ملتقى أسبار: التقرير الشهري رقم (68) لشهر أكتوبر 2020

لتحميل التقرير اضغط هنا


أكتوبر 2020

 

  • تمهيد:

يعرض هذا التقرير عددًا من الموضوعات المهمة التي تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر أكتوبر 2020م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثرَوا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة حول القضايا التالية:

  • التهديد التركي للأمن القومي: حجمه وكيفية مقاومته.
  • السينما: صناعة المستقبل والقوة الناعمة.
  • مستقبل علاقات دول الخليج مع الصين في ضوء الاتفاق الصيني الإيراني.
  • ماذا لو استمر كورونا عامًا آخر؟

 القضية الأولى

التهديد التركي للأمن القومي:

حجمه وكيفية مقاومته

(4/10/2020م)

  • الورقة الرئيسة: د. سلطان الأصقة (ضيف الملتقى)[1]
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: أ. خالد طاشكندي (ضيف الملتقى)[2]
  • التعقيب الثاني: أ. علي الحارثي
  • إدارة الحوار: أ. جمال ملائكة

 

 

  • الملخص التنفيذي:

تتبَّع د. سلطان الأصقة في الورقة الرئيسة الجذورَ التاريخية للتهديد التركي، من خلال استقراءٍ موجزٍ لحوادث سابقة تمخَّضت عن كثير من الوقائع في العلاقات التركية العربية طوال القرن الميلادي الماضي، وكان بَيِّنًا أن عوامل المدِّ والجزر في التجاور الإقليمي (العربي- التركي) وثوران بعض الغبار حول التدخُّلات التركية في مسائل أمن قومي أو تهديد مجال حيوي قد تجاذبت تلك العلائق فترة طويلة من زمن ذاك القرن المنصرم، حتى أنجبت ذلكم التسلُّل التركي الذي نراه اليوم يُهدِّد أمننا بمحاولات تطويق دولنا من جهاتٍ عديدة. وعليه، فقد كان مجال الورقة منحصرًا في أمن الخليج العربي ومصر.

وأشار أ. خالد طاشكندي في التعقيب الأول إلى أن المسح التاريخي الذي تضمَّنته الورقة يُلقي الضوءَ على محور مفصلي مهم جدًّا حول المبدأ التركي تجاه العلاقات “التركية – العربية” القائم بوضوح على انتقاص الطرف الآخر، وتأصيل استعدائه للأمة العربية من خلال التاريخ الذي خرجت تركيا الحديثة، “الكمالية والأردوغانية” على السواء، من محصلة وقائعه بقناعات مفادها أن العرب أمة خائنة، وأنها كانت سببًا رئيسًا في سقوط الإمبراطورية العثمانية، وهي قناعات بنتها وفقًا لمنظورها الذي لا يراعي أن نفوذَها في الوطن العربي كان احتلالًا واستعمارًا بكل المقاييس والمفاهيم المتعارف عليها. ومن منطلق هذه النظرة المتجذِّرة لدى الأتراك، يجب أن نتعاطى دائمًا بحذر شديد مع الجانب التركي بحيث لا نستثمر في تنمية هذه العلاقة إلا بتصحيح وتقويم تلك المفاهيم الخاطئة.

وركَّز أ. علي الحارثي في التعقيب الثاني على توضيح النقاط الجوهرية التي أغرت تركيا وإيران وغيرهما للتدخل في شؤون الأمة العربية لتقسيمها واقتسام السيطرة عليها، لا سيما ما يتعلق بالتمزُّق والضعف العربي السياسي والديني والطائفي والعسكري والاقتصادي الذي أخضعها للقوى العالمية الكبرى، وقبول تدخل هذه الدول في شؤونها الداخلية؛ وهو ما حقَّق فرصًا جليلة لسيطرة أعدائهم الإقليميين.

وتضمَّنت المداخلات حول القضية المحورين التاليين:

  • أبعاد التهديد التركي للأمن القومي.
  • آليات التعامل المقترحة مع التهديد التركي للأمن القومي.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • إعداد بيان عربي من الجامعة العربية لرفض ما أشار إليه الرئيس التركي، بل وطلب التفسير. ويوضِّح الفهم العربي لذلك، والرد على كل ما يُستنتج منه ردًّا مدعومًا تاريخيًّا وسياسيًّا، وكأعضاء في منظمات دولية.
  • إبرام اتفاقية دفاع مشترك من دول عربية ذات مصالح مشتركة، مرتكزها دول الخليج ومصر.
  • الورقة الرئيسة: د. سلطان الأصقة (ضيف الملتقى):

تقدمة مُلِحَّة:

لا تخطئ العين ولو بنظرٍ مجرَّدٍ ما يشكِّله التسلُّل التركي من تهديدٍ ومخاطرَ على الأمن العربي، وبنظرٍ فاحصٍ سيتنامى إدراك حجم ذاك التسلُّل التركي ومدى خطورته على أمننا العربي.

إنَّ الدول والمجتمعات حين تواجه تهديدات أو مخاطر سياسية وأمنية واقتصادية (سواء في شأنها الداخلي أو في مجالها الحيوي أو في أمنها القومي أو في جوارها الإقليمي)؛ فإنَّها تسعى إلى فَهْم تلك التهديدات وهاتيك المخاطر، والبحث عن العلَّة التي أوجدتها والأسباب التي خلقتها، لكي تصل في مبتدأ المسير وفي أثنائه إلى السبيل الأمثل للتعامل معها، ثم تصل في نهاية المطاف إلى اتخاذ القرار المناسب تجاهها بما يصبُّ في مصلحتها.

هذه تقدمةٌ مُلِحَّةٌ تجعل من مَهمَّات تلك الورقة تتبُّع الجذور التاريخية لهذا التهديد التركي، ولعلَّ تلك الورقة تدرك ابتداءً أنَّ حدود بحثها مقيَّدة بضوابط تُحددها بعددٍ معلوم من الكلمات، وعليه سيكون التتبُّع على هيئة مسحٍ تاريخي مختصر واستقراءٍ موجزٍ لحوادثَ سابقة تمخَّضت عن كثير من الوقائع في العلاقات التركية العربية طوال القرن الميلادي الماضي، وكان بَيِّنًا أن عوامل المدِّ والجزر في التجاور الإقليمي (العربي- التركي) وثوران بعض الغبار حول التدخُّلات التركية في مسائل أمن قوميٍّ أو تهديد مجال حيوي قد تجاذبت تلك العلائق فترة طويلة من زمن ذاك القرن المنصرم، حتى أنجبت ذلكم التسلُّل التركي الذي نراه اليوم يُهدِّد أمننا بمحاولات تطويق دولنا من جهاتٍ عديدة. وعليه، سيكون مجال الورقة منحصرًا في أمن الخليج العربي ومصر؛ طلبًا للاختصار وقياسًا على الأنموذج.

مسحٌ تاريخيٌّ موجز:

منذ رحيل الحكم العثماني عن البلاد العربية بعد هدنة مودروس 1918م التي وضعت نهايةً للحرب في الشرق الأوسط ([3])، والأتراك منذ ذلك التاريخ وهم يصفون العرب (ظلمًا وعدوانًا) بأنهم (أعداء وخونة وطاعنو الأتراك في الظهر)([4])، وعمل الأتراك على تكريس فكرة الغدر العربي في ذاكرة الأجيال التركية عبر الكتب المدرسية لتكوِّن صورة سلبية عن العرب، وقد سايرت الصحافة التركية المناهج الدراسية في ذاك التشويه ([5])، التي ترى في النهضة العربية التي اشتهرت إبَّان الحرب العالمية الأولى كعمل خيانة كبير من قبل العرب ([6]).

إضافةً لما سبق، كانت تطوُّرات الأحداث منذ نهاية الحرب العالمية الأولى كلها تُنبئ بأنَّ تركيا لها مطامع في البلاد العربية التي تجاورها (سوريا والعراق وما يليها)؛ فقد سعت تركيا إلى ضمِّ الموصل؛ إلَّا أنها لم تَنَل ما سعت إليه، ثم بناءً على تفاهمات غلبت عليها المصالح المتبادلة أعطت فرنسا المنتدبة على سوريا إقليم الإسكندرونة السوري إلى تركيا في مايو 1939م نظيرَ وقوف الأخيرة على الحياد عند اندلاع الحرب العالمية الثانية ([7]). ومن بعد ذلك، جاءت مطامع تركيا بقيادة عدنان مندريس (رئيس وزراء تركيا 1950- 1960م) في أن تتحكَّم في الشرق الأوسط من خلال حلف بغداد الذي اعترضت عليه وقاومته كلٌّ من السعودية ومصر والأردن ([8]).

ثم جاءت المواقف التركية تجاه القضايا العربية بشكلٍ مناهض على التمام لمصالح البلاد العربية قاطبةً؛ ابتداءً من قيام تركيا كأول بلدٍ إسلامي يعترف بإسرائيل سنة 1949م ([9]). ولمَّا حصل العدوان الثلاثي على مصر 1956م أعلنت جامعة الدول العربية بأنَّ تركيا أرسلت 200 ضابط تركي لينضمُّوا إلى إسرائيل في تلك الحرب ([10]). وفي 1957م، وقفت تركيا في الأمم المتحدة ض مطالبة الجزائر باستقلالها ([11]). وفي عام 1958م أقامت تركيا تحالفًا سريًّا عسكريًّا مع إسرائيل والحبشة في عهد الإمبراطور هيلاسيلاسي ([12])، الذي كان موجَّهًا ضد مصر. وفي حرب الأيام الستة 1967م بين البلاد العربية وإسرائيل، قامت تركيا في عهد سليمان ديميريل بالسماح لحاخامات اليهود في تركيا بجَمْع نصف مليار ليرة كتبرعات لدعم المجهود الحربي الإسرائيلي في تلك الحرب ([13]). وفي حرب أكتوبر 1973م، وقفت تركيا مع العرب موقفًا صوريًّا، وما أن انتهت الحرب حتى تعاونت مع إسرائيل في مشروع الغاب GAP (مشروع جنوب الأناضول) الذي يعتني بسدود مياه نهر الفرات النابع من تركيا([14])، فبفضل هذا المشروع أصبح بإمكانها أن تتحكم في تدفُّق مياه الفرات، وأصبحت تمتلك سلاحًا تستطيع أن تشهره بوجه العراق وسوريا، وقد قامت تركيا قبل ذلك أيام الاحتلال الفرنسي لسوريا بتحويل مجرى نهر القويق تحويلًا كاملًا لتُحرم مدينة حلب من مياهه، ثم حوَّلت في الفترة نفسها نهر جغجغ تحويلًا كاملًا عن مدينة القامشلي ([15]). تبع كل ذلك التطبيع الكامل بين تركيا وإسرائيل، الذي تُوِّج باتفاق عسكريٍّ بينهما؛ ذاك الاتفاق الذي لم يكن يومًا من أيامه في صالح البلاد العربية ([16]). أمَّا في الأزمات الخطيرة (كما في غزو العراق للكويت 1990م)، فإنَّ تركيا كانت براغماتية إلى أبعد الحدود، فلم تقف مع الكويت إلا بعد أن ضمنت من أمريكا دعمًا بالمليارات ([17]).

من بعد ذلكم المسح التاريخي الموجز، سنرى هل اختلف التهديد التركي للأمن العربي اليومَ في عهد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا عمَّا كان عليه في سابق السنين من القرن المنصرم، وهو ما تُعنى به السطور القادمة.

العثمانيون الجُدُد والتسلُّل الناعم، الكُوَّة التي غَزَلت سياسات تركيا لتطويق الخليج العربي ومصر:

يرتبط لقب العثمانيين الجُدُد بصعود حزب العدالة والتنمية ([18]) وقيادته ممثَّلة في أردوغان وعبد الله غول وأحمد داود أوغلو، وهذا اللقب لا يعني استعادة الدولة العثمانية، ولكنَّه يعني استحضار حِسِّ العَظَمَة العثمانية ([19])، وهو الأمر الذي يعلنه أردوغان حين صرَّح في يناير 2009م بزهوٍ وخيلاء بأنه: (ليس زعيم دولةٍ عادية، بل زعيم أحفاد العثمانيين)([20]).

وقد كشف داود أوغلو في حديث صحفي عام 2010م مع صحيفة واشنطن بوست عن الدور الذي تطمح تركيا في لعبه بمنطقة الشرق الأوسط ومحيطها الإقليمي، حين أشار إلى أنَّ بريطانيا أسَّسَت الكومنولث مع مستعمراتها السابقة. ثمَّ تساءل: لماذا لا تُكرِّر تركيا زعامتها في الأراضي العثمانية السابقة في الشرق الأوسط، ثُمَّ لا يجد غضاضةً في تسمية خصومه له بأنَّه من العثمانيين الجُدُد، فقال: (يقولون عنَّا إننا العثمانيون الجُدُد، نعم نحن العثمانيون الجُدُد، ونجد أنفسنا مُلزمين بالاهتمام بالدول الواقعة في منطقتنا)([21]).

تزامن مع تلك التصريحات (قبلها وبعدها بِمُدَدٍ يسيرة) أن قامت القوة التركية الناعمة بالتسلُّل إلى بلداننا ومجتمعاتنا من خلال مسلسلات بثَّتها قنواتنا الكبيرة منذ سنة 2008م، ابتدأ هذا التسلل الناعم بأعمالٍ تركيةٍ درامية تُحمِّس المجتمعات في الخليج العربي ومصر على السياحة في تركيا من خلال مسلسلات تُركِّز على إبراز جمال الطبيعة التركية والتدقيق بجمال الأتراك، فانساحت جموعٌ كبيرة منذ عام 2008م إلى تركيا طالبةً للسياحة الترفيهية والعلاجية؛ وهو الأمر الذي حقَّق مكاسب اقتصادية جمَّة في الاستثمار السياحي التركي ([22])، حتى صارت تركيا في 2011م سادس أهم مقصد سياحي في العالم ([23])، وتُراهن تركيا على السياح الخليجيين أكثر من غيرهم([24]).

ثم تحوَّلت الأعمال الدرامية التركية (غير البريئة) إلى تعظيم التاريخ العثماني، من خلال مسلسلات تستدعي التاريخ بتزييفه وتزويره ليمجِّدَ التاريخَ العثماني التركي، فظهرت مُبتدِئةً بالإغراء والإثارة بمسلسل حريم السلطان 2011م، وأتبعته بالحماس الملحمي كما في مسلسل أرطغرل 2014م، الذي انتشر انتشارًا عجيبًا في بلداننا، وكان أردوغان حريصًا كلَّ الحرص على إنجاح هذا العمل، حتى إنَّه كان يحضر في مواقع تصوير العمل تعزيزًا لطاقم العاملين فيه، وعندما فاز المسلسل بجائزة الفراشة، قال أردوغان: (إنَّكم فُزتم بجائزة قلوبنا قبل هذه الجائزة)([25]).

فأصبح معلومًا أن أردوغان وحزبه يتسللون بنعومةٍ من خلال اتخاذ الدراما سبيلًا يُمهِّد لما بعده من قوةٍ صلبة، وأضحى واضحًا أنَّ هذه الأعمال الدرامية التركية ليست سوى محاولةً لاستدعاء التاريخ لمعركة الحاضر من قبل العثمانيين الجُدد. وغدا من البَيِّنِ أنَّ صناعة الإعلام في تركيا الأردوغانية ليست صناعةً عبثية لا هدفَ لها؛ بل هي صناعةٌ مُقَنَّنَة، ذات أهدافٍ محدَّدة وواضحة، ترمي إلى التأثير على المتلقي العربي بالدرجة الأولى([26])، من خلال استلهام النموذج التركي في البلاد العربية، وقد ساعدها على ذلك برامج كانت تُبَثُّ خلال قنواتنا الخليجية، تُظهر الأنموذج التركي الأردوغاني بشكلٍ بهيٍّ مُحبَّذ يدعو الدول العربية إلى الاقتداء به ([27]).

التحوَّل التركي من القوة الناعمة إلى القوة الصلبة وتطويق الخليج العربي ومصر:

كانت تركيا (حزب العدالة والتنمية) تُظهر التوكيدات للعرب بأنها لا تسعى لفرض تجربتها أو تصدير أنموذجها التحديثي الديموقراطي، ويبدو أنَّ تلك التوكيدات من قِبَلِ المسؤولين الأتراك لم تكن سوى جزءٍ من (إستراتيجية طمأنة الجيران) وعدم استفزازهم عبر الإيحاء بعدم نيَّة أنقرة التدخُّل في شؤونهم، خصوصًا أن الأتراك يدركون مدى حساسية الأنظمة العربية إزاء هذه المسألة تحديدًا ([28]). لكن لمَّا اندلعت فوضى ثورات الربيع العربي 2011م، كشفت السياسة التركية عن نواياها التي أخفتها إبَّان تسلُّلها الناعم السابق إلى البلاد العربية، ورأت في تلك الاحتجاجات فرصةً لا بدَّ أن تُهتبَل للتدخُّل في البلاد العربية، وقد صرَّح أحمد داود أوغلو قائلًا: إنَّ الاضطرابات العربية هي الفرصة التي يجب اغتنامها، وإنَّ وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر وتونس وليبيا وسيطرة حماس في غزة، هي خطوات تاريخية لتزعُّمِ تركيا للشرق الأوسط. على أنَّ فشل التجربة الإخوانية في مصر قد خيَّب أماني حزب العدالة والتنمية التركي، خصوصًا مع تشنُّج القيادة التركية تجاه أحداث 30 يونيو 2013م في مصر، إذ كشف انحياز تركيا إلى إخوان مصر على حساب سائر الأحزاب الأخرى هناك، فاندفعت تركيا بسبب عدائها لنظام الحكم في مصر (عبد الفتاح السيسي) إلى توظيف جماعات العنف السياسي، وهو الموقف الذي يجعل تركيا دولةً داعمة للإرهاب بلا شك([29])؛ وهو الأمر الذي أثبته برنامج (بناء السلام وحقوق الإنسان) في جامعة كولومبيا بتعيين فريق من الباحثين من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وتركيا لتقييم مصداقية المزاعم التي تتحدَّث عن العلاقات بين تركيا وداعش، وخَلص الباحثون في أغسطس 2014م إلى أنَّ هناك تعاونًا كبيرًا بينهما موجَّهًا ضد مصر عبر غزة، من خلال دعم تركي لتنظيم داعش في سوريا والعراق، وهو ما أكَّدته المخابرات الأردنية([30]).

التطويق التركي لبلدان الخليج العربي ومصر:

في ديسمبر 2015م بلغت التشابكات الأمنية المعقدة مستوى عاليًا في الخليج العربي يوم وقَّعت قطر اتفاقية مع أنقرة، تنصُّ على تدشين قاعدة عسكرية تركية فيها، تشمل نحو 3000 جندي من الوحدات الجوية والبحرية، وهي تُعَدُّ ثاني أكبر قاعدة عسكرية لتركيا خارج أراضيها بعد القوة العسكرية التركية الموجودة في قبرص([31]).

تبع ذلك أن أقدمت المملكة العربية السعودية في مايو 2017م على إلغاء أضخم صفقةٍ عسكريةٍ مع تركيا تعلَّقَت بطلب 4 سفن حربية من الصناعة التركية، هذا القرار كلَّفَ شركة صناعة السفن التركية خسائر تُقَدَّر بنحو ملياري دولار. وفي يونيو من نفس السنة أقدمت قطر، بعد يومين من قرار مقاطعة الدوحة، على تفعيل الاتفاقية الموقَّعة مع أنقرة قبل سنتين، واتفق الطرفان على تصدير أجهزة عسكرية تركية إلى قطر تبلغ قيمتها ملياري دولار([32]).

بعد ذلك قام الرئيس التركي بعدد من الجولات الإفريقية، في مسعى إلى (الانفتاح الناعم) على العواصم الإفريقية، وصولًا إلى الانتقال بذلك الانفتاح إلى مرحلة التغلغل الخشن، فافتتحت تركيا في يوليو 2017م قاعدةً بجنوب العاصمة الصومالية مقديشو، وتُعَدُّ القاعدة التي تضمُّ ثلاث مدارس عسكرية أكبر معسكر تركي للتدريب العسكري خارج تركيا([33]).

وفي 25 ديسمبر 2017م أعلنت السودان وتركيا توقيع اتفاق بشأن التعاون العسكري والوجود التركي في شبه جزيرة سواكن، وعقب توقيع هذا الاتفاق عقد رؤساء أركان كلٍّ من تركيا “خلوصي أكَّار”، والسودان “عماد الدين مصطفى”، وقطر “غانم بن شاهين الغانم”، اجتماعًا ثلاثيًّا في الخرطوم، واتفق الجانبان السوداني والتركي على استمرار التعاون بين الجانبين في المجال الأمني لسنواتٍ قادمة، وقال أردوغان: (هناك ملحق لن أتحدَّث عنه الآن)، ومضامينه التي لم تُعلن أنَّ الجزيرة ستكون نقطة للبحرية التركية على سواحل البحر الأحمر.

وتسعى تركيا جاهدةً إلى التواجد في ساحات الصراعات لكي تضمن تحقُّق مصالحها السياسية والأمنية، وتستهدف تركيا أيضًا مدَّ النفوذ العسكري التركي إلى القرن الإفريقي وإجراء مناورات مشتركة مع جيوش المنطقة؛ حيث وقَّعت بالفعل اتفاقيات أمنية مع كلٍّ من كينيا وإثيوبيا وتنزانيا وأوغندا لتدريب قوات الأمن في تلك الدول([34])، إلى جانب ذلك ترى تركيا في الصومال وإثيوبيا والسودان البوابات الأوسع لها في سعيها لتوسيع نفوذها في إفريقيا([35]). وكلُّ هذا داخلٌ في عِداد تطويق الخليج العربي ومصر من خلال هيمنة تركيا على طُرق مواصلات الطاقة.

في المقابل، ذهبت تركيا إلى تطويقٍ بعيد في أماكن بعيدة، فقد تحوَّلت الجزائر في السنوات الأخيرة إلى وجهةٍ مفضَّلةٍ للاستثمارات التركية، وترتبط البلدان بمعاهدة صداقة وتعاون وُقِّعت في مايو 2006م، ووقَّعت الجزائر في عام 2014م اتفاقية لتزويد الجزائر تركيا بالغاز المسال لعشر سنوات([36]).

أمَّا في البحر الأبيض المتوسط الذي تحاول أنقرة تطويق مصر من شمالها، فقد تبنَّت أنقرة سياسات مناهضة لمثلث التعاون المصري- اليوناني- القبرصي، وقد برز الاستياء التركي من دول التحالف الثلاثي جليًّا بعد عقد القمَّة الخامسة بالعاصمة القبرصية نيقوسيا في 21 نوفمبر 2017م، في المقابل فشلت تركيا في تشكيل تحالف مناوئ، أو بالأحرى إحباط التحالفات السياسية القائمة بين دول شرق المتوسط في 2018م([37]).

إنَّ ما تقوم به أنقرة تجاه مصر وقبرص في البحر المتوسط يهدف إلى رغبة تركيا في السيطرة على طرق إمدادات الطاقة في المنطقة، حتى يتعزَّز موقعها الإستراتيجي على الصعيد العالمي كمركزٍ حصريٍّ لإمدادات الطاقة لأوروبا، وربما يعكس ذلك دوافع القلق التركي بعد توقيع اتفاقيات نَقْل الغاز من إسرائيل إلى مصر بديلًا عن تركيا، وشروع الجانبين المصري والقبرصي في مفاوضات لنقل الغاز من سواحل قبرص إلى الموانئ المصرية لإعادة تصديره؛ بما يعني تراجع الأهمية الإستراتيجية لأنقرة فيما يخصُّ خطوط نَقْل الطاقة عالميًّا، وبما يُعزِّز مقابل ذلك حضور مصر التي تمتلك بنية تحتية ضخمة تؤهلها لأن تغدو مركزًا لصادرات غاز المتوسط إلى دول أوروبا ([38]).

وفي 27 نوفمبر 2019م، قام أردوغان بتطويق مصر أكثر من ذي قبل من خلال عقد اتفاق بين أنقرة وفايز السراج في ليبيا حول ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، وهو ما وصفه البعض بأنَّ أردوغان يعمل كقرصان في البحر المتوسط لقطع طرق إمدادات الطاقة إلى أوروبا؛ وهو الأمر الذي احتجَّت عليه مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة على أساس أنَّ تركيا لا تربطها بليبيا حدود بحرية، إلا إنْ كانت تركيا لا تعترف بوجود جزيرة كريت التي تفصل بين الساحلين التركي والليبي ([39]).

كل هذه التطويقات لبلدان الخليج العربي ومصر وتهديدهم من قِبل تركيا في مجالهم الحيوي (في البحر الأحمر والخليج العربي والقرن الإفريقي والبحر المتوسط) لهي خطر لا يمكن إغضاء البصر عنه في ظلِّ تحركات محمومة من قِبل أنقرة للإضرار بمصالح دولنا الحيوية والقومية والإقليمية، وهي مخاطر تلحُّ في إيجاد الردِّ عليها ومقارعتها بالسبيل الأمثل، ولعلَّ التوصيات المقترحة الآتية تطرح شيئًا ترتئيه هذه الورقة.

التوصيات المقترحة لمقاومة التطويق التركي لبلدان الخليج العربي ومصر:

  • مجابهة القوة الناعمة التركية بقوةٍ ناعمةٍ خليجية، أمَّا بالنسبة لمصر فقد أنجزت شطرًا كبيرًا في استخدام قوتها الناعمة عبر الدراما التي تنتجها، وعبر قنواتها التي أحسنت استخدام تلك القوة المهمة في إبراز المظهر الجميل للدولة المصرية، ما من شأنه تشجيع السياحة فيها، وإقامة المهرجانات الفنية والثقافية هناك، وتحسين صورة مصر عند الدول الغربية كدولةٍ جاذبةٍ للاستثمارات الآمنة. أما دول الخليج فمن الواضح التردد الذي تعانيه دولها في استخدام تلك القوة المهمة، على أنَّ بعض مبادرات بدأت بها السعودية في التنويه على بعض البقاع السياحية التي من شأنها تحريك عجلة السياحة والاستثمار فيها، وجَعْلها مقصدًا قادمًا للسياح الخليجيين على الأقل، وقد أفلحت في جوانب مهمة منه. ولربما كان من المهم الترويج لمهرجانات تُقام في بلداننا، نستطيع من خلالها الترويج لقوتنا الناعمة، مثال ذلك: الجنادرية في السعودية، القرين في الكويت، موسم دبي في الإمارات، بل حتى مواسم التمور ومهرجانات الإبل تُغطَّى تغطيةً إعلامية واسعة، ويشجَّع الجمهور على حضورها، فلماذا لا نجعلها مقاربة لمواسم سباقات الخيل في أوروبا وما شابه ذلك؛ مما يُكسبنا قوةً ناعمة تفيدنا. والحال ينسحب كذلك على معارض الكتاب في بلداننا، والتي ينبغي أن تكون على مستوى احتفالية كبرى بثقافة دولنا، وإظهار وجهها المعرفي المهم، تلك المعارض التي من الممكن دعوة شخصيات من دول العالم إليها ترويجًا لها وتنويهًا بها.
  • استغلال المِنح الدراسية التي تمنحها دولنا لكثير من أبناء البلدان الآسيوية والإفريقية في طبع طلاب تلك المنح بما يخدم بلداننا في تحسين صورتنا خصوصًا بعد التحوُّلات الاجتماعية الأخيرة، وبما يقارع الجهود التركية التي تستحوذ على كمٍّ كبير من منح الطلاب الذين تستجلبهم إلى الدراسة في تركيا لتلميع صورتها.
  • المسابقة التجارية مقرونة باتفاقيات عسكرية وتعاقدات لاستئجار للموانئ المهمة في إفريقيا من قِبل دولنا لإحباط المساعي التركية في عقد الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والعسكرية مع دول القرن الإفريقي وشرق إفريقيا وغربها، والتنويه بالمعونات والمساعدات التي تقدِّمها دولنا حتى لا يُبخَس حقُّنا في الوقوف مع تلك الدول التي تمثِّل أهميةً بالغةً في موقعها الكائن على طُرق إمدادات الطاقة العالمية.
  • تدشين مراكز (تبدأ كمركز بحث) وتتطوَّر مستقبلًا إلى معاهد للدراسات العليا في الشؤون الإفريقية (تهتم بالشأن التاريخي والجغرافي والسياسي والإعلامي واللغويات الإفريقية) على غرار معهد الدراسات والبحوث الأفريقية في جامعة القاهرة، الذي أُنشِئ في سنة 1947م على عهد الملك فاروق بمسمَّى ((معهد الدراسات السودانية)) ثم تحوَّل إلى اسمه الحالي في عهد أنور السادات. هذه المعاهد والمراكز تُكلَّف بدراسة الدول ذات الأهمية لمجالنا الحيوي وأمننا القومي وبعدنا الإستراتيجي، تلك الدول المزمع عقد اتفاقيات معها، على أن تقدِّم تلك المعاهد والمراكز دراسة علمية رصينة لجدوى قيام مثل تلك العلائق مع تلك الدولة الإفريقية أو تلك الدولة الأخرى، وهذا شأنٌ مهم يفيد من يقودون دفَّة السياسة في دولنا.
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: أ. خالد طاشكندي (ضيف الملتقى)

بدايةً، “التاريخ يُعلِّم الإنسانَ الدروسَ، ويجعله أكثر وعيًا وأقدر على اتخاذ الخطوات المناسبة”، وكذلك نؤكِّد على أهمية حكمة الفيلسوف الإسباني خورخي سانتيانا: “هؤلاء الذين لا يتذكرون الماضي محكوم عليهم بإعادته”، هذا باختصار ما رمى إليه د. سلطان الأصقة حين أكَّد في مقدمة ورقته على أهمية تتبُّع الجذور التاريخية لهذا التهديد التركي، وما تطمح إليه تركيا في عهد الرئيس رجب أردوغان من مطامع غير مشروعة في منطقة الشرق الأوسط، وضعت لها خططًا إستراتيجية تهدف جليًّا إلى ما هو أبعد من التفاعل الإيجابي مع دول المنطقة عبر أسُس تخلق منافع متبادلة ونهضة شاملة وتنمية مستدامة، فبدلًا من ذلك تريد تركيا أن تسلك نهجًا إمبرياليًّا تبسط به نفوذها وهيمنتها على دول المنطقة دون أدنى اعتبار للأطُر والأعراف الدبلوماسية وفقًا للقانون الدولي والمبادئ الأساسية التي تحكم العلاقات بين الدول منذ تأسيس عُصبة الأمم واندثار حقب الإمبراطورية العثمانية والنازية والفاشية، وبزوغ شمس الدبلوماسية الحديثة بإقرار الميثاق الأممي عام 1945 واتفاقية امتيازات وحصانات الدول الأمم المتحدة في العام التالي.

المسح التاريخي الذي جاء في مقدمة الورقة المطروحة، يُلقي الضوء على محور مفصلي مهم جدًّا حول المبدأ التركي تجاه العلاقات “التركية-العربية”، القائم بوضوح على انتقاص الطرف الآخر وتأصيل استعدائه للأمة العربية من خلال التاريخ الذي خرجت تركيا الحديثة (الكمالية والأردوغانية) على السواء، من محصلة وقائعه بقناعات مفادها أن العرب أمة خائنة، وأنها كانت سببًا رئيسًا في سقوط الإمبراطورية العثمانية، وهي قناعات بنتها وفقًا لمنظورها الذي لا يراعي أن نفوذها في الوطن العربي كان احتلالًا واستعمارًا بكل المقاييس والمفاهيم المتعارف عليها. ومن منطلق هذه النظرة المتجذِّرة لدى الأتراك، يجب أن نتعاطى دائمًا بحذر شديد مع الجانب التركي، بحيث لا نستثمر في تنمية هذه العلاقة إلا بتصحيح وتقويم تلك المفاهيم الخاطئة، فمجرد وجودها كجزء من مناهج التعليم هو إعلان عداء لا يستقيم مع بناء أي علاقات دبلوماسية إلا بتصحيح تلك الذاكرة ومفاهيمها الخاطئة تجاه الأمة العربية كشرط أساسي في بناء وتنمية العلاقات، وإلا فإن “ما بُنِي على باطل فهو باطل”.

(سؤال: هل الكتب المدرسية والمناهج التعليمية في تركيا لا تزال تؤصِّل لاستعداء العرب والنظرة العامة تجاه تكريس فكرة الغدر والخيانة؟ هذا محور مهم جدًّا يستوجب دراسةً تفصيليةً دقيقة حول استمرار وجود هذا الطرح في المناهج التعليمية التركية).

(ملاحظة: توجد إشكالية تؤصِّل هذا الخلاف التاريخي للأسف، في ظل وجود مؤلفات ودراسات عربية تحليلية تكرِّس لاعتبار اتفاق الشريف حسين مع الإنجليز وتمرده على الدولة العثمانية “تآمرًا وخيانة”، وهو المأخذ الذي يستغله الأتراك في هذا الشأن، ويتطلب تسليط الضوء على هذه الجزئية تحديدًا سواء من خلال المسح الأدبي في الدراسات التاريخية عن الثورة العربية أو من خلال إعداد دراسات معمقة لتنقيح القراءات الخاطئة التي أساءت قراءة المواقف العربية تجاه الدولة العثمانية خلال حقبة الحرب العالمية الأولى، ودوافع التخلص من التواجد العثماني).

تطرَّق المسح التاريخي إلى “تاريخ المواقف التركية السلبية تجاه القضايا العربية”، والتي تأتي مجملًا في سياق مناهض للدول العربية، وتقف ضد مصالحها، ولكن وباعتبار أننا ملزمون بطرح تحليلي دقيق حول حقيقة هذا الخطر وتشريح أسبابه ومسبباته؛ يجب أن يشمل الطرح المواقف الإيجابية أيضًا وتحليل أسبابها، حيث يوجد تباينٌ شديد في وجهات النظر العربية حول دور تركيا في المنطقة، وحول نتائج الدور التركي وآثاره، سواء كانت سلبية أو إيجابية، وما هي سبل تقويمه، إذ توجد عدة ملاحظات مهمة على هذا الدور؛ أبرزها مرحلة الطفرة الاقتصادية التي مرت بها تركيا في السنوات القليلة الماضية ومساعيها لفتح أسواق جديدة في المنطقة وتحقيق علاقات اقتصادية إيجابية، وهي من المحاور المهمة التي أوجدت ذلك التباين في الآراء حول كيفية التعاطي مع الجانب التركي.

