ملتقى أسبار: التقرير الشهري رقم (71) لشهر يناير 2021

لتحميل التقرير اضغط هنا


يناير 2021

  • تمهيد:

يعرض هذا التقرير عددًا من الموضوعات المهمة التي تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر يناير 2021 م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة حول القضايا التالية:

  • السعودية وأفريقيا: مقومات الشراكة ومكاسبها.
  • قمة العلا والمصالحة الخليجية.
  • تحليل لنتائج طلاب المملكة العربية السعودية في دورات الاختبارات الدولية TIMSS-KSA
  • تطوير المنظومة التشريعية.

القضية الأولى

السعودية وأفريقيا: مقومات الشراكة ومكاسبها

 (03/1/2021م)

  • الورقة الرئيسة: د. عبد الله ولد أباه (ضيف الملتقى)([1])
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. صدقة فاضل
  • التعقيب الثاني: د. عبد الرحمن الهدلق
  • إدارة الحوار: م. أسامة الكردي

  

  • الملخص التنفيذي:

أشار د. عبد الله ولد أباه في الورقة الرئيسة إلى أنه يمكن أن نُجمل مرتكزات الأمن الإستراتيجي السعودي في ثلاثة محاور، هي: مجال البحر الأحمر في امتداداته الواسعة على القرن الأفريقي وخليج عدن وإقليم وادي النيل، والمجال الخليجي بإطلالته على إيران والمحيط الهندي، والمجال الشرق أوسطي عبر البوابة الأردنية وارتباطاتها ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي. فالسعودية من هذا المنظور هي من “البلدان – المحاور”pivot state التي لا يمكن أن تؤمِّن مصالحها الحيوية وأمنها القومي في حدود مجالها الوطني الضيق؛ بل لا بد لها من بناء سياسات وإقامة تحالفات إقليمية ضمن منظومة إستراتيجية موسَّعة تحمي مصالحَها الحيوية. وفي هذا السياق، تبرز الأهمية الجيوسياسية لأفريقيا لارتباط أمن ومصالح السعودية الأساسية بثلاثة أقاليم حيوية متداخلة هي: البحر الأحمر، والقرن الأفريقي، والمجال النيلي.

بينما أكَّد د. صدقة فاضل في التعقيب الأول أنه لا يمكن للسعودية، أن تؤمِّن مصالحها الحيوية، وتضمن بقاءَها وأمنها واستقرارها القومي، بشكل سليم، في حدود مجالها الوطني الضيق فقط؛ بل لا بد من اعتبار كامل المنطقة العربية، المسمَّاة دوليًّا بـ” الشرق الأوسط”، والتي تقع المملكة في قلبها.

في حين ذكر د. عبد الرحمن الهدلق في التعقيب الثاني أن السعودية أدركت في السنوات الأخيرة أهمية القارة الأفريقية، وما يجري فيها من صراعات ومهدِّدات لأمنها الإقليمي، ولم تعُد أدوارها ردود أفعال لما يجري هناك. ولذا، بدأت في العهد الحالي باتخاذ المبادرات المبنية على رؤية حديثة وإستراتيجية طموحة تُحقِّق لها وللدول الصديقة المزيدَ من المكاسب التي تخدم مصالحها، وتزيد من دورها الإقليمي الإيجابي والمؤثِّر.

وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

  • الأهمية الإستراتيجية للعلاقات السعودية الأفريقية.
  • العلاقات السعودية الأفريقية من منظور الأهمية الجيوسياسية للبحر الأحمر والقرن الأفريقي.
  • جهود المملكة لتعزيز العلاقات السعودية الأفريقية وأوجه القصور القائمة.
  • الفرص المتاحة لدعم شراكة المملكة مع أفريقيا وآليات استثمارها.
  • القوة الناعمة ودورها في دعم العلاقات السعودية الأفريقية.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • العمل على تذليل الصعاب التي تواجه (مجلس الدول العربية والأفريقية المُطِلَّة على البحر الأحمر وخليج عدن) وأهمية ضم إثيوبيا إلى المجلس الجديد، وتمتين العلاقات مع الدول الأفريقية الواقعة على البحر كجسر نحو الامتداد السعودي إلى أفريقيا جنوب الصحراء.
  • إعداد إستراتيجية استباقية لتعميق الصلات بين المملكة والدول الأفريقية، وتنسيق المواقف السياسية والأمنية، وتنويع التعاون الاقتصادي، وتحييد المخاطر الإستراتيجية.

 

  • الورقة الرئيسة: د. عبد الله ولد أباه (ضيف الملتقى):

يمكن أن نُجمل مرتكزات الأمن الإستراتيجي السعودي في ثلاثة محاور، هي: مجال البحر الأحمر في امتداداته الواسعة على القرن الأفريقي وخليج عدن وإقليم وادي النيل، والمجال الخليجي بإطلالته على إيران والمحيط الهندي، والمجال الشرق أوسطي عبر البوابة الأردنية وارتباطاتها ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي.

فالسعودية من هذا المنظور هي من “البلدان – المحاور”pivot state التي لا يمكن أن تؤمِّن مصالحها الحيوية وأمنها القومي في حدود مجالها الوطني الضيق؛ بل لا بد لها من بناء سياسات وإقامة تحالفات إقليمية ضمن منظومة إستراتيجية موسَّعة تحمي مصالحَها الحيوية.
في هذا السياق، تبرز الأهمية الجيوسياسية لأفريقيا لارتباط أمن ومصالح السعودية الأساسية بثلاثة أقاليم حيوية متداخلة، هي: البحر الأحمر، والقرن الأفريقي، والمجال النيلي.

وإذا كان مجال البحر الأحمر يتجاوز الإطار الأفريقي (لانتماء بلدين عربيين غير أفريقيين لهذا الفضاء هما اليمن والأردن) إلا أن مفاتيحه ومداخله الأساسية توجد في القرن الأفريقي الذي هو المنفذ الحيوي لأمن شبه الجزيرة العربية وغرب المملكة. كما أن هذا المجال مفتوح عبر البوابتين المصرية والسودانية على منظومة الدول المطِلَّة على النيل، التي تضمُّ عددًا من أهم بلدان شرق أفريقيا والبحيرات الكبرى.
ومن هنا، تتحدد مقومات الشراكة الإستراتيجية المطلوبة مع البلدان الأفريقية المنتمية لهذه الدوائر المتداخلة من خلال أربعة محددات أساسية، هي:

  • وضع قواعد ثابتة لضبط الشراكة السعودية مع البلدان المُطِلَّة على البحر الأحمر؛ بتعزيز وتفعيل ائتلاف الدول الثماني المُشاطِئة للبحر الأحمر، الذي كان مبادرة سعودية مهمة. ويقتضي هذا التفعيل دمج إثيوبيا في هذا الائتلاف باعتبارها – وإن كانت غير مطلة على البحر الأحمر – القلب المركزي لهذا الإقليم، وكل إقصاء لها سيؤدي إلى فشل المشروع.
  • توطيد الحضور العسكري والأمني السعودي في محاور التشابك الإستراتيجي بين أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، بما يعني تدعيم الدور السعودي في خليج عدن وباب المندب عن طريق الاستثمار الاقتصادي والحضور العسكري الدائم في جيبوتي وجزر المحيط الهندي في شرق أفريقيا.
  • العمل على إعادة تأهيل السودان اقتصاديًّا وإستراتيجيًّا لأداء دور الجسر الحيوي بين السعودية وبلدان وسط وشرق أفريقيا، وصولاً إلى الساحل الأفريقي باعتبار حدود السودان المفتوحة على خمس دول أفريقية غير عربية، وهي دول رئيسية ولها تأثير كبير في القارة.
  • انضمام السعودية ولو كمراقب للاتحاد الأفريقي باعتبار ارتباطاتها المحورية بأفريقيا، وباعتبار أهمية العنصر الأفريقي في تركيبتها البشرية (بصفة خاصة في الحجاز). إنَّ هذا الانضمام سيسمح للسعودية بأداء دورها الإستراتيجي الكامل من داخل المؤسسات الإقليمية الأفريقية والاستفادة من مكاسب السوق الأفريقية المشتركة في مرحلة اشتد صراع الاستقطاب الدولي على أفريقيا بين القوى الدولية القديمة والصاعدة (الولايات المتحدة وأوروبا والصين والهند وتركيا).

وبالإضافة إلى هذا المجال الحيوي في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، يمكن للمصالح السعودية الحيوية أن تمتدَّ إلى إقليمين محوريين في القارة، هما: الحزام النفطي الأفريقي، والساحل الأفريقي.
أما الحزام النفطي فيتشكَّل أساسًا من بلدان خليج غينيا جنوب غرب القارة، وأهم بلدانه هي نيجيريا والكاميرون والغابون وغينيا الاستوائية وساحل العاج والكونغو والكونغو الديمقراطية وأنغولا. يتعلق الأمر هنا بأهم الدول الأفريقية المُصدِّرة للنفط، وهي بلدان ذات موارد واسعة وإمكانات مالية ضخمة، ولا يزال عددٌ منها في طور البناء المؤسسي والتوسُّع التنموي، ويمكن أن تُوفِّر فرصًا مُربِحة لإستراتيجية الاستثمار السعودي في ديناميكيتها التوسعية الجديدة.

أما بلدان الساحل الأفريقي فهي عمومًا دول غرب أفريقيا المسلمة التي هي مجال حيوي ثقافي وحضاري وديني للمملكة، وهي اليوم إحدى الجبهات الرئيسية لمحاربة الإرهاب والتطرف الديني. يمكن للسعودية أن تمارس دورها الإستراتيجي القوي في هذه المنطقة الحيوية من خلال الشراكة مع بلدان المغرب العربي المتداخلة مع هذا المجال وبصفة خاصة موريتانيا وليبيا والجزائر والمغرب، مع دعم مجموعة دول الخمس الساحلية في إستراتيجياتها لمحاربة الإرهاب والراديكالية العنيفة.
يتعين التنبيه هنا أن الساحة الأفريقية تُشكِّل بالنسبة للسعودية وشركائها في محور الاعتدال العربي مسرحًا رئيسيًّا للصراع الإقليمي المحتدم مع إيران وتركيا.

أما إيران فقد عزَّزت اختراقها للبلدان الأفريقية من خلال ثلاث آليات أساسية، هي: سياسة التشييع المؤدلج عن طريق الجاليات اللبنانية ذات الحضور القديم الكثيف في كثير من البلدان الأفريقية، يبدو هذا الدور جليًّا في نيجيريا والسنغال وغينيا، والدعم العسكري للأنظمة من خلال صفقات السلاح السرية والتكوين المليشياتي غير المُعلَن (كينيا، أوغندا، جنوب السودان…)، والشراكة التجارية والنفطية (جنوب أفريقيا ونيجيريا وغينيا..). إنَّ أخطر التحديات المطروحة على المصالح السعودية في هذا المجال هو الحرص الواضح على تطويق المؤسسات الدينية السعودية ومحاصرتها ونَشْر الإسلام الثوري المؤدلج في البلدان الأفريقية المسلمة.

وبالنسبة لتركيا، فقد تحوَّلت في السنوات العشر الأخيرة إلى شريك أساسي للدول الأفريقية من خلال استثماراتها الاقتصادية والتجارية الواسعة مع الأغلبية المطلقة من الدول الأفريقية بالتركيز على الموانئ والمطارات ومشاريع البنية التحتية، كما أنها عزَّزت حضورها الدبلوماسي في القارة (42 سفارة في العواصم الأفريقية و28 زيارة رسمية للرئيس أردوغان منذ وصوله للسلطة)، وأصبح لها أهم شبكة تعليمية أجنبية في أفريقيا، كما أن الإستراتيجية التركية نفذت إلى الحقل الديني من خلال رعاية تركيا لمؤسسة جديدة لعلماء أفريقيا.

ومن هنا، يتعيَّن على السعودية أن تعتمد إستراتيجية طموحة وفاعلة لمواجهة الاختراق التركي والإيراني لأفريقيا، الذي من أهم توجهاته محاصرة الدور السعودي في أفريقيا وتقويض القوة الناعمة السعودية في القارة.

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. صدقة فاضل

لا يمكن للسعودية، أن تؤمِّن مصالحها الحيوية، وتضمن بقاءَها وأمنها واستقرارها القومي بشكل سليم في حدود مجالها الوطني الضيق فقط، بل لا بد من اعتبار كامل المنطقة العربية، المسمَّاة دوليًّا بـ” الشرق الأوسط” – والتي تقع المملكة في قلبها – مجالاً لصيقًا متكاملًا للأمن الوطني السعودي. ولذلك، لا بد من الاهتمام بهذه المنطقة وما يجري فيها. ويجب ألا يقتصر الأمر على القلق والاهتمام، بل لا بد من العمل واتخاذ الإجراءات الذكية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف الأمني الأساسي والضروري.

ومن ضمن الإجراءات التي يجب أن تُتخذ في هذا الشأن: بناء سياسات شراكات أمنية- سياسية راسخة مع الدول المجاورة، وإقامة تحالفات إستراتيجية إقليمية موسَّعة، تشمل كامل المنطقة، وخاصة المناطق المحيطة بأرض المملكة، وبصفة أخص كل من: مناطق البحر الأحمر، وأرض النيلين، والخليج العربي، وكامل منطقة القرن الأفريقي.

ولقد أدرك قادة المملكة هذه الحقيقة الجيوسياسية الصارخة، وأهمية التحرُّك الإستراتيجي المدروس والمتواصل (المستدام) لتحقيق هذه الغاية، والحفاظ على أمن المملكة، حتى خارج مجالها الوطني الضيق، وخاصة في المناطق الأربع المذكورة، ومنها القارة الأفريقية ككل، والجزء الشرقي الملاصق للمملكة بصفة أخص.

وانطلاقًا من هذا الإدراك الإستراتيجي، عملت المملكة على دعم علاقاتها بدول الجوار الأفريقية. وأنشأت وكالةً كبيرةً بوزارة الخارجية للشؤون الأفريقية، يرأسها وزير، وهو وزير دولة للشؤون الأفريقية. وبادرت المملكة بإقامة ائتلاف دول البحر الأحمر، الذي يشمل الدول الثماني المشاطئة لهذا البحر، وهي: المملكة، اليمن، الأردن، مصر، السودان، إريتريا، جيبوتي، وأيضًا إثيوبيا (رغم أنها الآن دولة داخلية). إضافةً إلى عزم السعودية على الانضمام إلى “الاتحاد الأفريقي”، بصفة مراقب. فوجودها في هذا المحفل الدولي يؤكِّد اهتمامَها، ويقوي من موقفها نحو الأفارقة.

ورغم أن تركيز المملكة ينصبُّ على شرق أفريقيا، إلا أن ” كل” القارة الأفريقية يجب أن تهمَّ المملكة، أمنيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، باعتبار هذه القارة ملاصقةً للمملكة، وبها ثروات بكر، تجعل منها بيئةً خصبة للاستثمار، ومطمحًا لنفوذ القوى الكبرى. والتواجد (النفوذ) السعودي في أفريقيا يجب ألا يقتصر على خدمة ودعم المصالح السعودية في هذه القارة، بل ويركز أيضًا على الحيلولة دون امتداد وانتشار نفوذ منافسي السعودية الإقليميين والعالميين (إيران، إسرائيل، تركيا، الصين… إلخ) في هذه القارة، وبخاصة في الإقليم الحيوي للسعودية في شرق أفريقيا.

وكل ذلك يتطلب تطوير ودعم السياسة السعودية تجاه أفريقيا، والعمل الدؤوب لتوثيق العلاقات السعودية مع الدول الأفريقية، عبر كلِّ الوسائل السياسية المعتمدة، وفي مقدمتها: الدبلوماسية النشطة، والإعانات الاقتصادية، وإقامة المراكز الثقافية في المدن الأفريقية الكبرى، وغير ذلك.

  • التعقيب الثاني: د. عبد الرحمن الهدلق

توطئة:

رغم فتور الاهتمام السعودي بالعلاقات الأفريقية على مرِّ العقود الماضية ومروره بمراحل صعود وهبوط خاصة فترة الستينيات والتي شهدت صعودًا في تلك العلاقات في عهد الملك فيصل، حيث برز دور المملكة السياسي الإيجابي في أفريقيا من خلال زياراته المؤثرة والفعَّالة؛ إلا أن هذا التأثير السعودي القوي لم يستمر طويلًا، حيث لوحظ ثمة ضعف في مستوى الاهتمام السعودي بأفريقيا بسبب انشغال المملكة بقضايا إقليمية أخرى وانكفائها في تنمية مشاريعها الداخلية حتى استغلته دول إقليمية منافسة، بعضها يحمل توجُّهًا عدائيًّا للمملكة، إلا أن الوضع اختلف في عهد الملك سلمان، وبعد طرح رؤية ولي العهد 2030  حيث عاد الاهتمام “وبقوة” بالملف الأفريقي من جديد.

وقد صنَّف د. عبد الله ولد أباه في الورقة الرئيسة السعودية كدولة محورية  “pivot State”، وهي كذلك. والدول المحورية – كما يذكر Bremmer  – هي تلك الدول المؤثرة في محيطها الإقليمي والدولي من خلال بناء علاقات وإقامة تحالفات لحماية مصالحها وزيادة قدرتها في التأثير على الآخرين دون الاعتماد المفرط على دول كبرى.

