش إلى أبرز الجهود التي قام بها مجلس شؤون الأسرة خلال أزمة جائحة كورونا، حيث سعى مجلس شؤون الأسرة إلى التخفيف من الآثار السلبية لآثار الحجر المنزلي على الأسرة، وتعزيز الروابط الاجتماعية من خلال حزمة من المبادرات والبرامج التي تستهدف الوالدين والمربين والمهتمين بالمجال الأسري والاجتماعي على النحو التالي:
- التوجُّه نحو إعداد برنامج “الإرشاد الأسري عن بعد”، وهو تطبيق يُقدِّم خدمة استشارات أسرية للمساهمة في حل التحديات التي تواجه الأسر في ظل جائحة أزمة كورونا، وهو الآن في المرحلة النهائية لإطلاقها.
- عقد سلسلة حوارات نقاشية لأهم المواضيع المرتبطة بالأسرة والمجتمع، تستهدف من خلالها مشاركة الأسرة ودعمها من خلال استضافة خبراء ومختصين في مجال الأسرة والمجتمع، مع التركيز في الوقت الحالي على الحد من الآثار النفسية والاجتماعية لجائحة كورونا.
- مبادرة القواعد الإرشادية (الأسرة أولاً): مبادرة مجتمعية عبارة عن مجموعة من الإرشادات العامة (المتخصصة في مناحي الحياة)، تسهم في تنظيم البرنامج الزمني داخل المنزل للوالدين العاملَينِ اللذين يؤديان عملهما اليومي عن بُعد، ويتضمن تخصيص جزء من وقتهما للجلوس مع أبنائهما واستثماره في توعيتهم وإرشادهم وتثقيفهم وتدريبهم على عدد من المهارات الضرورية؛ لاعتمادهم على خدمة أنفسهم، وتعريفهم بالأدوار والوجبات المنزلية، وإشغالهم بما يُخفِّف على الجميع آثار فترة حظر التجول الاحترازي للوقاية من جائحة فيروس كورونا.
- عقد دورات تدريبية عبر منصة إلكترونية تستهدف الإرشاد الأسري بالتعاون مع مركز الدراسات والاستشارات والتدريب بجامعة الملك عبد العزيز.
- أعدَّ مجلس شؤون الأسرة ممثلًا بلجنة الطفولة بالشراكة مع اليونيسف دليلاً إرشاديًّا حول حماية الأطفال أثناء وباء فيروس كورونا.
وذكرت أ. مها عقيل أن من الأمور السلبية الأخرى التي أظهرتها جائحة كورونا اتهام “الأجانب” بنشر الفيروس وتعنيفهم والتعنصر ضدهم. وعقَّبت د. وفاء طيبة أنه بالنسبة للتعنصر ضد الأجانب ومن واقع مشاهداتها الشخصية -حيث تزامن وجودها في باريس في بداية الجائحة – قبل أن نفهم نحن هنا في السعودية أن المسألة جائحة، أن توجه الإعلام الفرنسي والعامة كان اتهام كل مَن له وجه شرق آسيوي بأنه السبب في كورونا، ويبتعدون عنهم. وأضافت أنها لا تعتقد أننا في المملكة قد فعلنا ذلك، لكن كان هناك توجُّه من بعض الذين يكتبون في تويتر برفض علاج الأجانب والتركيز على علاج السعوديين، وعدم الصرف على الأجانب باعتبار أن الإحصاءات التي كانت تُعلن كانت تُوضِّح أن الأعداد الكبرى هي للأجانب، وأن الدولة تصرف كثيرًا عليهم! عنصرية بوجه آخر، وأيضًا عدم تفهُّم للوضع بشكل عام. فالعمالة نحن استقدمناهم، ونحن حدَّدنا النوعية أو العينة، ونحن في كثير من الأحيان تسبَّبنا في تزايد العدوى بينهم بسبب المساكن غير اللائقة والخارجة أو غير المتفقة مع حقوق الإنسان، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى فالفيروس لا يعترف بجنسية، وجوده في المقيمين في بلد ما يعني انتشاره بين أهل ذلك البلد أيضًا؛ ولذا جاء تصرُّف الدولة السعودية في مكانه يتفق مع التوجيهات الشرعية الإسلامية، ويتفق مع مواثيق حقوق الإنسان، فحقُّ الصحة للجميع، وهم مقيمون بيننا يؤدون أدوارًا مهمة، وضعهم نحن كمؤسسات أو قطاع خاص كان لنا دورٌ ليس بقليل فيه.