(سؤال: هل المواقف التركية تقف مجملًا ضد مصالح الدول العربية؟ وهل تُحرِّك الملابسات التاريخية مسيرة بناء هذه العلاقات في الوقت الحاضر؟)

تعقيب حول محور “العثمانيون الجُدُد”:

  • يرى كاتب الورقة أن لقب “العثمانيون الجُدد” الذي يُنسَب للحزب الحاكم في تركيا “العدالة والتنمية” لا يعني استعادةَ الدولة العثمانية، ولكنَّه يعني استحضار “حِسّ العَظَمَة العثمانية”، ثم يستشهد بما ذكره رئيس الوزراء التركي السابق داود أوغلو في 2010 عن أن الدور الذي تطمح له تركيا هو تكرار زعامة العثمانيين في الشرق الأوسط تمامًا كما فعلت بريطانيا حين أسَّست “الكومنولث” مع مستعمراتها السابقة، ثم يربط الباحث هذه الرؤية النظرية “الملتبسة” ما بين سياسة “العثمنة الجديدة” أو “العظمة العثمانية” بانعكاسها على تسلسل الأحداث لاحقًا، بداية من خلال القوة “الناعمة”، ثم التحول إلى القوة “الصلبة” كترجمة عملية لتلك الرؤية أو الإستراتيجية التركية التي ألمح إليها أردوغان وأوغلو في عدة تصريحات إعلامية مسبقة.
  • لم يطرح كاتب الورقة توضيحًا مُفصَّلًا حول ما هي “العثمانية الجديدة” بالتحديد!، ولا شك أنها لا تعني استعادة الدولة العثمانية كما كان الوضع عليه قبل 1922، ولكن حتمًا لا تخرج عن سياق الهيمنة والسيطرة وبَسْط النفوذ بعدة أوجه، فإذا أخذنا بأن تركيا تريد أن تستنسخ نموذج الكومنولث؛ فنجد أن هذا الأمر لا يتطلب غزوًا عسكريًّا كما فعلت تركيا في شمال سوريا وليبيا، ولا يتطلب دعم الجماعات الإرهابية واستضافة الجهات المعارضة للأنظمة للإخلال بأمن الدول العربية ودعم إسقاط أنظمتها، إذًا بالتالي كان على الكاتب طرح تفسير أكثر وضوحًا عن “العثمانية الجديدة”.
  • نضيف أن اليونانيين كانوا أول مَن أطلق لقب “العثمانية الجديدة” على تركيا عقب الغزو التركي لجزيرة قبرص عام 1974، فيما يعَدُّ أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي السابق والرئيس الثاني لحزب العدالة والتنمية أبرز المنظِّرين لمصطلح “العثمانيون الجدد”، وبالرغم أن حزبه استنكر هذا التوصيف في فترات سابقة تجنُّبًا لاتهامات معاداة العلمانية، إلا أن أوغلو أقرَّ به ونظَّر له في أكثر من كتاب وسلسلة من المقالات؛ ما برهن منذ ذلك الحين على وجود توجُّه ما نحو إعادة إحياء العثمانية وَفْق رؤية وإستراتيجية تمَّ التجهيز لها بوضوح، وقد أكَّد أوغلو على ذلك خلال لقاء مع نواب الحزب الحاكم في نوفمبر 2009، بقوله: “إن لدينا ميراثًا آلَ إلينا من الدولة العثمانية، إنهم يقولون هم العثمانيون الجدد.. نعم نحن العثمانيون الجُدد، ونجد أنفسنا مُلزمين بالاهتمام بالدول الواقعة في منطقتنا.. نحن ننفتح على العالم كله، حتى في شمال إفريقيا، والدول العظمى تتابعنا بدهشة وتعجب”، وكان أوغلو قد طرح مسبقًا تنظيراته حول العثمانية الجديدة عبر مؤلَّفه: “العمق الإستراتيجي: موقع تركيا العالمي”، الصادر عام 2001، الذي ناقش موقع تركيا الحالي وموقعها المثالي الذي ينشده لبلاده من خلال التطلُّع إلى دَمْج الجمهورية التركية بموقع الدولة العثمانية القديم جغرافيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وفكريًّا وحضاريًّا؛ ومن هذا المنطلق طرح أوغلو خُططًا نظريةً وتطبيقية لإعادة التاريخ العثماني إلى تركيا، محصلة ذلك الطرح كشفت منذ وقت مبكر عن أيديولوجية سياسية كانت تسوّق في ظاهرها المُعلَن برؤى فضفاضة، في حين تهدف غاياتها غير المُعلَنة إلى نزعة سلطوية على المناطق التي كانت مُسبقًا تحت الحكم العثماني.
  • وفي أكتوبر 2010 نشرت مجلة “شرق نامة”، الصادرة عن مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية، مقالًا كتبه أحمد داود أوغلو أو نُقِل عنه، تطرَّق من خلاله إلى ملامح هذه “العثمانية الجديدة”، من خلال مبادئ أساسية تُسهم في تحقيقها، من أهمها مبدأ التأثير في دول الجوار عبر “الأسلمة و”العثمنة”، ونهج سياسة خارجية متعددة الأبعاد، إضافةً إلى اتخاذ نهج دبلوماسي جديد يستغل سقوط الأيديولوجية الاشتراكية والخطاب القومي العربي لتقوية توظيف الخطاب الإسلامي كبُعد سياسي مؤثر في العلاقة المنشودة مع دول العالم العربي؛ ومن هنا تتضح أمامنا دوافع الاهتمام والنشاط التركي المتنامي في الشرق الأوسط منذ اندلاع ما سُمِّي بثورات الربيع العربي ومبادئ العثمانية الجديدة من حيث الدوافع والرؤية والأهداف والمنهجية، وهو ما يفرض علينا مراجعةَ الكثير من التفاصيل؛ لنستدرك طبيعة “العثمنة” و”الأسلمة” التي تسعى تركيا للتأثير بها على الشرق الأوسط.

تعقيب حول محور “التسلُّل الناعم”:

  • طرح كاتب الورقة ملخصًا حول “التسلل الناعم” مفاده أن النظام التركي قام بتوظيف الدراما التركية سياسيًّا باعتبارها إحدى أذرع القوة الناعمة الفاعلة التي استفاد منها أردوغان في التسلُّل إلى الشارع العربي وغَسْل أدمغة المجتمعات العربية بكمٍّ هائل من المعلومات التاريخية المزيفة، التي تُلمِّع التاريخَ العثماني وتُنقِّحه من الحقائق التاريخية لإخفاء الواقع البائس الذي شهده العالم العربي خلال الحقبة العثمانية، وساهمت نتائجها في تمهيد الطريق أمام الانتقال لمرحلة استخدام القوة الصلبة، ولكن الورقة البحثية اختزلت “القوة الناعمة” لنظام أردوغان فقط في المسلسلات، بينما هي في الحقيقة توسَّعت في أنشطتها على مسارات إعلامية وثقافية عدة، لم يُسلِّط الكاتبُ الضوءَ عليها، من بينها توظيف عشرات الفضائيات والمواقع الإلكترونية والوسائل الإعلامية الناطقة بالعربية والمموَّلة من قِبل تركيا، تساندها جيوش إلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي، لدعم الطروحات المؤدلجة التي تخدم مشروع أردوغان التوسعي.
  • ونضيف أن “الدراما التركية” التي تعَدُّ إحدى أخطر أدوات القوة الناعمة التي استخدمها نظام أردوغان لاستهداف كل أسرة في العالم العربي، لم تعُد من الأدوات الفاعلة في المرحلة الآنية بسبب الحملات التي شنتها وسائل الإعلام العربية منذ عدة سنوات مُحذِّرة من انتشار هذه الدراما “الأجنبية” الموجَّهة سياسيًّا وانعكاساتها السلبية على المجتمعات العربية، وكثَّفت تقاريرها حول مخاطر المد الثقافي التركي الذي كاد أن يتسبب في انهيار قطاع الدراما العربية، وهو ما دفع الفضائيات الخليجية والعربية تدريجيًّا نحو تصحيح هذا الوضع باتخاذ قرار صائب بوَقْف عرض المسلسلات التركية، من بينها غالبية الفضائيات السورية، ثم لاحقًا أبو ظبي الفضائية والقنوات المصرية الحياة وبانوراما وسي بي سي في 2013، ثم مجموعة قنوات MBC في مارس 2018، وكانت النتيجة خسائر مادية هائلة في هذا القطاع الذي كان يُموَّل من قِبل النظام لإنتاج المسلسلات الموجَّهة سياسيًّا([40]).

تعقيب حول محور “القوة الصلبة”:

  • طرح كاتب الورقة شرحًا مُقنَّنًا حول كيف خدع النظام التركي الدول العربية بمحاولات طمأنة الأنظمة بعدم وجود نوايا لتصدير أنموذجها “التحديثي الديمقراطي”، إلا أنها قامت لاحقًا باستغلال الثغرات الأمنية التي أحدثها ربيع الثورات، وهو ما كشف عن نواياها التي أخفتها إبَّان تسلُّلها الناعم السابق إلى البلاد العربية، وهذه الجزئية تدفع تجاه تساؤل مهم حول أسباب غياب وضعف دور مراكز الفكر والدراسات الإستراتيجية العربية والخليجية في استشراف واقع الرؤية التركية تجاه العالم العربي، خصوصًا وأن توجهات النظام التركي تكشَّفت قبل أحداث الربيع بعدة سنوات – كما أسلفنا – من خلال طروحات داود أوغلو وسلسلة من التصريحات العنيفة التي أطلقها أردوغان في عدة مناسبات سياسية، ترددت خلالها شعارات تنادي بعودة الإمبراطورية العثمانية، وكان من بينها – على سبيل المثال لا الحصر- الخطاب الذي ألقاه أردوغان أواخر شهر سبتمبر للعام 2009 أمام الهيئة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة، وقال خلاله: “على تل أبيب أن تعلم أنني لستُ زعيمَ دولة عادية، بل زعيم أحفاد العثمانيين”، وكانت امتدادًا لما ردَّده الحزب الحاكم في تركيا من شعارات تتفاخر وتُذكر وتنادي بعودة العثمانية سبقت جنوحها الراديكالي نحو استخدام القوة الصلبة بعدة سنوات، فكان من الواضح تمامًا أنها تسعى إلى تحويل بوصلة سياساتها الخارجية تجاه الشرق في ظل تقلُّص فرص انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، ومهَّدت لإعادة العثمانية في نسخة مطوَّرة تمزج بين العلمانية والإسلام الحركي، وإغراء الشارع التركي والعربي بجذورها الإسلامية عبر الحملات الدعائية الضخمة في وسائل الإعلام وعبر المسلسلات التاريخية التي حبكت سيناريوهات مضللة لتلميع صورتها وتغييب المجتمعات العربية والإسلامية والأجيال الناشئة عمَّا حوى التاريخ في طياته من جوانب مُظلمة وحقائق مُفزعة، فرض من خلالها العثمانيون الأوائل هيمنتهم على العالم العربي، وقوَّضت إمكاناته، واعتدت على ممتلكاته وموارده، وتسلَّطت عليه بالحديد والنار.
  • س: أين كانت مراكز الفكر العربية عن كل تلك التطورات؟ وإذا قامت المراكز المعنية بقراءة وتحليل تلك التطورات والتحركات التركية، لماذا لم تؤثر في دوائر صناعة القرار؟

تعقيب حول محور “تطويق الخليج العربي ومصر”:

  • لخَّص كاتب الورقة تحركات النظام التركي المتسارعة منذ 2015 لتطويق دول الخليج العربي ومصر وتهديدها في مجالها الحيوي (في البحر الأحمر والخليج العربي والقرن الإفريقي والبحر المتوسط)، والرامية إلى الإضرار بمصالحها الحيوية والقومية والإقليمية، ونُضيف إلى ذلك أن تركيا قبل ذلك العام لم يكن لديها سوى قاعدة عسكرية واحدة خارج حدودها، أنشأتها في شمال قبرص التركية (غير المُعترَف بها دوليًّا) عام 1974، ثم انطلقت في نَشْر قواعد عسكرية خارج أراضيها بشكل متسارع منذ 2015 في كلٍّ من قطر وسوريا والعراق والصومال، وأفضى استخدام قوتها الصلبة إلى احتلال أجزاء من الشمال السوري التي أصبحت “قبرص جديدة”، وشنَّت عدوانًا غاشمًا على ليبيا من خلال إغراقها بالمقاتلين المرتزقة الذين يحاربون تحت مظلة عدد من المليشيات الإرهابية المدعومة من النظام التركي، بالإضافة إلى انتهاكاتها المتواصلة للمياه الإقليمية لدول شرق حوض المتوسط وحالة التصعيد المستمر، والآنَ تتدخل في الصراع بين أذربيجان وأرمينيا، وتشنُّ غارات جوية مكثَّفة على الأخيرة، وبدأت بإرسال قوات مرتزقة توغلت داخل الأراضي الأرمينية، وهذه التحركات المستعرة تُنذر بما يفوق تطويق المنطقة، وبحاجة إلى تحليلات مفصَّلة حول عواقب السلوك المضطرب الذي تنتهجه أنقرة في المنطقة.
  • أخطر حلقة في سلسلة تطويق المنطقة حاليًّا – لم يتطرق لها كاتب الورقة- هي تكشف مخططًا للنظام التركي يهدف إلى التدخل في اليمن بإرسال مرتزقة، تمامًا كما فعل في ليبيا. وقد نشَر المرصد السوري تقريرًا في يونيو الماضي يؤكد أن ما يُسمَّى بـ “غرفة عمليات أنقرة” طلبت من الفصائل التي تُجنِّد المرتزقة في شمال سوريا 300 مقاتل من كل فصيل مقابل مبالغ مالية كبيرة قد تصل إلى 5 آلاف دولار شهريًّا لكل مقاتل، لدعم حركة الإصلاح في اليمن؛ في حين نشرت وكالة الأناضول خبرًا بعنوان “أسوة بالصومال وليبيا.. ندوة تدعو لخطوات تركية فعَّالة باليمن”، وتضمن ما يكشف نوايا أنقرة بالتدخل في اليمن، حيث جاء في الخبر: “أجمع دبلوماسي تركي وخبير يمني، على حاجة اليمن إلى أصدقاء حقيقيين لحل مشاكله، أسوةً بما يحدث في كلٍّ من ليبيا والصومال من تعاون بين تركيا وحكومتي البلدين العربيين”، وكذلك جاء في الخبر إشارة إلى مداخلة أحد المشاركين في الندوة: “في الصومال وليبيا، دعت أطراف معنية تركيا (إلى تقديم المساعدة)، لكن في اليمن حاليًّا لا يوجد طرف له قراره، والحكومة الشرعية تحت تأثير ضغط، وهي خارج اليمن، والدور التركي راسخ في وجدان الشعب اليمني وإنْ لم يكن ظاهرا”، ولا شك أن أيَّ تطورات من هذا النوع هي مؤشرات لاصطدامات محتملة في المنطقة، وبحاجة إلى تسليط الضوء على هذه التدخلات التركية السافرة في شؤون دول المنطقة وتهديد أمنها واستقرارها.

تعقيب حول التوصيات:

  • لم تتطرق التوصيات إلى كيفية مواجهة التحركات التركية العسكرية في المنطقة (استخدام القوة الصلبة).
  • التعقيب الثاني: أ. علي الحارثي

لقد تتبَّع د. سلطان في الورقة الرئيسة الوقائعَ التاريخية منذ رحيل الحكم العثماني عن البلاد العربية ١٩١٨هـ إلى بروز العثمانيين الجُدد المرتبط بصعود حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان وحكومته وحزبه، وتغيير نظام الحكم من نظام برلماني إلى نظام رئاسي يطمح أردوغان من خلاله أن يكون خليفةَ المسلمين السنة المنتظر، وإعادة الخلافة العثمانية على ممالكها القديمة، مستخدمين وسائل القوة الناعمة بأنواعها المختلفة التي آتت أُكلها إلى درجة اطمئنانها إلى استخدام القوة الصلبة بعد اندلاع ثورات الربيع العربي 2011م، التي أفصحوا عنها بأنها الفرصة التي يجب اغتنامها للتدخل في شؤون العالم العربي وتحقيق حُلم السيطرة على العرب، متخذين من مناصرة جماعة الإخوان المسلمين سبيلًا لوصولهم إلى السلطة في كثير من الدول العربية وخاصةً مصر، والسعي الحثيث إلى التواجد في مناطق الصراعات العربية والإفريقية الموالية للدول العربية الإفريقية المطلة على البحر الأحمر والمحيط الأطلسي؛ كلُّ ذلك داخل في عِداد تطويق الخليج العربي ومصر.

ها هي قد مدَّت نفوذها العسكري والأمني، وزرعت قواعدها واتفاقياتها الأمنية والعسكرية والجيوسياسية والاقتصادية مع كثير من دول الشرق الأوسط (قطر، الصومال، ليبيا، إثيوبيا، الجزائر، تنزانيا، أوغندا، السودان وغيرها، واحتلت جزءًا من الشمال والشمال الشرقي لسوريا، وبعض أراضي الشمال العراقي بحجة محاربة الحزب الكردي التركي بتواطؤ أمريكي، وبدأت تشكيل ميليشيا في اليمن من خلال القاعدة وفلسطين مع حماس وليبيا مع حكومة الوفاق التي تعود أصول قادتها إلى تركيا، وكذلك تونس من خلال حزب النهضة، راغبةً وساعيةً إلى تطويق مصر ودول الخليج من جهات متعددة بمرتزقة وميليشيات وأحزاب داعشية، كما فعلت إيران من تكوين حشود شعبية وأحزاب في العراق وسوريا واليمن ولبنان، ولا ننسى الخلايا النائمة في دول الخليج ومصر، وتأثر بعض المؤدلجين وثبج العامة بالأنموذج التركي الذي للأسف كانت ولا تزال تبثُّه بعض القنوات العربية، وبالذات الخليجية.

بعد فشل حكم الإخوان في مصر وتونس، تبنَّت تركيا الأردوغانية توظيفَ جماعات الإرهاب وداعش الإرهابية ودعمها في سوريا والعراق وتوثيق العلاقة بهما، واضعةً في الاعتبار تجنيدهم في النهاية ضد مصر ودول الخليج.

إلى كل ما سبق، وما أوضحه د. سلطان من نزعات استعمارية جديدة تمارسها تركيا تجاه العالم العربي، وبالأخص تجاه مصر ودول الخليج باستثناء ربيبتها قطر، التي أصبحت في حكم المستعمرة سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا لتركيا؛ نضيف نقاطًا جوهرية أغرت تركيا وإيران وغيرهما للتدخل في شؤون الأمة العربية لتقسيمها واقتسام السيطرة عليها، وهي:

  • التمزُّق والضعف العربي السياسي والديني والطائفي والعسكري والاقتصادي الذي أخضعها للقوى العالمية الكبرى، وقبول تدخل هذه الدول في شؤونها الداخلية؛ مما حقَّق فرصًا جليلة لسيطرة أعدائهم الإقليميين.
  • الفوضى الخلَّاقة التي أشعلت فتيلتها أمريكا، وأفسحت الطريق لإيران وتركيا لتقوم بدور حصان طروادة تمزيقًا وتدميرًا واستعمارًا.
  • استثمار إيران وتركيا لثورات الربيع العربي لتحريك الإسلام السياسي والطائفي في الوطن العربي بثوب ثيوقراطي اقتداءً بنموذجيهما: الفكر الإخواني السُّني، والفكر الصفوي الشيعي.
  • الذهاب إلى أبعد من ذلك. التعاون فيما بينهما للتدخل في شؤون العالم العربي وتقاسم النفوذ فيه، تُوِّجَ بإنشاء مجلس التعاون التركي الإيراني، يترأسه رئيسا الدولتين، وإشراك قطر في التعاون معهما رغم العداء التاريخي الديني والخيانات الصفوية والطعن في الظهر للخلافة العثمانية والإسلام السُّني العريض، وحتى مساعدة الحزب العمالي التركي ضد تركيا في العصر الحديث.
  • من الغريب المخجل أن كليهما يُنفِّذ أجندته وأيديولوجيته ونفوذه بأيدٍ عربية قلما يُقال في حقها أيدٍ عميلة وخائنة؛ حزب الله والحوثي والحشد الشعبي العراقي لإيران، وداعش والقاعدة والنصرة والإخوان لتركيا، إضافةً إلى خلاياهما النائمة الخائنة في البلدان العربية.
  • الدور اللوجستي والمالي والإعلامي القطري لمصلحة تركيا، وإيهام الأب الوالد (حمد آل خليفة) بدور في الخلافة المزعومة، ولولا هذا الدعم القطري وبالذات المالي والخلافات العربية، لما استطاعت تركيا أن تقوم بما تقوم به الآن سياسيًّا وعسكريًّا وعقائديًّا في سوريا وليبيا والعراق والصومال وباقي دول المنطقة وبتواطؤ أمريكي.
  • الدور الأمريكي المتباين المتناقض الذي يُمارس مع كلِّ الأطراف في المنطقة، سواء أكان مع الحلفاء (دول الخليج وتركيا ومصر والعراق وغيرها) أو مع ما تدِّعي أمريكا أنهم أعداء (إيران وروسيا وغيرها). مكَّن أوباما وحزبه إيران من السيطرة على العراق وسوريا ولبنان ودعم الحوثيين في اليمن حتى أصبح من الصعب خروجها أو إخراجها منها، وكادوا يُمكِّنون الإخوان في مصر كما ذكرت هيلاري كلنتون وزيرة الخارجية في مذكراتها، وإدارة ترامب وحكومته وحزبه تركت تركيا تلعب الدور في شمال وشمال شرق سوريا وشمال العراق مع روسيا وإيران؛ مما مكَّنها من التعامل مع الفصائل المتطرفة ودعمها، واستخدام مقاتليها كمرتزقة تدفع بهم للقتال في الصراعات العربية كما هو حاصل في ليبيا وشرق المتوسط وغيرها. إن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط غير موثوق بها مع الجميع؛ كل ذلك لمصلحة إسرائيل أولًا، ولمصالحها ثانيًا.

والسؤال الذي يتبادر للذهن هو: هل أمريكا تدفع أردوغان كما فعلت مع صدام لإقحامه في المشاكل في الداخل التركي كبلد مسلم سني، وفي الخارج وبالذات مع الدول العربية لتدمير تركيا والدول العربية التي لم يطلها الربيع العربي لاكتمال هدفها نَشْر الفوضى التدميرية في البلاد العربية السنية؟ أسئلة ورؤى كثيرة عمَّا يدور في الشرق الأوسط من سياسات وصراعات وتحوُّلات، آخرها تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل، والبعض الآخر قادم.

  • المداخلات حول القضية:
  • أبعاد التهديد التركي للأمن القومي:

أشار د. زياد الدريس إلى أن واقع منطقتنا الآنَ يكشف عن أن إيران تطوِّقنا بتصدير ثورتها في الدائرة المحيطة، وتركيا تهدِّدنا باسترجاع نفوذها العثماني، وإسرائيل العدو المزمن الذي ينتظر الفرصة السانحة لاسترجاع ما يُسمِّيه مُلك أجداده. السؤال الواقعي: هل نحن قادرون على مواجهة هذه التهديدات مجتمعةً في آنٍ واحد؟ وهل يُعقل أن نستهلك كلَّ مقدّراتنا في خَوْض حروب تتمدد، ثم نُبقي الفتات فقط (من ميزانية التسليح) للصرف على مشاريعنا التنموية؟ وهل اتفاقية دفاع مشترك مع دول الخليج كافية لمواجهة (العدوان الثلاثي الجديد)؟ والتصوُّر أن مواجهة التهديدات لا تكون دومًا بالحروب واستخدام القوى الخشنة، بل وأيضًا باستخدام دبلوماسية وثقافية ناعمة. فإذا كانت إيران تعَدُّ نفسَها، فيما مضى ومُجددًا، حاملةَ لواء الشيعة إزاء تركيا السنية، فإن السعودية هي حاملة لواء الإسلام بكل أطيافه، وينبغي أن يتم إلغاء مفعول أي ورقة مزايدة إيرانية أو تركية على الثقل الإسلامي للسعودية. لسنا في سبيل منافسة مع إيران أو مع تركيا على الإسلام، فنحن مهبط الإسلام وبيته العتيق. هذه ورقة قوة يجب ألا نتخلى عنها أو حتى نتراخى في حملها أمام العالم أجمع. وإذا كانت إسرائيل تتمظهر أمام الغرب بأنها حمامة السلام في المنطقة، فالسعودية هي التي قدَّمت أهم مبادرتَيْ سلام عربيتين منذ عقود، لكنَّ إسرائيل العدوانية لم تستجب لهما. والمقصد أن لدينا سُبلًا كثيرة للانتصار على خصومنا.

ومن جانبه، ذكر أ. فهد الأحمري أن الواعين يدركون الشعارات التي يُطلقها أردوغان لكسب تعاطف بعض المسلمين المغيبين عن الحقائق، وأغلبهم من العوام. هؤلاء العوام ليسوا على مستوى بلدنا أو منطقتنا، بل على مستوى العرب والمسلمين في أصقاع الأرض. وقد سمعنا هذا التمجيد، من قريب ومن بعيد، للنهج الأردوغاني البائس. المعضلة أن اجتراح البطولات الأردوغانية وقتية لا تبرح أن تفشل، ويعود أدراجه خائبًا كما حصل في قضايا آنية وغير آنية، ومنها – على سبيل المثال – قضية ليبيا والتنقيب في المتوسط، فضلًا عن التظاهر بدعمه للقضية الفلسطينية والفلسطينيين ومعاداة النظام الإسرائيلي، في حين أن إسرائيل هي المورد الرئيس للأسلحة لتركيا، ومع هذا لا يزال في نظر بعض السُّذَّج هو البطل الغضنفر.

ومن جانبه، يرى م. فاضل القرني أن إيران ونشاطاتها ضد العرب والخليج تحديدًا تستند على العملاء بشكل رئيسي؛ إلا أن التهديد التركي يعمل بكل الأدوات. وفي تصوُّره، فإن تصريح أردوغان الأخير يجب أن يكون أكثر من نقطة تاريخية لتحوُّل العرب من التشرذم إلى التعاون والتضامن (وليس بالضرورة الاتحاد؛ نظرًا لصعوبة أو شبه استحالة حدوثه). مرَّت المنطقة العربية وخاصةً دول الخليج بدروس مؤلمة، وخرجت منها بفضل الله ورعايته وأسباب دبلوماسية واقتصادية وتعاون عسكري في تحالفات، ولكن كل ذلك على مستوى رد الفعل؛ منها: الثورة الإيرانية ومشروع تقدير الثورة، وغزو العراق الكويت، والربيع العربي، والأسوأ العمل القطري المضاد لأمن الخليج والعرب. لذا، لا بد أن تُسمَّى الأمور بمسمياتها. والدول العربية وخاصةً دول الخليج هي هدف الولايات المتحدة بالتمزيق، وتشكيل الشرق الأوسط الجديد. والتناقضات الأمريكية تُوضِّح ذلك بجلاء (قوات تركية في قطر، القيادة المركزية في قطر، نشاطات إيران العسكرية والأمنية على الملاحة البحرية ومرور الطاقة، الضغوط الأمريكية بعقد اتفاقيات السلام مع إسرائيل… وغير ذلك)؛ كلُّ ذلك يُجسِّد ويُعمِّق أكثرَ لدى الغرب، إيران وتركيا بأن لا خيارات لدى العرب حتى لصنع موقف.

وتطرَّق أ. محمد الدندني إلى أسباب الوضع الحالي في علاقتنا بتركيا أو العثمانية الجديدة؛ وتتضمن – في رأيه – ما يلي:

  • الضعف الشديد في الجبهة الداخلية للدول العربية التي أصابها الربيع العربي، على نحو يُشجِّع كلَّ متربص للتدخل والاستفادة من هذا الخلل.
  • إهمال المشروع العربي أو الإقليمي احترامًا للقُطريين وليس القَطريين في وَضْع سياسات تحمي الدول العربية أمنيًّا وثقافيًّا وفكريًّا.
  • غياب مصر والتخلي عن دورها العربي الإقليمي وحتى الإفريقي منذ كامب ديفيد.
  • ترك العراق وحيدًا أثناء الحصار وقبل ٢٠٠٣، حيث كان من الممكن تدارك سقوط بغداد.
  • إهمال اليمن من ناحية ضمِّ اليمن لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. ليكون مجلس دول شبه الجزيرة العربية؛ حيث إنَّ مملكتنا الحبيبة أيضًا هي دولة تطل على الخليج العربي، ولكنها أيضًا تشمل الجزءَ الأعظم من جزيرة العرب.

وهناك – بالطبع – أسبابٌ أخرى لكن فيما يتعلق بعلاقة تنامي السياسة التركية بالملعب الدولي ومدى قبوله. تتمتع تركيا بأهمية موقع قريب من أوروبا وروسيا وعلاقاتها بآسيا الوسطى وجمهوريات القوقاز؛ لذا هي مهمة لأمريكا التي يبدو أنها تجنح بقوة لإيجاد وكلاء إقليميين يحمون مصالحها، والجائزة هي خروجها من دولة تابعة إلى دولة حليفة. فآخر المهام هو تشجيع أذربيجان لفَتْح ملف أرمينيا، والذي يحظى بتأييد واشنطن، ولأسباب الطاقة والغاز وخطوط الأنابيب كما هو معروف. لذا، فإن تركيا تتبنى أو شريكة في مشروع دولي لزعزعة المنطقة العربية، ولربما يأتيها الدور بعد تنفيذ هذه المرحلة.

وأشار د. علي الطخيس إلى أن إسرائيل لا تريد للدول العربية أن تعيش بهدوء وسلام، ولن تسمح لها بتعزيز وتقوية قدراتها اقتصاديًّا وعسكريًّا. وإسرائيل تراقب الوضعَ بين تركيا والدول العربية، ولو حصل – لا قدَّر الله – مواجهة عسكرية بين تركيا وبعض الدول العربية، فإنها ستساند تركيا لوجستيًّا، وربما عسكريًّا.

وأشارت د. مها العيدان إلى أنه وبالرغم من الأحداث التاريخية المتتابعة منذ الحرب العالمية الأولى إلى الغزو العراقي للكويت، والتي تظُهر لنا تركيا كعدو لدول الشرق الأوسط؛ فإن مناهجنا التعليمية كانت تصفُ الاستعمارَ التركي بالحكم العثماني، رافضةً كلمة استعمار، فمَن هو المسؤول عن خَلْق هذه الفكرة لأبنائنا على مختلف الأجيال؟ وكيف لم ندرك مبكرًا هذا النوع من العلاقة، ونعَدُّ العُدة التي أصبحت خارج استطاعتنا مع تمزُّق العالم العربي ووجود الخونة الذين استفادت منهم تركيا، وطبَّقت نظريتها التي تصف فيه العرب بالخونة. إن الامتناع عن السياحة في تركيا لا يمكن تحقيق نتائجه خاصةً مع تملُّك كثير من الخليجيين في مدن تركيا، بالإضافة إلى عدم توفُّر بيئة سياحية عربية بديلة عن تركيا في كافة أوجه احتياجات السائح.

  • آليات التعامل المقترحة مع التهديد التركي للأمن القومي:

يرى م. خالد العثمان أن هناك قصورًا في المملكة في جانب تنظيم الاستثمارات السعودية في الخارج، والوقوع في فخ استقطاب تركيا للاستثمارات السعودية هو نتيجة غياب هذا الجانب لدينا. ناهيك عن واقع الكثير من التدليس المبني على جهالة المستثمرين حول تشريعات التملُّك والاستثمار، وغير ذلك. لا يوجد على أرض الواقع حماية قانونية ولا إرشاد توعوي للمستثمرين خصوصًا الأفراد منهم. كما أن غياب هذا التنظيم والحراك الجماعي للأموال الاستثمارية السعودية هناك يُفقدها تدعيم الموقف الاقتصادي التفاوضي الضاغط على السياسات التركية العدائية. هم ينظرون إلينا كفريسة وغنيمة، وليس كمكسب. هذا ما يجب علينا العمل على تغييره في الجانب الاستثماري والسياحي. ومن وجهة أخرى، من المهم تشجيع تنمية العلاقات الاستثمارية والسياحية مع دول يمكن أن تكون بدائل مناسبة عن تركيا، مثل البوسنة والهرسك وبقية دول البلقان وكذلك قبرص واليونان وجورجيا وغير ذلك، مع السعي لدراسة تنظيم وتوجيه ومأسسة الاستثمار السعودي في الخارج لتحجيم المخاطر ورَفْع كفاءة الاستثمار وتوظيفه كأداة ضغط لتقوية الموقف التفاوضي للدولة.

وأشار د. عبد العزيز الحرقان إلى أن منهج المملكة في التعامل مع الدول هو منهج يُغلِّب المصلحة العامة، ويعتمد بناء جسور الصداقة؛ وبغض النظر عن الخلاف مع تركيا، فإن فرصة التصالح ونسيان الماضي ممكنة، ولكن يجب أن تعمل المملكة كقائدة للفكر الإسلامي، وأن تستثمر خريجي جامعاتها خاصة الإسلامية في بناء جسور من التواصل الثقافي، وأن تستمر في بناء قواها العسكرية بتنمية التقنيات المحلية.

وتساءل أ. جمال ملائكة: هل من الممكن عمل اتفاقيات “دفاع مشتركة” بين دول مثل السعودية ومصر والإمارات والبحرين؟ ومن ناحيته، أوضح أ. خالد طاشكندي أنه توجد اتفاقية خليجية للدفاع المشترك، مضى عليها قرابة ٢٠ عامًا، لا شك أن الظروف الإقليمية باتت تتطلب اتفاقيات وتحالفات أمنية من هذا النوع. ما نضح به الإناء الإقليمي من فوضى واختلالات أمنية خلال العقد الأخير، كان نتيجة لاختلال مربع القوى الأساسية التي نشأت في المنطقة منذ اندلاع أحداث احتلال فلسطين (مصر + تركيا + إيران +إسرائيل)، حيث تسبَّب تراجع الدور المصري الذي يعَدُّ حجر الزاوية في الأمن العربي الإقليمي، في أن نقف وجهًا لوجه (بشكل مباشر) مع الأطراف الأخرى في ميزان القوى الإقليمية، وهذا الدور بات يتطلب تكتلات وتحالفات أمنية جديدة، ومنها محور دول الرباعي العربي (السعودية ومصر والبحرين والإمارات). الشيء البارز الآن هو التهديدات التركية، وهو محور نقاش في غاية الأهمية في ظلِّ التحولات الراديكالية الحادة في الجانب التركي.

ويرى د. راشد العبد الكريم أن التاريخ مؤثر، لكن يجب عدم الاقتصار عليه في تقويم الأوضاع والمواقف. تركيا لها موقف قديم (ووجودي) مع الدولة السعودية، وتركيا الصوفية الخرافية لها موقف مع دعوة التوحيد. وهذه المواقف يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار. والتصوُّر أنه يجب التعامل مع الموقف من منطلقين: مصلحي ومبدئي؛ بمعنى أن نقارب الموضوع من منطلق المصلحة (السياسية) الراهنة، وفي الوقت نفسه لا نغفل المنطلق المبدئي، بوصف تركيا دولة إسلامية ولها ثقلها في المنطقة، قد تتغير نظرتنا لها (وموقفنا منها) بتغير الحزب الحاكم أو تغيُّر توجهاته. كذلك من المهم التفريق بين تصرفات تركيا التي تمثِّل تحقيق مصالح تركيا المشروعة، والتصرفات التي يُقصد بها الإضرار بالمملكة العربية السعودية بشكل مباشر أو غير مباشر. فكما هو معلوم، من حق أي دولة – تركيا وغيرها – أن تسعى في الأرض بما يُحقِّق مصلحتها؛ لكن الذي يهمنا هو عندما يتقاطع هذا السعي من مصالح المملكة أو يؤدي للإضرار بها. كما يجب التفريق بين الإضرار المقصود بمصالحنا والإضرار بمصالح حلفائنا الذي قد لا يُشكِّل ضررًا مباشرًا على مصالحنا. هذه القضايا المتشابكة مهمة في تحديد (حجم) و(نوع) التهديد التركي للأمن القومي، والقول الفصل فيه للسياسيين والمطلعين على حقائق الأمور. ومن الخطأ أن يتم الحكم فيه بناء على تقارير إخبارية. أما كيفية مقاومته، فيمكن من خلال التقدير الصحيح لحجم التهديد، وبناءً عليه يتم وضع إستراتيجية تشمل مشروعات قصيرة المدى وأخرى بعيدة المدى، للتعامل مع كلِّ بُعد من أبعاد التهديد بما يناسبه. وتكون هذه الإستراتيجية ذات أبعاد متعددة؛ سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية، داخلية وخارجية. والمقصود بالداخلية ألا تغفل الداخل التركي. كما يجب أن تأخذ هذه الإستراتيجية بعين الاعتبار استمرار هذا التوجه الأوردوجاني أو قيام حكومة أخرى قد تختلف أو تتفق معه. يجب ألا يكون تخطيطنا فقط للمرحلة الأردوجانية. وعلى المستوى الشعبي، ليس لدينا إلا عاملان: السياحة والبضائع التركية. مقاطعة السياحة والبضائع التركية عامل مؤثر في إضعاف الاقتصاد التركي من جهة، وعامل ضغط شعبي عليها من جهة أخرى. لكن يجب أن يُتعامل معه بحكمة، يجب أن يشعر المواطن والتاجر التركي أن حكومته هي السبب، وأن ما حدث من مقاطعة إنما هو ردة فعل على تصرفات حكومته وسياستها. ويجب ألا نستعدي الشعب علينا، فيقف مع حكومته، ويبحث عن منافذ أخرى لتعويض مصادر المقاطعة، وربما تكون منافذ أكثر ربحيةً له، فتنقلب مقاطعتنا لغير صالحنا. نحن الآن في مقاطعة مع قطر، وفي حرب مع اليمن، وحرب غير مُعلَنة مع إيران. فهل نحن جاهزون لدخول مقاطعة مع تركيا؟ ويجب عدم الاعتماد على الصخب الإعلامي، والانتصارات الصحفية. تركيا (وجميع خصومنا) يعملون بإستراتيجيات ثابتة وبعيدة المدى، لا ينفع معها ردود الأفعال، والتعاطي الإعلامي الارتجالي.