وحيث إنَّ العديد من الكُتَّاب والمفكرين السياسيين يعتبرون السعودية من الدول الصاعدة كدولة محورية بسبب تمتُّعها بموقع إستراتيجي يُمثِّل نقطة التقاء وحلقة اتصال بين ثلاث قارات) منها القارة الأفريقية (إضافةً إلى قُربها من أهم ثلاثة ممرات ومضائق مائية يعبر من خلالها الكثير من النفط والتجارة العالمية. علاوة على ذلك، تمتلك السعودية من المقومات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والدينية ما يؤهِّلها لأن تكون لاعبًا إقليميًّا مركزيًّا في السياسة الدولية. وحيث إنَّ الملف الأفريقي يقع ضمن هذا السياق، نظرًا لأهميته الإستراتيجية والحيوية والمستقبلية؛ فقد قامت السعودية في السنوات القليلة الماضية بتبنِّيه وتفعيله تحقيقًا لرؤية 2030، ولتحقيق الكثير من المصالح والمنافع للمملكة وللقارة السمراء على حدٍّ سواء.

أهمية أفريقيا:

رغم انتشار الفقر وتفشي الأمراض المعدية، إلا أن مستقبل أفريقيا مستقبل واعد ومُشرِق. وتُقدَّر صادرات النفط والمعادن -وفقًا للمصادر الاقتصادية – بـ 300 مليار دولار سنويًّا، حيث تمتلك أفريقيا 12 % من احتياطي النفط العالمي، و30 % من الفوسفات واليورانيوم، و80 % من البلاتين، و40 % من الماس، و25 % من الذهب، و27 ٪ من الكوبالت.

كما أن أفريقيا تتميَّز بخصوبة الأرض وتوفُّر المياه في مجملها، وتعتبر أحد أكبر المصادر العالمية في إنتاج اللحوم والثروة الحيوانية وأكبر المحتكرين لأسماك المياه العذبة.

إضافةً إلى أنها تحتاج إلى 100 مليار دولار سنويًّا كقيمة استثمارات في البنية التحتية، ويُتوقَّع أن يصل عائد الاستثمار الزراعي في أفريقيا عام 2030 إلى 880 مليار دولار.

إلى جانب الأهمية الاقتصادية، هناك الأهمية الجيوسياسية حيث تشترك المملكة بمشاطئة عدد من الدول الأفريقية التي تقع على البحر الأحمر الذي تبلغ أطوال سواحله 5500 كم، تُمثِّل سواحل المملكة ما يقارب 40٪ من أطواله. كما أن متوسط اتساعه نحو 300 كم، ويضمُّ مئات الجزر، منها 144 جزيرة سعودية. ويعتبر حلقةً إستراتيجية بين قارات ثلاث، حيث يربط البحر الأبيض المتوسط ببحر العرب جنوبًا من خلال مضيق باب المندب وقناة السويس، ويعتبر ممرًّا رئيسيًّا للتجارة العالمية والإقليمية.

الرؤية والطموح السعودي:

نظرًا للأهمية الاقتصادية والإستراتيجية لقارة أفريقيا المجاورة، فإن الاهتمام السعودي بها لم ينقطع بصورة نهائية على مرِّ العقود الماضية، إلا أن المملكة في عهد الملك سلمان أبدت اهتمامًا كبيرًا بالملف الأفريقي، واتخذت عدة خطوات عملية وفعَّالة ومهمة تتسق مع ما ورد في رؤية المملكة 2030 وطموحاتها الإستراتيجية، ومنها ما يلي:

  • صدور أمر ملكي بتعيين السفير أحمد قطان وزير دولة للشؤون الأفريقية.
  • إنشاء مجلس للدول المُطِلَّة على البحر الأحمر وخليج عدن، وتوقيع ميثاقه على الأراضي السعودية.
  • شهدت العلاقات السعودية-الأفريقية نشاطًا مهمًّا، تَمثَّل في زيارة ولي العهد السعودي لعدد من الدول الأفريقية وزيارة عدد من رؤساء دول أفريقيا للمملكة؛ وهو ما عزَّز من الشراكة الإستراتيجية مع عدد من الدول الأفريقية المهمة.
  • تكثيف الزيارات لكبار المسؤولين والوفود السعودية، حيث قام الوزير الجبير بـ (18) زيارة لأفريقيا خلال فترة قصيرة، قابل فيها عددًا من الرؤساء ورؤساء الوزراء الأفارقة، تناولت عددًا من الملفات المهمة.
  • قيام القيادة السعودية بتقريب وجهات النظر وحل الخلافات بين الدول الأفريقية.
  • التنسيق والتعاون الأمني الإقليمي وتبادل الخبرات، حيث قامت السعودية بعمل عدة مناورات عسكرية، منها ” تمرين البحر الأحمر 1″ في مدينة جدة شاركت فيه عدد من الدول الأفريقية.

محاور العلاقة السعودية الأفريقية:

الحقيقة أن الاهتمام بملف العلاقة السعودية الأفريقية واتخاذ عددٍ من الإجراءات بشأنه أفضى إلى رؤية واضحة وإستراتيجية طموحة تستند على عدد من المحاور أدت إلى مكاسب لكلا طرفي العلاقة. ومن أهم هذه المحاور ما يلي:

  • المحور الاقتصادي:

ذكرت الرؤية السعودية 2030 أن المملكة تهدف إلى أن تكون قوةً استثمارية رائدة على المستوى الدولي، حيث إنَّها محور يربط القارات الثلاث. وتأسيسًا على ذلك؛ اهتمت المملكة بتعزيز قدراتها وإمكانياتها الاقتصادية والتجارية من خلال توثيق علاقاتها التجارية وشراكاتها الاقتصادية مع الدول الأفريقية، وساهمت في الكثير من المشاريع الثنائية مع عدد من بلدان القارة الأفريقية، مثل تدشين محطة طاقة شمسية في جنوب أفريقيا بلغت قيمتها نحو 328 مليون دولار، وعبَّرت المملكة عن توجُّه رسمي لإقامة خطوط ملاحية مباشرة بين موانئ جيبوتي وجدة وجازان لدعم التبادل التجاري بين البلدين، وتعزيز وجود المنتجات السعودية في دول القرن الأفريقي. إضافةً إلى ذلك، ذكرت التقارير الاقتصادية أن المملكة تُخطِّط لبناء مصفاة نفطية ومصنع للبتروكيماويات في جنوب أفريقيا ضمن استثمارات تُقدَّر بعشرة مليارات دولار.

يُذكَر أن حجم التبادل التجاري بين السعودية ودول أفريقيا في2014  سجَّل نحو 18.2 مليار دولار، منها 14.9 مليار دولار صادرات سعودية، و303 مليارات دولار واردات المملكة، وتُواصل هذه الأرقام ارتفاعها خاصة مع زيادة استثمارات المملكة في دول أفريقيا.

  • المحور الدبلوماسي:

تهدف المملكة إلى تعزيز مكانتها ونفوذها في أفريقيا، ومواجهة التهديدات التي تؤثر سلبًا في الاستقرار في الجوار الإقليمي؛ ولذا قامت بالمساهمة في حلحلة الصراعات التي تحدث بين دول الجوار الإقليمي، ومنها حل الخلافات بين جيبوتي وإرتيريا، وكذلك لعبت دورًا مهمًّا في حلِّ الصراع الإثيوبي الإريتري.

ونظرًا لتزايد الأدوار السلبية لبعض القوى الإقليمية المنافسة، والتي تحمل سياسات عدائية للمملكة كإيران وتركيا وغيرهما؛ فقد شرعت المملكة في تكثيف مساعيها الدبلوماسية لخدمة مصالحها الإقليمية، ومواجهة هذه التهديدات من خلال افتتاح المزيد من السفارات السعودية في القارة الأفريقية حتى وصلت إلى (49) سفارة مقارنة بإيران (30) سفارة وبعثة دبلوماسية، وتركيا (42) سفارة، والتي حصلت على دور مراقب في الاتحاد الأفريقي عام 2005.

  • المحور العسكري والأمني:

تشهد القارة الأفريقية سباقًا محمومًا بين القوى الإقليمية والدولية لتعزيز نفوذها العسكري من خلال إنشاء القواعد العسكرية في أفريقيا، ومنها تركيا وإيران التي أنشأت لها قاعدة في إرتيريا وأبدت – إضافةً إلى تركيا- اهتمامًا كبيرًا بالمزيد من التواجد العسكري في دول القرن الأفريقي ومنطقة البحر الأحمر؛ مما دفع بالمملكة وبعض الدول الأفريقية إلى المساهمة في إنشاء مجلس للدول المُطِلَّة على البحر الأحمر وخليج عدن بهدف التعاون لتحقيق الاستقرار في المنطقة ومواجهة أي تهديدات عسكرية أو إرهابية لدول المنطقة.

إضافةً إلى ذلك، بادرت المملكة بإعادة تموضعها في المنطقة الإقليمية، وشكَّلت لجانًا عسكرية مشتركة مع عدد من الدول الصديقة ودعمها بالأسلحة للدفاع عن أي مهددات إقليمية، وأقامت بالشراكة مع بعض تلك الدول عددًا من المناورات العسكرية على الأراضي السعودية. كما وقَّعت مع عدد من الدول اتفاقيات لمواجهة الإرهاب والقرصنة في البحر الأحمر؛ وذلك تعزيزًا للأمن الإقليمي الذي تحاول زعزعته قوى إقليمية معروفة بخصومتها للمملكة.

وعلاوة على ذلك، شرعت السعودية في التعاون مع بعض الدول الأفريقية وعقد صفقات تسلُّح مع بعض الشركات المصنِّعة للأسلحة في جنوب أفريقيا، واستيراد التكنولوجيا العسكرية منها “دينيل” حصص في شركة لتوطين الصناعات العسكرية في المملكة.

  • المحور الإنساني والديني:

تمتلك المملكة قوةً ناعمةً جبَّارة من خلال إمكانياتها الاقتصادية والدينية، وتعتبر إحدى أكثر الدول تقديمًا للمساعدات الإنسانية والإنمائية، خاصة الساحة الأفريقية، فالسعودية تقدِّم الدعم الغذائي للاجئين والنازحين في عدد من الدول، مثل الصومال والسودان ودول الساحل الأفريقي؛ بهدف دعم الاستقرار هناك، حيث -على سبيل المثال- تبرعت عام 2017 بنحو 100 مليون دولار لمكافحة التنظيمات الإرهابية، ولدعم التنمية والاستقرار في دول الساحل الأفريقي.

كما يقوم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية لتخفيف معاناة الشعوب الأفريقية المحتاجة في هذه الدول. إلى جانب ذلك، يُقدِّم الصندوق السعودي للتنمية القروضَ لإقامة المشاريع الإنمائية في عدد من الدول الأفريقية خاصة دول الساحل الأفريقي، حيث بلغت هذه القروض ما يتجاوز المليار دولار.

علاوة على هذه الجهود الإنسانية، تمتلك المملكة ذراعًا مهمةً يمكن استخدامها كإحدى أذرع قوتها الناعمة لكسب قلوب وعقول شعوب المنطقة عبر حضورها الديني كمرجع روحي للمسلمين، حيث تعتبر المملكة ومدنها المقدَّسة المتمثِّلة في الحرمين الشريفين قبلةً لقلوب المسلمين وأفئدتهم في أفريقيا؛ مما يُعزِّز مكانتها وتأثيرها الإقليمي هناك، خاصة أنها تقوم بجهود مهمة من خلال نشر الوعي الديني ومواجهة التطرف الذي تسهم في نشره بعض الجماعات الدينية المتشددة والقوى الإقليمية في المنطقة من خلال أذرعتها وميليشياتها الطائفية.

الخاتمة:

من الواضح أن السعودية أدركت في السنوات الأخيرة أهمية القارة الأفريقية، وما يجري فيها من صراعات ومهددات لأمنها الإقليمي، ولم تعُد أدوارها ردود أفعال لما يجري هناك. ولذا، بدأت في العهد الحالي باتخاذ المبادرات المبنية على رؤية حديثة وإستراتيجية طموحة تُحقِّق لها وللدول الصديقة المزيدَ من المكاسب التي تخدم مصالحها، وتزيد من دورها الإقليمي الإيجابي والمؤثر، لتصبح دولةً محورية وفاعلة لما يجري من أحداث وتطورات على الساحة الدولية بشكل عام، وفي الجوار الإقليمي بشكل خاص، ومنها القارة الأفريقية التي تربطنا بها قواسم مشتركة ومصالح متبادلة.

  • المداخلات حول القضية:
  • الأهمية الإستراتيجية للعلاقات السعودية الأفريقية:

أشار د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أن أفريقيا هي ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة وعدد السكان، وتأتي في المرتبة الثانية بعد آسيا، حيث تبلغ مساحتها 30.2 مليون كيلو متر مربع (11.7 مليون ميل مربع)، وتتضمن هذه المساحة الجُزر المجاورة، وهي تغطي 6% من إجمالي مساحة سطح الأرض، وتشغل 20.4% من إجمالي مساحة اليابسة، ويبلغ عدد سكان أفريقيا حوالي 1.2 مليار نسمة، وفقًا لتقديرات عام 2016، ويعيشون في 61 إقليمًا، كما تبلغ نسبتهم حوالي 14.8% من سكان العالم. إذًا، فهذه الدول تعَدُّ منجمًا سياسيًّا واقتصاديًّا، وحكومة المملكة – أعزَّها الله – استشعرت تلك المكانة الأفريقية منذ عقود من الزمن بما تمليها اعتبارات وحدة الدين واللغة والمصير والمصالح المشتركة.

وأكَّد د. عبد الله العساف على أننا في زمن أفضل ما يُطلق عليه هو زمن تحوُّل التحالفات السياسية وإعادة رسم خريطة الجغرافيا السياسية في كامل المنطقة؛ ولهذا أدركت السياسة السعودية أن الخارطة السياسية في العالم لا تسمح بوجود الدول (المنفردة)، وأن زمن التغريد منفردًا قد ولَّى إلى غير رجعة، “على الأقل في هذه الحِقبة من الزمن”، وإنما الحلُّ هو بالتكتلات السياسية الإقليمية والدولية؛ ولذا سعت الرياض لترتيب علاقاتها الخارجية من خلال النشاط الدبلوماسي النشط والزيارات التي قام بها خادم الحرمين الشريفين وولي العهد وولي ولي العهد خلال الفترة السابقة. كما أن الرياض أصبحت قبلةً لزيارات متواصلة لزعماء وسياسيين من مختلف أنحاء العالم، وإليها تتجه بوصلة السياسة في منطقتنا بغيةَ تأسيس تحالفات ثنائية وإقليمية تُمثِّل عهدًا جديدًا في السياسة الخارجية السعودية  من خلال تنويع علاقاتها مع مختلف دول العالم في جميع الاتجاهات، وتأكيدًا على عدم انحياز المملكة لدولة دون سواها، ورغبة في الانفتاح السياسي على الجميع، وأنها تقف على بُعد مسافة واحدة من جميع الفرقاء، وهو ما يُشكِّل تحوُّلًا جوهريًّا في السياسة السعودية، أفرزته الأحداث المختلفة في العالم وفي منطقتنا العربية على وجه الخصوص، بدءًا من الثورات العربية وتداعياتها السلبية على أمن واستقرار المنطقة، وظهور تنظيم داعش الإرهابي برعاية مخابرات عدد من الدول التي تسعى من خلاله لتحقيق أجندتها وأهدفها الخاصة، وقد أصبحت المملكة العربية السعودية مستهدفةً بالقسط الأكبر من جرائمه، والأحداث في سوريا واليمن وليبيا والعراق والتغوُّل الإيراني والتركي في المنطقة، ومحاولتهما تطويقها من عدة اتجاهات لتنفيذ مشاريعهما وتحقيق أحلامهما التوسعية والتدميرية.

كل هذه الأحداث أوجدت نشاطًا دبلوماسيًّا لا يهدأ، ليس من أجل سلامة المملكة وحدها؛ ولكن كما قال الملك سلمان في زيارته الأخيرة لواشنطن: “نحن لا نحتاج من أحدٍ شيئًا، نحن أقوياء بالله ثم بشعبنا، ولكننا نسعى لما فيه مصلحة أمتنا ومنطقتنا”. وقد بلورت هذه الأحداث رؤية سعودية جديدة وصلبة وواقعية، بالإضافة إلى كونها عملية في التعامل مع الأحداث المختلفة؛ فأصبح الحضور السعودي في المشهد السياسي يلفت إليه الأنظار، وقادرًا على تشكيل تحالفات سياسية وعسكرية ناجحة كعاصفة الحزم مثلاً، وفي الجانب السياسي القدرة على إصدار قرار أممي 2216 فيما يخص الشأن اليمني مع تحييد الصوتين الروسي والصيني.

وذكرت د. هناء المسلط أن مجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأمريكية نشرت مقالاً عن السعودية وروابطها بالقارة الأفريقية، أشار إلى اهتمام المملكة بتعزيز وزيادة علاقاتها بالقارة في ظلِّ التغيرات العالمية الحالية (1).

  • العلاقات السعودية الأفريقية من منظور الأهمية الجيوسياسية للبحر الأحمر والقرن الأفريقي:

في سياق متصل، تناول أ. سليمان العقيلي العلاقات السعودية الأفريقية من خلال الأهمية الجيوسياسية للبحر الأحمر والقرن الأفريقي، حيث أشار إلى أنه لا شك في الأهمية الجيوسترايجية لمنطقة القرن الأفريقي؛ لكونها تشرف على البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب جنوبًا، وعبر قناة السويس ذات الأهمية الإستراتيجية شمالًا، وكلها ممرات مائية مهمة تتصل بمنابع النفط الخليجية والتي في مجملها تكوِّن ما يُسمَّى بـ (قوس الأزمة)، وقد تزايدت الأهمية الجيوسياسية للبحر الأحمر بعد افتتاح قناة السويس في القرن 19، كما ارتفعت القيمة الإستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي بعد اكتشاف النفط في السودان، والذي أعطى للقوى الإقليمية ذريعةً للتواجد في هذه المنطقة والسيطرة عليها من أجل موارد الطاقة. وتعاظمت القوة الإستراتيجية لهذه المنطقة بعد إنشاء إثيوبيا لسد النهضة الذي تسبَّب في أزمة سياسية مع مصر والسودان؛ حيث الصراع على موارد المياه يطبع القرن الجديد.