وأضاف د. حمد البريثن أن الغريب أن بعض هؤلاء الناس – الرافضين لعلاج الأجانب – يرفضون التصرفات العنصرية ضدهم في أي مكان، وفي نفس سياق الحديث يتكلمون عن الأجانب أو المخالفين لنظام الإقامة على أنهم لا يستحقون المعاملة كبشر.
وأوضحت د. عائشة الأحمدي أن نظريات علماء الاجتماع التي تبلورت في الأصل في المجتمعات الغربية، وبالأخص فرنسا، تشير إلى أن جميع المجتمعات متوشحة بالعنصرية، وإنْ اختلفت في حدة المواقف؛ لأن قبولها في شرائح المجتمع وطبقاته تختلف بين مجتمع وآخر.
ومن ناحيتها، ذكرت د. الجازي الشبيكي أنه لا شك في أن مبادئ ونهج حقوق الإنسان أصل ثابت في سياسة المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها؛ لأنَّ الله حباها بنعمتين عظيمتين؛ نعمة الارتكاز على تعاليم الإسلام العظيمة الذي جعلته دستورًا لها، ونعمة مظلة قيادة حكيمة انتهجت منذ تأسيسها الحرص على كرامة الإنسان والحفاظ على حقوقه وجَعْل ذلك أولوية من أولوياتها مع تعاقب العقود الزمنية وتوارث الحكم بين ملوكها. وفيما يخصُّ جائحة كورونا وحقوق الإنسان، وبالاطلاع على ما أوصت به أو طالبت به (منظمة مراقبة حقوق الإنسان Human Right Watch) (مع التحفُّظ على هذه المنظمة وغيرها من المنظمات المُسيَّسة)، وما قدَّمته من إرشادات تتمثل في 40 سؤالًا للحكومات؛ للتأكُّد من الإجراءات التي تمَّ اتخاذها في التصدي للأزمة وخاصة للفئات الأكثر عُرضة للخطر، مثل: الفقراء والأقليات وذوي الإعاقة وكبار السن والمهاجرين واللاجئين وغيرهم؛ يتبين أن المملكة العربية السعودية قد قدَّمت ما هو أكثر وأفضل وأعظم مما طالبت به هذه المنظمة في توصيات وإرشادات، وانعكس ذلك إيجابًا في تقدير المواطنين والمقيمين، وتقدير عدد من المنظمات العالمية ومنها منظمة الصحة العالمية. إضافةً إلى الدعم المادي الكبير على المستوى الدولي الذي قدَّمته المملكة لمكافحة هذه الجائحة.