ويرى أ. فهد الأحمري أن السؤال المهم في هذه المرحلة هو: كيف يتم توعية الرأي العام المحلي والعربي والإسلامي نحو سياسات وأكاذيب السيد أردوغان وحزبه وإعلامه؟ ربما قضية توعية الرأي العام قد تكون من أهم القضايا؛ لكون الدوائر السياسية والعسكرية والثقافية تدرك تلك الخطورة المحدقة بنا، وتدرك الشعارات المزيفة من أردوغان وغيره، الذين ينهجون نفس الفكر المؤدلج.

وفي تصوُّر م. فاضل القرني، فإن التحالف العربي ليس خيارًا من الخيارات؛ بل هو حاجة مُلِحة ومصير. كبداية وبجهود دبلوماسية، سيتمدد وينضم إليه دول أخرى وقد تكون إسلامية (وهنا لا بد أن تكون باكستان دولة عمق لذلك التحالف حتى لو سياسيًّا قابل للتطور. ولا ننسى أن المملكة ودول الخليج مُؤسِّسة التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، ومركزه في الرياض، وبالإمكان تطويره وإنْ كانت تركيا جزءًا منه). والتحالف ليس سياسيًّا وعسكريًّا، بل إعلاميًّا وتاريخيًّا وإسلاميًّا (آن الأوان لتوحيد وجهة النظر في الرؤية والفكر الإسلامي بين مؤسسات الدول العربية الإسلامية ومثال الأزهر وجامعة الإمام والجامعة الإسلامية، لتوسيع التسامح والاستيعاب الإسلامي لكل أطيافه). لا بد من توحيد سياسية إعلامية لكشف التاريخ التركي، بالوثائق التاريخية، في مواد إعلامية وثائقية وندوات ومنتديات وليس بالطريقة الإعلامية الضحلة، والتي ميدانها وسائل التواصل التي تفتقر إلى الإقناع، ولا بد من توحيد دبلوماسية عامة للتعامل مع التهديد، وجولات مكوكية إقليمية (وخاصةً في إفريقيا والدول المؤثرة والمطلة على الممرات المائية الإستراتيجية) وعالمية لتجميع الدعم وإيضاح التهديد بالحقائق والأرقام وليس الاتهامات.

في حين يرى م. إبراهيم ناظر أنه لا بد أن نُفرِّق بين التهديد والصراع المبني على المصالح الاقتصادية أو الأبعاد الجيوسياسية التي يمكن التفاوض بشأنها والوصول إلى حلول وسط أو تهدئة، ولكن التهديد الأخطر الذي يواجه أمننا القومي هو التهديد الأيديولوجي الفاشي من أنظمة الجوار العربي (إيران وتركيا وإسرائيل) حسب ما ذكر مأمون فندي في مقال بالشرق الأوسط بتاريخ 20 يوليو 2020م، رقم العدد [15210]، قال فيه: (وأبدأ حديثي بالسؤال البديهي، ترى ما الذي يجمع هذه الدول المختلفة أيديولوجيًّا وعرقيًّا، المتباينة اقتصاديًّا وسياسيًّا، ويدفعها دفعًا إلى العدوان على الأراضي العربية؟ أعتقد أن تحديد ما يجمع هذه الدول هو بداية جيدة قبل الحديث عن الأمن الإقليمي. وهنا أدعي – متحملًا تبعات هذا الادعاء – أن الجوار غير العربي هو جوار فاشي بالأساس، وتلك الفاشية هي الأيديولوجيا التي تجمع كلًا من إسرائيل وإيران وتركيا، ورؤية هذه الدول لكلِّ ما هو عربي، أرضًا وثقافة. وأنا هنا على استعداد لأَخْذ هذا الادعاء إلى نهايته المنطقية، مع مَن يدَّعون غير ذلك من عقلاء هذا الجوار.

الفاشية هي أيديولوجيا ترجع أصولها الفكرية إلى القرن التاسع عشر، ولكنها تجلَّت سياسيًّا في بدايات القرن العشرين، خصوصًا في ألمانيا هتلر وإيطاليا موسوليني. والفاشية في تعريفها المُبسَّط هي زواج بين العنصرية والوطنية الشيفونية (racism and nationalism). وهذا الزواج هو الذي حدَّد هوية ألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية، ومعهما اليابان في فترة ما قبل الحربين. وعندما أدعي هذا، فأنا مُدرِكٌ تمامًا لحساسية هذا الادِّعاء بالنسبة لمَن تجرَّعوا أقسى درجات العنف من النازية الألمانية).

حقيقةً هذا هو التهديد الخطير الذي يُحيط بمنطقتنا حاليًّا، وليس بمقدورنا وَقْفه إلا بالتحالف مع الدول القوية، مثل أمريكا وبعض الدول الأوروبية كبريطانيا وفرنسا ودول الخليجية التي لنا معها تحالف قديم منذ البدايات، وكان لها دور في حماية أمننا من كل أنواع التهديد التي تعرضت لها الدول الخليجية، وأهدافها اقتصادية بحتة، والمصالح بين الدول أمرٌ طبيعي no free lunch، وهذا لا يمنعنا من استخدام بقية أنواع القوة الناعمة والصلبة التي نمتلكها؛ لكنها لن تكون كافيةً، ولا بد من تحالفات إستراتيجية مع حلفائنا بالأمس.

أما د. حامد الشراري فاقترح الآليات التالية لمواجهة التهديدات التركية المعاصرة للأمن القومي:

  • إن المملكة تملك مقومًا لا تملكه تركيا وإيران، وهو الحرمان الشريفان (مكة والمدينة). ويمكن ضمن إستراتيجية وطنية طويلة المدى تأسيس مركز مماثل للأزهر، يكون مقرُّه مكة المكرمة، يستقطب أفضلَ العقول الإسلامية (مكة والمدينة ستكون أكبر حافز للاستقطاب لتلك العقول)، يضطلع به بسياسات يكون لها تأثيرها على البلاد الإسلامية.
  • المملكة هي الركيزة الرئيسية والأكثر تأثيرًا في منظمات ومؤسسات إسلامية مثل: منظمة التعاون، رابطة العالم الإسلامي، البنك الإسلامي… إلخ. والتصور أنها وُجِدت لتقوم بدور مشابه لما نُطالب فيه (القوة الناعمة)، أما آن الوقت لمراجعتها وتقييمها وإعادة النظر في دورها لتكون متوافقةً مع المتغيرات الإقليمية والعالمية!
  • تفعيل دور السينما والفضاء الإلكتروني (شبكات التواصل الاجتماعي، والإعلام الجديد، والقنوات الفضائية،… إلخ) كقوة ناعمة تُطلَق باللغات التركية والإيرانية والعبرية ضمن إستراتيجية طويلة المدى، تشترك فيها دول الخليج ومصر بوجه خاص.
  • وضع إستراتيجية تجارية واقتصادية وعسكرية طويلة المدى، أيضا، تشترك فيها دول الخليج ومصر بوجه خاص.

وأكدت د. الجازي الشبيكي على أهمية تكثيف تنظيم الملتقيات التعريفية للشباب والشابات في الجامعات بحقيقة مواقف وتوجُّهات الأنظمة المعادية وخاصة المواقف التركية والإيرانية؛ لإيضاح الحقائق لهم بكل شفافية بدون التحسُّس “غير المبرَّر” الحاصل الآن من الحديث أو التطرق للأمور السياسية في جامعاتنا وملتقياتنا الحوارية وندواتنا. الشباب يُشكِّلون النسبة الكبرى من حجم السكان في بلادنا، ويُمنَعون في الغالب من التطرُّق للمواضيع السياسية التي يتركز الخوض فيها في الغالب على الكبار والمتخصصين؛ لذا تستند معلوماتهم على المصادر السريعة غير الدقيقة.

  • التوصيات:
  • إعداد بيان عربي من الجامعة العربية لرفض ما أشار به الرئيس التركي، بل وطلب التفسير. ويُوضِّح الفهم العربي لذلك، والرد على كل ما يُستنتَج منه ردًّا مدعومًا تاريخيًّا وسياسيًّا، وكأعضاء في منظمات دولية.
  • إبرام اتفاقية دفاع مشترك من دول عربية ذات مصالح مشتركة، مرتكزها دول الخليج ومصر.
  • تبنِّي أساليب قانونية وفعَّالة لمقاطعة اقتصادية كاملة أو كبديل تقليلها لمستويات متدنية جدًّا.
  • تقدير الموقف الإستراتيجي في اليمن، والعمل على مَنْع أي مشاركة أو تدخل تركي بكل الوسائل السياسية والدبلوماسية وغيرها مع الدول الكبرى والأمم المتحدة وفق القرارات الدولية.
  • النظر بالتنسيق مع بعض الدول الحليفة لتقليص العلاقات الدبلوماسية إلى أدنى مستوى.
  • تفعيل العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول مثل اليونان وقبرص وأرمينيا.
  • تخطيط لسياسة إعلامية عربية تضامنية؛ لمقاومة التهديد التركي، ورَأْب وحماية الجبهة الداخلية بحقائق تاريخية وعرقية، بعيدة عن أساليب وتأثير مشاهير التواصل الاجتماعي، بالصور والحقائق والأرقام والفيديوهات التاريخية.
  • الاهتمام بالأبحاث والدراسات لدراسة الحالة والمجتمع والسياسة التركية والأحزاب هناك للاستفادة منها.
  • تشجيع تنمية العلاقات الاستثمارية والسياحية مع دول يمكن أن تكون بدائل مناسبة عن تركيا، مثل البوسنة والهرسك وبقية دول البلقان وكذلك قبرص واليونان وجورجيا وغير ذلك.
  • السعي لدراسة تنظيم وتوجيه ومأسسة الاستثمار السعودي في الخارج؛ لتحجيم المخاطر، ورفع كفاءة الاستثمار وتوظيفه كأداة ضغط لتقوية الموقف التفاوضي للدولة.

 


القضية الثانية

السينما: صناعة المستقبل والقوة الناعمة

(11/10/2020م)

 

  • الورقة الرئيسة: أ. أيمن جمال (ضيف الملتقى) [41]
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. فهد اليحيا
  • التعقيب الثاني: أ. هنا العمير (ضيف الملتقى) [42]
  • إدارة الحوار: م. فاضل القرني

 

  • الملخص التنفيذي:

تطرَّق أ. أيمن جمال في الورقة الرئيسة إلى صناعة السينما وأهمية فهمها واستيعابها كرافد ثقافي واقتصادي وسياحي واستثماري، وما يصاحبها من خَلْق وظائف. كما أكَّد على حاجة صناعة السينما إلى الدعم الضروري (المعنوي والمادي) من الدولة والقطاع الخاص وكذا من المجتمع؛ وبما من شأنه أن يجعل عوائدها إيجابيةً على الناتج المحلي الإجمالي وفي الاستدامة للتنمية. وتضمَّنت الورقة كذلك إشارة للقيود التي تعيق تقدُّم صناعة السينما والحلول المقترحة بخصوصها.

وأورد د. فهد اليحيا في التعقيب الأول إطارًا شاملًا عن دور وحيوية السينما في الثقافة، وتقديم الصورة الحقيقية بطريقة تعكس واقع المجتمع، بدون المبالغة في المثالية والخصوصية التي تشكَّلت بسبب ظروف زمنية (الصحوة)، والتي رسَّخت تلك الصورة. في وقت أن دولًا أخرى نشرت ثقافتها من خلال صناعة أفلامها، وتوظيفها كقوة ناعمة مؤثرة في تحسين الصورة عن مجتمعاتها. واشتمل التعقيب كذلك على اقتراحات ضمنية لإنجاح صناعة الأفلام والسينما.

بينما أكدت أ. هنا العمير في التعقيب الثاني على أهمية دعم وتطوير صناعة الأفلام؛ لما لها من أهمية على العائد الاقتصادي، مستعينةً بالتجربة الكورية منذ عام ١٩٧٣ وحتى عصرنا الحالي، مرورًا بفترة كانت متعثرة حتى وصول القيادة برؤية مختلفة؛ ما أدَّى لنَقْل تلك الصناعة إلى آفاق وعوائد اقتصادية مؤثرة في الاقتصاد الكوري.

وتضمَّنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

  • أهمية صناعة السينما وواقعها في المملكة.
  • تحديات تطوير صناعة السينما السعودية.
  • وسائل تطوير صناعة السينما والإفادة منها كقوة ناعمة.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • تنظيم قنوات تمويلية متعددة للإنتاج السينمائي.
  • التنسيق مع دور السينما في المملكة لمَنْح الإنتاج السعودي شروطًا تفضيلية عند العرض.
  • قيام وزارة الثقافة بإعداد دراسات جدوى لبعض الأفلام وتوزيعها مجانًا للمنتجين، وكذلك سيناريوهات مبدئية.
  • الورقة الرئيسة: أ. أيمن جمال (ضيف الملتقى)

لا يزال البعض ينظر للأفلام على أنها رفاهية وفن مجرد! وأنها هواية لا بأس أن ندعمها إعلاميًّا، أو بالكثير نقوم ببعض المسابقات للهواة ونختار عددًا من الفائزين ونُكرِّمهم بمكافأة مادية لإنتاج وتصوير أفلامهم، ومن ثَمَّ نحتفل معهم بعَرْض الفيلم، وكأن عرض الفيلم هو النتيجة النهائية!

وهذا هو الوضع الحالي في السعودية.. فالجهات الداعمة للأفلام حاليًّا تدعمها كجزء من المسؤولية الاجتماعية كما تقوم به جهات مثل إثراء أرامكو، أو كمسابقات كما تقوم به وزارة الثقافة. فكرة أن الأفلام صناعة اقتصادية وقوة ناعمة عالمية، هي فكرة تسويقية نستخدمها إعلاميًّا؛ لكن على أرض الواقع حتى الآن هي نظرية لم تُطبَّق.

وإذا استوعبت مقولة أورسن ويلز Orson Welles الكاتب والمخرج الأمريكي الراحل: الكاتب يحتاج لقلم، والرسام يحتاج لفرشاة… لكن صانع الفيلم يحتاج لجيش!

فعلًا، قليلون الذين يعرفون كم عدد الموظفين الذين يعملون لإنتاج فيلم واحد، وعدد الأنشطة التي تدخل في إنتاج فيلم واحد! فمثلًا، فيلم بلال عمل عليه 327 موظفًا! وفي بعض الأفلام في هوليوود، يصل الموظفون الذين يعملون في فيلم واحد من أفلام مارفل لأكثر من 3000 شخص، وفيلم واحد يُحرِّك أكثر من 85 نشاطًا اقتصاديًّا تقريبًا؛ فالنجار يشتغل لبناء موقع التصوير، ومتخصصو المكياج للممثلين، ومتعهدو التغذية لإطعام فريق العمل، ومواقع عقارية يتم تأجيرها، ومعدات سلامة ورجال أمن وشركات التأمين، ومصممو الملابس وفريق الخياطة والديكور الداخلي وغيرها كثير من الأنشطة غير المباشرة، ناهيك طبعًا عن الأنشطة المباشرة من مصورين وممثلين ومديري إضاءة، وأستوديوهات صوت ومؤثرات بصرية، وغيرها الكثير.

كما في العنوان، فإن اسمها صناعة الأفلام، والقائمون عليها يسمونهم صنَّاع الأفلام. ومن هذا المنطلق، سأطرح بعض الحقائق والأرقام لهذه الصناعة وأثرها.

  • صناعة الأفلام والدراما في الولايات المتحدة تخلق أكثر من 2.5 مليون وظيفة في السنة، وتدفع أكثر من 180 بليون دولار رواتب ومميزات.
  • صناعة الأفلام في الولايات المتحدة تدعم أعمالًا غير مباشرة سنويًّا لأكثر من 280 ألف شركة بمبلغ يقارب 50 بليون دولار.
  • في كندا، صناعة الأفلام تُوفِّر 179 ألف وظيفة دائمة سنويًّا.
  • كما أن كندا تجذب 5.6 بلايين دولار استثمارات أجنبية.
  • أستراليا (عدد سكانها 25 مليونًا)، وحققت عائدًا من صناعة الأفلام عام 2018 يوازي 22.5 بليون دولار، وخَلْق 85 ألف وظيفة دائمة.

أما إذا أردنا أن نتحدث عن أثر صناعة الأفلام على السياحة والدخل القومي للدول، فإليكم بعض الأرقام:

  • سلسلة أفلام هاري بوتر زادت نسبة السياحة لمواقع تصوير الفيلم بنسبة 50%، وفي بعض المواقع مثل القصر زادت السياحة بنسبة 200%.
  • فيلم الأنيميشن Frozen زاد السياحة للنرويج 37%.
  • فيلم Braveheart زاد السياحة لاسكتلندا بنسبة 300%.
  • فيلم Troy زاد السياحة في تركيا بنسبة 73%.
  • بسبب سلسلة أفلام lord of the ring، زادت السياحة لنيوزيلندا بنسبة 70%.

والأمثلة كثيرة جدًّا في هذا الصدد.

وهنا نطرح السؤال: ما سبب تأخُّر الإنتاجات العربية عن هذه الأدوات لتنشيط سياحتها ودخلها؟

أعتقد أننا بحاجة ماسَّة لمعرفة قواعد هذه الصناعة، وأن نعرف أن هيكلة تمويل هذه الصناعة ومساهمة عدة قطاعات في تطويرها وترويجها دوليًّا يجعل من الأهمية رسم ووَضْع نموذج جذب وإعطاء حوافز ومُحفِّزات لصنَّاع الأفلام، وأن نعيَ أن هذه الحوافز التي ستُمنح لصناع الأفلام ستعود على الاقتصاد بعوائد مباشرة وغير مباشرة بشكل كبير جدًّا، سواء في تشغيل العديد من الوظائف داخليًّا أو تحريك قطاع السياحة الذي سيُحرِّك معه كثيرًا من الأنشطة الأخرى.

يجب أن نعيَ أن كلَّ قوة اقتصادية في العالم تعتمد اليومَ على قوة الاقتصاد الإبداعي والابتكاري، وصناعة الأفلام والدراما مُحرِّك رئيسي لهذا الاقتصاد، وكلها تبدأ بقصة.

كذلك، ماليًّا ومحاسبيًّا للمستثمرين، الفيلم 80-90٪؜ من مصاريفه تُسجَّل كأصول (Assets) وليس مصاريف (Expenses)، فمثله مثل العقار يدرُّ عليك دخلًا سنويًّا، صحيحٌ يقلُّ الدخل بعد أول 3-5 سنوات، لكن يستمر الدخل. فمثلًا، فيلم مثل فيلم الرسالة للرائع مصطفى العقاد – رحمة الله عليه – بالإضافة إلى أثره المستمر لأكثر من 40 سنة، واستمرار عرضه على كثير من القنوات والمنصات؛ إلا أن ورثته لا يزالون يجنون دخلًا سنويًّا (Licensees) من عرض الفيلم على القنوات وبيعه على المنصات؛ وكل هذا لأن الفيلم أصل وليس مصروفًا لأنه ملكية فكرية!

لذا، يجب أن نتعامل مع الأفلام والمحتوى الإبداعي على أنه ملكية فكرية (أصول)، لو أحسنَّا تطويرها واستثمارها ستدرُّ على الاقتصاد دخلًا جديدًا، وستجذب كثيرًا من الاستثمارات الخارجية لمواقعنا واستثماراتنا السياحية.

أستطيعُ أن أجزمَ أن لدينا كثيرًا من القصص والمواقع التي تعتبر ملكية فكرية عامة يجب استثمارها وإنتاجها، لتصبح ملكية فكرية خاصة تعود بالنفع على اقتصادنا بشكل مباشر.

إذًا، ما هي أبرز التحديات؟ والحلول المقترحة:

  • البيروقراطيات وتعدُّد الأجهزة الحكومية المسؤولة عن إنتاج عمل سينمائي: وزارة الإعلام، وزارة الثقافة، وزارة السياحة، وزارة الداخلية، وزارة التجارة، وأحيانًا الجمارك يكون لها دور!

الحل ببساطة: One Stop Shop، ويكون أونلاين لاستكمال كافة أوراق العمل وموافقاته دون الحاجة لمراجعة عدة جهات.

  • ‎لا يوجد تعليمات واضحة وصريحة للخطوط الحمراء في النصوص والأعمال السعودية؛ وبالتالي صانع الأفلام يقع تحت رحمة اللجنة المكوَّنة لعمله وخلفيتهم الثقافية والاجتماعية للموافقة على عمله!

الحل ببساطة: قائمة chick list يُوقِّع عليها المنتج قبل العمل، فيها اشتراطات الرقابة، وبالتالي تكون مؤشرًا عامًّا لإجازة العمل حتى لو بنسبة 80%، وتَبقى مساحة لمشاهدة العمل النهائي وإجازته؛ لكن هناك خطوط عريضة واضحة من البداية لما هو غير مسموح، وليس الخضوع لهوى لجنة المراقبة كما هو الحاصل حاليًّا.

  • ‎الهيكل التمويلي لهذه الصناعة يجب تطويره ودعمه مع القطاع الخاص والبنوك: وهذا ملف طويل يحتاج ورشة عمل خاصة به، لكن هناك حلٌّ سريعٌ وبسيط ومُطبَّق في كل الدول التي تدعم هذه الصناعة، وهو إعادة الضرائب للأعمال المحلية، وبالتالي الاقتراح المأمول: إعادة نسبة 25% التي تقتطعها وزارة الإعلام ممثَّلة في GCAM إلى المنتج السعودي للفيلم السعودي فقط، وهذا سيزيد أرباح الفيلم السعودي وجاذبية الاستثمار فيه من قِبل القطاع الخاص.

بالإضافة إلى توجيه القطاعات الخاصة الكبرى والشركات الإستراتيجية كسابك والخطوط السعودية وغيرها، والتي عندها ميزانيات للمسؤولية الاجتماعية أن تدعم صناعة الفيلم السعودي كإستراتيجية لدعم صناعة القوى الناعمة إقليميًّا وعالميًّا بدلًا من صرف ميزانيات أحيانًا تكون ضخمة في رعايات محلية، أثرها في كثير من الأحيان لا يتجاوز المدينة التي يُقام فيها الحدث أو الاحتفال.

فكثير من الشركات الأمريكية نرى وجودها بقوة في الأعمال الأمريكية Branded Entertainment كجزء من تصدير الثقافة والتجارة الأمريكية كــــ lifestyle. علمًا أن نيوزيلندا وكندا وبعض الولايات الأمريكية والدول الأوروبية تُعيد لي كصانع أفلام سعودي بين 30-40 % من ميزانية فيلمي، إذا صوَّرت وأنتجت فيلمي على أراضيها.

  • ‎أهم تحديات هذه الصناعة وقطاع التوزيع: نحتاج إلى ذراع توزيع للأفلام السعودية تكون شبه حكومية (ربما من خلال شراكة بين القطاع الحكومي والخاص) لدعم توزيع الفيلم السعودي إقليميًّا وعالميًّا؛ لأن التوزيع يحتاج إلى دعم، خاصة في مراحل التأسيس والانتشار.
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. فهد اليحيا

كان الناقد السينمائي “فرانسوا تروفو” شديد الهجاء للسينما التقليدية (مستثنيًا هتشكوك، وتشارلي تشابلن، وأورسن ويلز، وآخرين من أصحاب الأساليب السينمائية المتميزة)؛ مما حدا بمهرجان كان 1958 أن يمنع دخوله المهرجان.
حمو تروفو كان موزعًا سينمائيًّا، ولم تسلم أفلامه من نقد تروفو اللاذع، فأقرضه 100 ألف فرانك “ليُرينا شطارته”! من ناحية أخرى، كانت الحكومة الفرنسية قد بدأت من العام 1953 تقديم قروض ومساعدات للفيلم الفرنسي، بالإضافة إلى مساعدات مالية وخدمية من الأصدقاء؛ صنع تروفو أول أفلامه 400 ضربة (Les Quatre Cents Coups) عام 1959. وفاز بجائزة أفضل مخرج في مهرجان كان لذاك العام.

كاتب الورقة الرئيسة ذو تجربة كبيرة في فيلم “بلال” ذي الإنتاج الكبير، إذ شارك في السيناريو والحوار والإنتاج والإخراج! وهو فيلم تحريك ثلاثي الأبعاد، شارك فيه أكثر من 360 محترفًا ضمن فريق العمل من رسامين وممثلين عالميين من هوليوود وديزني. وتمت دبلجته بسبع لغات، وبدأ عرضه في صالات السينما يوم 8 سبتمبر 2016 في كلٍّ من الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر والكويت ولبنان والأردن وسلطنة عمان والعراق، ثم في بقية دول العالم. وكنتُ أتمنى لو ذكر الكاتب المردود المالي والمعنوي حيث أُتيحت فرصة كبيرة لعرض الفيلم جماهيريًّا في أنحاء العالم.

ذكرتني بداية الورقة بقصة “تروفو”! بالتأكيد، صُنَّاع السينما السعوديون يجدون صعوبةً في تمويل أعمالهم لترى النور! ولكن هناك بعض الأبواب فُتِحت لهم، مثل: إثراء أرامكو، ومسابقات وزارة الثقافة، ومهرجان البحر الأحمر الدولي؛ حيث حظي مؤخرًا مشروع الفيلم السعودي “شرشف” لهند الفهَّاد بمنحة الإنتاج السعودية، من معمل البحر الأحمر السينمائي بقيمة 500 ألف دولار.

مشكلة “تروفو” كانت التمويل فحسب، لكن مشكلة صنَّاع الأفلام عندنا أكثر تعقيدًا، إذ لم ننظر إلى السينما كصناعة حتى الآن!

مصر تحوي أكبر خبرة عربية في صناعة السينما! أول عرض تجاري سينمائي في العالم كان في فرنسا في ديسمبر 1895، وبعدها بأقل من شهرين تمَّ أول عرض سينمائي، وكان في الإسكندرية في يناير 1896. وفي ذلك العام ظهرت أول دار عرض سينمائية في مصر، وتوالى ظهور دور العرض في مصر. وفي عام 1918 تمَّ عرض أول فيلمين مصريين روائيين، وهما: “الأزهار الميتة” و”شرف البدوي”، وتوالت صناعة الأفلام السينمائية بجهود فردية متفاوتة حتى قام أبو الاقتصاد المصري الحديث “طلعت حرب” بإنشاء “أستوديو مصر” عام 1935، وكان هذا إيذانًا بميلاد صناعة السينما المصرية.

السينما السعودية سيئة الحظ، إذ بدأت بطريق معكوس! عروض الأفلام تُقام خارج الوطن، وتنال جوائز وتقريظًا ولا يشاهدها المواطن! لا توجد ثقافة سينمائية ولا صناعة سينما، كما كان في فرنسا.

ولا توجد ثقافة مشاهدة الأفلام في دور السينما، بينما في مصر – على سبيل المثال – كانت الطبقة المتوسطة تحرص على أن يكون ذهاب الأسرة إلى السينما مرةً في الأسبوع أو مرة في الشهر على الأقل! تأخرت السعودية في مواكبة العالم المتمدن حتى أتت رؤية 2030 في عهد “الملك سلمان” على يد ولي العهد “محمد بن سلمان”، لكن من الإنصاف أن نذكر أن عهد “الملك عبد الله” فتح الباب على مصراعيه للابتعاث لدراسة جوانب صناعة الفيلم حتى بلغ عددهم 5000 مبتعث في برنامج “الملك عبد الله” للابتعاث الخارجي. ومنذ عام تقريبًا، وفَّرت وزارة الثقافة الابتعاث الخارجي لمختلف الفنون، منها الفنون السينمائية.

لكي تنجح السينما السعودية لا بد من توفير عدة عوامل (أضعها دون ترتيب بحسب الأولوية؛ لأن وجهات النظر تختلف):

  • إقامة نواة لصناعة السينما: أستوديو كبير يعمل فيه كل العاملين في الإنتاج، ويحوي أرشيفًا للأفلام الوثائقية القديمة والحديثة وكلَّ أنواع الإكسسوارات.
  • تشجيع الإنتاج المشترك، أو حتى توفير المساندة اللوجستية فحسب؛ إذ توجد في بلادنا المترامية الأطراف مواقع لا تخطر على بال: صحارٍ وجبال وغابات وأودية سحيقة وجزر وسواحل، بل وأماكن مناسبة لسينما الخيال العلمي.. أراضٍ في كواكب أخرى مثلًا.
  • الاستعانة بكوادر عالمية وعربية. نعم، لدينا موهوبون ودارسون لكن تنقصهم الخبرة، وباحتكاكهم بهؤلاء سيكتسبون الكثير.
  • الإكثار من دور العرض السينمائية في المدن والقرى، وتشجيع الناس على الحضور، مثل: إعطاء جوائز للحضور باختيار قرعة برقم التذكرة، كما فعلنا في كرة القدم.
  • كتبتُ في تويتر أكثر من مرة مُخاطِبًا معالي “تركي آل الشيخ” عمل فيلم مستوحًى من رواية “حريملاء؛ قرية رغبة” للأديبة المصرية أسماء عواد، التي أمضت عقدين تقريبًا في السعودية، حيث يشارك فيه مصريون وسعوديون.

هناك أعمال أدبية ومذكرات لمصريين ومن دول الشام الجغرافي/ التاريخي، قضوا ردحًا من الزمن في السعودية، يمكن استيحاء عدد من الأعمال السينمائية منها؛ مما يضمن قبولًا عربيًّا لعرضها.

بل يمكن الطلب من الإخوة – من الخليج إلى المحيط – ممَّن قضوا ردحًا من الزمن في السعودية أن يكتبوا فكرة / نبذة عن حياتهم في السعودية، لتحويلها إلى قصة سينمائية؛ ومن ثَمَّ تأخذ طريقها لتكون فيلمًا! أو عمل مقابلة معهم لاستيحاء قصة فيلم جيد.

  • من حواراتي مع كثير الأقارب والأصدقاء من المتابعين للسينما – من غير المهتمين بصناعتها – وجدت عزوفًا غير منطقي (حتى هم لا يستطيعون تبريره!) عن مشاهدة الأفلام العربية (وأغلبيتها مصرية)؛ نظرًا لتأثُّرهم بهوليوود وتقنيات السينما الجديدة (وربما هناك عوامل نفس-اجتماعية لا مجالَ لذكرها). والرأي – في نظري – حركة نقدية (صادقة وموضوعية) تُركِّز على الأفلام العربية (بما فيها السعودية). فالتاريخ يعلِّمنا أن كلَّ مدرسة في الفن عمومًا، تكون مصحوبةً بحركة نقدية؛ و”الموجة الفرنسية الجديدة” (ترفو ورفاقه) خير مثال لذلك!
  • الرقابة وإجازة النصوص: أسطورة “الخصوصية السعودية” حدَّت كثيرًا من الإبداع والأعمال الفنية. وجاءت “الصحوة” لتكرس تقاليد كأسس دينية وثوابت؛ ومن جانب آخر، اتجاه إنكار أننا مجتمع بشري مثل أي مجتمع آخر، فيه الصالح والطالح، وأن هذا العمل لا يُمثِّل السعوديين أو السعودية (رواية بنات الرياض مثالًا)؛ وهو ما أدى إلى موقف زائف في اللاوعي الجمعي: أننا مجتمع ملائكي لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه! ولم يتساءل أحدٌ عن عدد المساجين والمُدانين والقضايا التي تزخر بها المحاكم؛ ولا تختلف نسبها كثيرًا عن النسب العالمية عمومًا!
  • صناعة السينما قوة ناعمة: بدأت المسلسلات التركية في جذب المشاهدين العرب بالدبلجة السورية بقصص حب ساذجة، ثم حريم السلطان، وأخيرًا أرطغرل جد بني عثمان!
  • تحدَّث أ. أيمن في الورقة الرئيسة عن دور السينما في جذب السياحة، ولكن أُضيفُ أن المكان بحد ذاته مهمٌّ حتى ولو لم يكن في الواقع! فيلم “المريض الإنجليزي” 1996، تمَّ تصويره في تونس على الرغم من أن معظم أحداثه تدور في مصر! وبعد عرض الفيلم زاد عدد السياح إلى تونس.

وختامًا، فإن صناعة السينما ضرورة لا ترف. ومن جانب آخر، أؤكد أن شرط الفن المتعة، وإلا تحوَّل إلى خطاب مباشر.

  • التعقيب الثاني: أ. هنا العمير (ضيف الملتقى)

تحدث أ. أيمن في الورقة الرئيسة عن العوائد الاقتصادية المهمة لصناعة الأفلام وقدرتها على جذب استثمارات خارجية والترويج السياحي لبلادنا. وأودُّ هنا الحديث عن تجربة كوريا الجنوبية لأنها إحدى التجارب الملهمة، ويمكن أن تعَدَّ نموذجًا لتطوير صناعة السينما في المملكة العربية السعودية.

كانت سينما كوريا الجنوبية تعاني من انخفاض حاد في الإنتاج، ولم تكن صناعة الأفلام رائجةً، كما لم تكن الأفلام الكورية معروفةً عالميًّا. مع قدوم كيم يونج سام للرئاسة عام 1993، بدأ التركيز على القطاعات الفنية والثقافية. وكان مجلس الأفلام الكوري قد أُنشِئ في عام 1973، ولكن تمَّت إعادة هيكلته عام 1999، ليُحقَّق منذ ذلك الوقت إنجازًا كبيرًا يستحق التأمل؛ فقد استحدث سياسات تطوير صناعة الأفلام الكورية، ووضع الهدف الرئيسي للمجلس دعم وترويج الأفلام الكورية؛ وذلك من خلال صناديق الدعم والأبحاث والتعليم والتدريب، والعمل على إنشاء أسواق عالمية للأفلام الكورية، والحرص على تواجد الفيلم الكوري عالميًّا.

ولذلك، فقد بدأ المجلس يقدِّم الدعم لصنَّاع الأفلام في مختلف المراحل: منذ بَدْء كتابة السيناريو وحتى المراحل الأخيرة من مونتاج الفيلم (أي في عمليات ما بعد الإنتاج)، ثم التوزيع والعرض.