وتعود أهمية البحر الأحمر ومضيق باب المندب لما قبل الإسلام عندما غزت الإمبراطورية الإثيوبية اليمن ونشرت المسيحية واصطدمت مع اليهودية هناك (قضية الأخدود)، ثم تواجهت مع الفرس الذين كانوا يميلون إلى الدفاع عن اليهود.

وقد أرسى المسلمون الأوائل – الذين لجؤوا إلى الحبشة بسبب حصار كفار مكة – ركائز علاقات الصداقة والسلم بين الجزيرة العربية ومملكة أكسوم الحبشية بفضل مَن قال عنه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم) بأنه ملك لا يُظلم عنده أحدٌ (النجاشي) وفيما بعد جسد الصحابي الجليل بلال بن رباح البعد الأفريقي في الدعوة الإسلامية.

ومنذ ذلك الوقت قامت علاقات وأواصر المصاهرة بين الأحباش والقبائل العربية، وكانت قبيلة حرب السعودية أكثر قبائل الجزيرة زواجًا بالحبشيات. لسببين قرب الحبشة من مراعي القبيلة في سواحل الحجاز وسَحنة الجمال الأبونسي الذي كسا الفتيات الحبشيات. واتسمت العلائق بين الحجاز والحبشة بوطائد عائلية وإنسانية وثقافية، وانعكست الثقافة الأفريقية بتأثيراتها المتنوعة على الرقصات الشعبية في المناطق الغربية والجنوبية للمملكة، كما ظهرت البصمات الأفريقية في الطراز المعماري في عسير وجازان. وأصبحت الأعراق الأفريقية جزءًا أصيلًا من الديموغرافيا السعودية؛ لكن ذلك كله لم يُوظَّف بشكل جيد في السياسة.

تاريخيًّا، وفي القرن الخامس عشر غزا البرتغاليون البحر الأحمر للتضييق على امتدادات الإمبراطورية العثمانية، ثم قاموا بالاكتشافات الجغرافية لرأس الرجاء الصالح لضرب الممرات البحرية العربية الموصِّلة للتجارة مع الهند (الخليج والبحر الأحمر)، حتى جاءت الإمبراطورية البريطانية التي جعلت من عدن مقرًّا إستراتيجيًّا للإشراف على المضائق، وبسطت الحماية على مصر بشكل مباشر بعد افتتاح قناة السويس. فيما أهملت واشنطن – التي ورثت بريطانيا – هذه الرقعة الإستراتيجية عدا بدايات الحرب الباردة في الخمسينيات والستينيات والنصف الأول من السبعينيات، وكذا عند ظهور القراصنة الصوماليين في خليج عدن في الألفية الجديدة.

الدور العربي:

منذ السبعينيات والسعودية تحاول بلورة تعاون عربي إقليمي أمني / بيئي / سياسي للبحر الأحمر وباب المندب.  وقد تجلَّت في السبعينات أزهى صور التعاون العربي في إقليم البحر الأحمر؛ حيث أغلقت اليمن مضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية في حرب أكتوبر 1973، ونشرت قواتها في جزرها لمواجهة أية أطماع إسرائيلية، وقد وضعت اليمن الجنوبي جزيرة بريم تحت القيادة المصرية بعد التنسيق مع السعودية.

وعُقِد في 1976 أول اجتماع عربي في جدة بين السعودية ومصر والسودان؛ لضمان أمن البحر الأحمر، ومنع امتداد الصراعات الدولية للإقليم. ودعت الجامعة العربية إثيوبيا للاشتراك مع الدول العربية في اجتماع حول أمن البحر الأحمر، لكن أديس أبابا لم تُجب الدعوة. وأثر تواجد إسرائيل في موانئ وجزر إريترية (كانت تحت السيطرة الإثيوبية وقتها)، حيث تبلور موقف عربي بدعم الثورة الإريترية ودعم تحرير إقليم أوغادين الصومالي.

لكن هذا التعاون العربي عُلِّق بعد زيارة السادات إلى إسرائيل عام 1977. وفي عهد مبارك، اتسمَّ التعاون السعودي المصري بالودية ولكن بشيء من الحذر إثر عودة القاهرة للصف العربي وتطلُّعها لدور ريادي.
وبمبادرة سعودية، وبعد عدة اجتماعات في القاهرة والرياض، أُعلِن في 6 يناير 2020 مجلس الدول المُطِلّة على البحر الأحمر وخليج عدن، وهو مكوَّن من 8 دول تطلُّ على البحر والخليج. وينتظر المجلس كي يتأسَّس مصادقة أربع دول من ثمانٍ على ميثاقه الذي تمَّ التوقيع عليه من وزراء الخارجية في الرياض، وينصُّ الميثاق على أن يكون مقرُّ المجلس في العاصمة السعودية. وأن يُعنَى بأمن المنطقة وبيئتها البحرية وتعاون الدول الأعضاء سياسيًّا واقتصاديًّا. وحتى الآن، لم تصادق على الميثاق سوى دولتين، هما السعودية وجيبوتي. وهذا التلكؤ يمكن تفسيره فيما يخصُّ بعض الدول (مثل السودان واليمن) بتعليق أعمال البرلمان، لكن لا تفسيرَ لمواقف الدول الأخرى سوى الاعتبارات السياسية.

وثمة قوى جديدة ظهرت على السطح في بيئة البحر الأحمر، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة التي تمركزت في موانئ اليمن (عدن والمكلا والمخا) وفي ميناء عصب الإرتيري. وميناء بربرة في الصومال لاند.
فقد حصلت دولة الإمارات على عقد إيجار لمدة 30 عامًا للاستخدام العسكري لميناء عصب العميق ذي الموقع الإستراتيجي، ومطار عصب المجاور مع مدرج بطول 3500 متر، يمكن لطائرات النقل الكبيرة من الهبوط عليه بما في ذلك طائرات “سي 17 جلوب ماستر” الضخمة.
ومنذ تاريخ توقيع الاتفاقية بين الطرفين، أصبح ميناء عصب شريانًا للنشاطات البحرية وقاعدةً جوية مهمة للإمارات في مضيق باب المندب.
ورغم أنه لا توجد دولة تعترف بأرض الصومال (صوماليلاند)، إلا أن للإمارات وجودًا ملموسًا في هذا الإقليم. ففي مارس عام 2018، أعلن موسى عبدي رئيس الإقليم أن الإمارات ستُدرِّب قوات أمن في المنطقة في إطار اتفاق لإنشاء قاعدة عسكرية إماراتية هناك. وأضاف أن القاعدة ستضمن تحقيق تنمية اقتصادية وأمنية في البلاد، وستكون وسيلةَ ردع للجماعات المتشددة في المنطقة.

وبدأت الإمارات في عام 2017 إنشاء قاعدة على موقع بمطار مدينة بربرة في الإقليم، وسُمِح لها بالبقاء فيها لمدة ثلاثين عامًا. وتقع بربرة على بُعد أقل من 300 كيلومتر إلى الجنوب من اليمن. هذه التطورات مع حرص السياسة الإماراتية على قيام دولة في الجنوب اليمني تضمن لها عقودًا بالسيطرة على موانئ عدن والمكلا وجزيرة سقطرى، يُنبئ بطموح إماراتي عريض لا يتفق مع القوة البحرية الإماراتية!

إسرائيل وإيران: 

في سياق متصل فيما يتعلق بالوضع الجيوسياسي الراهن للبحر الأحمر، تستعد قوتان لبسط تأثيرهما ونفوذهما على هذا الإقليم، هما إيران التي غرست أوتادها في اليمن بدعم محلي وإقليمي (مستتر)، وإسرائيل التي تستعد اليوم للتواجد في البحر الأحمر وخليج عدن بشعار عنوانه مقاومة إيران، فيما الدور العربي اقتصر على مجرد تغطية أحد الطرفين.  فإيران حرصت خلال الفترة الماضية على تلغيم البحر الأحمر والاعتداء على السفن التجارية المُبحرة، وضرب الموانئ المهمة (جدة وجازان) في رسالة واضحة للغرب بأنه سيكون لها كلمة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ومجمل قوس الأزمات من الخليج إلى الخليج ومن المضيق إلى المضيق.

وبقراءة التصريحات الإسرائيلية، فإن هناك رغبةً جامحة في تغطية عربية للوجود الإسرائيلي في البحر الأحمر وخليج عدن تحت ذريعة مواجهة إيران.  ولا يُشَكُّ في أن الدوافع الإسرائيلية غير سليمة، فقد كانت تل أبيب سببًا في تعقيدات الموقف الأمني بالقرن الأفريقي؛ عندما حرَّضت إثيوبيا ضد مصر، وأوحت إلى الرئيس الإرتيري أسياس أفورقي بعدم الانضمام إلى الجامعة العربية، وكل ذلك في ظلِّ اتفاقيات السلام مع مصر.  لذا، فإن المواجهة الإسرائيلية الإيرانية في البحر الأحمر دافعها التمهيد لحوار بين تل أبيب وطهران حول الأمن المتبادل وتقاسم النفوذ بالمنطقة العربية.

يبقى التأكيد على أن تكون السياسة السعودية الإقليمية في البحر الأحمر وخليج عدن والقرن الأفريقي قائمةً على الأمن الذاتي المعتمد على تعاون الدول المتشاطئة، مع تحييد أي تدخل خارجي.

ومن هذا المنطلق، فإن الضغط من أجل ظهور مجلس الدول المُطِلَّة على البحر الأحمر وخليج عدن ينبغي أن يكون هدفًا ذا أولوية؛ من خلال التفاهم مع مصر والأردن للمصادقة على الميثاق في أقرب وقت، هذا إنْ لم يكن البلدان واقعين تحت تأثير الضغوط الخارجية. والأمر نفسه ينطبق على إرتيريا والصومال. وإذا ما نشأ المجلس، فإن من الجدير بالاهتمام وَضْع صيغة للتعاون الاقتصادي والاستثمارات المشتركة بين البلدان الأعضاء بما يغري على الالتزام بالتعاون الأمني.  كما أن من الأهمية بمكان ضم إثيوبيا إلى المجلس الجديد (رغم كونها بلدًا داخليًّا)، وربما أن ثمة معارضة مصرية لمثل هذا التوجه، لكنه قد يتلاشى مع الاتفاق على حلول بشأن سد النهضة. إنَّ أمن البحر الأحمر والسلامة الإقليمية للدول المُطِلَّة عليه هو أفضل جسر نحو الامتداد السعودي إلى أفريقيا جنوب الصحراء؛ لأن هذه المنطقة من أفريقيا هي الأكثر أهميةً إستراتيجية، والأكثر إثارةً للقلق الجيوسياسي. وهي بالتأكيد تستضيف مقرَّ الاتحاد الأفريقي، وتُمثِّل واحدًا من أكبر المخزونات المائية الأفريقية.
ووجود هذا الجزء من أفريقيا على خطوط الصدع الحضاري والسياسي مع المنطقة العربية يجعلها الأكثر إغراءً لتكون مناطَ التآمر على الأمن القومي العربي والأمن الإقليمي، وبالتالي تستحق عناءَ الاحتواء والاحتضان بكل التكاليف السياسية والاقتصادية.

  • جهود المملكة لتعزيز العلاقات السعودية الأفريقية، وأوجه القصور القائمة:

أشار م. أسامة كردي إلى أن المملكة تعمل على تنمية وتطوير علاقاتها الخارجية منذ توحيد المملكة قبل ٩٠ عامًا، ويمرُّ هذا العمل بمرحلة جديدة منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم، وبمتابعة من ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان. وفي هذا الإطار، رأينا زيارات رسمية للمملكة على أعلى المستويات من العديد من مسؤولي الدول المختلفة، كما قام المسؤولون في المملكة بزيارات للعديد من دول العالم، وكان الهدف من هذه الزيارات توثيق العلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها من العلاقات المعروفة بين الدول. وبالتالي، فقد رأينا اهتمامًا بدول ليست تقليديًا ضمن اهتماماتنا مثل دول جنوب شرق آسيا ودول أواسط آسيا ودول أمريكا الجنوبية، بالإضافة إلى دول أفريقيا السوداء. ويتضح للمراقب ارتفاع درجة اهتمام العديد من الدول المتقدمة والنامية بعلاقاتها مع دول أفريقيا، منها أمريكا وبريطانيا وإيران وإسرائيل. وقد كانت أولى خطوات اهتمام المملكة بأفريقيا هي تعيين وزير دولة لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، ثم تكثيف التواصل مع دول أفريقيا متمثِّلًا في دعوات للعديد من رؤساء هذه الدول لزيارة المملكة والتباحث حول فرص ومجالات التعاون، ولا بد من التذكير بخطوة أخرى مهمة اتخذتها المملكة، وهي تنظيم عقد الدورة الخامسة للقمة العربية الأفريقية في الرياض في شهر مارس عام ٢٠٢٠. وكانت المملكة تُخطِّط لعقد قمة سعودية أفريقية هذا العام، ولكن يبدو أن فيروس كورونا قد تسبَّب في تأجيل هذه القمة.

وبدوره، أشار د. محمد الثقفي إلى أن غالبية دول قارة أفريقيا ضمن كيانات سياسية ترتبط معها المملكة بعدد من العلاقات، فمن حيث علاقة المملكة بالدول العربية في شمال أفريقيا فتُشكِّل معًا الأمن القومي العربي، وتترابط بعدد من العلاقات الدينية والعرقية والسياسية… إلخ، ومن حيث الدول الشاطئية فقد عملت المملكة في 2018 على التحالف العربي الأفريقي الذي يُعوَّل عليه كثيرًا في رسم علاقات إستراتيجية متعددة الأوجه. وفيما يتعلق بالمهددات التي تعيشها بعض الدول العربية وتحديدًا مصر والسودان جراء إنشاء سد النهضة، وبالرغم من أنها تحديات مباشرة لدول مستقلة غير أن المملكة تلعب دورًا في تخفيف هذه المخاطر، وليس أدلها من جهود المملكة من إسقاط السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وذهب د. عبد العزيز الحرقان إلى أنه يوجد قصور شديد في الاستثمار في أفريقيا؛ لعدة أسباب، أهمها: جهل المستثمرين بقوانين وأنظمة الدول الأفريقية، وعدم سيادة القانون، وارتفاع درجة الفساد؛ فبالتالي ارتفاع درجة مخاطر الاستثمار. عالجت الصين ذلك بدخول صندوقها السيادي لتنفيذ مشاريع بعقود حكومية، وتمويل هذه المشاريع أيضًا من خلال قروض ميسرة، ثم يتعاقد الصندوق الصيني مع الشركات الصينية لتنفيذ المشاريع متحمِّلًا درجة المخاطرة الاقتصادية والتجارية؛ لأنه كيان ضخم المواد المالية والبشرية والفنية، وكذلك بسبب وجود الخبرة المتراكمة من تنفيذ مشاريع مماثلة، وأيضًا للثقل السياسي والاقتصادي للصندوق. ولعل صندوق الاستثمارات العامة أو كيان آخر قائم مثل هيئة دعم الصادرات أو صندوق جديد لدعم التجارة الخارجية يتولى ذلك. من ناحية أخرى، يوجد ملحق تجاري سعودي واحد فقط مُخصَّص لأفريقيا، وهو الملحق التجاري في مصر. وهذا المكتب يشمل بخدماته كلَّ دول أفريقيا. وهذا من الطبيعي ألا يكون قادرًا على تقديم خدماته لرجال الأعمال لكل الدول الأفريقية. فالمفروض تواجد ملاحق تجارية في الدول الأفريقية المهمة، لتعزيز التبادل التجاري بين الدول الأفريقية والسعودية (ملاحظة لبنان لديها ملحق تجاري!).

وأشار د. زياد الدريس إلى أن أفريقيا، التي همَّشها المشرق العربي، هي محطُّ أنظار العالم من الصين شرقًا إلى أمريكا غربًا، ومن روسيا شمالًا إلى الهند جنوبًا، وهي المنصة التنافسية الأولى للاستثمار الآن، وهي المسرح الأكبر لاستخدام القوة الناعمة من لدن الدول “المؤدلجة” خصوصًا. ونحن الآن أحوج مما مضى لتنشيط القوة السعودية الناعمة في أفريقيا، وليس بالضرورة بنفس السيناريو القديم، ولكن بأدوات تلائم العصر الجديد، ليس فقط عبر تفعيل الفرص الاستثمارية الثنائية؛ ولكن أيضًا عبر تنشيط الحضور الثقافي والتأثير الدبلوماسي والروحاني.

من جهتها، ركَّزت د. فوزية أبو خالد على جانب مهمل تمامًا للتفاعل السعودي الأفريقي، والذي تستثمر فيه منظمات وقوى عالمية غربية، بل وتنشط فيه دولة العدو “الإسرائيلي” ودولة العدو الثيولوجي الإيراني، وهو المعنيُّ بشؤون المرأة والطفولة. فنحن عادةً عندما يجري الحديث عن تفعيل علاقات مع مناطق أو دول تتجه الأبصار إنْ لم تقتصر على مسميات البنى السياسية الكبرى أو النخبوية وغالبًا بحصره في المجال الرسمي، بينما الدول الطامعة في خطب وِدِّ منطقة مثل أفريقيا والتفاعل التآزري معها لا يبدأ فقط من القمة ولا ينجح بها وحدها، بل من نخاع القاع. فعبر NGO النسائية خلقت “إسرائيل” شبكة مؤثرة من العلاقات بمجتمعات أفريقيا. بينما السعودية لا تستثمر غالبًا إلا في الجانب الذكوري والنخبوي في العلاقة، وإنْ تعدَّتها فإنها تأخذ جانبًا “خيريًّا” charity أكثر منه بناء علاقة تنوعية تعددية على أكثر من مستوى، وبإعطاء أهمية لبناء علاقات حقيقية وليست شكلية مع القوى الاجتماعية الفعالة، وبالطبع النساء والطفولة كما الشباب جزء من تلك القوى المهمة لبناء علاقة بيننا وبين المجتمع الأفريقي على سبيل المثال.