بينما وفي اعتقاد م. إبراهيم ناظر، فإن أعظم موقف للمملكة لحقوق الإنسان خلال أزمة كورونا على المستوى العالمي هو دعوتها لمجموعة العشرين لقمة استثنائية افتراضية وما نتج عنه من بيان وإعلان الرياض الذي لا يقلُّ أهميةً عن إعلان باريس لحقوق الإنسان ديسمبر عام ١٩٤٨، والذي لا تنفك فرنسا تتفاخر وتذكِّر به في كل مناسبة. وإعلان الرياض أحدث نقلةً في شرعة حقوق الإنسان ولا سيما الصحية، وقد نصَّ بكل وضوح على ذلك حيث جاء في البيان: “نحن عازمون على بذل قصارى جهدنا، فرديًّا وجماعيًّا من أجل: حماية الأرواح، والحفاظ على وظائف الأفراد ومداخيلهم، واستعادة الثقة، وحفظ الاستقرار المالي، وإنعاش النمو ودعم وتيرة التعافي القوي، وتقليل الاضطرابات التي تواجه التجارة وسلاسل الإمداد العالمية، وتقديم المساعدة لجميع الدول التي بحاجة للمساندة، وتنسيق الإجراءات المتعلقة بالصحة العامة والتدابير المالية”. وفيما يتعلق بمكافحة جائحة كورونا، فقد نصَّ على ما يلي: “نلتزم باتخاذ كافة الإجراءات الصحية اللازمة، وسنعمل على ضمان التمويل الملائم لاحتواء الجائحة وحماية الأفراد، وخصوصًا مَن هم أكثر عُرضةً للخطر. وسوف نُشارك المعلومات بصورة آنية وشفافة، ونتبادل البيانات المتعلقة بعلم الأوبئة والبيانات السريرية، ومشاركة المواد اللازمة لإجراء البحوث والتطوير، وتعزيز الأنظمة الصحية العالمية، ويشمل ذلك دعم التطبيق الكامل للوائح الصحية الدولية لعام 2005م الخاصة بمنظمة الصحة العالمية. وسوف نُوسِّع القدرات الإنتاجية لتلبية الطلب المتزايد على الإمدادات الطبية، وضمان إتاحتها على مدى واسع وبأسعار ميسورة، وبما يقوم على مبدأ الإنصاف في المناطق التي تكون بأشد حاجة لها وبأسرع ما يمكن. كما نُشدِّد على أهمية التواصل العام المسؤول خلال هذه الأزمة الصحية العالمية. ونُكلِّف وزراء الصحة لدولنا بالاجتماع حسب ما تقتضيه الحاجة، ومشاركة أفضل الممارسات الوطنية، وإعداد حزمة من الإجراءات العاجلة حول تنسيق الجهود لمكافحة الجائحة بحلول اجتماعهم الوزاري في شهر إبريل. ونُقدِّم دعمنا الكامل لمنظمة الصحة العالمية، ونعقد التزامنا بتعزيز إطار الصلاحيات المخولة لها بتنسيق الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة الجائحة، ويشمل ذلك حماية العاملين في الصفوف الأمامية في المجال الصحي، وتقديم المؤن الطبية، وخصوصًا الأدوات التشخيصية والعلاجات والأدوية واللقاحات، ونُدرك الحاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة قصيرة المدى لتكثيف الجهود العالمية في مواجهة أزمة فيروس كورونا (كوفيد-19). وسوف نعمل معًا بشكل عاجل وبالتعاون مع الجهات المعنية لسد فجوة التمويل في الخطة الإستراتيجية للتأهب والاستجابة التابعة لمنظمة الصحة العالمية. كما نلتزم أيضًا بتقديم موارد فورية لصندوق الاستجابة لجائحة (كوفيد-19) التابع لمنظمة الصحة العالمية، وللتحالف من أجل ابتكارات التأهب للوباء، وللتحالف العالمي للقاحات والتحصين، بصفة طوعية. وندعو جميع الدول والمنظمات الدولية، والقطاع الخاص، والمؤسسات الخيرية، والأفراد إلى الإسهام في هذه الجهود. ولحماية المستقبل، فإننا نلتزم بتقوية القدرات الوطنية والإقليمية والدولية للاستجابة للتفشي المحتمل للأمراض المعدية من خلال رفع الإنفاق الخاص بجاهزية مواجهة الأوبئة؛ وذلك لرفع مستوى الحماية للجميع، وخصوصًا المجموعات الأكثر عُرضةً للمخاطر التي تتأثر بالأمراض المعدية بمعدلات أكبر. ونلتزم أيضًا بالعمل معًا على زيادة التمويل للبحث والتطوير في مجال اللقاحات والأدوية، والاستفادة من التقنيات الرقمية، وتعزيز إطار التعاون الدولي العلمي. وسنُعزِّز مستوى التنسيق بيننا، بما في ذلك مع القطاع الخاص، في سبيل تطوير وتصنيع وتوزيع الأدوات التشخيصية، والأدوية المضادة للفيروسات واللقاحات بأسرع وقت، مع الالتزام بأهداف الفعالية والسلامة والإنصاف والحصول والتكلفة الميسورة. ونطلب من منظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع المنظمات المعنية، بتقييم الفجوات المتعلقة بالتأهب لمواجهة الجوائح، ورفع تقريرها للاجتماع المشترك لوزراء المالية ووزراء الصحة الذي سيُعقد خلال الأشهر المقبلة؛ وذلك بغية تأسيس مبادرة عالمية حول التأهُّب والاستجابة لمواجهة الجوائح. وسوف تُبنى هذه المبادرة على البرامج الحالية لمواءمة الأولويات المتعلقة بالتأهب العالمي والعمل كمنصة عالمية فاعلة ومستدامة للتمويل والتنسيق، لتسريع عملية تطوير وإيصال اللقاحات والأدوات التشخيصية والعلاجات”.