أمثلة على طُرق دعم الصناعة:

  • إقامة مسابقة سيناريو الفيلم الطويل مرتين في السنة، بجائزة كبرى تبلغ (15,400 دولار)، وجائزتين بمبلغ (7,700 دولار). كما أن هناك جائزة خاصة لأفلام التحريك. وتُطبع السيناريوهات الفائزة في كتاب لاحقًا.
  • إنشاء صناديق تدعم السيناريوهات الطموحة بمبلغ (7,700 دولار) لتغطية نفقات تطوير النص (وهذه المنحة تُعطَى لما يقارب 14 سيناريو في السنة).
  • إنشاء صناديق خاصة لأفلام التحريك والأفلام ذات الميزانيات المنخفضة (Low Budget Films) وكذلك الأفلام الفنية (Art Films). فالأفلام الفنية يحقُّ لها مَنْح التمويل بـ (310,000 دولار) أو 30 في المئة من التكلفة الإجمالية للفيلم. أما الأفلام ذات الميزانيات المنخفضة، فيمكن أن يتم تمويلها بما يصل إلى 50 في المئة من تكلفتها. وهناك 3 أفلام فنية و4 أفلام منخفضة الميزانية يتم دعمها سنويًّا.
  • إنشاء صندوق تمويل للأفلام القصيرة.
  • إنشاء صندوق دعم خاص لعملية التوزيع، والذي تحصل عليه 4 أفلام سنويًّا.
  • صندوق دعم لأفلام الطلبة في مرحلة ما بعد الإنتاج يصل إلى 50 في المئة.
  • توفير قروض لمنتجي الأفلام الطويلة وأفلام التحريك، على أن يتم التسديد خلال سنتين.
  • إدخال صناعة الأفلام في مراحل التعليم المختلفة، وزيادة دور العرض.
  • فرض عرض الأفلام الكورية 73 يومًا في السنة على دور السينما.

والآن، لنرَ انعكاس هذه السياسات على الصناعة:

فقد ارتفع عدد الأفلام الكورية المنتجة من (95 فيلمًا) في عام 2000 إلى (80) فيلمًا في عام 2004 ثم إلى (110 أفلام) في عام 2006، ثم إلى (138 فيلمًا) في عام 2009، ليصل إلى (436 فيلمًا) في عام 2017، و(501 فيلم) في عام 2018.

كما ارتفعت الإيرادات من 170 مليون دولار في عام 2004 إلى 820 مليون دولار في عام 2019، وقد اجتذبت الأفلام الكورية في عام 2014 (107,7 ملايين) مشاهد إلى شباك التذاكر على مستوى كوريا كلها.

وقد تمكَّنت كوريا الجنوبية من أن تُحقِّق موجةً فنيةً قوية اجتاحت الصين واليابان، وهما دولتان أكبر بكثير منها، وأقوى على عدة مستويات، واستطاعت أن تنجح في أن تُصبح مؤثرة ثقافيًّا. وقد أصبحت الثقافة الكورية حاليًّا جاذبةً للمراهقين والشباب في آسيا وخارجها. ولذلك، فلا عجب أن يُتوَّج فيلم “Parasite” الكوري بكل الجوائز التي حقَّقها العام الماضي، فقد حصد أهم جائزة في مهرجان كان السينمائي الدولي العريق، وهي “السعفة الذهبية” كأفضل فيلم، ثم استحوذ على أهم أربع جوائز أوسكار كأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل سيناريو وأفضل فيلم أجنبي، فضلًا عن عدد كبير من الجوائز الأخرى في المهرجانات والمحافل الدولية.

من كل هذا، أستطيعُ القولَ إن المسابقات والدعم الحكومي الممنهج والمدروس يمكن له أن يُرسي دعائم قوية لصناعة تُحقِّق إنجازات كبيرة على المستوى الاقتصادي والسياحي والثقافي، خاصة ونحن الآن على أعتاب مرحلة هيمنة منصات العرض الرقمية العالمية. فدخول هذه المنصات في مجال عرض الأفلام، يفتح أسواقًا ضخمة في كل دول العالم. ومن تجربة بسيطة جدًّا، أستطيع القول إن المحتوى السعودي مطلوبٌ، وهناك مَن يرغب في مشاهدته، وأمامنا فرصة كبيرة إنْ أحسنَّا استخدامها في تغيير الصورة النمطية عن السعودية؛ ولكن ذلك لن يتحقق إلا من خلال إستراتيجية متكاملة وواضحة تدعم الفيلم في مراحله المتعددة، بدءًا من الكتابة وانتهاء بالتوزيع والعرض.

  • المداخلات حول القضية:
  • أهمية صناعة السينما وواقعها في المملكة:

من وجهة نظر د. عبير برهمين، فلا شك أن لكل وسيلة ترفيه أكثر من جانب يجب أن يُعطى حقه. ورغم أن المردود المادي هو الجانب الأكثر وضوحًا في صناعة السينما، إلا أن هناك جوانب أخرى اجتماعية وعلمية وسياسية ودينية. والتصوُّر أن كلَّ ما لا يمكن مناقشته علنًا لحساسية الموضوع أو طبيعته، يمكن مناقشته سينمائيًّا بطريقة مُشوِّقة وفي قالب درامي جيد لجذب الانتباه له، ومن ثَمَّ تقبُّله أو رفضه في المجتمع، بل وربما يتخطَّى ذلك الأمر إلى تعديل أو تصحيح بعض الأحكام القضائية (خاصة المستجدة التي تتناول القضايا العامة، مثل قضايا الأحوال الشخصية)، ولنا في ذلك تجربة مع السينما المصرية حيث كان فيلم (أريد حلًّا) لسيدة الشاشة فاتن حمامة دورٌ في تصحيح أوضاع المرأة حين طُرح (موضوع الخلع)، والذي كان مهمشًا لفترة طويلة في المحاكم المصرية رغم أن له أصولاً دينية في تاريخنا الإسلامي. وقياسًا على ذلك، يمكن مثلًا تناول مواضيع مشابهة مثل (متعة المطلقة) وغيرها كثير مما يخالف نصوص دينية، وتم تقبُّلها مجتمعيًّا بمسمَّى (جرى عليه العرف). أيضًا، مواضيع الإرهاب والتنظيمات المشبوهة المستترة بمسمى الدين تم تناولها في عدة أفلام للنجم عادل إمام، مثل: فيلم (طيور الظلام)، وفيلم (الإرهاب والكباب). وفي السينما العالمية تمَّ توعية المجتمع ببعض الأمراض النفسية في أفلام مؤثرة جدًّا، مثل ((Rain man وفيلم Beautiful minds)) وغيرها. وهناك أفلامُ الخيال العلمي وما يمكن أن يكون مرآة المستقبل. وسياسيًّا، استخدمت البروباجاندا الأمريكية السينما لترسيخ مفهوم أن الترسانة الأمريكية هي الأكثر تطورًا في العالم، وأن الجندي الأمريكي لا يُقهر بسياق العديد من الأفلام مثل سلسلة Die hard وغيرها. وترسيخ مفهوم أن المواطن الأمريكي هو الإنسان الخيِّر، وأن المجرم لا بد أن يكون أسود أو ملونًا، وأن الإرهابي لا بد أن يكون مسلمًا أو عربيًّا، وذلك في سياق الكثير من أفلام الشباك ذات الإيرادات الضخمة. أيضًا، يمكن سرد وجهات النظر المختلفة لقضايا دينية معينة؛ فمثلاً فيلم مثل Passion christ لميل جيبسون يعكس وجهة نظر المسيحيين في مسألة صلب المسيح ورفعه. وكذا فيلم Braive heart أيضًا لميل جيبسون يحكي السرد التاريخي من وجهة نظر أصحاب الأرض الاسكتلنديين في قضية تحرير اسكتلندا. وهناك فيلم Heavin kingdom يحكي عن وجهة نظر المسيحيين لمدينة القدس. وخلاصة القول: إن السينما هي وسيلة بالغة التأثير، يمكن تمرير العديد من الرسائل الإيجابية أو السلبية على حد سواء، كما يمكن تصحيح التاريخ أو تسليط الضوء على القضايا اليومية. ولا ننسى القصص الملحمية للقادة والملوك والحكام، والتي تسهم في تسليط الضوء على جانب أو أكثر من الجوانب الإنسانية لتلك الشخصية، مثل فيلم Borne a king، ومثل هذه الأفلام تحفظ إرثًا تاريخيًّا للأجيال المتعاقبة؛ إلا أن هناك قصصًا إنسانية واقعية لا تقلُّ روعةً، وهي مصدر إلهام لكثير من الناس، تعكس كنزًا ثمينًا من الأخلاقيات والقيم والمعاني الجميلة، أبطالها أناس عاديون في حياتنا، نحتاج أن نُسلِّط الضوءَ على قصصهم لنُلهم الغيرَ.

وذكر د. محمد الثقفي أن السينما تعَدُّ إحدى أدوات الترفيه في كثير من المجتمعات، ومجالًا لالتقاء الأسر أو الأخلاء، ومجالًا للاستمتاع، وأماكن لقضاء أوقات سعيدة. وهي صناعة لها محترفوها، ولها فلسفاتها الخاصة، ومدارس علمية، وسوق ثقافي واقتصادي مزدهر، بالرغم من انتشال بعض البرامج والتطبيقات الحديثة لها. وصحيحٌ أن السينما مجال استثمار اقتصادي، لكنها أيضًا مجال لغَرْس وتعزيز قيم معينة، أو هدم قيم أخرى؛ بمعنى أنها أداة قوية من أدوات القوى الناعمة، سواء على مستوى الداخل أو على مستوى الخارج. وبالتالي، تعَدُّ أداةً مهمةً وذات تأثير عالٍ جدًّا، في تحقيق العديد من مقومات الأمن الوطني. كما أنها مجالٌ ومَنفذ لإبراز الهوية الوطنية السعودية. والتصوُّر أن النظر إليها في تغيير النظرة السلبية الغربية للمجتمع السعودي، مجالٌ خصبٌ وثريٌّ للسينمائيين؛ وبالتالي فهذه الصناعة جديرةٌ بالدعم والرعاية، وأهم من ذلك التوجيه لما يحقق الهوية الثقافية للمملكة، حكومةً وشعبًا، وأيضًا على مستوى الأفراد.

بينما ذهبت أ. بسمة التويجري إلى أنه ورغم دخولنا في المملكة متأخرين إلى مضمار الإخراج السينمائي كرافد ثقافي مهم، إلا أن جهود وزارة الثقافة في تشجيع الشباب لخَوْض تجارب الإخراج السينمائي ظاهرة للعيان، التحدي الجديد الذي أسماه مهرجان البحر الأحمر السينمائي ” تحدي صناعة فيلم خلال ٤٨ ساعة “، حيث تسبق البدء بهذا التحدي ورش عمل مكثَّفة تزوِّد الشباب الراغبين في دخول هذا التحدي بالكثير من المهارات الفنية والتقنية الضرورية للفوز في هذا التحدي. والتصور أن في تنظيم مثل هذه الفعاليات استدراكًا لما فات في هذا المجال، ومحاولات جادة للحاق بالركب، وتُشكَر وزارة الثقافة على هذه الجهود.

وتطرق أ. لاحم الناصر إلى قضية صناعة السينما السعودية من خلال تجربة هوليوود من عدة جوانب:

  • الجانب الأول: وهو توظيف أمريكا السينما كأداة لعولمة الثقافة الأمريكية ونمط الحياة الأمريكية في أثناء الحرب الباردة؛ حيث سعت الحكومة الأمريكية من خلالها لجَعْل أمريكا والحياة الغربية عمومًا من خلال السينما حُلْمًا للملايين من الشعوب المقهورة تحت النظام الشيوعي الشمولي وللشعوب الأخرى كمصدات ضد التمدد الشيوعي؛ فتحوَّلت أحلام الشعوب إلى تذوُّق وجبة ماكدونالدز وكوكا كولا وحياة الرفاه والحرية التي كانت تسوقها هوليوود، فكانت السينما من أقوى أسلحة أمريكا في حربها الباردة حيث غزت عبرها العقولَ والقلوب ليس فقط للدول الشيوعية؛ بل صبغت الحياة في جميع أنحاء العالم، وغيَّرت الكثير من عادات الشعوب وتقاليدها، ورسمت خريطة العالم الجديد.
  • الجانب الثاني: استخدمت أمريكا السينما لإظهار وإبراز القوة الأمريكية وأنها قوة لا تقهر، وتم تسويق الجندي الأمريكي كبطل خارق لا يُقهر كما في أفلام رامبو وما تلاها من أفلام الأبطال الخارقين ككابتن أمريكا وغيرها مما تنتجه أستديوهات مارفل، كما سوَّقت الحكومة الأمريكية والجيش الأمريكي كحامٍ ومُنقِذ للعالم؛ فهو يقف ضد الغزاة الفضائيين وضد الكوارث الطبيعية والاحتباس الحراري، والأفلام كثيرة ومتعددة، وهناك تعاونٌ واضح في هذا المجال بين الجيش الأمريكي وهوليوود.
  • الجانب الثالث: استخدمت أمريكا السينما لتعزيز الجبهة الداخلية ورفع الروح الوطنية؛ حيث لا يكاد يخلو فيلم من ظهور العلَم الأمريكي على المنازل.
  • الجانب الرابع: استخدمت السينما لتعزيز الارتباط بين الشعب الأمريكي والدين وقيم العائلة الأمريكية، فكثير من الأفلام تركز على الأعياد الدينية كعيد الشكر وأعياد الميلاد، ولا يكاد يخلو الكثير من الأفلام من الصلاة في الكنائس والاستشهاد بالكتاب المقدس والصلاة على طاولة الطعام، وهذه المظاهر تغيب عن الأفلام الأوروبية، فهي أكثر تحررًا من الشعب الأمريكي في عدم ارتباطها بالدين.
  • الجانب الخامس: استخدمت السينما لتعزيز قيم العمل بشتى أنواعه، فهناك الكثير من الأفلام التي تدور حول المهن ما بين المهن العالية التأهيل كأساتذة الجامعات والمخترعين ومَن نال جوائز نوبل إلى رجال الإطفاء والمزارعين وعمال الشبكات الكهربائية وموصلي البريد والبيتزا والطباخين ورجال الدين والمبشرين، بحيث أصبح لكلِّ مهنة نجوم في الأفلام وأبطال يتمنى الكثير الاحتذاء بهم.
  • الجانب السادس: استُخدمت السينما من قِبل هوليوود لتغيير بعض القيم داخل الشعب الأمريكي، ومن ثَمَّ العالم أجمع، مثل التطبيع مع الشذوذ الجنسي(المثلية)، والتي تحوَّلت من فعل مخزٍ وعار في الثقافة الأمريكية، وكان هذا ظاهرًا في الأفلام الأمريكية في الثمانينيات، إلى أن تحوَّلت إلى ظاهرة مقبولة، بل وطبيعية ومحمية بموجب القوانين. وأصبح السياسيون يُجاهرون بميولهم، في حين كانت المثلية سابقًا سببًا في عدم القبول في الجيش، وتعتبر فضيحة تُوجب استقالة السياسي.

وما تقدَّم بمثابة إضاءات على ما يمكن أن تُحدِثه السينما من تغيير عندما يكون لها هدف، والقوة التي تملكها كأداة للغزو والتغيير.

  • تحديات تطوير صناعة السينما السعودية:

يرى م. أسامة كردي أنه لا يوجد فرقٌ كبيرٌ بين ما تواجهه السينما السعودية من تحديات وما تواجهه أي قطاعات أخرى في الاقتصاد السعودي، غير أن هذا القطاع يمتاز بوجود هيئة جديدة لم تبدأ عملها إلا مؤخرًا، مما قد يجعلها أقرب إلى النجاح في معالجة تحديات القطاع. وأضاف: إننا أتعبنا شركاتنا الكبيرة بطلبات الرعاية والتمويل، بينما الخبرة الكورية واضحة ومدللة على النجاح الكبير المتحقِّق من تنظيمات مالية متقدمة.

وعقَّب م. فاضل القرني بأن التجربة الكورية تقريبًا بدأت مع بداية الطفرة الاقتصادية في وسط السبعينيات، وتقريبًا بنفس وتيرة التعثُّر في بداية الثمانينيات (أيام كانت الشركات والمؤسسات الإنشائية تعجُّ باليد العاملة الكورية)؛ إلا أن الفرق هو أن التنمية المستدامة وخطها البياني استمرَّا في صعود حتى الآن. وبطبيعة الحال في صناعة الأفلام كما ورد. ولعل الفترة الزمنية المتشابهة بينها وبين المملكة هو أن بيئة التقبُّل لديهم متينة وبدون تشويش.

بينما أوضح أ. أيمن جمال أنه ليس مقصودًا مما ورد في الورقة الرئيسة رعاية الشركات الكبيرة للأفلام السعودية، وإنما المقصود الاستفادة من الأفلام السعودية كمنصة غير مباشرة لهذه الشركات، كما تفعل شركات السيارات والقهوة والطيران الأمريكي بصرف جزء من ميزانياتها التسويقية على الفيلم الأمريكي، ليس دعمًا للفيلم فقط، ولكن لترويج أسماء منتجاتها من خلال الفيلم Branded entertainment ، والاستفادة للطرفين وليس فقط لصانع الفيلم.

ومن جانبه، يرى د. فهد اليحيا أن المشكلة ليست مشكلة تمويل فحسب؛ بل يمكن صناعة فيلم جيد وجماهيري بميزانية بسيطة مثل الفيلم الإيراني انفصال 2001 لأصغر فرهادي، وكلفته لا تزيد عن 100 ألف ريال؛ لكن هذا لا يقلل من الأهمية القصوى للتمويل. فلا يزال للذهاب إلى دور السينما سحرُه؛ فمشاهدة فيلم في البيت غير مشاهدة فيلم في السينما، حيث تلعب السيكولوجيا الاجتماعية دورَها (كما في الفرجة على كرة القدم مثلًا). ومن جانب آخر، في المواسم في البحرين والإمارات نرى العائلات والأفراد السعوديين يغشون دور السينما مع أن الفيلم يمكن أن يتوفر على النيتفلكس مثلاً، لكن بدلًا من أن تكون هذه الممارسة جزءًا من طقوس السفر نريد نشرها كثقافة مجتمعية تتعلق بارتياد دور السينما، وهذا يتم بنَشْر دور السينما قدر المستطاع، وتشجيع الناس على الحضور بجوائز. والدور الثاني في الإعلام بشتى أنواعه لنَشْر ثقافة الفيلم والسينما.

وتساءل م. فاضل القرني: هل التقنية بمختلف تطبيقاتها في صناعة الفيلم ساهمت في خفض التكاليف والإنجاز في مدة زمنية أسرع؟ وخاصة فيما يخص محاكاة الأزمنة والأمكنة وفنون الـ (ميك أب)؛ بمعنى: هل وفَّرت التقنية الإنفاق على الفيلم، ورفعت جودة المُخرَج المرئي والسمعي بمختلف قدراتها وتطوراتها الكبيرة، وبالتالي يُقدّم الفيلم بأعلى جودة إخراج ربما تُعوِّض بعضَ الفجوات في السيناريو، وتكون العوائد مضاعفة؟

ومن ناحيتها أشارت أ. هناء العمير إلى أنه لا شيء يُعوِّض فجوات السيناريو. فالتقنية بلا شك خفضت التكلفة وأولها الكاميرات وأمور أخرى كثيرة، ولكن السيناريو يظلُّ هو المخطط الرئيسي للعمل، ومهما كانت جودة العناصر الأخرى، فضعفه لن يخلق فيلمًا عظيمًا. وهذه إحدى العقبات التي لم يتم التنبه لها حتى الآن. الكاتب الجيد عملة نادرة، ليس فقط بسبب قلة الكتَّاب المحترفين في كتابته، ولكن أيضًا هناك عدم الاهتمام بالنص وعدم إعطاء الكاتب حقه معنويًّا وماديًّا.

وأضافت د. فوزية البكر أن ثمة أبعادًا ثقافية واجتماعية لصناعة السينما. ويُقصد بذلك المناخ الاجتماعي القائم الذي لا يزال يؤكد على قيم التحفظ تجاه العمل في المجالات الفنية؛ لما ارتبطت به في الذاكرة الشعبية من ممارسات لا نحبذها، ومن ثَمَّ فالتساؤل المطروح: هل سيشجِّع الأهالي أبناءهم للدخول في المجالات الفنية والتمثيلية… إلخ، رغم العوائق الثقافية وتراكمات الذاكرة الشعبية؟ أيضًا، من الواضح تمامًا أن وزارة الثقافة عبر برنامج الابتعاث الثقافي تطمح إلى خَلْق كوادر متميزة تستطيع أن تنهض بهذا الحقل كصناعة قائمة، لكن الملاحظ أن المؤسسات التعليمية الخارجية المشمولة في القائمة تنطوي على تعجيز حقيقي، إذ تشمل هارفارد وستانفورد وييل… إلخ؛ فمن يستطيع الحصول في العادة على قبول في هذه الجامعات إلا عدد قليل من طلاب العالم الأكثر تميزًا وثراءً، والذين أُعِدوا خلال تعليمهم العام على الاستعداد لهذا النوع من الجامعات، في حين لا يؤهل تعليمنا العام على أي آليات علمية أو ذهنية أو معرفية أو لغوية للالتحاق بجامعات من هذا النوع. والمقصد أنه في الولايات المتحدة هناك الكثير من المؤسسات التعليمية التي قد لا تكون مشهورة مثل هذه التي يسمونها جامعات النخبة، لكنها مشهورة بأقسام محددة وهكذا؛ ولذا فالتصور أن قائمة وزارة الثقافة تعجيزية حتى لا يكون هناك فرصة للابتعاث.

وذكر د. فهد اليحيا أن أحد العوائق المهمة تكمن في الكتابة وتسمية الأشخاص في الأعمال الفنية السعودية: فهم إما أبو فلان أو أم فلان.. أو فلان وفلانة! فلا يمكن الكتابة صراحة عن شخصية المهندس محسن الجداوي أو فهد السبيعي أو حسين الحساوي.. سيحتجُّ أهل المدينة أو القبيلة، فما بالنا لو تم استخدام اسم عائلة! وهذا لا نراه في الأفلام المصرية مثلًا.

وأضافت أ. هناء العمير أنه ومع ذلك حتى في مصر، تحتج نقابة معينة أحيانًا حين يظهر في الفيلم شخص من مهنة تنتمي لهذه النقابة كنموذج فاسد أو سيئ. وكذلك في السير الذاتية هناك تحفظ كبير؛ ولذلك غالبًا ما تظهر الشخصية المروية مثالية بشكل مُبالغ فيه أحيانًا، وهذا يفقدها المصداقية. هناك حساسية كبيرة تجاه بعض الأمور والمواضيع، وهذا أيضًا يتطلب كتَّابًا وكاتبات ومخرجين ومخرجات على وعي كبير للتعامل مع هذه الحساسية. ولذلك، فالأغلب يحاول تجنُّبها وخاصة أننا مرحليًّا لدينا كمٌّ هائل من التحديات الأخرى.

وانطلاقًا من النقطة السابقة، تساءل م. فاضل القرني: هل هناك مرجعية قانونية وأنظمة وميثاق حول هذا النوع من الفنون بحيث يُوضَّح فيه معظم الاعتبارات والحقوق والممكن وغير الممكن؟ وما مدى القيود غير القانونية وتحديدًا السياسية وتأثيرها، وأيضًا تدخل المؤسسات الشرعية (الدينية)؟

وفي هذا الشأن، أوضحت أ. هناء العمير أنه لا يوجد مرجعية؛ بل هناك نقصٌ كبير في القوانين والأنظمة في كل ما له علاقة بالصناعة، وهناك ضياع كبير للحقوق فيها، بما فيها الحقوق الفكرية، وهذه أحد الأمور المهمة التي تعمل هيئة الأفلام عليها. حتى فيما يتعلق بتصاريح التصوير وخلافه، الأنظمة الموجودة حاليًّا فضفاضة وليست مُحدَّدة ولا ملزمة، وهناك الكثير من الأمور غير الواضحة.

ومن جانبه أوضح أ. أيمن جمال أن فيلم بلال – الذي أخرجه – واجه بالفعل هجومًا من فئة دينية محددة بزعم عدم صحة رسم وتمثيل الصحابة رضي الله عنهم، وقبلها تمَّ الهجوم على مسلسل عمر؛ لكنَّ كثيرًا من الذين هاجموا شاهدوا وأثنوا على العمل لاحقًا، وفعلًا التغيير ملموس بشكل كبير في القناعات. أما من الناحية القانونية فكل الشخصيات التاريخية تعتبر ملكية عامة، والعمل الذي ينتجه يصبح ملكية خاصة لصاحب العمل؛ لذلك الفرصة كبيرة لنا في هذا البلد لتحويل قصص كثيرة لملكيات فكرية.

من جديد، عقَّبت أ. هناء العمير أن هذا النوع من الأعمال لا بد أن يكون مشروعًا وطنيًّا، تُستقطَب فيه الكفاءات المحلية مع كوادر خارجية، ولكنَّ القائمين على هذه المشاريع من كتابة وإخراج وإنتاج لا بد أن يكونوا سعوديين. وزارة الدفاع الأمريكية تدعم وتُموِّل هذا النوع من المشاريع. ووجود طواقم فنية مشاركة لا يؤثر سلبًا على الرؤية العامة للعمل، بل يرفع من جودته؛ على عكس أن تكون أحد أعمدة الفيلم غير محلية.

وعقَّب م. فاضل القرني بأن التحسُّس المجتمعي في تناقص، وبالتناسب العكسي من هذه الصناعة سيصل إلى الحد المعقول طالما صناعة الأفلام أيضًا تحافظ على مسؤوليتها.

وأشارت د. هند الخليفة إلى أن الجانب الاجتماعي جزءٌ مهمٌّ في صناعة السينما، من حيث طرح القضايا الإنسانية والاجتماعية في قالب فني ممتع يرتقي بالذوق العام ويلامس حياة الإنسان بكل تفاصيلها، والمواقف والتجارب التي مرَّ ويمرُّ بها عبر التاريخ. إنَّ النجاح في الإنتاج السينمائي يرتبط بعدة عوامل، من بينها: اختيار الفكرة والموضوع، والحبكة في السيناريو، والإبداع في الإخراج والإنتاج، ولنا تجربة خلال فترة الحجر الصحي، واتجاه الكثير منا إلى مشاهدة الأفلام، ومشاركة أفراد الأسرة للمتعة في تأمُّل الحياة والإنسان والتاريخ وغيرها. وقد نجح الإنتاج المحلي في تقديم بعض الأعمال التي تلامس قضايا الإنسان وتقديمها في قالب فني جيد، لكن لا يزال هناك الكثير من المعوقات، ولا يزال الإنتاج المحلي أمامه الكثير من العمل للوصول لتحقيق الطموح. التركيز على الرمزية في بعض الإنتاج المحلي يحول أحيانًا دون الوصول لقلب المشاهد، ويحصره في فكرة، قد لا يرغب في تكرار مشاهدة العمل السينمائي مرة أخرى. بعكس الأفلام التي تخاطب العقل والقلب، وتعيش معنا عمرًا طويلًا.

  • وسائل تطوير صناعة السينما والإفادة منها كقوة ناعمة:

أشارت أ. فائزة العجروش إلى أن العاملين في مجال السينما يؤكدون أن حمل الكاميرا اليوم أو توجيهها مهمة صعبة ودقيقة، ولا تقلُّ أهميةً عن مهمة حمل السلاح في الحرب، وحمل آلة الإنتاج في السلم؛ لأن السينما تؤثر في وجدان وعقول الجماهير، وتلعب دورًا مهمًّا في تكوين الرأي العام.

لذلك من المهم أن تكون السينما أحد مصادر القوة الناعمة السعودية؛ لنُعرِّف العالم على ماضٍ جميل ومُشرِّف عاشته المملكة، وتراث عريق بشكل مهني جميل وواقعي، بعيدًا عن الـقـصـص السطحية والميلودراما المفتعلة، والكوميديا المبتذلة وأي تاريخ مزيف ورَصْد مُشوَّه لحـكـايـات الأسـلاف والأجداد، سواء كان ذلك في أفلام تاريخية أو في قصص بدوية أو قصص عصرية.

وعلى الرغم من أن صناعة السينما في السعودية بدأت متأخرة في التبلور، إلا أننا محظوظون بحصول بعض الأعمال السينمائية السعودية المشرفة على جوائز عالمية، لكن نريد الآتي:

  • أن يكون هناك حراكًا على مستوى المؤسسات، لا المستوى الفردي (الجهد الذاتي والدعم المحدد لا يكفيان)، فالسينما صناعة استثمارية لا تقوم على فيلم أو اثنين، أو بعض التجارب الخالية مـن أي أبعاد وتطلعات فكرية تنموية.
  • تسهيل الإجراءات المرتبطة بالصناعة السينمائية، والابتعاد عن البيروقراطية المحبطة لهذا القطاع.
  • رَفْع الوعي الجماهيري بأهمية وجـود سينما سعودية تناقش قضايا وهموم الإنسان السعودي والعربي، وهـذا بـدوره يـؤدي إلى جَذْب رأس المال السعودي لخَوْض التجربة الإنتاجية في السينما.
  • إنتاج أفلام تعالج قضايانا الإنسانية والاجتماعية والثقافية بعمق ودقة من خلال سيناريوهات ناضجة تحاكي الواقع الفعلي، وإخراج متميز واختيار ممثلين واعدين.
  • تأهيل نصوص ناضجة تدعم تقديم صورة عادلة عن ظروف المرأة السعودية والعصر الذهبي الذي تعيشه حاليًّا، خاصة بعد دخول عدد من المُبدعات السعوديات في المجال السينمائي لتقديم المرأة السعودية بشكل أدق وأقرب للواقع.
  • رسم أهداف واضحة لتطوير صناعة سينمائية واعدة ترتكز في مفهومها على الإبداع والابتكار، وتفعيلها مع “قطاع الأفلام” الذي تعمل وزارة الثقافة على تركيز الجهود عليه مع قطاعات أخرى.
  • تعزيز الحضور في المهرجانات الدولية، وإشاعة مفهوم وجود بيئة سينمائية واعدة في المملكة لدى أوساط السينمائيين في العالم.

ولا شك أن الاهتمام بهذه الصناعة تزايد تزامنًا مع إعلان وزارة الثقافة لرؤيتها وتوجهاتها الجديدة، في مارس 2019، الهادفة إلى الارتقاء بكافة أنواع الفنون؛ حيث أصبح لدينا مهرجان سينمائي دولي في جدة، وصناديق دعم وتمويل، ومسابقات لدعم الأفلام السعودية في مسارات متخصصة، وبرنامج واعد للابتعاث، وتدشين هيئة الأفلام رسميًّا. وتمَّ إنشاء المزيد من دور العرض في مختلف مناطق المملكة، وجميع هذه التطورات تُشكِّل ملامح صناعة تدفعها الدولة إلى الأمام، وتُبيِّن رغبة حكومية أكيدة لتطوير صناعة الفيلم، حيث نصت عليها رؤية المملكة 2030، التي نظرت إلى الثقافة والفنون كعنصر من عناصر جودة الحياة، وأنها عنصر اقتصادي مهم يمكن أن يضيف إلى الناتج القومي الإجمالي، إلا أن عملية صناعة السينما في المملكة تعاني من الفجوة المهارية الناتجة عن نقص الكوادر والعوامل الفنية؛ ولهذا يُكلِّف الفيلم السعودي أضعافًا مضاعفة من أجل إنتاجه. وهو متعطش لآلاف الأيدي العاملة السعودية، وهذا يُبيِّن حاجتنا إلى:

  • فَتْح أقسام للسينما وبرامج أكاديمية متخصصة ومستمرة في الجامعات السعودية، دائمة وليست وقتية كبرامج تدريبية قصيرة؛ لدراسة قواعد صناعة السينما دراسةً أكاديمية وعلمية بشهادات متخصصة.
  • إطلاق هيئة متخصصة بالسينما على غرار هيئة الترفيه.
  • أن تحظى صناعة السينما السعودية بخصوصية في الدعم من الجهات المختصة؛ باستبعاد الضريبة عن الأعمال السينمائية السعودية وأي أعمال فنية تُصوَّر على أراضي المملكة؛ وهذا سيكون داعمًا كبيرًا لصناعة السينما.
  • أن يكون للسينما السعودية حضورٌ طاغٍ، داخليًّا وخارجيًّا، بالمشاركة في المهرجانات الإقليمية والعالمية، من خلال موروث ثقافي وسينما تليق بالمجتمع السعودي وتعكس هويته وثقافته الخاصة بما ينعكس على المحتوى والمنتج النهائي.
  • اكتمال المخطط العام لسوق السينما السعودية، بأن يكون لدينا 2000 دار للسينما بحلول 2030 م.
  • احتواء الكفاءات السعودية العاملة في هذا القطاع، وتحفيزها على العطاء والإبداع والإنتاج المتميز الذي يعكس الهوية السعودية، ويُقدِّمها للعالم بشكل احترافي وجاذب.

وفي اعتقاد أ. أيمن جمال، هناك فرصٌ جيدة لإنتاج أفلام عن قصص سعودية ملهمة سواء للسوق المحلي أو للسوق العالمي؛ لكن في حالة السوق العالمي يجب أن يتم الإنتاج وفق معايير وقصة تستقطب المشاهد العالمي، وهذا النموذج يختلف عن إنتاجه للسوق المحلي. كما أن هناك بالتأكيد فرصة من خلال هذه الأعمال لترسيخ الهوية الوطنية.

في حين أكدت د. هناء المسلط على أن للسينما دورًا في تشكيل الرأي العام والتأثير عليه من خلال ما تُعرضه من أفلام، ولها تأثير على الوجدان والعقول، وهي الوسيلة الثقافية الأكثر شعبيةً وفعاليةً للرفع من وعي المواطن، وتحتاج إلى وسائل وميزانية مالية كبيرة ودعم من قطاعات عدة في المجتمع، بحيث يكون للسينما مكانٌ في إستراتيجية التنمية الاجتماعية والثقافية.

بينما طرح أ. فهد الأحمري تساؤلًا مفاده: هل حانَ الوقت لبناء مدينة سينمائية سعودية “سوليود أو سعودليود” ولا سيما أن الأوضاع الحالية مُهيِّئة ومُحفَّزة، وبالأخص مع فَتْح البلد للسياحة، والتوجه العام لجلب موارد اقتصادية جديدة…؟ وحول هذا، ذكر أ. أيمن جمال أن بناء أستوديوهات يعني الاستثمار في العقار والأجهزة والمعدات، وهذه متوفر بعضها، ويمكن إحضار أي جهاز من أي مكان في العالم متى ما تمَّ احتياجه، الاستثمار والحاجة الحقيقية هي الاستثمار في العنصر البشري والملكية الفكرية الإبداعية؛ نحتاج تنمية الاقتصاد الإبداعي، بدل أن نستثمر مثلًا 100 مليون في أجهزة، يمكن أن نستثمرها في إنتاج 15 عملًا سعوديًّا (ملكية فكرية سعودية، قصص سعودية، نَقْل خبرة لموظفين سعوديين)؛ كل هذا سيُسرع من حركة الصناعة والنمو في الاقتصاد الإبداعي.

