ملتقى أسبار: التقرير الشهري رقم (65) لشهر يوليو 2020

لتحميل التقرير اضغط هنا


يوليو 2020

 

تمهيد:

  • يعرض هذا التقريرُ عددًا من الموضوعات المهمة التي تمَّ طرحُها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر يوليو 2020م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثرَوا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة حول القضايا التالية:
  • مُعضِلة التسويق الزراعي.
  • البحث العلمي والدور الصحي غير العلاجي.
  • نظام الشركات المُقترَح: مرئيات ورؤى.
  • ملامح عن نظام المحاكم التجارية.

القضية الأولى

مُعضِلة التسويق الزراعي

(5/7/2020م)

 

  • الورقة الرئيسة: د. خالد الفهيد
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: م. أسامة كردي
  • التعقيب الثاني: د. ناصر القعود
  • إدارة الحوار: د. يوسف الرشيدي

  

  • الملخص التنفيذي:

ناقش د. خالد الفهيد في الورقة الرئيسة مشاكل التسويق التي يعيشها القطاع الزراعي في المملكة بشكل عام، مع تركيزه على الإنتاج النباتي من القطاع كونه الأكثر تأثُّرًا، مع تسليط الضوء على صغار المزارعين كونهم يعتمدون على هذا النشاط، وهم بلا شك أبرز اللاعبين فيه كمنتجين.

وحدَّد د. خالد مجموعة من السمات لهذا القطاع كان لها أثرٌ مباشرٌ في المشاكل التسويقية التي يعاني منها المزارعون، وهي: التكاليف الثابتة المرتفعة، موسمية الإنتاج الزراعي وما يصاحبه من تقلبات في الأسعار، سرعة تلف المنتجات، التأثُّر السريع بالأوبئة والظروف الجوية.

كما تطرَّق د. خالد إلي مشكلة كون المزارعون ما زالوا يتبعون المفهومَ التقليدي للتسويق مُتجاهِلين المفهومَ الجديدَ للتسويق الذي يبدأ بالإجابة عن تساؤلات كثيرة هي كفيلة بجَعْلهم أكثر تنافسيةً في السوق. كما عرض د. خالد للتطوُّر الزراعي في المملكة ودعم الدولة وحثِّها المستمر على استخدام التقنية في الإنتاج، ومع ذلك لم يصاحِب هذا التطوُّرَ في آليات الإنتاج تطوُّرٌ في التسويق مع وجود ضعف واضح في سلاسل الإمداد بين المزارع والمستهلكين.

وذكر الكاتب عددًا من المعوقات التي تُسبِّب انخفاضَ كفاءة التسويق لا سيما تلك المتعلقة بضعف البنى التحتية في الأسواق المركزية الزراعية، وعدم توافر معلومات عن الأسواق، وعدم وجود آلية تنظيم لمنافذ البيع، وعدم وجود استثمار حقيقي في سلاسل إمداد المنتجات الزراعية، وقصور كفاءة الأنظمة التسويقية وسلاسل الإمداد.

واختُتِمت الورقة الرئيسة بتوصيات ركَّزت في معظمها على تفعيل وتعزيز جهود صندوق التنمية الزراعي لتشجيع الاستثمار في القطاع الزراعي؛ لإيجاد كيانات متفاوتة في الحجم متكاملة في الجهود، للحصول على قطاع أكثر جاذبيةً وإنتاجيةً. مع ضرورة تفعيل دور الجمعيات التعاونية لتطوير القطاع بشكل أفضل تسويقيًّا، مع أهمية تبنِّي التسويق الرقمي بشكل أوسع في تسويق بعض المنتجات التي يمكن نَقْلُها وشحنها.

وركَّز م. أسامة كردي في التعقيب الأول على العوامل التي تؤثر بشكل مباشر على تسويق منتجات المزارع الصغيرة والمتوسطة، وذكر منها: سعودة القطاع لما له من أهمية في أمننا الغذائي، وعدم توافر منافذ بيع كثيرة منتشرة على الرغم من أهمية توفيرها للمزارعين في كل مكان لزيادة البيع وتقليل نسب العمولات التي يتم دفعها في منافذ البيع الكبرى، وتفعيل الرقابة والمتابعة لضمان جودة المنتجات ونظافتها، وتقليل حالات الغش للحصول على سوق مميَّز.

كما تطرَّق م. أسامة في تعقيبه إلى أنه لا يتفق مع إنشاء شركة وطنية تتولى التسويق الزراعي؛ كونها مُكلِّفة والصغار من المزارعين لا يهتمون بخدماتها، والكبار في غير حاجة لها.

من جانبه اهتم د. ناصر القعود في التعقيب الثاني بضرورة قراءة تجربة شركة التسويق الزراعي المساهمة الفاشلة؛ لتفادي الأخطاء، وإيجاد حلول أكثر ملاءمةً للوضع الحالي، لتعزيز الجهود في خَلْق منظومة تعاونية فيما بين المزارعين والأسواق المركزية لزيادة المبيعات، وبطبيعة الحال تطوير جودة المنتجات.

أيضًا، فقد تمَّ التركيز في هذا السياق على ضرورة تفعيل دور الجمعيات التعاونية لتسهيل تسويق منتجات المزارع والحيازات الصغيرة، وخفض تكاليفها الثابتة والمتغيرة من خلال المشاركة في المعدات والآلات الزراعية والشراء المشترك للأسمدة والبذور.

وتضمَّنت المداخلات حول القضية المحورين التاليين:

  • الإشكاليات المرتبطة بالتسويق الزراعي.
  • وسائل تطوير التسويق الزراعي وتذليل العقبات أمامه.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • ضرورة تضافُر الجهود بين الجهات المعنية بالقطاع الزراعي والاستثمار لتحسين بيئة العمل والسوق من النواحي التنظيمية والقانونية والاستثمارية، وحماية المزارع في كافة مناطق المملكة، مع المساعدة في تحديد الفرص الاستثمارية المتاحة لكلٍّ من المستثمرين والمزارعين على اختلاف أحجامهم.
  • تفعيل دور الجمعيات التعاونية الزراعية لاستقطاب المزارعين، وتفعيل العمل التعاوني لتطوير القطاع وخاصة ما يُعنَى بالجانب التسويقي والسيطرة على الأسواق ومنع الاحتكار لأي فئة.

 

  • الورقة الرئيسة: د. خالد الفهيد

تتعدد وتتنوع أنشطة القطاع الزراعي ومدخلاته ومخرجاته؛ فمنها: الإنتاج النباتي بمختلف محاصيله من الخضار والفاكهة، والثروة الحيوانية ومنها الماشية الحية ومشتقاتها والدواجن ومشتقاتها والألبان ومشتقاتها، والعسل، والأسماك ومشتقاتها.

وكل منتج من هذه المنتجات له آلية تسويق مختلفة، تختلف حسب طبيعة المنتج، إلا أن أكثرها تأثُّرًا بمشكلات التسويق الزراعي الإنتاج النباتي. ويتأثر به صغار المزارعين لاعتمادهم بشكل أساسي في دخولهم على إنتاج هذا النشاط أكثر من كبارهم أو الشركات الزراعيّة. والقطاع الزراعي بدوره يتسم بعددٍ من السمات ينفرد بها عن الأنشطة الإنتاجية الأخرى، ساهمت في تكون مُعضِلة التسويق الزراعي، من أهمها:

  • ارتفاع التكاليف الثابتة المتمثِّلة في الأجهزة والأدوات والمباني والعمالة والآبار وغيرها؛ لانخفاض كفاءة استخدامها لتوقفها فترات زمنية متفاوتة.
  • موسمية الإنتاج الزراعي وما يصاحبه من تقلبات حادة في أسعار منتجاته، وانخفاض في إنتاجية العمالة.
  • سرعة تلف المنتجات الزراعية خاصة النباتية منها؛ مما يزيد التكاليف.
  • التأثُّر الشديد بالظروف الجوية (خاصة في الزراعة التقليدية).
  • تعرُّض المزروعات والثروة الحيوانية للآفات والأوبئة؛ مما يُسبِّب خسائر.

وللأسف، فإن غالبية المنتجين العاملين في القطاع الزراعي لديهم المفهوم التقليدي للتسويق الزراعي الذي يعتمد أساسًا على إنتاج المنتج، ثم القيام بالترويج والبيع. وسريان هذا المفهوم يُضعِف الشقَّ التسويقيَّ في عملية إنتاج وتسويق المنتجات الزراعية.

في حين أن المفهوم الحديث للتسويق الزراعي يتمثل في الإجابة عن تساؤلات من المفترض أن يطرحها المزارع على نفسه قبل بدء الزراعة:

  • أهمية تحديد نوع المحصول وتوقيت زراعته (ماذا أزرع، ومتى؟).
  • مَن هو المستهلِك؟ وما مدى حجم المنافسة في زراعة هذا المحصول؟
  • الوقت المناسب للتسويق (متى يتم التسويق؟).

وتتطلب الإجابة عن هذه التساؤلات توافر معلومات سريعة عن مناطق الفائض والعجز في الأسواق المركزية في مناطق المملكة بشكل منتظم وسريع خلال فترات السنة، إلا أنها حاليًّا وللأسف غير متوفرة أو يصعب الوصول إليها أو أن ثمة عدم قناعة من جانب بعض المزارعين بهذا التوجُّه. ويترتب على هذا محدودية أو غياب ثقافة التسويق الزراعي لدى غالبية المزارعين، والذين يبنون آمالَهم على مقولة: “طيب السوق ولا طيب البضاعة”؛ أي في حال صادف انخفاض الكمية المعروضة في ظل ارتفاع الكمية المطلوبة، زادت أسعار بيع منتجهم، و”يا تصيب أو تخييب”.

تطوَّر القطاع الزراعي السعودي بنوعية وكيفية الإنتاج باستخدام التقنية الزراعية (مثل: البيوت المحمية بأنواعها، والزراعة المائية)، وتشجيع الدولة لاستخدامها؛ إلا أنه وللأسف لم يصاحبها تطوير في آليات التسويق الزراعي فضلًا عن ضعف وتشوُّه سلاسل الإمداد بين المزارع والمستهلك. ومن أبرز المعوقات التي أدت إلى انخفاض كفاءة التسويق:

  • ضعف البنى التحتية للأسواق المركزية، وعدم توفر المعلومة بشكل منتظم، وعدم إيجاد آلية لتنظيم منافذ بيع مختلف المنتجات الزراعية في الأحياء داخل المدن.
  • إحجام المستثمرين عن الاستثمار في سلاسل الإمداد للمنتجات الزراعية والتصنيع الزراعي بشكل أوسع؛ نظرًا لارتفاع درجة المخاطرة في هذا القطاع.
  • انخفاض كفاءة الأنظمة التسويقية وسلاسل الإمداد لتسويق المنتجات الزراعية، مثل: المخازن المبردة، والتعبئة والتغليف والإرشاد للتسويق الزراعي، ووسائط النقل بين مناطق الإنتاج والأسواق المركزية (فمثلاً، إنتاج مزارع وادي الدواسر يصل إلى الرياض في سيارات مكشوفة؛ مما يُعرِّض المنتجات إلى التلف باستثناء إنتاج كبار المزارعين والشركات الزراعية).
  • بروز دور الوسطاء وأغلبهم من العمالة غير السعودية؛ مما يزيد تحكُّمهم في آلية عرض المنتجات الزراعية، ويُقلِّل من هامش العائد للمزارع.
  • غياب الدور الفاعل للجمعيات التعاونية لتسويق المنتجات الزراعية، حيث يوجد فقط 6 جمعيات في مختلف مناطق المملكة من واقع 60 جمعية تعاونية زراعية أغلبها “يئِنُّ”، ويختلف نشاط كل جمعية عن الأخرى حسب إدارتها في ظل ضعف إقبال المزارعين على الانخراط في الجمعيات التعاونية الزراعية.
  • الفشل في إيجاد كيانات متخصِّصة للتسويق الزراعي أدَّى إلى عدم وجود أو ضعف العمل بالتعاقدات المنتظمة لتسويق المنتجات الزراعية. وقد كان هناك محاولة من وزارة الزراعة عام 1997م لإنشاء شركة تسويق زراعي برأس مال مشترك بين الدولة والمؤسِّسين، ثم تطرح الباقي للمساهمة العامة بنسبة 60% من رأس المال (المقدَّر بـ 200 مليون ريال) إلا أنها تعثَّرت، وتم حلُّها بعد 8 سنوات. وفي ورشة عمل عن التسويق الزراعي أقامتها غرفة تجارة الرياض عام 2005م، أطلق وزير الزراعة الأسبق مقولة: “نحن فاشلون في التسويق الزراعي كمجتمع زراعي”، والحديث مُوجَّه للمزارعين بأهمية المبادرة وعدم الاتكال وانتظار أجهزة الدولة لحل معضلة التسويق الزراعي؛ وذلك بالانخراط في الجمعيات التعاونية وتفعيلها بروح الجماعة والتكتل لخدمة أنفسهم وليس بالفردية.

توصيات مقترحة:

  • تعزيز جهود صندوق التنمية الزراعية لتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في القطاع الزراعي بإنشاء كيانات بأحجام مختلفة تتولى عملية الاتفاق مع الجمعيات التعاونية لتوريد وتأمين المحاصيل الزراعية مباشرة، وتكون هذه الكيانات مسؤولة عن مراقبة المحاصيل الزراعية والتواصل مع منافذ التسويق والكيانات المماثلة في مختلف مناطق المملكة، وتبادل المعلومات والتوعية للمزارعين بالتنسيق مع الجهات الحكومية المسؤولة؛ مما يسهم في إيجاد تنظيم لسلاسل الإمداد وخفض تأثير الوسطاء وتحقيق عائد أفضل للمزارعين وسعر مناسب للمستهلك.
  • تفعيل دور الجمعيات التعاونية الزراعية بشكل أفضل، وتعزيز أدوارها لكسب ثقة المزارعين وجذبهم للانضمام لتلك الجمعيات أو إنشاء جمعيات أخرى للمساهمة في رفع الجانب التعاوني؛ لتقليل أثر التكاليف الثابتة والموسمية.
  • أهمية التوسُّع في التسويق الزراعي الإلكتروني وتشجيعه، مثل المنصات الإلكترونية والتطبيقات لتسويق بعض المنتجات التي تتلاءم مع طبيعة هذه الآلية من المناطق التي لها ميزات نسبية مناسبة، مثل المانجو والرمان والتمور والعسل وغيرها.
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: م. أسامة كردي

نظرًا لتشعُّب موضوع التسويق الزراعي؛ فسوف أُركِّز في التعقيب على تسويق المنتجات الزراعية من الخضار والفاكهة، والتي تُنتجها المزارع الصغيرة والمتوسطة. والسبب في ذلك هو أن مُنتجي الدواجن والأسماك والماشية يحتاجون إلى الاهتمام بدرجةٍ أقل، كما هو الحال مع شركات الإنتاج الزراعي الكبيرة، مثل شركة جيزان وتبوك وما شابههما. ومن العوامل المؤثرة على تسويق منتجات هذه المزارع ما يلي:

  • السعودة: على الرغم من أهمية هذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وطبيعة عملها ودورها في أمننا الغذائي، فإنها لم يتم استثناؤها بإجراءات خاصة للسعودة. لستُ هنا في إطار معالجة هذا الأمر، ولكن أرى أنه لا بد من منع التستُّر والتأكد من سعودة الملكية والإدارة بحد أدنى.
  • منافذ البيع: تنخفض بدرجة كبيرة أعداد منافذ البيع التي يمكن أن تستخدمها هذه المزارع، صحيح أن هذه المنافذ كبيرة (مثل، الربوة في الرياض، والحلقة في جدة)، ولكن المطلوب توفير عدد أكبر من هذه المنافذ بحجم أصغر، وذلك على افتراض أن هذه المزارع تُنتِج وتبيع منتجاتها ذاتيًّا بعيدًا عن (الشريطية). كما أنني أعتقد أنه آنَ الأوان لإعادة محاولة سعودة هذه الأسواق بالنظر للفشل السابق، وبالنظر إلى ارتفاع البطالة بين السعوديين كنتيجة لجائحة كورونا.
  • مراقبة الجودة: للأسف، فإن بعض (ولا أريد أن أقول الكثير) من بائعي منتجات هذه المزارع لا يهتمون بالرقابة على الجودة، ويلجؤون إلى الغش عند تعبئة منتجاتهم عن طريق إخفاء المنتج منخفض الجودة تحت المنتج المرتفع الجودة؛ وهذا يؤدي إلى انخفاض اهتمام المستهلك النهائي بمنتجات هذه المزارع، ويؤثر على تسويق منتجاتهم. ولا بد من التأكيد هنا على دور جديد للجمعيات التعاونية بالإضافة إلى دور البلديات المسؤولة عن إدارة الأسواق.
  • شركة التسويق الوطنية: لستُ من مؤيدي إنشاء هذه الشركة؛ وذلك لارتفاع تكاليف إنشاء بنيتها التحتية، وانخفاض اهتمام المزارع الصغيرة والمتوسطة في التعاون معها، وعدم حاجة المزارع الكبيرة لخدماتها، وقد أثبتت ذلك التجربة التي أشار إليها كاتب الورقة الرئيسة.
  • الخدمات الاستشارية: تُقدِّم وزارة الزراعة القليلَ من الخدمات الاستشارية لهذه المزارع، والمطلوب التوسُّع في ذلك، ولعل هذا أحد أهم الطرق إلى السعودة.
  • خدمات البحث والتطوير: تواجه هذه المزارع منافسة شديدة من البضائع المستوردة التي تمتاز بانخفاض السعر وارتفاع النوعية، والمطلوب تطوير خدمات وزارة الزراعة المتعلقة بتطوير المنتجات والتعامل معها وتعبئتها وتسويقها، بما في ذلك تنظيم خدمات تدريبية لهذا الغرض.
  • دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة: الانطباع (وليس الإحصاء) الموجود عندي هو أن البرامج التنموية المخصَّصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لا تستفيد منها المزارع الصغيرة والمتوسطة، ولا بد من تغيير هذا الوضع بغض النظر عن سبب ذلك، سواء كان عزوف المزارع نفسها أم عزوف الجهات المسؤولة عن هذه البرامج. ولعل من المناسب إلغاء رسم دخول منتجات هذه المزارع إلى أسواق الجملة.
  • الخدمات: هناك حاجة ماسَّة لتقديم خدمات ومواد التعبئة والتغليف وخدمات النقل لهذه المزارع، حيث يُلاحظ فرق كبير في أسلوب التعبئة بين المنتج المحلي والمستورد.
  • صغار منتجي القمح: على الرغم من الاهتمام المُعطَى لصغار منتجي القمح لأسباب لا تخفى على أحد، فقد يكون من المناسب مَنْح المزارع المتوسطة والصغيرة نفس الاهتمام على الأقل، وذلك بالنظر لدورها المهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجموعة مهمة من مجموعات المنتجات الزراعية المعروفة باسم خضار الطاولة.
  • تنمية المناطق: مما لا شك فيه أن من النتائج المتوقعة لدعم التسويق في هذه المزارع تنمية المناطق الأقل نموًّا، حيث تشير إحصائية سابقة للصندوق الزراعي أن ٩٠ هللة من كل ريال يُصرف لمزارعي القمح يتم صرفها في نفس منطقة المزرعة.
  • الجمعيات التعاونية: تم تناولها في الورقة الرئيسة.
  • التعقيب الثاني: د. ناصر القعود

يشغل التسويق الزراعي اهتمامَ كثير من الباحثين في مختلف التخصصات ولا سيما الاقتصاد الزراعي؛ فالتنمية الزراعية جزءٌ من التنمية المستدامة، ونجاحها يؤثِّر إيجابيًّا على التنمية الشاملة، والأمن الغذائي. وحل مشكلة التسويق الزراعي من أهم عوامل نجاح التنمية الزراعية في المناطق الملائمة ذات المزايا النسبية. ركَّز د. خالد على مُعضِلة التسويق الزراعي النباتي، وخاصة فيما يتعلق بصغار المزارعين، وحلها يهدف إلى توازن العرض مع الطلب، وحصول المُزارِع على عائد مُجزٍ ومُغرٍ لاستمراره في تطوير مزرعته، وتلبية احتياجات المستهلك من حيث النوعية والجودة. وقد تناول د. خالد الصعوبات التي تواجه المزارع؛ من حيث ارتفاع التكاليف الثابتة، وموسمية الإنتاج، وقصر زمن صلاحية المنتجات النباتية، وتأثُّر الزراعة التقليدية بالتقلبات الجوية وعرضتها للآفات والأوبئة. وفوق ذلك عدم اتباع الأساليب الحديثة في التسويق؛ إذ لم يواكب الاهتمام بالزراعة وتشجيع الدولة لها ما يوازيه من اهتمام بالتسويق الحديث ومتطلباته. وختم د. خالد الفهيد ورقته بعدد من التوصيات التي من شأنها المساعدة في التوصُّل إلى أساليب حديثة لحل مشكلة أو معضلة التسويق الزراعي؛ ومن ذلك: تكاتُف وتكامُل جهود صندوق التنمية الزراعية والدور المفعَّل للجمعيات التعاونية الزراعية في هذا المجال، والتوسُّع في التسويق الإلكتروني. أودُّ أن أُضيف أن وجود شركة مساهمة مختصة بالتسويق الزراعي من الأهمية بمكان لحل هذه المشكلة؛ مما يستدعي دراسة تجربة وزارة الزراعة لإنشاء شركة تسويق زراعي في عام ١٩٩٧، وفشلها وحلها بعد ٨ سنوات، التي أشارت لها الورقة، ومعرفة عوامل فشلها لتفاديها. وإنشاء شركة تسويق زراعي قادرة على إيجاد تعاقدات منتظمة بينها وبين الأسواق المركزية ومصنعي المواد الغذائية لتزويدهما بالمنتجات الزراعية، وتنظيم إقامة معارض وأسابيع تسويقية (مهرجانات) للمنتجات الزراعية. وإلى أن يتم ذلك فلا أقل من تفعيل دور الجمعيات التعاونية الزراعية لتسهيل تسويق منتجات المزارع والحيازات الصغيرة، وخفض تكاليفها الثابتة والمتغيرة من خلال المشاركة في المعدات والآلات الزراعية والشراء المشترك للأسمدة والبذور.

 

  • المداخلات حول القضية:
  • الإشكاليات المرتبطة بالتسويق الزراعي:

أشارت أ. فائزة العجروش إلى أن مرحلة التسويق للمنتجات الزراعية تعَدُّ من أصعب وأهم المراحل في المجال الزراعي؛ لأنها:

  • تعمل على إيجاد قيمة مكانية وزمانية وكذلك قيمة تحويلية للمنتج الزراعي لزيادة قيمته المضافة.
  • تواجه تحدياتٍ كبيرةً، من أهمها: قلة أو زيادة الإنتاج، وكثرة المنافسين وبالأخص المنافسة الأجنبية في السوق المحلي، ونقص خبرة بعض المسوِّقين الزراعيين في إيصال إنتاجهم إلى الأسواق الأكثر عائدًا ماديًّا وعدم تعاونهم معهم.
  • تعَدُّ هي المحصلة النهائية التي تُحدِّد مدى نجاح المُزارِع والمستثمر ماليًّا وإداريًّا في إدارة مشروعه الزراعي من خلال الربح الذي يُحقِّقه، والنجاح المتحصِّل من تسويق منتجاته.
  • تعمل على تقليل نسبة الفاقد في الزراعة.

وأضافت أ. فائزة العجروش أن مشاهدة بعض المقاطع المصورة لمزارعين لا يستطيعون تسويقَ منتجاتهم الزراعية رغم رخص ثمنها، يدفع إلى التساؤل: هل الخلل في عملية التسويق الزراعي، أو بسبب تداخل المسؤوليات والمهام؟ وهل السعودة حبرٌ على ورق في سوق المنتجات الزراعية؟ أليس من المفروض على وزارة العمل أن تحرص على أن يبدأ التوطين من المستودعات ومراكز الجملة وصولًا لمنافذ البيع حتى لا يصل مزارعونا لهذه الحالة من اليأس والإحباط؟! وهل الخلل في الجهة المُشرِفة على أسواق الخضار والفاكهة؟ ولماذا لم تتطور الأسواق الزراعية لتصبح ساحةً فعلية للمزارع، وتقوم بتنمية الزراعة والمزارع لتصبح لدينا ثروة زراعية مستدامة؟ أليس من الأولى أن تتولى وزارة البيئة والزراعة تنظيم سوق المنتجات الزراعية وما يُعرَض فيها ومَن ينتجها وتحدِّد الأسعار؟ لأن البلديات لا يعنيها من قريب ولا من بعيد ما يحصل في الأسعار، ولو أخذنا كمثال (سوق العزيزية) أكبر سوق في الرياض لتوريد المنتجات الزراعية وتديره شركة مُساهِمة، وتعاملت هذه الشركة معه كعقار فقط بحكم تخصصها، تؤجِّر لمَن يدفع ولم تفعل شيئًا لتطوير الغرض من إنشائه، وللأسف الشديد هو في حالة بالفعل يُرثَى لها!

واتفق أ. عبد الرحمن باسلم مع أن الوسطاء من غير السعوديين والذين يمتلكون رأس المال، يتحكمون في السوق ويعرفون متى يطرحون كلَّ سلعة وفي أي يوم، كما أن لديهم شبكة توزيع على السوبرماركت والبقالات، حيث يُنسِّقون ويوزِّعون الخضارَ بأسعار مجزية، ولا يسمحون لغيرهم بالانخراط معهم إلا مَن حارَب وصبَر. طبعًا كل الشركات والمؤسسات بأسماء سعوديين.

وبدوره تساءل د. يوسف الرشيدي: هل من الممكن أن تُربِك السعودة العملية التسويقية؟ خاصة أن البيع بالعمولة والبيع بالتصريف وغيره يعتبر نقاط توزيع وبيع ضمن العملية التسويقية، وهي أعمال لا يجب أن تُحتكر لجنسية حتى يكون فيها مرونة للحركة وتوسيع لدوائر العاملين في عمليات التصريف والتوزيع والبيع. والنقطة الأخرى والخاصة بتولي الأسواق من قِبل الوزارات والسيطرة عليها بشكل كامل من خلال عقود لشركات مُشغِّلة أو ما شابه، ألا تعد تحكُّمًا في السوق يتنافى مع طبيعة الأسواق وحريتها في التسعير؟

ومن جانبها أوضحت أ. فائزة العجروش أنها تُطالب بالسعودة في هذا الوقت بالذات، حيث رأينا فيه وقوعَ ضرر كبير لصغار المزارعين وصغار المستثمرين في القطاع الزراعي، وكل مَن حاول من أبنائنا أن يدخل هذا المجال لسيطرة الأجانب عليه، وتعاونهم مع بعضهم البعض لإبعاد السعوديين بأي طريقة من هذا المجال، وقد سمعنا وقرأنا كثيرًا من معاناتهم، مثل أن يبدأ مزاد أسعار المنتجات الزراعية في الساعة الواحدة ليلًا؛ لضمانهم بأن هذا الوقت غير مناسب للسعوديين، وبالتالي يستحوذون على كامل الصفقة، وعندما يأتي السعوديون في الفجر “يجدون  الطيورَ قد طارت بأرزاقها!” هذا عدا عن محاربتهم غير الشريفة لأي سعودي على شكل استحواذ بعض الجنسيات على بسطات معينة، وعدم إتاحة الفرصة لأي جنسية أخرى للبيع في هذا النوع. لذا، فالسعودة ستحارب المافيا الزراعية من الوافدين، وستعالج تدريجيًّا وضع السوق!

ومن جديد أكد د. يوسف الرشيدي أنه مع الإجراءات التنظيمية لضبط الإيقاع وضمان المنافسة الشريفة، ولكنه لا يرى ملاءمة السعودة الكاملة لأي قطاع؛ لأن غير السعوديين يُشكِّلون بُعدًا آخر لأي عمل، وفي هذه الحال يمكن اعتبارهم نقاط بيع جديدة، كما أن السعوديين ممكن أن يعملوا على تأسيس نقاط بيعية جديدة مضمونة لهم خارج الأسواق المركزية الكبرى.

أما د. وفاء طيبة فأكدت على أن معاناة صغار المزارعين مؤلمة، والسؤال المُلِح: لماذا لا تكون هناك رقابة ومتابعة لما يجد هؤلاء من ظلم في الأسعار؟! وهل السعودة ستحلُّ المشكلةَ؟ كان الاعتقاد أنها قد تحلها ولكن مَن يضمن الوسيط السعودي؟ وقد لمسنا في الفترة الأخيرة الاستغلالَ من بني جلدتنا رغم الجائحة! فهذا حقٌّ للمزارع البسيط يجب الدفاع عنه، والعمل على رفع الظلم عنه. هل توجد جهة حقوقية مسؤولة عن ذلك؟ إنْ لم يكن، فيجب أن يكون.

وتساءل د. يوسف الرشيدي: هل نُحمِّل المزارعين وخاصة الصغار منهم مسؤوليةً كبيرة وعبئًا إضافيًّا حين الطلب منهم تبنِّي إستراتيجيات التسويق بمفهومه المهني؟ وألا يكفي أن يتبعوا التوجُّه العام للسوق والطلب العام على المنتجات؟ خاصة عند الاتفاق على أنَّ لكلِّ سوق روَّادًا وقادةً هم مَن يبدؤون في القراءة الأولية للاحتياج، ومن ثَمَّ يطوِّرون منتجًا يتناسب وهذه الحاجة، ويبدؤون في الإنتاج والبيع وما يسبق ذلك من عمليات ترويج. ويأتي بعدهم البقية في التقليد في إنتاج نفس المنتجات وبيعها بأقل جهد تسويقي.

وفي هذا السياق، ذكر د. خالد الفهيد أنه من المعلوم أن بعض المزارعين لديهم تراكم خبرات تفوق معلومة المرشد الزراعي من حيث الأوقات المناسبة للزراعة والتسويق لمنتجاتهم الزراعية. ومن المؤكد أنه ليس المطلوب من صغار المزارعين الإلمام بالإستراتيجيات، لكن يبقى عليهم دورٌ مهمٌّ في التواصل مع الإرشاد الزراعي ومراكز البحوث الزراعية والانضمام للجمعيات التعاونية الزراعية في منطقتهم، وهذا مما لا شك فيه يحتاج إلى جرعات توعوية زراعية للمزارعين من الجهات الرسمية. كما أن على وزارة الزراعة مسؤولية التعريف بالميزات النسبية لكل منطقة وتوعية المزارعين بأهمية استخدام التقنية لخفض التكاليف ومشكلتي الموسمية وسرعة تلف المنتجات الزراعية.

وتساءل د. يوسف الرشيدي: أين دور المرشد الزراعي في عملية التواصل والتوعية والتعريف بالجمعيات ومراكز الإرشاد ودورها؟ أليس هذا دورًا أصيلًا لوزارة البيئة؟ وهل يقومون بأي مساعدة في أمور التسويق للمنتجات، والمساعدة في تطوير المنتجات لتكون أكثر تنافسية؟ وحول هذه النقطة، يرى د. خالد الفهيد أن هذا دور من الأدوار الرئيسة لفروع الوزارة في المناطق؛ بالزيارات وإقامة حقول إرشادية يزورها المزارعون، إضافةً إلى البرامج الإعلامية وتطبيق لمنصات الإرشاد الزراعي، لكن أغلب ما يتم هو التركيز على الجوانب الفنية الزراعية، بينما لا يزال هناك قصورٌ في جوانب التسويق الزراعي، وهذا ما تمَّ توضيحه في الورقة الرئيسة بمقولة وزير الزراعة السابق: “نحن فاشلون في التسويق الزراعي كمجتمع زراعي”، يعني نحتاج إلى إرشاد تسويق زراعي، وهذا من الأفضل لمجلس الجمعيات التعاونية القيام به.

وفي تصوُّر أ. محمد الدندني، فإن هناك محورين يجب أن نضعهما نُصب أعيننا بصدد معالجة إشكاليات التسويق الزراعي في المملكة:

  • حماية المزارع بأي طريقة كي نضمن الاستدامة وعدم هجرة الأرض.
  • أن المزارع يشقى ويتعب، وللأسف ليس له نصيب في الربحية من هذه الصناعة تناسب جهدَه المبذول.

وفيما يتعلق بالإنتاج الزراعي يُلاحظ:

  • عدم وجود معاهد زراعية في المناطق الزراعية. توسَّع التعليم العالي في نَشْر الجامعات، وأغلبها يحوي كلَّ التخصصات، ولا يوجد كلية أو معهد زراعي ضمن هذه التخصصات، وعلى سبيل المثال: في جامعة الجوف وهي منطقة زراعية لا يوجد كلية أو معهد زراعي، وكذلك في تبوك، وأغلب جامعات الجنوب أو كلها لا يوجد بها مراكز أبحاث مختصة تُعنَى بمنتجات المنطقة وإمكانية اقتراح منتجات جديدة وربما أفضل إنتاجيةً من المعروف والتقليدي، وكذلك معالجة الأمراض الزراعية وتحديد أنواع البذور الجيدة، ودراسة التربة ومعرفة ما ينقصها من عناصر ليُعرَف ما هو السماد المطلوب وتعويض النقص وتحديد الكميات المطلوبة. تُقدَّر نسبة الهدر بنحو٣٠٪؜ من المنتج في عملية التسويق، وربما تكون النسبة أكثر في ضعف الإنتاج ذاته.
  • الضعف الشديد في تطبيق التكنولوجيا والطرق الحديثة في الزراعة، والتي تساعد في زيادة الإنتاج من الأراضي الصالحة، وأيضًا استصلاح الأراضي.

وتطرَّق أ. عبد الله الضويحي إلى البون الشاسع في قيمة المنتج بين المنتِج الرئيس وهو المزارِع وبين المستهلك؛ المزارِع الذي يضطر لأنْ يبيعَ بالحد الأدنى والمستهلك الذي يشتري بالحد الأعلى وبينهما المستفيد أو أكبر المستفيدين، كيف نردم هذه الهوَّة بما يضمن حقَّ المزارع ولا يستنزف المستهلك؟  لعل في نَقْل صلاحية الإشراف عليها لوزارة الزراعة والمياه ما يسهم في ذلك.

وعقَّب د. يوسف الرشيدي بأن معظم المزارعين يعلمون بالفرق بين السعر الذي يبيعون به والسعر النهائي للمنتَج في الأسواق؛ ولكن عملية الجمع والتجهيز والتغليف والنزول للأسواق وغيرها من أنشطة لعلنا نصنفها ضمن عملية التسويق، وهم لا يودّون القيام بها ويُفضِّلون بيعَ المحصول كاملًا. وربما لو كان هناك تنوُّع واضح لنقاط بيع مختلفة الأحجام لوجدنا المزارعين أكثر قُربًا لخيار البيع المباشر. وفيما يخصُّ نَقْل الإشراف من وزارة لأخرى، فإنه يعتمد على ما ستُقدِّم وزارة الزراعة لهؤلاء لا سيما ما يتعلق بالتدريب والإشراف والرقابة.

وذكر د. خالد الفهيد أن من الأمور المهمة التي يفتقدها السوق الزراعي في وقتنا الحاضر نقص المعلومة لإيجاد توازن بين كمية المعروض من المنتجات الزراعية والطلب في مختلف مناطق المملكة؛ لمعرفة مناطق الفائض والعجز في ظل اختلاف الميز النسبية لتلك المناطق. وهذا يُعزِّز أهمية مركز المعلومات الزراعية (منار) كإحدى مبادرات الصندوق الزراعي.

  • وسائل تطوير التسويق الزراعي وتذليل العقبات أمامه:

ذكر د. خالد الفهيد أن إشكالية التسويق الزراعي لها تأثير مباشر على جميع شرائح المجتمع: مستهلك أو مزارع أو وسيط وكذلك الحلقات المرتبطة به سواء الأمامية أو الخلفية؛ مما يعني أهمية إزالة العقبات التي تعمل على تذليل مُعضِلة التسويق الزراعي ليكون هناك سلاسة في الإمدادات الغذائية، وتقليل آثار تشوهات السوق وتحقيق التوازن بين آلياته من قوى العرض والطلب وتنظيمها، ومن أهمها البنى التحتية للأسواق الزراعية، وعدم تداخل مسؤوليات الجهات الرسمية. ولعل موافقة مجلس الوزراء مؤخرًا على نَقْل بعض المهام من وزارة البلديات إلى البيئة والمياه والزراعة فيما يخص أسواق النفع العام من شأنه زيادة التنظيم وتفعيل دور الجمعيات التعاونية الزراعية، وفتح مجال للمزارعين لتسويق منتجاتهم من خلال تلك الجمعيات أو إيجاد أيام للتسويق مثل يوم المزارع.