ويرى د. عبد الإله الصالح أن دعوة المملكة لاجتماع مجموعة العشرين والبيان الصادر عن القمة، يتوج الجدية التي تأخذ بها شرعة حقوق الإنسان في الداخل والخارج. والجدية تحتم الحصافة والرزانة؛ ولذلك يُلاحظ ما في البيان أعلاه التركيز على عناصر حقوق الإنسان التي هي الأولوية للإنسان بشكل عام؛ كونيًّا وإقليميًّا.
وأضافت د. وفاء طيبة أنه أيضًا تمَّ استحداث مجموعة عمل ضمن T20 إضافية، للعمل على COVID-19، وهذه أيضًا خطوة جيدة قد تكون نتيجة اجتماع القمة الذي دعا له خادم الحرمين الشريفين، والمجموعة تعمل بجد وكأنها من مجموعات العمل المقررة منذ البداية، والمأمول أن يصدر عنها ما يزيدنا فخرًا بمواقف المملكة في هذه الجائحة، من تطبيق أو مساهمات لتحقيق البيان الصادر عن المجموعة.
- حقوق الإنسان الاقتصادية ومواقف المملكة خلال جائحة كورونا:
أشارت أ. فائزة العجروش إلى أنه من خلال مناقشة ما جاءت به الفقرة الأولى من المادة الخامسة والعشرين من مدونة حقوق الإنسان، والتي تنصُّ على أنه ” لكلِّ شخص الحق في مستوى من المعيشة كافٍ للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته. ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية، وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة. وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة، وغير ذلك من فقدان وسائل العيش، نتيجة لظروف خارجة عن إرادته”. ولو افترضنا، لغرض الاستطلاع هنا فقط، أن هذا الحق الذي جاءت به المادة أعلاه حقٌّ أساسي بصفته متعلقًا بحياة الفرد نفسه، وباقي الحقوق متفرعة منه. وهذا هو الحق الأساسي الذي راعته المملكة (توفير العناية الطبية على نحو مشرف وعادل للمواطن والمقيم على حد سواء)، بوصفه مُهدِّدًا لحياة الإنسان. وكما يقول المثل الخليجي: “لي سلم العود الحال مردود”، والعود جسم الإنسان. لكن ماذا لو تكلَّمنا عن جانب آخر من الجوانب المهمة لهذا الحق الأساسي، وهو حق الإنسان الاقتصادي في إنقاذ مؤسسته من الإفلاس، وتجارته من الكساد، ووظيفته من التسريح، وراتبه من الخصم، بعد أن أوقفت الدولة العديد من الأنشطة الاقتصادية وفاجأت ذوي الدخل المحدود والقطاعات الصغيرة، ولم يستطيعوا تحمُّل كل هذه التبعات.
وعند النظر لما قامت به المملكة من جهود وما اتخذته من قرارات، نجدها تعَدُّ من أفضل الدول إجراءات في تداعيات مكافحة فيروس كورونا الاقتصادية. حيث أبدت اهتمامها الكامل بضمان تلك الحقوق الإنسانية للفئات المتضررة من الوباء، من خلال الحرص على ما يلي:
- دعم الاقتصاد السعودي والمؤسسات الصغيرة، والأفراد وأسرهم، وتحقيق الأمن الوظيفي لهم، والحفاظ على صحة وسلامة المواطن والمقيم، وتحمُّل تكاليف صحتهم في الحجر الصحي، والأدوية والتحاليل والأجهزة، والكوادر الطبية والوقائية، والترتيبات الأمنية للحجر، وحظر التجوُّل.