وبدورها ترى أ. هناء العمير أنه مما لا شك فيه أن وجود مدينة سينمائية سعودية مسألة مهمة ولكنها ليست أولوية. الأولوية الآن هي للتحفيز وللتدريب والتمكين. التحفيز من خلال صناديق ومسابقات ومَنح للسيناريو، وهذه الخطوة الأولى. وكذلك حماية الفيلم السعودي بفرض تواجده في صالات السينما، وبإعفائه من الضريبة حاليًّا. معاملة الفيلم السعودي كأي فيلم آخر من هوليوود مسألة تحتاج إلى مراجعة. كذلك التدريب والتعليم في الأقسام الفنية المختلفة.

في حين يرى د. فهد اليحيا أن بناء أستوديو (لا مدينة سينما) أمر مهم ومفيد؛ باعتبار أن ذلك قد يؤدي إلى استقطاب شركات الأفلام العالمية لتصوير أفلامها أو جزء من أفلامها هنا.

بينما ذهب أ. أيمن جمال إلى أن كلًّا من: السينما المصرية، والسينما الإيرانية، والسينما الهندية، كبيرة بإنتاجاتها وصنَّاعها وقصصها، وتفوز بجوائز عالمية، وتُمثِّل الأفلام والدراما جزءًا من الدخل القومي لها، ولم تستقطب شركات الأفلام العالمية؛ بل صدَّرت أفلامها للعالمية.

وذكر د. حامد الشراري أن مسابقة أفلام أبو عجرم إحدى المبادرات التي تستهدف تعزيز البُعد الثقافي في المملكة من خلال الصورة لا الكلمة. وهذه المسابقة تُقام في مدينة صغيرة في وسط منطقة الجوف، وقد أخذت زخمًا في الدورتين الماضيتين وعليها إقبال، والمأمول أن تبقى مدينة لصناعة الأفلام السينمائية القصيرة، وألا يُسحَب البساط من تحتها.

وفي اعتقاد أ. فهد القاسم، فإن صناعة السينما لن تكونَ ذات أثر واضح على تنويع مصادر الدخل في القريب العاجل؛ ولكن من المهم التركيز على السينما لترسيخ الوطنية، وكأحد محركات القوة الناعمة، وهذا هو الهدف الذي يجب العمل على تحقيقه.

وفي هذا الإطار، ترى أ. هناء العمير أن من المهم في المرحلة الحالية حيث عدد الصالات قليل، إلغاء الضريبة على الفيلم السعودي، وفرض وجوده لفترة محددة كحد أدنى في صالات السينما. كما أن من المهم تنوُّعَ صناديق التمويل لتشمل المراحل المختلفة وأولها السيناريو. (كأنْ تكون هناك صناديق للأفلام الوثائقية، وصناديق للأفلام الفنية والمستقلة، وثالثة للمشاريع الطموحة ذات الإنتاج الضخم). بجانب أهمية التدريب لمختلف مجالات وأقسام صناعة السينما، والعمل على ترويج الفيلم السعودي خارجيًّا وذلك من خلال التوزيع. كما أن هناك ضرورة لأن تبتعد الأفلام السعودية عن الدعائية. مهمٌّ جدًّا التركيز على القصص والجودة الفنية؛ لأن الدعائية ستضر أكثر من أن تنفع. لا نحتاج لأنْ نشرح أو نُبيِّن مَن نحن. يكفينا أن نحكي حكاياتنا بتجرُّد وستتفاعل معنا الشعوب الأخرى وتتضح الصورة، وهذا ما فعله المخرجون الإيرانيون.

  • التوصيات:
  • تنظيم قنوات تمويلية متعددة للإنتاج السينمائي.
  • التنسيق مع دور السينما في المملكة لمَنْح الإنتاج السعودي شروطًا تفضيلية عند العرض.
  • قيام وزارة الثقافة بإعداد دراسات جدوى لبعض الأفلام وتوزيعها مجانًا للمنتجين، وكذلك سيناريوهات مبدئية.
  • قيام مؤسسة النقد بتحفيز البنوك لتمويل الأفلام السعودية.
  • تأسيس نظام صناعة الأفلام والفنون بشكل أعم، كمفهوم وقانون وأنظمة تشمل القيم، والمحافظة على ثوابت المجتمع وحقوق الملكية الفكرية للمؤسسات والأفراد وفق تصنيفات عامة وخاصة، وآليات التنسيق مع الجهات ذات العلاقة في القطاعين.
  • أن تكون سياسة صناعة الفيلم مصدر قوة ناعمة ناجحة وجاذبة للمملكة، وأن يكون الفيلم آلية تُخاطب الذوق والوجدان عن الرؤية، ومن ذلك:
  • الاستعانة بضيف شرف في الفيلم من الشخصيات السعودية الحاصلة على جوائز عالمية، أو من الشخصيات السعودية المراد التعريف بها للعالم الخارجي، بصورة تليق بجهودهم وما وصلوا له من مكانة علمية أو أدبية أو طبية أو فنية وغيرها في كافة المجالات، وليس بالضرورة ظهوره كشخصية حقيقية في الفيلم، ولكن من الممكن ذِكر اسمه أو وَضْع مقاطع له تُبيِّن سبب شهرته أو ترديد أغنية، أو قراءة رواية للشخص المراد التعريف به.
  • التعريف بالسنوات المميزة في تاريخ المملكة، ومحاولة ذِكْرها في الفيلم حسب التسلسل المنطقي لأحداث الفيلم (كحوار بسيط بين الجد والحفيد).
  • إدخال مقاطع من مصانع تتميز بها المملكة، كمصنع صُنْع كسوة الكعبة وطباعة القرآن الكريم.
  • توجيه تسلل أحداث الفيلم ليتم التصوير في المناطق السياحية في المملكة صيفًا وشتاءً في جميع المناطق، والذهاب لأكبر المستشفيات السعودية المتخصصة، ولأفضل الفنادق والمنتجعات السياحية، مثل: (فندق الريتز كارلتون، منتجع نوفا في الرياض).
  • التركيز على التعريف بالمطبخ السعودي في أكثر من لقطة في الفيلم؛ باستعراض السفرة السعودية المتنوعة حسب كل منطقة.
  • يتم استعراض التراث السعودي الأصيل والملابس السعودية بذكاء، مع التعريف بأسمائها وطريقة لبسها ومناسبة لبسها خلال الأفلام السعودية.
  • التركيز على التمر (بأنواعه المختلفة والحلويات المتعددة والمنتجات المصنوعة منه)، وقهوتنا السعودية كمنتج سعودي وتقاليد أصيلة في الضيافة السعودية في مقاطع كثيرة في مشاهد الأفلام.. فكم من قهوة أمريكية وتركية شُربت، وكم من كعك ودونات وأكلات يشتهرون بها، (كالديك الرومي في الكريسماس) تشبَّعنا برؤيتها في الأفلام والمسلسلات الأجنبية والعربية.
  • استغلال أي فرصة مناسبة في سيناريو الفيلم لإدراج إما مشاهد حية أو مصورة مسبقة من المهرجات السنوية لإنتاج التمور وغيرها من المنتجات الزراعية التي تشتهر بها المملكة.
  • إدراج مشاهد تُعرِّف وتشيد بالحرف السعودية القديمة؛ كاستخراج اللؤلؤ، وصناعة الخزف، وصناعة البشوت والملابس التراثية، والدلال والسيوف… إلخ.
  • إدراج مشاهد تُبيِّن مدى حجم المساعدات السعودية للخارج لإغاثة المنكوبين سواء من الحروب أو من الكوارث الطبيعية.. وكذلك مشاهد تبيِّن علاقة السعوديين الطيبة بالمقيمين في المملكة وحُسْن معاملتهم.
  • قيام هيئة السينما بإعداد وتطوير برامج لاكتشاف المواهب المختلفة المطلوبة للقطاع.
  • إنشاء مدينة سينمائية للإنتاج المحلي، واستقطاب الشركات العالمية للاستثمار السينمائي والأعمال الفنية الأخرى.
  • تأسيس ميثاق أخلاقي ومهني لأن تكون صناعة الفن السابع لترسيخ القيم والفضيلة، والمحافظة على الإسلام كعقيدة وتطبيق، وحماية اللغة العربية والمساهمة في الإرث الإنساني.

القضية الثالثة

مستقبل علاقات دول الخليج مع الصين في ضوء الاتفاق الصيني الإيراني

(18/10/2020م)

 

  • الورقة الرئيسة: أ. فهد عريشي (ضيف الملتقى)[43]
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. محمد السديري (ضيف الملتقى)[44]
  • التعقيب الثاني: أ. عائض آل ربيع (ضيف الملتقى)[45]
  • إدارة الحوار: د. سعود الكاتب

 

 

  • الملخص التنفيذي:

تتناول هذه القضية مستقبلَ العلاقات الخليجية مع الصين في ضوء الأنباء المتداولة حول الاتفاق الصيني الإيراني، بكل ما يحمله ذلك من أهمية وخطورة على دول الخليج، وعلى المملكة بشكل خاص. وتنبع تلك الأهمية والخطورة من طبيعة طرفي الاتفاق “المزمع”، فإحداهما دولة عُظمى ذات طموح وقوة اقتصادية وعسكرية وسياسية ضخمة متنامية، والأخرى دولة مجاورة ذات مخططات شريرة وعدائية واضحة وجلية للمملكة ودول الخليج العربي.

وأشار أ. فهد عريشي في الورقة الرئيسة إلى أنه عندما نتحدث عن تأثير الاتفاق الصيني الإيراني على مستقبل علاقات دول الخليج بالصين، يجب ألا نغفل سياسة الصين في المنطقة، التي تحاول أن تكون الدولة القريبة من الجميع، ولها علاقات مع الجميع، ولا تنحاز لدولة دون أخرى.

بينما أوضح د. محمد السديري في التعقيب الأول أن التغطية الإعلامية عن الاتفاقية الإيرانية-الصينية كانت في حالات كثيرة غير دقيقة. كذلك فإن العلاقات الإيرانية – الصينية تفتقد إلى الثقة الإستراتيجية التي يمكن أن تسمح لها أن تتحول إلى علاقة أمنية – تحالفية على الأقل، على المنظور المتوسط.

في حين ذهب أ. عائض آل ربيع في التعقيب الثاني إلى أن هذه الاتفاقية مُضِرَّة وشرٌّ محض في كل تفاصيلها سواء تمَّت الآنَ أو لاحقًا؛ فالمراقبون يرون خطر المعاهدة على أمريكا وسمعتها وهيمنتها في المنطقة، بل في العالم، وإذا صدقنا بذلك فالأهم والأخطر على أمريكا وعلى منطقة الخليج هو أن تأجيلها لا يعني إلغاءها.

وتضمنت المداخلات حول القضية المحورين التاليين:

  • التأثيرات المحتملة للاتفاق الصيني الإيراني.
  • آليات مواجهة السعودية للتحديات المتعلقة بالاتفاق الصيني الإيراني.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • العمل على ارتقاء العلاقات السعودية (الخليجية) مع الصين في جميع المجالات: السياسية، والاقتصادية، والثقافية، وتقنية المعلومات، والأمن السيبراني.
  • المحافظة على وتيرة العلاقات الحالية مع أمريكا والصين، مع وضع إستراتيجية طويلة المدى لتقليل اعتمادنا على الأطراف الخارجية، وتقليل محاولاتهم للتأثير على المملكة.
  • الورقة الرئيسة: أ. فهد عريشي (ضيف الملتقى)

الأمير بندر بن سلطان عندما أرسله الملك فهد إلى الصين، للمفاوضة على شراء الصواريخ أرض – أرض “رياح الشرق”، استقبلوه في سيارات ستائرها مغلقة، واستضافوه والوفد المرافق له في فلل صغيرة، وطلبوا منهم عدم فتح الستائر، ولكن عندما تطفل مدير مكتبه عبد العزيز ناظر، ونظر للخارج، طُلِب منه القدوم للنافذة، ووجد وفدًا إيرانيًّا بالفيلا المجاورة، قدموا أيضًا لشراء الأسلحة؛ وهذا الموقف يثبت بأنه لا مانع لدى الصين بأن تبيع الأسلحة لطرفين يحتمل بينها الحرب، طالما ذلك في مصلحتها الاقتصادية. الصين التي كانت تبيع الأسلحة لإيران والعراق رغم وجود حرب وجودية قائمة بينهما عام 1984م، والصين التي كانت تستضيف في فيلتين متجاورتين وفدين (سعوديًّا وإيرانيًّا) تبيع لهما السلاح، رغم التوتر السياسي، واحتمال وجود حرب مستقبلية بينهما، هي نفسها الصين التي تسعى الآن في الوقت نفسه لضخ مشاريع تنموية بمليارات الدولارات في دول الخليج وفي إيران، وهي نفسها الصين التي عندما قام رئيسها بجولة في الشرق الأوسط عام 2016م، زار السعودية أولًا، وافتتح مع الملك سلمان حفظه الله، مصفاة ياسرف (المشروع المشترك بين شركتي أرامكو السعودية وسينوبك الصينية)، وبعدها بثلاثة أيام فقط كان في العاصمة الإيرانية طهران، يناقش مع رئيس حكومتها الشراكة الصينية الإيرانية، الشراكة المترجمة لاتفاقية محتملة، التي نتابع مجرياتها مؤخرًا. والذي حفَّز من العمل على تجهيز هذه الاتفاقية الضخمة بقيمة 400 مليار دولار – رغم أن بداية الفكرة كانت عام 2016م – هو الضغط الكبير الذي تواجهه إيران، بعد تولِّي الرئيس الأمريكي ترامب للرئاسة الأمريكية؛ مما دفع إيران للبحث عن حليف يُعزِّز موقفها الضعيف دوليًّا، وهو ما حثَّ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، لزيارة الصين العام الماضي، وطرح مسودة الاتفاق الذي يتضمن مَنْح إيران الصين فرصًا لاستثمار 400 مليار دولار، في محاولة من إيران لكسر العزلة الدولية التي تعاني منها حاليًّا، وكَسْب حليف قوي يتمتع بجاذبية اقتصادية قوية كالتي تملكها جمهورية الصين الشعبية. ورغم تحفُّظ الحكومة الصينية بالإعلان عن مجريات الاتفاقية مع إيران في وسائل الإعلام، إلا أن إيران سارعت بنَشْر الخبر لإيصال رسالة للغرب بأن محاولات عزلها لن تنجح، ونَشْر الخبر من قبل إيران يبدو أنه سبَّب إزعاجًا للحكومة الصينية، التي تقوم بعض مراكز الدراسات بها حاليًّا ببحث تأثير اتفاقيتها مع إيران على علاقتها بدول الخليج، وحسب تسريبات المسودة فإنه لن يكون هناك تواجد عسكري للصين في إيران؛ بل شراكة عسكرية، كالتدريب المتبادل، والدعم في صناعة الأسلحة، ومسودة الاتفاق هذه ما زالت تخضع للتعديل من الجانب الصيني، وبعد ذلك ستُعرض على مجلس الشورى في إيران، الذي يوجد بعض المعارضين بداخله لهذه الاتفاقية؛ ولذلك ربما لا يتم إنهاء إجراءات الاتفاق في حالة رَفْض الأغلبية من مجلس الشورى الإيراني حيث يرى بعض أعضائها أن هذه الاتفاقية ستمنح الصين قوةً وسيطرةً على إيران مستقبلًا.

عندما نتحدث عن تأثير الاتفاق الصيني الإيراني على مستقبل علاقات دول الخليج بالصين، يجب ألا نغفل سياسة الصين في المنطقة، التي تحاول أن تكون الدولة القريبة من الجميع، ولها علاقات مع الجميع، ولا تنحاز لدولة دون أخرى، كما تفعل الولايات المتحدة في المنطقة، التي وقفت مع إيران ضد دول الخليج أثناء فترة حكم أوباما، أو تقف مع دول الخليج ضد إيران، كما هي سياسية ترامب الحالية، ودول الخليج تعي تمامًا محاولات الصين الجادة بأن تكون على مسافة واحدة من الطرفين دول الخليج وإيران، وتعي تمامًا سياسة المناكفة التي تنتهجها الصين مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر التقرُّب لإيران، وكذلك خطتها لتنفيذ مبادرتها “حزام واحد طريق واحد”، وتتفهم بأن الصين المستورد الأكبر للبترول في العالم، تنتهج سياسة عدم الاعتماد في مصادر الطاقة التي تحتاج إليها من طرف واحد، بل تبحث دائمًا عن تنويع مصادرها من الطاقة، لتقليل المخاطر المحتملة في حالة وجود أي عائق مستقبلًا؛ ولذلك هي تحرص بشدة أن تحتفظ بنفس المسافة في علاقاتها مع الدول النفطية. صحيحٌ أن الدعم الذي ستحصل عليه إيران من اتفاقيتها مع الصين قد يسهم في محاولات إيران لزعزعة استقرار المنطقة، ولكن ذلك لن يؤثر على علاقة دول الخليج المستقبلية بالصين إلا في حالة دعم الأخيرة السياسي والعسكري لإيران ضد دول الخليج، وهذا الاحتمال غير وارد لمصالح الصين الكبيرة مع دول الخليج، إذ تحاول الصين دعم أمنها قدر الإمكان للحفاظ على مصالحها المشتركة معه، بل قد تكون استثماراتها الاقتصادية في إيران مستقبلًا أداة ضغط تستخدمها الصين ضد إيران لمنعها من أي محاولات قد تؤثر على استثمارات الصين في دول الخليج؛ ولذلك الخطر الحقيقي ليس في الاتفاقية الصينية الإيرانية، بل في مدى توسُّع الصين باستثماراتها “القوة الناعمة” في دول الخليج، التي ربما ستستخدمها مستقبلاً كأداة ضغط لتنفيذ سياستها ومصالحها، كما فعلتها الاستثمارات الصينية التي تزايدت في أوروبا نظرًا لتراجع الاقتصاد الأمريكي، يقول رئيس وزراء الدنمارك السابق بين عامي 2009-2001″أندرس فوج راسمسون” في مقالة نشرها بصحيفة “الفاينشيال تايمز” البريطانية، بأن الاستثمارات الصينية الكبيرة في أوروبا قد أثَّرت بالفعل على قرارات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، حيث نجحت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي تتمتع باستثمارات صينية كبيرة، في أن تُسقط بيانًا عقب حُكم ادُّعِي فيه أن حقوق بكين البحرية والموارد البحرية في بحر الصين الجنوبي لا تتفق مع القانون الدولي. وإعاقة اليونان لبيان ينتقد سجل حقوق الإنسان في الصين. إذا كانت الاستثمارات الصينية قد نجحت في كسب قوة سياسية في أوروبا، فكيف سيكون الوضع في دول الخليج، التي استثمرت فيها الصين بمليارات الدولارات خلال الأعوام الماضية، آخرها العام 2019م حيث بلغت قيمة عقود الشركات الصينية 5.5 مليارات دولار في السعودية، و4.32 مليارات في الإمارات، و970 مليون دولار في سلطنة عمان، ومن يناير حتى ديسمبر 2019م، وصل الاستثمار المباشر للشركات الصينية في السعودية 180 مليون دولار. هذه الاستثمارات المتزايدة عامًا بعد عام، خطرها سيكون أكبر على دول الخليج من اتفاقية الصين الإيرانية، وستكون قوة تملكها الصين، وتستخدمها كأداة ضغط سياسي واقتصادي عند تعارُض مصالحها مع مصالح دول الخليج. يجب علينا الموازنة في السماح بالاستثمارات الصينية في دول الخليج، وأن نجعلها في حدود الاستثمار الذي لا يمكنه التأثير على أي قرار نتخذه مستقبلًا.

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. محمد السديري (ضيف الملتقى)

أودُّ أن أتطرَّق في مداخلتي إلى ثلاث نقاط رئيسة:

  • التغطية الإعلامية عن الاتفاقية الإيرانية-الصينية كانت في حالات كثيرة غير دقيقة. الوثيقة المسربة بالفارسية مثلاً لم تحتوِ على أيِّ بنود متعلقة بتحديد رأس المال الذي سيُستثمَر من قِبل الصين، ولم تُعطِ لها الحقَّ في نَشْر قوات عسكرية أو أمنية على الأراضي الإيرانية. أكثر هذه التفاصيل جاءت من مصادر مشبوهة: الـ400 بليون دولار مثلاً طرح لأول مرة على Petroleum Economist في سبتمبر 2019م([46])، والمعلومات المتعلقة بوَهْب جزيرة قشم (جسم) للأسطول الصيني مثلاً يبدو أنها جاءت من المعارضة الإيرانية في الداخل والخارج، والتي لها مصلحة من تصوير القيادة الحالية على أنها أضرَّت بالسيادة الإيرانية. لغة ومحتوى الوثيقة المسربة في الواقع تتبع النمط الدارج في الوثائق الرسمية الصينية: مبهمة في التفاصيل، واسعة في تحديد مجالات التعاون. المعمعة الإعلامية حول الاتفاقية تشبه كثيرًا تلك التي حامت حول الاتفاقيات التي وقَّعها أمير الكويت صباح الأحمد (رحمه الله) أثناء زيارته لبكين في صيف 2018م. تحدَّث الكثيرون في تلك الفترة عن صفقة ستؤدي إلى دخول نصف تريليون (!) دولار من الاستثمارات الصينية، وبناء قاعدة عسكرية صينية على جزيرة بوبيان (لمدة 99 سنة)([47]). مع مثل هذه الأخبار الحساسة، وفي هذا الزمن الذي تنتشر فيه الكثير من الـ fakenews والدعايات المضادة، ينبغي البحث في مصادر لغوية مختلفة وأَخْذ السياقات الدولية والمحلية بعين الاعتبار. الاتفاقية – والتي لم يوافق عليها البرلمان الإيراني – لم تُغيِّر من موازين القوى في المنطقة بالشكل الذي يتصوره البعض.
  • هذا يقود إلى التشديد على أن العلاقات الإيرانية – الصينية تفتقد إلى الثقة الإستراتيجية التي يمكن أن تسمح لها أن تتحول إلى علاقة أمنية – تحالفية على الأقل، على المنظور المتوسط. الصين (مثل روسيا) ساعدت إيران (نسبيًّا) منذ التسعينيات في مواجهة العقوبات الغربية، ولكنها لم تتحدَّ بشكل محوري هذه العقوبات؛ بل التزمت بها خلافًا لرغبة طهران: في 2010م ومجددًا 2018م. كون هذا انطباعًا عند بعض النُّخب الإيرانية أن الصين عندها جاهزية للتضحية بإيران من أجل تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة (وهذه النظرة التي ينبغي التنويه بها موجودة أيضًا بين الدوائر الصينية، حيث إنَّهم يتخوفون من أن إيران من بعد إبرامها لأي اتفاقية مستقبلية مع واشنطن، ستحاول من أن تُقلِّل من النفوذ الاقتصادي الصيني على البلاد). العلاقات الإيرانية – الصينية معقدة، وتوجد مصالح وأطُر سردية متشابهة (أنظمة ذات إرث ثوري في علاقة عدائية أو شبه عدائية مع النظام الغربي العالمي) – كتاب جون جارفر China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World يتحدث بشكل عام عن هذا – ولكنها ليست بمستوى العلاقات الإستراتيجية العميقة التي يمكن أن تتحول إلى علاقة تحالفية. ومثل ما ذكَر أ. فهد عريشي، يحدُّ هذا أيضًا علاقة الصين مع دول الخليج، والتي تعتبر أهميتها الاقتصادية أكبر للصين.
  • قد لا أتفقُ بالكامل مع أ. فهد عريشي عن خطر الاستثمار الصيني على صناعة القرار الخليجي، أو بالأصح، أرى أنه يُمثِّل تهديدًا محتملًا لبعض أعضاء المجلس وليس لغيرهم (عمان – مثلاً – تصدر حوالي 75-84% من صادرتها النفطية للسوق الصيني، وتعتمد بشكل كبير على الصين). الشرق الأوسط عمومًا لا يجذب أكثر من 2-3% سنويًّا من جُلِّ الاستثمارات الصينية حول العالم (قد يتغير هذا بعض الشيء في العقود القادمة). المشكلة الحالية تكمن في أن الخليج لا يمتلك العمقَ المعرفي عن الصين كنظام سياسي ومجتمع وثقافة (أو بالأصح، ثقافات)؛ وبالتالي بتنا نُعيد إنتاج الكثير من السرديات التي هي في الواقع بمثابة دعايات متضاربة عن تلك البلاد وسياساتها الخارجية (ومصادرها عادة إما النظام الصيني نفسه، أو الدول الغربية، أو المعارضات المختلفة)، والتغطية عن الاتفاق الإيراني – الصيني مثال جيد لذلك. الخطر من هذا يكمن في أننا بالتالي لا نستطيع أن نستقرِئ الأمورَ وفق رؤيتنا أو انتهاج سياسات مستقلة. نحن بحاجة للاستثمار في بناء بنية تحتية معرفية عن آسيا، تركز على تنمية المهارات اللُّغوية، وتقديم تعليم معمق في الإنسانيات يركِّز على آسيا (علوم سياسة، أنثروبولوجيا، علم الاجتماع… إلخ).
  • التعقيب الثاني: أ. عائض آل ربيع (ضيف الملتقى)

أتفقُ مع الورقة التي تقدَّم بها أ. فهد عريشي في معظم ما فيها من نقاط جوهرية، والرأي المقترح الذي خُتمت به مع بعض التعقيب على بعض النقاط التي تمَّ ذكرها؛ فلا شك أن الصين في الوقت الحالي رغم ما وصلت إليه من مكانة اقتصادية كبيرة إلا أن هذه المكانة لم تُرضِ غرورَها الخفي إلى الآن، فلا تزال وفودها السياسية والاقتصادية تجوب العالمين الأول والثالث للبحث عن الاستثمارات والشراكات التجارية، ولا يتوقفون عن تكرار أن بلدهم أيضًا بلد نامٍ؛ لكن – في رأيي – القول بعدم انحيازها لدولة دون أخرى كما تفعل أمريكا من مرشح رئاسي لآخر غير صحيح؛ فالصين لا تختلف عن أمريكا في المبدأ؛ فبدلاً من التناوب المعتاد الذي اتخذته أمريكا في التعامل مع قضايا الخليج وإيران والذي يختلف من رئيس لآخر، حيث تلتقي بالإيرانيين سرًّا أو عن طريق الوسطاء، ولكنها في الوقت نفسه باعت السلاح لإيران في الحرب العراقية الإيرانية، أما الصين فتقوم بالالتقاء بالجانبين علنًا في نفس الوقت؛ إذًا كلتا الدولتين تعي ما تفعله، والأمر مجرد اختلاف في أسلوب تنفيذ سياساتهما وفق مصالحهما، وعلينا الوعي بذلك كبداية لفَهْم الوضع بشكل كلي، ثم التركيز على ماذا يجب أن تعمل دول الخليج وعلى رأسها المملكة.

الصينيون يعرضون أنفسَهم كبديل ولو بشكل غير مباشر، يقولون أمريكا استغنت عن نفطكم وستصبحون منافسيها بل وأعداءها في المستقبل المنظور في المجال النفطي، وأمريكا حليفتنا بدورها لم تقم بدور كبير في كَبْح جماح إيران لفترة طويلة واكتفت بالحظر الاقتصادي، وتأثيره مهما بلغ سيطال المواطن الإيراني وليس الحكومة، ولم تلتفت إلى دعوات الدول الخليجية لتصرفات إيران وأتباعها في العراق، ولو وضعت قليلًا من سطوتها لمَنْع التدخلات الإيرانية في هذا البلد، وإظهار جديتها في التعامل من خلال الضغط على الحكومة العراقية، وحتى تصفية رموز التواجد الإيراني في العراق كما فعلت مع الجنرال قاسم سليماني، والذي كان تأثيره المعنوي على إيران أشدَّ وأهمَّ من كل الحظر الاقتصادي الأمريكي، حيث جعل الإيرانيين لأول مرة منذ سقوط النظام العراقي السابق يشعرون بالجدية الأمريكية في التعامل مع تجاوزاتهم. ومع كل هذا، ورغم العلاقات الصينية الخليجية المتطورة؛ إلا أنه ومن خلال ما ينقله الصينيون للإيرانيين أنهم الأقرب لهم في نواحٍ عديدة؛ فالصين رغم نظامها الشيوعي تنظر بقبول الإسلام الإيراني على حساب الإسلام السعودي أو العربي بشكل عام لرعاياها، أو كما يسمونه الإسلام ذا الخصائص الصينية المجرد من الصبغة العربية، بالإضافة إلى التصنيف ونظرتهم المترسخة بحلف الخليج الدائم للأمريكان وخاصة السعودية، ورغم أن هناك إمكانية لمرور طريق الحرير البحري بميناء ذي موقع متميز مثل ميناء جدة، إلا أن علاقة الصين بإفريقيا قد تُوفِّر لها موانئ أخرى بديلة؛ في المقابل، إيران محطة مهمة للصين في طريق الحرير البري الذي يربط بين الصين وإيران وتركيا وروسيا، وما يربط هذه الدول بعضها مع بعض هو عداؤها مع واشنطن، وهو ما تحتاجه الصين في صراعها مع أمريكا، وفي طريقها لتحقيق حلمها للهيمنة على العالم اقتصاديًّا في بداية الأمر ولو بشكل تدريجي.

الأهم مما سبق ذكره، أن هناك تكهنات بأننا نعيش مقدمات مرحلة انتقالية، وتُشكِّل نظامًا عالميًّا وتغيُّرًا في موازين القوى، هذا المتغير لا يخص منطقتنا فحسب بل العالم أجمع؛ ولذا المتغيرات المتسارعة المرئية على السطح تُخفي خلفَها احتماليات أكبر وظهور مستجدات تستغرق وقتَها الطبيعي لتتشكل، وهناك في نفس الوقت مقاومة للحدِّ من هذه المتغيرات وتحجيمها. هذا الأمر المُلِحُّ يُجبر الدول كافةً على ضرورة القيام بحسابات دقيقة للغاية، ونحن أولى بالقيام بذلك في منطقتنا التي قد تكون حلبة الصراع الكوني الحالي بين القوى العظمى لا سمح الله؛ لأنه إنْ خرجت الأمور عن نصابها ولم يتم التوافق والتهدئة بين قطبي العالم؛ فستضطر أمريكا لإيقاف التغول الصيني ربما في الأراضي الإيرانية، والذي لا شك ستطالنا تأثيراته، وهذا يعني حربًا كونية.

بناءً على ما تم ذكره، فالإيرانيون في وَضْع صعب، ولو عُدنا للتاريخ الإيراني نجده يتكرر؛ فطالما كانت حساباتها غير دقيقة في انحيازها للقوى العظمي المتصارعة تكرَّر في الحربين العالميتين الأولى والثانية، هذا الوضع الصعب اضطرهم إلى تسريب بعض بنود المعاهدة وذلك لجسِّ النبض الأمريكي، وربما خوفًا من غضبه وردة فعله وتمهيدًا لخَلْق مساحة من التفاوض، وليس أدل على ذلك من أن المعاهدة حسب الإيرانيين والصينيين تمَّ التوافق عليها في عام 2016م، ولكنها بقيت مشروعًا مع وَقْف التنفيذ لأربع سنوات، وهذا التسريب إشارة لرغبة إيران من أمريكا بالعودة للتفاوض حول الاتفاق النووي ورفع العقوبات، ولم يكن التسريب الإيراني إلا بغطاء ورضا صيني مؤقت؛ ربما لأن الوقت ليس في مصلحة الصينيين حاليًّا للقيام بمثل هذه الاتفاقية.

الحقيقة أن هذه الاتفاقية مُضِرَّة وشرٌّ محض في كل تفاصيلها سواء تمت الآن أو لاحقًا؛ فالمراقبون يرون خطرَ المعاهدة على أمريكا وسمعتها وهيمنتها في المنطقة، بل في العالم، وإذا صدَّقنا بذلك فالأهم والأخطر على أمريكا وعلى منطقة الخليج هو أن تأجيلها لا يعني إلغاءها، والحقيقة أنَّ مَن قرأ فقط ما تسرَّب منها يُدرك أن ضررَها الأكبر على منطقة الخليج، والخاسر الأكبر فيها إيران في كل الأحوال سواء بإتمامها أو بدونه. بالنسبة للصين، فإلغاؤها أو تأجيلها لن يضرها شيئًا؛ لأن الصين كسبت في هذه الجولة في صراعها مع أمريكا نَقْل الصراع من داخل الصين في ردِّها على كثير من الملفات التي تثيرها أمريكا من عدم مراعاة حقوق الإنسان والمسلمين وغيرها، فقد استطاعت ولو مؤقتًا إبعادها من محيطها إلى منطقة الشرق الأوسط المضطرب في الأساس.

في رأيي، إنْ تمَّ التوقيع على الاتفاقية، فلن يتم التوقيع على كلِّ ما فيها؛ لأنه لن تسمح به أمريكا، ولهذا أرجح أنه سيتم انتقاء بعض بنودها للتوقيع عليها كما اعتدنا من الإيرانيين، وسيكون بعد لقائهم الأمريكان سرًّا أو علنًا، والغالب أنهم سينتقون منها البنودَ التي تُلحق الضررَ بمنافستها من الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية، وخاصة تلك المتعلقة بأسعار تفضيلية في المجال النفطي للصين التي ترغب في تأمين مصادر مختلفة للطاقة من الإيرانيين والخليجيين، بل وحتى الأمريكيين مؤخرًا.

استبعدت الورقة احتمالية أن الاتفاقية قد تسهم في محاولات إيران زعزعة استقرار المنطقة، وأنها لن تؤثر إلا في حالة دعم صيني سياسي وعسكري لإيران ضد دول الخليج، وأن الخطر الأكبر ليس من الاتفاقية؛ بل من توسيع استثماراتها في دول الخليج، ومن ثَمَّ استخدامها قوة ضغط لتنفيذ سياستها ومصالحها؛ ولهذا فالورقة تدعو للموازنة في الاستثمارات الصينية في دول الخليج. والحقيقة أن كل شيء ممكن، فالصين دعمت إيران سياسيًّا في كثير من المواقف باستخدام الفيتو، ولم تتأخر عن بيعها الأسلحة في السابق، وترغب في التعاون العسكري حاليًّا.

أتفقُ مع الرأي الذي انتهت إليه الورقة بأنه يجب الموازنة في السماح بالاستثمارات الصينية في دول الخليج في حدود لا يمكنها التأثير على القرارات المستقبلية، وإذا كانت هناك إضافة إلى ذلك فيجب التفكير في شراكة وتبادل تجاري موسَّع من دول واعدة كالهند، وتطوير العلاقات معها بما يخدم مصالح الجانبين، ويعمل توازنًا في العلاقات مع الصين كما تفعل هي في سعيها لتنويع مصادرها من الطاقة وعدم اعتمادها على دولة بعينها؛ فهي تسعى لتأمينها من إيران والخليج وأمريكا في الوقت ذاته، بالإضافة لتنقيبها الداخلي. وبالتوازي مع ذلك، لا بد من استمرار التفاهم مع الحليف الأمريكي وحثه على التعامل بجدية مع تدخلات إيران وخاصة في العراق؛ لأنه المفتاح الوحيد للتعامل مع الإيرانيين، وهو نقطة ضعفهم وقوتهم. الأمريكان لديهم حساسية في شراكتنا مع الصين في بعض الملفات، ويجب التأكيد بأنها شريك تجاري لنا مثلما هي أكبر شريك تجاري لهم أيضًا، وكما أن اليابان الشريك التجاري الثالث للصين، والهند شريكها السابع.