 

وطرح د. يوسف الرشيدي تساؤلًا مهمًّا مفاده: لماذا لا نرى مبادرةً أو توجيهًا حكوميًّا تجاه استخدام وكالات الدعاية والإعلان والتسويق الرقمي لمساعدة القطاع للنمو بدلاً من إنشاء كيان كبير مُكلِّف؟ وفي تصوُّر د. خالد الفهيد، فإن طبيعة المنتجات الزراعية تختلف عن البضائع، ويوجد حاليًّا جهود لتسويق المانجو والرمان والتمور. ومن المهم تحفيز القطاع الخاص للاضطلاع بدور في هذا الإطار.

ويرى د. حمد البريثن أن الأمن الغذائي جزءٌ لا يتجزأ من الأمن الحيوي؛ والتقنية الحيوية بعد الله هي الملجأ للتنمية الغذائية والصحية.

وذكرت أ. فائزة العجروش أن السؤال المهم: لماذا لا نجد هناك ربطًا بين مُنتِجي ومُستثمِري المنتجات الزراعية التي لم يتم تسويقها بمشروعات صغيرة ترتبط بالتصنيع الزراعي، يقوم بها المزارعون البسطاء أو سيدات فاضلات من الأسر المنتجة، تهدف إلى:

  • إقامة مشاريع صغيرة لتصنيع المربى والمخللات وصناعة الصلصات المالحة والحلوة.
  • حفظ المنتجات الزراعية الوفيرة الإنتاج ووجودها بكميات تزيد عن حجم الطلب عليها في السوق إلى فترات عدم توافرها حيث يزيد الطلب عن المعروض منها بما يُحقِّق زيادة في العائد للمنتجين، وذلك عن طريق الحفظ إما عن طريق التجميد أو التجفيف.
  • يمكن الاستفادة أيضًا من قشور الحمضيات في صناعة المعطرات والشموع وبعض الكريمات التجميلية.

وهناك الكثير من الأفكار الأخرى التي من خلالها يسهل تخزين المنتجات الزراعية الفائضة عن السوق المحلي، تمهيدًا لبيعها على فترات طوال العام بما يُحقِّق أقصى عائد ممكن للمنتجِين، عن طريق الحفظ إما عن طريق التجميد أو التجفيف أو التخليل، أو صناعة مكملات غذائية ومستحضرات تجميلية وغيرها.

وفي اعتقاد د. يوسف الرشيدي، فإنه لا توجد مشكلة في إقامة هذه المشاريع المكمِّلة، ولنعتبرها من الصناعات التحويلية؛ كونها تستخدم المنتجات الزراعية من فاكهة وخضار وتحوِّلها إلى منتجات استهلاكية أخرى طويلة الأجل. ولكن الأهم من الفكرة ومَن يقوم بها ويُقدِّمها هو كُلفة الإنتاج النهائية، وهل من الممكن أن نبني عليها أسعارًا تنافسية للمنتجات المستوردة الأقل كلفة، وبالتالي الأقل سعرًا؟ وفيما يخصُّ الأسر المنتِجة والمشاريع الصغيرة التي تنتج منتجات غذائية وغيرها، فللأسف ثمة مبالغة دائمًا في التسعير مع معرفة الجميع بتدني تكاليف التشغيل.

ومن جهة نظر د. ناصر القعود، وفيما يتعلق بشركات التسويق فمن المفروض أن تكون متعددة للحيلولة دون احتكار السوق، وبالطبع ينبغي أن يكون هناك أكثر من شركة وبأحجام مختلفة لتغطي مختلف مناطق المملكة، ويكون من بينها شركات تسويق منبثقة من الجمعيات الزراعية لتخدم صغار المزارعين، وتُخفِّف من مُعضِلة التسويق لديهم. واقترح د. يوسف الرشيدي إمكانية أن تكون ملكيات خاصة وغير تابعة للحكومة كوكالات التسويق المنتشرة في المملكة، ويكون دور الجمعيات التعاونية التنسيق والتشجيع على تفعيل التسويق والاستعانة بالمختصين مقابل مبالغ معقولة، وبهذا ينتعش قطاعان بدلًا من قطاع واحد.

وبدوره أكَّد د. ناصر القعود على أن الحكومة ليس دورها في القيام بدور المسوِّق، وينبغي أن يقتصر دورها على تنظيم سوق الوكالات أو الشركات التسويقية، ووضع القواعد الكفيلة بجَعْله يعمل بكفاءة وعدالة؛ على سبيل المثال: يمكن تحديد وقت المزادات ومقدار العمولات بما يحفظ حقوق المزارعين والمنشآت الصغيرة العاملة في الزراعة.

وأضافت د. وفاء طيبة أن عملية ضبط ومتابعة خط الإمداد سواء كان الوسطاء سعوديين أو أجانب أو شركات هو دور لا بد أن يكون مُقنَّنًا بقوانين في الدولة، هل توجد هذه القوانين والضوابط على الورق وغير مُطبَّقة؟ أم أنها غائبة؟ ومرة أخرى، أليس من الواجب أن يتم متابعة ذلك من منظمات حقوق الإنسان، ومن نزاهة؟

وفي ضوء ذلك، تساءل د. يوسف الرشيدي: هل الوزارة وصندوق التنمية الزراعي يقومان بأي دور تنظيمي لضبط السوق؟ ومن ناحيته أكد د. خالد الفهيد أن الجهة المشرِفة على الأسواق هي وزارة البلديات، لكن مجلس الوزراء وافق على نَقْل المهام لوزارة الزراعة كما تمت الإشارة في موضع سابق.

وحدِّد م. خالد العثمان وجهة نظره في إشكاليات التسويق الزراعي وتذليل العقبات أمامه في النقاط التالية:

  • ما زال القطاع الزراعي قاصرًا عن أن يكون “صناعة” حقيقية بمفهومها المتكامل. فما يجري على أرض الواقع هي أنشطة واستثمارات وممارسات متناثرة غير مترابطة ولا متتابعة، وتستهدف في الغالب الربحَ السريع المباشر وليس بناء منظومة متكاملة لخدمة القطاع وتنميته وتطويره وتنويع مراكز العمليات والدخل والربح فيه. وهذا القطاع يحتاج إلى تنظيم شامل يسهم في تحويله إلى صناعة حقيقية بكل جوانبها وأركانها، بما في ذلك التعليم والتدريب والتأهيل الحقيقي على مختلف العمليات المرتبطة بالقطاع، وهو ما يُفتقر إليه كليًّا في الوضع الراهن.
  • القطاع الزراعي بحاجة ماسَّة إلى جهد كبير في مجال تطوير الأعمال، وخلق فرص عمل واستثمار الثغرات والنواقص في مجمل عمليات القطاع. وهذه الفرص يمكن أن تُسهِم في تحسين فرص تسويق المنتجات الزراعية في عدة مستويات، تبدأ من توجيه الزراعة لخدمة فرص واحتياجات الطلب المحلي والدولي، وخلق منظومة كاملة من الخدمات التي تزيد من كفاءة العمليات في مجمل المنظومة الإنتاجية والتسويقية، وانتهاءً بتطوير منظومة التصدير والتجهيز والتسويق لكسب مكانة مستحقة في السوق العالمي أو على الأقل الإقليمي.
  • أحد الأمثلة البسيطة التي تمَّ في السابق محاولة تقديمها للاعتماد والتبني من وزارة الزراعة هو تأسيس نموذج عمل وفق هيكل الاقتصاد التشاركي، تقوم من خلاله شركات صغيرة بتجهيز وحدات متنقلة للتعبئة والتغليف، تجوب المزارع الصغيرة لتقدِّم لها خدمات التعبئة والتغليف والنقل بطريقة آمنة تسهم في تخفيض الهدر في التالف من النقل العشوائي بلا تغليف ولا حماية، وهو يصل في بعض التقديرات إلى أكثر من 30% من المحصول. بمثل هذه الطريقة تستطيع المزارع الصغيرة البيع مباشرة إلى جهات مؤسسية، مثل الأسواق المركزية والمطاعم والفنادق، وغير ذلك. وهذا مثال بسيط لبعض الخدمات التي ترفع من كفاءة التسويق والمبيعات للمزارع الصغيرة.
  • ثمة ضرورة لتحسين بيئة العمل في أسواق الخضار المركزية؛ فهذه الأسواق ببيئتها الراهنة طاردة للمستهلكين، وهو أحد أسباب سيطرة الوافدين عليها. ما نريده هو نماذج أسواق حديثة ذات بيئة جاذبة تجعل تجربة التسوُّق جاذبةً للأسر وأفراد المجتمع بكل شرائحهم، وتكون عناصر جذب وأماكن لنشاط اجتماعي، مثل: سوق المباركية في الكويت، ولابوكيريا في برشلونة، وكوينسي في بوسطن، وبوب ماركت في لندن، وغيرها الكثير من النماذج. هذه البيئات تُحفِّز السعوديين للعمل فيها، ويمكن أن تكون جاذبةً حتى للأسر المنتِجة للعمل فيها، بخلاف الوضع الراهن الذي تتحفظ فيه الأسر عن ارتياد الأسواق بوضعها المتردي، وتعمد بالتالي إلى تكليف السائقين والمندوبين في الغالب بالشراء، وهو ما يُكرِّس الوجودَ الأجنبي على كامل منظومة السوق من باعة ومشترين بكل ما قد يجمعهم من مصالح غير منظورة.
  • قضية التمور قصة تحتاج إلى دراسة عميقة لمعرفة أسباب الفشل في تحقيق اختراق حقيقي في النهوض بسوق هذا المنتج الذي يعَدُّ علامة بارزة في الهوية السعودية. فبينما نعجز عن بيع التمور السعودية في الأسواق المحيطة، نجد تمور تونس والجزائر وحتى الكيان الصهيوني على أرفف المحلات في أمريكا وأوروبا وسائر بقاع العالم. ناهيك عن سلسلة المنتجات التي يمكن أن تدخل التمور في صناعتها.. الحال نفسه ينطبق على الزيتون والخضار وغير ذلك من المنتجات التي تُمثِّل علامةً بارزةً في قوائم الإنتاج الزراعي لكن بلا أثر حقيقي، بخلاف الاستهلاك المباشر لتلك المنتجات، وغالبها يذهب في شكل هبات وهدايا مع نسب كبيرة من التالف نتيجة سوء النقل والتخزين كما تمت الإشارة سلفًا.

وأكد أ. عاصم العيسى على ضرورة أن تُحدِّد الخطط الرسمية للدولة أهمية الزراعة، والاكتفاء الذاتي في قطاعات معينة بالذات، ومن ذلك بعض الصناعات الغذائية، باعتبار هذا من الأمن القومي والإستراتيجي للبلاد، ولعلنا نذكر مشروع الخزن الإستراتيجي، وقد كان ذلك للنفط. ولعل الأمن الغذائي في غاية الأهمية وبالذات أن المملكة تملك أراضيَ شاسعةً وتجاربها غنية بالنجاح. عندما نقرر ذلك تكون الزراعة لها أولوية، كما أن دعمها وتذليل الصعاب أمامها هدف إستراتيجي يجب دعمه.

ويرى م. فاضل القرني أن التحدي الأكبر هو هيمنة العمالة على السوق والمنتجات الزراعية. وتحالفاتهم التي لا تخفى علينا أثناء التسوق في الأسواق المركزية. وتأثير ذلك على الأسعار وتصريف البضائع والتخلص من المنافسين السعوديين الذين هم على تنظيم فردي متواضع (بنسبة ليست قليلة). وفكرة يوم المزارع لتحفيز التسويق الوطني، فكرة رائدة لتأسيس انخراط السعوديين المزارعين في السوق وفسح المجال لهم. وأيضًا، يجب البحث في أسباب فشل شركة التسويق وإعادة إنشائها بأنظمة وعقود قانونية وشفافية، وخاصة في هذه الفترة المبنية على الرقمنة والوضوح وتقييم الأداء.

وركَّز أ. محمد الدندني فيما يخص التسويق الزراعي على ما يلي:

  • كون فكرة شركة تسويق فشلت، فهذا لا يعني فشل الفكرة، ولكنه فشل من تسبَّب في الفشل. وجود شركة واحدة فكرة غير سديدة، فثمة حاجة لتأسيس شركة في كل منطقة زراعية. وبخصوص مَن يسهم فيها، فالأمر مفتوح للجمعيات التعاونية الزراعية والمستثمرين.
  • الشركة هي المشتري حيث تكون مسؤولة عن شراء محاصيل المنطقة وتسويقها. والعملية تعاونية؛ حيث على الشركة أن تعمل أرشيفًا لكل المزارعين، ويتم التنسيق معهم من حيث نوعية المحصول أو أنواعه والكميات المطلوب زراعتها… إلخ. هنا نضمن استقرار المُزارع وتركيزه على الإنتاج. ولا ضرر أن تُوسِّع الشركةَ عملها بتقديم خدمات استشارية لتحسين الإنتاج، أو يقوم بها طرف آخر.
  • الالتزام بالروزنامة الزراعية حيث يتم التنسيق بين معرفة كمية ونوع المنتج المحلي مع ما هو مستورد.
  • لا بأس بالتصدير في مواسم معينة إنْ كانت الربحية مجزية، ولو أن السوق المحلي يكفي لاستيعاب كل ما يُنتَج.
  • يحق لشركات التسويق أن تفتح محلات في الأسواق المركزية لتبيع بالتجزئة والجملة.

ومن ناحيته، يرى د. خالد بن دهيش أن عدم توفُّر التوعية الزراعية، وقلة وضعف محتوى المعاهد الزراعية، وعدم توفُّر الحوافز والضمان الوظيفي للخريجين؛ جميعها قضايا جديرة بالطرح والتحليل والمناقشة، ووضع الخطط الإستراتيجية للنهوض بالزراعة في المملكة. كذلك ثمة ضرورة لأن تشتمل المعاهد والكليات الفنية القائمة حاليًّا على أقسام تُخرِّج شبابًا يستطيع أن يعمل في مجال الزراعة وتسويق المنتجات الزراعية باستخدام التقنيات الحديثة في الزراعة والحصاد، ومكافحة الحشرات والأمراض التي تصيب الزراعة ومنتجاتها، وتسويقها وعرضها بطُرق تُشجِّع المستهلك على الشراء. أيضًا، فإن المُزارع أو المستثمر السعودي قادر على مضاعفة أرباحه بالتوعية والدعم اللوجستي والمزيد من التشريعات والتنظيمات؛ لأن المقيم هو المستفيد الأكبر في الشراء من المزارع والبيع على المستهلك.

وفي اعتقاد د. وفاء طيبة، فإن تنظيم الخطوات كلها بقوانين والإشراف عليها بمتابعة دقيقة وصارمة أمرٌ مهمٌّ جدًّا لحفظ حقوق هؤلاء المزارعين حتى وإنْ كانَ دَخْلُنا من الزراعة قليلًا، والاعتقاد أننا مخطِئون في هذا التقدير، خاصة لو تمَّ تنظيم الزراعة باستخدام الطرق الحديثة للري وبمساندة الأبحاث في الجامعات والمعاهد؛ لوجدنا أن لدينا إنتاجًا لا يكفينا فقط، ولكن يفيض عن حاجتنا، والمهم قبل التصدير أن الزراعة قضية أمن غذائي، وقد لمسنا غياب بعض الفواكه بسبب ضعف الإمداد في الجائحة وارتفاع الأسعار، وقد تكون المشكلة أكبر في مرات قادمة لا سمح الله، يجب أن يكون هدفُنا الأمنَ الغذائي أولاً. وبالنسبة للأبحاث وتخصصات الجامعات، فقد بدأنا بدايةً صحيحة بإنشاء جامعة البترول في الشرقية ثم توقفنا، لا بد من استحداث تخصصات ومعاهد دراسية تدريبية في المناطق المختلفة حسب المنتجات الأساسية بها؛ لما لذلك من دور كبير في توطين السكان الأصليين وعدم هجرتهم للمدن الكبيرة.

وفي سياق متصل، أكد د. خالد الفهيد على أن الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية ليس هدفًا، في حين أن تحقيق الأمن الغذائي هدفٌ إستراتيجي ويتم تحقيقه بتوفير المنتجات الغذائية عن طريق الإنتاج الزراعي المحلي بأنواعه المختلفة؛ النباتي والحيواني والسمكي، أو الاستيراد وفق معايير منظِّمة لذلك. وفيما يتعلق بالروزنامة الزراعية، فقد تمَّ تطبيقها سابقًا، ولعدم جدواها وفي ظل المتغيرات الاقتصادية مثل انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية (WTO)؛ تمَّ إيقافها، ولوضع خيارات أمام المستهلك؛ مما يعني أهمية الوضع التنافسي لرفع كفاءة وجودة المنتج الزراعي، ولكبح جماح تذبذبات الأسعار بما يتناسب مع موسمية المنتجات الزراعية.

ويرى م. سالم المري أن هناك حاجةً في المملكة لتنظيم تسويق المنتجات الزراعية لضمان وصولها للأسواق، ولهذا الموضوع أهمية قصوى بسبب خصوصية الزراعة في المملكة من حيث نُدرة المياه وقلة المساحات الزراعية. ولذلك، يُفترض ألا نُضيِّع أيَّ منتج، بل على الجهات المختصة في الدولة ضمان الاستفادة القصوى من المحاصيل المحلية أو منع إنتاجها بالأساس. كما أنه مطلوب وجود جهة تقوم بنقل وتعبئة وتوزيع وتسويق المنتجات الزراعية (المحاصيل) للمزارعين بحيث يتم ترتيب ذلك بطريقة مناسبة وسلسة، مع السعي للقضاء على الوسطاء بين المنتجين والمستهلكين؛ ومن ثَمَّ تحقيق أعلى ربحية للمزارع، وسعر مناسب للمستهلك. ويمكن أن يحصل ذلك عن طريق الجمعية التعاونية الزراعية المركزية على مستوى المملكة، أو شركة تملك فيها الدولة أسهمًا. وفي ضوء ذلك، تتمثل الإستراتيجيات المقترح اتباعها فيما يلي:

  • الاستحواذ على مواقع في الأسواق المركزية (الحراج) لتصريف المنتجات الزراعية.
  • الحصول على مواقع مناسبة من وزارتي الشؤون البلدية والقروية والبيئة لإنشاء مراكز تسويق ريفية في المناطق الزراعية الرئيسة في المملكة؛ بهدف استقبال المنتجات الزراعية من المزارعين.
  • الحصول على مواقع مناسبة من وزارتي الشؤون البلدية والقروية والبيئة لإنشاء مراكز تسويق مركزية في المدن الكبرى في المملكة؛ لاستقبال المنتجات الزراعية من مراكز التسويق الريفية.
  • تشغيل أسطول نقل من الشاحنات والبرَّادات.
  • بناء مختبرات للكشف على بقايا المبيدات والسموم.
  • توظيف وتدريب عمالة وطنية من الجنسين للقيام بأعمال، مثل: التعبئة والتخزين، وقيادة الشاحنات، والدلالة على المنتجات في الأسواق المركزية.
  • عقد صفقات توريد للمراكز الاستهلاكية، ومحلات بيع المنتجات الزراعية الكبرى، ومعامل تصنيع المنتجات الزراعية، والمُصدِّرين للخارج.
  • إنشاء مراكز تسويق ريفية في المناطق الزراعية في المملكة، مثل: القصيم وحائل وجيزان والجوف ونجران والباحة والأحساء ووادي الدواسر والعُلا وغيرها؛ وتتكون هذه المراكز من مكاتب شراء وبيع، وأماكن تبريد وتخزين وتعبئة، ومحطات لنقل المنتجات إلى مراكز التسويق الرئيسية في المدن.
  • إنشاء مراكز تسويق تعاونية مركزية في المدن الرئيسة في المملكة، مثل: الرياض وجدة ومكة والدمام والمدينة المنورة وأبها؛ وتتكون هذه المراكز من مكاتب شراء وبيع، وأماكن تبريد وتخزين وتعبئة، ومحطات لاستقبال المنتجات من مراكز التسويق التعاونية الريفية، ومختبرات للكشف على الجودة وبقايا المبيدات الحشرية والسموم.
  • توفير التمويل: المزارعون والجمعيات التعاونية والحكومة (صندوق التنمية الزراعي أو صندوق الاستثمارات العامة أو كلاهما).
  • تكون الإدارة تحت إشراف مجلس إدارة معين من الدولة يُمثِّل الجهات ذات الاختصاص، مثل: مجلس الجمعيات التعاونية والتعاونية المركزية الزراعية، ووزارة التجارة، ووزارة الموارد البشرية، وهيئة الغذاء والدواء السعودية، وغيرها. وكذلك تحت إشراف وزارة البيئة والمياه والزراعة مؤقتًا، ثم يتم تحويلها لاحقًا إلى إشراف جمعية عمومية. وقد تمَّ مؤخرًا تأسيس جمعية تعاونية زراعية مركزية في المملكة، وبإمكان هذه الجمعية تطوير هذه المبادرة والإشراف عليها إذا تلقَّت الدعم المناسب من الدولة.

وذكر د. حامد الشراري أن المملكة حباها الله مساحةً شاسعة، وتنوُّعًا في مناخها وتربتها، وتمايزًا نسبيًّا زراعيًّا بين مناطقها؛ فكل منطقة من مناطق المملكة تتميز بميزة خاصة فيها، وصندوق التنمية الزراعية يبذل جهدًا كبيرًا، لكنه ما زال دون المأمول وبطيء الحركة في تفعيل المبادرة الثالثة بوجه خاص من المبادرات السبع التي أُعلنت قبل عدة سنوات، وتنصُّ على: تطوير أساليب المناولة والتسويق للمحاصيل الزراعية (الخضار والفواكه)، يصاحبه ضعف في أداء الجمعيات التعاونية الزراعية خصوصًا في محصول الزيتون، وهذا الرأي يؤيده الواقع، فهناك قصورٌ واضح في انتشار منتجات أشجار الزيتون الوطني في أسواق المملكة مقارنةً بالمستورد من الخارج. فبتفعيل الصندوق لهذه المبادرة وإعطائها الأولوية وسرعة المساهمة في إنشاء كيان يخدم قطاع الزيتون في المملكة؛ نكون قد ساهمنا في مساعدة المزارع بالتحوُّل من زراعة المحاصيل المستهلكة للمياه إلى زراعة شجرة الزيتون غير المستهلكة للمياه، والذي تقوم عليه عدة صناعات مثل صناعة الأعلاف والفحم للتدفئة والصابون والمنظفات الطبيعية، هذا إضافةً إلى المنتج الرئيسي وهو زيت الزيتون والزيتون المخلل. وبالتالي، نجمع بين التوفير في استهلاك المياه، وتوفير فرص عمل للمواطنين، وتوفير سلعة غذائية كجزء من الأمن الغذائي الوطني.

وأكد د. عبد الله بن صالح الحمود على الحاجة إلى تعزيز الدور المنوط بوزارة البيئة والمياه والزراعة، بعد أن أصبحت أسواق الخضار والفاكهة إحدى مسؤولياتها، نحو دعم ومؤازرة الشباب السعودي من رواد الأعمال الراغبين في امتهان تجارة الخضار والفاكهة، سواء بالقروض أو الاستشارات الزراعية. جنبًا إلى جنب مع تشجيع المستثمرين في إنشاء مخازن تبريد وتجميد في أسواق الخضار والفاكهة، للحفاظ على المنتجات الزراعية المحلية، خشية من انتهاء صلاحية المحاصيل الزراعية حديثة الإنتاج، وتقدم خدماتها بالتأجير لمُسوِّقي تجارة الخضار والفاكهة.

وركزت د. الجازي الشبيكي على دعم البحث العلمي لتطوير المجال الزراعي بشكل عام، والتسويق الزراعي على وجه الخصوص؛ من خلال مسارات بحث بينية مشتركة مع تخصصات اقتصادية وبيئية ذات علاقة. فضلًا عن رفع المستوى المعرفي لدى المزارعين وجميع العاملين في سلسلة الإنتاج الزراعي، وكذلك نقل التجارب الناجحة في التسويق الزراعي وتوطينها بما يلائم المعطيات المتوفرة، والتي يمكن توفيرها. أيضًا، من المهم العمل على تعزيز نظام متميز وفاعل في مجال التسويق الزراعي، يضمن سلامة المنتجات الغذائية وتقليل الخسائر بأقصى قدر، كما أن ثمة حاجة إلى ضمان مصالح أصحاب المشاريع الزراعية الصغيرة من خلال مساعدتهم على رفع كفاءة منتجهم وإيجاد الفرص الملائمة لتسويقه بالأساليب التسويقية الحديثة إلكترونيًّا.

أما د. علي الطخيس فيرى أن على الغرف التجارية ممثَّلة في اللجان الزراعية فيها إيفاد متخصصين في التسويق الزراعي لزيارة بعض الدول الناجحة في تسويق منتجاتها سواء في آسيا أو أوروبا أو أمريكا الجنوبية وبعض الدول العربية؛ لنقل الخبرة والتجربة للمملكة. كما أن من الضروري إعادة النظر في الجمعيات الزراعية القائمة وتقييم أوضاعها، وتحديد نقاط ضعفها ومعالجته.

وفي اعتقاد أ. مها عقيل، فإن من المفيد الاهتمام بالتسويق الإلكتروني عبر منصات متخصصة وتطبيقات للطلب والتصدير. وأيضًا التركيز على الجانب العضوي organic في التسويق للمنتجات، فهذا سوق واعد.

  • التوصيات:
  • ضرورة تضافُر الجهود بين الجهات المعنية بالقطاع الزراعي والاستثمار لتحسين بيئة العمل والسوق من النواحي التنظيمية والقانونية والاستثمارية في كافة مناطق المملكة وحماية المزارع، مع المساعدة في تحديد الفرص الاستثمارية المتاحة لكلٍّ من المستثمرين والمزارعين على اختلاف أحجامهم.
  • تفعيل دور الجمعيات التعاونية الزراعية لاستقطاب المزارعين، وتفعيل العمل التعاوني لتطوير القطاع وخاصة ما يُعنَى بالجانب التسويقي والسيطرة على الأسواق ومنع الاحتكار لأي فئة.
  • العمل على تطوير برامج تدريبية تأهيلية للمزارعين الصغار الحاليين والشباب من رواد الأعمال الراغبين في الدخول في هذا السوق؛ لتطوير مهاراتهم الإدارية والتسويقية والفنية.
  • تكثيف الحملات التوعوية والتثقيفية للمزارعين الصغار بضرورة وأهمية اتباع أحدث الأساليب الإدارية والفنية لتطوير أعمالهم بالشكل المأمول له؛ لضمان تنافسيتهم.
  • تحفيز الجهات المعنية للقطاع الخاص بالاستثمار في القطاع الزراعي في سلاسل الإمداد وما تحتويها من منظومة خدمية متكاملة لتطوير السوق وتنميته.
  • أهمية دعم وتفعيل دور المراكز البحثية على تنوعها واختلاف مرجعياتها، مثل مركز المعلومات الزراعية (منار)؛ لتوفير معلومات السوق الزراعي السعودي عن المنتجات الزراعية، ورصد التجارب الناجحة للمزارعين في مختلف مناطق المملكة.
  • استثمار التقنية للحد من سيطرة واحتكار العمالة الوافدة لتجارة وتسويق الخضار والفاكهة (الوسطاء)، مثل تطوير تطبيقات ومنصات ذكية مهنية تربط المزارعين مع المستهلك مباشرة.
  • معالجة الهدر الكبير في الموارد من خلال إنشاء مصانع صغيرة في مختلف مناطق المملكة لتصنيع المنتجات النباتية والحيوانية، ومصانع إعادة تدوير المخلفات الناتجة من الإنتاج الزراعي، والتصنيف لخفض التكاليف وخلق فرص استثمارية جديدة.
  • أهمية الاستفادة من برنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة بالسعي إلى نَقْل التجارب الناجحة الدولية فيما يخص التسويق الزراعي، وتنمية مشاريع تنموية صغيرة في المناطق الريفية.

 

القضية الثانية

البحث العلمي والدور الصحي غير العلاجي

(12/7/2020م)

 

  • الورقة الرئيسة: د. عبير برهمين
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: أ. د. عثمان العثمان
  • التعقيب الثاني: د. هناء المسلط
  • إدارة الحوار: د. عفاف الأنسي
  • الملخص التنفيذي:

بدأت د. عبير برهمين الورقة الرئيسة بمدخل عن أهمية مفهوم جودة الحياة كمحور في رؤية 2030، وانطلقت من خلال هذا التوجُّه في عرض محور البحث العلمي كدور صحي غير علاجي يسهم في تعزيز الصحة وجودة الحياة. وقد تضمَّنت الورقة تساؤلين مهمين؛ يدور الأول حول سبب عدم وصول البحث العلمي في الجامعات السعودية للدور المأمول منه (داخليًّا وخارجيًّا) على الرغم من توفُّر الكوادر البشرية المتخصصة، والتي تُبدع خارج أرض الوطن، في حين يتعلق التساؤل الثاني بعدم وجود أبحاث أو فِرق علمية سعودية أو إسهامات بحثية متخصصة خلال جائحة فيروس كورونا.

كذلك استعرضت د. عبير الأدوار التي اضطلعت بها المؤسسات العلمية والجامعات في العالم أثناء جائحة كورونا، والتي تمثَّلت بدايةً في الفهم العميق للفيروس ليسهل التعامل مع الوضع وإنقاذ المتضررين منه على كافة الأصعدة، ثم في وقت انتشاره محاولة التعرف على خصائصه الفيزيائية والحيوية وكيفية انتشاره وكيفية القضاء عليه، أما في وقت انحساره فقد اتجهت الدراسات إلى التفكير المستقبلي لمعرفة النمط الذي يسلكه الفيروس وفرص عودة الانتشار، وكيفية بناء نماذج عمل إدارة الأزمات والطوارئ بناءً على سيناريوهات محتملة. وقد حصرت الإجابة عن تساؤلاتها من وجهة نظرها في عددٍ من العوامل؛ منها ما يتعلق بالسياسات والإجراءات المتعلقة ذات الصلة بالبحوث وتمويلها، وأخرى تتعلق بالباحثين أنفسِهِم، وثالثة تتعلق بالبنية التحتية المرتبطة بالبحث العلمي.

وركَّز أ. د. عثمان العثمان في التعقيب الأول على محورين؛ تناول الأول جودة الحياة والأزمات الصحية العامة، حيث نبَّه إلى اختلاف أولويات الجودة عندما تكون إحدى ضرورات الحياة في خطر. بينما اهتم المحور الثاني بالبحث العلمي خلال الأزمات ودوره المهم في عملية صنع القرار أثناء الأزمات. وتطرق فيه إلى خصائص البحث العلمي في الأزمات التي قد تفرض على البحث العلمي معايير مختلفة، والتي قد تجعله يظهر بصورة لم يعتد الناس عليها مما قد يؤدي إلى بلبلة عامة، وهو الأمر الذي حدث أثناء جائحة كورونا.

وأيضًا، أشار أ. د. عثمان إلى نقطة في غاية الأهمية حول الحلقة المفقودة بين مجتمع المعرفة والمجتمع العلمي، وهي “الإعلام العلمي”، واستعرض بعدها عددًا من المبادراتِ البحثية الوطنية، والتي تمَّ إطلاقُها أثناء جائحة كورونا، وعلَّق عليها بأنها تُجيبُ عن السؤال حولَ دور المجتمع المعرفي في مجال البحث من ناحية الكمِّ؛ أما عن الثِّمارِ النَّوعيةِ لهذه المبادراتِ ومسألةِ تحويلِ هذه الجهودِ إلى منتجٍ معرفيٍّ مفيد، فستظل مثارًا للتساؤلِ والنقد.

من جانبها أبدت د. هناء المسلط في التعقيب الثاني دهشتها من مفارقةِ وجودِ كمٍّ كبيرٍ من المبادراتِ البحثيةِ والدراساتِ التي ظهرتْ مع بدايةِ الأزمة والتي انهالتْ في وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ لقياسِ الاتجاهاتِ والأثرِ للجائحةِ، مع عدمِ معرفةِ نتيجةِ تلك الأبحاث للاستفادةِ منها في البناءِ المعرفيِّ، كما نَوَّهتْ إلى أهميةِ التوسُّعِ في مراكزِ البحوثِ العلميِّةِ بكل مجالاتِها وتوفيرِ الإمكانياتِ لتشجيعِ الباحثين، والدَّورِ المهمِّ للبحثِ العلميِّ في رَفْدِ صانعِ القرارِ عندَ الأزماتِ.

واختُتِمت د. هناء تعقيبَها بعددٍ من التساؤلاتِ المشروعةِ حولَ مخرجاتِ المبادراتِ البحثيةِ للجامعاتِ، والتي تُسلِّط الضوءَ على: مدى قدرةِ هذه الأبحاث على الخروجِ من “الباردايم” التقليديِّ إلى نموذجِ الأبحاث التقويميةِ الانتقاديةِ، والتي تُجسِّرُ الفجوةَ بين جانبي المعرفةِ والممارسةِ، وإمكانية وجودِ جهات تنفيذية تُعنَى بالتوصياتِ والنتائجِ لهذه الأبحاث، وكذلك مدى جدية هذه النتائج للاعتمادِ عليها في وضعِ إستراتيجياتٍ أو استشرافِ المستقبلِ لتجنُّبِ حدوثِ أزماتٍ مشابهةٍ.

وتضمَّنت المداخلات حول القضية المحاورَ التالية:

  • مفهوم الدور الصحي غير العلاجي.
  • نماذج للجهات العلمية والمعرفية ذات الصلة بممارسة الدور الصحي غير العلاجي.
  • عوامل تطوير البحث العلمي باتجاه جودة الحياة في الأزمات الصحية.
  • رؤية استشرافية للبحث العلمي المرتبط بالدور الصحي غير العلاجي.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • التنسيق بين وزارتي التعليم والمالية وهيئة الزكاة والدخل من أجل منح ميزات ضريبية وإعفاء من الرسوم الحكومية للجهات البحثية في كافة القطاعات الخاصة والحكومية وغير الربحية.
  • دعوة وزارة الشؤون الإسلامية والهيئة العامة للأوقاف إلى تشجيع أصحاب العطاء؛ لتخصيص جزء من أوقافهم وتبرعاتهم للأبحاث العلمية في مجال الصحة ومكافحة الأوبئة والأمراض.
  • الورقة الرئيسة: د. عبير برهمين

قالوا قديمًا: “درهم وقاية خير من قنطار علاج”، وانطلاقًا من هذه الحكمة كان أحد محاور الرؤية المستقبلية للمملكة العربية السعودية بعنوان جودة الحياة. وجودة الحياة كمفهوم يعَدُّ بحرًا واسعًا متعدد الأوجه والمحاور، وهناك العديد من القطاعات الحكومية والخاصة تسهم بشكل كبير في تحقيقه. وسأتناول في هذه الورقة محور البحث العلمي كدور صحي غير علاجي يسهم في تعزيز الصحة وجودة الحياة.

من المتعارف عليه أن الجامعات والمعاهد العليا يتمثل دورها في ثلاثة محاور رئيسة هي: (التدريس، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع). ورغم أن الجميع يعلم بهذا إلا أن تطبيقَها على أرض الواقع غير مأمول. وأخصُّ هنا البحثَ العلمي في المؤسسات التعليمية الأهلية والحكومية. وعلى الرغم من أن موضوع البحث العلمي قد نُوقش من قبلُ في ملتقى أسبار إلا أننا هنا نُناقش الدورَ الصحي وغير العلاجي للبحث العلمي، وخاصة في أوقات الأوبئة والجائحات (جائحة فيروس كورونا مثلاً).