  • الفرص المتاحة لدعم شراكة المملكة مع أفريقيا وآليات استثمارها:

أشارت أ. مهلة أحمد ([2]) إلى أن تعزيز وتطوير التعاون الإستراتيجي السعودي باتجاه أفريقيا يحتاج إلى مراجعة سياساته، لتشمل أبعاد ومقومات الشراكة في مجال التنمية المستدامة، إضافةً إلى تعزيز التبادل التجاري وضرورة التوازن بين القارات، علمًا أن أفريقيا – كما تمَّت الإشارة سابقًا- هي القارة الثانية بعد آسيا من حيث التعداد السكاني والمساحة الجيوغرافية. أيضًا، فإن جميع القوى الاقتصادية في العالم تتنافس لاستغلال الموارد الطبيعية الأفريقية من خلال بناء الشراكات والعمل على دعم برامج تنموية في الدول الأفريقية، بغرض تحقيق المصالح المشتركة للجانبين.

ومن المعلوم أن العلاقات السعودية التقليدية مع الدول الأفريقية كانت ترتكز أساسًا على المجالات السياسية ودعمها لميزان المدفوعات التي تعودت الحكومات الأفريقية على الاستفادة منها وبدون علم الرأي العام أحيانًا، ودون أن تستفيد منها الشعوب الأفريقية بصفة واضحة أحيانًا كثيرة، مع أن هذه الشعوب في أمسِّ الحاجة، ليس فقط للمساعدات الإنسانية، بل تتطلع إلى الاستثمارات الضرورية لتحقيق التنمية الشاملة بأبعادها البشرية والاقتصادية والاجتماعية. كما تتطلع القوى الشبابية في أفريقيا إلى الاستفادة من القدرات والإمكانات السعودية في مجال العلوم والتكنولوجيا والتكوين المهني والذكاء الاصطناعي من خلال توفير منح التعليم العالي؛ الأمر الذي سيسهم في خلق أجيال أكثر ارتباطًا بمصالح السعودية في المستقبل.

لذا، يمكن للمملكة إعادة النظر في سياسات التعاون الدولي واستغلال مواردها المتعددة أحسن استغلال، والتي يرى البعض أن الدول الغربية والآسيوية هي الأكثر استفادةً منها حتى الآن؛ وذلك بهدف تطوير علاقاتها الإستراتيجية باتجاه العمق الأفريقي.

وفيما يتعلق بمراجعة السياسة الخارجية السعودية باتجاه أفريقيا، يرى بعض الخبراء الأفارقة أهميةَ العمل على إعادة بناء العلاقات السعودية الأفريقية في مجالات التنمية الشاملة الاحتوائية لتعود بالنفع المشترك للشعب السعودي والشعوب الأفريقية. وجدير بالتنبيه أن من أولويات هذا التعاون، الاستثمار في التنمية الاقتصادية والاجتماعية حتى تصل إلى المجتمعات الأفريقية بصفة ملموسة، وخاصة في مجالات تمكين المرأة والأسر المحتاجة والاستثمار في الموارد البشرية والبنى التحتية، مثل بناء المستشفيات والمرافق العمومية والفنادق وتمويل المشاريع و/أو تقديم القروض الميسرة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ وذلك من خلال بناء شراكات بين القطاع الخاص السعودي والأفريقي. بالإضافة إلى الاهتمام باستخراج واستغلال الموارد الطبيعية بما فيها الطاقات المتجددة والمتوفرة، وكذلك استغلال موارد النفط والغاز والطاقة والذهب والنحاس والفسفور والحديد والمنتجات الزراعية والحيوانية.

وفي هذا المنحى، يمكن للسعودية النظر في إمكانية توسيع الرؤية 2030 لبسط أذرعها وأركانها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في أبعادها الإستراتيجية، لتشمل معظم الأقاليم الأفريقية المهتمة بتعزيز علاقاتها مع المملكة لأسباب سياسية وتاريخية ودينية وثقافية، علمًا أن الدول العظمى هي الأكثر استفادةً من القارة بشقيها الشمالي والجنوب – الصحراوي؛ لما تزخر به من موارد طبيعية. كما تتميز أفريقيا بأسواق استهلاكية كبيرة تمتصُّ معظم المنتجات الآسيوية من الصين والهند وكوريا الجنوبية. دون أن ننسى ما حققته تركيا من إنجازات استثمارية كبرى في مجال التبادل التجاري والتعليم وبناء المطارات والفنادق ومقرات السفارات الأجنبية؛ بالإضافة إلى اهتمام أمريكا وأوروبا بالمشاريع الكبرى في البنى التحتية والصناعية والزراعية. كما يمكن توسيع التعاون السعودي الأفريقي من خلال الاعتماد على شراكة ثلاثية الأبعاد، من شأنها توطيد (أولًا) علاقات السعودية السياسية مع الحكومات الأفريقية، و(ثانيًا) بناء شراكات جديدة لعلها تدعم إنشاء مشاريع بين القطاعين العمومي والخصوصي، ما يُسمَّى بـ PPP؛ أي (Public Private Partnership) في جميع المجالات، وأولها الاستثمار في المشاريع الزراعية والحيوانية. و(ثالثًا) يمكن للمراكز البحثية والجمعيات الأهلية الثقافية والاجتماعية السعودية أن تمدَّ يدَ العون والشراكة إلى جمعيات المجتمع المدني العاملة في المجالات الإنسانية والاجتماعية والثقافية.

ومن هذا المنطلق، قد ترى الحكومة السعودية أهميةَ توجيه شركات النقل الجوي السعودي لفكِّ العزلة عن أفريقيا عن طريق تنظيم رحلات جوية تجارية للخطوط السعودية إلى معظم العواصم الأفريقية؛ كما يمكنها فتح فروع للبنوك السعودية ولشركات قطاع الأعمال العاملة في جميع المجالات. بالإضافة إلى ضرورة تسهيل السياحة الدينية والثقافية، بما سيسهم في فتح آفاق التبادل التجاري والاستثمارات السعودية بغرض تعزيز المكاسب المشتركة بين المملكة وأفريقيا على جميع الأصعدة.

ويرى د. عبد الرحمن الهدلق أن أفريقيا سلة استثمارية واعدة تتنافس في استثمارها اقتصاديًّا عدد من الدول الأوروبية، إضافةً إلى الهند والصين وتركيا؛ ولكنها تعتبر استثمارات ذات مخاطر عالية في كثير من دولها بسبب عدم الاستقرار، وانتشار الفساد، وضعف التأهيل لمواردها البشرية، إضافةً إلى افتقادها إلى البنية التحتية المتطورة. والمحور الاقتصادي محور مهم للمملكة، وجدير بالمزيد من الاهتمام والبحث والتقصي من طرف المختصين؛ لأن المادة العلمية متوفرة بشأنه.

وذكر أ. محمد الدندني أنَّ من الضروري أن تعمل المملكة على تنمية علاقاتها وتحالفاتها في أفريقيا، ونسج تكتل أفريقي / عربي (مصر، السودان، الصومال) / سعودي، والمقصود هنا دول حوض البحر الأحمر؛ لقربها للمملكة ولوضع الأمر الأمني كأولوية، ولا يعني أبدًا عدم دعمه بالتعاون الاقتصادي والتجاري.

من جانبه، أكد د. عبد الإله الصالح على أهمية إيجاد آليات فاعلة تساعد على تعزيز تواجد المملكة في أفريقيا، والإفادة منها لخدمة المصالح الإستراتيجية، ومن ذلك:

  • خلق نموذج تجاري (أو أكثر)، يُمكن توظيف قناة للاستثمار في الدول الشقيقة الأفريقية.. يتم تصميم النموذج بحيث تتشارك الدولتان (أو قطاعهما الخاص مع ضمانات سيادية) في المخاطر والمكاسب (مع ميل لصالح الدولة الشقيقة في المكاسب.
  • إيجاد قناة خيرية أو لا ربحية لمشاركة الشباب السعودي المهني في أعمال منظمة تلامس حياة الشعوب الأفريقية.
  • إيجاد مؤسسة سعودية دولية يكون هدفها تطوير بحيرة مالي.

بينما يرى د. خالد بن دهيش إمكانية أن تعمل دول مجلس التعاون الخليجية مجتمعةً كقوة اقتصادية سياسية على تقوية العلاقة بين دولها ودول أفريقيا، لتُنافس القوى الأخرى الإيرانية والتركية والصينية والهندية بدلًا من تشتت الدور الذي تقوم به هذه الدول في كافة النواحي، كما يعمل الاتحاد الأوروبي نحو أفريقيا. فدول مجلس التعاون الخليجي لها مجلس أو تجمُّع مع الولايات المتحدة الأمريكية وكذا مع الاتحاد الأوروبي، يعقد اجتماعات سنوية تتوحد فيه وجهات النظر وتتقوى في مناقشاتها متحدةً.

وفي اعتقاد د. وفاء طيبة، فإن من أنجع المساعدات التي يمكن أن تُقدِّمها المملكة للقارة الأفريقية هي المساعدات التعليمية سواء الجامعية بالمنح الدراسية أو ببناء الجامعات هناك، وأيضًا دعم التعليم في المراحل قبل الجامعية، فهدفنا هو مساعدة أفريقيا على استثمار مواردها الطبيعية، وأهم الموارد: الإنسان. والإنسان الأفريقي طيب قوي الجسد والنفس، مثابر وطموح يريد أن يعمل لإخراج بلاده من فقرها، وما أجمل أن يكون للمملكة دورٌ فاعل في مساندتهم علميًّا في ذلك، وفي الوقت نفسه يكون للمملكة حظُّها من الاستثمار في تلك البلاد.

وفي تصوُّر د. حمد البريثن، فإن لدى أفريقيا إمكانيات كبيرة وثروات طبيعية، والمملكة لديها القُرب الجغرافي والثقافي، يجب تفعيل دور الغرف الصناعية والتجارية، كذلك يجبُ تعليم ثقافات الشعوب والدول، ومنها أفريقيا كجزء من علوم الإدارة والتجارة.

وركَّز أ. فهد عريشي على أحد مقومات الشراكة الإستراتيجية المطلوبة بين السعودية والدول الأفريقية، وهو المتعلق بكيفية استفادة السعودية لتعزيز دورها في أفريقيا من التواجد الصيني في أفريقيا وطريق الحرير الصيني الذي يرجع تاريخه إلى ما قبل 3000 عام قبل الميلاد، وهو عبارة عن مجموعة من الطرق المترابطة التي تصل ما بين الصين وكل العالم، وكان أحد أهم هذه الطرق يمرُّ عبر بلاد ما بين النهرين ودمشق وبلاد الشام إلى مصر، ومن ثَمَّ إلى  أفريقيا، إلا أن هذا الطريق تعثَّر لعدة أسباب خلال العقود الماضية، ومن أهم العثرات التي واجهها هذا الطريق هو الاحتلال الإسرائيلي الذي قسَّم الدول العربية، واستحلَّ الموقع الذي يصل شرق الدول العربية بغربها وقارة آسيا بأفريقيا. وفي سبتمبر من عام 2013، أعلن الرئيس الصيني مبادرةً لإطلاق طريق الحرير الصيني الجديد، وفي إبريل من العام 2015  أطلق الإعلام الصيني المركزي لأول مرة خريطة طريق الحرير الجديد رسميًّا تحت عنوان “بناء الازدهار والرخاء على الحزام والطريق”، وهو عبارة عن ثلاثة طرق؛ أحدها هو الطريق البري الذي ينطلق من الصين مروراً بباكستان حتى يصل لدول الخليج، ومن ثَمَّ للوصول إلى مصر ودول شمال أفريقيا، يتعثَّر بعقبة إسرائيل فيضطر أن يُغيِّر اتجاهَه عبر بلاد الشام وأوروبا، ولتنفيذ هذا الطريق بادر الرئيس الصيني خلال زيارته لجمهورية مصر العربية الشقيقة في يناير من عام 2016، لتوقيع اتفاقية مع الرئيس السيسي على انضمام مصر لشبكة طريق الحرير الذي تعتزم الصين إنشاءَه بتكلفة 47 مليار دولار، والذي يبدأ من الصين ويمرُّ عبر تركستان وخراسان وكردستان وسوريا وأوروبا إلى مصر ودول شمال أفريقيا، مؤمِّلةً أن ترفع الصين حجم استثماراتها مع الدول العربية من 240 مليار دولار إلى 600 مليار دولار، وتستهدف رفع رصيدها من الاستثمار غير المالي إلى أكثر من 60 مليار دولار، والوصول بحجم تجارتها مع أفريقيا إلى 400  مليار دولار بحلول عام 2020.

لم يمضِ أكثر من ثلاثة أشهر على توقيع الصين ومصر على اتفاقية طريق الحرير الصيني الذي يصل إلى مصر عبر قارة أوروبا، حتى تفاجأت الصين بإعلان الملك سلمان والرئيس المصري السيسي بالنبأ السعيد المتمثِّل في إنشاء جسر الملك سلمان، ورغم التحديات الهندسية التي يواجهها كعقبة في طريقة تنفيذه، إلا أن إنجازه يعني أيضًا وبشكل مباشر لحكومة الصين أن طريق الحرير الصيني الذي وقَّعت مصر الاتفاقية عليه مع الصين سيختصر طريقَه بشكل كبير لم تحلم به الصين يومًا، وخاصة أن الصين لديها الخبرة الهندسية لبناء مثل هذا الجسر، هذا الجسر لن يصل السعودية بمصر وشرق بلاد العرب بغربها وحسب؛ بل سيصل آسيا بأفريقيا، ويختصر طريق الحرير الصيني الذي يستهدف مصر وشمال أفريقيا عبر أوروبا، ويلغي تأثير موقع إسرائيل التي قسَّمت بلاد العرب وأصبحت حجر عثرة في طرق التواصل العربي والآسيوي الأفريقي البري، ويفتح معبرًا جديدًا بحيث يمكن لحكومة الصين أن تبادر لتوقيع اتفاقيات جديدة مع كلٍّ من حكومتي المملكة العربية السعودية ومصر للسماح باستغلال جسر الملك سلمان كمعبر مهم لطريق الحرير الصيني الجديد، ودعمه من خلال استخدام هذا الجسر لتحقيق أهدافه التي رسمها. وأيضًا، يُعزِّز دور السعودية في أفريقيا لفتحه منفذًا مهمًّا نحو الصين ومنها. وجسر الملك سلمان الذي يربط السعودية بمصر  في حال تنفيذه، سيسمح بعبور السيارات والحافلات والشاحنات، وسيحوي سكة قطار لنقل البضائع، والمؤكَّد أن الصين لن تفلت هذه الفرصة العظيمة من يديها، وبمجرد إعلان الجسر الذي سيُوفِّر الوقت في نقل البضائع من أيام عديدة عبر البحر إلى 20 دقيقة فقط عبر قطار البضائع، يعني أن الصين عثرت على كنز ثمين وفرصة تاريخية لإحياء طريق الحرير، ويعني في الوقت ذاته ضربة لإستراتيجية موقع الاحتلال الإسرائيلي الذي كانت تستغله إسرائيل خلال السنوات الأخيرة لعرقلة المصالح العربية الاقتصادية والسياسية.

والواقع أن إقامة جسر الملك سلمان كانت مزعجةً لبعض الدول (مثل، إيران وإسرائيل وتركيا)  التي تخشى توسُّع النفوذ السعودي، ويثير استياءها كلُّ ما من شأنه تقوية روابطها  واقتصادها  وتواصلها مع أفريقيا، وفي الوقت ذاته كان إعلان الجسر نبأً سعيدًا لبعض الدول وأهمها الصين التي تسعى بكل طاقتها وإمكانياتها وثقلها الصناعي والاقتصادي لإحياء طريق الحرير من جديد، وترى أن جسر الملك سلمان منفذٌ هام وإستراتيجي لتحقيق خططها في تنفيذ مشروعها التاريخي العملاق طريق الحرير الصيني، واستغلال هذه النقطة سيُعزِّز  من نفوذ السعودية في القارة الأفريقية.

واقترح أ. جمال ملائكة تشجيع الشركات الغذائية السعودية الكبيرة كشركة المراعي وشركة صافولا، وربما بالاشتراك مع صندوق الاستثمارات العامة، للاستثمار في “صناعات” غذائية ذات مواصفات عالية في دول أفريقيا.

في حين أكدت أ. فائزة العجروش على أن من سبل تعزيز العلاقات السعودية الأفريقية ما يلي:

  • عَقْد مشاورات سياسية دورية مع الدول المؤثرة سياسيًّا، مثل: جنوب أفريقيا، نيجيريا، السنغال بشكل دوري وبالتناوب بين المملكة والدولة المستهدفة؛ لتنسيق المواقف السياسية والأمنية وخصوصًا في القضايا التي تهمُّ المملكة.
  • تشكيل مجالس أعمال مشتركة من القطاعات الخاصة لدعم مشاريع الاستثمار والطاقة والبنية التحتية والسياحة والزراعة والبيئة والمياه، وتحفيز رجال الأعمال من الطرفين للدخول في شراكات اقتصادية وتجارية وفق المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة.
  • تكثيف التنسيق مع دول القارة في مجال دعم وتأييد الترشيحات الدولية المتبادلة بين المملكة وهذه الدول في المنظمات والهيئات الإقليمية الدولية.
  • إبرام اتفاقيات أو مذكرات تفاهم في مجال الأمن الغذائي مع الدول الزراعية منها، وبما يدعم الخزن الإستراتيجي الغذائي في المملكة.
  • توقيع اتفاقيات شراكات رياضية مع الدول المتقدمة منها، وخصوصًا في مجالات كرة القدم وألعاب القوى والمسابقات الرياضية الفردية.