- تطبيق خطة متوازنة بين إعادة فتح الأنشطة الاقتصادية تدريجيًّا والمحافظة على استقرار الأوضاع الصحية والاجتماعية، بعد تنسيق مستمر بين وزارة الصحة والجهات المعنية.
- أن يكون من الاعتبارات في خطة إعادة فتح الاقتصاد إعطاء الأولوية للأنشطة الضرورية اللازمة لتوفير السلع والخدمات الأساسية، واتخاذ كافة الاحتياطات والإجراءات الوقائية لمنع تفشي الفيروس داخل أماكن العمل، مع التأكيد على العودة بحذر.
- متابعة التجارة الدولية في التعامل مع المرحلة الحالية مع التنسيق المستمر في مجموعة العشرين.
- دراسة وتعقُّب جميع المبادرات والمحفِّزات فورَ تنفيذها من قِبل وزارة المالية؛ لمحاولة قياس الأثر، حيث لمست انعكاسات إيجابية سريعة، من بينها – على سبيل المثال- تأجيل الإقرارات الزكوية التي استفادت منها 164 ألف منشأة حصلت على شهادة الزكاة، لتتمكن من استمرار أعمالها. كما استفاد ما يزيد على 250 ألف منشأة من تأجيل الضرائب، وشملت حزمة الـ50 مليار ريال المعلنة قبل أسابيع سداد مستحقات القطاع الخاص.
- أن تعقد اللجنة العليا لمعالجة تحديات الأزمات بقيادة ولي العهد- حفظه الله- اجتماعاتها بصفة يومية لمراجعة المبادرات والقرارات والإجراءات المطبَّقة، والتأكد من تأثيراتها في خِضمِّ التداعيات الحالية، وأن فرق العمل المنضوية تحت اللجنة للتعامل مع الأزمة تواصل العمل على مدار الساعة لمراقبة الأوضاع والرفع بكل المستجدات ذات العلاقة، للقيام بما يجب حيالها من حلول.
- إعلان الحكومة عن إجراءات إضافية – هذا ما كشفه وزير المالية ووزير الاقتصاد والتخطيط المكلَّف – لدعم الاقتصاد، في حين تعكف الوزارة حاليًّا على مزيد من الجهود لتوجيه الإنفاق الحكومي للنفقات بحيث يكون التوجيه للجهات الأكثر تضررًا لصالح المواطن وتوظيف الكوادر الوطنية، وأن الترشيد سيطال النفقات الأقل تأثيرًا كالانتدابات والسفر والفعاليات.
- أن تكون المتابعة جاريةً بكثافة مع مركز تحقيق كفاءة الإنفاق، للعمل على إجراءات إضافية يمكن استخدامها في مواجهة تداعيات أزمة كورونا التي أدَّت إلى إعاقة النشاط الاقتصادي، إذ يجري حاليًّا – على سيبل المثال – دراسة التنازل الجزئي عن الإيجارات الحكومية لصالح المستفيدين من القطاع الخاص.
- ما تؤكده الحكومة من استمرارها في الالتزام بحماية القطاع الصحي، ودعم منظومة الحماية الاجتماعية كي لا يتأثر المواطن.
إن واقع الأزمة الحالي يضع المملكة في موقعٍ مشابهٍ لبلدان كثيرة في المنطقة، ويبدو أن تأثيرات هذا الوباء في كلٍّ من الصحة العامة والاقتصاد ستكون واسعة النطاق، ولن يكون التعافي سريعًا على الأرجح. وهذه بعض التوصيات استعدادًا لتحديات لاحقة مرتقبة:
- لا بد من متابعة حالة المنشآت الصغيرة والمتوسطة من كثب، والتأكد من وصول برامج التحفيز لها بطريقة تساعدها على النهوض والعودة مجددًا للسوق السعودية، بعد أن نجحت الدولة في معالجة إشكالية الرواتب في تلك المنشآت.