إن البحثَ العلمي في جامعاتنا السعودية مع الأسف لا يرقى للدور المأمول منه رغم توفُّر عدد كبير من الكوادر المؤهلة من حملة الدرجات العليا في مختلف التخصصات. ورغم أن كثيرًا من أعضاء هيئة التدريس والباحثين قد حصلوا على درجاتهم العلمية في عدد كبير من الدول المتقدمة علميًّا، وانخرطوا في وقت من أوقاتهم في العمل ضمن فِرَق علمية عالمية؛ إلا أن الإبداعات والإنجازات العلمية لهم كانت خارج أرض الوطن ولم تتحقَّق داخل حدوده، والسؤال هو لماذا؟

في جائحة كورونا الحالية والتي ضربت معظم أرجاء العالم، تسابقت الجامعات والمؤسسات العلمية في إجراء أبحاث علمية في محاولة لسبر أغوار الفيروس ومعرفة أسراره؛ ليتم التعامل مع الوضع ومحاولة إنقاذ المتضررين من الجائحة صحيًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا واقتصاديًّا. ورغم أن جائحة فيروس كورونا أضرت بالعديد من القطاعات إلا أنها في مجال البحث العلمي تعتبر فرصة كبيرة من فرص البحث والتقصي وإضافة حقائق مبنية على البراهين، تسهم في زيادة معارفنا الإنسانية بشكل كبير. خلال مرحلة التفشي والانتشار، تركزت الأبحاث العلمية حول معرفة ماهية المرض والمُسبِّب المرضي، ومعرفة خصائصه الفيزيائية والحيوية، وكيف ينتشر، وكيف يمكن القضاء عليه. ما الأدوية والعلاجات التي يمكن أن تُسهم في تخفيف وطأته؟ وما الخصائص التي يمكن استغلالها لتطوير لقاحات ضد الفيروس؟ ثم بدأ وباء كورونا في الانحسار التدريجي عن بعض الأماكن حول العالم، ومع بدء انحساره وتناقص أعداد الإصابات به؛ أصبح محور الأبحاث يتركز حول تحليل ومعرفة النمط الذي يمكن أن يسلكه الفيروس، وما إذا كان سيعاود الانتشار، ومتى من المتوقع انتشاره، أو كيف يمكن أن نحدَّ من الأضرار المترتبة عليه بالاستفادة من الدروس التي تعلمناها خلال الجائحة. وستكون هناك أبحاثٌ أخرى تعمل على استشراف المستقبل ومعرفة هل سيتم تكرار حدوث مثل هذه الجائحة بناءً على النتائج المتوفِّرة حتى الساعة من الأبحاث المحقَّقة حول فيروس كورونا؟ كيف يمكن بناء نماذج عمل لإدارة الأزمات والطوارئ بناء على سيناريوهات محتملة؟ الأبحاث هنا رغم أن قسمًا كبيرًا منها يتعلق بالصحة بشكل مباشر، إلا أنها ترتبط بمناحيَ أخرى؛ اقتصادية وجغرافية ولوجستية وسياسية. وهنا يتعين علينا أن نناقش محورًا مهمًّا جدًّا، وهو دور الجامعات والمجتمع المعرفي في البحث العلمي النوعي، ولماذا لم نسمع عن أبحاث أو فرق علمية سعودية أو إسهامات بحثية متخصصة خلال جائحة فيروس كورونا؟

هناك عددٌ من العوامل التي حالت دون أن تُحقِّق المملكة العربية السعودية أي إسهامات علمية خلال جائحة كورونا؛ بعضها يتعلق بالسياسات والإجراءات المتعلقة بالبحوث وتمويلها، وبعضها متعلق بالباحثين أنفسهم، والبعض الآخر يتعلق بالبنية التحتية المرتبطة بالبحث العلمي.

أما البنية التحتية فتعني وجود مراكز بحثية متخصِّصة سواء في الأبحاث الصحية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو غيرها. هذه المراكز يجب أن تعمل على مدار الساعة بالتنسيق مع الجامعات والمؤسسات المعرفية والباحثين، وأن يكون الوصول لها ميسَّرًا للجميع وليس حكرًا على فئة أو جهة معينة. أما ما يتعلق بمصادر تمويل البحوث، فإنه لكي تكون البحوث العلمية قيِّمةً وذات مردود فعلي ومؤثر في الحياة البشرية؛ فلا بد أن يُخصَّص جزءٌ من الناتج القومي لدعم هذه البحوث إضافةً لإنشاء صناديق تمويلية وأوقاف، وأن يتم الصرف على البحوث العلمية بسخاء. أما ما يتعلق بالسياسات والإجراءات، فإن تشكيل الفِرَق العلمية بين مختلف التخصصات وبين مختلف الجهات والجامعات يعني تدعيمًا وتعزيزًا لنوعية البحث العلمي وقوته. أما محاولة الانفراد الشخصي أو اقتصار البحوث على متطلبات الترقيات الأكاديمية فقط وعدم وجود تعاون بين الأكاديميين والمتخصصين من مختلف الجنسيات؛ فهي سبب من أسباب الهدر في الوقت والجهد للبحوث العلمية، وتعليب لعناوين دون محتوى مؤثر.

توصيات:

  • ضرورة وجود خطة وطنية واضحة لدعم توجُّهات البحث العلمي بما يدعم مسيرة البناء وخُطط الدولة التنموية ورؤيتها الطموحة.
  • ضرورة إيجاد سياسات وإجراءات تدعم تكوين الفِرَق العلمية بتخصصاتها العلمية المختلفة؛ للعمل بشكل متناغم بغض النظر عن الجهة أو المؤسسة العلمية أو الجنسية.
  • ضرورة الإنفاق بسخاء على البحث العلمي، ووجود موارد مالية متعددة، مثل: تخصيص جزء من الناتج القومي للدولة، وحث البنوك والقطاع الخاص على المساهمة، وكذا تشجيع الأوقاف العلمية.
  • ضرورة إيجاد مراكز بحثية للاستشراف وإعداد خُطط مسبقة لإدارة الأزمات والطوارئ مبنية على أساس علمي.

 

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: أ. د. عثمان العثمان
  • جودة الحياة والأزمات الصحية العامة:

تختلف أولويات جودة الحياة عندما تكون إحدى ضرورات الحياة (الأمن والصحة والغذاء) في خطر. فبينما تتمحور جودة الحياة في الظروف العادية حول المناحي الثقافية والرياضية والترفيهية، تتحول في أوقات الأزمات إلى تحقيق الضرورات في المقام الأول. وهذا ما شهده العالم خلال أزمة كورونا، حيث أصبحت الصحة والغذاء محور الاهتمام اليومي.

  • البحث العلمي خلال الأزمات:

تتطلب حماية صحة الإنسان وتقليل المخاطر وتحسين النتائج اتخاذ قرارات مستنيرة بالعلم. ولذا، فإن البحث العلمي أثناء الأزمات له أهمية بالغة، وتسهيل التعاون بين العلماء الباحثين وممارسي الاستجابة للكوارث أمرٌ لا بد منه. ويساعد البحث العلمي أثناء الطوارئ في عملية صناعة القرار، كما يؤثر بشكل مباشر على أرواح الناس خلال الأزمة وحياتهم بعدها.

2.1 خصائص البحث العلمي خلال الأزمات؛ أهمها:

  • اختلاف البروتوكولات والجداول الزمنية لإجرائه.
  • سريع وحاسم ويقدم نتائج مبنية على معلومات محدودة وغير مؤكدة.
  • يُقاس نجاحه من خلال إنقاذ الأرواح وتقليل الإصابات وسرعة التعافي واستعادة الحياة الطبيعية. يمكن لهذه الخاصية أن تضعف التنسيق وتبادل المعلومات خلال الأزمة، ما لم تُعالج بأدوات إدارية وإجرائية استثنائية. كما قد تعيق النظر في التبعات والأخطار المصاحبة والاعتبارات الأخلاقية المعتادة.
  • ضعف تدريب الباحثين والعلماء حول الاستجابة المناسبة والقضايا الأخلاقية والتبعات القانونية المتعلقة بإتاحة المعلومات ونشرها خلال الأزمات.

وعندما نُطبِّق هذه الخصائص على البحث العلمي المتعلق بـ (كورونا المستجد)، نجد هذه الخصائص واضحة للراصد. وأشهر مثال على هذا ما رأيناه بخصوص البحوث حول فعالية دواء الملاريا (الهيدروكسي كلوروكوين) في حالات (كورونا المستجد)، وما صاحبه من قرارات صحية من منظمة الصحة العالمية وغيرها. وهذا قاد إلى بلبلة لدى عامة الناس، مردها عدم فهم طبيعة البحث العلمي وآلية تطبيق نواتجه في مثل هذه الظروف. ومن هنا يمكن أن نُشير بعجالة إلى الحلقة المفقودة لدينا؛ الإعلام العلمي.

2.2 الإعلام العلمي… الحلقة المفقودة بين مجتمع المعرفة والمجتمع المحلي:

للإعلام العلمي أهميةٌ بالغة في تبسيط العلوم بشتى فنونها ونَشْر الثقافة العلمية الرصينة بلا تهويل أو تهوين أو تضليل. وفي العالم العربي يندر وجود الإعلامي العلمي الكفء، إلا في قلة من المؤسسات العلمية ذات التأثير المحدود إعلاميًّا.

وفي مثل الأزمات والطوارئ تبرز أهمية الإعلامي العلمي القادر على إيصال المعلومة العلمية إلى المتلقي بلغة بسيطة وقابلة للتطبيق. وعندما تكون هذه المعلومات متعلقة بصحة المجتمع وجودة حياته، فهي بلا شك تكتسب أهميةً فوق أهميتها وأولوية قصوى (كورونا مثلاً).

2.3 نظرة عامة على المبادرات البحثية الوطنية:

ويجيب وجود مثل هذه المبادرات وغيرها – من الجانب الكمي على الأقل – عن السؤال حول دور المجتمع المعرفي والخدمي في مجال البحث. غير أن الجانب النوعي لمثل هذه الجهود وكفاءة تحويلها إلى منتج (معرفي ومادي) مفيد يظل مثيرًا للأسئلة والنقد، وهو ما تناوله ملتقى أسبار في أكثر من مناسبة، وتساءلت عنه د. عبير – بشكل مشروع- في الورقة الرئيسة. ولكن يُلاحظ على هذه المبادرات عمومًا:

  • يُعنَى أغلبها بالجانب الصحي العلاجي.
  • ضعف الدعم المالي.
  • تشتُّت الجهود العلمية.
  • توصيات مقترحة:
  • تعزيز دور مراكز البحوث العلمية خلال الأزمات العلمية بهدف توحيد الجهود والبروتوكولات المتعلقة بالبحث العلمي الوطني خلال الأزمات.
  • العناية القصوى بالإعلام العلمي في الإعلام الوطني، وضرورة تأهيل الإعلاميين العلميين.
  • وجود جهة علمية (إستراتيجية) مستقلة تُعنَى بتحديد الأولويات البحثية الوطنية، وتوجيه غالبية الدعم البحثي لهذه الأولويات.

مراجع:

 

  • التعقيب الثاني: د. هناء المسلط

مع بداية كورونا وفي فترة تطبيق الحظر، انهالت علينا عبر وسائل التواصل المختلفة، روابط تحمل عناوين أبحاث ودراسات للتعرُّف على الآثار (الاجتماعية والصحية والنفسية والاقتصادية) من خلال قياس آراء واتجاهات المجيبين على الاستبيانات، ولم نعرف ما توصلت إليه هذه الأبحاث والدراسات من نتائجَ إلى هذه اللحظة! من المعروف أن التقدُّم العلمي قضية تراكمية، وما يُميِّز هذا القرن هو الاهتمام بالتغيرات الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وغيرها من متغيرات وأثرها وتأثيرها فيما بينها، والتفاعل والتأثير والتأثُّر قائم ومستمر. إن العصر الذي نعيش فيه يُطلِق عليه البعض عصر (القلق الجماعي) نتيجة التقلبات الصحية والاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية. إن قيمة البحوث العلمية وأهميتها تكمن في تناولها لاحتياجات المجتمع من جميع الجوانب، وتقديم الحلول للتحديات والأزمات التي قد تمرُّ به؛ لذا كان من الضروري التوسُّع في مراكز البحوث العلمية بكافة مجالاتها، ودعمها والانتقال بها من مرحلة الدراسات التقليدية الروتينية إلى مرحلة الدراسات المستقبلية، والتركيز على المؤسسات الأكاديمية والمعرفية في تنشئة جيل قادر على استشراف المستقبل وابتكار تقنياته، فطريق المستقبل لن يكون سريعًا إلا من خلال تطوير البحوث العلمية بحيث تكون شاملةً لكل نواحي الحياة، وتوفير الإمكانيات لتشجيع الباحثين. إنَّ من أهداف البحث العلمي التنبؤ بالأزمات وكيفية مواجهتها، وكما نعلم أن من سمات الأزمة المفاجأة فهي تحدث دون سابق إنذار، ولا تتوفر معلومات كافية عن أسبابها، وتتصاعد أحداثها مما قد يجعلها خارج نطاق قدرة وتوقعات أصحاب القرار، تنشر حالة ذعر نتيجة غياب الحل الجذري السريع، فالأزمة لا تُعطي مهلة مما يتطلب قرارات مصيرية لمواجهتها وحسمها أو حسرها. وهناك الكثير من الأزمات والظواهر التي يمكن تطبيق التنبؤ العلمي عليها من خلال البحث الاستشرافي ووضع السيناريوهات المستقبلية لها، وعمل خُطط محكمة لكل ما يمكن أن تصبح عليه؛ وبالتالي تجنُّب الوقوع في مشكلات مستقبلية من خلال الأسلوب الوقائي ووضع نظام فعَّال للإنذار المبكر.

طرحت بعض الجامعات خلال جائحة كورونا مبادرات (لبحوث فيروس كورونا) وفق شروط وضوابط، وآليات للتقديم والتنفيذ، وخطة زمنية، ومؤشرات الأداء، وحدَّدت ميزانيات متراوحة، وتمَّ قبول البعض من المتقدمين، وهنا أطرحُ تساؤلات:

  • الأول: هل ستكسر هذه الأبحاث القالبَ التقليدي وتخرج بدراسات نوعية ترتكز على الأدلة بدءًا بوضع السؤال الجيد وتنقيحه، وتتبُّع الأدلة العلمية الضرورية التي تتمحور حول الجائحة، وتقويمها بشكل انتقادي وصولًا إلى كيفية تطبيق هذه الأدلة على مجتمع البحث حسب التخصص، ومن ثَمَّ تقويم آثار هذا التطبيق واستعراض الإستراتيجيات الضرورية لإدخال الأدلة المستمدة من البحث العلمي في الممارسة العلمية مثالًا) الصحة الوقائية(، وتعزيز ثقافة دائمة للممارسة المستندة على البراهين في المجالات والتخصصات التي تناولتها؛ أم ستبقى الفجوة قائمةً بين الممارسة ونتائج البحوث العلمية؟
  • الثاني: ما مصير نتائج وتوصيات هذه الأبحاث والدراسات؟ هل ستأخذ مكانَها على رفوف المكتبات بجانب ما تمَّ إنجازه سابقًا من دراسات حُجِب النور عن نتائجها وتوصياتها لعدم وجود جهات تنفيذية تُعنَى بها، أما أنها ستنال حظَّها في حال استحقاقها وتميُّزها؟
  • الثالث: هل يمكن الاعتماد على نتائج هذه الدراسات والأبحاث واعتبارها قاعدةً علمية أساسية لوضع إستراتيجية وسياسات صحية واجتماعية واقتصادية مثلًا؟
  • الرابع: هل ستُمكِّن سيناريوهات استشراف هذه الأبحاث من تجنُّب حدوث أزمة مستقبلية أو جائحة أخرى، وتُقلِّل من حجم التأثيرات والتبعات المختلفة في حال حدوثها لا قدر الله؟
  • أخيرًا ونحن في (زمن الكورونا)، هل نحتاج إلى ثورة على البحث العلمي التقليدي وإعادة تشكيل مستقبله؟

 

  • المداخلات حول القضية:
  • مفهوم الدور الصحي غير العلاجي:

أوضحت د. هناء المسلط أن الدور الصحي غير العلاجي هو الدور الذي يتطلب تقديم خدمات رعاية توعوية وقائية من خلال أنشطة تؤدي للحد من الاعتلال صحيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا، بحيث يتحقق التوازن من خلال التزام المجتمعات بها. والحد من الاعتلال مستقبلًا في تلك الجوانب. ولكل تخصص دورٌ ومهامُّ في الجانب غير العلاجي.

وفي اعتقاد أ. د. عثمان العثمان، فإن المراد بالدور الصحي غير العلاجي هو البحث العلمي المتعلق بالجوانب الصحية غير العلاجية في حالات الإنسان الثلاث:

  • قبل المرض: الوقاية.
  • خلال المرض: التلطيف.
  • بعد المرض: التأهيل.

ومن جانبها تساءلت د. وفاء طيبة: لماذا لا يُعتبر التأهيل علاجيًّا؟ التأهيل مثلاً بعد الحوادث أو بسبب إعاقة جسدية أصيلة سواء الجسدي أو المهني أو السمعي، لماذا لا يعتبر علاجًا؟

وبدوره أوضح أ. د. عثمان العثمان أن اعتبار التأهيل علاجيًّا يعَدُّ وجهة نظر منطقية، لكن ما يمكن استنتاجه بطريق غير مباشر من بعض منشورات منظمة الصحة العالمية: (يمكن أن تغطي الرعاية الصحية الأولية غالبية احتياجات الشخص الصحية طوال حياته، وتشمل الوقاية والعلاج وإعادة التأهيل والرعاية الملطِّفة). وقد يكون استنتاجًا حرفيًّا، غير مقصود في النص!

واتفقت د. عائشة الأحمدي مع القول بأن نزع صفة العلاجية عن التأهيل، يحتاج إلى تبرير مقنع لنزع هذه الصفة عنه، مع أنها في الأصل غير مبررة. قد تكون أهدافه المباشرة لا تصبُّ في العلاج المباشر.

وفي تصوُّر د. عبير برهمين، فإن المقصود بالعلاجي هو كل ما يصبُّ وبشكل أساسي في خانة إيجاد دواء أو سياسة أو آلية تدفع نحو شفاء المريض من الأوبئة. وغير العلاجي: هو كل ما يهتم بتعزيز الصحة ونشر الوعي والأخذ بالأمور الاحترازية لتقليل وطأة الكوارث من سياسات وإجراءات وقائية.

ورأت د. وفاء طيبة أن ما يُستدل عليه مما تقدَّم، أن يكون التأهيل علاجًا وليس خارجًا من محيط العلاج أيًّا كان نوعه إلا إذا كان تأهيلاً علميًّا، بمعنى تدريس أو تدريب.

  • نماذج للجهات العلمية والمعرفية ذات الصلة بممارسة الدور الصحي غير العلاجي:

ذكرت د. عفاف الأنسي أنَّ ثمة مجموعة من الجهات العلمية والمعرفية لها نشاط ودور في البحث الصحي غير العلاجي، من أبرزها:

  • جمعيةُ شارِك للأبحاث الصحيةِ: ومن نشاطاتِها:
  • مؤشِّرُ صحةِ المجتمعِ.
  • مبادرةُ تِسلَم.
  • مبادرةُ خلِّكْ واعِي.
  • برنامجُ نمط الحياة الصحي.
  • برنامج طريق المعرفة.
  • وغيرها من البرامجِ والأنشطةِ الصحيةِ غيرِ العلاجيةِ.
  • الإدارةُ العامةُ للدراساتِ والبحوثِ في وزارةِ الصحةِ.
  • مركزُ أبحاث نمطِ الحياةِ والصحةِ بجامعةِ الأميرةِ نورة بنت عبد الرحمن.
  • مركزُ البحوثِ والدراساتِ الصحيةِ الوطنيةِ في المجلسِ الصحيِّ السعوديّ.
  • قسمُ أبحاث الصحةِ السكانيةِ في كيمارك.

 

  • عوامل تطوير البحث العلمي باتجاه جودة الحياة في الأزمات الصحية:

أشارت أ. فائزة العجروش إلى أنه من الضروري الاستفادة من الأبحاث العلمية وتوظيفها في إيجاد الأدوار العلاجية، سواء على المستوى الصحي أو الاقتصادي أو القانوني وغيرها؛ كونها تُمثِّل طوقَ النجاة لجميع ما يواجهنا من أزمات طارئة – في ظل هذه الأزمة العالمية التي خلَّفها فيروس كورونا.  لذا، علينا الاهتمام بأهم العوامل التي تسهم في تطوُّر البحث العلمي باتجاه جودة الحياة في الأزمات الصحية، منها:

  • أولًا: الحاجة الماسة إلى الاستثمار الاقتصادي لمخرجات البحث العلمي التي تضاعَفت الحاجة العالمية لها في هذا المجال؛ ليتم تحويل المخرج العلمي للبحوث إلى قيم وخدمات وسلع تكتمل بها المعادلة ثلاثية الأطراف لإستراتيجية الاستثمار في البحث العلمي (الباحث، المستهلك، المستثمر)؛ لبناء جسر تعبر من خلاله نتائج الباحث إلى حاجة المستهلك، وتقديم ما يسعف حياة الملايين من البشر في وسائل الوقاية أو العلاج. وبالطبع، كلما تمكَّن المستثمر من الجمع بين طموحات وتطلعات الباحثين وبين حاجات المستهلك وفقًا لمتطلبات السوق، كانت البحوث ذات صدى علمي واسع وقيمة اقتصادية عالية. وحتى نحصل على هذه النتيجة المرجوة؛ يجب أن تُشكِّل فكرة البحث موضوعًا قابلًا للاستثمار والتسويق، وأن تكون له آثاره المادية والصحية والاقتصادية المحسوسة، من خلال تحويل المستثمر القيمة العلمية لقيمة اقتصادية، من خلال سلع وخدمات متاحة لمَن يبحث من المستهلكين عن سدِّ حاجته منها.
  • ثانيًا: السعي لخلق حالة من التكاملية بين الاختصاصات العلمية والإنسانية لمواجهة هذا الوباء العالمي، وأن يكون هناك تعاونٌ بين الجامعات والمؤسسات العلمية عند اختيار طلاب الدراسات العليا والأكاديميين لموضوعات بحثهم بغرض الحصول على شهادة عليا أو ترقية علمية، بأن يكون الاختيار مشروطًا بجدوى موضوع البحث وتحقيق المنفعة لمحاربة هذا الوباء، فعلى سبيل المثال:
  • أن يُحقِّق البحث في المجال الطبي المنفعة التالية:
  • الوسائل المثالية للوقاية من الوباء والوسائل العلاجية.
  • إيجاد البدائل الأسهل والأوفر في الاستعمالات.
  • أن يحرص البحث في المجال الاقتصادي مثلًا، على ما يلي:
  • خلق فرص عمل مرنة في ظل إجراءات الحظر.
  • تحديد البدائل الأفضل لتمويل العجز الحاصل في ميزانية الدولة بعد انهيار أسعار النفط عالميًّا وتأثُّر الاقتصاد المحلي بهذا الوباء.
  • المساعدة في كيفية ترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات في الدولة في ظل استمرار هذه الأزمة.
  • كيفية معالجة إشكالية البطالة في ظل تداعيات تسريح مزيد من الموظفين.
  • أن يُوفَّق البحث في المجال القانوني في توضيح الآتي:
  • مناقشة الإطار القانوني الذي يحكم مواجهة تداعيات جائحة كورونا التي مسَّت بشكل كارثي مختلف جوانب العلاقات القانونية الاجتماعية، المحلية والإقليمية.
  • البحث في الآليات القانونية لاستثمار البحث العلمي حسب قواعد القانون التجاري والقانون الدولي.
  • إمكانية عقد اتفاقية دولية تُصادِق عليها المملكة مع جميع الدول لمواجهة تداعيات فيروس كورونا.
  • الإجراءات القانونية اللازمة في خُطط الطوارئ، والحاجة لتسريح العمال وفق حد معين.
  • إتاحة التعاقد العادل والمُنصِف بين الجامعات أو المراكز البحثية والمستثمر للنتاج العلمي.
  • ثالثًا: الحرص على تشخيص الإشكالية القائمة والمتمثِّلة في عدم توافق الأطراف الثلاثة، وهم: الباحث والمنتج (المستثمر) والمستهلك؛ الأمر الذي يُبرِز الحاجةَ لوجود جهاز معنيٍّ يقوم بعمل التنسيق بين كل هذه الأطراف، ويعمل على توضيح الفُرص الجاذبة أمام المستثمر السعودي والأجنبي، ولا سيما عند المستثمر الذي يريد أن يُسوِّق البحثَ العلمي تسويقًا اقتصاديًّا؛ توفيرًا للجهد والوقت والتكاليف، ووضع البحث في مكانه المناسب.

ويبقى التساؤل المهم: ماذا ينقصنا لتكون لدينا مجلات علمية عالمية كـ (سكوبس وتومسن رويترز)، تدخل ضمن محركات البحث العالمية، والتي لا يغيب عن أهدافها البعد الاقتصادي عند نَشْرها للأبحاث التي تُمثِّل مستوى متقدِّمًا في النتاج الفكري، وأن تكون الأبحاث قابلةً للتطبيق العملي ولها مردود اقتصادي أو إنساني ملموس. كما أنها تبحث عن أبحاث ذات جودة نوعية عالية، ولا تنشر مجرد بحوث لأغراض ترقية مثلاً، أو تُعبِّر عن مجرد نشاط علمي.

وذهبت د. عبير برهمين إلى أن وصولنا في هذه المرحلة إلى مخرجات بحثية قابلة للاستثمار والتسويق ربما يكون صعبًا قليلاً، ولكنه غير مستحيل. ما لم تقم المملكة بعقد شراكات نوعية مع الجهات ذات العلاقة دوليًّا كمرحلة أولى، ويتم الاستثمار عن طريق حصص أو أسهم في المخرجات البحثية القابلة للاستثمار والتسويق. أو عن طريق تمويل البحوث العلمية الدولية شريطة إشراك علماء ومختصين من الجانب السعودي من باب نَقْل المعرفة واكتساب الخبرات. ولكن في المطلق، فكرة تحويل مخرجات الأبحاث إلى منتج استثماري واقتصادي تشوبه بعض المحاذير، إذ إن التجاوزات الأخلاقية واللامهنية واردة. فضلاً عن نشوة تحقيق قصب السبق دوليًّا وما له من بريق قد يكون غير محمودٍ خاصة في الظروف الاستثنائية كجائحة كورونا الحالية.

ومن ناحيته يرى د. صدقة فاضل أن المفترض من أي جامعة أن تقوم بثلاث مهام أساسية: التدريس، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع. والواقع أن دور الجامعات السعودية في البحث العلمي، سواء في حالات الجوائح أو غيرها، ما زال ضعيفًا إنْ لم نقُل غيرَ ذلك.

بينما ترى د. فوزية البكر فيما يتعلق بالمساهمات العلمية للباحثين السعوديين في دراسة الأوبئة عمومًا؛ أن المملكة لها خبرة طويلة في هذا المجال خاصة بعد المرض الذي ظهر من مخالطة الإبل قبل سنوات. أما من حيث التعاون مع جامعات أخرى، فجامعة الملك عبد الله (كاوست) (على سبيل المثال لا الحصر) لها دور فاعل في هذا الشأن من خلال أبحاثها المشتركة مع جامعة أكسفورد وغيرها بأكثر من عشرين بحثًا.

وأكد م. فاضل القرني على أهمية الدعم الأهلي في البحث العلمي بحوافز استثمارية وإنسانية في نفس الوقت، ولا يكون كل شيء منوطًا بالإنفاق الحكومي.

وتساءل أ. لاحم الناصر: ماذا قدَّمت الكراسي البحثية التي تمَّ إنشاؤها في الجامعات؟ وأوضحت د. هند الخليفة أن ما قدَّمته هذه الكراسي تركَّز أساسًا في الدعم المادي الرمزي، والنشر في منافذ ذات ارتباط بها كالمجلات أو الموسوعات.  وفي ضوء ذلك، يجب العمل على استدامة دور الكراسي البحثية في الجامعات في تعزيز البحث العلمي واستقطاب الباحثين المتميزين، من خلال الدعم الإداري والتكامل في التخطيط بين الإدارات المعنية داخل الجامعات، ومع مؤسسات المجتمع.

وأضاف د. عبد الله بن صالح الحمود أن البحث العلمي لا يزال في جامعاتنا، والعديد من البيئات العلمية والعملية، نادرَ الاهتمام به، وكأنَّ البحث العلمي أقل ما يُقال عنه، مذكرات ذات محتويات تعريفية عن شأن ما أو موضوع ما فحسب؛ ولهذا أصبح المفهوم العام للبحث العلمي مجرد إعداد عدد من الأسطر تُكتب على صفحات محدودة، وتُقدَّم على أنها بحث علمي، هذا ما هو مفهوم لدى البعض، والبعض الآخر لا يُعطِي للبحث ذلك الاهتمامَ المستحق، على أنه منهج يدعم علم المستقبليات، ويدعم خطوات ذات إستراتيجيات حيوية لبناء مستقبل حياة. وعلى الرغم من أننا كغيرنا من المجتمعات الأخرى، شرعنا – وعلى سبيل المثال لا الحصر – لسبر أغوار اقتصاد المعرفة، هذا الاقتصاد النوعي والحديث، وهو اقتصاد يعني تسخير الاقتصاد للبحث العلمي؛ إلا أن هذا التوجُّه لم ينل المساحة الداعمة المستحقة، هنا يمكن القول إن البحث العلمي يعيش مرحلة احتضار، فليس هناك دعمٌ كافٍ قُدِّم له، ولا حتى وجود جهة مستقلة ترعاه، ولا رصد مصروفات مالية له تتفق وأهميته الفعلية كرسالة علمية تؤسِّس لقاعدة من العلوم العامة. ولأن موضوع القضية الحالية ارتبط حول البحث العلمي لوباء كورونا؛ هنا علينا أن نُدرك أن جامعاتنا كانت لديها القدرة للمشاركة العالمية نحو ابتكار لقاح أو علاج لهذا الداء المستجد، لكن المسألة تتطلب هنا تحرُّكًا وطنيًّا شاملًا؛ فهذا الوباء حتى الآن لم تتحقق مراكز بحثية طبية عديدة عن أسباب انتشاره كجائحة حديثة، ولم تتحقق العديد من المختبرات والمعامل الطبية من توافر لقاح أو علاج له؛ لذا لا بد أن يكون لنا دورٌ كبير في الوصول إلى نتائجَ نُثبت من خلالها أن لدينا من القدرة الممكنة في تقديم ما يمكن تقديمه من نتائجَ مقبولةٍ، وهو تحدٍ بلا شك كبيرٌ، وهذا التحدي يتطلب مؤازرة ذات عطاء مادي ومعنوي.

وفي تصوُّر د. يوسف الرشيدي، فإن هناك جهودًا كثيرة حكومية فيما يخصُّ موضوع البحث العلمي الصحي، وسبق خلال شهر إبريل 2020 أن تمَّ طرح عدد من المنح العلمية والدعم لإنتاج بحثي حول كيفية انتشار الوباء، والطرق العلاجية الملائمة للتعامل معه، وغيرها من شؤون تختصُّ بالأمراض والأوبئة. ورأينا حراكًا لا يجب أن نقلل من أهميته، ووجدنا مركز الأمراض والأوبئة يطوِّر سياسات وإجراءات وقاية وأدلة في جميع البيئات، وصل عددها ما قارب الـــ 50 دليلاً توعويًّا إرشاديًّا. والمُشاهِد للوضع في المملكة التي تتعرض لأزمة بهذا الحجم، يجد أنها أثبتت أنها تعمل بشكل مميَّز، ونجحت في تطبيق بروتوكولات وسياسات وإجراءات المخاطر، ونجحت في عملية التواصل مع جميع المستفيدين. الجائحة أنتجت لنا أدلةً وإرشاداتٍ وإجراءاتٍ خاصةً بتواصل المخاطر وُلِدت من رحم الأزمة، وتم تواصل المخاطر بأسلوب وطريقة تجاوزت المتوقع. وقد تبيَّن أن خبراء الصحة الوقائية نجحوا في التعاطي مع جائحة كورونا مع عدم وجود بحوث علمية كثيرة سبق نشرها عن المخاطر الصحية أو ما شابه. وكمُّ المعلومات التي تمَّ معالجتها خلال أزمة كورونا، وتمَّ نَشْر تقاريرها ومشاركتها هنا وهناك – سيكون قطعًا انطلاقة للتميُّز في النشر المؤسسي المتمثِّل في المستشفيات والمراكز المختصة فيما يخص كورونا علاجيًّا ووقائيًّا.

وفي تصوُّر د. حمد البريثن، فإن البحث العلمي في المملكة يتركَّز بشكل كبير في الجامعات، ويوجد جزء منه مرتبط ببعض المؤسسات العلمية مثل مدينة الملك عبد العزيز والمستشفى التخصصي، وبعض الشركات الخاصة الكبيرة مثل أرامكو. ولكي ينجح البحث العلمي ويصبح جزءًا من المنظومة الوطنية بشكل مستدام؛ يجب أن يُنظر لتفاصيل العمل البحثي وعناصره، ومن أهمها:

  • العنصر البشري العلمي: فلا نُنكر وجود الكوادر من حملة الدكتوراه من السعوديين أو غيرهم، ولكن لدينا إشكال في موضوع استقطاب باحثي ما بعد الدكتوراه على المشاريع، ويمتد هذا الإشكال إلى استقطاب طلاب الدراسات العليا من دول العالم المختلفة.
  • الدعم المستمر: حيث يتم دعم البحث العلمي بطريقة تشابه الأمطار في وسط المملكة، حيث تجدُ في فترة معينة دعمًا عاليًا جدًّا (ماديًّا) يتبعه انحسار وجفاف كبير يدمِّر ما تمَّ بناؤه في الفترة السابقة.
  • البنية الإدارية والمالية: حيث تحتاج المملكة إلى بناء الكوادر الإدارية والمالية للعمل مع المجموعات البحثية؛ لتقليل عبء العمل الإداري والمالي على الفريق البحثي.
  • الدعم اللوجستي: حيث تشابه أنظمة ولوائح البحث العلمي في المملكة أنظمة المشتريات، وقلما تجد أكاديميًّا وباحثًا جيدًا يفهم طريقة التعامل مع تلك اللوائح بروح البحث العلمي، وإنْ وُجِد فإنه يتوجَّه للعمل الحر تاركًا بيروقراطية الأنظمة لغيره.
  • الجمعيات العلمية والتوجُّهات المستقبلية: فلا يوجد جمعيات علمية (باستثناء حالات خاصة من الجمعيات العلمية)، والتي تتدخل بتوجيه دفة الدعم البحثي بشكل يضمن استمرارية العمل للمستقبل.
  • استعجال النتائج: فمن المعلوم أن نِتاج البحث العلمي هو تحصيل حاصل، ولكن للأسف نجد أن هذا المبدأ غير مُطبَّق لدينا، حيث تجد في الكثير من الشروط لدى الجهات المانحة بأن ينتهي البحث بمنتج اقتصادي، وهذا ضيق أفق لدى مَن وضع تلك الشروط. والمقصد أن العمل البحثي كمنظومة سيؤدي إلى منتج، وليس المشروع البحثي لوحده. يستعجل الكثيرُ من الداعمين الحصولَ على مُنتَج من المشاريع البحثية مباشرة، وليس لديهم صبرٌ على النتاج طويل أو حتى متوسط المدى.

وجميع ما ذُكر أعلاه مهمٌّ جدًّا لفَهم كيفية العمل على تطوير البحث في المجالات الصحية وغيرها، حيث نجد شُحًّا كبيرًا في العمل في المجال الحيوي والمرتبة بالدراسات الأساسية للعلوم الحية، وكذلك الدراسات التكاملية بين التخصصات للخروج بطُرق للكشف عن الأوبئة أو عملية التوقع والاحتمالات والدراسات المرتبطة بها.

  • رؤية استشرافية للبحث العلمي المرتبط بالدور الصحي غير العلاجي:

يرى د. راشد العبد الكريم أن موضوع البحث العلمي والدور الصحي غير العلاجي يجب أن يُفهم في سياق الصورة الكبيرة للبحث العلمي عندنا. فمن وجهة نظره، فإنه لا يوجد لدينا بحث علمي بالمعنى الحقيقي، بل غالب ما يوجد عندنا هو نَشْر علمي فقط، أو مشروعات بحث علمي؛ وبينهما فرق كبير في الماهية وفي النتائج. البحث العلمي غايته الكشف العلمي أو الإضافة العلمية، وهو ما ينتهي عادة بالتطوير وحل المشكلات. نحن غالب أبحاثنا تكون بدافع منفعة شخصية مادية أو عملية، لكن نادرًا ما تكون بقصد (العلم)؛ ولذلك تجد مَن يقول إنه نشَر عشرات (وربما مئات) الأوراق العلمية، ولا يستطيع أن يقول إنه قدَّم إضافة علمية واحدة. البحث العلمي يقوم به العلماء والباحثون الجادون، النشر العلمي تقوم به (فِرق البحث)! وموضوع (البحث العلمي والدور الصحي غير العلاجي) يبدو أنه يُعاني أو سيعاني من هذه المتلازمة (النشر مقابل البحث)؛ وبالتالي سيفقد قيمتَه العلمية والعملية. طبعًا، علاج هذه المشكلة يبدأ من الجامعات ومن مراكز الأبحاث، التي يجب أن تُوفِّر بيئةً (صحية) للبحث العلمي، يُحقِّق فيها البحثُ العلمي أهدافَه الحقيقية: تجويد الحياة وتطويرها وحل المشكلات. والواجب أن يتم البعد عن التركيز على النشر الهادف لرفع التصنيف الدولي للجامعات، وتشجيع البحث العلمي الحقيقي خارج إطار (النشر) بمفهومه التقليدي؛ وذلك بتشجيع الترجمة الجادة والتأليف العلمي العميق، وإحياء النقد العلمي.