واهتم د. عادل القصادي بإعداد إستراتيجية استباقية لتعميق الصلات بين المملكة والدول الأفريقية، وتنسيق المواقف السياسية والأمنية، وتنويع التعاون الاقتصادي وتحييد المخاطر الإستراتيجية، بجانب تفعيل دور الملحقيات الدينية والثقافية وتوسيع نطاق عملها ورفدها بالكفاءات، وتعزيز دور منظمة التعاون الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي والمؤسسات الأهلية السعودية كشريك مجتمعي في تعظيم الأثر.

وأكدت أ. مها عقيل على الحاجة إلى:

  • تكثيف التنسيق والتشاور والتعاون عبر المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة في القضايا المشتركة، حيث نلاحظ الضغط الذي تمارسه الدول الغربية بسبب دعمها الاقتصادي للدول الأفريقية بل تحكُّمها فيه، لتصوِّت وتؤيد مواقفها في قضايا مختلفة سواء سياسية أو اجتماعية أو غيرها. وهنا أيضًا يبرز أهمية الشراكة الاقتصادية.
  • تكثيف التعاون عبر منظمة التعاون الإسلامي ومؤسساتها مثل البنك الإسلامي للتنمية والإيسيسكو وغيرها، ومعروف أن السعودية هي الداعم الأول لميزانيات المنظمة ومؤسساتها؛ لكن المطلوب أن تلعب السعودية دورًا أكبر في كيفية صرف هذه الميزانية عبر ممثِّليها في هذه المؤسسات.
  • تكثيف التعاون وتبادل الخبرات والفعاليات في المجال الثقافي والأدبي والفني، وكذلك في مجال قضايا المرأة والشؤون الاجتماعية.

بينما يرى د. مساعد المحيا أننا نحتاج فيما يتعلق بالشأن الأفريقي لتحديد طبيعة الأهداف التي نسعى لتحقيقها، هل نعمل لتكون أفريقيا سوقًا لمنتجاتنا النفطية وغيرها، أم نريد أن نحظى بمنتجاتها وفق شراكات اقتصادية وزراعية؟ أم نريد أن نقوم برسالتنا تجاه الكثير من المجتمعات الأفريقية وبخاصة في مجال البرامج الصحية والتعليمية والثقافية والدعوية؟ في ضوء هذه الأهداف، يمكن أن تُبنى الرؤية المستقبلية؛ إذ إن كثيرًا ما تتم أعمال تدعمها وترعاها المملكة عبر مؤسساتها الرسمية أو الخاصة، لكنها لا تُحقِّق الكثيرَ من التطلعات أو لا تتسق والأهداف العامة لطبيعة التعاون مع الدول الأفريقية، كما أن الملحوظ أن إستراتيجية التحالفات المؤقتة لم تعُد تجد نفعًا. لذا، تظل فكرة المصالح المشتركة هي الطريق الأبرز لبناء علاقات أكثر إستراتيجية؛ فالعلاقات تدور مع المصالح وجودًا وعدمًا.

  • القوة الناعمة ودورها في دعم العلاقات السعودية الأفريقية:

أشار د. عبد الرحمن الهدلق إلى أن الأمر في العلاقات الدولية لم يعُد قاصرًا على ما يُعرف بـ (دبلوماسية القوة)، والتي يُقصَد بها إجمالًا القوة العسكرية وأسلحتها الفتاكة والتي تعتبر الأكثر تأثيرًا وهيمنةً في العلاقات الدولية، بل برزت مؤخرًا وبأساليب حديثة ومعاصرة قوى أخرى، من أهمها القوة الناعمة.

وذكرت د. عائشة الأحمدي أن تجربة الصين في أفريقيا أقوى شاهد على نجاعة القوة الناعمة، فالصين بدأت في تنفيذ هذه السياسة من خلال المبادرات الإقليمية وتوسيع عدد معاهد كونفوشيوس كجسر للغة والتبادلات الثقافية بين الصين والبلدان الأفريقية.

ومن ناحية أخرى، أشارت أ. مهلة أحمد إلى أنه إذا كانت الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي وذراعها الاقتصادية البنك الإسلامي للتنمية ومقرهما في جدة، هي الأكثر استفادةً من الدعم الإنساني المقدَّم من طرف المجموعة الدولية، فإن السعودية كانت ولا تزال في مقدمة دول العالم المانحة، وأكثرها سخاءً في مجال المساعدات الإنسانية.

وأكَّد د. محمد الثقفي على أن السعودية تتميَّز بعدد غير محدود من مجالات القوى الناعمة التي يتعيَّن استثمارها لتعزيز تواجدها الأفريقي؛ بالنظر لمكانتها في المحيطين العربي والإسلامي فضلًا عن مكانتها كقوة دولية مؤثرة ضمن مجموعة العشرين، ومن أبرزها ما يلي:

  • الاقتصاد: حيث تُسهم القوة الاقتصادية للدولة والأنشطة الاقتصادية المستثمرة خارجيًّا في خَلْق قوة ناعمة يمكن الاستفادة منها في تحقيق إستراتيجيات الأمن الوطني.
  • الدبلوماسية: ويُحقِّق ممارستها بمهنية احترافية عالية العديد من الإستراتيجيات في مجال السياسة الخارجية، ويدخل في ذلك الدبلوماسية الشعبية.
  • الإعلام: ويعَدُّ أحد أهم مقومات الأمن الوطني، لا سيما إذا استُخدم بحرفية ومهنية عالية.
  • استقبال وخدمة الحجَّاج والمعتمرين: وهي سمة مُشرِّفة للمملكة كدولة، ولقاداتها، وللمواطنين السعوديين، ولأهل مكة والمدينة على وجه الخصوص.
  • التراث الوطني: وتزخر المملكة العربية السعودية بالعديد من عناصر التراث، وقد بدأت المملكة كل عام وآخر في تسجيل العديد من تراثها عالميًّا، في المنظمات العالمية.
  • المهرجانات الوطنية: وترتبط بما قبلها، مثل الجنادرية، وسوق عكاظ.
  • الألعاب الرياضية: تُشكِّل الأنشطة الرياضية محليًّا وعالميًّا فرصةً ثمينةً جدًّا لخلق واستثمار قوة ناعمة إيجابية، غير مُكلِّفة، ويسهم اللاعبون بدور كبير في هذا المجال، ولا سيما إذا مارسوا سلوكيات تُعزِّز الهوية الوطنية المطلوب إيصالها للآخر.
  • القيم الاجتماعية النبيلة: خاصة التي يتحلى بها المواطن السعودي في الخارج، أو التي يلاحظها المقيمون والعابرون من الوافدين.
  • المِنَح الدراسية الوافدة، سواء في معاهد اللغة، أو برامج التعليم الجامعي.
  • البعثات الدراسية لأبناء المملكة في الخارج، مثل برنامج الملك عبد الله للابتعاث الخارجي.
  • برامج الإغاثة الإنسانية: التي يقوم بها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.
  • التمثيليات والمسلسلات المعبرة، مثل: برنامج طاش ما طاش، والأفلام السينمائية التي يشارك بها المنتجون السعوديون في المسابقات العالمية، وتحقق مستويات متقدِّمة في التقييم.
  • معارض الكتب: ويعَدُّ معرض الرياض للكتاب علامةً فارقة في المعارض العربية، وكذلك دور النشر التي تشارك في المعارض الدولية والإقليمية.
  • النشر العلمي: ويعَدُّ مصدرًا لخلق ثقافة ناعمة وعميقة، ولا سيما إذا اختيرت الموضوعات بمهارة عالية، وشارك فيها مراكز دراسات أو مراكز فكرية أو باحثون محترفون، ونُشِرت في الدوريات العلمية ذات معامل تأثير عالٍ.
  • المؤتمرات: وقد باتت صناعة رائجة، وتتطلب مهاراتٍ عاليةً، وتعَدُّ مجالًا ذكيًّا لخلق قوة ناعمة بيُسر وسهولة.
  • المساعدات المالية: وتعَدُّ المملكة رائدةً في هذا المجال، إذ إنَّها تعطي دونما مِنَّة أو ابتزاز.
  • وسائل التواصل: وهي من أبرز أشكال القوة الناعمة، والخطورة أنها قد تُحدِث أثرًا سلبيًّا، وتهدم ما يُبنَى على مدى سنين، في خلق سمعة جيدة، وكسب تعاطف دول أو مجتمع.
  • التدين الوسطي: وهو سمة وأداة يسيرة لخلق قوة ناعمة مع الآخر، سواء في الدول الإسلامية، أو حتى في الدول الغربية.
  • التطوع: وقد أبرزت وسائل التواصل الرغبة الجامحة من الإيثار ومساعدة الآخرين دونما تمييز، ولا سيما في المجتمعات الأخرى التي تعرف عن المملكة معلومات مغلوطة أو محدودة.
  • السياحة للخارج: وتعَدُّ كذلك من أنماط خلق قوة ناعمة، سواء كانت فردية وبأشكالها العفوية، أو كانت منظَّمةً ومبرمجة مع آخرين أو عند آخرين.
  • استقبال السيَّاح: وهي ظواهر جديدة وذات أثر عظيم، وقد بدأت تبرز في كثير من مدن المملكة، وتتم بشكل عفوي، وتكون مثار تقدير السائح، وبنقلها عبر وسائل التواصل، ما يُضاعف من أثرها، ويُصحِّح بعضَ المفاهيم المغلوطة، أو يُعطي الآخرين صورةً جميلة عن المجتمع السعودي.
  • التميُّز في العمل خارجيًّا: أسهمت برامج الابتعاث الخارجي في تميُّز الكثير من السعوديين، واستُقطبوا للعمل في المجالات التي درسوا بها، وحقَّقوا تميزًا في الأداء، وتميُّزًا في حُسْن التعامل، وأسهموا فعليًّا في خلق دبلوماسية شعبية ومُشرِّفة لأنفسهم ولوطنهم.
  • العمليات الطبية النادرة: وتعَدُّ عمليات فصل التوائم علامةً فارقةً في التميُّز الطبي في هذا المجال؛ لكنها مع ذلك تُسهم في خلق قوة ناعمة بشكل غير مباشر، لسمعة المملكة لدى المستفيدين، ولدى أقاربهم؛ وبالتالي لدى الدول التي يعيشون فيها.

 

  • التوصيات:

 (أ) التوصيات المتعلقة بالبُعد السياسي:

  • العمل على تذليل الصعاب التي تواجه (مجلس الدول العربية والأفريقية المُطِلَّة على البحر الأحمر وخليج عدن)، وأهمية ضم إثيوبيا إلى المجلس الجديد، وتمتين العلاقات مع الدول الأفريقية الواقعة على البحر كجسر نحو الامتداد السعودي إلى أفريقيا جنوب الصحراء.
  • إعداد إستراتيجية استباقية لتعميق الصلات بين المملكة والدول الأفريقية، وتنسيق المواقف السياسية والأمنية، وتنويع التعاون الاقتصادي، وتحييد المخاطر الإستراتيجية.
  • العمل على انضمام المملكة كمراقب للاتحاد الأفريقي باعتبار ارتباطاتها المحورية بأفريقيا؛ وهو ما سيسمح للسعودية بأداء دورها الإستراتيجي الكامل من داخل المؤسسات الإقليمية الأفريقية السياسية والاقتصادية.
  • إعطاء الأولوية في تمتين العلاقات مع الدول الأفريقية الواقعة على البحر الأحمر، وخاصة إثيوبيا وإريتريا والصومال وجيبوتي؛ لضمان سلامة الملاحة والحيلولة دون تواجد أعداء المملكة في هذه الدول.
  • عَقْد مشاورات وربما اتفاقيات سياسية دورية مع الدول المؤثرة سياسيًّا (مثل: جنوب أفريقيا، ونيجيريا، والسنغال) بشكل دوري وبالتناوب بين المملكة والدولة المستهدفة؛ لتنسيق المواقف السياسية والأمنية وخصوصًا في القضايا التي تهمُّ المملكة.
  • تصميم إستراتيجية خليجية للتعامل مع القارة الأفريقية كما هو الحال مع الاتحاد الأوروبي، وبما يُعزِّز مصالح دول مجلس التعاون.
  • يمكن توسيع التعاون السعودي الأفريقي من خلال الاعتماد على شراكة ثلاثية الأبعاد، من شأنها توطيد (أولًا) علاقات السعودية السياسية مع الحكومات الأفريقية، و(ثانيًا) بناء شراكات جديدة لعلها تدعم إنشاء مشاريع بين القطاعين العمومي والخصوصي ما يُسمَّى بـ PPP؛ أي (Public Private Partnership) في جميع المجالات، وأولها الاستثمار في المشاريع الزراعية والحيوانية. و(ثالثًا) يمكن للمراكز البحثية والجمعيات الأهلية الثقافية والاجتماعية السعودية أن تمدَّ يدَ العون والشراكة إلى جمعيات المجتمع المدني العاملة في المجالات الإنسانية والاجتماعية والثقافية.

(ب) التوصيات فيما يخصُّ البُعد الاقتصادي:

  • توجيه السعودية مزيدًا من الاهتمام بتعزيز قدراتها وإمكانياتها الاقتصادية والتجارية، من خلال توثيق علاقاتها التجارية وشراكاتها الاقتصادية مع الدول الأفريقية.
  • التوسُّع مستقبلًا في المشاريع الاقتصادية، والإفادة من الفُرص الاستثمارية الواعدة في بلدان القارة الأفريقية.
  • تفعيل وتحفيز مجالس الأعمال السعودية الأفريقية “الثنائية ومتعددة الأطراف، وتعزيز ارتباطها بالجهات المعنية في المملكة كهيئة التجارة الخارجية وهيئة الصادرات، وتفعيل دور الملحقيات التجارية بمنظومة عمل فعَّالة للمساهمة في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة ودعم الرؤى الإنمائية الوطنية للدول الأفريقية.
  • عَقْد شراكات إستراتيجية وتوأمة بين الجهات السعودية ونظيراتها الأفريقية، مع التركيز على المجالات المتعلقة بتنمية رأس المال البشري.
  • إنشاء مركز متخصِّص للدراسات الأفريقية في معهد الأمير سعود الفيصل؛ لتقديم التوصيات والإجراءات التنموية مع الشؤون الأفريقية (السياسية، والاقتصادية، والقوة الناعمة، والشراكات الإستراتيجية، والتنمية، ومحاربة الإرهاب، والثقافية).
  • إفادة السعودية لتعزيز علاقاتها الأفريقية من التواجد الصيني في أفريقيا؛ من خلال استثمار مشروع جسر الملك سلمان كمنفذ مهم وإستراتيجي لتنفيذ مشروع طريق الحرير الصيني، واستغلال هذه النقطة بما يسهم في توطيد نفوذ السعودية في القارة الأفريقية.
  • أهمية توجيه شركات النقل الجوي السعودي لفك العزلة عن أفريقيا، عن طريق تنظيم رحلات جوية تجارية للخطوط السعودية إلى معظم العواصم الأفريقية.

(ج) التوصيات فيما يخصُّ البُعد الدبلوماسي:

  • تكثيف المساعي الدبلوماسية لخدمة مصالح السعودية الإقليمية، ومواجهة التهديدات الناجمة عن تزايد أدوار بعض القوى الإقليمية والتي تحمل سياسات عدائية للمملكة كإيران وتركيا وغيرهما؛ وذلك بافتتاح المزيد من السفارات السعودية في القارة الأفريقية، مع تفعيل دورها بما يتناسب والمخاطر الراهنة.
  • ممارسة السعودية لأدوار فعلية في حلِّ الصراعات التي تحدث بين دول الجوار الإقليمي الأفريقي على غرار الدور السعودي في حلِّ الخلافات بين جيبوتي وإرتيريا، وكذلك في حلِّ الصراع الإثيوبي الإريتري، وأن يكون للمملكة دورٌ فاعل في حلِّ قضية سد النهضة.

(د) التوصيات فيما يخصُّ البُعد العسكري والأمني:

  • التنسيق مع الحكومات الأفريقية لمكافحة الإرهاب الدولي، وتقديم الخبرات السعودية لتلك الدول خاصة في مجال مكافحة التطرف بحكم خبرتها الطويلة والمتقدمة في هذا المجال.
  • التوسُّع في التعاون العسكري بين السعودية والدول الأفريقية، لا سيما فيما يتصل بتوطين الصناعات العسكرية في المملكة، واستيراد التكنولوجيا العسكرية، وغيرها من أوجه التعاون الممكنة.