  • المداخلات حول القضية:
  • التأثيرات المحتملة للاتفاق الصيني الإيراني:

طرح د. سعود كاتب تساؤلًا مفاده: ما التأثيرات المحتملة للاتفاق الصيني الإيراني – حال تنفيذه – على دول الخليج؟ وهل تتساوى تلك التأثيرات؟ وهل تقف الدول الخليجية على أرضية واحدة مشتركة تؤهِّلها لاتخاذ موقف واحد مشترك لضمان أمنها ومصالحها أمام هذا الاتفاق؟

وبدوره أوضح أ. فهد عريشي أن هذا الاتفاق في حالة تنفيذه يُمكِّن إيران من منافع اقتصادية تستخدمها كالعادة لدعم ميليشياتها، والعمل على تنفيذ أجندتها، وستكون السعودية الهدفَ الأول لوجود أرض خصبة لهم في الحد الجنوبي مع الحوثي. أما إجابة السؤال الثاني فيجعلنا نعود لمواقف دول الخليج في قضايا حرق السفارة السعودية في طهران، وعاصفة الحزم، ومقاطعة قطر؛ فالمواقف المتباينة لدول الخليج في هذه القضايا تثبت أننا ما زلنا لم نصل لمستوى اتخاذ موقف موحَّد حتى ضد ما يحمي مصالحنا وأمننا المشترك.

من جانبه يرى أ. فهد الأحمري أن المسألة دون شك عبارة عن بضاعة تُعرض وزبائن تتلقف، ولا يهم التاجر العلاقات الثنائية بين الزبائن، غير أن السياسة قد تطل بعباءتها على الصفقات الدولية بنسب متفاوتة. والسؤال كيف هي الصور السياسية/التجارية في عرقلة صفقات دولة على دولة معادية، ومثاله دول الخليج لو حاولت عرقلة الصفقات الصينية الإيرانية العسكرية أو جزء منها؟ والسؤال الآخر؛ فيما ذكره كاتب الورقة الرئيسة من أن الصين لم تُعلن عن صفقتها مع إيران، وأن الأخيرة هي التي سربتها، فلماذا تُخفي الصين هذه العمليةَ رغم أن الصين لا تُبالي بالحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة على إيران؟ وهل هي تنتظر انتهاء وقت الحظر الدولي لتُعلن عن الصفقة؟

وعقَّب أ. فهد عريشي بأنه عندما بدأت العلاقات السعودية الصينية كان أول شروط الصين لعقد العلاقات هو أن يتم تخفيض العلاقات مع تايوان من سفارة إلى مجرد مكتب تجاري وخلال سنة واحدة فقط، وهذا ما تم؛ ولذلك فمن الطبيعي جدًّا أن يتم مناقشة قَطْع العلاقات مع إيران مع أي دولة كانت، وكما نفعلها ونطلبها مباشرة من الولايات المتحدة، دون تأثير على الصورة السياسية أو التجارية، وخاصة لو نجحنا في إيصال رسالة إعلامية أن هذه المطالبات هدفها حفظ السلام في المنطقة، وحماية أمن العالم من مخططات إيران الإرهابية. أما بخصوص سبب عدم نَشْر الصين لهذه الاتفاقية، فالتصور أنها ما زالت مجرد مسودة تحت يديها الآن للتعديل، وربما بعد التعديل لن توافق إيران لأي سبب كان؛ ولذلك من المبكر الإعلان عنها.

أما م. سالم المري فيرى أن هذه الاتفاقية في الواقع إنْ تم توقيعها وتنفيذها فستعطي إيران غطاءَ فيتو في مجلس الأمن لتقوم بمخالفاتها وتنمرها، وتعيث فسادًا في المنطقة، إضافةً إلى أنها ستُتيح لها إكمال ما ينقصها في مجال تكنولوجيا التصنيع العسكري، وليس من المستبعد أن يشمل ذلك التكنولوجيا النووية كما فعلت الصين مع باكستان. يُضاف إلى ذلك أن الصين زبون دائم لشراء البترول الخام، وستضمن سوقًا للبترول الإيراني مما سيُخفِّف تأثير العقوبات الأمريكية على إيران. ومع ذلك، فإن إحدى مشاكلنا في دول مجلس التعاون عدم وجود خطط إستراتيجية فاعلة أو جدية في مجال التصنيع العسكري أو التكنولوجيا بوجه عام، بعكس الإيرانيين؛ ولذلك حتى ولو تم الاتفاق مع الصين فلن نستفيدَ منها كما يستفيد الإيرانيون. كما أن ارتماء دول الخليج في أحضان الإدارات الأمريكية المتعاقبة مصدر ضعف وتهديد، حيث لا يخفي الأمريكان استخفافهم بنا وبدولنا وبنظُم الحكم في الخليج، ويسخِّرون علاقاتهم بالخليج لصالح اقتصادهم ولصالح إسرائيل. فهم يتحالفون في الخفاء مع الإيرانيين، إضافةً إلى حلفهم المُعلَن مع الصهاينة. والمثال الواضح على توجهات السياسة الأمريكية إجبارهم لبعض زعماء الدول العربية على الهرولة لإسرائيل وإرضائها، لكي يقبلون تلك الدول ويحافظون على أمنها أو يعفونها من العقوبات؛ كل ذلك من أجل مصلحة آنية بسيطة هي الدعاية الانتخابية، كما هو الحال في السودان والبحرين والإمارات وغيرها. وهذا هو مصيرنا مع الولايات المتحدة مهما اجتهدنا في إخلاصنا. والصين حاليًّا لا تثق بعلاقاتها مع دول الخليج، وتدرك أن جميع دول الخليج رهينة السياسة الأمريكية، ولا يمكن أن تعصي الولايات المتحدة لصالح الصين.

وأشار م. فاضل القرني إلى أن الصين لاعب مهم في منطقة الشرق الأوسط. والنسبة العظمى لذلك الدور هي في مجال الطاقة والتجارة، وأن الصين ليس لديها الاهتمام وربما الممارسة الطويلة فيما يخص التحالفات السياسية والعسكرية على وجه الخصوص، مقارنةً بالغرب وتحديدًا الولايات المتحدة. وربما لا تكترث كثيرًا بقضايا المنطقة وخاصةً إسرائيل، إلا أنها تميل شيئًا قليلًا إلى الجانب الإيراني سياسيًّا أكثر من دول الخليج، وهو بالقدر الملائم لا سيما بسبب سوق النفط الإيرانية، ولكن لن يصل إلى درجة حليف. الصين وفي ظل المستجدات في العالم (كورونا، وحرب الأسعار في الطاقة) بالإضافة لبعض العقوبات الأمريكية عليها والتهديد بزيادة التعرفة الجمركية، ستكون في الوسط والحذر، ببساطة سوق بضائعها (الكثرة والجودة) هو في الدول الغربية والولايات المتحدة أكبر من أسواقها في دول الخليج.

ولطالما وضعت الولايات المتحدة أن النسخ الصيني لتقنيتها مُهدِّد لأمنها القومي، وتُوضَع أهدافٌ إستراتيجية في إستراتيجية الأمن القومي، ولكن تصطدم مع طلب الأسواق الأمريكية للصناعات الصينية. الإيجابي أن الصين تقف بمسافة واحدة، وهذا هدف يجب على دول الخليج على الأقل المحافظة عليه؛ لأنه سيكون تعويضًا عن متطلبات صناعية خليجية تواجه تحديات سياسية وقانونية من الولايات المتحدة. وأيضًا، ستكون صديقًا، بالإمكان الانتقال إلى حليف اقتصادي سياسي مع الصين والدول الآسيوية وطريق الحرير، وأيضًا قد تكون بمثابة باب خلفي للتواصل الخليجي الإيراني. والتساؤل المطروح كذلك هنا: ماذا عن الصين وتركيا؟ هناك تهديدان ضد العرب، وبينهما تحالف حتى وإنْ كان في تفاهمات حول سوريا واختلافات حول كارباخ؛ إلا أن وحدة هدفهم قد يكون سببًا لاتفاقات بينهم، ولا بد أن الصين هنا لها دور.

وأكد أ. فهد عريشي على أن هناك قصورًا معرفيًّا عن الصين في الخليج والعالم العربي بشكل كامل، هناك غياب في الوعي بأهمية تعاوننا في المجال الثقافي والأكاديمي، وفي المجال الإعلامي مع الصين، واقتصر دورنا فقط في التعاون الاقتصادي الذي لا يكفي لإنجاح أي علاقة بين الشعوب، خصوصًا بين الشعبين العربي والصيني ذوَيْ الاختلاف الجذري في الثقافات وطريقة التفكير.

وذكر د. عائض آل ربيع أن التعامل الأمريكي مع الإيرانيين خلال فترة أوباما ترك انطباعًا شبه مؤكد بعدم بوجود عداء أمريكي إيراني، إذ يصدق فيه المثل الفارسي القائل ” خصام الزوجة مع زوجها لا يصدقه إلا البلهاء”، من خلال التساهل في حل مشاكل المنطقة، والسماح لإيران عبر وكلائها بالتدمير في المنطقة، وعدم اهتمامها بقضايا حلفائها وبسبب استثنائية المرحلة القادمة في الاقتصاد العالمي وتأثيراته المحتملة على القطبين الكبيرين سيجعل الحسابات أكثر تعقيدًا، ويفتح الباب على كل الاحتمالات، ولا بد أن يكون ضمن حسابات المملكة ما يمكن أن تضعه أمريكا من مطالب من حلفائها، وربما خَلْق اصطفاف دولي وإقليمي معين يشمل إسرائيل، لا شك هذا إذا كان هناك مواجهة مع الإيرانيين ومن ورائهم الصينيون. والاحتمال الآخر هو أن أمريكا وإيران ستعودان للحوار، وهذا ما يدعمه الاتحاد الأوروبي وتتزعمه فرنسا، وهذا ما يبدو أنه الأقرب وتدعمه الصين كذلك، هذا أيضًا يحتاج إلى قراءة واستشراف؛ فهل لو حصل هذا الحوار ستؤثر علينا نتائجه؟ والاعتقاد أن كلا المرشحين في الانتخابات الأمريكية المقبلة لن يكون لديهم مانع من إجراء حوار مع إيران، وقد صرَّح ترامب بهذا من قبلُ، وبذلك يكون قد نجح الهدف من تسريب الاتفاقية للعودة للحوار.

بينما لا يرى د. محمد السديري أيَّ تأثير حقيقي لهذا الاتفاق على المنطقة “حال تنفيذه”، فمحتواه يشبه ما نراه في الطرح الصيني الرسمي مع الجهات الأجنبية. حتى إذا سلَّمنا أن الرقم الاستثماري صحيح – وهو ليس كذلك – لن تستطيع الصين أن تضخَّ هذه الكمية من الاستثمارات داخل إيران (أو أي بلد آخر): فلا يتوافر عندها مثل هذه السيولة.  وفي النهاية، حتى مع التوجيه الحكومي، المستثمر الصيني سيبحث دائمًا عن الربح. وللتنويه، ما استثمرته الصين داخل إيران من 2005 إلى 2020 لا يتعدى أكثر من 26.5 بليون دولار. التأثير الحقيقي الذي يمكن حصوله – وهو ليس مرتبطًا بالاتفاقية – هو أن الشركات الصينية (والروسية) ستحاول توسيع صادراتها العسكرية لإيران مع انتهاء حظر الأمم المتحدة على بيع الأسلحة، ولكن حتى مع هذه توجد حواجز أهمها الضغوطات الأمريكية (والتي ستُوظَّف تحت إدارة جمهورية أو ديموقراطية): إذًا سيكون التأثير محدودًا. أيضًا، فإن الدول الخليجية ليست على أرضية مشتركة تسمح لها بالتعامل مع أي مستجدات أو تهديدات طارئة للأسف. أما فيما يتعلق بالعلاقات الصينية – التركية فهي معقدة؛ حيث توجد ملفات شائكة بين الطرفين، من ضمنها القضية الويغورية وسوريا، ولكن يبدو أن حزب العدالة والتنمية (AKP) في السنوات الأخيرة بدأ بالنظر إلى الصين كــــ”شريك إستراتيجي” بحكم توتُّر علاقاتهم مع الغرب وتدهور الاقتصاد التركي.

  • آليات مواجهة السعودية للتحديات المتعلقة بالاتفاق الصيني الإيراني:

من وجهة نظر م. سالم المري، فإن من مصلحة دول الخليج وقادتها الخروج من دائرة الضغوط الأمريكية، ولكسب الاحترام والجدية لدى الدول الأخرى بما في ذلك الصين؛ وهذا يمكن تحقيقه بوَضْع شرعية محلية مُعترَف بها عالميًّا لأنظمة الحكم، والاعتماد على ذلك دون الحاجة للانصياع لطلبات الإدارات الأمريكية أو محاولة كسب رضاها وحمايتها ومباركتها عند أدنى تغيير سياسي في دول الخليج. أما القول بتوازن الاستثمارات الصينية في الخليج فهذا غير صحيح؛ لأنه لا يوجد استثمارات للصين يمكن استخدامها للضغط على دول الخليج. فالموجود عبارة عن عقود عمل تفوز بها الشركات الصينية في المناقصات. فالصين لا تبني مصانعَ خارج الصين إلا لمَن يقوم بشراء تكنولوجيا ويبني مصنعًا على حسابه، فهم لا يمانعون ولا يحتكرون التكنولوجيا؛ لأنهم أنفسهم في الغالب ناقلوها وقد لا يملكونها. ومن ناحية أخرى، ليس من المستبعد أن تتحسَّن العلاقات الأمريكية الإيرانية على حساب العرب؛ فمن متطلبات التفوق والتمدد الصهيوني في المشرق العربي قيام حلف إستراتيجي أمريكي/إسرائيلي – إيراني، وهذا ما حصل في العراق. وعليه، فإنه من المهم لدول الخليج محاولة كسب الصين وموازنة العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة، ومحاولة ضمان عدم استخدام الفيتو الصيني ضد مصالح دول الخليج. وكذلك يمكن الاستفادة من الصين في الحصول على بعض التقنيات والصناعات التي لا يمكن الحصول عليها من الغرب، حتى ولو تطلَّب ذلك بعض التسهيلات للصينيين، كما هو الحال مع الأمريكان والغرب. ولكن كيف يمكن كسب الصين وضمان عدم مناصرتها لإيران دون إحداث شرخ عميق في العلاقات الخليجية الأمريكية، على الأقل في الوقت الحاضر؟ هنا تكمن المهارة إنْ استطاع الخليجيون تحقيق ذلك!

ويرى م. فاضل القرني أن المملكة عليها أن تعمل على توطيد العلاقات البينية مع الصين عبر الوسائل السياسية، وفي كافة مجالات: العلاقات الثنائية الاقتصادية، والطاقة، والتبادل التجاري، ونَقْل التقنية الصناعية. كذلك فإن الصين بلد ذو ثقافة ضاربة في الزمن؛ لذا يمكن الارتقاء بالتبادل الثقافي والحضاري، وإيفاد البعثات العلمية، وإقامة الأسواق والمهرجانات من الطرفين.

وفي اعتقاد أ. فهد عريشي، هناك خمس نقاط تستطيع دول الخليج استثمار علاقتها الجيدة والمتينة بالصين لتحقيقها:

  • الحصول على اتفاق أو ضمان من الصين بعدم بيع الأسلحة المتطورة لإيران، في مقابل أن تقوم دول الخليج وبالذات السعودية بشرائها، كما حدث عند زيادة الأمير بندر بن سلطان للصين، وعرَض عليهم شراء كافة الأسلحة التي تطلبها إيران، وبسعر مضاعف.

2- العمل مع الصين لإقامة منطقة التجارة الحرة في الخليج؛ مما يسهم في تحفيز الصين لحفظ أمن المنطقة دفاعًا عن مصالحها المشتركة.

  • التعاون في مجال الطاقة النووية السلمية؛ وذلك لتطور الصين في هذا المجال الذي تستطيع دعم دول الخليج فيه.
  • كسر احتكار الدولار للتعاملات النقدية مع الصين، والتسوية باليوان ستدفع الصين للنظر في تعزيز التعاون مع السعودية ودول الخليج في مجال الطاقة والجوانب الأخرى.
  • نقل الطاقة عبر ميناء جوادر في باكستان؛ مما يوفِّر كثيرًا من التكاليف والأوقات بشكل كبير (يمكن وصول البترول إلى الصين في حوالي 10 أيام فقط)؛ وسيتم تقصير مسافة نقل النفط السعودي والخليج إلى الصين بنسبة 85٪.

النقاط السابقة بوسعها بجانب أي مقترحات عملية إضافية أن تخفض من جاذبية إيران للصين، وتقلل من مكانة النفط الإيراني للصين، الذي يعتبر العامل الأول الذي يحفِّز الصين لتطوير علاقتها مع إيران.

وفي تصوُّر م. خالد العثمان، فإن أن فكرة الالتزام بشراء الأسلحة لحرمان إيران منها فكرة غير واقعية.. هي كما لو قامت وزارة إعلام في إحدى الدول بشراء كل النسخ المطبوعة من كتاب ممنوع لديها لمَنْع انتشار بين الناس. وبدوره أوضح أ. فهد عريشي أن المقصود هو شراء الأسلحة المتطورة التي تطلبها إيران وليس كل الأسلحة. هذا الضمان هو أيضًا من الولايات المتحدة لإسرائيل أن تكون أسلحتها تفوق تقنيًّا وقوة الأسلحة التي تُباع لدول الخليج.

وعقَّب م. فاضل القرني بأن الصين تريد بيعَ السلاح لمَن يشتري، وبديهي جدًّا أنها تنظر لإيران كعميل جاهز. والجوانب المغرية في شراء السلاح الصيني، أنه لا يواجه تحفظات سياسية أو قانونية في وقت تطورت الأسلحة الصينية في أدائها ودقة تأثيرها وكثافة عددها. وأيضًا، ثمة تحسُّن ملحوظ عن السابق في التدريب ومساندة تلك الأنظمة. والتصوُّر أن التركيز سيكون على الأنظمة غير المأهولة عالية الدقة، وصغيرة الحجم، والذكاء الاصطناعي، وتقنية المعلومات والحرب السيبرانية في المجالات البحرية والجوية والعمليات التخريبية. ويأتي بعد ذلك تعزيز القدرات الصاروخية. أما فيما يخصُّ التسلُّح النووي، فالاعتقاد أن الصين لن تأخذ المخاطرة في الوقت الراهن ولفترات قادمة، فهي لا تريد تأجيج العداء ضدها مع زخم الحرب الإعلامية بسبب كورونا.

من جانبه، أشار د. محمد السديري إلى أنه لا يتفق مع ما ورد من مقترحات أوضحها أ. فهد عريشي لتقوية العلاقات الصينية – الخليجية، لعدة أسباب:

  • أولًا: قد تكون هناك مساحة للدول الخليجية للضغط على الصين بالنسبة لموضوع بيع الأسلحة لإيران، ولكن موقعها ونفوذها الآن مختلف عن الثمانينيات (السعودية لم تؤسِّس علاقات رسمية مع الصين بعد، ونقد المبيعات الصينية لم يأتِ فقط من السعودية، بل ومن دول أخرى مثل عمان).
  • ثانيًا: موضوع المنطقة التجارية كان قيدَ النقاش منذ 2005، وهو مشروع يتمتع بدعم سياسي؛ ولكن توجد حواجز حقيقية أمامه: الصين لا تريد أن تُقدِّم أيَّ تنازلات متعلقة بالبتروكيماويات الخليجية، وهذا يعني أن المنطقة التجارية – من المنظور الخليجي على الأقل – لن تكون مجزيةً اقتصاديًّا (وهذه المسألة كانت في قلب المفاوضات الخليجية – الصينية). هذا فضلاً عن أن دول مجلس التعاون غير متحدة الآن، وعلى المنظورين القصير (والمتوسط)، ولها تاريخ من التفاوض مع أطراف مختلفة بشكل مستقل (اتفاقية البحرين مع الولايات المتحدة).
  • ثالثًا: بالنسبة لتعميق التعاون النووي – هذا حاصل الآن – ولكنه تعاون سيؤدي إلى جلب ضغوطات أمريكية على السعودية (مثل ما هو حاصل الآن مع التعاون التكنولوجي).
  • رابعًا: فكرة كسر احتكار الدولار ستكون لها تداعيات على الاقتصاد السعودي وعلى العلاقات السعودية – الأمريكية: الموضوع ليس بتلك البساطة (وإنْ كان هذا الأمر مرغوبًا من قِبل الصينيين).
  • خامسًا: موضوع نَقْل النفط عبر جوادر، له إشكاليات لوجستية حقيقية متعلقة بنقل النفط على مسافة 2000 كيلومتر (فقط إلى كاشغر)، ومن ثَمَّ إلى الداخل الصيني حيث الكثافة السكانية والاستهلاك، عمومًا استثمرت السعودية في بنية تحتية للطاقة في فوجيان وشاندونغ على مدى عقود، هذا غير شراكاتها مع منشآت التكرير المستقلة في الصين، والتي يعتبر من الأسهل الوصول إليها بحريًّا. (هناك دراسة في مركز الفيصل عن الدور السعودي المحتمل في قوادر:

https://www.kfcris.com/pdf/fff6a7d2d8c77030bd0243ca7632047c5f3d17b470b58.pdf).

إنَّ الصين تعتبر الشرق الأوسط (أهم منطقة من بين المناطق التي لا تعتبرها مهمة). والصين ليس لديها الرغبة الآن – حتى مع تغيُّر الخطابات الداخلية هناك وتزايد حدة العلاقات الأمريكية-الصينية – لبناء تحالفات عسكرية-أمنية مع أطراف قد تلهيها عن الساحات الرئيسية إستراتيجيًّا لها: شرق آسيا، جنوب شرق آسيا، المحيط الهادئ ووسط آسيا. علينا أن نستقرئ الأمور ونضعها في سياقها الصحيح، وأن نتفادى التهويل. والتصور أن الإستراتيجية الخليجية الأفضل هي المحافظة على وتيرة العلاقات الحالية مع وضع إستراتيجية طويلة المدى لتقليل اعتمادنا على الأطراف الخارجية، وتقليل محاولاتهم للتأثير علينا (ومن ضمن هذه الأطراف الصين). علينا أيضًا أن نأخذ بعين الاعتبار في وَضْع مثل هذه الإستراتيجية أن الديناميكيات الإيجابية في علاقتنا مع الصين مؤقتة، وستُحدث تغيرات هيكلية – للمهتمين، وتتناول المقالة على الرابط التالي هذا الأمر بشكل مُوسَّع:

https://www.researchgate.net/publication/336798609_An_Overview_of_Sino-Gulf_Relations_A_’New_Era’_of_Growth_and_a_Future_Era_of_Stagnation

أما د. عبد الإله الصالح فيرى أن الرأي الحصيف ينصُّب في صيانة تحالفاتنا التقليدية (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا…) والانفتاح في حدود المصلحة والمنفعة المتبادلة مع الصين.. (والتقليل من التهويل حيال نتائج الاتفاقية الصينية مع إيران)؛ كل ذلك بطريقة تعتمد ترسيخ الموثوقية في التعامل، والسعي لمزيد من الاستقلال في القرار. ولكن هناك زاوية من المهم أن نبحثها بعمق ولا نهملها لأنها أساسية، وتحديدًا النواحي الدينية والثقافية؛ حيث إنَّ المملكة تتربع وسوف تبقى في الواجهة في مجال القيادة والتأثير الإسلامي. ومن المهم أن نحافظ على تأثيرنا الإسلامي لخدمة الأقليات الإسلامية، وتشجيعها على الاعتدال والاندماج (خلاف ما يقوم عليه غيرنا من توظيف الدين لمصالحهم على حساب استقرار الأقليات الإسلامية) في الغرب والشرق؛ لكن التصور أن التعامل مع الغرب له مذاق ثقافي وحضاري مختلف عن الصين، وكلاهما مهم.

وذهب أ. لاحم الناصر إلى أن العلاقة الأمريكية السعودية ستبقى العلاقة الراسخة والدائمة في منظور المستقبل القريب مهما مرَّ بها من فترات فتور وجمود، فهي علاقات إستراتيجية طويلة الأمد، وما سواها فهي علاقات عابرة، تحتمها بعض الظروف والمعطيات، ولا يمكن أن تؤثر في العلاقة الأصيلة بين المملكة وأمريكا، والسعودية تدرك ذلك وأيضًا أمريكا. وهذه العلاقة والشراكة السعودية الأمريكية منذ بدايتها قائمة على الاحترام المتبادل وندية العلاقة وحاجيتها، وقد مرَّت بالكثير من المطبات والصدمات، لكن تمَّ تجاوزها لإدراك الطرفين أهمية العلاقة بينهما؛ فلا يمكن للصين ولا روسيا ولا أوروبا أن تكون بديلاً في الوقت الحاضر ولا المستقبل القريب عن أمريكا، وما يجمع أمريكا والسعودية أكثر مما يفرقهما سياسيًّا واقتصاديًّا.

بينما أكد د. عبد الله العساف على أن الصين، وروسيا، والهند، والنمور الآسيوية – هي دول تتنوع قوتها من الاقتصاد للقوة العسكرية والتقنية، ونحن بحاجة للانفتاح على الجميع، فكما نُنوِّع سلتنا الاقتصادية علينا تنويع سلة علاقاتنا السياسية، والاتجاه شرقًا لا يعني الانسحاب من الحليف الغربي؛ لكن التغيرات العالمية والإقليمية والمصالح الشخصية تلزمنا أن نسلك هذا الاتجاه، التنوُّع قوة لنا، ولا يستطيع أحدٌ ابتزازنا بعلاقة يُفترض أنها متكافئة والمصالح مشتركة.

وعقَّب أ. لاحم الناصر بأن التنويع مطلوب، إلا أن علاقتنا القوية مع أمريكا واستمرارها قوية لا يتعارض مع ذلك، لكن يجب دائمًا ألا تطغى العلاقات الهامشية على صلب العلاقات، ويجب أن تُستخدَم العلاقات الهامشية لتعميق جذور صلب العلاقات وشدها نحونا عندما تجنح للبُعد لأي سبب كان.

واتفق د. سعود كاتب مع ذات الطرح، حيث ذهب إلى أن العلاقة مع الولايات المتحدة هي علاقة ينبغي المحافظة عليها وترسيخها في مختلف الظروف. غير أن رسوخ تلك العلاقة واستمراريتها يتطلب أن يشعر الحليف الأمريكي بأننا في موقف قوة، وليس اعتمادًا كليًّا عليهم. من أجل ذلك؛ فإن تطوير العلاقة مع الصين وأيضًا روسيا ينبغي أن تستمر، كما أشار د. عبد الله حتى لا يتم الضغط علينا أو حتى ممارسة الابتزاز معنا.

وبدوره أشار د. إبراهيم البعيز إلى أن الصداقة/العلاقات مع أمريكا هي التي يمكن أن تعول عليها. بينما يرى د. مساعد المحيا أنه وفيما يخصُّ التحالفات فلا يمكن أن تكون مع أكثر من طرف، أما فيما يتعلق بالعلاقات الإستراتيجية فهي متاحة وواسعة، كما أن الشراكات العلمية والاقتصادية وغيرها يمكن أن تكون فعلاً ذات نطاق أرحب.

وأضاف د. عبد الإله الصالح أن العلاقات المؤسسية الناجحة هي التي تتكوَّن وتترسَّخ وتستديم على كافة المستويات (الإستراتيجية والحكومية والقطاع الخاص الاقتصادي والتعليم والثقافة / الديني والشعبي). وهذا النوع من العلاقات يتحمَّل القيادة بالشطحات والأزمات المختلقة أو الحقيقية (والقيادة بالشطحات هي ليست امتياز ترامب، بل امتياز الأنظمة السياسية مثل الأنظمة الأمريكية التي يتنافس القادة فيها على عواطف الشعب وإثارة الإعلام). الصين سوف تواجه أزمات في المستقبل، ولكنها لن تتوقف عن الانتشار، وتوقُّع الأزمات مفتاح للعمل معهم.

  • التوصيات:
  • العمل على الارتقاء بالعلاقات السعودية (الخليجية) مع الصين في جميع المجالات: السياسية، والاقتصادية، والثقافية، وتقنية المعلومات، والأمن السيبراني.
  • المحافظة على وتيرة العلاقات الحالية مع أمريكا والصين، مع وضع إستراتيجية طويلة المدى لتقليل اعتمادنا على الأطراف الخارجية، وتقليل محاولاتهم للتأثير على المملكة.
  • تنويع شبكة علاقاتنا السياسية هو أمر بنفس أهمية تنويع علاقاتنا الاقتصادية.
  • إنشاء أو التشجيع على إنشاء وتفعيل مركز دراسات للصين (السياسة والثقافة واللغة والاقتصاد….) يكون مستقلًا، ولكن له استدامة ويُموَّل من القطاعين الخاص والعام من الصين والمملكة.

القضية الرابعة

ماذا لو استمر كورونا عامًا آخر؟

(25/10/2020م)

 

  • الورقة الرئيسة: أ. نبيل المبارك
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. رجا المرزوقي (ضيف الملتقى) (*)
  • التعقيب الثاني: د. إحسان بو حليقة
  • إدارة الحوار: م. عبد الإله عثمان الصالح

  

  • الملخص التنفيذي:

طرحت الورقة الرئيسة تساؤلًا مفاده: ماذا لو استمرت جائحة كورونا عامًا آخر؟ ما الاستعدادات لمواجهة الوباء طبيًّا، والتبعات الاقتصادية إذا ما اضطررنا لتفعيل سياسة الحجر أو الحد من الحركة مثل موضوع الحد من التنقل بين المدن والدول، كما هو حاصل في حالة النقل الدولي؟ هل ممكن أن ينغلق العالم على نفسه مُجدَّدًا؟ وقد بدأت بعض الدول مثل بريطانيا وأستراليا وويلز وأيرلندا فعلًا في حجر كامل أو جزئي.

وأشار أ. نبيل المبارك إلى أنه يصعب تصوُّر أن نعودَ لنفس الإجراءات التي اتُّخذت مع بداية انتشار الوباء لكل دول العالم، لكن إجمالًا يمكن التأكيد على ضرورة إعادة دراسة السياسات الاقتصادية والمالية وكذلك النقدية، من خلال قراءة جديدة تضع في الاعتبار إمكانية استمرار الجائحة لفترة أطول، ومحاولة التوفيق بين الظرف الطارئ متمثِّلًا في الجائحة وبين برامج وطموحات رؤية ٢٠٣٠، في جميع مناحي الحياة؛ في الجانب الاقتصادي المباشر أو المناشط الأخرى، مثل: الصحة، والتعليم، والثقافة المجتمعية، وحتى برامج الاستثمار التي يمكن أن تذهب إلى إبداعات تقنية وبرامجية مثل برامج الألعاب للأطفال، تماشيًا مع التغييرات الاجتماعية التي بدت واضحةً أن العودة للسابق غير ممكنة.

وذهب د. رجا المرزوقي في التعقيب الأول إلى أن جائحة كورونا تسهم في تسريع السياسات المضادة للعولمة إنْ لم يتم تفادي ذلك من قِبل المنظمات الدولية، وبالذات مجموعة العشرين. فالجائحة تُشكِّل منعطفًا تاريخيًّا في مسيرة النظام الدولي، يساعد الدول التي تعمل على تشكيل النظام الدولي. وفي حالة استمرار كورونا عامًا آخر قد ينطوي عليها تغيرات بنيوية في تركيبة الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية بشكل أسرع، تحتم علينا دراستها والتعامل معها. وثمة عدد من المقترحات في هذا الإطار؛ من أبرزها دراسة تجربة المملكة في التعامل مع كورونا واستخلاص الدروس للمرحلة القادمة بكل حيادية، وأهمية العمل لتفعيل دور القطاع الخاص وتقليل دور الحكومة في الاقتصاد؛ لما لذلك من آثار مستقبلية في تقليل الآثار السلبية على الاقتصاد في مرحلة التعافي.

في حين يرى د. إحسان بو حليقة في التعقيب الثاني أن السؤال “ماذا لو استمر كورونا عامًا آخر؟” يختزن قدرًا لا يُستهان به من البعد عن الواقع؛ فالجائحة ستمكث معنا عامًا آخر لا شك، ولكن مع تغييرات تقوم على الموازنة بين اتخاذ الاحترازات لمَنْع تفشي المرض وبين معاودة النشاط الاقتصادي، وأن الحرص في تحقيق التوازن سينتقل بقوة للأفراد، بعد مرور أسر كثيرة بتجارب تعلُّم قاسية ومؤلمة بفقدان عزيز. فسنجد – مثلًا- أن الحضانات ورياض الأطفال والمدارس الابتدائية وما فوق ستعاود فَتْح أبوابها، وستعود الحياة ليس كما كانت؛ بل كما ينبغي أن تكون في ظل وصاية كورونا.

وتضمَّنت المداخلات حول القضية المحورين التاليين:

  • مخاطر وتداعيات جائحة كورونا المتوقعة في الواقع السعودي.
  • رؤية استشرافية لآليات مواجهة المملكة لمخاطر وتداعيات جائحة كورونا المستمرة.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • إعادة دراسة للسياسات السعودية: الاقتصادية والمالية والنقدية، من خلال قراءة جديدة تضع في الاعتبار إمكانية استمرار الجائحة لفترة أطول، ومحاولة التوفيق بين الظرف الطارئ متمثِّلًا بالجائحة وبين برامج وطموحات رؤية ٢٠٣٠، في جميع مناحي الحياة لا سيما:
  • الجانب الاقتصادي المباشر.
  • الصحة.
  • التعليم.
  • الثقافة المجتمعية.
  • برامج الاستثمار التي يمكن أن تشتمل على إبداعات تقنية وبرامجية، تماشيًا مع التغييرات الاجتماعية التي تؤكد أن العودة للسابق غير ممكنة.

 

  • الورقة الرئيسة: أ. نبيل المبارك

الاستعداد والمواجهة:

قبل نحو بضعة أشهر، شهد العالم أجمع جائحة كورونا، كوباء لم يشهد العالم مثلَه خلال المئة عام الماضية، وربما لم يشهد له مثيلًا بالتاريخ من ناحية تأثير الوباء ليس على الجانب الصحي فحسب، ولكن على الشق الاقتصادي كذلك، وهو بيت القصيد للدول والشعوب. وبالتأكيد لن ينتهي الوباء إلا وقد أحدث تغييرًا في وجه العالم، في نواحٍ عديدة سلبًا وإيجابًا. والتأثير أصبح اليوم واضحًا في جوانب كثيرة، مثل: تطور كثير من التقنيات التي لن يتراجع العالم عنها حتى بعد نهاية الوباء.

والسؤال المهم الآن بالنسبة للسعودية؛ ماذا لو استمرت جائحة كورونا عامًا آخر؟ ما هي الاستعدادات لمواجهة الوباء طبيًّا، والتبعات الاقتصادية إذا ما اضطررنا لتفعيل سياسة الحجر أو الحد من الحركة مثل موضوع الحد من التنقُّل بين المدن والدول، كما هو حاصل في حالة النقل الدولي؟ هل ممكن أن ينغلق العالم على نفسه مُجدَّدًا؟ وقد بدأت بعض الدول مثل بريطانيا وأستراليا وويلز وأيرلندا فعلًا في حجر كامل أو جزئي.

بدايةً، يصعب تصوُّر أن نعود لنفس الإجراءات التي اتُّخذت مع بداية انتشار الوباء لكل دول العالم، ولكن ممكن لبعض الدول لأسباب كثيرة؛ أولها: أن الثمن سوف يكون باهظًا اقتصاديًّا وحتى اجتماعيًّا، وثانيها: أصبح لدينا تجربة، وتكوَّنت لدينا خبرة من التجربة السابقة، وبالتالي الدول سوف تتصرف بطريقة أقل حدةً وأكثر ذكاءً بما يُحقِّق الهدفَ الرئيس وهو حماية المواطنين، ولكن بأقل الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الممكنة. إلا إذا كان انتشار الوباء بشكل غير مسبوق ويفوق التوقعات. وثالثًا: وهذا هو الأمل أن يكون توفر اللقاحات واعتمادها رسميًّا من الجهات المختصة والسماح بها مع توفُّر كميات كافية لكافة المواطنين. في هذه الحالة يكون هذا السيناريو الأول والمتوقع بإذن الله.