وأشارت د. هناء المسلط إلى أن استشراف المستقبل – بما في ذلك مستقبل الدور الصحي غير العلاجي – من خلال البحوث العلمية هي صناعة لها عناصرها وأسُسها المنهجية المعتمدة في الدراسات المستقبلية؛ بحيث تكون شاملةً ذات نظرة كلية، تلتزم بالحياد العلمي، تمزج بين الأساليب النوعية والكمية في العمل المستقبلي، والبعد عن التعقيد، وبالطبع لا بد من تأهيل الباحثين لهذا النوع من الأبحاث والدراسات. والأهم إنشاء مراكز وإدارات لصناعة المستقبل من خلال هذه الأبحاث؛ للوصول للنتائج اللازمة فعليًّا لعمليات التخطيط.

وفي ذات السياق المتصل بالبحث العلمي والدور الصحي غير العلاجي، تعتقد د. مها المنيف أننا قطعنا شوطًا كبيرًا في المملكة في هذا المجال؛ فهناك أبحاث العلوم الأساسية، وبها استطعنا أن نُسهم في مشروع الجينوم العالمي، وهناك مراكز أبحاث تستطيع تفكيك جينات أي فيروس، والعمل على لقاحات، واكتشاف أمراض جينية… إلخ؛ فهذا النوع من الأبحاث الأساسية مهمٌّ جدًّا للقطاع الصحي، وبدأنا به في السنوات العشر الماضية بجدية كبيرة. وهناك الأبحاث الإكلينيكية التي أبدعت في جائحة كورونا، فحصلنا على الكثير من الأوراق العلمية الطبية التي تصف أعراض المرض وطُرق انتقاله والعلاجات المختلفة المستخدمة… إلخ، وهذا النوع من الأبحاث مهمٌّ للأطباء والعاملين بالقطاع الصحي، وقد قطعت المملكة في العقود الماضية شوطًا كبيرًا في هذا النوع من الأبحاث العلاجية. وأخيرًا، هناك الأبحاث الميدانية التي أيضًا تميَّزت أثناء الجائحة في دراسة رأي العامة والوضع النفسي والاجتماعي أثناء الجائحة، وكذلك طرق الوقاية المختلفة وانتقال الفيروس وأهميتها. وهذه الأبحاث غير الإكلينيكية تهمُّ غالبية الناس، ويجب نَشْرها بصوره مستمرة بطريقة محترفة. النوع الأول وكذلك الثاني من الأبحاث علمي بحت، والتصوُّر أنه لا يجب نَشْر تفاصيله للعامة كما حصل مع دواء الكلوروكين والدراسات حوله، مما أثَّر سلبًا في مصداقية هذه الدراسات.

وتساءلت د. عفاف الأنسي: هل يؤثِّرُ المجتمعُ العلميُّ والسياقُ الفكريِّ الذي تُبنَى فيهِ المعرفةُ علىَ ممارسةِ الباحثِينَ المنتمينَ لعملِهِم، استشهادًا بما ورد في الورقة الرئيسة من أن الباحثينَ يتميزونَ في الخارجِ أكثر من الداخلِ؟ أيضًا، فيما يتعلق باقتصار البحوثِ على المتطلباتِ الأكاديميةِ للترقيةِ؛ هل سيكون من المفيد وُضِعُ متطلب أكاديمي يستندُ على عدد البحوثِ الوطنيةِ المُشترَكةِ التي شاركَ فيها الأكاديميُّ، وذلكَ بهدفِ تحفيزِهِ على العملِ في البحوثِ الجماعيةِ المختلَطةِ؟ كذلك: ما مستقبلُ الدراساتِ الاستشرافيةِ في مجالِ الصحةِ بشكلٍ عام؟ وهل لدَى الباحثينَ الأدوات والمعرِفة اللازمة لتقصِّي المستقبَلِ في مجالِ الصحةِ العلاجيةِ وغير العلاجية؟ فمن المعروفِ في الدراسات الاستشرافية أن لها أدواتِها الخاصةَ، والتي قد يكون من المفيد تعليمُها والتدريبُ عليها في المرحلةِ الجامعيَّةِ وحتى الدراسات العليا كي يتمكنَ الباحثُ من أدواتِها.

ومن جانبها أوضحت د. عبير برهمين أن كل العناصر المرتبطة بالمجتمع العلمي والتنافس العلمي (غير الأناني) ووجود آليات متطورة للبحث هي مُحفِّز بشكل كبير للإبداع والابتكار، وكذا الإقبال على التحديات. وعادةً يُشترط أن يكون البحث أصيلاً، ويُقدِّم إضافةً علمية جديدة ونوعية في البحوث المقدَّمة لنيل درجة علمية معينة كالدكتوراه. أما الأبحاث العلمية والصحية في المطلق فحتى النتائج السلبية هي إضافة علمية في حد ذاتها. وقد يكون من المناسب تشجيع الباحثين على تقديم أبحاث مشتركة مع تخصصات أخرى، ولكن الخشية من وضع شرط المشاركة في بحث على مستوى وطني أن يكون محدِّدًا لا محفِّزًا. أما بخصوص البحوث الاستشرافية في مجال الصحة، فيوجد بعض البحوث الاستشرافية على استحياء هنا وهناك بمجهودات فردية غالبًا. في حين المطلوب هو وجود توجُّه وطني وهيئة متخصِّصة للدراسات الاستشرافية بالمطلق، يكون جزء منها ما يتعلق ببحوث الصحة وخاصة ما يتعلق بجودة الحياة.

ومن جديد تساءلت د. عفاف الأنسي: هل ثمة ضرورةَ لأن تتطابقَ التوجهاتُ البحثيَّةُ مع أولوياتِ جودةِ الحياةِ، وتركِّزُ على الأمورِ المهمة في الأزماتِ وتُهمِلُ الأخرَى لتوحيدِ الجهودِ فيما هو مهمٌّ؟ وهل هذا هوَ الدَّورُ المتوقعُ من الجهةِ العلميةِ؟ وهل سيؤثِّرُ ذلكَ على المجالاتِ العلميةِ الأخرى، خاصةً وأنَّ تعطيلَها قد يتسبَّبُ في ضمورِ في معرفَتِها والإيحاءِ للمجتمعِ وللمختصينَ بأنَّها غيرُ ذاتِ أهميةٍ؟  وهل منَ الواجبِ التغاضِي عن الاعتباراتِ الأخلاقيةِ للبحثِ العلميِّ في الأزماتِ، وهل سيؤثرُ ذلكَ على الثقةِ في العلمِ والبحثِ العلميِّ؟

وبدوره أشار أ. د. عثمان العثمان إلى أن الأولويات البحثية تُوضع لتحديد ما هو مهم وما هو أهمُّ؛ مما يساعد على توزيع التركيز والدعم حسب الأهمية الوطنية سواء في الظروف الطبيعية أو أوقات الأزمات. هذا هو الهدف منها. مثلاً، المياه إحدى أهم الأولويات، وفي الجانب الصحي ربما تكون الأورام إحدى أهم الأولويات البحثية الصحية. أما فيما يرتبط بالدَّور المتوقع من الجهةِ العلميةِ؛ فهذا هو أحد الأدوار المتوقعة لها. وقد يكون من أدوارها توزيع الدعم المالي حسب الأولويات. ومن المؤكد أن ذلك سيؤثِّرُ على المجالاتِ العلميةِ الأخرى الأقل أهميةً، وهذا هو المراد، أن يتوجه الدعم للأهم فالأقل أهمية؛ لكن هذا لا يعني إيقاف الدعم كليًّا عن بقية المجالات. أيضًا، هناك الدعم الذي يُفترَض أن يُقدَّم من جهات القطاع الخاص، لمعالجة قضايا معينة تخدم نشاط الجهة. لكن من الواجب التأكيد على أنه لا يجب التغاضي عن الاعتبارات الأخلاقية، وإنما قد يقع التغاضي ضرورة تفرضها عوامل مثل الوقت وعدم توفُّر الدعم السريع والكافي وغيرها.

وفي سياق متصل، اتفقت د. عفاف الأنسي مع ما ذكره أ. د عثمان العثمان في التعقيب الأول حول ضرورةِ التركيزِ على الإعلامِ العلميِّ كحلٍّ لنشرِ الثقافةِ العلميةِ الرصينة، خاصة أن قليلًا من الصحفيينَ مَنْ يتولَّى عرضَ دراسة ويُلخِّصها ويكتُب عنها تقريرًا مميزًا، فالأغلبيةُ يريدونَ مُلخَّصًا جاهزًا، ومن ثَمَّ ينتفي ذلكَ النوعُ من التفاعُلِ الذي يُثرِي ويُوصل الأبحاث للمجتمعِ، فالإعلام لا يؤدِّي دَوْرَهُ كحلقةِ وصل بينَ مجتمعِ المعرفةِ والمجتمعِ المحليِّ ليتحقَّقَ التأثيرُ على المجتمعِ. وإنْ كان ثمةَ تساؤلٌ يتبادرُ إلى الذهن في هذا الإطار، وهو: هل من الأفضلِ تدريبُ الممارسينَ العلميينَ للتحدُّثِ بلغةِ الإعلامِ، أم تدريبُ الإعلاميينَ على فهمِ الأسلوبِ العمليِّ لإعادةِ صياغتهِ وتبسيطهِ؟

وبخصوص هذا التساؤل الأخير، يعتقد أ. د. عثمان العثمان أن كلتا الطريقتين ممكنة؛ فهناك علماء وباحثون لديهم ميول إعلامية ويمكنهم أن يقوموا بالمهمة (خاصة مهام تحرير المقالات العلمية الموجَّهة لعامة المجتمع)، بينما يمكن تأهيل إعلاميين للكتابة العلمية ووسائل التحقُّق من صحة المعلومة (وهؤلاء ربما يكونون مناسبين للأخبار العلمية).

وذكرت أ. بسمة التويجري فيما يتعلق بالإعلام العلمي والضعف الذي يعاني منه في وسائل إعلامنا حيث يتم أحيانًا ترجمة بعض المعلومات دون تنقيتها أو التأكد من مناسبتها لمجتمعنا وتوافقها مع قيمنا وحتى دون التأكد من درجة صحتها، أي على طريقة (القص واللصق)؛ مما يُولِّد بعضَ اللَّبس والخلط والتناقض في المعلومات وخاصة فيما يتعلق بالمعلومات الطبية والصحية والغذائية. ومن ناحية أخرى، وفيما يرتبط بمجال الأبحاث والتطوير R&D في مجال الأعمال، ويندرج تحت ذلك الابتكار والإبداع؛ فلا يزال الإنفاق على هذا البند في شركات الأعمال ضعيفًا ولا يُقارَن بما تنفقه الشركات في دول العالم المتقدم، حيث لا نزال نعتمد في صناعاتنا وأعمالنا على أسلوب التقليد imitation بدلاً من الابتكار والتطوير، وهذه مشكلة أخرى يعاني منها البحث في عالمنا العربي على وجه الخصوص، وفي الدول النامية عمومًا.

وأكدت د. وفاء طيبة على أن مسألة الإعلام الصحي تحتاج بالفعل لدراسات وأبحاث وإستراتيجية واضحة وأبحاث ودراسات interdisciplinary ما بين الطب وعلم النفس والإعلام، فكلُّ ما يُقال أو يُنقل في الإعلام عن الصحة لا شك أن له تأثيرًا مباشرًا أو غيرَ مباشرٍ على صحة المواطن.

وركَّز د. عبد الإله الصالح على أن ثمة ضرورة لتحقيق ما يلي:

  • إيجاد مركز أو أكثر للبحث الغذائي الآمن حيث يكون هدفه الإستراتيجي خدمة الصحة الغذائية من حيث الأمن والسلامة وتوجيه المجتمع تجاه غذاء وعادات غذائية صحية، تُوجِّه بشكل غير مباشر الصناعة الغذائية والاستيراد والتخزين وغير ذلك.
  • تطوير “صناعة” المراكز البحثية في المملكة والخليج. إنْ صحَّ التعبير، تسمية البنية التحتية من حيث التمويل والإدارة والحوافز والاستدامة والمهنية والتنظيم المهني والمنافسة والتعاون وغير ذلك “صناعة”. والعناصر الرئيسة لمثل هذه الصناعة متوفرة في المملكة؛ زيادة في عدد الجامعات الحكومية والأهلية، والشركات الصناعية، والدرجات العلمية العالية.

وفي ضوء ذلك، تساءلت د. عفاف الأنسي: هل وضع جهة لقياس ومراقبة جودة الأبحاث وربطها بالتمويل مفيدٌ لتحسين المخرجات البحثية وصناعة المراكز البحثية والبحث العلمي؟

ومن جانبه، أشار د. عبد الإله الصالح إلى أن البحث العلمي صناعة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى؛ من حيث إنه تختلط فيه المهنية والنوعية والتجارة والربحية والشهرة وتعدُّد الأطراف وتناقض وتقاطع المصالح وغير ذلك. وإذا عاملنا الموضوع من زاوية الصناعة، استطاعت الدولة خَلْق البيئة المناسبة لتطوُّر هذه الصناعة. أما إنْ عامَلنا الموضوعَ من زاوية الوطنية والاجتماعي الشخصي ورغبة الإبداع والابتكار فقط؛ فإننا وإنْ نجَحنا فهو نجاح موقت. إننا نستطيع أن نُحقِّق كلا الهدفين من خلال إيجاد آليات تحفيزية وتمويلية في سياق خطة متكاملة توظِّف الأصولَ التي نجحت الدولة والمجتمع في إيجادها بشكل متناسق. وثمةَ مثالان على ذلك:

  • المثال الأول: الجامعات الحكومية والأهلية تُموَّل من الدولة بشكل أو آخر. على مستوى الجامعة وعلى مستوى الأفراد العاملين (البدلات والحوافز)، يمكن ربط بعض عناصر التمويل بالتقدُّم الحقيقي في البحث العلمي، وتركيز قدرات الجامعة في هذا الاتجاه بشكل فعَّال.
  • المثال الثاني: ربط المناهج ومتطلبات الشهادات العليا بشكل حقيقي بالفعالية البحثية في سياق المراكز البحثية.

في حين ترى د. عائشة الأحمدي أن تطوير البحوث الأساسية للعلوم الطبية يتطلب دعمًا من المؤسسات البحثية الأساسية في المملكة (مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، والمراكز البحثية في الجامعات، والمستشفيات الفاعلة على مستوى الوطن مثل مستشفى الملك فيصل التخصصي، ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية) بتوجيه صريح من الوزارات المعنية في المملكة بتخصيص نسبة كبيرة من الإنفاق البحثي نحو هذه البحوث، وطرح مشاريع بحثية موجَّهة من هذه المؤسسات للباحثين، يُركَّز فيها في فترات زمنية معينة على قضية بعينها لتكون بمثابة بحوث مرجعية، تُقيَّم في ضوء السلاسل البحثية الأخرى وعلائقها المختلفة، لتحدد التوجهات البحثية المستقبلية لهذا النوع من البحوث.

وفي تصوُّر د. مها العيدان، فإن مشكلة رفع الوعي الصحي في وقتنا الحالي يعَدُّ مشكلةً تواجه جميعَ أفراد المجتمع حتى المثقفين منهم؛ لتعدُّد المصادر التي يتلقَّاها الفرد مع انتشار وسائل الاتصال المختلفة، وأكبر دليل على ذلك العدد الهائل من المعلومات التي احتوتها وسائل الاتصال المختلفة بين أفراد المجتمع حول الأسباب أو طرق الوقاية، وهي آراء لا تنصبُّ في تفسير واحد، ولكن تظهر من خلال مجموعة من الآراء والتفسيرات المختلفة؛ مما خلَق مجموعة من الظواهر الاجتماعية التي أثَّرت على المجتمع من الجانبين الاجتماعي والاقتصادي، وأصبح جميعُ أفراد المجتمع باحثين وعلماء يُفسِّرون هذه الظاهرةَ من منطلق ما يصلهم من معلومات. من هنا يأتي دور الجامعات في توضيح بعض هذه الظواهر؛ بإجراء البحوث التي تعتمد على المنهجين القبلي والبعدي لتحقيق نتائج أكثر موضوعيةً. ولا يتم ذلك إلا من خلال تنشيط دور الجامعات ومراكز البحوث، خاصة أن هذا النوع من البحوث يحتاج إلى تمويل مادي ووقت طويل للوصول إلى نتائج علمية يمكن الاعتماد عليها في التخطيط مستقبلاً لتطوير الوعي الصحي لدى أفراد المجتمع.

وأكدت د. هند الخليفة على ضرورة تفعيل دور البحث العلمي في تحسين جودة الحياة وحل القضايا والمشكلات. وفي تصوُّرها، فإن التعامل مع البحث العلمي من منطلق نظري بحت وبمعزل عن واقع المجتمع، يجعل الاستفادة من مخرجاته ضئيلة وغير فعَّالة. ولكي يحقِّق البحثُ العلمي أهدافًا حقيقيةً لا بد من تبنِّي المبادئ التالية، للعمل بين قطاعات المجتمع التعليمية والبحثية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية: التكامل – التعاون – التشبيك – التنافس التعاوني. بحيث يصبح البحث العلمي جزءًا من منظومة متكاملة، تقوم على العمل المشترك والتعاون المتبادل والتكامل في التخطيط والتنفيذ، وتوظيف الموارد البشرية واستثمار الخبرات للأجيال المختلفة من الكفاءات. إنَّ غياب النظرة الشمولية التكاملية في التخطيط للبحث العلمي يعَدُّ من أهم معوقات استثمار مخرجات العلم في تحسين جودة الحياة وحل المشكلات.

ويرى د. رياض نجم أن حلَّ إشكاليات وعوائق البحث العلمي القابل للتحويل إلى منتجات مفيدة في جميع المجالات يصبح هدفًا مهمًّا للصحة ومكافحة الأوبئة أيضًا. في المقابل، علينا أن لا نُبالغ بتقصيرنا في البحث العلمي في مجال محاربة ومكافحة الأوبئة؛ لأن من الواضح أن التقصير في هذا المجال موجود على مستوى العالم، وفي الدول الأكثر تقدُّمًا. وثمةَ ضرورة لدعم برامج البحث المشتركة بين الجامعات والمراكز السعودية ومثيلاتها في الدول المتقدمة في المجالات جميعها وخصوصًا ما نحن بصدده في قضيتنا، وهو مكافحة ومعالجة الأوبئة وطُرق التعامل معها عند حدوثها.

  • التوصيات:
  • التنسيق بين وزارتي التعليم والمالية وهيئة الزكاة والدخل لمنح ميزات ضريبية وإعفاء من الرسوم الحكومية للجهات البحثية في كافة القطاعات الخاصة والحكومية وغير الربحية.
  • دعوة وزارة الشؤون الإسلامية والهيئة العامة للأوقاف إلى تشجيع أصحاب العطاء لتخصيص جزء من أوقافهم وتبرعاتهم للأبحاث العلمية في مجال الصحة ومكافحة الأوبئة والأمراض.
  • الاهتمام بالإعلام الصحي من تقديم تدريب في مجال الإعلام لمَن يريد من الممارسين الصحيين بالتعاون مع وزارتي الصحة والإعلام؛ بهدف تطوير كوادر الإعلام الصحي وبناء الثقة في مخرجاته.
  • اعتماد إعفاء المؤسسات والشركات من الرسوم الحكومية ذات العلاقة بالأبحاث والتطوير إنْ وُجدت.
  • دعم صناعة البحث العلمي من خلال توجيه الأبحاث العلمية نحو المتطلبات المجتمعية والحاجات السوقية، للاستفادة المادية من النتاج العلمي؛ وذلك عن طريق مد جسور التعاون بين الجامعات وباحثي الدراسات العليا والمراكز البحثية لعمل برامج بحثية مشتركة، وتقديم الدعم الكافي لهذه المشاريع.
  • ضرورة تشجيع مجال البحوث الاستشرافية من خلال دعم إنشاء مراكز بحثية استشرافية، وتدريب الباحثين على الأدوات البحثية اللازمة لهذا النوع من الدراسات خلال الدراسة الجامعية.
  • العمل على استدامة دور المراكز البحثية؛ من خلال التخطيط المشترك والتشبيك والتعاون بين الجهات المختلفة، ووضع الأهداف من واقع قضايا المجتمع.
  • تشجيع استثمار القطاع الخاص في البحث العلمي من خلال إيجاد حوافز مادية ومعنوية تعود على المستثمرين.
  • تشجيع الابتكار في البحث العلمي والخروج عن الفكر التقليدي والحشو والتكرار.
  • التركيز على الإعلام الجديد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديم محتوى صحي توعوي بحسابات مهنية متخصِّصة.

 القضية الثالثة

نظام الشركات المُقترَح: مرئيات ورؤى

(19/7/2020م)

 

  • الورقة الرئيسة: د. وفاء الرشيد
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. خالد العثمان
  • التعقيب الثاني: أ. لاحم الناصر
  • إدارة الحوار: أ. عاصم العيسى
  • الملخص التنفيذي:

أشارت د. وفاء الرشيد في الورقة الرئيسة إلى أنه وبناءً على التوجيهات السامية بتحسين بيئة التجارة والاستثمار في المملكة، وفي إطار سعي وزارة التجارة بالتعاون مع هيئة السوق المالية لتعزيز دور الأنظمة الاقتصادية التنموية بهدف توفير بيئة نظامية حاضنة ومحفِّزة للمبادرة والاستثمار وتعزيز قيمة الشركات وتنمية نشاطها وإسهامها في خدمة الاقتصاد الوطني بما يُعزِّز مركز المملكة الريادي وميزاتها التنافسية، ويشجِّع على نمو استثمارات رواد الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة ولتعزيز المشاركة الاجتماعية، وانطلاقًا من مبدأ المشاركة والشفافية؛ فقد دعت وزارة التجارة وهيئة السوق المالية المهتمين والعموم إلى إبداء آرائهم ومقترحاتهم حيال مشروع نظام الشركات الجديد قبل تاريخ 23/12/1441هـ الموافق 13/8/2020م. وترى د. وفاء أن مشروع نظام الشركات الجديد هو نظام جيد للغاية، ويمكن كذلك تطويره أكثر حيث يتسم بالعدالة وتكريس العمل المؤسسي، ويُسهم في استدامة الكيانات الاقتصادية، بما في ذلك الشركات العائلية، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتوافر مصادر تمويلية مستدامة، ويلبي احتياجات ومتطلبات قطاع ريادة الأعمال، ويُحفِّز على نمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة. كذلك فقد اهتم مشروع النظام الجديد بوسائل التقنية الحديثة من خلال تعزيز أوجه استخدامها، وذلك يتضح جليًّا في توجيه الدعوة لانعقاد الجمعيات العامة للمساهمين أو الشركات والاشتراك في مداولاتها والتصويت على قراراتها وغيرها. أيضًا، ومن منطلق تخفيف الأعباء الإدارية والمالية على بعض من الشركات والمؤسسات التي تُمثِّل فئة مهمة في مجتمع الأعمال؛ فقد تضمَّنَ المشروعُ المقترحُ إعفاءَ الشركات متناهية الصغر والصغيرة من متطلب تعيين مراجع الحسابات.

في حين أكد د. خالد العثمان في التعقيب الأول على بعض الجوانب التي يرى أهمية أَخْذها بعين الاعتبار عند تطوير مسودة نظام الشركات الجديد المقترح، وكذلك عند تنفيذ مضامين النظام الجديد بعد صدوره، ومن أبرزها: ضرورة أن يتناول النظام وَضْع الشركات الحكومية وشبه الحكومية في خارطة العمل التجاري والاستثماري في المملكة؛ وذلك لتحقيق قدر كافٍ من العدل والمساواة مع شركات القطاع الخاص، والحد من منافسة الشركات الحكومية لها والتغول على حصصها السوقية في مختلف المجالات. فضلًا عن أهمية أن يتناول النظام وضع سيطرة البيوتات العائلية والمساهمين المؤسسين على مجالس الإدارة في الشركات المساهمة، وخاصة المدرَجة في الأسواق المالية. كما أن ثمة حاجة إلى التوعية المحترفة والعميقة بمضامين وتفاصيل النظام والتغييرات التي يُحدِثها، بما في ذلك العمل على إدراج تلك المفاهيم والأسُس التي بُني عليها النظام ومجمل المعارف التجارية والاستثمارية في مناهج التعليم العام والجامعي بمختلف تخصصاته.

أما أ. لاحم الناصر فتطرق في التعقيب الثاني إلى أن من الملحوظات السلبية على النظام هو السماح بإصدار الأسهم بفئات مختلفة ومنها الأسهم الممتازة، وإصدار هذا النوع من الأسهم مُحرَّم في الشريعة. ويعَدُّ من أهم ما جاء به النظام الجديد إيراده للأحكام المنظِّمة للشركات غير الربحية؛ حيث إنَّ القطاع الثالث من أهم القطاعات في أي اقتصاد، وهو أحد مرتكزات رؤية ٢٠٣٠، ومن ثَمَّ فوجود الشركات غير الربحية في نظام الشركات مهمٌّ جدًّا حيث إنَّ استمرارية هذا القطاع وقدرته على النهوض بدوره منوطة بوجود ذراع استثمارية له تتولى إدارة واستثمار وتنمية موارده المالية.

وتضمَّنت المداخلاتُ حول القضية المحاورَ التالية:

  • أهمية إصدار نظام الشركات الجديد.
  • المعوقات التي تواجه الشركات متناهية الصغر والصغيرة في ضوء مشروع نظام الشركات المقترح.
  • تعديلات مقترحة على نظام الشركات الجديد.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • استمرار التعاون بين وزارة التجارة وهيئة السوق المالية في جميع ما يخصُّ شركات السوق، وتسهيل إجراءات، ومراقبة وإشراف، ومساءلة، وتقنين، وتقنية.
  • التوأمة بين نظام الشركات والأنظمة ذات العلاقة، من ذلك: نظام السوق المالية ولوائحه، وأنظمة التمويل، ونظام مكافحة الغش التجاري، ونظام مكافحة التستُّر، والمنافسة، والاستثمار الأجنبي، ونظام العمل، وأنظمة الاستقدام، والمواصفات والمقاييس، وأنظمة الضرائب والرسوم والجمارك، وغيرها من التشريعات؛ لتكون متوافقةً يسند بعضُها بعضًا، دون معوقات أو تعارض صلاحيات أو اختصاص، في سبيل تكامل المنظومة التشريعية وتنفيذها.

 

  • الورقة الرئيسة: د. وفاء الرشيد

المقدمة:

بناءً على التوجيهات السامية بتحسين بيئة التجارة والاستثمار في المملكة، وفي إطار سعي وزارة التجارة بالتعاون مع هيئة السوق المالية لتعزيز دور الأنظمة الاقتصادية التنموية بهدف توفير بيئة نظامية حاضنة ومُحفِّزة للمبادرة والاستثمار وتعزيز قيمة الشركات وتنمية نشاطها وإسهامها في خدمة الاقتصاد الوطني بما يُعزِّز مركز المملكة الريادي وميزاتها التنافسية، ويشجع على نمو استثمارات رواد الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، ولتعزيز المشاركة الاجتماعية، وانطلاقًا من مبدأ المشاركة والشفافية؛ فقد دعت وزارة التجارة وهيئة السوق المالية المهتمين والعموم إلى إبداء آرائهم ومقترحاتهم حيال مشروع نظام الشركات الجديد قبل تاريخ 23/12/1441هـ الموافق 13/8/2020م.

وتهدف هذه التوجيهات إلى تطوير المنظومة التشريعية الخاصة ببيئة الأعمال، في ضوء تقصي نتائج تطبيق أحكامها، والصعوبات التي ظهرت لدى الشركات ومجتمع الأعمال. وقد تمَّ الاسترشاد بأفضل التجارب والممارسات الدولية لدول أخرى (مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والإمارات العربية المتحدة، وسنغافورة)؛ للاستفادة القصوى من تجارب تلك الدول في تطبيق الأنظمة والتشريعات الخاصة بها.

ونلاحظ أن نظام الشركات الحالي يتألف من (اثني عشر) بابًا، في حين يأتي مشروع نظام الشركات الجديد (بخمسة عشر) بابًا، اشتملت على أحكام إضافية لتُنظِّم كافةَ أشكال الشركات، بما يشمل المستحدث منها، بالإضافة إلى الأحكام المنظِّمة للشركات غير الربحية والمهنية.

 الأهداف:

  • تيسير الإجراءات والمتطلبات النظامية لتحفيز بيئة الأعمال ودعم الاستثمار، وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
  • تسهيل جذب رؤوس الأموال وتوافر مصادر التمويل طويل الأجل بأقل التكاليف.
  • تحقيق التوازن بين أصحاب المصالح الخاضعين لأحكام النظام، والحد من المخاطر ذات الصلة.
  • توضيح المبادئ والأحكام الأساسية بهدف الحد من المنازعات بين كافة أصحاب المصالح.
  • تعزيز حوكمة الشركات بما يتناسب مع أفضل الممارسات الدولية.

مشروع نظام الشركات الجديد هو نظام جيد للغاية، ويمكن كذلك تطويره أكثر؛ حيث يتسم بالعدالة وتكريس العمل المؤسسي، ويُسهم في استدامة الكيانات الاقتصادية، بما في ذلك الشركات العائلية، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتوافر مصادر تمويلية مستدامة، ويُلبي احتياجات ومتطلبات قطاع ريادة الأعمال، ويُحفِّز على نمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

أبرز الملامح:

  • استحداث شكل جديد يتمثل في شركة المساهمة البسيطة.
  • إعادة تنظيم شركة التوصية بالأسهم.
  • السماح بأن تتخذ الشركة اسمًا مبتكرًا أو مشتقًا من غرضها، أو اسمًا واحدًا أو أكثر من الشركاء أو المساهمين فيها.
  • إمكانية تضمين عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس الأحكام التي يتفق عليها الشركاء سواء في (اتفاقية شركاء أو ميثاق عائلي).
  • خفض كلفة إجراءات تأسيس الشركات وقيدها، بما في ذلك شركة الشخص الواحد.
  • السماح بأن يكون الشريك المتضامن ذا صفة اعتبارية.
  • أحكام تُنظِّم الأرباحَ والخسائر، وإمكانية توزيع أرباح مرحلية على الشركاء أو المساهمين.
  • تطوير الأحكام المتعلقة بالاندماج والتحوُّل.
  • إضفاء المرونة على إصدار الأسهم وتداولها، وإتاحة إصدار عدة أنواع وفئات من الأسهم بحقوق مختلفة.
  • عدم اشتراط قيمة اسمية محددة لإصدار الأسهم.
  • تنظيم عمليات إصدار أدوات الدين والصكوك، والسماح للشركة ذات المسؤولية المحدودة بإصدارها وفقًا لنظام السوق المالية.
  • إلغاء متطلب الاحتياطي للشركات، مع إمكانية الاتفاق على تجنيب نسبة من صافي الأرباح لتكوين احتياطي اتفاقي.
  • تعديل حكم انقضاء الشركة بقوة النظام عند بلوغ خسائرها نصف رأس المال.

وقد أورد مشروع النظام بعضًا من الأحكام الجديدة للشركة المساهمة، من أبرزها:

  • عدم اشتراط حد أقصى لعدد أعضاء مجلس الإدارة.
  • عدم وضع حد أعلى لمكافآت أعضاء المجلس.
  • مَنْح جمعية المساهمين حقَّ تحديد تلك المكافآت.
  • بالإضافة إلى بيان حقوق المساهمين، وإيضاح واجبات والتزامات أعضاء مجلس الإدارة.

التقنية:

اهتم مشروع النظام الجديد بوسائل التقنية الحديثة من خلال تعزيز أوجه استخدامها؛ وذلك يتضح جليًّا في توجيه الدعوة لانعقاد الجمعيات العامة للمساهمين أو الشركات والاشتراك في مداولاتها والتصويت على قراراتها وغيرها.

الشركات غير الربحية والمهنية:

بيَّن المشروعُ الأحكامَ المنظِّمةَ للشركات غير الربحية، بما يكفل نمو وتطور العمل غير الربحي بالشكل الذي يتواكب مع التطور الاقتصادي والاستثماري الذي تشهده المملكة، بالإضافة إلى الأحكام المنظِّمة للشركات المهنية التي تناولت: التأسيس، والإدارة، وممارسة الأنشطة، والحوكمة، والانقضاء.

الشركات متناهية الصغر والصغيرة:

من منطلق تخفيف الأعباء الإدارية والمالية على بعضٍ من الشركات والمؤسسات التي تُمثِّل فئة مهمة في مجتمع الأعمال؛ فقد تضمَّن المشروعُ المقترحُ إعفاءَ الشركات متناهية الصغر والصغيرة من متطلب تعيين مراجع الحسابات.

 

ملاحظة:

  • إن محاولة المُشرِّع إعفاء الشركات متناهية الصغر والصغيرة من متطلب تعيين مراجع الحسابات هي محاولة لتقليل التكاليف، وتشجيع الشركات متناهية الصغر والصغيرة للنمو بالمجتمع؛ ولكني أرى أن ذلك قد يُسبِّب بعضَ المشاكل في منظومة الأعمال بالمملكة، وقد يؤثر على سوق العمل ككل؛ فنسبة الشركات متناهية الصغر والصغيرة في المملكة تعتبر نسبة كبيرة، وعدم إصدار قوائم مالية لتلك الشركات والمؤسسات سوف ينعكس بالسلب على بعض الجهات الأخرى مثل البنوك وهيئة الزكاة والدخل وجميع الجهات التي تستعين بالقوائم المالية لتلك الشركات سواء لأغراض التمويل أو التصنيف. وقد يُقلل ذلك من شفافية التعاملات المالية بين تلك الشركات والجهات التي تتطلع على القوائم المالية لها، وجدير بالذكر أن تعليمات وزارة التجارة لجميع الشركات والمؤسسات أن تقوم بإيداع القوائم المالية السنوية إلكترونيًّا في موقع وزارة التجارة؛ مما يتيح للجهات المختلفة والمُصرَّح لها الاطلاع على تلك القوائم؛ ومن ثَمَّ فإن ذلك قد ساعد كثيرًا في السنوات الماضية من الحدِّ من تلاعب البعض ببياناته المالية، وزيادة الشفافية.
  • نظام الرقابة على الشركات المساهمة من قِبل الدولة يحتاج أن يكون بلجان من جهة حكومية تقوم بفحص عمل الشركات المساهمة باستمرار؛ للحفاظ على أموال المساهمين.
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. خالد العثمان

لعلِّي فقط أُسلِّط الضوءَ على بعض الجوانب التي أرى أهميةَ أَخْذها بعين الاعتبار عند تطوير مسودة مشروع نظام الشركات الجديد، وكذلك عند تنفيذ مضامين النظام بعد صدوره.