(هـ) التوصيات ذات الصلة بالقوة الناعمة:

  • تطوير واعتماد إطار عمل شامل للتعاون العلمي والأكاديمي والبحثي بين الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في المملكة ونظيراتها في أفريقيا، مع التركيز على الاستثمار في المواهب العلمية واستمرارية التواصل معهم.
  • تشكيل مجموعات عمل بين المؤسسات الإنسانية والتنموية السعودية والمؤسسات المعنية في الدول الأفريقية، وبمشاركة القطاع الخاص والقطاع الأهلي من الطرفين؛ لوضع وتنفيذ إستراتيجية للتعاون الإنمائي المستدام وأطر مرنة للاستجابة الإنسانية في الأزمات.
  • تفعيل دور الملحقيات الثقافية وتوسيع نطاق عملها ورفدها بالكفاءات، وتعزيز دور منظمة التعاون الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي والمؤسسات الأهلية السعودية كشريك مجتمعي في تعظيم الأثر.
  • وَضْع وتنفيذ إستراتيجية اتصالية موسَّعة وفعَّالة للتواصل مع البرلمانات والمجالس والكيانات والأعيان والشعوب الأفريقية على مختلف المستويات بوسائل الإعلام والتواصل.
  • التوسُّع في استضافة البارزين من الشعوب الأفريقية عبر برامج ضيوف الرحمن للحج والعمرة، وإعطاء فرصة لمؤسسات المجتمع المدني والدعوي والخيري للمساهمة في ذلك.

 


 

القضية الثانية

قمة العُلا والمصالحة الخليجية

(10/1/2021م)

  • الملخص التنفيذي
  • الورقة الرئيسة: د. سليمان العقيلي
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. سعد بن طفلة (ضيف الملتقى)*
  • التعقيب الثاني: د. عبد الله العساف
  • التعقيب الثالث: أ. عبد الرحمن الطريري
  • إدارة الحوار: د. عادل القصادي
  • المداخلات حول القضية
  • التوصيات

 

 الملخص التنفيذي:

أشار د. سليمان العقيلي في الورقة الرئيسة إلى أن التطوُّرات الإقليمية والدولية ساعدت في التئام الأسرة الخليجية، لكن العامل الخارجي ليس وحده الذي دفع للمصالحة الخليجية؛ فحالة التيه التي واجهت مجلس التعاون شجَّعت على القناعة بعودة المعادلة السياسية السابقة التي ترتكز على الدور المحوري للشقيقة الكبرى (السعودية). وثبت للجميع أن أي محاولة لتغيير قواعد اللُّعبة ستحطم المعبد على رؤوس الجميع. ومما يفتقر إليه مجلس التعاون اليوم هو القدرة على المصارحة بعد المصالحة، وخلق الإجماع داخل المنظومة مما يسهل إنتاج الإستراتيجيات الأمنية والمواقف السياسية.

بينما أكَّد د. سعد بن طفلة في التعقيب الأول على أن هذه الأزمة الخليجية الحادة ستُلقي بتبعات ستبقى ندباتها في الأنفس لسنين طويلة ما لم يكن هناك إستراتيجية واضحة وشفَّافة وشجاعة بفتح كافة الملفات والتعامل معها بكل صدق وتفانٍ يفترض روح التنازل المسبق لدى كافة الأطراف، وهو ما لم يلمسه المراقب لتطورات الأزمة، وخطاب ما بعد القمة – بكل أسف.

أما د. عبد الله العساف فيرى في التعقيب الثاني أنه ربما يكون السؤال الأكثر إلحاحًا خلال الأيام الماضية، والذي دارت حوله الكثير من التكهنات يتمحور حول مَن الكاسب ومَن الخاسر في المصالحة الخليجية، وما مصير الثلاثة عشر شرطًا التي رهنت بها دول الرباعي العربي مصالحتها مع قطر، وهل تم الاكتفاء بالتزام الدوحة بالمبادئ الستة التي أُعلِنت في حينها؟ فهذه التساؤلات وغيرها لم تشغل الشارع العربي، بل ذهبت وسائل الإعلام على اختلاف مشاربها وتنوُّع مناهجها بالخوض في لُجتها، والبحث عن أجوبة لها، وربما السعي لتعكير صفو الأجواء الخليجية.

من جانبه أشار أ. عبد الرحمن الطريري في التعقيب الثالث إلى أن المصالحة الخليجية مثَّلت فصلًا آخر في دروس السياسة السعودية، وقراءتها للمتغيرات الإقليمية، بالإضافة لثقلها السياسي الذي يُمثِّل بوصلة تأثير لتغيُّر التوجُّهات الإقليمية.

وتضمَّنت المداخلات حول القضية المحاورَ التالية:

  • دور المملكة في تحقيق المصالحة الخليجية.
  • المكاسب المتحقَّقة من المصالحة الخليجية.
  • المهددات الكامنة في المصالحة الخليجية.
  • مآل المصالحة الخليجية: رؤية استشرافية.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • إيقاع عقوبات رادعة على كلِّ مَن يُوظِّف المحتوى الإعلامي المنشور في أي وسيلة إعلامية أو منصة إلكترونية في الإساءة لدول الخليج، أو للتشكيك في دور المصالحة الخليجية وأهميتها، مع الترحيب بالنقد البنَّاء والمنضبط بقيم مجتمعاتنا الخليجية وأعرافها.
  • بناء إستراتيجية شاملة متعددة الأبعاد لمجلس قوي ومتحد، تُوظَّف المزايا النسبية لدُولِه، وتحقق العبور بهذا الكيان كسادس أكبر اقتصاد في العالم عام 2030 وفقًا لرؤية الملك سلمان بن عبد العزيز في قمة الدرعية 2015.

 

  • الورقة الرئيسة: د. سليمان العقيلي
  • قراءة في قمة العُلا الخليجية وقرارها التاريخي بإنهاء الأزمة القطرية:

“انتهاء الأزمة الخليجية خبرٌ مهم، لكن رمال الشرق الأوسط تتحرك باستمرار ” بهذه الصيغة من عدم اليقين وصف سايمون هندرسون أحد كبار خبراء الخليج في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى المصالحة الخليجية التي أنتجتها قمة العُلا.

وأكد هندرسون في وصف لا يخلو من مبالغة ” أن أهمية انتهاء أزمة الخليج هي أكبر من اتفاقيات “التطبيع” الأخيرة التي أبرمتها إسرائيل مع الإمارات والبحرين”.

لقد أنتجت القمة التي استضافتها مدينة العلا السعودية – 300 كم شمال المدينة المنورة – عدة قرارات تتعلق بالمواجهة الخليجية المشتركة لجائحة كورونا صحيًّا واقتصاديًّا، لكن أكبر حدث سياسي سيذكره التاريخ لهذه القمة هو التسوية السياسية مع قطر، حيث تمَّ من خلالها فتح المنافذ البرية والبحرية الجوية السعودية أمام القطريين.

وقد وقَّع قادة الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بحضور وزير الخارجية المصري ومستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر في قمة العلا الخليجية (الثلاثاء 5 يناير 2021) اتفاقية، قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: إنها تؤكِّد “تضامننا واستقرارنا الخليجي والعربي والإسلامي”.

وشدَّد على أن “هناك حاجة ماسَّة اليوم لتوحيد جهودنا، للنهوض بمنطقتنا ومواجهة التحديات التي تحيط بنا، لا سيما التهديدات التي يُمثِّلها البرنامج النووي الإيراني والصواريخ البالستية، وخططها (إيران) للتخريب والتدمير”.

  • مصالحة تدريجية:

والسؤال الذي تطرحه شعوب المنطقة اليوم، هل هذه المصالحة التي تقودها المملكة شاملة لجميع أطراف الأزمة، بما في ذلك الإمارات ومصر والبحرين وقطر التي وقَّعت البيان؟

يقول أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية في تغريدة له: “نحن أمام قمة تاريخية بامتياز في العلا، نُعيد من خلالها اللُّحمة الخليجية، ونحرص عبرها أن يكون أمن واستقرار وازدهار دولنا وشعوبنا الأولوية الأولى، أمامنا المزيد من العمل، ونحن في الاتجاه الصحيح “. وعبارتي “أمامنا المزيد من العمل” و”نحن في الاتجاه الصحيح” تعني أنهم لم يقطعوا الطريق كله “حسب المفهوم الإماراتي، وأن الأمر يحتاج لمزيد من الحوار.

ومن جهته، قال الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري: إن مسار المصالحة الخليجية الذي تم التوصل إليه في قمة مجلس التعاون الخليجي في السعودية، هو اتفاق مبدئي، بحيث تُحَلُّ القضايا العالقة بشكل ثنائي مع الدول الأخرى، ومنها مصر، مع تكوين لجان خاصة لمعالجتها. مُفيدًا بأنه ستكون هناك اجتماعات بين الدوحة والقاهرة حول الانشغالات الثنائية، موضِّحًا أن الدوحة مُستعِدَّة لتشكيل لجان ثنائية لمعالجة المسارات المختلفة.

وأضاف قائلاً: “سيكون هناك عودة للعلاقة إلى ما قبل (المقاطعة)، وبالتالي إنهاء كافة الخطوات الناجمة عنها، ومنها القضايا المرفوعة التي تجمد أو تسحب”.

ووصف المسؤول القطري ما حدث في العُلا، بأنها مصالحة خليجية، وليست فقط معالجة للمشاكل بين قطر والسعودية.

ومن جهته، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في مؤتمر صحفي عقب القمة: “ما حدث اليوم هو طي الصفحة بكل نقاط الخلاف، والعودة الكاملة للعلاقات”.

من الواضح أن الرياض والدوحة لديهما الرغبة الكاملة في طي الخلافات، وأنهما يملكان الإرادة الصلبة لفعل ذلك. لكننا لسنا متأكدين أن هذه النوايا موجودة بين الدوحة وبقية الأطراف.

ويبدو أن قطر يهمُّها أولًا السعودية ذات المكانة الإقليمية الوازنة، والتي تملك بيديها أغلب أوراق الضغط في الأزمة. وهي ربما ليست متعجلة في الحوار مع بقية الأطراف رغم أن وزير ماليتها طار إلى القاهرة مساء يوم القمة، مُظهرًا أن بلاده ترغب في المصالحة التدريجية. ويعتقد كثيرون أن الدوحة قد لا ترغب في أن تتنازل قناة الجزيرة (أداة قوتها الناعمة) عن أسلوبها النقدي المثير للجدل تجاه أربع دول عربية دفعة واحدة؛ مما يفقد هذه الشبكة أسلوبها الشعبوي بالغ الإثارة. ولطالما ربطت القناة سياستها التحريرية بالدبلوماسية الإقليمية للحكومة القطرية.

  • الدوافع والعوائد السعودية:

إن الرياض لم تُلِق بالًا للدعاية التي تبثُّها قناة الجزيرة لا من قريب ولا من بعيد. إنما ترتبط أهداف المملكة من وراء المصالحة بالمخاطر الجيوسياسية الإقليمية الناتجة عن تحوُّلات دولية وإقليمية. يقول موقع “ذا هيل” الأمريكي: إن إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن يروق لها بشدة أن تكون هناك مصالحة خليجية ونهاية لأزمة قطر التي بدأت منذ عام 2017، مشيرًا إلى أن إدارة بايدن لا تُريد أن ترث تداعيات الأزمة. ونقل الموقع الأمريكي عن حسين إيبش – الباحث المقيم بمعهد الخليج للدراسات في واشنطن – أن التقارب الخليجي الحالي ليس مصادفةً، وإنما يُبنى على إستراتيجية لفتح صفحة جديدة مع الإدارة الحالية (الجديدة).

وفي واقع الأمر، فإن القادة السياسيين في أوروبا وفي واشنطن والأمم المتحدة (بما في ذلك الأمين العام) رحَّبُوا جميعًا بحل الأزمة.

إن المملكة وقطر تحمَّلتا أكثر من غيرهما تكلفة هذه الأزمة؛ فالأولى تلقت على عاتقها المسؤوليات والأعباء السياسية، والثانية تحمَّلت أعباءً اقتصادية جمَّة، وتفيد تقارير غربية أن الاقتصاد القطري سينمو بسبب المصالحة وفتح المعابر والأجواء، والانفتاح على النظام النقدي الإقليمي في عام 2021 بنسبة 3%. أما المملكة فبقرار إنهاء المقاطعة، عادت للإمساك بزمام المبادرة السياسية في المنطقة.

ورغم أن البعض يُردِّد بصورة ساذجة أسئلةً من قبيل أن قطر لم تلتزم في بنود قائمة الشروط ال 13 التي وُضعت – بتقديري – لقطع الطريق على الضغوط، وليس إطارًا للتفاوض، فإنه ما من ريب أن العوائد السياسية الجمَّة ستنعكس على الجميع، وبالخصوص السعودية، وليس بالضرورة أن تأتي من قطر نفسها، ونُلخِّص العائدات السياسية فيما يلي:

  • تفكيك دائرة الأزمات التي تزايدت مع الأزمة الخليجية، وأصبحت تطوق المنطقة وتستنزف قواها السياسية.
  • ‏تعزيز المكانة الإقليمية للسعودية، وتكريسها مرجعًا لأشقائها في بيئتها السياسية كما كان دورها التاريخي.
  • ‏توفير مساحة أوسع من فرص المناورة السياسية أمام المملكة في حالة تعرُّضها لضغط وابتزاز إقليمي أو دولي.
  • ‏تماسك الموقف الخليجي في وجه تطوُّرات مقبلة يُخشى أن تضغط على أمن المنطقة.
  • البعد الدولي:

والبُعد الدولي للأزمة يكمن في أن دول مجلس التعاون الخليجي شريك رئيسي للغرب، ومصدر مهم للنفط والغاز؛ لكنها طالما اشتكت من الظروف التي أُبرم فيها الاتفاق النووي الإيراني أو ما سُمِّي (خطة العمل المشتركة الشاملة) في يونيو 2015. وبعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق الذي وقَّع عليه الرئيس ترامب في 8 مايو 2018، تهيَّأت فرصة جديدة لإعادة صياغة الاتفاق بما قد يراعي الهواجس الخليجية. وإذا ما أجرى الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن حوارًا مع طهران ربما خلال العام الأول لحكمه في ظل تمزق خليجي، فإن الأمر لن يتغير، لكن الإدارة الجديدة قد تأخذ في الاعتبار مصادر القلق لدى دول التعاون الخليجي إذا ما كان موقفها موحَّدًا، وكانت على علاقة تواصل وتنسيق مع البيت الأبيض وإسرائيل.

ويتوقَّع مراقبون عديدون في الرياض والخليج أن حلَّ هذه الأزمة سيؤدي إلى حلِّ أزمات أخرى في المنطقة، مما يُخفِّف من الأعباء السياسية التي كان يُراد أن تتحمَّل السعودية أثمانها؛ إذ إن الاستقطاب السياسي الحادَّ في الخليج أدى إلى استقطابات أخرى في العمق العربي والإسلامي، وهو ما سيؤثر ربما على الدور الإقليمي للمملكة.

فقد ألقت الأزمة الخليجية بظلالها على قضايا المنطقة كلها في اليمن وليبيا وسوريا (حيث كانت الثورة السورية إحدى ضحايا الأزمة). ومن المتوقع أن تساعد انعكاسات المصالحة القوى الدولية على دفع وتشجيع تسويات إقليمية كانت تضغط من أجلها، كما هو الأمر في اليمن وليبيا.

  • قطر وارتباطاتها الإقليمية:

لا تعني المصالحة انتهاء كافة الخلافات بين الرياض والدوحة، حيث ما زالت الثقة في أدنى مستوياتها، وهو ما قد يدفع قطر للحفاظ على علاقاتها الإقليمية مع كلٍّ من طهران وأنقرة.

وقد حاول وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الدس في حالة الانسجام الجديدة بمجلس التعاون، عندما هنَّأ قطر على صلابة مقاومتها.

وهذا في حقيقة الأمر يُعبِّر عن المخاوف الإيرانية من انعكاسات المصالحة على موازين القوى بالمنطقة. فرغم أن قطر لا تتوفر على قوة عسكرية معتبرة، إلا أن قوتها الناعمة أثبتت حضورها. وقد استثمرت فيها إيران مثلما شاهدنا في العمليات الإعلامية المبالغ فيها لتضخيم قوة الردع العسكرية الإيرانية وخيارات الرد على واشنطن!

وإذا كانت إيران مصدرَ تهديد إستراتيجي متفق عليه في مجلس التعاون مهما كانت دبلوماسية المخادنة والاحتواء لبعض دول المنطقة تجاه طهران، فإن السؤال اليوم: هل تُبعد المصالحة قطر عن تركيا أم تُقرِّب الرياض من أنقرة؟

لقد أبدت تركيا استعدادها للتفاهم مع القوى الإقليمية التي خاصمتها، وأرسلت إشارات إلى الرياض والقاهرة. وعبَّر وزير خارجية قطر عن استعداد بلاده لفتح خطوط وساطة بينها؛ في حين أن مثل هذه المساعي تثير حفيظة أبو ظبي التي عيَّنت نفسها الخصم الأول لتركيا وجماعات الإسلام السياسي، لكن الأمر في مثل هذه الحالات لا تحكمه الأيديولوجيا؛ بل المصالح السياسية.

وفي المقلب الآخر، لا ترى الأوساط السياسية والإعلامية في تركيا أيَّ خطر للمصالحة الخليجية على العلاقات التركية القطرية التي جرى توسيعها وترسيخها خلال السنوات الماضية، وصولًا لشراكة إستراتيجية بين الطرفين.

كما أن وزير الخارجية القطري استبعد أن تؤثر المصالحة على علاقات بلاده الإقليمية مع تركيا وإيران!

وما قد يُحدِّد علاقة الدوحة بجماعة الإسلام السياسي (وهي نقطة جوهرية في الصراع) هي المفاوضات التي ستُجريها مع القاهرة وأبو ظبي، حيث سيكون ملف الإخوان المسلمين له الأولوية على الطاولة.

والأمر يتوقف على الدوحة التي ستجد نفسها في الزاوية بين القوى المتضادة؛ فإذا لم تبذل جهودًا دبلوماسية استثنائية فستجد نفسها تسير على حبل رفيع أو تحت ضغط هائل بين أحجام سياسية متصارعة. وليس أمامها من خيار إلا الالتزام بالإستراتيجية الأمنية الخليجية، والتخلص من دور المؤيد والمعارض داخل المنظومة الخليجية، الشيء الذي جلب لها المتاعب السياسية.