لكن، ماذا لو لم يتوفر لقاح فعَّال، أو تطوَّر الفيروس بشكل لا ينفع معه اللقاحات التي طُوِّرت منذ بداية الجائحة، أو أن تلك اللقاحات تنفع في مناطق ولا تنفع في أماكن أخرى طبيًّا، لأسباب بيولوجية مثلاً؟

الفاتورة في حالة استمرار هذا الوباء سوف تكون باهظةً ومُكلِّفة، إلا في حالة كان هناك استفادة وتوظيف جيد للخبرة السابقة، حيث وصلت لدينا في المملكة تكاليف وتبعات الوباء أكثر من ٢٠٠ مليار ريال، ولكن ليس كلها مصاريف، ولكنْ جزء منها يعتبر استثمارًا، مثل توسيع عدد الأسرَّة واستعداد المستشفيات مثلاً، فقد حقَّقت المملكة أرقامًا مميزة في عدد أسرَّة الطوارئ وتوسَّعت مستشفيات، وتوزيع مستوى سلاسل الإمداد، وتنويع مصادر الأدوية، وتطوير تقنيات جديدة تساعد في الحد من انتشار الوباء، والاستمرار في إجراءات الوقاية في حدها الأدنى، من تباعد وتعليم عن بُعد، وهو ولله الحمد ما ساعد على أن نكون عكس العالم الذي بدأ يعيش موجةً ثانية بأرقام مخيفة، فيما أرقام الإصابات لدينا والمنحنى في تراجع واضح منذ أشهر وكذلك عدد الوفيات.

والتصوُّر أن لدينا أرضيةً صلبةً لأنْ نتعامل مع الوباء في حالة استمراره لعام آخر، بحيث يمكن السيطرة على التكاليف المترتبة على التعامل مع هذا الوباء، ولكن يبقى التحدي في انتهاج سياسات اقتصادية ومالية ونقدية تساعد على الحدِّ من تأثيرات الوباء، مثل: إعادة النظر في بعض الرسوم والضرائب، ومحاولة مساعدة القطاع الخاص للاستمرار بحيث لا يتفاقم موضوع البطالة والذي وصل إلى أكثر من ١٥٪؜، وهو معدل مخيف، وله تبعات كثيرة خصوصًا أن شريحة كبيرة من السكان هم من فئة الشباب. وقد يكون الوقت مناسبًا لإبداع حلول مالية جديدة مبتكرة يستفيد منها القطاعان العام والخاص على نحو يُحقِّق أكثرَ من هدف اقتصادي، ويُقلِّل من التأثير السلبي لاستمرار الجائحة. والتصوُّر أنه لا يمكن الاستمرار في الدعم المباشر إذا ما استمرت الجائحة، مع استمرار معدلات أسعار النفط كما هي منذ مايو ٢٠٢٠م في مستوى ٤٠ دولارًا للبرميل. وعليه، لا بد من ابتداع حلول وطُرق جديدة ومبتكرة في السياسات الثلاث (الاقتصادية، المالية، والنقدية). ولا بد من المحافظة على الإجراءات الوقائية بشكل صارم. ولا بد من استمرار برامج التوعية بالمرض وخطورة انتشاره، وتبعات هذا الانتشار، وعدم التراخي لأنَّ إمكانية أن نعيش مع الوباء عامًا آخر واردة، ولا نتمنى ذلك.

أهم المخاطر:

  • أولًا: تفاقُم الضغوط على منشآت القطاع الخاص؛ مما قد يؤدي إلى مزيد من الإفلاسات، أو على أقل تقدير، اتخاذ قرارات الخروج الطوعي من السوق، مما يُفاقم البطالة إلى مستويات قد تفوق ٢٠٪؜ قبل نهاية العام. يُضاف إليها تحدٍ طبيعي ولكنَّ الجائحة سرَّعت في حدوثه، وهو اختفاء وظائف نتيجة تطور تقنيات وإمكانية استمرار العمل عن بُعد. وبالأساس وقبل حدوث جائحة كورونا، الجميع يعرف أن عددًا كبيرًا من الوظائف الحالية سوف تختفي، وعلينا مواكبة التطورات واستحداث وظائف تتناسب مع تطور التقنيات وضمان تأهيل الشباب لتلك الوظائف.
  • ثانيًا: القطاع المالي قد يجد نفسَه مع ارتفاع مستوى ديون متعثرة أو في طريقها إلى التعثر مع استمرار أوضاع القطاع الخاص، وهي سلسلة إذا بدأت يصعب إيقافها، وقد ساهمت المبادرات مع بداية الجائحة في إعادة هيكلة العديد من الديون للمنشآت وكذلك تأجيل استحقاق الدفعات؛ ولكن استمرارها أكثر من ذلك، سوف يكون له تبعات غير مرغوبة على القطاع المالي.
  • ثالثًا: تراجع حاد في القدرات الشرائية للمستهلكين الأفراد، مع زيادة معدلات البطالة، وزيادة التكاليف مع وجود الضريبة المضافة، وكذلك تعدُّد الرسوم؛ سوف يحدُّ من معادلة الطلب، مع ما يقابلها من الجانب الآخر في معادلة العرض من تلاشي هامش المناورة في الأسعار نتيجة ارتفاع الرسوم على منشآت القطاع الخاص.
  • رابعًا: قد تتراجع جاذبية بيئة الاستثمار وبالذات أن رؤية المملكة وفي جزء مهم منها تسعى لجذب استثمارات نوعية للمملكة، إذا ما استمرت الظروف غير المواتية، وبعض القرارات التي بحاجة إلى إعادة نظر بأسرع وقت ممكن.

بعض الحلول البديلة التي يمكن التفكير فيها:

هناك حاجة إلى ابتكار حلول لم يسبق أن تمَّ تطبيقها من قبلُ، بما من شأنه مواجهة التداعيات السلبية لاستمرار جائحة كورونا على السعودية، ومن أبرزها:

  1. الضريبة الانتقائية المباشرة على سلع محددة أو ليست أساسية، أو سلع الرفاهية؛ مما يساعد على المحافظة على مستويات استهلاك معقولة تساعد على نمو الدورة الاقتصادية بدلًا من الحالة الحالية.
  2. ضريبة الدخل لذوي الدخل العالي أو ضريبة الثروات، وضريبة الأرباح الرأسمالية؛ كلها ضرائب قد تكون بديلًا جيدًا لزيادة دخل الدولة، وذات تأثير سلبي أقل.
  3. تنشيط سوق الصكوك والسندات للقطاع الخاص والمستحقات على الحكومة، بحيث نساعد وزارة المالية على إدارة الميزانية والصرف على أبواب الميزانية، وكذلك القطاع الخاص؛ من خلال الحصول على النقد واستمرار الأعمال دون رهن ذلك بدورة الدفع من وزارة المالية.
  4. صناديق التوفير أو سندات التوفير بعوائد جيدة وطويلة الأجل، يستطيع الجميع محليًّا ودوليًّا الاستثمار والمشاركة في ضخ سيولة جيدة.

بالتأكيد ما ذُكر أعلاه هو نظرة عامة لما يمكن أن يكون عليه الحال إنْ استمرت جائحة كورونا لعام آخر، دون أن ينقشع أو أن يوجد لقاح فاعل. والمؤكد أن الأجهزة الرسمية رسمت عددًا من السيناريوهات المحتملة، ووضعت خُطط الطوارئ اللازمة.

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. رجا المرزوقي (ضيف الملتقى)

كورونا والنظام الدولي:

  • لا يمكن النظر لجائحة كورونا وآثارها المتوقعة إلا في إطارها الدولي وخاصة التغيُّرات الدولية التي بدأت تظهر على السطح في العقدين الماضيين؛ مما أدَّى لصراع دولي بين مراكز القوى العالمية.
  • أدت العولمة التي تمَّ وَضْع قواعدها وأسسها في منتصف القرن الماضي إلى تقلُّص الحدود الجغرافية وترابط اقتصاديات العالم ببعضها البعض، نتج عن ذلك تغيُّر هيكلي في تركيبة الاقتصاد العالمي والاعتمادية المتبادلة وتشابك المصالح، بالإضافة إلى سرعة انتقال الكوارث الطبيعية أو الاقتصادية بين دول العالم.
  • ساهمت العولمة والانفتاح الاقتصادي في زيادة مشاركة الدول النامية في الاقتصاد العالمي على حساب الدول المتقدمة اقتصاديًّا. أثر ذلك على موازين القوى العالمية ببروز لاعبين جُدد في النظام الاقتصادي العالمي، أبرزهم الصين؛ مما أدى إلى نشوء صراع اقتصادي واضح في السنوات الأخيرة يعمل على تشكيل نظام اقتصاد عالمي جديد ليُغيِّر قواعدَ اللعبة.
  • في خِضمِّ هذا الواقع الذي يعيشه العالم تأتي جائحة كورونا لتتحول من مشكلة محلية إلى وباء عالمي يُعطِّل الحياة كما عرفناها، ويفرض على العالم واقعًا جديدًا في التعامل. كما تحوَّلت الجائحة من مشكلة صحية إلى مشكلة اقتصادية أدَّت إلى تراجع اقتصاد العالم للوراء لأكثر من أربع سنوات، ولا تزال آثارها مستمرةً، وتبعات المعالجات الاقتصادية التي اتُّخذت في حينه ستؤثر على مستقبل الاقتصاد العالمي لاحقًا.
  • ولذا، سوف تسهم جائحة كورونا في تسريع السياسات المضادة للعولمة إنْ لم يتم تفادي ذلك من قِبل المنظمات الدولية، وبالذات مجموعة العشرين. فالجائحة تُشكِّل منعطفًا تاريخيًّا في مسيرة النظام الدولي، يساعد الدول التي تعمل على تشكيل النظام الدولي.

ملاحظات عامة:

  • تحدَّثت الورقة بصورة عامة عن الاستعدادات التي تمَّت خلال الموجة الأولى للفيروس، وعن التجهيزات في قطاعي الصحة والاتصالات والتي ستسهم في التعامل مع الموجة الثانية في حالة حدوثها بدون ذِكْر للزيادة الحقيقة. لم يتم ذِكْر نسبة الزيادة في عدد الأسرَّة والتوسُّع في خدمات الاتصالات، والنسبة المُثلى التي تسهم في التعامل مع الأزمات. وهل فعلًا الحد الأدنى من الزيادة في هذه الخدمات كافٍ للتعامل مع الأزمة؟
  • أشارت الورقة لقدرة الاقتصاد السعودي “لتنويع مصادر وتوزيع مستوى سلاسل الإمداد، وتنويع مصادر الأدوية، وتطوير تقنيات جديدة تساعد في الحد من انتشار الوباء”، وتحتاج هذه المعلومات إلى دعم بالأرقام والمعلومات التي تساعد في معرفة مدى التغيير الذي حصل وآثاره والبناء عليه للمرحلة القادمة.
  • استعرضت الورقة عدة مقترحات أولية لم تُبنَ على دراسة تحليلية تأخذ في الاعتبار العلاقات الترابطية بين متغيرات الاقتصاد والمرونات لأنواع الضرائب ومرونة العرض والطلب. كما أنها ركَّزت على جانب الإيرادات ولم تقدِّم مقترحات في جانب الإنفاق.
  • لم يراعِ مقترح الضريبة والرسوم نسبة الضريبة الحقيقية على القطاع الخاص (effective Tax)، والذي يحتاج إلى دراسة أعمق قبل أي مقترح ضريبي أو رسوم؛ لمقارنته مع بقية دول العالم لتحديد تنافسية الاقتصاد السعودي.
  • مقترح الضريبة على الدخول المرتفعة قد يؤثر في تنافسية الاقتصاد السعودي، وينعكس سلبًا على زيادة نسبة مساهمة الصادرات غير النفطية وما سيترتب عليها من استقدام الخبرات المتقدمة، التي في الغالب لديها قدرة تفاوضية أفضل في الأجور؛ وهو ما يرفع فاتورة الأجور للقطاع الخاص، وقد يُضعف قدراته التنافسية للتصدير.

مقترحات مستقبلية:

  • دراسة تجربة المملكة في التعامل مع كورونا واستخلاص الدروس للمرحلة القادمة بكل حيادية، وأهمية العمل لتفعيل دور القطاع الخاص، وتقليل دور الحكومة في الاقتصاد؛ لما لذلك من آثار مستقبلية في تقليل الآثار السلبية على الاقتصاد في مرحلة التعافي.
  • دراسة تجربة الدول التي استطاعت أن تُقلِّل الآثارَ السلبية على اقتصادها من خلال الاستفادة من تجربة تعاملها مع فيروس سارس، من خلال الاستثمار في نظام للتعامل مع المخاطر والطوارئ وكذلك توسعة قدراتها الصحية.
  • الواقع الجديد لما بعد كورونا هو التحوُّل من الكفاءة (efficiency) للمرونة (Resilience)، والذي يحتم دعمَ الحد الأدنى من القطاعات الحيوية، ورفع درجة مرونتها لزيادة قدرتها في وقت الأزمات، وتقليل اعتمادها على سلاسل الإنتاج.
  • أهمية الاستثمار في البنية الأساسية، بالذات في القطاعين الصحي والتقني، وزيادة الطاقة الاستيعابية بأكثر قليلاً من الحاجة اليومية؛ لتُمثِّل ضمانًا (Insurance) يقلل تكلفة الصدمات في المستقبل.
  • تحليل ودراسة الآثار طويلة الأجل لكورونا، والتغيرات المتوقعة في النظام الدولي، وتبنِّي سياسات اقتصادية تُعظم منفعة المملكة من مرحلة ما بعد كورونا.
  • وفي حالة استمرار كورونا عامًا آخر، قد ينطوي عليها تغيرات بنيوية في تركيبة الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية بشكل أسرع، تحتِّم علينا دراستها والتعامل معها، والاستفادة من هذه التغيرات البنيوية المتوقعة في الاقتصاد العالمي سواء بسبب الجائحة أو بسبب الثورات التقنية والتي ستُشكِّل وجهَ العالم في المرحلة القادمة.
  • التعقيب الثاني: د. إحسان بو حليقة

أما كورونا فلم تبرحنا، وهي بذاتها ليست “حرباء” تتشكل وتتخفى مع كل “موجة”، لكننا نحن نجعلها كذلك، فما أن بدأت كجائحة صحية مطلع العام 2020، حتى عاودت الكَرَّة بسبب “التقارب الاجتماعي” في الأساس، وليس أدل على ذلك من أن انتشارها عاد لأكثر من عشرين بلدًا أوروبيًّا لا تنقصها الإمكانات الطبية، ولكن ينقصها أن تفرض التباعد الاجتماعي. فضلًا عن أن نصف الكرة الشمالي قادم على أشهر باردة، مما يتطلب بطبيعة الحال مكوثًا أكثر في أماكن مغلقة، وهو ما يزيد من احتمال انتشار الوباء.

أما السؤال “ماذا لو استمرت كورونا عامًا آخر؟” فيختزن قدرًا لا يُستهان به من البُعد عن الواقع؛ فالجائحة ستمكث معنا عامًا آخر لا شك، ولكن مع تغييرات تقوم على الموازنة بين اتخاذ الاحترازات لمَنْع تفشي المرض وبين معاودة النشاط الاقتصادي، وأن الحرص في تحقيق التوازن سينتقل بقوة للأفراد، بعد مرور أُسر كثيرة بتجارب تعلُّم قاسية ومؤلمة بفقدان عزيز. فسنجد مثلًا أن الحضانات ورياض الأطفال والمدارس الابتدائية وما فوق ستعاود فَتْح أبوابها، وستعود الحياة ليس كما كانت؛ بل كما ينبغي أن تكون في ظل وصاية كورونا.

والمؤكد أن تحقيق التوازن بين ضرورتين؛ ضرورة تفادي العدوى وضرورة الخروج للعمل ليس أمرًا سهلًا بالمرة، أضف إليه أن العلاج حقيقة يكمن في التباعد الاجتماعي والحفاظ على المسافة، وهذا أمر ثبت أن الفئات العمرية اليافعة والشابة ترفضه؛ مما يُمثِّل تحديًا ضاغطًا، وهو الذي أحدثَ الانتشار من جديد الذي تشهده أوروبا.

ومن جانب آخر، هناك مَن يعوِّل على اللقاح، وهو تعويل في محله، إلا أنه حتى مع وجود لقاح، لن تتمكن حكومات العالم وشعوبه من لملمة أمر كورونا في سنة. ولا يكمن السبب في عدم وجود اللقاح، فالتجارب في مراحلها المتقدمة الآنَ، وبعض الشركات بدأت فعلًا في تصنيع وتخزين جرعات؛ بل السبب هو: (1) توفير العدد الكافي من الجرعات، (2) المنظومة اللوجستية الهائلة المطلوبة لنَقْل اللقاح لكل بلدان الدنيا، (3) امتلاك الدول للمال لشراء الجرعات لوقاية سكانها من الجائحة. وكل ما تعنيه هذه الأسباب أن توفُّر اللقاح لن يتم بين يوم وليلة، بل سيأخذ وقتًا، وستتم تغطية المجتمع على مراحل وفق هرم أولويات تبدأ بالأكثر تعرُّضًا بحكم المهنة أو بحكم المرض أو العمر، مما سيأخذ أشهرًا لا محالة.

أما من الناحية الاقتصادية، فقد نجحت جائحة كورونا في بدء إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي، بأن أوقفت الاقتصاد بمنظوماته المتعددة، فبدا وكأنه أمام إشارة ضوئية حمراء لا تسمح له بالعبور. وفيما الاقتصاد العالمي “ينتظر”، فكَّكت الجائحة العديدَ من مفاصلهِ وأعادت تركيبها وتوصيلها بطريقة مختلفة للحد البعيد. المعضلة أن هناك مَن لم يلاحظ ذلك التغيير، وهناك مَن يرغب في مقاومته ومجابهته، في حين أن الخيار الأنجع هو القفز سريعًا بالاقتصاد لما بعد كورونا؛ وذلك بتوظيف صندوق الأدوات المتاحة تحت اليد، انطلاقًا من أن الاقتصاد: (1) هو منظومة أسواق فيها باعة ومشترون ووسطاء، (2) أن الناتج المحلي الإجمالي ما هو إلا قيمة ما يُباع في تلك الأسواق من سلع وخدمات، (3) أن السوق المُعتلة ستبيع أكثر في حال أنها برأت من اعتلالها.

وتأسيسًا للقفز، فالحل يقوم على خمسة افتراضات أساسية: الافتراض القائم الأول: أن اعتلال الأسواق يحدُّ من قيمة السلع والخدمات التي تُباع، وبالتالي يعيق نمو الناتج المحلي الإجمالي. الافتراض القائم الثاني: أن عددًا من أسواق السلع والخدمات في اقتصادنا المحلي معتلة، يتراوح اعتلالها بين الفشل وتدني الفعالية. الافتراض القائم الثالث: أن ثمة علاجًا للأسواق المعتلة بما يجعلها تبرأ وتنتقل من الفشل إلى الفاعلية، ومن تدني الفاعلية إلى الكفاءة. الافتراض القائم الرابع: أن النجاح في علاج الأسواق من اعتلالها سيؤدي بالضرورة إلى زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي. الافتراض القائم الخامس: أنه من المجدي تصميم وتنفيذ حزمة سياسات مرتكزة على البراهين (evidence-based policies) لكل سوق، لتخرج الأسواق سريعًا (أي في المدى القصير إلى المتوسط) مما هي فيه أو من جُلِّ ما هي فيه أو بعض ما هي فيه.

وما يُعزِّز جدوى خيار “علاج الأسواق” لتحقيق قفزة اقتصادية منخفضة التكاليف وعالية العائد وسريعة النتائج، هو أنه يأتي متسقًا ومُكمِّلًا لجهد هائل، انطلق في السعودية منذ العام 2015 من ملامحه الرئيسة المرتكزات الثلاثة التالية:

  • أولًا: أنه امتداد لبرنامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية والهيكلة الشامل، الذي أُعلن عنه عام 2015، والمكوَّن من 14 بندًا، حيث يُمكن الجدل أن بنود الإصلاحات الاقتصادية والمالية مضت للحد البعيد، أما الهيكلية فما برح المجال أمامها متسعًا.
  • ثانيًا: أن خطوات كبيرة اتُّخذت لإعادة هيكلة منظومة الدعم الحكومي؛ بما يعني إصلاح أسواق المَرَافق التي كانت تعاني أسواقها من فشل (بالمعنى الفني الاقتصادي للعبارة)، باعتبار أنها تبيع إنتاجها بسعر دول التكلفة (بخسارة).
  • ثالثًا: أن خطوات جوهرية اتُّخذت نحو استقلالية الموارد الطبيعية وإخضاعها لاقتصاد السوق، وتحديدًا بأن أُدرجت شركة أرامكو الحكومية في السوق المالية من خلال طرح عام، وصدور مؤخرًا نظام محدث للتعدين بما يُحَوْكِم الثروة المعدنية في البلاد بهدف تحقيق أفضل عائد.

وبالقطع، فإن هذا النهج لا يتطابق مع معايير تستخدمها العديد من الاقتصادات المتقدمة في العالم، بسبب تفاوت الأحوال من بلدٍ لآخر، فما يصلح لاقتصاد متقدم لا يصلح لاقتصاد نامٍ أو ريعي. ومن جهة أخرى، فتراجع الإيرادات النفطية وغير النفطية وضبابية أفق نمو الاقتصاد العالمي يدفع للركون لأرضية صلبة متدنية المخاطر، تقوم على إصلاح الأسواق وانتشال بعضها من حالة تراوح بين الفشل والعيش على الحافة.

  • المداخلات حول القضية:
  • مخاطر وتداعيات جائحة كورونا المتوقعة في الواقع السعودي:

ذكر د. حميد الشايجي أنه بعد أسابيع معدودة نحتفل بعيد ميلاد كوفيد١٩ الأول، وإلى الآن لم يتم التوصل إلى علاج أو لقاح له. ولا تزال الأسئلة نفسها قائمةً دون إجابات، هل هو خطأ مخبري أم نتيجة تفكير إنساني جهنمي موجَّه؟ أم خلل في الطبيعة؟ المتخصصون يقولون إن من عادة الفيروسات ومهما حصل بها قفزات تظل تصيب جهازًا عضويًّا واحدًا. بينما فيروس كورونا المستجد هذا يصيب أربعة أجهزة في آنٍ واحد؛ لأنه خلطة وتجميع لأربعة فيروسات في آنٍ واحدٍ؛ ولذلك كلما تمت مقاومته في زاوية من زوايا الجسم، انتقل إلى زاوية أخرى. ومن هذا المنطلق، فإن مَن يقف وراء هذا الفيروس إلى الآن لم يغنم المغانم المخطَّط لها؛ لأن حاجة ما لم تسر مثل ما هو مُخطَّط لها، وهو ما يعني أن حسم الموضوع لن يكون قريبًا.

وأشارت د. وفاء طيبة إلى بعض الجوانب غير الاقتصادية لجائحة كورونا والمتوقع استمرارها باستمرار الجائحة. ففيما يتعلق بالتعليم – على سبيل المثال – وما خسره خلال هذه الجائحة ليس في السعودية فقط، ولكن بشكل عام في العالم؛ فقد ذكر تقرير صدر في سبتمبر ٢٠٢٠ لـ OECD أن الخسارة في التعليم كبيرة ويصعب تعويضها حتى لو فُتحت المدارس الآن وبنفس قوتها وأدائها السابق، وهذه الخسارة سوف يكون لها تأثيرٌ اقتصاديٌّ على كلٍّ من الطالب والدولة التي يتبع لها. والدراسات الأولية تشير إلى أن الأطفال في الصفوف ١ – ١٢ المتأثرين بالجائحة وإغلاق المدارس سيخسرون ٣٪؜ من دخلهم المتوقع في الرشد، وبالنسبة للدولة فسيتأثر GDP لكل دولة بنقص ١.٥٪. وبالطبع، هذه الخسارة ستكون أكبر بالنسبة لبعض الأسر الأفقر والتي لن تستطيع توفير بعض الفرص الإضافية للتعلُّم لأبنائها. أيضًا، فقد ذكر تقرير OECD أنه تمت دراسة في ٢٠٢٠ على تطبيق يقدِّم مادة الرياضيات، ويُستخدَم في الولايات المتحدة مع الطلبة قبل جائحة كورونا، ووجدت الدراسة هبوطًا قويًّا في درجات الطلبة بعد الجائحة خصوصًا في مجموعة الطلبة من المستويات الاجتماعية الأقل حظًّا. كما أشار التقرير إلى دراسة تمت في ألمانيا، توصَّلت إلى انخفاض عدد ساعات الدراسة أثناء التعلُّم عن بُعد إلى النصف تقريبًا؛ وفي المقابل ارتفاع عدد ساعات مشاهدة التلفزيون وألعاب والفيديو وما شابه من وسائل التواصل الحديثة. وهذا بالطبع له أيضًا آثار سيئة على الأطفال؛ لما قد يتعرضون له من اعتداءات وتنمر وآثار نفسية؛ كإدمان ألعاب الفيديو، واكتئاب ووحدة، وآثار جسدية كالسمنة.

واتفق د. محمد الثقفي مع القول بأن تدنِّي التعليم والتعلُّم بسبب كورونا سيكون لها تأثيرات بعيدة المدى، ما لم تتدخل وزارات التعليم لتعويض الطلاب! وقد عبَّر عن ذلك رئيس هيئة تقويم التعليم، وأي تربوي يُدرك حجم ذلك.

أيضًا، فقد أكدت د. هند الخليفة على ضرورة تطوير منهجية وأدوات التعليم عن بُعد، لا سيما وأن الوضع الجديد في ظل جائحة كورونا قد عزَّز عُزلة الأطفال والقيم الفردية، ومبدأ الغاية تُبرر الوسيلة عند محاولة الطلبة الحصول على الدرجات بأي وسيلة كانت، حتى لو كان فيها تعدٍ على القيم والمبادئ. كما أن العزلة قد حرمت النشء من تجربة التفاعل الطبيعي وتبادل المشاعر، وهو أمرٌ خطير يُحوِّل الإنسان تدريجيًّا إلى رجل آلي. ويمكن للمنصات التعليمية أن تُقدِّم الكثيرَ، وهي ضرورة وليست خيارًا، إذ لا بد من تدريب وتأهيل المعلمين على تبنِّي فلسفة مختلفة للتعليم عن بُعد، بحيث يقوم على إيجاد بيئة تفاعلية بين الطلبة، واتخاذ الإجراءات التي من شأنها منح فرصة للنمو الفكري والوجداني أثناء عملية التعلم؛ من ذلك – على سبيل المثال وليس الحصر – إدخال الأنشطة التفاعلية المشتركة أثناء الدرس، والتي يُتاح فيها للطلبة المناقشة الجماعية وإجراءات المسابقات والألعاب الفكرية الجماعية، كذلك تعزيز الأنشطة البدنية المشتركة وإدخالها بين الساعات الدراسية لتقصير ساعات التلقي السلبية التي يعيشها الطلبة خلال التعليم عن بعد، وغير ذلك كثير من الإجراءات التي يمكن أن تجعل تجربة التعليم عن بُعد تجربةً بنَّاءة، تؤدي إلى البناء لا الهدم.

وذكر د. فهد اليحيا أنه وبالتركيز على الجانب النفسي، يُلاحظ زيادة حالات العنف الأسري والاضطرابات النفسية نتيجة الحجر الذي تزامن وجائحة كورونا، وقد أُجريت مئات الدراسات حول الأثر النفسي للجائحة ولم تظهر نتائجها بعدُ، كذلك فقد ازداد عدد الحالات المترددة على أقسام الطب النفسي في المستشفيات، كما لا يكاد يمر يوم دون تحويل حالة عنف واحدة إلى مركز الحماية من العنف والإهمال الأسري؛ وهذا عائد إلى عاملين: رد الفعل اللاحق على فترة الحظر والتحذير… إلخ. والثاني إلى التداعيات الاقتصادية وضغوط الحياة بعد انفراج الأوضاع نسبيًّا.

  • رؤية استشرافية لآليات مواجهة المملكة لمخاطر وتداعيات جائحة كورونا المستمرة:

أشار د. محمد الثقفي إلى أن المملكة كجزء من العالم، قد نجحت في التعامل مع الأزمة بدءًا من بزوغها واستمرارًا مع وصولها إلى أعلى درجاتها، وفي وَضْع السكون في الوضع الحالي، وإنْ شاء الله في مرحلة استعداداتها لما قد يطرأ من أحوال (فيما لو) عادت للتفشي مرة أخرى، والمهم في الأمر كيف نستفيد من الخبرات المستجدة في التعامل مع الأحداث كما في منهجية إدارة المخاطر. وصحيحٌ أن إستراتيجية التعامل السعودي الفريدة عالميًّا في التعامل مع جائحة كورونا صمَّمت بروتوكولاتها انطلاقًا من سلامة الإنسان أولًا، ونجحت في ذلك وفقًا لتقارير عالمية، وهذا ربما زاد من التكلفة الاقتصادية للتعامل مع الجائحة، بيد أن من الضروري الآنَ وعاجلًا مراعاة الإخفاقات التي قد حدثت في بقية المتعاملين مع الجائحة، وبشكل خاص الجمهور المستهدف من تطبيق حقيقي ودقيق؛ ومن ثَمَّ تصميم بروتوكولات حديثة من شأنها التقليل من احتمالات الإصابة. وتظل التوعية أداةً قليلة التكلفة وكبيرة الأثر في تحقيق الإستراتيجية الوقائية للمرحلة المقبلة، سواء على مستوى تقليل التعرُّض للفيروس، أو حتى التكلفة المالية لعلاج المرضى، ويعَدُّ “التباعد الجسدي” واستمرار التوعية به عاملًا مساعدًا لتحقيق نجاح الإستراتيجية.

من جانبه ذكر د. عبد الإله الصالح أنَّ ثمةَ تساؤلًا مطروحًا مفاده: هل هناك صناعات ومجالات يمكن تشجيعها وتطويرها (بشكل استثنائي وخَلْق البيئة الملائمة لها) تساعد على تلافي أضرار جائحة كورونا، وفي الوقت نفسه تقوم عليها؟ مثلاً، العمل عاجلاً على تطوير وتنظيم وتوسعة خدمات صناعة التأمين لخدمة القطاعين العام والخاص في المملكة (والإقليم) في التعامل مع تبعات الجائحة الحقيقية والمحتملة (وفي الوقت نفسه، تقليل التبعات على القطاعات: النقدي والاقتصادي والمالي…). وفيما يخصُّ العولمة في التجارة والهياكل الاقتصادية، هل يمكن توظيف تبعات الجائحة وما أوحت به من إمكانية شرعية أكثر لتوظيف الحمائية التجارية (الجمركية) لبعض الصناعات ذات الطابع الإستراتيجي (الأدوية وبعض المعدات والأغراض الطبية والأغذية الإستراتيجية وغير ذلك مما يمكن دراسته وتحديده) في إطار المصالح الوطنية بدون تجاوز المعاهدات الدولية (حسب منظمة التجارة)؟

وفي هذا الإطار، يرى د. نبيل المبارك أن التأثير الاجتماعي بسبب الجائحة يؤثر على الشق الاقتصادي، ولكن التطورات التقنية قلَّلت من هذا التأثير في قدرة الأفراد على التسوُّق والتبضع؛ لذا ازدهرت التجارة الإلكترونية بما في ذلك الأطعمة والمشروبات. التأثير الاقتصادي السلبي جاء من زيادة الأعباء الاقتصادية بسبب رَفْع نسبة الضريبة إلى ١٥٪؜، وكذلك حالة عدم اليقين لدى الفرد العادي الذي أُجبر على إعادة حساباته المالية. وفيما يخصُّ الفرص الممكنة جراء الجائحة؛ فالواقع أن الجائحة ليست كلها شرًّا، هناك إمكانية للاستفادة من الظروف غير المواتية لهذا الوباء على أكثر من صعيد، بما في ذلك تغيير عادات اجتماعية واقتصادية كثيرة. ولكن لا يمكن قياس مدى التأثير إلا بعد انقضاء هذه الجائحة بإذن الله.

وفي سياق متصل، فإن المأمول في هذه المرحلة أن يكون لدى السعودية تكامل أكثر من خلال المثلث المقلوب للسياسات الثلاث (الاقتصادية، المالية، والنقدية) بحيث يُعاد التوازن للاقتصاد بشكل يسمح بإعادة الهيكلة، بما يتماشى مع الأهداف؛ وعلى رأسها تحقيق النمو المأمول، وخلق مزيد من الوظائف النوعية. ولعل الجائحة تؤكِّد لنا أن أمامنا شوطًا طويلًا في تطوير وظائف ذات إضافة نوعية للمفاهيم الجديدة في التقنيات بكافة استخداماتها، وتخصصات لا نزال مستهلكين وليس منتجين لها. ولعلَّ هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي تكون نواةً لهذا التوجُّه، لقيادة القطاع الخاص لخوض غمار تطوير البحوث التقنية في كافة المجالات والتخصصات من طبية وصناعية ومالية وغيرها. وشبابنا وفتياتنا لديهم كامل الاستعداد والجاهزية لقبول التحدي، وإنْ كان لدينا مَن يُشكِّك بعض الأحيان؛ لكن المؤكد أن هناك قيادةً واعية لتحديات المستقبل سوف تقود الشباب والفتيات إلى الإبداع. وإجمالًا، فمن الضروري إعادة دراسة السياسات الاقتصادية والمالية وكذلك النقدية، من خلال قراءة جديدة تضع في الاعتبار إمكانية استمرار الجائحة لفترة أطول، ومحاولة التوفيق بين الظرف الطارئ (متمثِّلا بالجائحة) وبرامج وطموحات رؤية ٢٠٣٠، في جميع مناحي الحياة؛ في الجانب الاقتصادي المباشر، أو المناشط الأخرى (مثل: الصحة، والتعليم، والثقافة المجتمعية)، وحتى برامج الاستثمار التي يمكن أن تذهب إلى إبداعات تقنية وبرامجية (مثل برامج الألعاب للأطفال) تماشيًا مع التغييرات الاجتماعية التي بدت واضحةً أن العودة للسابق غير ممكنة.

وأضاف د. عبد الإله الصالح أن من المهم الدراسة الجدية لفكرة تنظيم الضريبة المضافة (تغيير نسبها رفعًا وانخفاضًا حسب السلع)، كما أن الوقت لا يزال مبكرًا على الضرائب الأخرى المتعلقة بالدخل والثروة. وبصفة عامة، فمن المهم دراسة الاستعداد والمخاطر والفرص المتضمنة بالجائحة؛ فهي مسألة تستحق الاستثمار.