  • الجديد الذي أضافه هذا النظام للمرة الأولى في تاريخ العمل التجاري في المملكة هو إمكانية إصدار أسهم ذات درجات متفاوتة يحمل كلٌّ منها حقوقًا متباينةً في التصويت والأرباح وغير ذلك. في رأيي، هذا الأمر يُمثِّل اختراقًا حقيقيًّا يمكن أن يكون له أثر باهر في تنمية الأعمال والاستثمارات خاصة ما يتعلق منها بمجالات الإبداع والابتكار وريادة الأعمال واستثمارات رأس المال الجريء، وقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عمومًا. ومن الضروري أن يتضمن النظام أو لائحته التنفيذية على الأقل إيضاحًا لأدوات وآليات تقييم المساهمة المعرفية والعملية في الشركات وعكسها في حقوق ملكية وفئات الأسهم. الواقع يقول إن المبدعين والعلماء ورواد الأعمال جهلاء بأساسيات وممارسات الاستثمار والعمل التجاري، وهم غالبًا ما يقعون ضحيةَ استئثار المستثمرين الممولين بالسيطرة على الحصص العُظمى والعوائد الكبرى في تأسيس الشركات القائمة على مساهمات معرفية أو إبداعية نتيجة حاجة أصحاب المعرفة إلى التمويل. وبالتالي، فإن تنظيم آلية تضمن التقييم العادل لتلك المساهمات سيكون له أثرٌ في تحقيق الهدف الذي دفع أساسًا بإضافة هذا المنهج الجديد في نظام الشركات السعودي.
  • من المهم أن يتناول النظام وَضْع الشركات الحكومية وشبه الحكومية في خارطة العمل التجاري والاستثماري في المملكة؛ وذلك لتحقيق قدر كافٍ من العدل والمساواة مع شركات القطاع الخاص، والحد من منافسة الشركات الحكومية لها، والتغول على حصصها السوقية في مختلف المجالات. كما أنه من الضروري دراسة ومناقشة فرص مساهمة الجهات الحكومية في تأسيس الشركات الجديدة في القطاعات الريادية، وتحديد أدوار هذه الجهات والمدى الزمني المطلوب لتحقيق الدعم الحكومي لهذه الشركات لتحقيق النمو المطلوب لها، لتتخارج بعدها وَفْق آلية محددة يوضِّحها النظام لحماية القطاع الخاص من استمرارية المنافسة والسيطرة الحكومية على تلك القطاعات الريادية حتى بعد تمكُّن القطاع الخاص من القيام بدوره المطلوب في هذه القطاعات.
  • من المهم كذلك أن يتناول النظام وضع سيطرة البيوتات العائلية والمساهمين المؤسسين على مجالس الإدارة في الشركات المساهمة وخاصة المدرجة في الأسواق المالية. الواقع الراهن يشير إلى حالة من السيطرة التي لم تُحقِّق فعليًّا المأسسة والحوكمة المأمولة من ذلك الإدراج والتحوُّل إلى المساهمة العامة، بل إن الغرض أساسًا هو مجرد تسييل نسب غير مؤثرة من تلك الشركات مع استمرار سيطرة المؤسِّسين على مجالس الإدارات. والمشكلة تصبح أفدح عندما يقوم بعض المؤسسين باستخدام الأموال المحصَّلة من الإدراج لتأسيس كيانات جديدة تُنافس الكيانات الأصلية المطروحة في أشكال واضحة وصريحة من تعارض المصالح. وهناك بالفعل حالات عديدة مشهودة في الوضع الراهن، وبعض تلك الشركات يواجه الإفلاس بما فيه من إهدار لأموال المساهمين بعيدًا عن الحوكمة الفاعلة من النظام وهيئة سوق المال.

وعلى أية حال، فإن تحقيق فعالية النظام تتطلب جهدًا كبيرًا في التوعية المحترفة والعميقة بمضامينه وتفاصيله والتغييرات التي يُحدِثها، بما في ذلك العمل على إدراج تلك المفاهيم والأسس التي بُني عليها النظام ومجمل المعارف التجارية والاستثمارية في مناهج التعليم العام والجامعي بمختلف تخصصاته، حتى نتمكن من خلق مجتمع واعٍ عارف بتلك الأدوات والممارسات؛ لتحفيز ثقافة العمل التجاري وريادة الأعمال بدلاً من تكريس ثقافة الوظيفة والأمن الوظيفي.

  • التعقيب الثاني: أ. لاحم الناصر

أتفقُ مع ما أوردته د. وفاء الرشيد في الورقة الرئيسة من ملاحظة مهمة مفادها أن إعفاء الشركات متناهية الصغر والصغيرة من متطلب تعيين مراجع خارجي للحسابات في محاولة لتقليل التكاليف قد ينجم عنه بعض المشاكل، لا سيما وأن رؤية ٢٠٣٠ تسعى إلى تسهيل حصول هذه الشركات على التمويل المصرفي؛ وبدون قوائم مالية مدققة فإنها لن تستطيع الحصول على التمويل المناسب، وإذا ما أخذنا في الاعتبار أنها غير مُطالَبة بمراجع خارجي من الأربعة الكبار أو ما بعدهم في التصنيف، بل يكفي مكتب مراجعة مرخَّص من سكوبا (الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين)؛ لعلمنا أن كُلفة الإعفاء من المراجع أكبر على هذه الشركات من وجوده.

ومن الملحوظات التي أرى أنها سلبية إلغاء متطلب الاحتياطي النظامي (حيث يعتبر الاحتياطي النظامي من أهم عناصر حقوق المساهمين في قائمة المركز المالي للشركات على مختلف أنواعها سواء كانت شركات أموال أو شركات أفراد؛ فهو بمثابة صمام الأمان الذي يُستخدم في تغطية خسائر الشركة أو في زيادة رأس مالها حتى لا يتأكل رأس المال المدفوع للشركة إنْ وُجد هذا الاحتياطي. إذًا، فنسبة الاحتياطي النظامي ذات أهمية بمكان؛ فهي تعتبر صمام أمان للملاءة المالية أمام الدائنين والعملاء من ناحية، أما من الناحية الأخرى فهي تُسهِّل عمليةَ التنبؤ، وترفع درجة الثقة بمقدرة الشركة على توزيع الأرباح النقدية على حملة أسهمها سواء كانت هذه التوزيعات ربع سنوية أو نصف سنوية أو حتى سنوية، وهل هذه الأرباح ستكون متصاعدة في المستقبل عندما لا يكون هناك قيود نظامية تلزم بتكوين الاحتياطي النظامي أو اتفاقيات قروض مع الدائنين، أو أنها ستكون مستقرة أو ربما تنخفض؟ وهذا يخلق عبئًا مستقبليًّا على الشركة حينما ينخفض معدل العائد على حقوق المساهمين، حيث ستكون الشركة طاردةً للمستثمرين الباحثين عن التوزيعات النقدية، إضافةً لذلك فهي تمكِّن من التنبؤ بالمقدرة على التوسُّع الرأسمالي، وزيادة رأس المال المدفوع عن طريق التحويلات بين عناصر حقوق المساهمين (سليمان الهواوي – أرقام).

كذلك من الملحوظات السلبية على النظام هو السماح بإصدار الأسهم بفئات مختلفة ومنها الأسهم الممتازة، وإصدار هذا النوع من الأسهم مُحرَّم في الشريعة؛ حيث نصَّ قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي أنه (لا يجوز إصدار أسهم ممتازة لها خصائص مالية تؤدي إلى ضمان رأس المال أو ضمان قدر من الربح، أو تقديمها عند التصفية أو عند توزيع الأرباح).

أما أهم ما جاء به النظام الجديد فهو إيراد النظام للأحكام المنظِّمة للشركات غير الربحية؛ حيث إنَّ القطاع الثالث من أهم القطاعات في أي اقتصاد، وهو أحد مرتكزات رؤية ٢٠٣٠، ومن ثَمَّ فوجود الشركات غير الربحية في نظام الشركات مهمٌّ جدًّا؛ نظرًا لأن استمرارية هذا القطاع وقدرته على النهوض بدوره منوطة بوجود ذراع استثمارية له تتولى إدارة واستثمار وتنمية موارده المالية. ولا شك أن هذا القطاع سيكون محورًا مهمًّا اقتصاديًّا واجتماعيًّا في المستقبل. ولعل قرار استقلال الجامعات الذي صدر هذه الأيام يشير إلى مدى أهمية وجود نظام الشركات غير الربحية في نظام الشركات السعودي. ولا شك أن الإيجابيات كثيرة في النظام إلا أن المقام لا يتسع لإيرادها.

  • المداخلات حول القضية:
  • أهمية إصدار نظام الشركات الجديد:

أكد م. خالد العثمان على أن نظام الشركات الجديد يعَدُّ بالفعل قفزةً مهمةً في الحراك التشريعي الذي بدأته وزارة التجارة منذ سنوات قليلة بعد سنوات طويلة من الجمود الذي أعاق التنميةَ. وما يُحسب للوزارة أنها بادرت إلى تطوير نظام الشركات بالرغم من أن النسخة الأخيرة المعدلة صدرت فقط قبل أقل من خمس سنوات.

ويرى أ. فهد القاسم أن من أهم ملامح مشروع نظام الشركات الجديد هو التيسير على المنشآت الصغيرة، والمرونة العالية في الشركات غير الربحية. كما أن من أهم ما تضمَّنه المشروع في اعتقاده الديناميكية الحديثة للتشريعات؛ فالتعديل الأخير على النظام لم يتجاوز عمره عدة سنوات، واليوم نتحدث عن مشروع جديد فيه مزيد من التسهيلات؛ مما يعني مزيدًا من الحراك نحو التطوير والتصحيح.

وأكد أ. عاصم العيسى أن مشروع نظام الشركات المُقترح هو نظام رئيسي للتجار والحركة التجارية؛ لتأسيس الشركات بأنواعها المختلفة، ولتنظيم علاقة المُلاك والمساهمين فيما بينهم، وحماية المساهمين، وتنظيم الجمعيات العمومية ومجالس الإدارات، وحسابات الشركات، وانقضائها، وتصفياتها، إلى مختلف تنظيم ما يخص الشركات داخليًّا وفي علاقتها مع الغير والتمويل والمراجعة والمساءلة. وعليه، فهو نظام حيوي يعَدُّ شريانًا رئيسًا للتجار وتعاملاتهم. وحسنًا فعلت الوزارة في طرح المقترح الجديد للنظام للمراجعة، إذ إن النظام المعمول به حاليًّا قد اعتُمد في عام 2015م، ولو كانت التعديلات يسيرة لكان التعديل على النظام، ولكن طرح مشروع جديد للنظام بأسره يدل أن المراجعة شاملة.

وأضاف أ. عاصم العيسى أن من أهم ما ميَّز مشروع النظام دراسته لمتغيرات الواقع، والمعالجة التفصيلية لموضوعات تنازع الاختصاص، سواء تنازع الاختصاص في الإجراءات والرقابة أو تنازع الاختصاص القضائي، وقد فَصَّلَ المشروعُ بوضوح اختصاصَ هيئة السوق المالية وقضاءها: لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية بجميع ما يخص الشركات المساهمة المدرَجة، مراقبةً وإشرافًا وقضاءً؛ في حين أن وزارة التجارة هي المختصة بالإشراف والمراقبة على باقي الشركات، وأن المحاكم التجارية هي المختصة بجميع المنازعات ما عدا منازعات الحق العام والخاص وجميع ما ارتبط بالشركات المساهمة المدرجة، كما حدَّدت المادة (269) اختصاصات النيابة العامة واللجان والجهات القضائية، بالإضافة إلى إنشاء وزارة التجارة لجنة للنظر في مخالفات المادة (267)، وهي المخالفات الإدارية التي تقع في جميع الشركات ما عدا عدم اختصاصها بما يخص الشركات المساهمة المدرجة. وقد أحسن المشروع في هذا البيان والتفصيل، تماشيًا مع واقع الحال ودرءًا لأي تنازُع في الاختصاص الإشرافي والقضائي.

  • المعوقات التي تواجه الشركات متناهية الصغر والصغيرة في ضوء مشروع نظام الشركات المقترَح:

أشار د. سلطان المورقي إلى أن من أهم النقاط المتضمَّنة في مشروع النظام الجديد للشركات متناهية الصغر والصغيرة، هو السعي لتخفيف الأعباء الإدارية والمالية على بعضٍ من الشركات والمؤسسات التي تُمثِّل فئةً مهمةً في مجتمع الأعمال. فقد تضمَّن المشروعُ المقترحُ إعفاءَ الشركات متناهية الصغر والصغيرة من متطلب تعيين مراجع الحسابات. وهذا الإجراء يخدمها ويصبُّ في مصلحتها بدون أدنى شك، ولكن هناك أعباء إدارية ومالية للتشغيل لم يتم التطرق لها رغم كونها تعَدُّ حجرَ الزاوية لاستمرار تلك الفئة من الشركات. وقبل الدخول في المعوقات التي تواجه تلك الفئة من الشركات، فلا شك أن هناك أهمية لوجود ودعم تلك الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر لانعكاساتها الإيجابية على الاقتصاد الكلي والمجتمع، ومنها:

  • زيادة الإنتاج الاقتصادي وزيادة حجم الصادرات.
  • الحد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن البطالة.
  • تحويل المجتمع من استهلاكي إلى مجتمع مُنتِج.
  • تمثِّل النسبة الكبيرة من حجم الاقتصاد المحلي للدول المتقدمة.

ولكن المعوقات التي تواجه الشركات متناهية الصغر والصغيرة كثيرة جدًّا، ومن أبرزها الأعباء المالية الكثيرة. وكمثال، لنفرض أن شركةً سعودية مكوَّنة من 10 موظفين (متناهية الصغر)، ولنفرض أن أغلب النفقات هي رواتب للموظفين بمعدَّل 10,000 ريال شهريًّا (للتسهيل دون الخوض في المصاريف الأخرى). هذا يعني أن تكلفة تزويد العملاء بالخدمات هي 1.2 مليون ريال سنويًّا. ويمكن احتساب التكلفة الناجمة عن تشريعين اثنين فقط من تشريعات وزارة العمل، وهما: الاستقطاع الشهري للتأمينات الاجتماعية والتأمين الطبي، كما يلي:

  • بناء على نظام التأمينات الاجتماعية، فإنَّ على صاحب هذه الشركة أن يتحمَّل 10% تكلفة التأمينات الاجتماعية مع 10% أخرى تُقتطَع من راتب الموظف أي 20%. هذا يعني أن التكلفة زادت بــ (240) ألف ريال سنويًّا.
  • لو افترضنا أن عددَ أفراد أسرة الموظف الواحد هم 5 (معدل الأسر السعودية)، وأنَّ أرخص تأمين طبي يعادل 20,000 ريال للفرد في السنة، فهذا يعني أن صاحب العمل يتحمَّل ما لا يقل عن (1) مليون ريال سنويًّا للتأمين الصحي على موظفيه العشرة.

هذا يعني أن تكلفة العمل صارت 2.44 مليون ريال سعودي في السنة؛ أي أن تكلفة التشريع في هذه الحالة تُعادل 100% من التكلفة الأساسية للقيام بالأعمال. والملاحظ أن تكلفة تشريعين اثنين فقط لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تتسبب في هذه الزيادة المخيفة. ماذا لو أخذنا في الحسبان تكاليف إصدار التصاريح، وأحجام لوحات المحلات، وغيرها من التشريعات من وزارة التجارة أو الشؤون القروية والبلدية؟ ما هي تكلفة تعارُض تشريعين بين جهتين حكوميتين على صاحب العمل الذي يجب عليه أن يُرضي الجهتين أو يواجه الغرامات والإغلاق لمنشآته؟ كيف تطلب وزارة العمل من صاحب فكرة مشروع صغير رأس ماله قد لا يتجاوز 50 ألف ريال أن يؤمِّن على موظفيه صحيًّا عندما لا تقوم وزارة التعليم بميزانيتها البالغة 193 مليار ريال بالتأمين الصحي على موظفيها؟ لماذا تطلب وزارة العمل من القطاع الخاص أن يقوم بالتأمين الصحي على موظفيه عندما تفرض الدولة ميزانية قدرها 172 مليار ريال للخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية، وهي ثالث أعلى بند بعد قطاعي التعليم والدفاع في ميزانية سنة 2019؟ أليس من الأفضل أن تقوم وزارة الصحة برفع كفاءة استغلال هذه الميزانية بدلاً من أن نطلب من شاب يرغب في إطلاق مشروع صغير أو صاحب مؤسسة صغيرة أن يقوم بدفع تكلفة التأمين الصحي لكل الموظفين وأسرهم؟ وماذا عن تكلفة الفساد والتكاليف غير المباشرة؟  فثمة علاقة طردية بين عدد التشريعات ونسب الفساد. كلَّما زادت التشريعات، زاد عدد المراقبين المطلوبين، وزادت فرص تعرُّض صاحب العمل إلى موظفين فاسدين ومسيئين لاستغلال السلطات. هل يمكن تصوُّر ما يعانيه صاحب العمل من بعض الفاسدين المستغلين لمناصبهم في هذه الناحية؟ هذه الأمثلة تشمل فقط ما يتسبب في رفع التكلفة.

هل يمكن تصوُّر حجم العوائق التشغيليَّة التي تواجه الشركات متناهية الصغر والصغيرة؟ وكمثال توضيحي، فإن بعض الجهات الحكومية في المملكة تشترط لإصدار ترخيص أن يقوم صاحب العمل بدراسة جدوى لمشروعه ومشاركتها مع الجهاز الحكومي لاعتمادها قبل إصدار الترخيص؛ أي أن صاحب العمل الذي يرغب في ممارسة نشاط اقتصادي معيَّن وتوظيف موظفين ومشاركة في المحتوى المحلي في المملكة – بحاجة إلى إقناع جهاز حكومي بجدوى مشروعه. ناهيكم عن التكاليف الإدارية الأخرى التي أنهكت تلك الفئة من الشركات.

وأضاف م. إبراهيم ناظر إلى ما ذكره د. سلطان المورقي من معوقات أن أصحاب المنشآت الصغيرة يدفعون ١٣٪؜ من راتب الموظف تأمينات اجتماعية، وكذلك يدفعون رسوم بلدية سنوية واشتراك الغرف التجارية ورسوم الاشتراك السنوي في البريد، وإذا زاد عدد الموظفين الأجانب عن خمسة يُلزَم بالسعودة والمقابل المالي، وهي تكلفة كبيرة جدًّا علمًا أن الـ SMEs (المنشآت الصغيرة والمتوسطة) تُشكِّل أكثر من ٩٧٪؜ من مجموع الشركات في سوق العمل، وهي الأساس في توليد الوظائف وفي تنويع وتوسيع القاعدة الإنتاجية، والمساهم الأكبر في الناتج الإجمالي المحلي. والمأمول من نظام الشركات الجديد أن يُعطي SMEs الحماية الكافية لتحقيق الاستدامة، ولتقوم بدورها كمحرك للنمو الاقتصادي، وتصبح النواة لشركات كبيرة.

وأكد أ. محمد الدندني على أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تحتاج إلى إعفاءات من الضرائب والرسوم والشروط الصعبة كالموقع وغيره لفترة لا تقلُّ عن ثلاث سنوات، أما المنشآت التي تنشأ لتطوير مُنتَج أو خدمة مميزة تعتمد الإبداع (أعمال غير تقليدية) فتُعفى لمدة خمس سنوات. هذه تصبُّ في تقليل الفشل والإفلاس. والأمور تُقاس بالنتائج. إذا لم نرَ نجاحاتٍ للمنشآت الصغيرة والمتوسطة فهناك خللٌ ويجب تصحيحُه. كيف نسعى لتخفيف البطالة وزيادة المحتوى المحلي؟  الأمر الآخر أن الإعفاءات أفضل بكثير مما يجري الآنَ من تحويلات مالية ضخمة من الأجانب إلى بلادهم، وهذا حقُّهم، فنحن مَن أتى بهم، ولكن يجب العمل على القضاء على اقتصاد الظل أو الموازي ما أمكن ذلك.  فالواجب أن تكون الأنظمة مُشجِّعة لإنشاء المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وإذا لم يتحقق هذا فعلينا التوقُّف عما نُردد من دعم هذه الفئة، وأَخْذ نموذج آخر وهو إنشاء شركات كبيرة تُعنَى بالتجارة والخدمات كي تستطيع استيعابَ اليد العاملة السعودية، والتي لها القدرة على تحمُّل مرتبات مجزية ومعقولة، والأهم قدرتها على التدريب، ولعل هذا يكون أحد الطرق لمحاربة البطالة؛ حيث لا ننسى أنه مطلوب توفير ٤ ملايين فرصة عمل في السنوات العشر القادمة.

ومن ناحيته، سلَّط د. منصور المطيري الضوءَ فيما يتعلق بمشروع نظام الشركات الجديد على النقاط التالية ذات الصلة بالمعوقات التي تواجه الشركات:

  • بخصوص إلغاء حكم الانقضاء بقوة النظام عند بلوغ الخسائر نصف رأس مال الشركة، ومنح كل ذي مصلحة الحقَّ في أن يطلبَ من الجهة القضائية حلَّ الشركة. فإن هذه تبدو خطوةً موفَّقةً في جانب واحد فقط، وهو إلغاء انقضاء الشركة بقوة النظام. وأما ترك الباب مفتوحًا للتوجُّه للقضاء من قِبل أصحاب المصلحة، فالاعتقاد أنه خطوة غير موفَّقة في توقيتها، حيث يمكن أن تكون متأخرة، فالواجب على النظام اقتراح خطوات تُرشد مُلَّاك الشركة ومديريها إلى تفادي انحلال الشركة شبيهة بتلك الخطوات التي اقترحَها نظامُ الإفلاس تحت عنوان إعادة التنظيم المالي، فإن لم تنجح المحاولات يحيل النظام حينئذٍ أصحابَ العلاقة إلى القضاء.
  • ثمةَ ظلمٌ بَيِّن – كما ذكر أ. لاحم الناصر – يلحق بالمساهمين حينما نُفرِّق في الحقوق المتعلقة بأولوية الحصول على الأرباح أو أولوية الاستيلاء على بعض أملاك الشركة عند التصفية بدعوى ملكية أسهم ممتازة، وهذه هي الحكمة التي جعلت جميعَ الفقهاء يُحرِّمون مثلَ هذا النوع من الأسهم. وعلى كل حال، فالنظام المقترح لم ينفرد بجواز إصدار أسهم ممتازة؛ فالنظام الموجود حاليًّا يُجيز للجمعية العامة الموافقةَ على إصدار أسهم ممتازة، بينما النظام المقترح يجعل من حقِّ أي شركة جديدة في نظامها الأساسي أن تقوم بنفسها بهذا التنوع من إصدار الأسهم العادية والممتازة، والممتازة المستردة.
  • في إصدار أدوات الدين والصكوك، ألغى النظام المُقترَح المادةَ الحاديةَ والعشرين بعد المئة من النظام المُطبَّق حاليًّا، والتي تنصُّ على ما يلي: (على الشركة مراعاة الأحكام الشرعية للديون عند إصدار أدوات الدين وتداولها). وهذا الإلغاء أمرٌ غريب جدًّا لمخالفته للنظام الأساسي للحكم الذي يجعل الشريعةَ حاكمةً على كلِّ الأنظمة. فالجميع يعرف أن بعض الممارسات الفعلية قد تحتوي على مخالفات شرعية في أحكام الديون، لكن كان يُنظر إليها من باب ضغط الحاجات والضرورات التي تصحبها أمنيات بأن تتمكن البيئة التجارية يومًا ما من تجاوزها، وكان المُشرِّع يتفادى تقنينَها، ويُعبر عن التطلعات لتغييرها بمثل هذه النصوص.
  • في نظام الشركات المقترح توزعت الجهات القضائية التي تنظر الدعاوى في المخالفات الواردة تحت باب العقوبات ما بين لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية، والجهة القضائية المختصة، ولجنة في وزارة التجارة تنشأ للنظر في المخالفات الواردة في المادة (٢٦٧). وهذا يُعيد إلى الأذهان تعدُّد وتشتُّت الجهات القضائية في المملكة، ويُخالف الجهودَ التي تعمل على توحيد الجهات القضائية تحت مظلة جهة واحدة. بينما استعمل النظام المُطبَّق حاليًّا تعبير الجهة القضائية المختصة وجعَلها هي جهة سماع الدعاوى والفصل فيها.
  • هناك بعض المُدد المحددة قد لا تكون كافيةً، وذلك مثل إلزام الدائن المعترض على الاندماج التقدُّم إلى القضاء خلال فترة لا تقلُّ عن عشرة أيام قبل التاريخ المحدَّد لاتخاذ قرار الاندماج، وذلك إذا أخذنا في الاعتبار أن النظام يجعل الفترة بين الإعلان واتخاذ قرار الاندماج (٣٠) يومًا، ويجعل للدائنين المعترضين على الاندماج فترة لا تتجاوز (١٥) يومًا من تاريخ الإعلان لتقديم اعتراضهم على الاندماج. المُدد يبدو أن بها تضييقًا على اعتراض الدائنين؛ فالوقت لا يُسعفهم في دراسة قرارهم المناسب. فلذلك، فإن مدة شهر ونصف من بين تاريخ الإعلان وتاريخ اتخاذ القرار مناسبة أكثر من ثلاثين يومًا المنصوص عليها.
  • من الأمور غير المفهوم وجه العدالة والمصلحة فيها في النظام المُقترَح، الفقرةُ (٢) من المادة (٢٣٧) التي تُجبر أقلية المساهمين الذين يملكون ٣٪؜ على الأقل على بيع أسهمهم للمشتري الذي قام بشراء ٩٠٪؜ من أسهم شركة المساهمة على إثر تقديمه عرضًا إلزاميًّا للمحكمة، ومع أن الفقرة التي تليها جعلت لأقلية المساهمين حقَّ الاعتراض على سعر العرض الإلزامي؛ إلا أن السؤال يبقى: لماذا يُلزم الأقليةَ بالبيع؟ لماذا لا يترك لهم الخيارَ في البقاء في الشركة؟

وتعقيبًا على ما ذكره د. منصور المطيري، ذهب د. حسين الجحدلي إلى أن بعض مقترح نظام الشركات الجديد ينطوي على محاولة للتطوير، ولكن في جوانب أخرى قد يُعتبر خطوةً للخلف، مثل مسألة جهات الفصل والتقاضي!

ويرى م. أسامة كردي أن ارتفاع تكاليف أداء الأعمال أصبح مشكلة رئيسةً لكافة أنواع وأحجام الأعمال والشركات في كافة المجالات، وفي كل قطاع مهما صغر أو كبر، سواء كان إستراتيجيًّا أو ثانويًّا.

وبدورها أكدت د. فوزية البكر على أنه رغم أهمية الرقابة على أداء الشركات إلا أن البيروقراطية الإدارية وثقافة التسلُّط قد تدفع موظفًا بسيطًا بحجة تطبيق النظام إلى ملاحقة مريرة لبعض المؤسسات وقطاعات العمل المتناهية الصغر؛ لذا فيجب الحذر من دعوة جديدة لمزيد من التدخل من الجهات المختلفة، والأفضل لمعالجة ذلك:

  • النزول إلى واقع هذه المؤسسات بالاستماع العلمي والبحثي لها.
  • الاسترشاد بتجارب دول عربية مثل الإمارات، وأجنبية مثل الولايات المتحدة وغيرها، والتي نجحت في تشجيع الأعمال الصغيرة والمتناهية الصغر لتكبر وتُصبح قوةَ توظيف لا يُستهان بها. لا نحتاج دائمًا لاختراع العجلة. العجلة موجودة، ونحتاج لنقل ثقافة تشغيلها أكثر من نقل آلياتها فقط.
  • الحد من الإجراءات الحكومية المتشعبة التي على أي منشأة صغيرة أو كبيرة التعامل معها، وهي ممارسات كثيرة قد تتجاوز ١٢ قطاعًا حكوميًّا أحيانًا.

لكن في تصوُّر د. رياض نجم، فإنه ومع أهمية كل هذه المشاكل وضرورة إيجاد حلول لها؛ فان لها علاقة ببيئة العمل وعدم التنسيق بين مختلف الجهات الحكومية، ولا يمكن حلُّها من خلال نظام الشركات الجديد. ومن ناحية أخرى، يعَدُّ من أخطر ما في الشركات الحكومية هو عدم النظر إلى ربحيتها حتى بعد مرور سنوات على إنشائها، وبالتالي يكون هناك هدرٌ في النفقات ومنافسة غير عادلة مع قريناتها المملوكة للقطاع الخاص، خصوصًا إذا أُعطيت ميزات خاصة في الحصول على المشاريع الحكومية؛ لهذا لا بد أن تكون القيود عليها وحوكمتها أشد من غيرها من الشركات.

  • تعديلات مقترحة على نظام الشركات الجديد:

أكد أ. عاصم العيسى فيما يتعلق بنظام الشركات الجديد على النقاط التالية:

أولًا – أهمية حوكمة الأداء: تتبنى الجهات الرقابية معاييرَ الحوكمة ومتطلباتها وأدلتها واشتراطاتها، ومن أهم أنواع الحوكمة المطلوبة حوكمة الأداء؛ حيث يُلاحظ على العديد من الشركات ومنها المساهمة، أن الأداء والنتائج لا تتوافق مع الإمكانيات التي تُسخِّرها الدولة أو تملكها الشركات، وأنه إنْ كانت مهمة المساءلة عن التقصير في الأداء أو التلاعب هي أولى مهام جمعيات المساهمين، بما أتاح لها النظام من المراقبة والمشاركة ودعاوى المسؤولية؛ إلا أنه من الأهمية بمكان تفعيل مراجعة حوكمة الميزانيات والأداء، حفاظًا على مقومات الاقتصاد الوطني وشركات السوق.

ثانيًا – أهمية تنظيم العلاقة بين رأس المال العامل ورأس المال المصرَّح به للشركات: حيث يُلاحظ أن المعمول به لدى الشركات في كثير من الأحيان أنها تعمل برأس مال عامل مختلف تمامًا عن رأس مال الشركة المصرح به، وربما كان بمئات الأضعاف، ولا يستبين هل هذه الأموال هي قروض شركاء أو زيادة رأس مال غير مصرَّح بها، وكل ذلك يستوجب التنظيم، حيث لا يجوز أن تعمل الشركة برأس مال مليون (مثلًا) مصرَّح به، أن تعمل بمئات الملايين، فإذا ترتَّب عليها التزامات، طلبت التصفية والإفلاس على أساس رأس المال المصرح به لا رأس المال العامل.

ثالثًا – المسؤولية عن التقصير والإفلاس: شرعَ نظام الإفلاس حالات التسوية الواقية من الإفلاس وإعادة التنظيم المالي والتصفية للشركات المتعثرة أو التي تمرُّ باضطراب مالي، حمايةً لها ولاستمراريتها، إلا أنه من المهم تنظيم حالات التقصير والإهمال والإفلاس الاحتيالي؛ حمايةً للسوق من المتلاعبين، ولإيجاد التوازن بين حماية الشركات المتعثرة وحماية المتعاملين مع الشركات.

وفي تصوُّر أ. فهد القاسم، فإن إلغاء شركة المحاصة في مشروع نظام الشركات الجديد قرار يحتاج إلى مراجعة، حيث إنَّ شركة المحاصة كانت متنفَّسًا للعديد من الشراكات الصغيرة والمؤقتة في قطاع الأعمال.

في حين يرى م. خالد العثمان أن إلغاء شركة المحاصة خطوة مهمة؛ فهي على أرض الواقع مجرد اتفاق ليس ذا صفة رسمية، تحفظ حقوق الأطراف وخصوصًا الأطراف الأضعف الذين يتحملون المسؤولية أمام الجهات الرسمية. ناهيك عن أنه كان في كثير من الحالات بوابةً لمخالفة بعض الأنظمة، مثل دخول الموظفين الحكوميين في شركات تجارية. نموذج شركة التوصية البسيطة سيكون – إنْ وجَد سبيلَه إلى التطبيق المحوكم – بديلاً ناجعًا لنموذج شركة المحاصة.

وأضاف أ. لاحم الناصر أن إشكالية المحاصة أنها يمكن أن تكون بابًا للتستُّر؛ إذ إنها تمنح غطاءً شرعيًّا وقانونيًّا له، وهذه هي المشكلة. وبدوره أضاف أ. فهد القاسم أن هذا قد يكون صحيحًا بالفعل، ولكن يمكن تغطيتها بتقييدها للسعوديين فقط، أما التخوُّف فيتعلق بما قد يحدث مع الإجراءات المتعددة والقيود المتزايدة في التسجيل وإلغاء الشركات، حيث سيبحث الناس عن طُرق أخرى (غير نظامية) لذلك.

وتساءل د. عبد الإله الصالح: هل يمكن إضافة مواد ملحقة بالنظام أو لوائحه يتبناها نظام الشركة أو اتفاقية الشركاء بما لا يخالف النظام ولكن يتعامل مع ظروف خاصة لشركة ما في مجال ما، فالشركات تعمل في مجالات مختلفة والمجال يحكمه بعض التفاصيل؟

وبدوره أوضح أ. فهد القاسم أن الأصل أن هذا مسموح به، وفي المشروع الجديد هناك مواد تسمح بإضافة نقاط معينة تخصُّ العائلة. إلا أنه وجنبًا إلى جنب، فهناك بعض النقاط التي تحتاج التأمل في نظام الشركات الجديد، ومن أبرزها ما يلي:

  • إمكانيات التمويل وآليته المبتكرة، ومن ذلك إعطاء حقوق أفضلية للمبتكر مقابل الممول وحماية لهما.
  • الحوكمة التي تتناسب مع طبيعة وحجم الشركة ومقدار تأثيرها في الاقتصاد الوطني أو عدد المساهمين.
  • النظر في إيجاد آلية مهنية (من أهل الاختصاص) قبل قضائية، للنظر في النزاعات المتعلقة بالشركات من حيث الحوكمة والنظام وما شابه ذلك.
  • كذلك فقد يكون من الحكمة توجيه نظام الشركات الجديد أو الملحقات المقترحة أو الملحقات من خلال المحفزات لخدمة الأهداف الإستراتيجية للدولة، مثل: الانتقال للمدن المتوسطة والصغيرة، والعمل في مجالات معينة (حسب قائمة تتغير)، وإذا كان ذلك متضمَّنًا في أنظمة أخرى مثل الضرائب وغيرها، فمن المهم أن يكون واضحًا في النظام الجديد تقديرُ ذلك.

وفي سياق متصل، فقد تركَّزت ملاحظات د. عبد الله بن صالح الحمود حول نظام الشركات الجديد فيما يلي:

  • أولًا: بخصوص ما رُئِي في مشروع النظام للشركات متناهية الصغر والصغيرة، من منطلق تخفيف الأعباء الإدارية والمالية، نحو إعفاء الشركات متناهية الصغر والصغيرة من متطلب تعيين مراجعي حسابات، هنا يمكن القول بوجاهة هذا المقترح للتخفيف من الأعباء المالية والإدارية لتلك المنشآت؛ إلا أن المفترض ألا يكون ذلك الأمر شاملًا لكل تلك الشركات دون ربط ذلك بمقدار رأس المال، وكفاءة الموازنات المالية التي تظهر للبعض منها سنويًّا قوة وملاءة مالية؛ ولهذا من الواجب توافر مراجع حسابات لبعضٍ من الشركات الصغيرة وإعفاء متناهية الصغر من ذلك، خصوصًا مما يُلحَظ عليها تنامٍ مالي وإداري وشيء من الحوكمة.
  • ثانيًا: حول نظام الرقابة على الشركات المساهمة من قِبل الدولة، فلعلَّ الأنسب أن تكون اللجان غير حكومية أو مشتركة بين حكومية ومكاتب أو شركات محاسبين قانونيين؛ لإضفاء مزيد من تلاقح الخبرات والمرونة في الوقت والإخراج.
  • ثالثًا: قد يكون من غير المناسب وضع حد أعلى لتقنين مكافآت أعضاء مجالس إدارات الشركات، فالمفترض أن يُحدَّد حد أعلى يتفق مع متغير المكافآت حاليًّا، وأن يكون في حدود المعقول، أما ترك تحديد ذلك من لدن الأعضاء فهذا يتناقض مع متطلبات الحكومة الرامية إلى الانضباط والترشيد عامة.
  • رابعًا: إنَّ تَرْك مسؤولي الشركات عند إدارة شركاتهم تخصيص أو تعيين أرباح بنسب لا شك أنها ترتبط بمصروفات وإيرادات الشركات، ومستندة إلى قوائم مالية برقابة قانونية؛ إلا أن من الملاحظ على العديد من الشركات أن هناك فوضى وتلاعبًا أدَّيَا إلى انخفاض غير منطقي وغير مقبول لأرباح الشركات، وهو ما أسهم في انخفاض أو شبه انعدام لأرباح المساهمين؛ لذا فإن تحديد أرباح ممتازة أو مقنَّنة هو أمرٌ يفرضه هذا الزمان.

وعقَّب أ. عاصم العيسى أنه بالنسبة لطلب عدم تحديد حد أعلى لمكافآت أعضاء المجالس، فيُلاحظ أن النظام الحالي غلَّظ المساءلة على أعضاء المجالس في حال التقصير وعظم المسؤوليات، وعلى ذلك فالتوازن بين المسؤوليات والمكافآت مطلَب؛ وذلك بهدف جَلْب الخبرات للمجالس ومكافأتهم على تحمُّل المسؤوليات والمهام، على أن يكون ذلك بلا إفراط، وهو ما يخضع لمراقبة الجمعيات. كما أنه من المهم عدم ربط المكافآت فقط بالربحية؛ وذلك لجَلْب المختصين لإدارة الشركات وإنْ كانت في مرحلة خسائر.