  • الخلاصة:

من الواضح أن التطورات الإقليمية والدولية ساعدت في التئام الأسرة الخليجية، لكن العامل الخارجي ليس وحده الذي دفع للمصالحة الخليجية، فحالة التيه التي واجهت مجلس التعاون شجَّعت على القناعة بعودة المعادلة السياسية السابقة التي ترتكز على الدور المحوري للشقيقة الكبرى (السعودية). وثبت للجميع أن أي محاولة لتغيير قواعد اللُّعبة ستُحطِّم المعبد على رؤوس الجميع.

ومما يفتقر إليه مجلس التعاون اليوم هو القدرة على المصارحة بعد المصالحة، وخلق الإجماع داخل المنظومة مما يسهل إنتاج الإستراتيجيات الأمنية والمواقف السياسية.

ولبلورة ذلك بشكل جيد، لا بد من التفريق بين الإستراتيجي والتكتيكي من جهة. وبين المصلحة الوطنية والمصلحة الجماعية من جهة ثانية، حيث الانتماء للمنظمات الدولية والإقليمية يستلزم التنازل عن شيء من المصالح الذاتية للمصالح المشتركة. وهذا الأمر بلوره الاتحاد الأوروبي عبر صياغة آليات دائمة، لكن مجلس التعاون يفتقر إليها.

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. سعد بن طفلة (ضيف الملتقى)
  • ملاحظات أولية حول قمة وبيان العُلا:

لا أشارك كثيرًا من المحللين والمراقبين تفاؤلهم المفرط فيما تمَّ التوصل إليه من “انفراجة” سياسية بين قطر ودول المقاطعة، ومصدر ترقبي وترددي وقلقي على تطورات هذه الانفراجة هو الآتي:

  • لا نعلم ما الذي تمَّ التوصل إليه بخصوص الملفات التي كانت أسبابًا متراكمة للأزمة واندلاعتها، سواء حول نقاط اتفاق العام 2014 الست، أو المطالب الـ 13 التي اشترطتها دول المقاطعة على قطر عام 2017.
  • لا يذكر بيان العلا، كيف يمكن أن يتم تلافي اندلاع الأزمة ثانية مثلما اندلعت فجأة في حزيران 2017.
  • بلغ انعدام الثقة مستوى غير مسبوق بين أطراف الأزمة التي رادفها “انحطاط إعلامي” غير مسبوق – كما أسماه عرَّاب الوساطة الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح، رحمه الله – فمن الصعب استعادة الثقة ببيان العُلا وعقد القمة فقط، مع ما رافقها مع حميمية وحفاوة.
  • الاستحقاقات الإقليمية:

لا شك أن إيران ومن بعدها تركيا هي الخاسر الأكبر في حالة التوصل إلى حل نهائي وشامل للأزمة، فالأولى فتحت مياهها وسماءها لقطر أثناء المقاطعة، والثانية أرسلت جيشها للدفاع عن قطر في حالة تهديدها، وبالتالي فإن الاستدارة القطرية على حلفائها الإقليميين صعب جدًّا، والتفريط في هؤلاء الحلفاء طريق محفوف بالمخاطرة وخصوصًا في ظلِّ انعدام الثقة مع الأشقاء مثلما أسلفتُ أعلاه.

كذلك، فإن درجة الحماس تختلف بين أطراف المقاطعة الأربعة، فالمراقب لا يلحظ نفس الحماس لحل بيان العلا لدى مصر والإمارات والبحرين، وهذا قد يؤخِّر كثيرًا من حلحلة الملفات والمسائل العالقة، ولعل التصريح بالتفاوض الثنائي الذي أعلنته بعض الأطراف لحل كافة المسائل بشكل ثنائي يؤكِّد تباين مواقف دول المقاطعة حول القضايا الخلافية.

ظهرت الكويت طوال الأزمة كحمامة سلام إقليمية، واستمرت هذه الصفة ملاصقةً لها حتى بعد رحيل خبير الدبلوماسية العربية – الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد رحمه الله؛ مما يعني استمرار هذا الدور التوفيقي الكويتي وجاهزيته مستقبلاً لحلحلة المسائل في حال دخولها في نفق الجمود بين الأطراف المتنازعة. وقد جلب دور الوساطة الكويتي للكويت الصداع السياسي من كافة الأطراف التي قد لا تعجبها الصراحة الكويتية أو حتى التغاضي الكويتي أحيانًا؛ مما عرَّضها لسياط بعض الأطراف المحسوبة على هذا الطرف أو ذاك.

لا أظنُّ الجانب القطري سيُفرِّط في حلفائه الإقليميين، ولا في علاقته بالإخوان المسلمين، على الأقل ليس في المستقبل القريب، فهم الذين أثبتوا شراسةً إعلامية في الدفاع عن حليفهم القطري طوال الأزمة، وخصوصًا في مجالات الإعلام الاجتماعي (سوشيال ميديا)، حيث نشطوا بالهجوم الكاسح على أطراف المقاطعة دون هوادة؛ وذلك لإدراكهم أن أي تراجع أو ضعف أو تنازلات يمكن أن تقدِّمها قطر، سيكونون أحد أثمانها، وقد أصابهم الهلع بزيارة وزير المالية القطري عشيةَ القمة للقاهرة لافتتاح فندق كبير هناك.

ستُلقي هذه الأزمة الحادة بتبعات لن يزيلها “حب الخشوم” بسهولة، وستبقى ندباتها في الأنفس لسنين طويلة ما لم يكن هناك إستراتيجية واضحة وشفافة وشجاعة بفتح كافة الملفات والتعامل معها بكل صدق وتفانٍ يفترض روح التنازل المسبق لدى كافة الأطراف، وهو ما لم يلمسه المراقب لتطورات الأزمة، وخطاب ما بعد القمة – بكل أسف.

  • التعقيب الثاني: د. عبد الله العساف

ربما كان السؤال الأكثر إلحاحًا خلال الأيام الماضية، والذي دارت حوله الكثير من التكهنات يتمحور حول مَن الكاسب ومَن الخاسر في المصالحة الخليجية، وما مصير الثلاثة عشر شرطًا التي رهنت بها دول الرباعي العربي مصالحتها مع قطر، وهل تمَّ الاكتفاء بالتزام الدوحة بالمبادئ الستة التي أُعلِنت في حينها؟

هذه التساؤلات وغيرها لم تشغل الشارع العربي، بل ذهبت وسائل الإعلام على اختلاف مشاربها وتنوُّع مناهجها بالخوض في لُجتها، والبحث عن أجوبة لها، وربما السعي لتعكير صفو الأجواء الخليجية.

وقبل سبر أغوار القمة الخليجية الحادية والأربعين في العُلا، أودُّ التذكير بأوليات هذه القمة، فهي أول قمة تُعقد في بداية العقد الخامس، وأول قمة تُعقد بعد رحيل جميع الآباء المؤسِّسين – رحمهم الله- وأول قمة تُعقد خارج العواصم الخليجية، وأول قمة خليجية تحضرها مصر وأمريكا. ولعلَّ البُعد المكاني يشير إلى طي صفحة الماضي، وفتح صفحة جديدة مُشرِقة كإشراقة شمس العُلا الصافية.

ما يهمُّنا كشعوب خليجية وعربية، هو النتائج دون الخوض في التفاصيل التي يكمن في تجاويفها الشيطان، وكان ردي على قناة DW الألمانية عندما سألني مذيعها، كيف تجاوز الخليجيون كمون الشيطان في التفاصيل؟ بقولي إن القمة افتُتحت بسم الله الرحمن الرحيم، فلا وجود لشياطين الإنس والجن، فلا المقاطعة كانت خاطئة، ولا المصالحة كانت خسارة واستسلام من أي طرف، معادلة لن يفهمها إلا المخلصون من أبناء الوطن الخليجي والعربي.

وحتى نكون إيجابيين ولا ننظر بحدية للمصالحة فالجميع كاسب، والخاسر هو مَن سعى لاستغلال هذه الأزمة سياسيًّا واقتصاديًّا، ونُفخ فيها إعلاميًّا لإطالة أمد تكسبه منها، فخلال الاثنين والأربعين شهرًا الماضية، التي لبَّت خلالها قطر مطالب الرباعي العربي بتصنيف مجموعة من الكيانات والأفراد ووضعهم على قوائم الإرهاب، وتوقيعها مع الولايات المتحدة اتفاقية تعاون في محاربة الإرهاب، والكشف عن مسار الأموال التي تتوجه إلى بعض الكيانات المشبوهة، باستغلال مظلة العمل الخيري الضخمة، والتي كانت تُشكِّل حبلًا سريًّا تتغذى منه هذه المنظمات بعد تجفيف مواردها.

الجميل جدًّا وعلى خلاف المعتاد في المنطقة أن الأزمة القطرية، وأقول القطرية لأنها مع مرور أكثر من ثلاث سنوات 5-5-2017 حتى 5-1-2021 لم يتم الاحتكام إلى القوة رغم عدم تكافؤها نظريًّا، وتم الإبقاء على باب الوساطة مواربًا، وهذا – في تقديري – أحد المكاسب الكبيرة التي يجب أن تكون حاضرةً في السياسة العربية عند تعاملها مع القضايا الخلافية، حيث الاتكاء إلى سلاح الحوار وعدم اللجوء إلى حوار السلاح؛ وهو ما قطع الطريق على المتربصين وتجار الأزمات والحرائق السياسية.

الملف الأبرز هو ترتيب البيت الخليجي والعربي، وما سواه تبعٌ له، ولعل من تباشير نجاح القمة والتئام البيت الخليجي – العربي هو مبادرة السعودية افتتاح المعابر الجوية والبحرية والبرية أمام قطر، ثم قيام مصر بذات الخطوة السعودية، وقبل قراءة مضامين القمة الختامي علينا قراءة لغة الجسد الإيجابية وعبارات الترحيب المتبادلة بين الأمير محمد بن سلمان، والشيخ تميم، وما أعقبها من ترجمة قمة العُلا هذا النهج على أرض الواقع، عندما أعلن قادة المجلس في قمتهم الـ41 أن الخلاف الخليجي بات في ذمة الماضي، وأنهم على استعداد لتسخير كل الجهود لما فيه خير شعوب المنطقة ونمائها، وسعيهم لوضع الخطط البنَّاءة والأهداف السامية التي تمكِّنهم من صناعة مستقبل أكثر رفاهًا ورخاءً لشعوبهم، وأكثر أمنًا واستقرارًا لدولهم.

  • ردود أفعال دولية مرحبة:

ماذا يعني صدور ردود أفعال دولية مُرحِّبة بالمصالحة الخليجية؟ ماذا يعني العالم إنْ تصالحت دول الخليج أو افترقت؟ سوف أنقلُ إجابة معالي الأمين العام الأول لمجلس التعاون الخليجي عبد الله بشارة، وأكتفي بها.

“في عام 1980، كنتُ في الأمم المتحدة أستمعُ إلى مفردات القلق العالمي، الذي تواجد داخل القاعات حول استقرار منطقة الخليج في ضوء الإفرازات التي تسيَّدت المنطقة، الانقسام العربي مع مبادرة السادات، ثورة إيران وطموحاتها، الحرب العراقية-الإيرانية، غياب الاطمئنان حول مسار الدبلوماسية النفطية الخليجية، كان العالم في استعجال لمبادرات إقليمية تُريحه بتأمين سلامة الطاقة ووصولها إلى دول العالم الأول، وهي أوروبا وأمريكا واليابان.

في أول سنة من قيام المجلس، تلقيتُ دعوات لزيارات إلى عواصم أوروبا (لندن، باريس، بون)، والاتحاد الأوروبي، وواشنطن؛ لأن هذه الدول رأت في قيام المجلس الوصفة المناسبة للحفاظ على أمن الخليج واستقراره، وذهبتُ إلى هناك ناقلًا فلسفة المجلس وتوجهاته، وكان شعور هذه الدول أن هناك في الخليج قيادة مؤتمنة على سلامة أكبر مواقع الطاقة والسهر عليها والتعامل معها بالعقلانية، والإدراك لأهميتها ودورها في أمن العالم واستقراره. كانت هناك إشادات بحكماء الخليج، وإعجاب بسلاسة تعاملهم مع منابع الطاقة.. نحن في منظور العالم الصف الأول في تأمين ووقاية هذه المنابع، وقوى العالم تساندنا عند الضرورة، كما رأيناها في واقع تحرير الكويت”.

لذا، كُلنا يأمل أن تكون مخرجات قمة العلا ليست أنصاف الحلول والتسويات والمصالحات، بل قمة المصارحة ووضع الأمور في نصابها الصحيح، والإيمان بوجود خلاف واختلاف، فالاختلاف يكون إيجابيًّا عندما يكون اختلاف تنوع لا تضاد، ولا يجب أن يقودنا الخلاف إلى القطيعة وإدخال الآخرين بيننا، فحالة الاصطفاف المصطنعة مع طرف ضد آخر هي حالة مؤقتة تستفيد منها الدول والكيانات والأفراد وتُعظِّم مكاسبها من خصومتنا.

  • البيان الختامي لقمة السلطان قابوس والشيخ صباح تضمَّنت ما يلي:
  • الصحة:
  • أشاد المجلس الأعلى بالتدابير الاحترازية المُتخذَة تجاه تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19) في دُولِهِ، والإجراءات الاقتصادية والاجتماعية، مع ضرورة استمرار دعم المنشآت الطبية؛ لمواجهة التهديدات الصحية المستقبلية، والمحافظة على صحة المواطنين والمقيمين.
  • اعتمد الإطار العام الخليجي لخطة الصحة العامة للتأهب والاستجابة في حالات الطوارئ، وكلَّف الجهات المعنية في دول المجلس بتنفيذه بالتعاون والتنسيق مع وزارات الصحة في الدول كجهة مرجعية.
  • اعتمد إنشاء المركز الخليجي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، تحت مظلة مجلس الصحة لدول مجلس التعاون.
  • أكد المجلس أهمية تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية وتبادل الخبرات في مجال مكافحة جائحة كورونا، ومعالجة آثارها الاقتصادية والاجتماعية.
  • التقنية والتعليم:
  • تنمية القدرات التقنية في الأجهزة الحكومية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي؛ ضمانًا لسرعة وكفاءة تنفيذ الخدمات والإجراءات، وتطوير المناهج التعليمية والتجارة الرقمية.
  • تعزيز التعاون بين مؤسسات المجلس ومنظمة التعاون الرقمي التي تأسَّست عام 2020م، بما يُحقِّق مصالح دول المجلس.
  • مكافحة الفساد:
  • أشاد المجلس بجهود دُولِه لتعزيز آليات النزاهة والكفاءة، والحوكمة والشفافية والمساءلة في الأجهزة الحكومية، ومحاربة الفساد، ووجَّه بتعزيز التعاون المشترك في هذا المجال في إطار مجلس التعاون وأجهزته والمنظمات الخليجية المتخصِّصة.
  • ربط المدفوعات بين دول المجلس:
  • وافق المجلس على اتفاقية نظام ربط أنظمة المدفوعات بين دول المجلس واعتبارها المظلة القانونية لمنظومة المدفوعات والتسوية بينهم، وبارك قيام شركة المدفوعات الخليجية بأعمالها وبدء المرحلة الأولى من تشغيل نظام المدفوعات الخليجي (آفاق) بين مصرف البحرين المركزي والبنك المركزي السعودي.
  • العمل العسكري والأمني المشترك:
  • وافق المجلس على تغيير اسم قيادة “قوات درع الجزيرة المشتركة” إلى “القيادة العسكرية الموحَّدة لدول مجلس التعاون”، مُؤكِّدًا على دعم جهود التكامل العسكري المشترك لتحقيق الأمن الجماعي لدول المجلس.
  • رفض التدخلات الأجنبية:
  • أكَّد المجلس على مواقف مجلس التعاون الرافضة للتدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول العربية من أي جهة كانت، وضرورة الكف عن الأعمال الاستفزازية عبر إذكاء الصراعات والفتن، والتأكيد على احترام مبادئ السيادة وعدم التدخل واحترام خصوصية الدول، وأن أمن دول المجلس هو رافد أساسي من روافد الأمن القومي العربي.
  • كالعادة لم تغب إيران عن البيان الختامي طيلة الأربعين عامًا الماضية، وفي هذا العام تضمَّن بند إيران عشرَ نقاط تتمحور حول سلاحها النووي، وتدخُّلها في شؤوننا الداخلية، وإعادة الجُزر الإماراتية.
  • كنتُ أتمنى الخروج بآلية قانونية لمعالجة الخلافات بين دول المجلس.

ختامًا، ثمة تساؤلات مهمة بعيدًا عن العواطف، والمجاملات والبرتوكولات وأعين الكاميرات، ومن أبرزها:

  • ماذا استفدنا من التجربة السابقة؟
  • هل هذه المصالحة نتيجة وعي جماعي بضرورتها، وحاجة الجميع لها؟ أم أنها استجابة لظروف مؤقتة؟
  • هل وعت قطر أنها مجرد أداة أو عود ثقاب، سعى المخطِّطون لمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد إلى استعماله لإحراق المنطقة، ثم احتراقها دون وعي منها؟!
  • هل تم تحديد أهم المخاطر القادمة المحتملة خلال السنوات الخمس القادمة؟
  • هل تمَّ العمل على إيجاد حلول حقيقية للبُعد الديموغرافي الذي يُهدِّد وجوديًّا بعضَ دول الخليج على وجه الخصوص؟
  • ماذا تمَّ عملُه من أجل الشباب الذين يُشكِّلون 65% من سكان الخليج العربي، ويُشكِّلون قنابل موقوتة ما لم يتم التعامل معهم بمقتضيات العصر؟

 

  • التعقيب الثالث: أ. عبد الرحمن الطريري
  • المصالحة.. برغماتية الخليج:

مثَّلت المصالحة الخليجية فصلًا آخر في دروس السياسة السعودية، وقراءتها للمتغيرات الإقليمية، بالإضافة لثقلها السياسي، وهو ما يُمثِّل بوصلة تأثير لتغيُّر التوجهات الإقليمية.