- الخوف من أن تتحول برامج دعم القطاع الخاص إلى زيادة تكاليف، من خلال إعادة التمويل، وتوسيع سقف الدين؛ فلا تزال المنشآت الصغيرة تعاني من الوصول للاستفادة من برامج التحفيز.
- توثيق أبرز الإشكالات القانونية الناشئة عن جائحة فيروس كورونا على الاقتصاد، ورَصْد ملامحها وتتبُّع آثارها على العلاقات القانونية بوجه عام والتعاقدية بشكل خاص؛ الأمر الذي أدَّى لاستحالة تنفيذ بعض المؤسسات الصناعية والتجارية لبعض التزاماتها القانونية، وهو ما ينذر بأزمة اقتصادية تُهدِّد مسيرتها، وقد تؤدي بها إلى الإفلاس، واقتراح الحلول المناسبة لمعالجتها.
وتساءلت أ. مها عقيل: هل حقَّقت السعودية التوازنَ المطلوبَ في تعاملها مع الجائحة وفي كل القرارات التي اتخذت، وما هي الدروس المستفادة؟ وبدورها أوضحت أ. فائزة العجروش أنه في الوقت الذي لم يتم فيه بعدُ، تطوير علاج ناجع أو لقاح ضد فيروس كورونا، اتخذت المملكة قرارَها بالعودة التدريجية والمشروطة للحياة الطبيعية بفعل التأثير السلبي المتفاقم، الذي تركته حالة الحظر الكامل والجزئي، وبعد ما تكبَّدته شركات القطاع الخاص من خسائرَ اقتصادية فادحة بفعل هذه الأزمة، لكن وفق محاذير شديدة وتدابير صارمة فيما يتعلق بشروط التجمُّع والاختلاط، وبعد توعية الشعب بأنه أصبح التعايش مع هذا الفيروس واقعًا محتومًا، واتخذت الدولة قرارها المتوازن هذا بعد أن تأكَّدت من جاهزية القطاع الصحي فيما يخصُّ كفاية غُرف العناية الحرجة، وتوفُّر أجهزة التنفس الصناعية، وساعدت على تسويق القدرةَ الاستيعابية للمصانع لمضاعفة إنتاجها من الألبسة الوقائية والكمامات والمعقمات الكحولية وكل ما يلزم الطاقم الطبي لأداء مهامهم بأمان، وكل ما يلزم الشعب من ضمان عدم تفشي الفيروس بينهم. مع التأكيد أيضًا على الاستمرار في الحفاظ على التباعُد الاجتماعي، وعدم حضور جميع الموظفين والعاملين في أماكن العمل. وبصفة عامة، فقد نجحت المملكة نجاحًا كبيرًا في تحقيق التوازن بين الجانبين الصحي والاقتصادي، وكانت العودة مدروسةً بعناية مع التأمين الاحترازي المشدد. ويعَدُّ من أهم الدروس المستفادة بإيجاز ما يلي:
- العمل على الاكتفاء الذاتي في الصناعة.
- إعادة هيكلة النظام الصحي.
- عدم الركون لاتخاذ قرارات “مسكنة” للأزمات، والعمل على تقويم الأنظمة الحكومية، والتأكد من مدى فاعلية خطط الطوارئ البديلة لديها.
- أثبتت الأزمة بما لا يدع مجالًا للشك أن مسائل مثل البحث العلمي والرقمنة أصبحت مسائل أساسية في مستقبل المملكة، وهو أمر لا بد أن تأخذه الدولة في الاعتبار، وأن تُسرع في وضع خطة إستراتيجية للتوسُّع في هذه المجالات.
أما د. مها العيدان فترى أنه لا بد من الاستفادة من الإجراءات التي اتخذتها المملكة وما أفضت إليه من نتائجَ سواء كانت إيجابيةً أو سلبية في مواجهة انتشار المرض، ووضع تصوُّر مستقبلي في مواجهة أي مشكلة من خلال وضع ملف في كيفية إدارة الأزمات. وفي هذه الأزمة، يجب على المملكة إعادة الثغرات التي ظهرت على السطح وحلها، مثل:
- العمالة المتخلفة التي ما زالت تُمثِّل مشكلة اقتصادية واجتماعية بالرغم من الإجراءات المتواصلة في حلها.