في حين يرى د. رياض نجم فيما يتعلق بوضع سقف لمكافآت أعضاء مجلس الإدارة، أن من المفيد أن لا يكون النظام قطعيًّا في هذا الموضوع. وليس من المنطقي أن يستمر أعضاء المجلس في أَخْذ مكافآت والشركة تخسر على مدى عدة سنوات، وربما تقترب من الإفلاس. ويمكن أن تكون هذه المكافآت مرتبطةً باستمرارية الربحية أو الخسارة، وبنوع ملكية الشركة إنْ كانت حكومية أو خاصة أو ليست هادفةً للربح.

وعقَّب أ. عاصم العيسى على ما ورد في الفقرة أعلاه بقوله: ماذا عن الشركات الخاسرة وخروج أعضاء المجلس، الشركة تحتاج لمجلس وهي خاسرة، لو بدون مكافآت مَن سيتقدم لها، علمًا أن إدارة الشركات في مرحلة الخسائر أصعب من إدارتها وقت الربحية؛ لذلك كل هذا يجب مراعاته.

ومن وجهة نظر م. خالد العثمان، فإن هناك حاجة مُلِحة لإعادة هيكلة نظام المكافآت وتصميمه على شرائح ودرجات تُحقِّق التوازنَ بين أعمال أعضاء مجالس إدارات الشركات ومستويات الأداء فيها؛ كأن يكون هناك مكافآت مقطوعة مثلاً بمعدلات منخفضة مقابل حضور الجلسات والأعمال الأساسية، وبعدها يحصل الأعضاء على حوافز وعلاوات مقابل تحقيق مستهدفات مسبقة بحسب حالة كل شركة، مثل: زيادة المبيعات بنسبة محددة، أو التحوُّل من الخسارة إلى الربح.

وأضاف م. خالد العثمان أن ربط نجاح الشركات بجانب الربح المالي يؤسِّس لمشكلة عويصة في أداء الأعمال عمومًا. فعلى أرض الواقع هناك الكثير من الشركات بما فيها شركات مساهمة مُدرَجة وهي تُحقِّق أرباحًا مالية، في حين أن هناك العديدَ من الملاحظات على أدائها التشغيلي المرتبط بإستراتيجية تأسيسها ونموذج عملها؛ على سبيل المثال، شركة تُعلن أنها تعمل في مجال الإسكان وتطوير المشروعات السكنية، بينما هي لم تُنجز مشروعًا يُذكَر منذ فترة طويلة، وتُحقِّق أرباحًا مالية من المضاربة بسيولتها أو تجارة الأراضي أو حتى الاستثمار في سوق الأسهم! ومن الضروري وَضْع معايير وأدوات لحوكمة وقياس نجاح عمليات الشركات استنادًا إلى عوامل تشغيلية، وليس فقط عوامل الربحية المالية.

بينما أشار أ. لاحم الناصر إلى أنه في الشركة في الإسلام لا يجوز اشتراط ضمان رأس المال ولا اشتراط ما يؤدي إلى قطع الشركة في الربح، أما الاتفاق على اختلاف نسبة الربح بين الشركاء بما لا يؤدي إلى قطع الشركة في الربح فهذا جائز. والأسهم الممتازة إذا كانت تمنح صاحبها إما ضمانًا في رأس المال، أو أولوية في استحقاق جزء من الأصول عند التصفية، أو ضمان ربح محدد، أو أولوية في استحقاق الربح تؤدي إلى قطع الشركة في الربح؛ فهي لا تجوز.

وذكر أ. محمد الدندني أن الشائع أيضًا أن الشركة تعمل بأقل من رأس المال. يدفع المساهم ٢٥٪؜ من قيمة مساهمته، وفي عقله الباطن وكل المساهمين أنهم يملكون ١٠٠٪؜ مما خُصِّص لهم. هذه إحدى كوارث انهيار الشركات حيث إنَّه في الغالب الـ ٢٥٪؜ لا تكفي للتأسيس. وإذا قامت الشركة وبدأت المشاريع وطلب مجلس الإدارة بناءً على توصية الإدارة التنفيذية؛ بدأ التباطؤ في دفع بقية رأس المال، وربما قيل لتنمو الشركة organically، وكان هذا المصطلح ينطبق على الشركات أو للدقة ينطبق على كل الأعمال. لا يوجد تفعيل لإجبار المساهم بدَفْع رأس المال المُستدعَى ولا آلية للاستحواذ على ما لديه، بل يكون الوضع هو المماطلة وصولًا إلى الإفلاس. والرأي أن يدفع بالكامل ويفسح عما فوق الـ ٢٥٪؜ بتصويت الجمعية أو مجلس الإدارة فقط.

بينما ذكر أ. عاصم العيسى أن هناك موادَّ في النظام تُلزم المساهمين بدفع باقي رأس المال، وهو التزام عليهم، في مواجهة التزامات الشركة للغير.

من جهته أوضح م. خالد العثمان أنَّ من المهم في هذا الإطار أن يكون هناك آلية لمعالجة التقاعس أو التعثُّر عن سداد بقية حصة رأس المال دون الحاجة للجوء للقضاء.

وعقَّب أ. عاصم العيسى بأنه لا خلاف على أن رأس المال يجب أن يُدفَع بالكامل، ولكن ماذا عن الحالات التي تتضمن الحاجة إلى تجزئة دفع رأس المال، إذًا للتوازن فثمة أهمية للتنظيم؛ مثلًا، أن يكون لأي دائن أو شريك حقُّ طلب استكمال دفع رأس المال، ومَن يتأخر ويُسبِّب ضررًا؛ فعليه تعويض مَن تضرَّر، وهكذا.

وتساءل أ. عبد الرحمن باسلم: ما مدى وجود شركات رأسمالها نحو ١٠٠ ألف ريال ومبيعاتها بالملايين؟ وهل يعتبر هذا – وخصوصًا للشركات ذات المسؤولية المحدودة – مُخالِفًا؟ وفي هذا الإطار، يرى أ. عاصم العيسى أن هذا مما يحسن تنظيمه، وهذا مربوط بالتحويلات. فالواقع اليومَ أن أيَّ شخص يُحوِّل لحساب الشركة وتعمل فيه الشركة ويدخل حساباتها؛ بينما في الدول الأخرى: التحويل لا يدخل حساب الشركة إلا بعد الإفصاح عنه وتوثيقه، هل هو قرض شركاء أو زيادة رأس مال؛ هنا تنضبط حسابات وأعمال الشركة.

وتطرَّق د. رياض نجم إلى موضوع منافسة الشركات الحكومية للقطاع الخاص الذي تحدَّث عنه م. خالد العثمان في تعقيبه، وأهمية معالجة هذه الإشكالية في نظام الشركات الجديد. ومن ثَمَّ تساءل: ألا يتعلق هذا الموضوع بالمنافسة، وبالتالي هو من اختصاص الهيئة العامة للمنافسة ونظام المنافسة، ولا يلزم معالجته في نظام الشركات؟ وأضاف: بالنسبة للشركات الحكومية فرأس مالها هو من المال العام، ألا توجد ضرورة لفرض قيود رقابية أكبر عليها ومزيد من الحوكمة مقارنة بشركات القطاع الخاص، وحتى لا تكون الشركات الحكومية ملاذًا آمنًا للتهرُّب من الأنظمة المالية والإدارية الحكومية دون النظر إلى ربحيتها؟ ومن جهة أخرى، فهناك كثيرٌ من الأسباب الموضوعية لأن يكون هناك فئات من الأسهم في الشركات، خصوصًا التي تنشأ لتنفيذ أفكار خلَّاقة أو فريدة من نوعها. والفتوى الشرعية بعدم جوازها هو عدم مناسبة أَخْذ بعض المساهمين أرباحًا تقلُّ أو تزيد عن حصصهم المالية الفعلية في الشركة، لكن من الممكن أن يتفق علماء الفقه والماليون على حلٍّ مُرضٍ بحيث لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم.

ومن ناحيته أشار م. خالد العثمان إلى أنه لا يمكن التعويل كثيرًا على هيئة المنافسة وفق رؤية الوضع الراهن، فهي لم تفعل شيئًا لمَنْع المنافسة الحالية من الشركات الحكومية للقطاع الخاص. والظنُّ أن مسؤولية هذه الهيئة هي حماية المنافسة بين شركات القطاع الخاص بعضها البعض، وهي لا تملك أيَّ سطوة على القطاع الحكومي الذي تُمثِّل هي إحدى أدواته؛ بل وربما هي ذاتها تقوم ببعض مهامها بنموذج منافس للقطاع الخاص، فلا شيء يمنع ذلك. وهذا ما دفع للمطالبة باستغلال فرصة تطوير نظام الشركات، ليشمل جميعَ الشركات العاملة في المملكة بغض النظر عن مالكيها وتبعيتها الحكومية أو الخاصة. ليس فقط بغرض حماية القطاع الخاص من المنافسة، بل لوضع مرجعية نظامية تحكم عمل الشركات الحكومية وما في حكمها وفق مفاهيم ومعايير العمل التجاري المؤسسي المنظم. ويمكن أن يكون هذا التناول في باب مستقل في النظام تحت مُسمَّى الشركات الحكومية أو الشركات العامة حتى يُميِّزه عن بقية فئات الشركات بأحكامٍ ومضامينَ خاصة بطبيعتها. أما وفيما يتعلق بتباين فئات الأسهم في النماذج الدولية؛ فهو ليس مبنيًا على ضمان الحقوق المالية والأرباح بالدرجة الأولى، بل على ضمان حقوق التصويت والإدارة وتقييم المساهمات غير المالية في رؤوس أموال الشركات، وهذا هو المهم لتمكين المبدعين ورواد الأعمال من الاحتفاظ بحصص مناسبة في ملكيات الشركات التي يؤسِّسونها مع شركاء ممولين، تمكِّنهم من الاحتفاظ بحقوق الإدارة والتشغيل والتصويت دون أن يكون لهم بالضرورة نسب أغلبية في ملكية الشركات. أما عن ضمان الأرباح وآلية توزيعها فتحكمها بنودٌ أخرى في النظام، وهي كافية لحماية حقوق الأطراف في هذا الجانب.

واتفق م. فاضل القرني مع ما ذهبت إليه د. وفاء الرشيد فيما يخصُّ الأعمال الصغيرة ومتناهية الصغر، باعتبارها يجب أن تأخذ حيزًا كبيرًا من الوضوح والحوكمة وشروط التأسيس في كل الأحوال، وبالأخص بعد جائحة كورونا العالمية وما تسبَّبت فيه (ولا تزال) من انكماش اقتصادي وزيادة في البطالة وإفلاس الشركات المتوسطة والصغيرة.  أيضًا، لا بد أن يُنظَر في موضوع الضرائب والجمارك لأصحاب رؤوس الأموال والاستثمارات لزيادة الجذب. أيضًا، ثمة أهمية للاطلاع على نماذج الممارسات العالمية، وخاصةً في الدول التي أدارت الأزمة العالمية بأقل ضرر، ويمكن الإشارة هنا إلى النماذج الآسيوية ونيوزيلندا وغيرها؛ لغرض توسيع دائرة معرفة التجارب ونتائجها.

وفي سياق متصل، أشار أ. عاصم العيسى إلى أهمية أن يأخذ مشروع نظام الشركات الجديد الملاحظات التالية بعين الاعتبار:

  • تسهيل إجراءات تأسيس الشركات، وقد أعفى مشروع النظام أيضًا الشركات المتناهية الصغر من بعض الالتزامات، وهذا جيدٌ ولكن مهم أن يقابله التزام أي من الشركات بحدود رأس مالها وأغراضها، حيث لا يجوز لشركة برأس مال محدَّد أن تعمل بأضعافه، دون بيان هل هذه الأموال هي قرض شركاء أو زيادة رأس مال ونحوه.
  • أهمية التوفيق بين نظام الشركات ونظام الإفلاس، إذ يُنظِّم نظام الإفلاس حالات الإفلاس، وأن مسؤولية الشركات والكيانات المساهمة والمحدودة بالذات – وهي الأكثر انتشارًا – في حدود رأس مالها؛ فإنه من الأهمية حماية المتعاملين مع الشركات من ناحية ثقتهم باستقرار السوق وحماية المديونيات، وملاءمة كل نوع من الشركات بما يقوم به من أعمال، ويُلاحظ – مثلًا – أن شركات الصرافة قد تطلَّبت أنظمة مؤسسة النقد العربي السعودي أن تكون تضامنيةً؛ حمايةً للمتعاملين، ولا يخفى الرقابة على البنوك كيف هي صارمة وما ذلك إلا لحماية المتعاملين معها، حمايةً للحسابات والودائع والثقة؛ الأمر الذي يتطلبه عالم التجار والتجارة، فمن ناحية تسهَّلت إجراءات تأسيس الشركات، ولكن مهم في المقابل تفعيل الحوكمة والتزامات الإدارة ونَشْر القوائم المالية وتفعيل تطبيق العقوبات التي نصَّ عليها نظام الشركات المعمول به أو المشروع القادم؛ لإضفاء المزيد من المصداقية على المتعاملين مع الشركات، وتنفيذ المشروعات وعقود البيع وجميع ما يترتب من التزامات على الشركات.
  • يُفهم مما سبق أن نظام الشركات لا يمكن أن يُجدِّف لوحده، فهو مجداف ضمن مجموعة متكاملة، منها: نظام مكافحة الغش التجاري، ونظام مكافحة التستُّر، والمنافسة، والاستثمار الأجنبي، وأنظمة التمويل، ونظام ولوائح السوق المالية، والمواصفات والمقاييس، والجمارك، إلى غير ذلك مما يُمثِّل منظومةً متكاملة يسند بعضُها بعضًا.
  • أعلنت لجنة الإفلاس أسماء (550) شركة مُفلسة، ومناسب جدًّا إعداد الدراسات لمعرفة أسباب إفلاس الشركات، وقطاعات الشركات المُفلِسة، حيث يُلاحظ أن عددًا كبيرًا منها من شركات المقاولات، ومهم معرفة أسباب ذلك؛ ومن ذلك: أثر الضرائب، وأثر الرسوم الحكومية، وأنظمة الاستقدام، وواقع التستُّر، وتأثير التمويل والتعثُّر في السداد، وإجراءات الاستقدام وتكاليف العمالة، وتقصير الإدارة، وتأخُّر صرف المستخلصات، وأنظمة التنفيذ وإيقاف الخدمات، وغير ذلك من الأسباب التي في السوق مما يواجه التجار والشركات، ويستدعي التنظيم التشريعي والمراقبة والحوكمة، وأبرز ذلك تفعيل الأسواق لتدير نفسها.
  • دراسة التداخل بين أعمال السوق التجاري والشركات وبين ما تقوم به الشركات الحكومية أو شبه الحكومية من أعمال تجارية، حيث من الصعب أن تُنافس الشركات الخاصة الشركات الحكومية، أو على الأقل أن هذا التنافس يخلق لدى الشركات عدمَ الثقة والقدرة والمنافسة في السوق.
  • تحديد دور الأجهزة الحكومية فيما يتعلق بقطاع الشركات، هل هو تشريعي أو رقابي أو تنفيذي، ودراسة واقع الحال وتحليله وأثره على السوق.
  • أهمية أن يُسهم القطاع التجاري في سنِّ أنظمة التجارة والشركات، فهم أعرف الناس بسوقهم.
  • دراسة إمكانية مَنْح مساحة أكبر للسوق التجاري بأن يُراقب حال شركاته وواقعها وحوكمتها، وإشراك القطاع الخاص قدر الإمكان مع الجهات الرسمية في مراقبة واقع الشركات وما تحتاجه من إجراءات ومعاملات، ومنحهم الصلاحيات اللازمة لذلك.
  • التوصيات:
  • استمرار التعاون بين وزارة التجارة وهيئة السوق المالية في جميع ما يخصُّ شركات السوق، وتسهيلَ إجراءات، ومراقبة وإشراف، ومساءلة، وتقنين، وتقنية.
  • التوأمة بين نظام الشركات والأنظمة ذات العلاقة، من ذلك: نظام السوق المالية ولوائحه، وأنظمة التمويل، ونظام مكافحة الغش التجاري، ونظام مكافحة التستُّر، والمنافسة، والاستثمار الأجنبي، ونظام العمل، وأنظمة الاستقدام، والمواصفات والمقاييس، وأنظمة الضرائب والرسوم والجمارك، وغيرها من التشريعات؛ لتكون متوافقةً يسندُ بعضُها بعضًا، دون معوقات أو تعارُض صلاحيات أو اختصاص، في سبيل تكامل المنظومة التشريعية وتنفيذها.
  • استمرار استشراف ودراسة أحوال الشركات والتجار، وما يقابلونه من معوقات، وأسباب خسائر، ومنافسة غير شريفة، وصعوبات تمويلية، وإجراءات الاستقدام، وأثر الضرائب والرسوم والجمارك على أسعار السلع واستمرارية الشركات، وغير ذلك مما يؤثر على أوضاع الشركات.
  • التأكيد على تطبيق المادة (274) الخاصة بالإشراف على الشركات ومراقبتها والتفتيش عليها وفحص حساباتها، ومن ذلك تأسيس الجهات الرقابية المُتمكنة لتطبيق ذلك، وبالذات عند الاشتباه في تغير أحوال الشركات لأسباب غير مُبررة أو عند شكوى المساهمين، وغيرها.
  • تفعيل مراقبة السوق والشركات لأي تجاوزات؛ سواء في القوائم المالية أو في القصور الإداري أو تحايل أو احتكار أو أي تجاوزات، وتفعيل تطبيق الأنظمة والصلاحيات، حمايةً للسوق والشركات والمتعاملين معها.
  • تفعيل مواد المسؤولية لمَنْع حالات التقصير والإهمال والإفلاس الاحتيالي، وبالذات في شركات الأموال، حمايةً للسوق من المُتلاعبين، ولإيجاد التوازن بين تطبيق نظام الإفلاس وما يُتيحه من حماية للشركات المتعثرة وحماية المتعاملين معها.
  • التحقُّق من حُسن تطبيق المادة (81) الخاصة بمكافآت أعضاء مجالس إدارات الشركات المساهمة، ليكون حجم المكافآت عادلًا، بلا مُبالغة، وتفعيل حق الجمعيات بمراقبة ذلك، وحق الجهات الرقابية بالمراقبة أيضًا استنادًا للمادة (274).
  • التأكيد على حُسن اختيار مَن يُمثِّلون الجهات الحكومية في عضوية مجالس الإدارات؛ لتحقيق التخصص والمهنية والكفاءة التي تتطلبها الشركات.
  • دراسة واقتراح آليات لمَنْع احتكار بعض الأشخاص من المساهمين على مجالس إدارات الشركات المساهمة، والحد من سيطرتهم مُددًا زمنية طويلة.
  • مُساءلة مجالس الإدارات والإدارات التنفيذية عن تقصيرهم الإداري أو أية تجاوزات تصدر منهم، وعما يَلحقه ذلك من أضرار.
  • دراسة الدور الأمثل للأجهزة الحكومية فيما يتعلق بالشركات، هل هو تشريعي أو رقابي أو تنفيذي، ودراسة واقع الحال وتحليله وأثره على السوق.
  • أهمية تحديد الدور المنوط من الشركات الحكومية، منعًا للمنافسة غير العادلة للشركات الخاصة، وفصلًا بين الدور التشريعي والرقابي الذي تقوم به بعض الجهات الحكومية على الأسواق والشركات، وبين شركاتها التجارية.
  • أهمية تحديد الاختصاص الرقابي والإشرافي والقضائي للشركات الحكومية وشبه الحكومية.
  • تعزيز دور الجهات الرسمية والجهات والشركات الحكومية في تأسيس الشركات ذات الأغراض الإستراتيجية التي تحتاجها المملكة وسوقها.
  • إعداد الدراسات الخاصة بما أعلنت عنه لجنة الإفلاس من شركات مُفلِسة أو مُتعثرة، وبالأخص أسباب الإفلاس والتعثُّر لكل قطاع من تلك الشركات.
  • حماية واستدامة الكيانات الاقتصادية والشركات العائلية من التحديات القانونية ومتغيرات السوق ومعوقاته.
  • أهمية التنسيق بين الجهات المُشرِفة على الشركات مع الجهات المشرفة على التمويل؛ وذلك لرسم سياسة ائتمانية فاعلة متوائمة مع رؤية المملكة 2030 وخططها التنموية، ومن ذلك: دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة والشركات والقطاع غير الربحي والصناعة وغيرها من المجالات محل اهتمام التنمية والرؤية، وتسهيل إجراءات التمويل بما يتوافق مع حاجة الاقتصاد والشركات، وتنظيم قبول ما تملكه الشركات من ضمانات.
  • تخصيص جزء من النظام أو لائحته التنفيذية بما يدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويُسهِّل إجراءاتها ويعالج معوقاتها، أسوةً بالشركات المساهمة البسيطة.
  • تشجيع الاستثمار فيما تحتاجه الشركات من تقنية ودعم لوجستي.
  • تفعيل حوكمة الأداء ومراقبته والإشراف عليه، ومراجعة حالات قصور الأداء غير المُبرر، تطبيقًا لما تملكه الجهات الرقابية (وزارة التجارة وهيئة السوق المالية) من اختصاصات، حمايةً لمقومات الاقتصاد الوطني وشركات السوق.
  • تفعيل الحوكمة والمراقبة على الشركات بما يتوافق مع تصنيف الشركات بحسب حجمها ومقدار تأثيرها في الاقتصاد الوطني وأموال المساهمين.
  • مراقبة التزام الشركات وبالذات المساهمة بأنشطة أغراضها المُصرَّح لها بها بالترخيص وبإرادة المساهمين واتفاقهم.
  • سن إجراءات لحماية المُتعاملين مع الشركات المُعفاة من تعيين مُراجع حسابات، لتخفيف أثر ذلك.
  • توعية الشركات والمتعاملين معها بمزايا النظام وأنواع الشركات ومزايا كل منها، وحقوق المساهمين، وغيرها مما يتطلب التوعية والتدريب.
  • إدراج الثقافة القانونية والتوعوية وأخلاق التجار ضمن مناهج التعليم، تحفيزًا لثقافة العمل التجاري بدلًا من الوظيفة.
  • أهمية تنظيم العلاقة بين رأس مال الشركات ورأس المال العامل بها وتناسبهما، وإقرار حالات دخول الأموال إلى الشركات، كقرض الشريك أو زيادة رأس المال؛ لما يُسببه العمل بغير رأس مال الشركة من وجود الخلل بين المسؤولية بحدود رأس مال الشركة، وحدود أعمالها.
  • دراسة البدائل للاحتياط النظامي، حمايةً للشركات والمُتعاملين معها.
  • دراسة شرعية ونظامية إصدار أسهم مُمتازة للمساهمين، وما تتضمنه تلك الأسهم من ضمان لرأس المال أو الأرباح.
  • تشجيع تأسيس الجمعيات الأهلية والشركات والجهات المُستقلة للقيام بمراقبة أداء الشركات وحوكمتها، وحماية المساهمين وبالذات صغارهم.
  • تفعيل دور الوسطاء والمصلحين ومكاتبهم في الخلافات التجارية.
  • تضمين المشروع حالات القوة القاهرة والظروف الاستثنائية، وما تُرتّب من أحكام على الالتزامات واستمرارية الشركات.
  • نقل بعض الأمور التفصيلية البسيطة المتغيرة من النظام إلى اللائحة، مثل: الفقرة (5) من المادة (السادسة)، والفقرة (1/ب) من المادة (الخامسة)، وغيرها الكثير.

 


القضية الرابعة

ملامح عن نظام المحاكم التجارية

 (26/7/2020م)

 

  • الورقة الرئيسة: د. عبد الله السليمي (ضيف الملتقى)
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. عبد الإله الصالح
  • التعقيب الثاني: د. فهد الرفاعي (ضيف الملتقى)
  • إدارة الحوار: م. فاضل القرني

 

  • الملخص التنفيذي:

تطرَّق د. عبد الله السليمي في الورقة الرئيسة لمحطات رئيسة في النظام الجديد للمحاكم التجارية ولائحته التنفيذية، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/93) بتاريخ 15/8/1441هـ.

وقد تمَّ التطرُّق في هذا السياق إلى طبيعة النظام، وأهدافه المرجو تحقيقها، والمبادئ المتضمَّنة في العملية القضائية ذات الصلة؛ كالشفافية، والمرونة، ورفع الفهم، والتنبؤ بالأحكام القضائية التجارية مسبقًا للأطراف المحتملة في حال حدوث قضايا تجارية.

وإجمالًا، فقد تضمَّنت الورقة الرئيسة استعراضًا لمحتوى النظام والآثار المتوقعة لتطبيقه، لا سيما فيما يتعلق بالإسهام في تطوير نظر المنازعات التجارية بما يتوافق وأحدث الممارسات الدولية؛ مما سيؤدي إلى سرعة الفصل في الدعاوى التجارية، مع رفع جودة النظر القضائي؛ نظرًا للممكنات التي منحها النظام للمحكمة والأطراف.

ومن جانبه عرض د. عبد الإله الصالح في التعقيب الأول لإطار شامل عن دور وحيوية نظام المحاكم التجارية بمجمله وتفصيله. وأهمية النظر إليه بأنه صناعة للعدل من مناهله الرئيسة: القرآن والسنة تشريعًا، والنظام الأساسي للحكم تنظيمًا؛ من خلال رفع الكفاءة في الإجراءات، والشفافية، وإضفاء مساحة أكثر للقضاة في التفسير والتطبيق والاستفادة من القطاع الخاص، والاستفادة من التطوُّر التقني والذكاء الاصطناعي، وآليات تُيسِّر وتُسرِّع في الإنجاز، مثل: الوساطة، والاستعانة بالخبرات والاستشارات.

وقد أدرج د. عبد الإله الصالح في هذا الإطار أربعة تساؤلات مهمة تدور حول تداخل صلاحيات ومسؤوليات المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا ووزارة العدل، ودعم القضاة بالخبرات الاستشارية الوطنية والخارجية، والاستفادة من خبرات المختصين في الشريعة والقانون.

وركَّز د. فهد الرفاعي في التعقيب الثاني على توضيح أهم الملامح والملاحظات حول نظام المحاكم التجارية الجديد، كما تناول أبرزَ الإيجابيات المتحققة من إقرار النظام خاصة ما يتعلق بالسرعة، ومسايرة أحدث المبادئ والتجارب الدولية، والحرص على تقصير مُدد التقاضي، وإشراك القطاع الخاص في المنازعات التجارية، ووَضْع مسارات للدعاوى اليسيرة وأوامر الأداء، ومراعاة أعراف التجار واتفاقاتهم، والتحوُّل الإلكتروني الكامل للإجراءات، ووَضْع وسائل مرنة وإجراءات إثبات تُناسب طبيعة الدعاوى التجارية، على ألا يخل ذلك بالنظام العام وقواعد العدالة.

وفي ختام تعقيبه، أكَّد د. فهد الرفاعي على أهمية وجود المزيد من الجهود المثمرة، والتعاون الفاعل لتطوير منظومة القضاء وتحسين جودة مخرجاتها، ورفع الوعي لدى المتقاضين وذوي العلاقة بالقضاء وبناء علاقات تشاركية مع الجهات ذات العلاقة.

وتضمَّنت المداخلات حول القضية المحاورَ التاليةَ:

  • أهمية نظام المحاكم التجارية.
  • ملاحظات على نظام المحاكم التجارية.
  • متطلبات لتفعيل نظام المحاكم التجارية في الواقع العملي.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • أهمية دَعْم نظام المحاكم التجارية بالضوابط والإمكانات المادية والنظُم التي تسانده في بداية تطبيقه.
  • نَشْر وعي وفهم نظام المحاكم التجارية للجميع من خلال وسائل الإعلام والتوجيهات اللازمة من الجهة المختصة في الحكومة لجميع الأطراف التي يعنيها ذلك، وتحديث إداراتها القانونية بالتعليمات والمراجع الحقوقية اللازمة.
  • الورقة الرئيسة: د. عبد الله السليمي (ضيف الملتقى) (*)

  مدخل:

نستعرض في هذه الورقة أبرزَ ما يتعلق بنظام المحاكم التجارية ولائحته التنفيذية، والذي صدر بالمرسوم الملكي رقم (م/93) بتاريخ 15/8/1441هـ؛ نعرض فيه أهمَّ أهداف النظام ومبادئه التي بُني عليها، واستمداده، وأبرز ما جاء فيه من أحكام؛ ونختمها بالآثار المتوقعة.

طبيعة النظام:

يُعَدُّ النظام من حيث الأساس من الأنظمة الإجرائية التي تُنظِّم إجراءات الترافع أمام المحكمة التجارية، إلا أنه أُضيف إليه عددٌ من الأحكام المتعلقة بهيكلة المحاكم؛ وهذا بطبيعة الحال لا يخرجه عن كونه نظامًا إجرائيًّا.

أهداف النظام:

تُعَدُّ إجراءات نظر المنازعات التجارية الركيزة الأساس في أي منظومة قضائية متخصصة في نظر تلك المنازعات؛ ولذا كان من أهم معايير تميُّز القضاء المتخصص وجود إجراءات خاصة لهذا القضاء؛ ولذا اتجهت وزارة العدل إلى اقتراح هذا النظام لتحقيق الأهداف التالية:

  • تطوير إجراءات نظر المناعات التجارية بما يتوافق وأحدث الممارسات الدولية.
  • إعطاء دور أكبر للمحامين والمعاونين القضائيين، وتحقيق تكامل الأدوار بين الجهات ذات العلاقة بنظر المنازعات التجارية؛ بما في ذلك تفعيل دور القطاع الخاص في مجال إدارة الدعوى.
  • تقليص أمد التقاضي، وتعزيز الأدوات الممكنة من سرعة الفصل في الدعوى مع السعي لرفع جودة العملية القضائية.
  • تفعيل دور الوسائل البديلة لنظر الدعاوى التجارية بما في ذلك تعزيز اللجوء إلى التسوية والوساطة.
  • التأسيس للتحوُّل الرقمي الكامل؛ بما يحقق الوصول إلى محكمة تجارية رقمية.

مبادئ النظام:

انطلق النظام من مبادئ أساسية، سعى إلى تحقيقها من خلال أحكام النظام؛ ومن أبرز هذه المبادئ ما يأتي:

  • تعزيز مبدأ الشفافية والوضوح إجرائيًّا وقضائيًّا؛ وقد جرى تطبيق هذا المبدأ في جميع إجراءات الدعوى، ومنه تمكين العموم من الاطلاع على بيانات القضية ومستنداتها.
  • تعزيز مبدأ حرية الأطراف؛ ومن مظاهر تحقيق هذا المبدأ إتاحة الحق للأطراف في الاتفاق على خطة إجراءات نظر القضية، والاتفاق على وسائل وأحكام خاصة في الإثبات.
  • تعزيز القدرة على التنبؤ بالأحكام واستقرارها؛ ومن مظاهر ذلك إيجاب نشر الأحكام التجارية للعموم، وتنظيم وسائل الإثبات.
  • تحقيق المرونة والتطوير في الإجراءات، بما يستوعب مقتضيات التحديث والتطور.
  • التأكيد على تعزيز ضمانات التقاضي وعدم المساس بها.

استمداد النظام:

استُمِدَّت أنظمة المرافعات السابقة (نظاما المرافعات الشرعية الحالي والمُلغَى) من بعض التجارب العربية المستمدة من المدرسة اللاتينية، وكما هو معلوم أن المدرسة اللاتينية وعلى رأسها التجربة الفرنسية تتميز بمزايا عديدة أثَّرت بشكل كبير على المدارس القضائية في العالم العربي، إلا أن المدرسة الأنجلوسكسونية وعلى رأسها التجربتان البريطانية والأمريكية تميَّزت بالعديد من المزايا في مجال إجراءات المرافعات، ولم تلقَ قبولًا في العالم العربي؛ نظرًا للظروف التي صاحَبت تأسيس المدارس القضائية في بعض الدول العربية كجمهورية مصر العربية والجمهورية اللبنانية اللتين تأثَّرتا بالمدرسة الفرنسية، وقد كان التحدي الذي واجه فريق إعداد مشروع النظام كيفية القدرة على الجمع بين المدرستين بأَخْذ مزايا كلٍّ من المدرستين دون الوقوع في التناقض أو الخلل في الجمع بينهما.

واستطاع فريق المشروع تحقيق ذلك من خلال الانطلاق من قواعد المرافعات في المدرسة اللاتينية، والإضافة عليها ببعض الإجراءات المميزة التي تتبناها المدرسة الأنجلوسكسونية، ومنها تنظيم مرحلة “الاستكشاف” التي يُراد بها التحضير للقضية قبل بدئها، إضافةً إلى تنظيم الدعاوى الجماعية وغيرها من الأحكام التي استُمِدَّت من التجربتين البريطانية والأمريكية مع إضافة بعض التعديلات عليها؛ فضلاً عن تعزيز الشفافية في الإجراءات والبيانات القضائية.

لمحة عن محتواه:

تكوَّن النظام من أبواب رئيسة يمكن إجمالها في الآتي:

  • الأحكام العامة؛ ونَظَّم فيه شكلَ المحكمة، ورأى المُنظِّم أن تكون المحكمة مشتملة على دوائر ابتدائية، وأخرى استئنافية بخلاف ما كان عليه العمل قبل صدور النظام، كما عزَّز وسائل التبليغ بالوسائل الإلكترونية الحديثة، إضافةً إلى وضع مسار خاص للدعاوى الجماعية، والدعاوى اليسيرة، ومكَّن الأطراف من الاتفاق على إجراءات نظر القضية من حيث المُدد وآلية تبادل المذكرات، وأعطى المحكمة الحقَّ في فرض غرامة مالية على مَن يُعطِّل نظامَ المحكمة من الأطراف.
  • الاختصاص؛ فحدَّد الاختصاصَ النوعي بشكل واضح، وعالج بعضَ السلبيات المصاحبة للوضع السابق؛ فأخرج الدعاوى التي تُقام على التاجر من الشخص المدني متى زادت عن ثلاث مئة ألف ريال. كما عالج المُنظِّم في هذا المقام ظاهرةَ طول أمد الفصل في الاختصاص والتي كانت تتسبب في إطالة مُدة التقاضي على الأطراف؛ فحدَّد النظام مُدة الفصل في الاختصاص وألزم المحكمة بالالتزام بهذه المدد، بحيث لا يُقبل تجاوز هذه المدة دون الفصل فيه. كما أجاز للمحكمة أن تحكم باختصاصها وتمكِّن الأطراف من الاعتراض؛ لضمان ذلك، وهذه المسألة تعَدُّ من المسائل التي أَخَذ بها المنظِّم أحدث النظريات القانونية في هذا الشأن.
  • قيد الدعوى؛ وقد جاء المُنظِّم في هذا الباب بأحكام جديدة، منها الأخذ بمبدأ التقادُم وعدم سماع الدعوى التجارية بعد مُضي خمس سنوات على نشوء الحق؛ وذلك صيانة للمراكز القانونية وحماية لها من التأثر. كما أوجب النظام إخطار الخصم كتابةً بأداء الحق قبل إقامة الدعوى بمدة محددة؛ حتى لا يُباغِت الخصمُ خصمَه بالقضية دون أن يسبقها إخطار له، كما أجاز للأطراف – قبل اللجوء للمحكمة – أن يتوجهوا للتسوية، أو إلى عقد اجتماع لتحديد الطلبات والدفوع والبينات، أو تبادل المذكرات قبل قيد الدعوى. كما أوجب في بعض الدعاوى أن يكون قيد الدعوى والترافع فيها من محامٍ؛ نظرًا لطبيعة الدعاوى التجارية وأهمية المتخصص في الترافع فيها، وأن يتحمل خاسر الدعوى تكاليف المحامي.
  • نظر الدعوى؛ أعطى المُنظِّم الدائرةَ الحقَّ في فرض غرامة مالية على مَن يتخلف عن تقديم المستندات أو ما طلبته المحكمة منه؛ بما يسهم في حثِّ الأطراف على الالتزام بالمُدد التي تُقرِّرها المحكمة مما سيكون له أثر كبير في تسريع إجراءات نظر القضية جراء التزام الأطراف بالمُدد المحددة. وقد ألغى النظام ما كان في نظام المرافعات الشرعية من تمكين المحكمة من حبس مَنْ يخل بنظام الجلسة، وحصرت عقوبته بالغرامة المالية. كما أخذ النظام بعدد من أدوات إدارة الدعوى وَفْق أحدث النظريات القانونية؛ فعزَّز دور تهيئة الدعوى، والتحضير لها قبل إحالتها للدائرة، ومَنْع الدائرة من تأجيل الجلسة إلا لسبب ضروري، وأكَّد على عدم جواز التأجيل للسبب نفسه أكثر من مرة. كما أوجب الفصل في طلبات التعويض الناشئة من القضية في ذات الحكم، بما يشمل التعويض عن مصاريف الدعوى، أو التعويض عن الأضرار الناشئة عنها.
  • الإثبات؛ أبدع النظام في تنظيم أحكام الإثبات وسنِّ أحكام جديدة، منها تمكين الأطراف من الاتفاق على قواعد محددة في الإثبات؛ ليضمن الأطرافُ استقرارَ التعاملات بناءً على ما اتفقوا عليه من وسائل للإثبات في حال حدوث النزاع. كما جاء النظام بتمكين الأطراف من الاتفاق على نقل عبء الإثبات، ويعَدُّ هذا من الأحكام المهمة لقطاع الأعمال خاصة في بعض المجالات الخاصة كالمجالات التقنية، أو بعض صور عقود الشراكة. كما بيَّن النظام حجية الإثبات بالدليل الإلكتروني وبيَّن صوره، إضافةً إلى اعتبار العُرف التجاري دليلًا من الأدلة المعتبرة في المنازعات التجارية.
  • أوامر الأداء؛ أخذ النظام بإقرار أوامر الأداء كأداة من أدوات استيفاء الحق؛ بأن مكَّن الدائن متى كان دينُه ثابتًا بالكتابة وحالَ الأداء من أن يتقدَّم للمحكمة بطلب إصدار أمر تجاه المدين بأداء الدين دون الحاجة لإقامة دعوى للمطالبة بالحق وذلك بعد أن يُشعِر المدين بالوفاء قبل خمسة أيام من المطالبة، ويُفصَل في الطلب دون حضور أيٍّ من الأطراف؛ ومكَّن النظامُ المدينَ من الاعتراض على أمر الأداء من خلال إقامة دعوى أمام المحكمة يتظلم فيها من أمر الأداء.
  • حدَّد النظامُ أوجهَ الاعتراض على الأحكام، وبيَّن طُرق الاعتراض العادية وغير العادية على الأحكام. كما أسند النظام للمجلس الأعلى للقضاء إصدار قواعد لتخصيص القضاة للمحاكم التجارية؛ إيمانًا بأهمية العناية بالتخصص أو التأهيل، وأثره على رفع جودة الأحكام القضائية باعتباره ضمانة من ضمانات التقاضي أن يتولى القضاءَ قاضٍ مؤهَّلٌ ومتخصِّص، وفق أحدث التجارب. كما أسند للوزارة نَشْر جميع الأحكام التجارية المكتسِبة للصفة النهائية، وأجاز لها أن تعهد بنشرها إلى القطاع الخاص.