وأشار أ. عبد الرحمن باسلم إلى أن كورونا ضرَب جميعَ مجالات الحياة والمعيشة، والصحة والغذاء، والاقتصاد والرياضة، وكل شيء يخصُّ الحياة الطبيعية. وعليه، فإن من المهم البحث في هذا الإطار عن إجابات للتساؤلات التالية: كيف نحافظ على أنفسنا والمواطنين غير المصابين بفيروس كورونا؟ وهل ستضرب أزمة غذائية دول العالم نتيجة الإجراءات الاحترازية الطويلة نتيجة الموجة الثانية، وهل هناك موجات أخرى؟ هل المخزون الإستراتيجي من المنتجات الغذائية كافٍ؟ يجب مراجعة ذلك. أيضًا، كيف نتقبل الاستمرار في التغيُّر الإجباري في التعليم والعمل عن بُعد، وبيئة المنزل كموقع عمل ومدرسة، وإلى متى؟ وبالنسبة لمنشآت القطاع الخاص، هل ستستمر تجابه أم تخرج؟ وما ثمن خروج جزء منها؟ إنَّ نسبة بطالة العمالة السعودية بلغت الآنَ ١٥%، ومن المتوقع مع عودة الجائحة وصولها إلى ٢٠%؛ ومن ثَمَّ يبقى ضروريًّا تقديم مبادرات عاجلة لمساعدتهم خاصة أن الكثير منهم غير مُسجَّل في صندوق حساب المواطن، وأعدادهم مع أسرهم بالآلاف. أيضًا، فإن ضعف هؤلاء أو أكثر من العمالة غير السعودية الذين تمَّ فصلهم ولظروف الجائحة لم يغادر إلا اليسير منهم، وأيضًا تعمدًا لعلمهم أنه لا يوجد فرص عمل في بلدانهم، وأصبحوا عبئًا على المجتمع، والتساؤل المطروح: كم عدد الذين لم تُجدَّد إقاماتهم لعدم قدرتهم على سداد الرسوم وماذا سيتم بشأنهم؟ ومن جانب آخر، فإن الضريبة بنسبة ١٥% أصبحت تثقل كاهل ذوي الدخول الضعيفة والمتوسطة وهم أغلب المجتمع، ومن ثَمَّ فإن بقاءها لا يخدم الدورة الاقتصادية، ويجب إعادة النظر فيها بشكل عاجل، مع إيجاد حلول تخدم وتُحرِّك الاقتصاد.

وأكد أ. فهد القاسم على أن استمرار جائحة كورونا يصبُّ في الخانة السلبية بشكل أكبر على الفرد والأسرة والمجتمع والقطاعين العام والخاص. ومن المهم التعلُّم من الدروس التي تلقيناها خلال الجائحة على جميع الأصعدة، وأهمها ما يخصُّ الاقتصاد والآثار الكارثية على التوظيف، والرسوم والضرائب التي زادت الطين بلة، وعدم تكرار الأخطاء التي تعلَّمناها. كما أن التعليم على الأخص يحتاج التفاتة كاملة لتحسين مخرجاته في ضوء الجائحة.

وفي تصوُّر أ. محمد الدندني، ولأن المجتمع السعودي هو مجتمع استهلاكي، كما أننا نستورد تقريبًا كلَّ شيء، ومع تدني أسعار النفط وما سبَّبه مع الجائحة من عجز في الميزانية لهذا العام؛ فإن توقُّع استمرار الجائحة لعام آخر يُحتِّم علينا أن نُعيد النظرَ في الإنتاج المحلي وتنمية المحتوى المحلي، والاعتماد على النفس ما أمكن ذلك. كذلك فمع القصور في التعليم عن بُعد وسلبياته؛ إلا أننا يجب أن نعتمد ونتبنى كَّل ما هو جديد نستطيع من خلاله تقليل مصروفات الدولة، ولَجْم العجز في الميزانيات كي نلتفت للمشاريع المستدامة والمُنتِجة. وهذا أيضًا ينطبق على الأفراد والمجتمع في التوفير، وتبنِّي قائمة الأولويات في حياتنا اليومية.

ومن جانبها أكدت د. وفاء طيبة على أنه يجب ألا نغفل عمَّا يتعلَّمه الطالب من مهارات اجتماعية في محيط المدرسة الحقيقي، والتعامل مع مَن هم في سنِّه، والتعامل مع من أكبر منه (مع المعلمين، والإدارة). وكذا من المهم الأَخْذ في الاعتبار تأثير الضغوط النفسية الأسرية الناتجة عن الجائحة والحظر والمكوث في المنازل، والتي قد لا تكون مُهيَّأة لاستيعاب ٣-٤ أطفال يدرسون فيها، وأب يُقدِّم عمله من المنزل وأم أيضًا! أين سيجد كلُّ هؤلاء الهدوءَ لمباشرة الدراسة والعمل في شقة صغيرة، وسينعكس ذلك بالطبع على مستوى الأداء، وكذلك المهارات التطبيقية والعملية التي يصعب نَقْلها وتعلُّمها من خلال تطبيق عن بُعد. ويجب العمل والبحث لتدارك المشكلة، وليس من حلٍّ واقعي إلا أن تكون المدارس بعد افتتاحها أفضل بكثير مما كانت عليه قبل الجائحة.

وقد يكون من المناسب كذلك تنظيم طريقة التعليم بحيث يُقدِّم المعلم الجيد في التعليم عن بُعد الدرسَ لعدد أكبر من التلاميذ، بينما يساعده المعلم الذي لا تساعده مهاراته على التعليم عن بُعد في مهام التدريس الأخرى. أيضًا، نحتاج لوَضْع إستراتيجية تعليم شاملة النظريات التي تتبناها وزارة التعليم، وتدريب المعلمين الذي لن يأخذ وقتًا قصيرًا بالطبع، ثم وَضْع المناهج والكتب ووسائل التعليم عن بُعد بناءً على النظريات المعتمدة، قد نبدأ بالعمل وهذا جيد، وقد يكون لكورونا هذا الدور في لحلحة هذه الخطوات، وقد تكون من ضمن خطط وإستراتيجيات موجودة في الوزارة وغير مُفعَّلة.

ويرى م. فاضل القرني أن الأزمة التي خلقتها جائحة كورونا لا تزال قائمةً؛ وعليه، فمن المهم التعامل معها ومعالجة آثارها فيما يتعلق بالقطاع الخاص والبطالة والضرائب. إذا ما ربطنا ذلك بأن فترة كورونا منذ بدايتها حتى الآن، وإنْ لم تدون أو يشعر بها، فقد كانت عبارة عن تدريب حقلي للمجتمع لتعديل السلوك وخاصةً في القدرة الشرائية، وبالتالي مردودها على الاقتصاد كان سلبيًّا.

أما د. فوزية البكر فترى أن العامل الأساسي في الحماية من جائحة كورونا هو تغيير السلوك في كل المناحي؛ سواء على المستوى الفردي من غسيل لليدين ولبس للكمامات وعدم السلام المباشر والتباعد، أو في المجال العام من حيث سياسات الإنفاق الفردي الذي يشمله تغيير العادات الاجتماعية مثل إيقاف الولائم والتجمعات الكبيرة، أو السلوك العام من حيث تعامل أجهزة الدولة المختلفة، والتي أثبتت وخاصة طُرق إدارة الأزمة والغطاء الصحي الرائع، وتسهيل طُرق التواصل الحكومي عند الحاجة الطبية، والسهولة الشديدة في الفحص وتتبُّع المخالطين؛ وكلها دروس مستفادة سنحملها معنا، وستساعدنا بإذن الله على (تسهيل) أمور تعاملنا مع هذا الفيروس حتى يجد العالم حلًّا. حتى ذلك الحين، ومع الاستمرار المتوقع لانخفاض أسعار النفط بحيث لا يُتوقع أن تتجاوز 40 دولارًا للبرميل، فماذا سيحل بنا اقتصاديًّا؟ هي أزمة تضرب العالم بأسره، وكل ما علينا هو فقط محاولة التعايش السلمي شخصيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا حتى تنجلي الجائحة تدريجيًّا، ونبدأ في لَمْلَمة الجِراح الكبيرة. جائحة كورونا ستبقى معنا ربما أكثر من عام، كما تشير معظم الدراسات؛ لذا فمن المهم دراسة حالات البلدان التي شهدت تراجعًا ملحوظًا مثل الصين ونيوزيلندا، والتعرف على السياسات الطبية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية التي مكَّنتها من التعايش بواقعية، مع إدراكنا أن لكل بلدٍ ظروفَه السياسية والثقافية والسكانية التي تؤثر في هذه السياسات.

بينما ترى أ. علياء البازعي أنه وبغض النظر عن الفاقد التعليمي والكثير من السلبيات التي تصاحب التعليم عن بُعد في ظل جائحة كورونا؛ لكنها فرصة ذهبية للانتقال بنظامنا التعليمي للمستقبل. لا أحدَ يُنكر الإمكانات الهائلة والمجهود العظيم الذي بُذِل لبناء منصة تعليمية تستوعب نحو ٦ ملايين طالب و٥٠٠ ألف معلم وإداري في وقت واحد. ومن المناسب لو استغلت الوزارة الفرصة لتفعيل التعليم عن بُعد بآلياته وإستراتيجياته الحديثة. فالتعليم عن بُعد ليس معلمًا يتحدث من خلال تطبيق، وطالب يستمع خلف الشاشة. التعليم عن بُعد الفعَّال يكون بآليات مختلفة للتدريس والاختبارات، ومن أحدث الإستراتيجيات التي أثبتت فاعليتها عالميًّا وتوافقها مع التعليم عن بعد هي التصميم الشامل للتعلُّم Universal design for learning UDL، الذي يستوجب تخطيطًا مُسبقًا للتدريس بهذه الطريقة التي تدعم التعلُّم الذاتي واختلافات المتعلمين. وهذا سيقدم حلًّا لأكبر معضلات التعليم لدينا، وهي المدارس الموجودة في القُرى والهجر وكذلك المدارس في الأحياء المكتظة؛ حيث يمكن تطبيق نظام التعليم المتمازج blended learning، ويعني دمج النظام الحضوري بالتعليم عن بُعد. أما من الناحية الاقتصادية وعلى الرغم من حجم الخسائر المادية التي تكبَّدتها الدولة والتجار وتأثير ذلك على الاقتصاد بشكل عام، وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة؛ إلا أن هناك دروسًا مستفادة للدولة والتاجر وكذلك المواطن. وهذه الدروس أثرُها سيستمر طويلًا، ومعها سيتغير أسلوب الحياة للأفضل بحول الله وقوته.

بينما أشار د. رياض نجم إلى أن جائحة كورونا بلا شك غيَّرت لدينا كثيرًا من المفاهيم التي كنَّا نعتقد بصعوبة تغييرها أو عدم وجود حاجة لها. وهذه القناعات ظاهرة في جميع المجالات بدءًا من العبادات إلى العادات الاجتماعية، إلى أسلوب أداء الأعمال في جميع القطاعات. وأصبح لزامًا علينا التفكيرُ في الحلول غير التقليدية لما نواجهه من مشاكلَ. فإن كان للجائحة فوائد، فهذه أهمها. وإذا سلَّمنا أن عالم ما بعد كورونا لن يكون كالعالم قبلها، فإن هذا يُحتِّم على السعودية توقُّع عدم زوالها قريبًا، والتركيز فيما يتعلق بالتقنية والبحث العلمي على النقاط التالية:

  • أن الاستخدام الشامل للتقنية في جميع المجالات لم يعُد رفاهية، بل حاجة ملحة وضرورية.
  • توجيه التخصصات في جامعاتنا وتعليمنا الأساسي إلى العلوم والتقنية.
  • تحفيز البحث العلمي والتطوير بشتى الوسائل والطرق، وتقديم الميزات الضريبية له.
  • عمل دراسات علمية من قِبل الجامعات ومراكز الفكر والقطاعين الخاص والعام، لإعادة تحديد الميزات التنافسية للمملكة بما لديها من موارد طبيعية وسياحية وبشرية، في ظل التغيرات التي سبَّبتها الجائحة.
  • الدعوة لمراجعة الضرائب والرسوم المُطبَّقة على القطاع الخاص، بما يكفل نموه وازدهاره.
  • أن المعالجات الصحية للجائحة بمعزل عن الآثار الاقتصادية لهذه المعالجات لا تعتبر الحل الأمثل، ولا بد دائمًا من الموازنة بين صحة الإنسان وصحة الاقتصاد لاستمرارية الحياة.

واهتمت د. الجازي الشبيكي باستمرار تكثيف وتنويع وتجديد الأساليب والأدوات الإعلامية التوعوية على كافة المستويات ولمختلف الأعمار، إلى جانب التوعية بالعقوبات ضد المخالفين لإجراءات السلامة؛ حمايةً للجميع، وتقليصًا لفترة استمرار جائحة كورونا.

ومن ناحيته أكد د. مساعد المحيا على أن الاقتصاد والحركة التجارية بما تتيحه من دخل هما أهم ما يضغط من أجل وجود سياسة اقتصادية منفتحة، وبالتالي عدم الاقتناع بفكرة الإغلاق والحجر، وهو ما تمارسه كثيرٌ من الدول. التوازن بين هذا وذاك هو أهم ما تُعنَى به المملكة؛ ولذا ينبغي أن نُعزِّز مثلَ هذا التوجُّه من خلال الدعوة لإعادة صياغة برامج الرؤية لتنسجم مع هذا التصور؛ إذ البُعد السياحي والتوسُّع في برامج العمرة والبرامج الرياضية والترفيهية تتطلب إستراتيجية دولة أكثر من أن تكون سياسات آنية وبرامج وزارات وشركات دون أن تنتظمها سياسات عامة للدولة.

وركَّزت د. عبير برهمين على أهمية إعادة النظر في الخُطط المستقبلية وخُطط المواجهة لتداعيات استمرار الجائحة، وترتيب الأولويات. ولا شك أن الأثرين الاقتصادي والاجتماعي بشتى صورهما قد لمسهما العالم كله؛ إلا أن هناك دروسًا مستقاةً أيضًا. فالجائحة كشفت – على سبيل المثال – هشاشة الأنظمة الصحية الغربية وفشلها في استيعاب أعداد الإصابات والتعامل معها. كما كشفت عن الجشع المادي الذي تمثِّل في محاولات الاتجار بالأرواح عبر التسابق على إنتاج لقاحات لم تستوفِ شروطَ الأمان للاستخدام الآدمي. وكذلك هشاشة التركيبة الاجتماعية غير الإسلامية، والتي لا تعترف بمبدأ التكافل الاجتماعي، وتمثلت في عدم القدرة على الصمود كأفراد أمام الجوع وشُحِّ الموارد، وشاهدنا عمليات النهب والسرقة وغيرها. لذلك، فالمهم بالنسبة للسعودية هو التركيز على تعزيز الأمن الداخلي في المملكة بشتى صوره: (الأمن الغذائي والدوائي، والأمن الاقتصادي، والاجتماعي، والتقني، وغيره)؛ بتعزيز القدرات المحلية، والاستفادة بالمقدرات الموجودة والتركيز على تطويرها، مع عدم إغفال ما يجري في العالم، والعمل على مجاراته بما يتناسب ووضعنا المحلي”.

وركَّز م. سالم المري على الإستراتيجيات المطلوب اتباعها في حال استمرار جائحة كورونا (اقتصاديًّا واجتماعيًّا). فبدون اقتصاد مستقر وتعاون المجتمع، لا يمكن مواجهة الجائحة. ويمكن تلخيص الإستراتيجيات المطلوب اتباعها كما يلي:

  • الشق الاقتصادي:
  1. التركيز على المحتوى المحلي متى ما كان البديل المحلي موجودًا أو يمكن توفيره؛ ومن ذلك: إعطاء الأولوية للمنتجات المحلية، ووَضْع عوائق كبيرة أمام الاستيراد متى ما كان الاكتفاء الذاتي محليًّا ممكنًا في أي سلعة من السلع.
  2. تسهيل وتشجيع الاستثمار (بشكل مُغرٍ) من قِبل الجهات الحكومية والقطاع الخاص في التصنيع المحلي لبدائل السلع المستوردة عن طريق:
  • ‌أ- تسهيلات في تمويل المشاريع وإعداد الدراسات.
  • ‌ب- المساعدة في تسويق نسبة معينة من المنتج المحلي لفترة محددة.
  • ‌ج- إنشاء المزيد من الشركات الصناعية المعتمدة على حصة حكومية والاكتتاب العام.
  1. المزيد من التركيز على توظيف الأيدي العاملة المحلية، ومن ذلك:
  • ‌أ- مراجعة وتصحيح إنجاز الجهات الفاعلة في سوق العمل بحزم وشفافية، عن طريق تفتيش مُباغت من جهات محايدة غير جهات الاختصاص للأسواق والمصانع. حيث إنَّ الواقع مخالفٌ للمُعلَن من قِبل الجهات المختصة، فمثلاً هناك أسواق كبرى معظم مَن يعمل فيها في الميدان أجانب عدا الكاشير؛ وهذا بالتأكيد مُخالِف، وكذلك بالنسبة للصناعات.
  • ‌ب- إنشاء شركات حكومية مهنية يتم عن طريقها تدريب وتوظيف السعوديين العاطلين، كما تتولى البحث لهم عن الوظائف المناسبة، وتستجيب لمتطلبات القطاع الخاص، وتدفع الرواتب وتتابع الموظف لفترة معينة.
  • ‌ج- وَقْف الــ outsourcing واستبداله بتوسُّع الشركات الناجحة حاليًّا في التوظيف، وإنشاء المزيد من الشركات المحلية المتخصصة القادرة على تحقيق الحد المعقول من الأمن الوظيفي؛ لتقوم بالأعمال الخدمية عن طريق تدريب السعودي وتوظيفه براتب مُجزٍ.
  1. الاستمرار في التركيز على تصحيح القصور في أداء الوظائف العامة ذات العلاقة بسوق العمل، ومَنْع تضارب المصالح؛ فلا يُعقَل (مثلًا) أن يكون صاحب مستشفيات خاصة مسؤولًا عن الصحة العامة، أو أن يكون صاحب مجموعة صناعية مسؤولًا عن تطوير الصناعة، أو أن يكون المسؤول عن تعظيم المحتوى المحلي من الصناعة المحلية تاجرًا عملُه الاستيراد والوكالات… إلخ!
  2. المزيد من التوسُّع في استثمارات الدولة على تطوير السياحة المحلية المناسبة لمتطلبات المجتمعات المحلية في المملكة، وخاصة في المنطقة الجنوبية والمنتجعات المعَدَّة لجذب السياحة المحلية.
  3. زيادة الاستفادة من الزراعة المحلية لبعض المحاصيل.
  4. تدخل الدولة لتشجيع التصدير، وإيجاد أسواق خارجية (إقليميًّا وعالميًّا) للمنتجات المحلية.
  5. المراجعة المستمرة للضرائب والرسوم، وتعديلها بما يخدم السياسات والإستراتيجيات المتبعة.
  • الشق الاجتماعي:
  1. الاستمرار في تطبيق سياسة التباعُد الاجتماعي بحزم.
  2. الاستمرار في سياسة الإغلاق مع الخارج؛ كمنع السفر للخارج، ومَنْع الاستقدام إلا في حالات خاصة مُسبَّبة.

ومن ناحيتها أكدت أ. فائزة العجروش على أنه يجب أن نعترف أنه لا أحدَ يمتلك إجابة واضحة عن سؤال: متى ستنتهي جائحة كورونا؟ ولكن علينا وَضْع سيناريوهات استباقية علاجية وتنظيمية حال امتدادها لفترة أطول، خاصة بعد أن اتفق العديد من الخبراء على أن هذا الوباء لن يختفي بشكل نهائي على المدى القريب. لكن في الوقت نفسه، يجب أن نعترف أن العودة إلى الوراء لن تكونَ ممكنةً، خاصة بعد تأكيدات منظمة الصحة العالمية على تحذير كل سكان الأرض – غير المصابين إلى الآن – أن السلاحين الوحيدين المتوفرين حتى اللحظة لمواجهة فيروس كورونا، هما: (النظافة والعزل). ومن أهم التحديات الرئيسية لامتداد جائحة كورونا لعام آخر أو أكثر ما يلي: الحصول على عددٍ كافٍ من اللقاح، والتهيئة الاقتصادية والصحية والتعليمية والاجتماعية والنفسية لمواجهة مستقبل لا نعرف معالمه بعدُ، ومَنْع أي أزمات تالية. لذا، سيكون من بين الأحداث المتوقع حدوثها، والإجراءات المفترض اتباعها، ما يلي:

  • اقتصاديًّا:
  • ستصبح عمليات الإغلاق الكامل من الماضي، وسيصبح الفيروس واقعًا يجب أن نتعايش معه، بتأييد من جميع الأطراف سواء من الشعوب أو من قيادتها السياسية.
  • انخفاض أسعار البترول.
  • ضعف الطلب مع استمرار الإجراءات الاحترازية.
  • تزايد معدلات البطالة.
  • خروج مزيد من الشركات المتعثرة.

ومن المهم الخروج بدراسات مستفيضة مدعمة بالأرقام والبيانات الموثوقة عن أهم الدروس المستفادة اقتصاديًّا خلال هذه الأزمة.

  • صحيًّا:
  • حتى نضع حدًّا لهذه الجائحة، ربما نحتاج مضطرين إلى اكتساب المناعة، من أجل تحقيق (مناعة القطيع).
  • وجوب إعادة فرض تدابير احترازية مع اقتراب ظهور (الموجة الثانية)، مع مراعاة التخفيف منها دوريًّا حسب المستجدات؛ بهدف التقليل من حدة الضغط على نظُم الرعاية الصحية.
  • قد يكون الاختبار المنزلي لفحص كورونا ممكنًا، كاختبار السكر وغيرها من الاختبارات الصحية المنزلية.
  • عند الانتهاء من اكتشاف اللقاح وتصنيعه، من المُرجَّح أن الجرعات الأولى من اللقاح ستكون متاحةً للأفراد المعرضين للخطر والعاملين في مجال الرعاية الصحية وكبار المسؤولين في الدولة، وليس لغالبية السكان.
  • تبرز الحاجة لزيادة الدراسات الإحصائية الصحية التي توضِّح جدوى إجراءات الرصد والمتابعة والحجر الصحي على أعداد المصابين ونسب الشفاء، واحتمالية إصابة الشخص للمرة الثانية بنفس الفيروس من عدمها.
  • اجتماعيًّا ونفسيًّا:
  • الخوف أنه بمرور الوقت قد يتم الإهمال أو التراخي في الحفاظ على نفس الاحتياطات الاحترازية التي نستخدمها الآن، مثل: الابتعاد الاجتماعي، ولبس الأقنعة، ونظافة اليدين، واستخدام المعقمات؛ وعلى النقيض ستزداد حالات أخرى ممن يعانون من متلازمة الكوخ.
  • الخوف من تفشي الفيروس وازدياد عدد الحالات؛ لأنه سيكون من الصعب استمرار التباعد بين الأهل والأصدقاء، وتأجيل إقامة حفلات الزواج والحفلات الخاصة.
  • بما أن مجتمعنا غالبيته من الشباب ويصعب على بعضهم الالتزام بالإجراءات الاحترازية، وبما أن خيار (العودة إلى الوضع الطبيعي) ما قبل جائحة كورونا غير ممكن حاليًّا؛ فالحل المطروح (التعايش)، وهو البديل الوحيد الممكن حسب الأوضاع الحالية، لكنَّ مبدأ الاحتياط والوقاية خير من العلاج يتطلب أن تتخذ السلطات إجراءاتٍ مشددةً أكثر مع جيل الشباب، إلى جانب جملة من الإجراءات في نفس السياق لمواجهة الموجة الثانية، مثل:
  • اتخاذ كافة الخطوات اللازمة بما يسمح بانتقال سلس نحو التعليم عن بُعد إذا لزم الأمر، ومواصلة تطوير التدريس الرقمي.
  • مراجعة الأولويات لا سيما بعد إعادة تقييم للدروس المستفادة من الوضع الحالي، وقراءة العديد من الدراسات الاستشرافية التي تؤكد أهمية العمل على زيادة المحتوى المحلي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي بتحقيق الأمن الغذائي والدوائي، والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، والتركيز على التطوير المستمر لرأس المال البشري الوطني، وتقديم مساعدة أكبر للقطاع الخاص خاصة الشركات المتعثرة لمَنْع خروجها من السوق.
  • تطوير التكنولوجيا الرقمية ومتابعة كافة ما يلزم لاستمرار إتمام كافة المعاملات والأعمال آليًّا؛ استعدادًا لأي أزمة صحية جديدة محتملة.
  • من الضروري أن يكون هناك نظرة قبل قرار عودة جميع الأنشطة الرياضية وخاصة كرة القدم، وأن يعود النشاط بشكل حذر، واستمرار اللعب بدون جماهير حتى لا تتكرر الكوارث مثلما حدث مؤخرًا في عدد من الدول.
  • ‏ علينا الخروج من هذه الأزمة بذكاء أكثر عن طريق تطوير روح الابتكار والإبداع، والتطلع لجَعْل كل ما هذه الأزمة فرصةً للتعلُّم والتحسين المستمر.

ومن جانب آخر، أوضح د. فهد اليحيا أنه لمواجهة الآثار النفسية السلبية المترتبة على استمرار جائحة كورونا في المجتمع السعودي؛ فإن من الآليات المقترحة ما يلي:

  1. الاستمرار في تطبيق سياسة التباعد الاجتماعي بحزم.
  2. إعداد خطوط هاتف ساخنة، وصوت وصورة للدعم النفسي الاجتماعي.
  3. توفير الاتصالات صوت وصورة كي تتواصل الأسر مع بعضها بسهولة ويُسر.
  4. إعداد برامج تلفزيونية وعبر الإنترنت للتسلية مثل برنامج الأطفال “أهلا يا سمسم”، الذي كان المشاركون فيه صوتيًّا يعملون من منازلهم.
  5. إتاحة وحدات تدخل نفسي عاجلة، تزور البيوت في حالات الضرورة القصوى.
  6. الدعم النفس والاجتماعي بكل أنواعه؛ من الدين إلى الإرشاد النفسي والاجتماعي والتسلية والترفيه.
  • التوصيات:
  • إعادة دراسة للسياسات السعودية (الاقتصادية والمالية والنقدية)، من خلال قراءة جديدة تضع في الاعتبار إمكانية استمرار الجائحة لفترة أطول، ومحاولة التوفيق بين الظرف الطارئ (متمثِّلًا في الجائحة) وبرامج وطموحات رؤية 2030، في جميع مناحي الحياة لا سيما:
  • الجانب الاقتصادي المباشر.
  • الصحة.
  • التعليم.
  • الثقافة المجتمعية.
  • برامج الاستثمار التي يمكن أن تشتمل على إبداعات تقنية وبرامجية، تماشيًا مع التغييرات الاجتماعية التي تؤكد أن العودة للسابق غير ممكنة.
  • مراجعة الأولويات لا سيما بعد إعادة تقييم للدروس المستفادة من الوضع الحالي، والإفادة من الدراسات الاستشرافية التي تؤكد أهمية العمل على زيادة المحتوى المحلي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي بتحقيق الأمن الغذائي والدوائي، والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، والتركيز على التطوير المستمر لرأس المال البشري الوطني، وتقديم مساعدة أكبر للقطاع الخاص لا سيما الشركات المتعثرة لمَنْع خروجها من السوق.

المشاركون في مناقشات هذا التقرير

 

  • قضية “التهديد التركي للأمن القومي: حجمه وكيفية مقاومته”:
  • د. عبد العزيز الحرقان
  • م. خالد العثمان
  • د. زياد الدريس
  • د. راشد العبد الكريم
  • فهد الأحمري
  • م. فاضل القرني
  • محمد الدندني
  • م. إبراهيم ناظر
  • د. حامد الشراري
  • د. علي الطخيس
  • د. مها العيدان
  • د. الجازي الشبيكي
  • قضية “السينما: صناعة المستقبل والقوة الناعمة”:
  • م. أسامة الكردي
  • د. محمد الثقفي
  • فهد الأحمري
  • د. هناء المسلط
  • بسمة التويجري
  • د. حامد الشراري
  • د. عبير برهيمن
  • د. فوزية البكر
  • فائزة العجروش
  • د. مها العيدان
  • د. هند الخليفة
  • لاحم الناصر
  • فهد القاسم
  • قضية “مستقبل علاقات دول الخليج مع الصين في ضوء الاتفاق الصيني الإيراني”:
  • م. سالم المري
  • م. فاضل القرني
  • م. خالد العثمان
  • د. عبد الإله الصالح
  • لاحم الناصر
  • د. عبد الله العساف
  • د. زياد الدريس
  • د. إبراهيم البعيز
  • د. مساعد المحيا
  • قضية “ماذا لو استمر كورونا عامًا آخر؟”:
  • د. حمد بريثن
  • م. فاضل القرني
  • أ. فهد الأحمري
  • د. صدقة فاضل
  • د. حميد الشايجي
  • د. محمد الثقفي
  • د. عبد الرحمن باسلم
  • د. وفاء طيبة
  • أ. فهد القاسم
  • أ. محمد الدندني
  • أ. د. فوزية البكر
  • م. سالم المري
  • فائزة العجروش
  • أ. علياء البازعي
  • د. رياض نجم
  • د. الجازي الشبيكي
  • د. عبير برهمين
  • د. فهد اليحيا
  • د. هند خليفة
  • د. مساعد المحيا

[1])) متخصص في التاريخ الحديث والمعاصر، يعمل الآن في وَضْع وتوجيه مناهج التاريخ في دولة الكويت، وهو مستشار إعلامي في السعودية.

[2])) كاتب رأي ومساعد رئيس التحرير في “صحيفة عكاظ” منذ فبراير (شباط) 2016م.

([3]) انظر: برنارد لويس، ظهور تركيا الحديثة، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ط1، 2016م، ص296.

([4]) إبراهيم الداقوقي، صورة العرب لدى الأتراك، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط2، 1998م، ص45.

([5]) المرجع السابق، ص75، ص87.

([6]) فيليب روبنس، تركيا والشرق الأوسط، ترجمة: ميخائيل خوري، دار قرطبة، Makarios Avenue، ط1، 1993م، ص27.

([7]) صلاح العقاد، الحرب العالمية الثانية دراسة في تاريخ العلاقات الدولية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط (بلا)، 1963م، ص208.

([8]) فيليب روبنس، مرجع سابق، ص30-37.

([9]) محمد نور الدين، تركيا الجمهورية الحائرة، مركز الدراسات الإستراتيجية والتوثيق، بيروت، ط1، 1998م، ص193،

([10]) هدى درويش، العلاقات التركية اليهودية وأثرها على البلاد العربية، ج2، دار القلم، دمشق، ط1، 2002م، ص255.

([11]) محمد نور الدين، مرجع سابق، ص198.

([12]) هدى درويش، مرجع سابق، ص132.

([13]) هدى درويش، مرجع سابق، ص134.

([14]) محمد نور الدين، تركيا في الزمن المتحول، دار رياض الريِّس، لندن، ط1، 1997م، ص139.

([15]) عليان العليان، المياه العربية من النيل إلى الفرات، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2014م، ص87-88.

([16]) هدى درويش، مرجع سابق، ص386- 402.

([17]) جيمس بيكر، سياسة الدبلوماسية، ترجمة: مجدي شرشر، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط2، 2002م، ص415- 416.

([18]) هناك من يُرجع بدايات قيام (العثمانية الجديدة) في تركيا الجمهورية إلى أيام عدنان مندريس (1950- 1960م)، وأنها نَمَت في عهد تورغوت أوزال (1989- 1993م)، وتزايدت أهميتها منذ سطع نجم حزب الرفاه بقيادة أربكان، ثم استعلنت بوضوح منذ تسنُّم حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا 2002م. انظر: بسمة عبد اللطيف، العثمانية الجديدة في ضوء التطورات الإقليمية الراهنة، مجلة شؤون تركية (التابعة لمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام – القاهرة)، العدد1، صيف 2015م، ص128- 129، ص132- 135.

([19]) محمد أبو عامود، تركيا وحلم إعادة إنتاج دولة الخلافة العثمانية، مجلة السياسة الدولية (التابعة للأهرام، القاهرة)، العدد201، يوليو 2015م، ص98.

([20]) بسمة عبد اللطيف، مرجع سابق، ص135.

([21]) محمد أبو عامود، مرجعٌ سابق، ص99.

([22]) راجع: المرجع السابق، ص100.

([23]) إبراهيم الغيطاني، لماذا تُحدث تركيا نموذجها السياحي، مجلة شؤون تركية، العدد4، ربيع 2016م، ص112.

([24]) المرجع السابق، ص118.

([25]) حصَّة الهلالي، الدراما التاريخية بين الحقيقة التاريخية والأساطير المشوَّهة، إصدار جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، الرياض، ط1، 2018م، ص96.

([26]) انظر: المرجع السابق، 85.

([27]) لا أجد داعيًا لذكر أسماء البرامج المروِّجة للأنموذج التركي، فما عليك إلا البحث عن البرامج التي كانت تُبَثّ قبيل الربيع العربي 2011م وتلتقط تلك الإشارات المحبِّذة للأنموذج التركي الأردوغاني.

([28]) التقرير الإستراتيجي العربي 2011- 2012، تصاعد الجدل حول النموذج التركي، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، القاهرة، ط1، 2013م، ص220.

([29]) محمد أبو عامود، مرجع سابق، 100- 101.

([30]) محمد السيِّد، كيف دعمت تركيا تنظيم داعش، مجلة شؤون تركية، العدد1، صيف 2015م، ص29- 31.

([31]) محمد عبد القادر خليل، احتمالات ضعيفة للتحالف العسكري بين دول الخليج وتركيا، مجلة شؤون تركية، العدد4، ربيع 2016م، ص126.

([32]) التقرير الإستراتيجي العربي 2017م، القوة الخشنة محركات السياسية الخارجية التركية في الشرق الأوسط، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، القاهرة، 2018، ص230.

([33]) المرجع السابق، ص233.

([34]) المرجع السابق، ص234.

([35]) كرم سعيد، دوافع وأدوات الدور التركي في إفريقيا، مجلة السياسة الدولية، العدد 212، إبريل 2018م، ص215.

([36]) المرجع السابق، ص215.

([37]) محمد عبد القادر خليل، مصالح وسياسات تركيا في شرق المتوسط، مجلة السياسة الدولية، العدد 213، يوليو 2018م. ص123.

([38]) المرجع السابق، ص122.

([39]) موقع قناة BBC العربية، هل يجعل الاتفاق الليبي التركي أردوغان قرصان البحر المتوسط، 7 ديسمبر 2019م.

(([40] «الدراما التركية».. من إنتاج وإخراج «أردوغان»، صحيفة عكاظ، 24 إبريل 2020.

([41]) مُنتِج ومُخرِج أفلام، ومُؤسِّس شركة Barajoun Entertainment رائدة استديوهات الأنيميشن والمؤثرات البصرية في العالم العربي.

([42]) مخرجة وكاتبة وناقدة سينمائية.

([43]) كاتب رأي ومُراسِل صحيفة الوطن في بكين.

([44]) رئيس وحدة الدراسات الآسيوية في مركز الملك فيصل.

([45]) مدير إدارة البحوث في مركز البحوث والتواصل المعرفي.

1-https://www.bourseandbazaar.com/articles/2019/9/20/no-china-isnt-giving-iran-400-billion

https://www.kfcris.com/pdf/1f15b20e828571ea7ca351ef127d53455f10541dd9988.pdf

[47] https://agsiw.org/the-curious-case-of-chinas-kuwaiti-concession/

(*) أستاذ مشارك للاقتصاد في معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، وخبير متعاون مع صندوق النقد الدولي، ومستشار غير متفرغ بوزارة الاقتصاد والتخطيط.

تحميل المرفقات

وقت البيانات لتقنية المعلومات شركة برمجة في الرياض www.datattime4it.com الحلول الواقعية شركة برمجة في الرياض www.rs4it.sa