- معرفة أوجه النقص التي تعاني منها المراكز الصحية خاصة، وغرف العناية المشددة في جميع مدن المملكة.
كما ناقش الملتقى الأفكار التالية:
- رصد كل ما يُكتب عن المملكة إيجابًا وسلبًا في مجال حقوق الإنسان، وتخصيص كفاءات وطنية ترد وتوضح وتعقد اللقاءات لتدعيم الإيجابيات وتفنيد الأكاذيب والمزاعم غير الصحيحة بأسلوب يناسب ويلائم اهتمامات وعقليات وتفكير كل بلد من تلك البلاد على حدة، والبعد عن النمط الموحد للردود أو مخاطبة غيرنا كأننا نخاطب أنفسنا.
- وَضْع ملف في كيفية إدارة الأزمات، ووضع خطط طوارئ، والاستفادة من نتائج إجراءات المملكة سواء كانت إيجابية أو سلبية في مواجهة انتشار المرض، ووضع تصور مستقبلي في مواجهة أي مشكلة. ومن الثغرات التي ظهرت على السطح ويجب حلها: العمالة المتخلفة، وأوجه النقص في المراكز الصحية وخاصة غرف العناية في جميع مدن المملكة، والنظر في إعادة هيكلة النظام الصحي.
- الانخراط بشكل قوي ومهني وعملي في المنظمات الدولية المهمة، مثل: مجلس حقوق الإنسان، ومنظمة الصحة العالمية وغيرها؛ لنتمكن من المساهمة والتعديل وتقديم المقترحات في صياغة البنود والقرارات والتقارير.
- التركيز والاهتمام بشكل مستدام على التسويق لصورة المملكة وواقع تطورها وإصلاحاتها في مجال حقوق الإنسان، واستثمار جميع القوى المعينة على ذلك بما فيها القوى الناعمة والجوانب الإنسانية وغيرها.
- تفعيل دور مجلس الشورى في مخاطبة البرلمانات العالمية، والتنسيق القريب مع المؤسسات ذات العلاقة داخليًّا (حقوق الإنسان ووزارة الخارجية).
- التوصيات:
- وضع إستراتيجية إعلامية تبدأ في وزارة الخارجية مع الإعلام، وتساهم فيها هيئة حقوق الإنسان وغيرها من المؤسسات الحقوقية؛ لتعديل الصورة السلبية بطريقة مناسبة وقوية وتتفق مع الأساليب العلمية في تقديم ذلك، والاستعانة بمتخصصين في علم النفس والاجتماع لهذا الغرض.
- المعلومة قوة، ويجب توحيد الجهود بمركز متخصص ليجمع البيانات والإحصائيات، بما يخدم سياسة بلادنا ومواقفها ويخدم حلفاءنا.
- وضع خطة إستراتيجية للتوسُّع في مجال البحث العلمي والرقمنة.
- إجراء دراسات استطلاعية عن رأي المقيمين حول العنصرية في المملكة ومدى حصولهم على حقوقهم والرعاية خلال الجائحة، ولنسمع أصواتهم ومعرفة معاناتهم، وربما تكون عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ لنحصل على أرقام نُقدِّمها من خلال الإعلام للغرب.
- متابعة حالة المنشآت الصغيرة والمتوسطة من كثب، والتأكد من وصول برامج التحفيز لهم بطريقة تساعدها على النهوض والعودة مجدَّدًا للسوق السعودية، بعد أن نجحت الدولة في معالجة إشكالية الرواتب في تلك المنشآت.
- توثيق أبرز الإشكالات القانونية الناشئة عن جائحة فيروس كورونا، ورصد ملامحها وتتبُّع آثارها على العلاقات القانونية بوجه عام، والتعاقدية بشكل خاص.