وحرصًا من المُنظِّم على تطوير القضاء التجاري؛ قضى بإنشاء وحدة لدراسات القضاء التجاري في وزارة العدل، تُعنَى بإعداد الدراسات والبحوث المتعلقة بالقضاء التجاري، ومتابعة متطلبات إنفاذ النظام واللائحة.

الآثار المتوقعة:

سرى النظام بتاريخ 25/10/1441هـ، ومن المتوقع أن يُسهِم النظام في تطوير نظر المنازعات التجارية بما يتوافق وأحدث الممارسات الدولية؛ مما سيؤدي إلى سرعة الفصل في الدعاوى التجارية، مع رفع جودة النظر القضائي؛ نظرًا للممكنات التي منحها النظام للمحكمة والأطراف، وسيسهم ذلك – بإذن الله – في تعزيز الثقة في المنظومة القضائية، وينعكس ذلك على رفع تصنيف المملكة في المؤشرات والتقارير الدولية، وعلى رأسها مؤشر إنفاذ العقود ضمن تقرير سهولة ممارسة أنشطة الأعمال الصادر من البنك الدولي.

 

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. عبد الإله الصالح

يُقال إن المنظومة الإجرائية الناجعة هي التي تضمن نتائج قضائية متشابهة ومتماثلة للقضايا والخصومات المتشابهة أو المتماثلة. كما يُقال إن أنظمة ولوائح وأعراف الإجراءات القضائية – سواء المدني/ التجاري منها أو الجزائي / الجنائي – آلةً تستقبل الخصومات وتتعامل معها وتُخرِجها أحكامًا منصفة فاعلة فعالة، بأقل قدر من الاحتكاك أو الهدر. هذا إذا كانت تلك الآلة (منظومة الإجراءات) منضبطة، ويديرها قضاة ومحامون وأعوان مهرة في تطبيق وإعمال وسائلها وترجمة أغراضها للواقع. لذلك، فإنه هيهات أن تكون المنظومة العدلية بكل مكوناتها وعناصرها وأنظمتها ولوائحها وأعرافها آلةً صماء، والإنسان والمجتمع والحقوق والمسؤوليات واختلاف الآراء والأمزجة والمصالح محورها وفضاؤها. لذلك، وجَب إرساء التنظيم والوعي العدلي وترسيخ ثقافته ومهاراته لدى المختصين خصوصًا، والمجتمع عمومًا كلٌّ بحسبه. كما وجَب توظيف أقصى درجات الشفافية وآليات المتابعة والمراقبة والتحليل والتحديث في سبيل إحقاق الحقوق وحماية حياض الذمة ورفع أسوار المهنة.

إنَّ د. عبد الله السليمي استطاع في الورقة الرئيسة بأسلوب سَلِس مختصر، أن يُغطيَ مساحاتٍ شاسعةً من نظام طموح، هو بطبيعته أوسع وأشمل من أن يُغطَّى في مجلدات، فكيف بورقة؟! فهو نظام متحرك حيوي، يغطي تفاصيل مهنية متخصصة، تؤلِّف تشكيلات غير محدودة، في سياق حلقات عدة من سلسلة المنظومة العدلية؛ مراحل ما قبل الخصومة والمرافعات، وأثناءها، ومراحل ما بعدها. ونظام الإجراءات يتأسَّس على حق الفرد في أن لا يُضارَّ في حياته أو حريته أو ملكه وسائر حقوقه، إلا بنظام مُنصِف مُعلَن يحدِّد إجراءات واضحة، معتمدًا على ما قال الله وقال رسوله، ومُنطلِق من النظام الأساسي للحكم. ونظام الإجراءات ولوائحه وأعرافه يهدف لضمان تنفيذ وإنزال قواعد الأنظمة الموضوعية (مثل أنظمة الشركات والإفلاس وما شابهها في المجال التجاري، على سبيل المثال) على الخصومات والمنازعات على أساسٍ من تحري الإنصاف، وقلة التكاليف، والسرعة في الفصل. ومعنى ذلك أن نظام الإجراءات أمرٌ مستقل عن الأنظمة الموضوعية أو أنظمة وتنظيم هيكلة المحاكم وجهاتها ودوائرها واختصاصاتها أو أنظمة الشهود والبينات والأدلة، ولكنَّه متناغمٌ معها. فهناك علاقة سببية متينة بين كافة تلك الأنظمة. والحق أن الموضوعية والواقعية تفرضان على أصحاب المهنة العدلية الثناءَ الجمَّ على نظام المحاكم التجارية الجديد، الذي يسعى لتنظيم الإجراءات في المحاكم التجارية من خلال لائحته التنفيذية التي بدأ العمل بها مؤخرًا.

إن المحاكم التجارية، وقد عادت لمكانها الأصيل في القضاء العام بعد أن اكتسبت قدرًا كبيرًا من الخبرة في ديوان المظالم عندما كانت مُلصَقة به بشكل استثنائي لأكثر من عقد من الزمن؛ أصبحت عنصرًا يُشكِّل أهميةً كبيرةً في التنمية الاقتصادية في البلاد، وجذب الاستثمار إليها، والسمعة في المحافل الدولية. إنَّ النظام يُشكِّل إقلاعًا بالإجراءات ومنظومتها ومفاهيمها وما وظفت من وسائل، لارتفاعات شاهقة فوق المستوى التقليدي بأجنحة من الخيال الخصب المقرون بالنظرة الواقعية العملية، والطموح الجمِّ مع تواضع محمود.

لا يمكن لي في هذه السطور التعقيب على النظام ولائحته التنفيذية بعمومه، ولكن أكتفي بإثارة نقاط محدودة، مؤكِّدًا أن الموضوع متخصِّص جدًّا، وتدور تفاصيله في آليات لمَّا تتحقق بعدُ على أرض الواقع. ولذلك، فكل المتخصصين والممارسين يتطلعون لميادين التنفيذ وحقول التطبيق وما يتبع ذلك بالضرورة من تحليلٍ وحوار يقود للتعديل والتحديث.

واضح أن النظام محل النظر ولوائحه أعطى للقاضي (القضاة في الدوائر المؤلَّفة من ثلاثة قضاة) هامشًا واسعًا من السلطة التقديرية في تفسير وتطبيق فقرات النظام واللائحة في سياق إدارة الدعوى. نلاحظ ذلك، ضمن ما نلاحظ، في جوازية إنفاذ العديد من المتطلبات الإجرائية، وتقرير سلطة القاضي في إطار طلبات الخصوم وتصرفاتهم ومقدار التزامهم، وخصوصًا في الوسائل المستجَّدة التي تمَّ استيراد مبادئها بذكاء ورُشد من الأنظمة القضائية الأكثر خبرةً في المجال التجاري (الأنجلوسكسوني، مثل: إجراءات ما قبل المحاكمة /الاستكشاف، وسائل وقاعدة حرية الإثبات، الدعاوى الجماعية، وسائل التبليغ، مراعاة الأعراف التجارية المعتبرة…). ولا شك أن هذا التوجُّه على جادة المرونة، تفرضه محاولة تجنُّب التعطيل والإطالة والمزيد من التكاليف التي قد تنتج من توظيف الخصوم للتفاصيل والمتطلبات الفنية إذا كانت مما يلزم بها النظام بشكل أصم مفرط في تقييد القاضي. حيث إنَّ النظام يفترض أن القاضي ومعاونيه يتمتعون بالمهارة ليستطيعوا هم (ومحامو الخصوم الذين لم يكن واضحًا في النظام اعتبارهم معاونين للمحكمة) التواتر على وضع خطة إجرائية وطريق للفصل في الخصومة يناسب طبيعة كل قضية، يقبله الخصوم ويسيرون عليه (إنْ لم يتجنبوا التقاضي ويلجؤوا لوسائل بديلة للنظر في الدعاوى، مثل الوساطة والتسوية)، ويتمكنون فيه من عرض الإثباتات والأدلة والقرائن وصولًا للمتطلبات بأسرع وقت ممكن وبأقل التكاليف على صعيد المال والوقت. ولا يستبعد المختصون أنه أمام هذا الهامش الواسع للقضاة في سلطتهم التقديرية أن يُضاف في النظام ولوائحه في القادم من الأيام فقرات تُحدِّد معايير وسياسات عامة، تُعين وتوجِّه القاضي في ممارسة هذه السلطة التقديرية بأسلوب إيجابي شفَّاف مُنتِج ومُنصِف.

مع ذلك، يمكن القول إنه أمام هذا الهامش الواسع من السلطة التقديرية للقاضي (القضاة)، أوجد النظام شفافية يستطيع من خلالها الخصوم والعموم الاطلاع على مجريات القضية ووثائقها ومسارها على نحو يحفظ مسار إدارة الدعوى. ويظهر أن المُشرِّع يرجو أن يُنشئ ويُطوِّر ذلك جمهورٌ من المختصين الأكاديميين والمختصين (من غير أصحاب الصفة والمصلحة المباشرة)، يتابعون بتجرُّد ويعلقون ويُقيِّمون. ويتراكم بعملهم وتحليلهم كمٌّ من المفاهيم والبحوث والدراسات النظرية والتطبيقية والدوريات، ترتفع بها المعايير وتتضح القدرات والمهارات.

مع أن النظام تعامَل مع الاختصاص النوعي بشجاعة ووضوح، فإنه لا شك سوف يُثار حول الاختصاص من النزاعات التجارية ما يمكن توقُّعه. ولذلك، فإن مجال الاختصاص سوف يكون ميدانًا للنظر والحوار والتحديث والتعديل بالتوسُّع في التفاصيل والمعايير بناءً على تراكم الخبرات ووضوح المصالح العامة والخاصة. ومثل ذلك يمكن أن يُقال في مجال توظيف أهل الخبرة والخبراء من قِبل الخصوم أو من قِبل المحكمة، والعناصر الإجرائية المستجدة الأخرى (الاستكشاف، خطة المرافعة، وسائل الإثبات، وسائل التبليغ، مراحل التنفيذ…) من عناصر الإجراءات القضائية. ولذلك، أوجد النظام وحدةً للدراسات للمتابعة واقتراح التعديل والتطوير بشكل مستمر وبشكل مُنظَّم في القضاء التجاري، تتعامل مع تطورات النظر التي تعتبر من المستجدات في ثقافة القضاء في بلادنا، حيث لا يُستبعَد أن تُوظِّف هذه الوحدة من الخبراء والإحصائيين ما يمكِّنهم من استشراف التحديات وقراءة الواقع بشكل مهني دقيق.

بقي الأصل أن إجراءات النظر في الدعوى والمرافعات أمام المحكمة تكون بمذكرات مكتوبة. وقد يكون هذا هو الأنسب موضوعيًّا وواقعيًّا في هذه المرحلة من التطوُّر القضائي على كافة المستويات، لكن مما يُحمَد للنظام أن سمح لإمكانية سماع الدعوى شفهيًّا، وهو ما نرجو أن يُعمل عليه في مسار تجريبي تطويري خاص؛ لأن المرافعات الشفهية هي المجال والمحك الحقيقي لسرعة الفصل وتوظيف المهارات العدلية في مجال منظومة الشهود والبينات، فضلًا عن سرعة الفصل وشفافية المحاكمات.

إنَّ النظام الجديد سوف يُرسِّخ ويُعين على تطوير الصناعة العدلية على المستويين المهني والتجاري من حيث إمكانية الإسناد للقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية وتوظيفها (الأطراف المتخصصة مهنيًّا) في العديد من الأمور والشؤون المهمة التي تخدم المهنة (الباحثين والدارسين والممارسين والقضاة ومعاونيهم) وتساند القضاء، بدون المساس بوظائفه الأساسية، أو بالحقوق في عملية التقاضي. ومن أهم هذه الأعمال: إجراءات المصالحة والوساطة، والاستعانة بالمعاونين القضائيين (من المؤسسات التعليمية الشرعية/ القانونية والمكاتب الاستشارية والخبراء)، وإسناد تبويب الأحكام النهائية ونشرها على أساليب حديثة تُوظِّف التقنية ومستجدات المعلوماتية والتواصل الاجتماعي، وتمكِّن الممارسين والاختصاصيين من الاطلاع ومعرفة المستجدات بشكل مُنظَّم باعتمادية عالية خصوصًا في مجال إقرار حجية المبادئ القضائية الصادرة من المحكمة العليا؛ لتقليل تضارُب الأحكام والاجتهادات. فضلًا عن إمكانية توظيفهم لتمكين العموم من الاطلاع على بيانات الدعاوى وأوراقها ومستنداتها نظيرَ مقابل مادي (مع إمكانية الاستثناء لاعتبارات السرية)، وغير ذلك من الوسائل المبتكرة في مجال توظيف التقنية والذكاء الصناعي.

ومما لفت أنظار الجميع من الممارسين والمتخصصين إزاء النظام الجديد، الهامش الذي سمح به النظام لأطراف الدعوى أن يحدِّدوا فيه (تعاقديًّا، على سبيل المثال) الاختصاصَ المكاني لخصوماتهم، أو الاتفاق على أمور أخرى هي من صميم العملية الإجرائية بدون اجتراح لقواعد العدالة أو ولاية المحاكم والدوائر التجارية، أو مساس بحرية التقاضي، مثل: قواعد الإثبات وعبئها، وإجراءات الترافع، وغير ذلك. ولا يُستبعَد أن يؤدي ذلك لاجتهادات من المستشارين القانونيين في صياغة مواد العقود المتعلقة بالمنازعات، إنْ أُحسنت إدارتها، تؤدي لوسائل إجرائية تتناسب مع المجالات المختلفة للعمليات التجارية وأحجامها وطبيعتها وخصوصية بعضها وأنواعها وأطرافها، تُسابِق النظام في تحقيق أهدافه وأغراضه؛ بل وتستشرف إمكانيات التطوير والتعديل والتحديث.

واضح أيضًا أن النظام الجديد مع تميُّزه وشجاعته وشموله، يعتبر جسرًا لمرحلة قادمة من التميُّز يكون فيها فصلٌ كامل (وتناغم) بين تنظيمات هيكلة المحاكم، والأنظمة الموضوعية، وأنظمة الإجراءات، وقواعد البيانات والشهود (التي تحتاج لتقنين عميق وشامل بصفة عاجلة) بعيدًا عن التداخل المُربك.

لا شك أنَّ هناك تساؤلات عديدة لدى المختصين سوف يرون إجاباتها في ميدان التطبيق. ولعلِّي أخصُّ منها أربعة أمور تستحق التركيز، حيث ينتظر الممارسون والمختصون والمجتمع عمومًا العملَ في سياقها أو الفصل فيها بوضوح: التساؤل الأول حول بيان صلاحيات ومسؤوليات كلٍّ من المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا ووزارة العدل حيال صياغة نظام الإجراءات ولوائحه وآليات مراجعته وتطويره وتعديلاته؛ لما لذلك من تأثير في ثبات النظام وهيبته، خصوصًا فيما يتعلق بآليات واضحة شفَّافة للتنسيق بين الوزارة والمجلس والمحكمة، وارتباط اللجان الاستشارية (التي نرجو أن تتكون بمشاركة أهل المهنة في القطاع الخاص والأكاديمي المحلي والدولي) التي تتابع وتُقدِّم التقييم والمشورة بشكل دوري حيال تنفيذ النظام ولوائحه. والتساؤل الثاني: إمكانية النظر بشجاعة وتجرُّد في إسناد القضاة والمحاكم ودوائرها بالخبرات (الاستشارية) الراسخة، محلية ودولية، في مجال العمل الإجرائي سواء في قاعة المحكمة أو في كواليسها حين التجهيز للتداول والحكم. والتساؤل الثالث يتعلق بالتوصل لآليات منظمة وشفافة لنشر المستجدات بعيدًا عن آلية التعاميم (المرتجلة) التي تتوالى فتكون مُربِكة للمختصين والممارسين، واللجوء لصبِّ أيٍّ من المستجدات في سياق اللائحة وعناصرها، ونَشْر ذلك افتراضيًّا في موقع رسمي بشكل آني للقضاة وأعوانهم من جهة، والممارسين والمختصين من جهة أخرى على حد سواء. والتساؤل الرابع حول دراسة توظيف قضاة ممَّن عملوا في مجال الشريعة والقانون والأنظمة في القطاعين الخاص والعام ولهم خبرات طويلة متميزة.

  • التعقيب الثاني: د. فهد الرفاعي (ضيف الملتقى) (*)

مقدمة:

يعَدُّ نظام المحاكم التجارية الجديد من أهم الأنظمة الصادرة خلال الفترة الراهنة؛ كونه يعتمد على آليات إجرائية وموضوعية مستحدَثة في النظام القضائي السعودي، مما يُحقِّق قدرًا أكبر من الشفافية والمرونة، لسرعة وإنجاز القضايا والمطالبات المختلفة عبر استحداث وسائل وإجراءات تكفل تنفيذ ذلك؛ لذا يُركِّز هذا التعقيب على توضيح بعضٍ من أهم ما ورد في هذا النظام في نقاط مختصرة على نحو ما يلي:

تمهيد:

يعتبر النظام مجموعةَ القواعد العامة المجردة والمنظمة التي تحكم وتُطبَّق على كافة الأفراد بالدولة، ولا يخرجها من عموميتها إذا جاءت لتنظيم شأن فئة معينة من المجتمع، ويترتب على مخالفة النظام عقوبات محدَّدة تتولى تنفيذها الدولة.

أولًا – أداة إصدار النظام:

المرسوم الملكي رقم (م/93)، وتاريخ 15/08/1441هـ.

ثانيًا – ملامح عامة:

  • النظام يُقلِّص أمد التقاضي، ويُعزِّز الشفافيةَ، ويُفعِّل إدارة الدعوى.
  • أداة مهمة لعمل المحاكم ورفع جودة مخرجات القضاء.
  • نَقْل القضاء لمرحلة تاريخية شعارها الكفاءة وسرعة الإنجاز.

ثالثًا – أهم الإيجابيات العامة:

  • يعتبر مرحلةً مهمةً في تأسيس بنية قضائية تواكب أحدثَ الأنظمة الدولية المتعقلة بالمنازعات التجارية في ظل رؤية 2030م.
  • حَصْر الترافع في القضايا التجارية على المحامين؛ مما يسهم في رفع الكفاءة القضائية.
  • قصر مدة التقاضي بين المتخاصمين إلى (5) سنوات؛ مما يحدُّ من المماطلة في التقاضي.
  • ضمان التعجيل في تنفيذ الأحكام؛ بما يُشكِّل السرعة والمرونة في المجال التجاري.
  • أجاز الاستناد إلى (قواعد العُرف التجاري والعادات التجارية)، ومراعاة أعراف التجار واتفاقاتهم بوضع وسائل مرنة وإجراءات إثبات تناسب طبيعة الدعاوى التجارية.
  • توفير الوقت والجهد بإلزام المدعي تقديم جميع الطلبات والمستندات في صحيفة الدعوى بدلًا من تجزئتها أثناء الجلسات، وفي المقابل يقوم المدعى عليه بتقديم جميع دفوعه ومستنداته والإثباتات قبل موعد الجلسة الأولى بيوم واحد على الأقل.
  • الكفاءة في التعامل مع العملية القضائية من خلال إمكانية الاستعانة بالقطاع الخاص وتفعيل دوره تجاه القضاء التجاري؛ من خلال إسناد بعض الأمور إليه: كإجراء المصالحة، والوساطة بين الخصوم، والقيام بالتبليغ، والإشعارات القضائية، وقيد الدعوى، وإدارة الجلسات، وتبادل المذكرات، وغيرها من الأمور الواردة في النظام.
  • إمكانية الاستعانة بخريجي ودارسي الشريعة والأنظمة كأعوان للقضاة؛ وهو الأمر الذي سيساعد في إدارة ملفات الدعوى وتفريغ القاضي لنظر النزاع، وسيفتح المجالَ للكثير من طلاب الشريعة والأنظمة بالتدرُّب في المحاكم لتوسيع المدارك وصقل المهارات.
  • تقديرًا لخصوصية الحياة التجارية وظروف التجار وانشغالاتهم؛ فقد أُجيز تقديم الشهادة مكتوبة مع عدم الحاجة إلى تزكية الشهود في الدعوى؛ إذ تُقدِّر المحكمة عدالتهم من خلال ظروف القضية وملابساتها.
  • اختصاص المحاكم التجارية بنظر الدعاوى والمخالفات الناشئة عن تطبيق الأنظمة التجارية؛ كنظام الشركات والإفلاس، والملكية الفكرية، وغيرها من الأنظمة التجارية الأخرى.
  • استقلالية الدفع بعدم الاختصاص، ويتم الفصل فيه خلال عشرين يومًا من تاريخ الدفع.
  • يعَدُّ من الإجراءات المستحدثة من إجازة الترافع عن بُعد.
  • أن الدعاوى والطلبات والمذكرات والمستندات والتقارير سوف تخضع لإجراءات محددة ونماذج تعتمدها الوزارة حسب شكل محدَّد.
  • أجاز النظام اتفاق الأطراف قبل رفع الدعوى أن يكون حكم الدائرة الابتدائية نهائيًّا دون حاجة إلى الاستئناف.
  • فَرْض غرامة على الإخلال بنظام الجلسة لا تتجاوز عشرة آلاف ريالٍ على إخلال أحد الأطراف بأي من إجراءات الدعوى أو نظام الجلسة، على أن يكون قرار الغرامة نهائيًّا؛ أي إنه لا يجوز الاعتراض عليه.

رابعًا – أبرز الفوائد في النظام:

يُسهم النظام في تعزيز بيئة قطاع الأعمال وتوفير مناخ اقتصادي تسوده الثقة والاستقرار وحفظ الحقوق، ونشير إلى أبرز الفوائد التالية:

 

خامسًا – أهم الملاحظات العامة:

  • نصت المادة (3/1) من النظام الجديد: “يتولى المجلس الأعلى للقضاء – وفقًا لاختصاصاته – النظر في الآتي:1ـ إنشاء المحاكم التجارية في المناطق والمحافظات بحسب الحاجة، على أن تكون كل محكمة من دوائر استئناف ودوائر ابتدائية”.

التعليق: تفيد تلك الفقرة أن المجلس الأعلى للقضاء يجوز له إنشاء أو عدم إنشاء محاكم تجارية في منطقة أو محافظة معينة.

السؤال: ما هو الحل إذا لم توجد محكمة تجارية بالقرب من الأطراف، وخصوصًا إذا لم يتفقا على محكمة معينة؟ هل عليهم السفر إلى محكمة أقرب منطقة أو محافظة؟ أليس في ذلك إرهاق يتنافى مع سرعة الفصل في المنازعات التجارية؟

  • نصت المادة (3/2) من النظام الجديد:” تأليف دوائر استئناف ودوائر ابتدائية في المحاكم التجارية من ثلاثة قضاة، ويجوز تأليف الدوائر من قاضٍ واحدٍ وفق أحكام النظام”.

التعليق: ما هو المغزى من ذلك؟ هل سيتم إنشاء محكمتين تجاريتين؛ إحداهما تتكون من ثلاثة قضاة، وأخرى تتكون من قاضٍ واحدٍ يتولى الفصلَ في الأمور المستعجلة والدعاوى اليسيرة؟

السؤال: أليس في ذلك خروجٌ على اختصاص قاضي الأمور المستعجلة؟ فعلى سبيل المثال، ما هو الحل إذا لم يتم تواجد القاضي التجاري المستعجل، إذا كان أحد التجار يريد تحريك دعوى مستعجلة لا تحتمل التأخير بشأن نزاع تجاري مستقبلي؟ أليس من مصلحته تحريك دعواه أمام أقرب قاضٍ مستعجل؟ ومن أمثلة ذلك، طلب منع المدعي من السفر أو إثبات شهادة بحَّار على وشك مغادرة الميناء.

  • نصت المادة الخامسة من النظام الجديد: “دون إخلال باستقلال القضاء وضمانات التقاضي، يجوز للمحكمة الاستعانة بالقطاع الخاص في الآتي:
  1. المصالحة والوساطة.
  2. التبليغ والإشعار.
  3. قيد الدعوى والطلبات وتسليم الأحكام.
  4. إدارة قاعات الجلسات.
  5. تبادل المذكرات والاطلاع على المستندات.
  6. إجراءات الاستعانة بالخبرة.
  7. توثيق إجراءات الإثبات.
  8. إدارة الأقسام المتخصصة في المحكمة”.

التعليق: ما ذُكِر أعلاه يتعارض مع الدور المهم لكلٍّ من القاضي ومعاونيه، للقاضي التجاري- رغم إرادة المتخاصمين- سلطة تقديرية في الاستعانة بالقطاع الخاص كبديل عن أعوان القاضي من الكتبة والمحضرين وغيرهم.

السؤال: ما ضوابط عمل القطاع الخاص ومحاسبته عن أخطائه؟ أليس ذلك من شأنه أن يفتح بابَ المجاملات على مصراعيه؟ وأين هي الجهة التي سوف تتولى محاسبة هؤلاء على أخطائهم؟ المعلوم أن أعوان القاضي يحاسبهم القاضي على أخطائهم، فهل هو نفس القاضي الذي سوف يتولى محاسبة القطاع الخاص على أخطاء تابعيه؟ وهل من الممكن تعويض المتضرر في تلك الحالة وفقًا لمبدأ مسؤولية المتبوع عن أفعال تابعيه؟ وهل التاجر الخصم بإمكانه البحث عن مقاضاة أشخاص آخرين عن أخطائهم بجانب خصمه الأول؟ أليس في ذلك إرهاق غير محتمل لأطراف المنازعة التجارية؟

  • نصت المادة (24) من النظام الجديد: “فيما لم يرد به نصٌّ خاصٌّ، لا تُسمع الدعاوى التي تختص بنظرها المحكمة بعد مضي (خمس) سنوات من تاريخ نشوء الحق المدعى به، ما لم يقر المدعى عليه بالحق أو يتقدم المدعي بعذر تقبله المحكمة”.

التعليق: عن المقصود بوقت نشوء الحق.

السؤال: هل هو تاريخ إبرام العقد التجاري، أو تاريخ التعاقد، أو تاريخ المطالبة بالحق؟  أرى – من وجهة نظري – أن وقت نشوء الحق هو تاريخ العلم بامتناع المدين عن تنفيذ التزاماته العقدية، أو بمعنى آخر أنه يوم تسليم الإنذار المُرسَل من الدائن إلى مدينه.

سادسًا – خلاصة القول:

نظام المحاكم التجارية الجديد يعتبر نقلةً نوعيةً في تحقيق العدالة الناجزة وفق النقاط التالية:

  • مشاركة القطاع الخاص في سرعة الفصل في الدعاوى: مسايرةً للاتجاهات التشريعية الحديثة؛ منَح النظامُ القاضيَ التجاريَّ – رغم إرادة المتخاصمين – سلطةً تقديرية بشأن الاستعانة بالقطاع الخاص في تحقيق العدالة، وخصوصًا فيما يتعلق بمهمة التصالح والوساطة وبعضٍ من إجراءات المحاكمة، وتلك المهام تكون ميسَّرة لكلٍّ من المحامين ومكاتب التحكيم.
  • حصر الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية: كثيرًا ما يقوم المتقاضون بتحريك دعواهم أمام المحاكم التجارية، ويستمرون في إجراءات التقاضي وتبادل المذكرات إلى حين صدور الحكم الذي يقرِّر عدم اختصاص المحكمة وإحالتها إلى محكمة أخرى، وتلك الإشكالية تمَّت معالجتها بتحديد المنازعات التي تختص بنظرها المحكمة التجارية.
  • تحديد مدة سقوط المطالبة بالحقوق: اعتاد المتخاصمون على المطالبة بحقوقهم في أي وقت، بحيث قد يُفاجَأ المدعى عليه بدعوى مرفوعة ضده، للمطالبة بحق في ذمته للغير، ولا يتذكَّر عنه شيئًا، فالتاجر كثيرًا ما يقوم بترتيب أوراقه ومستنداته كل فترة، وقد يتخلص من بعض تلك الأوراق عن غير قصد، فإذا به يقف عاجزًا بسببها عن إثبات براءة ذمته، وتلك الإشكالية تمَّت معالجتها في المادة (24) التي تنصُّ على أنه: “فيما لم يرد به نصٌّ خاصٌّ، لا تُسمَع الدعاوى التي تختص بنظرها المحكمة بعد مضي (خمس) سنوات من تاريخ نشوء الحق المدعى به، ما لم يقر المدعى عليه بالحق أو يتقدم المدعي بعذر تقبله المحكمة.”
  • عدم التقيُّد بدليل معين من أدلة الإثبات: بعض الدول الأجنبية تشترط الكتابة لإثبات المطالبة بمبالغ معينة، عكس ذلك جاء النظام الجديد الذي أجاز إثبات الادعاءات مهما كانت قيمتها أو نوعها أو الغاية منها بأية وسيلة من وسائل الإثبات.
  • إقرار الإثبات بالوسائل الإلكترونية: مسايرةً للاتجاهات الحديثة، ومن أجل سرعة إثبات الحقوق؛ أقر النظام إمكانية الإثبات بالوسائل الإلكترونية الحديثة بمختلف مسمياتها.

ختامًا: كانت هذه لمحة سريعة على أهم الملامح والإيجابيات والملاحظات حول نظام المحاكم التجارية الجديد، الذي راعى طبيعة المنازعات التجارية التي تتمتع بميزتي (السرعة والائتمان) ومسايرته لأحدث المبادئ والتجارب الدولية. ولعلَّ ما يلفت النظر في هذا النظام: حرص المنظِّم على تقصير مُدد التقاضي، وإشراك القطاع الخاص في المنازعات التجارية، ووَضْع مسارات للدعاوى اليسيرة وأوامر الأداء، ومراعاة أعراف التجار واتفاقاتهم، والتحوُّل الإلكتروني الكامل للإجراءات، ووَضْع وسائل مرنة وإجراءات إثبات تناسب طبيعة الدعاوى التجارية، على ألا يخل ذلك بالنظام العام وقواعد العدالة. وآملُ المزيدَ من الجهود المثمرة والتعاون الفاعل في ظل تطوير منظومة القضاء وتحقيق جودة عالية، وتحسين المخرج القضائي، ورفع الوعي لدى المتقاضين وذوي العلاقة بالقضاء، وبناء علاقات تشاركية مع الجهات ذات العلاقة.

  • المداخلات حول القضية:
  • أهمية نظام المحاكم التجارية:

يرى م. خالد العثمان أن من نافلة القول بالطبع الإشادة من ناحية المبدأ بإصدار هذا النظام وتخصيص القضاء التجاري بمسار مستقل بعيدًا عن ديوان المظالم، حيث عانى القطاع الخاص كثيرا من خلطه بين مفاهيم التقاضي الإداري والتجاري في الفترة الماضية.

ومن وجهة نظر د. محمد الملحم، فإن من أبرز ما تضمَّنه النظام، مسألة التحكيم، كوسيلة تقاضٍ تُيسِّر سرعة المعالجة العدلية للقضايا خاصة بعد أن أقرها النظام وأعطاها صلاحية أكثر من ذي قبل، ونظَّم كثيرًا من أنشطة التحكيم مقارنةً بالوضع السابق. وقد يسهم التحكيم في تعزيز المحكمة التجارية وتسهيل تداول القضايا التجارية الدولية على وجه الخصوص، حيث تتحقق مرونة أكثر في محل التقاضي في هذه الحالة؛ وهو ما يُشجِّع الشركات الدولية على دخول السوق السعودية.

وأكد د. عبد الله السليمي على أن التحكيم لا شك أنه أهم الوسائل البديلة لفض المنازعات؛ والتحكيم التجاري يعَدُّ الأكثر خاصة مع وجود مركز التحكيم السعودي التجاري. إلا أن النظام لم يتطرق له؛ نظرًا لكون طبيعة النظام تقتضي ذلك، خاصة مع وجود نظام التحكيم.

وأكدت أ. فائزة العجروش على أنه بلا شك التعاملات التجارية في عصرنا هذا تتطور وتتحدث باستمرار، ويتطلب الأمر مسايرتها بأنظمة وقوانين تلبي احتياجات العصر الحديث بكافة مستجداته، والنظام الجديد يعتبر نقلةً نوعيةً مهمة في تطوُّر القضاء التجاري بالمملكة، وأصبح مواكبًا أكثرَ لطبيعة الدعاوى التجارية، وطبيعة المنازعات التجارية، فقد أجاز النظام أن تتم أيٌّ من إجراءات الدعوى بشكل إلكتروني؛ نظرًا لأهمية التكنولوجيا ومواكبةً للتطوُّر التقني هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى لما يشتمل عليه من أحكام تهمُّ التجار والمتعاملين معهم والقضاء التجاري والحياة التجارية. ويدل كذلك على ما أولته الدولة من اهتمام بالغ لتطوير البيئة العدلية، ولتطوير السلطة القضائية وإعادة هيكلة أجهزتها بالكامل؛ لمواكبة رؤية المملكة الطموحة 2030 الهادفة لتحقيق اقتصاد مزدهر وتحقيق بيئة آمنة للاستثمار.

ومن جانبه أكد د. فهد الرفاعي على أن نظامَ المحاكم التجارية بحقٍّ نظامٌ رائع ومميَّز، ويحتاج في الوقت نفسه لوقت حتى تظهر مميزاته، ويحتاج إلى دعم ومساندة، وتشجيع كل وسيلة تساعد على تطوُّره.

  • ملاحظات على نظام المحاكم التجارية:

ذكر د. عبد الله السليمي أنه وبالإشارة لما ورَد من تساؤلات محدَّدة في نهاية التعقيب الأول والمتصلة بجوانب التطبيق العملي لنظام المحاكم التجارية، يمكن توضيح ما يلي:

  • أولًا: فيما يتعلق بصلاحيات ومسؤوليات كلٍّ من المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا ووزارة العدل حيال صياغة نظام الإجراءات ولوائحه وآليات مراجعته وتطويره وتعديلاته، فيُلاحظ أن الأنظمة الإجرائية في المرحلة الحالية يتم إعداد مشروعها من الوزارة المعنية على ضوء الضوابط الصادرة من مجلس الوزراء بقراره رقم ٧١٣. وغالبًا ما يحتوي النظام على تفويض للوزارة المختصة بإصدار اللائحة التنفيذية، والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة بشأنها. ويمكن التأكيد في هذا الصدد على أن إعطاء مرونة أكبر في الأنظمة الإجرائية هو منهج رائع أخذت به بعض الدول للمتقدمة، بأن يُكتفى في القانون الإجرائي بما يُحقِّق ضمانات التقاضي مع تفويض تشريعي للجهة المعنية بتنظيم المسائل المتغيرة؛ تعزيزًا للمرونة، ويكون ذلك من خلال لوائح ووثائق إجراءات عمل إضافةً إلى أدلة في بعض الأحيان، وهذا المنهج جديرٌ بالدراسة، والتصوُّر أنه سيكون محلَّ دراسة خلال المدة القادمة.
  • ثانيًا: فيما يتعلق بتعزيز دور المستشارين والخبراء، يُلاحظ أن اللائحة التنفيذية للنظام قد أخذت في المادة التاسعة عشرة بنحو من ذلك؛ حيث مكَّنت المحكمة من الاستئناس برأي التاجر حيال المنازعة، وتعَدُّ هذه الخطوةُ خطوةً جديدةً في نظر القضايا التجارية. وأما مجرد الاستعانة بالخبراء، لغرض التدريب وإعداد الدراسات؛ فقد تمَّ ذلك خاصة في الأقضية المتخصصة كالإفلاس.
  • ثالثًا: فيما يتعلق بكثرة التعاميم وصعوبة ضبطها وحصرها، فهي فعلًا كانت تتسبب في التشويش على المتخصصين؛ ولذلك نهجت الوزارة خلال السنوات الأخيرة إلى التركيز في الإصلاحيات التشريعية من خلال اللوائح، وكذلك عزَّزت مشاركة العموم من خلال طرح استبانات تصاحب مراحل إعداد المشروع.
  • رابعًا: فما يتعلق بتعيين المتخصصين في الشريعة والأنظمة ممَّن كانت لهم خبرات، فهذا ينبني على أمرين: الأول اعتبار الأعمال النظيرة، وهذا مُنظَّم وفق قواعد المجلس الأعلى للقضاء ومجلس القضاء الإداري، ويوجد تطبيقات له. وأما ما يتعلق بتعيين خريجي القانون والأنظمة فهو محل دراسة في مجلس الشورى.

وفي سياق متصل، وفيما يتعلق بالملاحظات المتضمَّنة في التعقيب الثاني بخصوص بعض تفصيلات نظام المحاكم التجارية؛ أشار د. عبد الله السليمي إلى ما يلي:

  • أولًا: ما يتعلق بالمدن والمحافظات التي لا يتوافر فيها محاكم تجارية، فهنا الإجراء الذهاب لأقرب محكمة تجارية؛ وسبب ذلك هو الرغبة في بناء محاكم نموذجية مُهيَّأة بأفضل التقنيات وأحدثها، إضافةً إلى كوادر بشرية مؤهَّلة، وهذا يتطلب وقتًا؛ إلا أن التوجه الحالي هو تفعيل الوسائل التقنية من خلال تعزيز التقاضي عن بُعد أو من خلال المحاكم الافتراضية.
  • ثانيًا: اتجه النظام إلى تيسير الإجراءات المتصلة بتحضير الدعوى والطلبات المستعجلة، ومن ذلك إسنادها إلى قاضٍ واحدٍ أو دائرة مكوَّنة قاضٍ واحد، وجرى افتتاح دوائر مستعجلة في جميع المحاكم التجارية.
  • ثالثًا: ما يتعلق بالملحوظة الثالثة، فليس المعنيُّ بالاستعانة الدائرة القضائية؛ وإنما المرادُ أنَّ لوزارة العدل – باعتبارها المُشرِفة على المحاكم من الجانبين المالي والإداري- أنْ تستعينَ فيما ذُكِر بالقطاع الخاص وَفْق قواعد تُنظِّم المسؤوليةَ، ومن التجارب الرائدة في هذا المجال تجربة إستونيا، وشرعت الوزارة في الإعداد لتنظيم ذلك في بعض المجالات المذكورة.
  • رابعًا: فيما يتعلق بعبارة (وقت نشوء الحق) والواردة في المادة (24) من النظام الجديد، فإن المقصود بها وبعيدًا عن التفاصيل الفنية، يمكن التعبير عنه بالتاريخ الذي استحقَّ الدائنُ الحقَّ وأمكنَه المطالبة به نظامًا.

وسلَّط م. فاضل القرني الضوءَ على مدى عملية ومنطقية التقاضي عن بُعد، ومن ثَمَّ تساءل: هل ثمة قدرة لتحقيق ذلك في الجانب التجاري وجوانب القضاء الأخرى، عدا القضايا الكبرى؟!

ومن جانبه أشار د. عبد الله السليمي إلى أن التقاضي عن بُعد هو مسارٌ أخذت به عدد من التجارب الدولية خلال السنوات القريبة الماضي، إلا أنها أخذت به على استحياء- إنْ صحَّ التعبير – ولكن بعد جائحة كورونا كان اللجوء إليه بشكل أكبر. وإذا نظرنا للساحة القانونية خلال السنوات الخمس الماضية، نجد أنه صدر خلالها دراسات عديدة عن المحاكم الإلكترونية أو الرقمية وأحكامها القانونية. والتصوُّر أن التجارب في هذا المجال تتطلب قليلًا من الوقت لتنضج بالشكل المطلوب.

وذهب د. منصور المطيري إلى أنَّ من المواد الجيدة للغاية في نظام المحاكم التجارية تلك المتصلة بجواز الفصل في المطالبة الأساسية، والفصل في التعويض عن الضرر في نفس الدعوى؛ على خلاف ما كان يجري عليه العمل من تأجيل نظر دعوى الضرر حتى يكتسب الحكم الصفة النهائية ثم يرفع المتضرر حينذاك دعوى جديدة. وهذا هو المقصود بالمادة، وليس المقصود أن المحاكم الآنَ تنظر في دعاوى الضرر بعد أن كانت لا تنظرها كما فهمه البعض. فالحقيقة أن تأجيل النظر في المطالبة بالتعويض عن الضرر وفصلها عن المطالبة الأساسية حتى يكتسب الحكم القطعية كان يُمثِّل خللًا في الإجراءات. فالقاضي عندما يحكم في المطالبة الأساسية يكون قد تصوَّر القضية تمامًا وعرف أبعادها وعرف صاحب الحق، ولذلك أصدر حكمه؛ وهو بهذا قادر على تصوُّر الضرر الناتج عن القضية الأساسية، والحكم بالتعويض عنه بدلًا من تأجيله حتى اكتساب الحكم الصفة النهائية. أيضًا، فمن إيجابيات نظام المحاكم التجارية جواز اتفاق المتخاصمين قبل المحاكمة على أن يكون حكم المحكمة الابتدائية حكمًا قطعيًّا ولا حاجة للاستئناف.

ومن ناحيته، طرح د. زياد الدريس مجموعةً من التساؤلات المهمة حول نظام المحاكم التجارية الجديد، وهي:

  • هل تقليص أمد التقاضي مُقتصِرٌ على المحاكم التجارية أم أنه سيتمدد إلى كافة شؤون التقاضي؟
  • ما الوسائل البديلة لنظر الدعاوى التجارية، التي يريد النظام الجديد تعزيزها؟
  • فيما يرتبط بتأثير المفاهيم الاجتماعية على الأنظمة الإجرائية، ما الذي جعَل الدول العربية تنحاز إلى المدرسة اللاتينية (الفرنسية تحديدًا) أكثر من الأنجلوسكسونية، هل كان ذلك بسبب انتشار المد الاشتراكي/ الثوري في العالم العربي حينذاك والذي كانت تغذيه فرنسا الاشتراكية؟ وهل لهذا الانحياز تأثيرٌ على تأخُّر التنمية الرأسمالية (البريطانية/ الأمريكية) في العالم العربي؟

وبدوره أشار د. عبد الله السليمي إلى ما يلي:

  • أولًا: فيما يرتبط بتقليص أمد التقاضي، فحقيقةً هو توجُّه عام في جميع المحاكم؛ إلا أن ذلك كان وفقًا للخُطط العامة، والجديد في نظام المحاكم التجارية أنه جاء بنهج جديد، وهو تحديد مُدد نظر القضايا في النظام ولائحته لإعطاء التزام أكبر على المحكمة والأطراف، والمتوقع أن ينعكس هذا التعديل على نظام المرافعات الشرعية كذلك.
  • ثانيًا: بالنسبة للوسائل البديلة لنظر الدعاوى التجارية التي يريد النظام الجديد تعزيزها، فقد سعى النظام ابتداءً إلى مَنْح الأطراف فرصةً قبل اللجوء للمحكمة وذلك بإقراره إخطار الخصم بوجوب أداء الالتزام قبل قيد الدعوى؛ وذلك سعيًا إلى منح الأطراف فرصة إنهاء النزاع قبل قيد الدعوى وتكبُّد أعبائها. كما ألزم النظام باللجوء إلى المصالحة والتسوية في عدد من الدعاوى؛ لكون الملاحظ ضعف الإقبال الطوعي إلى خيار التسوية وهو يعَدُّ خيارًا أساسيًّا للمتنازعين في بعض الدول، وقد يكون من أسباب ذلك عدم وجود تكاليف مالية للتقاضي في المملكة. ولعل صدور مشروع نظام التكاليف القضائية يُسهم في تعزيزها بشكل إضافي.
  • ثالثًا: بخصوص الأسباب التي جعلت الدولَ العربية تنحاز إلى المدرسة اللاتينية (الفرنسية تحديدًا) أكثر من الأنجلوسكسونية، فلا توجد إجابة دقيقة عن هذه الجزئية، ولكن كفرضية أولية؛ قد تكون مسببات ذلك عديدة ومتداخلة، ويصعب إغفال جزء منها، ولكن من أبرز الأسباب القانونية تحديدًا:
  • طبيعة المدرسة اللاتينية والفرنسية على وجه التحديد، وعنايتها بالتدوين والنظريات القانونية، وسهولة الاستفادة منها بالترجمة أو الاستنساخ.
  • طبيعة المستعمر الفرنسي وتأثيره الثقافي، والذي انعكس بطبيعة الحال على المجال القانوني.
  • عدم وضوح مصادر وقواعد القانون الإنجليزي على وجه التحديد من حيث اكتماله في مدونات، وصعوبة جمعها في وثيقة واحدة أو استنساخها إنْ صح التعبير، إضافةً إلى طبيعة التشريع في تلك البلاد.
  • التأثير الشخصي لرجال تلك المرحلة وتأثُّرهم بالقانون الفرنسي وخاصة المدني.
  • ولعل أهم الأسباب، ذلك المتعلق بطبيعة القوانين الفرنسية من حيث تدوينها واكتمال نظرياتها بشكل يمكن نقلها بيسر وسهولة. ولعل تأثُّر القانون المدني الأردني (على الرغم من تأثُّر البلد ببريطانيا) بشكل القانون المدني الفرنسي – وإنْ خالفه في أحكام كثيرة لمخالفته للفقه الحنفي- يقوي جانبَ أن أبرز أسباب التأثُّر بالمدرسة الفرنسية تميُّزها وإبداعها في التدوين وإنْ كان ذلك يحتاج لمزيد من البحث.

وتجدر الإشارة إلى وجود تأثير في القوانين الإجرائية الجنائية بالمدرسة الإيطالية، والتي تعَدُّ كذلك لاتينية. أيضًا، يمكن الإشارة إلى أن الأنظمة التي صدرت مؤخرًا كنظام الإفلاس على سبيل المثال؛ نجد أنه لم يستمد من التجربة الفرنسية، وإنما تأثَّر بشكل ظاهر بالتجربتين الأمريكية والبريطانية، وكذلك الحال في مشروع نظام الشركات نجد أنه كذلك انفتح بشكل ظاهر إلى الاستفادة من شتى المدارس.  والتصوُّر أن هذا هو ما أخَذ به نظام المحاكم التجارية.

وتطرَّق م. خالد العثمان إلى جانب المسؤولية التالية للحكم الذي يثبت تعمُّد المماطلة في أداء الحقوق أو الإضرار بالخصم، وأهمية النظر في تبنِّي إجراءات عقابية تردع مثل هذه الممارسات التي لا تخفى على أحد في عالم الأعمال والتعاقدات خصوصًا في مجال المقاولات والخدمات. فمن المنطق المُنصِف –في رأيه – القول بأن تعمُّد الإضرار بالمتعاملين والمتعاقدين يقع ربما في دائرة الفعل الجنائي الذي يستوجب العقوبةَ أو التعويضَ على أقل تقدير. كثيرًا ما نرى أصحابَ أعمال يُصادِرون ضمانات مالية أو مستخلصات مستحقة دون وجه حق، ثم تصل إلى القضاء وتستغرق وقتًا من المماطلة والتسويف، ثم في أحسن الأحوال يصدر الحكم بسداد المبلغ المستحق أصلاً منذ بدء القضية؛ فماذا عن قيمة الوقت والجهد والربح الفائت وفرص النمو وتكاليف التمويل وغير ذلك من الأضرار الناشئة عن هذا الفعل الجائر؟ وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “مَطْلُ الغنيِّ ظُلْمٌ”. والظلم يستوجب الرفعَ والعقوبةَ والتعويضَ. فهل لهذا الأمر من نظر؟ وهل يمكن أن يُعيد المُشرِّعون النظرَ في النظام لتضمينه بنودًا حول هذا الأمر؟

ومن وجهة نظر د. فهد الرفاعي، فإن هذا الأمر تتحمَّله وزارة العدل في تقليص أمد التقاضي ووضع حد أعلى لإنجاز القضية والبت فيها، وتفعيل نظام التكاليف القضائية، وزيادة عدد القضاة وأعوانهم، وسنِّ أنظمة تمنع من المماطلة وتُحاسب مَن يتعمَّدها، إضافةً لربط التنفيذ بالدائرة مُصدِرة الحكم، وغيرها مما يسبب إعاقة في إصدار الأحكام أو تنفيذها بعد المصادقة عليها.

ومن ناحية أخرى، سلَّط م. خالد العثمان الضوءَ على مدى سيادة نظام المحاكم التجارية على الشركات الحكومية بمختلف فئاتها ونسب ملكية الحكومة فيها، وبعضها مملوكة بالكامل للدولة أو إحدى مؤسساتها مثل صندوق الاستثمارات العامة؛ فالتساؤل المُلِحُّ هنا ليس عن الموقف المبدئي من أن الجميع خاضع للقانون والنظام، بل لحقيقة أنَّ مثل تلك الشركات على أرض الواقع تملك من السلطة والنفوذ والمنعة ما يدفع بعض المسؤولين فيها لممارسة تغوُّل وتسلط في تطبيق الأنظمة يصل أحيانا لحد الجور وهضم الحقوق، وبعضه أحيانًا لا يخلو من شبهة فساد.

  • متطلبات لتفعيل نظام المحاكم التجارية في الواقع العملي:

في تصوُّر م. خالد العثمان، فإن الأمل معقود الآنَ بتأسيس ثقافة قضائية متخصِّصة في القضاء التجاري حتى بين القضاة ومعاونيهم وكامل المنظومة القضائية، وعدم التعويل على الخبرات التراكمية السابقة في القضاء التجاري والعام بحكم الاختلاف الجذري بين تلك المسارات، ومن ذلك ما يتطلبه الأمر من حُسْن اختيار وتأهيل وتدريب القضاة ومعاونيهم، ناهيك عن النظر بجدية في مسألة تأهيل قضاة متخصصين يملكون مرجعيات تخصصية غير شرعية بالضرورة؛ كأنْ يُستقطَب قُضاة من خريجي المجالات المالية والتجارية مع تأهيلهم بأسُس القضاء الشرعي والقانوني اللازمة لتمكينهم من أداء هذه المهام. هذه الملاحظة تُثار بشكل عام في مختلف مجالات التقاضي، ومدى موضوعية ربط القضاء بالاختصاص الشرعي، وجدارة تمكين التخصص والخبرة والممارسة والثقافة العامة في اختيار وتأهيل القضاة؛ لكن المؤكد أن هذا الأمر يصبح أكثر جدارةً بالبحث والتمحيص والاعتبار في مسار القضاء التجاري بالنظر إلى طبيعته المتخصصة التي تتطلب فهمًا ومعايشةً عميقين لثقافة وبيئة العمل التجاري والمالي والاستثماري.

وتطرَّق د. عبد الإله الصالح من جديد إلى الملاحظة التي ذكرها في تعقيبه حول إعطاء القاضي هامشًا من السلطة التقديرية في النظام الإجرائي، وأن ما يقابل ذلك في سبيل التوازن ما يسمح به النظام من الشفافية وإمكان اطلاع العموم على وثائق ومسار القضية لتوازنه (بالطبع في حالة المرافعات الشفهية التوازن أبلغ) مما سوف يكشف قرارات الدائرة للنقاش والتقييم من الممارسين والمختصين في الدراسات (إذا وُجدت). وثمةَ إمكانية أن تُضاف فقرة في التعديل أو التحديث القادم على النظام أو حتى اللائحة، على أن تُصاغ بدقة وتكون بمثابة توجيه ومعيار للقاضي في ممارسة السلطة التقديرية وتفسير النصوص الإجرائية. ويُقصَد بذلك كمثال ما ورد في المادة الأولى من النظام الفيدرالي الأمريكي للإجراءات المدنية التي توجِّه القاضي في ممارسته سلطته التقديرية جاعلةً أن الأساس هو الإنصاف والسرعة في الفصل في الدعوى وتقليل التكاليف على الخصوم.

وعقَّب م. فاضل القرني بأن القضاء الأمريكي يعوِّل بمقدار جيد على التسويات قبل الدعوى، وتجهيز آليات وأنظمة ذلك. وبقرب من المحاكم.

وأكد د. عبد الله السليمي على أن المرحلة القادمة تتطلب وجود بصمة للتشريع في المملكة بحيث تُبنَى مشروعات الأنظمة على الإفادة من شتى المدارس بما يُحقِّق بناءً متينًا للنظام ويراعي ثوابت المملكة، مع ضرورة العناية بالقوانين الاسترشادية التي تبنتها كثير من الدول المتقدمة، على سبيل المثال القوانين الاسترشادية من الأونسيترال؛ كقانون التحكيم، والتعاملات الإلكترونية وغيرها.

وفي تصوُّر م. خالد العثمان، فإن الخبرة التخصصية والممارسة العملية أساسٌ مهمٌّ لتأهيل القضاة في المجالات المتخصِّصة، تتجاوز الاكتفاء بالاستعانة بالمتخصصين كخبراء أو مستشارين في حالات التقاضي بحسب رؤية القاضي كما هو الأمر حاليًّا. والتساؤل المطروح: هل هناك توجُّه لاعتماد آلية مناسبة لتأهيل قضاة من المتخصصين في علوم أخرى غير العلوم الشرعية وحتى القانونية بحكم الاختصاص المهني في مجال التقاضي؟

وتعقيبًا على ما ورد في الفقرة السابقة، ذكر د. عبد الله السليمي مثالًا عمليًّا في قضاء الإفلاس، حيث صدر النظام قبل قُرابة الثلاث سنوات، واختير عددٌ من قضاة المحاكم التجارية وجرى تأهيلهم على نظريات الإفلاس وإجراءاته في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بالتعاون مع البنك الدولي، من خلال تصميم برنامج خاص لقضاة المملكة. وكانت آثار البرنامج ظاهرةً على تكوين هؤلاء القضاة. أما الاستعانة بغير خريجي الشريعة والقانون فالظن أن فيها صعوبة، ولكن هناك بعض التجارب تجعل العضو الثالث في الدائرة القضائية في قضايا المقاولات مهندسًا. ويمكن أن يُستفاد من هذه التجربة، ولكن التعيين المباشر ربما يكون به صعوبة، ويمكن قياس التجربة في التحكيم؛ لكون المنظِّم أجاز أن يكون بعض أعضاء الهيئة من غير المتخصصين في الفقه والأنظمة.

ومن جديد أكد م. خالد العثمان أن من المهم بالفعل المشاركة بعضو متخصص على الأقل في هيئة القضاة، لكن يظل هناك حاجة لتأهيل هذا العضو بالأدوات القضائية. وبذلك يكون المسار المقترح تأهيل متخصصين في العلوم الملائمة بعد تخرُّجهم في مسار قضائي وليس العكس. والاعتقاد أن هذا المنهج سيدعم حرفيةَ التعامل القضائي في المجالات الدنيوية المتخصصة التي لا ترتبط حكرًا وعمليًّا بالرؤية الشرعية للأمور.

ومن ناحيته أشار د. فهد الرفاعي فيما يتعلق بمشاركة عضو متخصص في تشكيل هيئة المحكمة، أنه أمرٌ له وجاهته؛ ولكن الرأي المناسب في هذا الشأن هو أن من مؤهلات القاضي العلمية والعملية دراسة الأنظمة والقوانين ومبادئ الشريعة الإسلامية والتطبيقات العملية ذات العلاقة حتى يتمكن من الفصل في النزاعات المختلفة المعروضة عليه من أطراف الدعوى، أما ما يشكل عليه في الجوانب الفنية المتخصصة فعندئذٍ كفَلت له الأنظمةُ الاستعانةَ بالخبرة في مختلف المجالات مما يُهيِّئه للفصل في النزاع على وجه يطمئن إليه في هذا الجانب؛ وعليه فلا حاجة لوجود عضو متخصص في تشكيل الهيئة القضائية كونها تختلف عن هيئة التحكيم، فالتحكيم طريق استثنائي وطريق خاص له أحكامه وله نظامه وله اعتباراته. ويمكن في هذا الصدد كذلك دمج الكليات الشرعية مع القانونية على غرار المعمول به في كثير من الدول العربية لما يحققه ذلك من مصالحَ كبيرةٍ للوطن وللقضاء؛ فالتأهيل الشرعي لوحده لا يكفي لصناعة قاضٍ محترف وكذلك القانوني، إضافةً إلى ضرورة دعم الدوائر القضائية بباحثين متميزين شرعيين وقانونيين يساعدون القاضي في الدراسة وتحقيق العدالة.

أما د. عبد الله السليمي فذهب إلى أن المجال التخصصي أو المعارف السابقة لا شك مهمة في تطوير العملية القضائية، ولكن من المهم الإشارة إلى أن العملية القضائية دائرة بين أمرين (تحديد الوقائع المؤثرة، وتطبيق القاعدة القانونية الصحيحة عليها). وإذا استصحبنا هذا؛ فإنه سيتبين لنا الحاجة إلى وجود قواعد منظِّمة واضحة، وهذا بطبيعة الحال في أي نظام قضائي؛ وإنما تختلف النظُم في امتداد قواعدها التي تحكم تعاملات الناس، فعلى سبيل المثال في المملكة القاعدة المنظِّمة إما أن تكونَ مستمدةً مباشرةً من الفقه الإسلامي، وإما أن تكون لا تُخالف الشريعةَ الإسلاميةَ. فإذا تبيَّن هذا، فإن مشاركة غير المتخصصين في الفقه والأنظمة ستُفيد بشكل ظاهر في استخلاص الوقائع وتصوُّرها، أما القاعدة القانونية (وامتدادها من الفقه الإسلامي) فلن تتأثر.

وعقَّب م. فاضل القرني بأن التقارُب بين الشريعة والقانون منطقيًّا هو حاجة مُلِحة وخاصةً مع الانفتاح على العالم أكثر، وليس المملكة فقط. التداخل والبينية في المصالح الاقتصادية والتعليمية والتبادل التجاري وأيضًا الثقافية والسياسية تتزايد مقارنةً بالستينيات وحتى منتصف التسعينيات. وهذه أكثر من كافية لذلك التقارب.

ويرى د. فهد الرفاعي أن ما يدرسه القاضي أو يُطبِّقه من أنظمة إنما هي موافقة للشريعة الإسلامية ومعتمدة من الحكومة، وبالتالي لا مُنازعة عليها، والعلم بها ودراستها وفهمها واجب؛ لأنه لا يتحقق العدل من دونها، ومخالفتها سبب في إبطال الأحكام.

وفي السياق ذاته أشار د. عبد الإله الصالح إلى أن الأساسَ في الفصل في الدعاوى مهما كانت هو تحويلها لمقطع نزاع على شكل سؤال قانوني واضح مجرد من الغشاوة والتفاصيل. وفصل الخبرة عن القاضي يخدم هذا التوجُّه، بل ويتكامل معه. القاضي يُفترَض أن يكون ماهرًا في تجريد القضية لمقطع نزاع (أسئلة) وأهل الخبرة يجيبون عن السؤال أو الأسئلة. لذلك، لا يُعتقَد أنه سيكون هناك توجُّه لقضاة متخصصين في فنون غير الشرع والقانون.

لكن د. فهد الرفاعي أكَّد على أن من المهم الوضع في الاعتبار أن التعامل مع القواعد القانونية وفهمها وعدم مخالفتها فنٌّ يحتاج إلى مهارات ودراية يحتاجها كلُّ مَن يمارس العمل القضائي؛ لذلك تُميِّز وبشكل ظاهر بين مَن مِن القضاة الذي جمع بين العلم الشرعي والقانوني.

وفي ضوء ذلك، يرى م. خالد العثمان أن المنهج الأمثل هو الجمع بين قضاة مؤهلين تأهيلاً شرعيًّا وقانونيًّا وآخرين من خلفيات تخصصية علمية. والغرض أن يكون هناك قضاة متخصصون يبنون خبرات متراكمة ويساهمون في القرار القضائي التنفيذي، وليس مجرد مستشارين يُستعان بهم لدعم المسار القضائي. ولعل هذا يُسهم في تحقيق التوازن المطلوب في النظرة إلى مواضيع القضايا من كافة الجوانب الشرعية والتخصصية. وبصفة عامة، فإن الاكتفاء بالاستعانة بالمتخصصين كمستشارين لا تكفي لتحقيق العدالة المرجوة؛ بل من الضروري إشراكهم في مسار تقدير وتقرير الأحكام القضائية على أساس مهني مؤثر.

وتساءل أ. محمد الدندني: هل لدينا مدارس فقهية مؤثرة نرى نتائجَها في كليات الشريعة وما يدرسه قاضي المستقبل؟ وهل القضاء الشرعي مندمج مع قضايا العصر ومتغيراته؟ وهل حانَ الوقت ليكونَ القاضي متخصِّصًا دراسيًّا؛ أي يتخرج كقاضٍ ومن ثَمَّ دراسة تخصُّص معين؛ كقاض تجاري، وقاضي أحكام جنائية، وقاضي أحوال شخصية، وهكذا؟

وأوضح د. فهد الرفاعي فيما يتعلق بذلك أن الكليات الشرعية بالمملكة قديمًا وحاليًّا هي المدرسة المؤثرة على القضاء السعودي، فالقضاة لا يتم ترشيحهم إلا من هذه المدارس فقط، وهي كليات متطورة وتدرس علومًا شتى تؤهِّل القاضيَ تأهيلًا شرعيًّا قويًّا، وفي بعض الكليات تمَّ إضافة عدد من المواد القانونية ولكنها اختيارية، ولعلها تكون إجباريًّا قريبًا لما لها من فائدة. وبعض خريجي الكليات الشرعية والمرشحين للقضاء يدرسون في قسم السياسة الشرعية، وهو عبارة عن دراسة الأنظمة مع مقارنتها بالشريعة وهذا جيد، لكن الغالب من القضاة يختار دراسة قسم الفقه فلا يخرج بجديد مفيد. أما فيما يتصل بالمحاكم المتخصِّصة فهذا ما عليه العمل حاليًّا؛ قضاء تجاري، إداري، عمالي، أحوال شخصية… إلخ، والتصوُّر أن التخصص دراسيًّا قد يكون مفيدًا؛ لأن القاضي يجب أن يكون مُلِمًّا وواسعَ الاطلاع، ليساعده ذلك على الفهم، والتخصص في المحاكم لا يستلزم منه التخصُّص أكاديميًّا. وفيما يرتبط بالاجتهاد، فالتوجه للتقنين قوي، والاجتهاد ربما سيكون في مسائل ضيقة وحصرية وعلى نطاق ضيق.

وذهب أ. عاصم العيسى إلى أن من المناسب أن تُشارك الوزارة المحامين من أهل الخبرة تجاربَهم، وسماع ملحوظاتهم وآرائهم في إعداد اللائحة. وكذلك من المهم أن تُشارك الوزارة الرأي مع الجهات القضائية الأخرى في السعودية؛ كلجنة المنازعات المصرفية، ولجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية، وغيرهما من اللجان ذات الطابع التجاري المتخصص؛ لما لها أيضًا من تجارب في تنظيم إجراءات التقاضي، وبالأخص الخبرات الطويلة فيما يتعلق بتهيئة الدعاوى، والاستعانة بأعوان القضاة. كما أن ثمة أهمية لتصميم النماذج والإجراءات التي أشار إليها النظام بمرونة وشمولية.

بينما أكد د. عبد الإله الصالح على المقترحات التالية:

  • توظيف الشفافية التي شرعها النظام، وإمكانية تشغيل طلبة الشريعة والقانون في أعمال مُعاونة القضاء، في مزيد من البرامج الحقيقية الفعالة التي تُشرِك المؤسسات التعليمية والأكاديمية بشكل أكاديمي نظري وتطبيقي، وخصوصًا كليات الشريعة والقانون والمعهد العالي للقضاء وما في حكمها؛ بحيث تكون البرامج مما يربط محاكم المناطق مع جامعاتها. ويمكن أن تُموَّل البرامج من القطاع التجاري لما فيه من منفعة مرجوة لهم والوطن.
  • النظر في تشكيل لجنة استشارية دائمة مرتبطة بمجلس القضاء الأعلى أو المحكمة العليا، تكون سكرتاريتها لدى وحدة الدراسات بوزارة العدل (التي أشار لها النظام)؛ تتكون من اختصاصيين وممارسين وأكاديميين في مجالات القضاء عامة والإجراءات خاصة من جميع المشارب والمذاهب والمدارس الشرعية والقانونية. تكون إحدى مهام اللجنة متابعة تطبيق الأنظمة القضائية موضوعيًّا واختصاصيًّا وعمليًّا، والخروج بتوصيات لتحديث الأنظمة واللوائح والتدريب والتأهيل، وغير ذلك.
  • النظر في توظيف (بالتعاقد) بعض المستشارين الشرعيين والقانونيين الذين يتمتعون بخبرة طويلة وحقيقية (فوق سن معين) في مجال القضاء من خلال ترافعهم أو المشاركة في التنظيم أو العمل في القطاع الخاص. حتى لو كان التوظيف تجريبيًّا من خلال برنامج محدود يكون تحت نظر مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل.
  • الإجراءات القضائية علم عظيم من علوم الآلة في توفير العدالة والإنصاف في أي مجتمع، ويحوي فنونًا وعناصر تُطبِّقها بعض الأنظمة دون البعض الآخر. لذلك، ثمة إمكانية لأنْ تقوم وزارة العدل بالمشاركة في تطوير مناهج أكاديمية تُعلِّم فنون ووسائل الإجراءات القضائية بشمول وبشكل مقارن مع الأخذ في الاعتبار ما يُطبَّق منها لدينا، وما يجب أن يُطبَّق مُستقبَلًا.
  • العمل الجاد في جذب الكُتَّاب المتخصصين في الشريعة والقانون من الجهات الأكاديمية والمجلات المحكمة للاطلاع على الدعاوى ومساراتها وتحدياتها، ومن ثَمَّ بحثها وتقييمها في سياق بحوث محدَّدة؛ على أن يكون ذلك حسب بروتوكول يأمر بصياغته مجلس القضاء الأعلى بالتعاون مع وزارة العدل، يضمن احترامَ القضاة والقضاء والمحاكم والخصوم.
  • التوصيات:
  • أهمية دعم نظام المحاكم التجارية بالضوابط والإمكانات المادية والنظُم التي تسانده في بداية تطبيقه.
  • نَشْر وعي وفهم نظام المحاكم التجارية للجميع من خلال وسائل الإعلام والتوجيهات اللازمة من الجهة المختصة في الحكومة لجميع الأطراف التي يعنيها ذلك، وتحديث إداراتها القانونية بالتعليمات والمراجع الحقوقية اللازمة.
  • أهمية الاستفادة بالخبرات والكوادر التي عملت في مجال القضاء (الشريعة والقانون) في هذا النظام؛ لتأسيسه وتنفيذه على معرفة.
  • أهمية تجهيز البنية التحتية للتقاضي عن بُعد بوسائل الاتصالات والأجهزة ذات الاعتمادية العالية، وإعداد وتأسيس مرجعيات منصوصة تؤطِّر وتضع بدائل في حال الإخفاقات لأي سبب.
  • الأخذ في الاعتبار الأمن المعلوماتي لتفادي الاختراقات وضياع الحقوق.
  • أهمية تجهيز كوادر وأدوات للترجمة لتشمل اللغات (الإنجليزية، الفرنسية، والصينية) فيما يخصُّ الترافع ونصوص الأحكام وجميع ما يلزم. مع اعتبار أن المنصوص باللغة العربية هو الأصل والمرجع في القضايا.
  • إيضاح مَن يقوم بتكاليف ومستلزمات القضية فيما يخصُّ جميعَ الجوانب الإدارية واللوجستية.
  • ضرورة زيادة عدد القضاة وأعوانهم وتأهيلهم فنيًّا بما يتناسب مع المرحلة الرقمية القادمة.
  • ضرورة تفعيل الوسائل البديلة والاهتمام بها من خلال تأهيل الوسطاء والمحكمين؛ لما لذلك من أثر على تخفيف المنازعات أمام المحاكم التجارية، ويساعد في تفعيل النظام الجديد وتحسُّن أداء المحاكم.
  • دراسة أسباب كثرة القضايا، وسنُّ التشريعات التي تسهم في تقليل عدد القضايا، من ذلك إلزام المماطلين والمتسببين في إضرار الآخرين؛ إلزامهم بتعويض المتضرر، وتحمُّل تكاليف التقاضي.
  • إلزام المتعاقدين في نوعيات محددة من التعامل بمراجعة عقودهم عبر استشاريين ومحامين؛ لحماية التعاملات وبالذات الكبيرة من إشكاليات الصياغة ومسببات الخلاف، مما يسهم في تقليل القضايا.

 


المشاركون في مناقشات هذا التقرير:

  • قضية “مُعضِلة التسويق الزراعي”:

د. الجازي الشبيكي

أ. فائزة العجروش

د. حمد البريثن

د. وفاء طيبة

م. خالد العثمان

أ. عاصم العيسى

م. فاضل القرني

أ. محمد الدندني

د. خالد بن دهيش

م. سالم المري

أ. عبد الله الضويحي

د. حامد الشراري

أ. عبد الرحمن باسلم

د. عبد الله صالح الحمود

د. علي الطخيس

أ. مها عقيل

  • قضية “البحث العلمي والدور الصحي غير العلاجي”:

د. يوسف الرشيدي

د. حمد البريثن

د. عائشة الأحمدي

أ. فائزة العجروش

د. صدقة فاضل

د. وفاء طيبة

د. عبد الله صالح الحمود

د. عبد الإله الصالح

د. راشد العبد الكريم

د. مها العيدان

د. هند الخليفة

د. رياض نجم

أ. بسمة التويجري

د. فوزية البكر

م. فاضل القرني

د. مها المنيف

أ. لاحم الناصر

  • قضية “نظام الشركات المُقترح: مرئيات ورؤى”:

أ. فهد القاسم

أ. محمد الدندني

د. عبد الله صالح الحمود

د. رياض نجم

د. عبد الإله الصالح

د. عبد الرحمن باسلم

م. فاضل القرني

د. منصور المطيري

د. سلطان المورقي

د. حسين الجحدلي

د. فوزية البكر

د. إبراهيم ناظر

  • قضية “ملامح عن نظام المحاكم التجارية”:

د. زياد الدريس

م. خالد العثمان

د. محمد الملحم

أ. محمد الدندني

أ. عاصم العيسى

أ. فائزة العجروش

د. منصور المطيري

(*) وكيل وزارة العدل للأنظمة والتعاون الدولي، قاضٍ بالمحكمة التجارية بالرياض، شارك في إعداد مشروع نظام المحاكم التجارية ولائحته التنفيذية، والعديد من الأنظمة واللوائح.

(*) الرئيس التنفيذي لشركة الرفاعي والدهش للمحاماة، مستشار قانوني سابق بوزارة الدفاع والطيران، نائب أمين الاتحاد العربي للتحكيم التجاري، ممثل لمركز الرباط الدولي للتحكيم التجاري في الشرق الأوسط.

تحميل المرفقات

وقت البيانات لتقنية المعلومات شركة برمجة في الرياض www.datattime4it.com الحلول الواقعية شركة برمجة في الرياض www.rs4it.sa