- إعداد تقرير حقوقي من قِبل هيئة حقوق الإنسان يوثق جميع الإجراءات التي قامت بها المملكة في أزمة كورونا.
- إصدار بيان لحقوق الإنسان بطابع دولي من منظمة التعاون الإسلامي، تتبنَّاه السعودية لخدمة البشرية جمعاء (يُسمَّى إعلان الرياض لحقوق الإنسان)، مع السعي لضمِّه إلى نظام حقوق الإنسان العالمي، ويشمل الأطر التنظيمية لمواجهة الجوائح الحالية والمستقبلية. وأن تقوم المملكة منفردة أو مع منظمة التعاون الإسلامي بتهيئة المجتمع الدولي لحشد التأييد للإعلان.
- إنشاء صندوق للطوارئ للتمويل وإدارة الطوارئ، ويكون ذا كوادر هيكلية تزيد من قدرات الحكومة ومهاراتها خارج وقت الطوارئ، وأثناء الطوارئ يُطبِّق خُططًا جاهزةً لزيادة الموارد البشرية والتمويل.
(*) مساعد أمين محافظة جدة للتخطيط الحضري والمحلي، ومساعد أمين جدة للتخطيط الإستراتيجي سابقًا، ونائب الرئيس التنفيذي لشركة جدة للتطوير والتجديد الحضري، وعضو مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة شمائل للتطوير العقاري.
المشاركون في مناقشات هذا التقرير:
- قضية “العشــوائيات”:
- م. إبراهيم ناظر
- د. حمد البريثن
- م. خالد العثمان
- د. خالد الفهيد
- د. رياض نجم
- أ. زيد الشبانات
- م. سالم المري
- د. سعيد العمودي
- د. صدقة فاضل
- أ. عاصم العيسى
- د. عبد الإله الصالح
- د. عبد الله صالح الحمود
- د. عبير برهمين
- أ. فائزة العجروش
- م. فاضل القرني
- د. فايزة الحربي
- أ. فهد الأحمري
- أ. لاحم الناصر
- أ. محمد الدندني
- د. مساعد المحيا
- أ. مها عقيل
- د. مها العيدان
- د. وفاء طيبة
- د. هناء المسلط
- د. هند الخليفة
- أ. هيلة المكيرش
- قضية “الغش التجاري ومدى كفاية العقوبات المُطبَّقة عليه”:
- م. إبراهيم ناظر
- م. أسامة الكردي
- د. حامد الشراري
- د. حميد الشايجي
- د. خالد بن دهيش
- د. خالد الرديعان
- م. خالد العثمان
- د. خالد الفهيد
- أ. عاصم العيسى
- أ. عبد الرحمن باسلم
- د. عبد العزيز الحرقان
- د. عبد الله صالح الحمود
- أ. عبد الله الضويحي
- د. علي الطخيس
- أ. فائزة العجروش
- د. فايزة الحربي
- أ. فهد الأحمري
- د. مساعد المحيا
- أ. محمد الدندني
- قضية “عقود تمويل الإسكان المدعوم”:
- م. خالد العثمان
- د. عائشة الأحمدي
- أ. محمد الدندني
- د. منصور المطيري
- د. خالد الرديعان
- م. فاضل القرني
- م. إبراهيم ناظر
- د. فوزية البكر
- أ. فائزة العجروش
- د. حمد البريثن
- د. حميد الشايجي
- د. عبد الله صالح الحمود
- د. عبد الإله الصالح
- أ. عبد الرحمن باسلم
- قضية “حقوق الإنسان ومواقف المملكة خلال أزمة كورونا”:
- د. هناء المسلط
- د. صدقة فاضل
- د. يوسف الرشيدي
- أ. فائزة العجروش
- د. خالد الفهيد
- م. فاضل القرني
- أ. محمد الدندني
- أ. منى أبو سليمان
- م. إبراهيم ناظر
- د. مها العيدان
- أ. هيلة المكيرش
- د. خالد بن دهيش
- د. حمد البريثن
- د. عائشة الأحمدي
- د. الجازي الشبيكي
- د. زياد الدريس