قامت السعودية بالتحرُّك المُسبق، وفتحت الحدود والأجواء عشية القمة، ولحقتها مصر ثم الإمارات، وستلحقها البحرين، وخرج بيان العلا ليوقِّع عليه الجميع دون ملاحظات، وهو الذي يرسم هدفين واضحين؛ الأول تحديد سياسة خارجية موحَّدة، ومن نافلة القول: إن ذلك لن يشمل كافة الملفات.

فكانت الأولوية واضحةً في تسمية برنامج إيران النووي وصواريخه البالستية، وذراعه الأكثر تغلغلاً في العالم العربي “حزب الله”، مما يعني ضرورة توحيد الجبهة الخليجية قبيل قدوم إدارة بايدن، لتحقيق ضغط نحو جلوس الخليجيين على طاولة الاتفاق الجديد.

لا يخفى أيضًا أن السير بالاتفاق والتأكيد على الوساطة الكويتية، بالإضافة إلى تسمية القمة بقمة صباح وقابوس، له بالغ الأثر في الداخل الكويتي والعماني، ويُمثِّل دعمًا للقيادتين الجديدتين في البلدين، على أمل الوصول لمجلس متقارب في وجهات النظر أكثر من أي وقت مضى.

وإن توقيع مصر على الاتفاق ومسارعتها لفتح أجوائها بُعيد المملكة، لهو دليل على حجم التوافق السعودي المصري، وهو ما أكدته الوثيقة التي أُعلِن عنها في الرياض قبل أسابيع، بحضور سامح شكري وزير الخارجية المصري، وأكدت على تطابق الرؤى بين البلدين في كافة الملفات الإقليمية.

هذه المصالحة تأتي بعد عام صعب اقتصاديًّا بسبب جائحة كورونا، أثَّرت فيه الجائحة على الجميع، وأضرت الخليجيين كما باقي مُنتِجي النفط والغاز، وتأتي أيضًا قُبيل عام من كأس العالم في الدوحة، والذي من الصعب أن يتم في ظلِّ المقاطعة الرباعية، وربما سنشهد طلب قطر من دول جوار باستضافة بعض المجموعات في البطولة.

اليومَ، تأتي المصالحة الخليجية إنْ التقطها الجميع لتُمثِّل فرصةً للعبور برؤية الملك سلمان لمجلس التعاون الخليجي، والتي أطلقها في الدرعية، خلال لقاء القمة السادسة والثلاثين في ديسمبر من العام ٢٠١٥، والتي تؤكِّد على ضرورة تعزيز التعاون ودعم فرص الخليج ككيان سياسي، وفرصة وصوله للاقتصاد السادس عالميًّا مجتمعًا في 2030، بعد أن يتم الانتهاء من إجراءات الربط الجمركي، وتفعيل السوق المشترك.

وفيما يخصُّ العلاقات القطرية مع كلٍّ من إيران وتركيا، فيسهل على قطر التباعد عن إيران، كما فعلت في بدايات الثورة السورية وتصادمت مع بشار الأسد وحزب الله، خاصة أن أمريكا تُمثِّل ضغطًا بمختلف الرؤساء حول الملف النووي، والأهم إسرائيل التي لن تقبل بإيران نووية، وتعتبر أمكن خطوطها الأمامية في الخليج، تمامًا كما تقول إيران إن خطوطها الأمامية في غزة وجنوب لبنان.

تركيا قد يكون أصعب على قطر التخلي عنها، لكن مصالحتها تمنحها مساحةَ مراوغة لتقليل الابتزاز المالي التركي، كما أن تركيا في وضع سيئ سياسيًّا وتحتاج رضا السعودية، وسعت للتقارُب مع مصر بعد العديد من التحركات الدبلوماسية والسياسية التي أجرتها الإدارة المصرية بحكمة تجاه ليبيا وشرق المتوسط، بالإضافة لقدوم إدارة أمريكية تحكي صراحة أنها ترغب في إسقاط أردوغان.

في الختام، الأزمة بين الرباعية وقطر كانت مبنيةً على شواهد لممارسات قطرية شكَّلت عنوانَ حكم الأمير الوالد، وعادت آثارها بعد رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز، وظهرت جليةً في عدة قضايا، على رأسها اليمن؛ كلُّ ذلك شكَّل حالةً من عدم الثقة، ويبدو أن القيادة القطرية تسعى لبناء الثقة، ولديها تقدير للخسائر، لكنها تريد استجابةً تحفظ ماء الوجه.. وليكن.

  • المداخلات حول القضية:
  • دور المملكة في تحقيق المصالحة الخليجية.

من وجهة نظر د. عبد الإله الصالح، فإن السعودية الآنَ تُشكِّل قيادةً وريادةً للعالم العربي، استحقَّتها دون هرولة إليها؛ بسبب عقود من العمل والحصافة والصبر والهدوء والاتزان والالتزام، فضلاً عن النعم الربانية المتمثِّلة في تجانُس العقيدة والموارد الطبيعية وطبيعة أسُس الحكم والحكَّام.. وفرضت هذه القيادة أيضًا بسبب ظروف أقاليم العالم العربي الأخرى الصعبة (على المستوى المحلي في كل منها، والإقليم التي هي فيه، التي يطول الحديث عنها ولكن يدركها الجميع). وهذه القيادة (الخليجية) تُوظِّفها دول مثل المملكة للأمن وللاستقرار واستمرار النمو (التكوين الجيني للسياسة السعودية يؤكِّد ذلك بدون أدنى شك) والاندماج في العالم؛ لأنها تستفيد من الاستقرار والنمو على كلِّ المستويات.. وربما هذا المفهوم وتلك الأهداف لم تكن الأساس لدى الجميع في الماضي (لأسباب لا بد من بحثها والتعامل معها).. ولعل مواجهة هذه الأزمة ومن ثَمَّ تحليلها بعيدًا عن الإحراج والتشفي في النطاقات المحلية والخليجية والإقليمية والعربية بالطريقة الصريحة والموضوعية يُرسِّخ ما يجب أن تُوظَّف له هذه الفرصة التاريخية للخليج لقيادة الإقليم والعرب بل والمسلمين.

وأكَّد أ. محمد الدندني على أن السعودية تتميز بالآتي، وهي ميزات تفيد الدول الخمس منفردةً أو مجتمعةً لتحقيق دور إقليمي وعالمي ومنفعة اقتصادية:

  1. المملكة ليست دولةً خليجيةً فقط؛ فهي تمتد من البحر إلى البحر، ولها دور مركزي في أمن البحر الأحمر بجانبيه. هذا يحتم ترتيبات مع الدول المُطِلَّة على البحر الأحمر.
  2. القوة الاقتصادية، مع تمتُّع دول الخليج بثروات نفطية إلا أن المملكة لديها موارد كثيرة، وهي مفتوحة للاستثمار العالمي؛ ما يفيد الدول الخليجية الخمس مع بقاء الأفضلية للسعودية.
  3. المملكة بوجود الحرمين الشريفين هي مركز العالم الإسلامي وقبلة المسلمين، فهذه قوة مضافة أيضًا لدول الخليج.
  4. البُعد الإقليمي العربي والمتمثِّل جغرافيًّا في حدود طويلة مع المشرق العربي، وأيضًا مع الدول العربية في حوض النيل والمطلة على البحر الأحمر. بالإضافة إلى الدول العربية في القرن الأفريقي.
  5. بهذا، من المهم استيعاب مركز ودور المملكة خليجيًّا وعربيًّا وإسلاميًّا وعالميًا، والمسؤوليات الجِسام التي تتحمَّلها المملكة، وهو ما يتطلب دورًا أكبر وتنسيقًا إيجابيًّا مع كافة أعضاء المجلس.

وتطرَّق د. خالد بن دهيش إلى أن السعودية مواقفها مُشرِّفة وداعمة دومًا لوحدة الصف الخليجي والعربي والإسلامي؛ فهي من مُؤسِّسي مجلس التعاون ومحتضنة مقرَّ أمانته، وداعمة لجميع قراراته، ومتبنية مبادراته، وآخرها قمة العُلا؛ قمة المصالحة الخليجية خير شاهد على ذلك، فلا غرابةَ في ذلك. فهي بيت دول المجلس والشقيقة الكبرى لهم.  وهي التي شعرت بالخطر الذي أحدثه الشرخ المتمثِّل في المقاطعة لدولة قطر الشقيقة لمبررات وتباين في جهات النظر، وعتب الشقيق على شقيقه بين المملكة مع بعض دول المجلس والشقيقة مصر نحو دولة قطر الشقيقة التي هي إحدى دول المجلس، وحيث استفاد من هذا الشرخ بعض الدول الإقليمية وتحديدًا إيران وتركيا، وبعض المنظمات المتطرفة والإرهابية (الإخوان في مقدمتهم)، وبعض الإعلاميين المأجورين للنعيق واللعب في الماء العكر مقابل حفنة من المال لتحقيق أهدافهم الخبيثة، ومن أهمها إضعاف هذا الكيان وتفتيت هذه الوحدة القوية للاستفادة من خيراتها، حيث التفوا على دولة قطر واستفادوا من خيراتها كمقدمات لطموحاتهم المستقبلية.

وقد أدرك ذلك المغفور له بإذن الله الشيخ صباح حاكم دولة الكويت وولي عهده، حيث سعيا مع قيادتنا نحو تلافي هذا الشرخ بين الأشقاء الذين تجمعهم قواسم مشتركة، للمحافظة على كيان مجلس دولهم التعاوني، الذي أسَّسه الآباء رحمة الله عليهم جميعًا. ولا ننسى ما قام به الملك سلمان عندما تولَّى الحكم وأيضًا عندما كان وليًا للعهد، وكذلك ولي عهده الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله، حيث قاما بزيارات لدول مجلس التعاون، وبالطبع كانت دولة قطر من ضمنها؛ حرصًا منهما على بقاء كيان دول المجلس قويًا ومتماسكًا مهما عصفت به عواصف الاختلافات بين دُولِه.

  • المكاسب المتحقِّقة من المصالحة الخليجية:

يرى د. عادل القصادي أنه وإلى جانب البُعد السياسي والأمني (القومي)، فإن البُعد الاقتصادي للمصالحة الخليجية لا يقلُّ أهميةً عن الأبعاد الأُخرى، فإن ما يمكن أن نُسمِّيه (نموذج العمل) الذي تطوَّر مع تطوُّر المجلس وأدواته وآلياته على مدار أربعة عقود، أثبت أن صيانة المصالح الاقتصادية بين دول المجلس هي من أهم أولويات القادة والمؤسسات الخليجية، وفي القمة الأخيرة – على سبيل المثال – تمَّت الموافقة على نظام ربط أنظمة المدفوعات بين دول المجلس، ولا ننسى أيضًا أن الأمين العام الجديد د. نايف الحجرف الذي يأتي من خلفية اقتصادية ومالية قد يؤثر إيجابًا في تنشيط هذا المسار ضمن أعمال الأمانة العامة وأنشطتها.

وذكر م. خالد العثمان أن هناك بعض الدراسات التي تتوقع فيما يخصُّ الجانب الاقتصادي لموضوع المصالحة الخليجية، أن يُحقِّق اقتصاد دول الخليج 8 مليارات دولار مكاسب اقتصادية في 2021 نتيجة للمصالحة([3]).

بينما ذكر د. عبد الله بن ناصر الحمود أنه لو لم يكن في “صلح قمة العلا” إلا أن “الصلح خير”، لكفاه. لكن في صُلح العلا مفارقة مهمة؛ فقد بدأت “مفاجأة” المقاطعة “إعلاميًّا” وسط ضجيج لم نكن نعرف مبعثه ولا منتهاه.. وأخذ الأمر منَّا أسابيع حتى تبلورت معاني المقاطعة ومكوناتها.. وليأتِ، بعد ذلك، الدور الرسمي تدريجيًّا تبيانًا لكل شيء. وحينها حمل المثقفون والإعلاميون وقادة الرأي عندنا حملاً ثقيلاً، لكنه جاء شريفًا، وحاسمًا في الذود عن حياضنا وتفنيد سعي الخصوم حينذاك للبطش بنا، وكنَّا مع قادتنا وفعاليات مجتمعنا سدًّا منيعًا، وجنودًا نستعصي على الخصم ويهابنا. وجاءت مفاجأة “الصلح” “الرسمية” وسط هدوء أفقدَ الكثيرين قدرتهم على الفهم، وجعَل الإعلام والإعلاميين مشدوهين إلى القدر الذي لم يكن بإمكانهم مزامنة “المفاجأة” الأهم في تاريخ الوطن والمنطقة، مع عمل إعلامي مهني يرتقي للحدث ويفهمه ويُعبِّر عنه. فأمضى جلُّ الإعلام المتزامن وانعقاد القمة، ولا يزال، في تناول إنشائي فج، وتعبوي دعائي غير حصيف. صحيح أن المعلومات الرسمية شحيحة، ولكن لو أن الإعلام وقادة الرأي لا يعملون إلا في بيئة الثراء المعلوماتي، لكان فقدهم ووجودهم سواء. كم كان مأمولًا مواكبة الإعلام لحجم الحدث بتوجُّه يقوم على مبدأ “الصلح خير”، مع تفنيد خيرية الصلح اليوم وسط هيجان الواقع من حولنا، وصراع العمالقة هناك، وأنه ليس في السياسة خِصام دائم ولا صُلح دائم.

في حين عقَّب د. زياد الدريس بأنه قد يجوز القول إن: “الإعلام سبَّب الخصومة، والاقتصاد جلَب المصالحة”.

وأضاف أ. سليمان العقيلي أن الأيديولوجيا (والقضية السورية) فجَّرت الأزمة، بينما الحاجة إلى الأمن الجيوسياسي دفعت للتسوية والتعايش.

من جانبها، ذهبت د. فوزية أبو خالد إلى أن الخاسر الأعظم هو الانتهازية، حين لا تنطلق مواقف الرأي من أمانة الكلمة ولا تستند على مبدأ، بل تجري حسب رياح اللحظة الآنية. ومع أمثلتها العديدة، فقد يكون تجسيدها الفادح قناة الجزيرة، وقِسْ على ذلك بقليل من الخيال الاجتماعي بحسب “رايت ملز”. وهذا ليس خللاً في وسائل الإعلام، ولا في صيغها القديمة أو التقنية الجديدة؛ ولكنه خلل أخلاقي في بعض نُخب الإعلام والثقافة والمحسوبين عليهما؛ وقد يكون خللاً في الحسابات أكثر منه خللاً في التحليل. وربما يكون ذلك مؤشرًا أيضًا على سقف الكلمة حيث يُروّج لنوع من الخطاب “المقبول” أو المتوقَّع قبولُه على حساب انحسار خطابات التفكير النقدي أو على الأقل التساؤلي.

أما أ. فهد الأحمري فيرى أنه لا شك أن الصُّلح خير، فهو مطلب اجتماعي من جانب الأسرة الخليجية الواحدة، وفي جانب الشعوب العربية التي تعقد الأمل في قوة المنظومة الخليجية كآخر المنظومات العربية التي نالها ما نالها من الوهن، ثم الموت السريري. مطلب آخر مهم في مشروع المصالحة، وهو الأمن والاستقرار في الإقليم والمنطقة؛ غير أن هذا المطلب لا يمكن تحقيقه إلا إذا كانت النظرة للأمن نظرة قائمة على التكامل بين الأمن الوطني المحلي والأمن والإقليمي، إذ يصعب تحقيق الاستقرار في أي بلد في ظلِّ وجود حالة اضطراب في الإقليم، أو وجود مناخ يسود فيه التحريض ومحاولة زعزعة أمن بعض الأطراف الإقليمية. أيضًا، فثمة مطلب ثالث وهو محاولة إيقاف دفع قطر مبلغ يُقدَّر بـ133 مليون دولار سنويًّا إلى الخزينة الإيرانية لاستخدام أجوائها في مجال الطيران جرَّاء المقاطعة؛ مما ساعد على تخفيف أزمة طهران وذهاب هذا المبلغ لتمويل برامج الصواريخ والميليشيات التي تدعمها إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن. فضلًا عن أن زوال الأزمة مصلحة عُليا لكل دول المنطقة وشعوبها، ويتمنى العقلاء تحقيقها باستثناء محور الشر الثلاثي (إيران وتركيا والإخوان)، يُضاف إليهم شلة المنشقين في تركيا وكندا وبريطانيا، والذين قد يتوقف عنهم الريال القطري.

وفي اعتقاد أ. عبد الله الضويحي، فإنه لا يوجد دولة كسبت أكثر من الأخرى أو خسرت؛ فالكلُّ كاسب والمنطقة ككل هي الكاسب الأكبر.

ومن وجهة نظر أ. فائزة العجروش، فإنه بالفعل عندما حان الوقت لرأب الصدع لأن الخسارة لكلا الطرفين موجعة ومؤلمة من كافة الجوانب؛ لذا كانت المصالحة أسرع من قرار المقاطعة. كما أن شرط المصالحة الخليجية سحب قطر لجميع القضايا التي رفعتها في المحاكم الخاصة بحقوق الطيران والملاحة، والقضايا الخاصة بقنوات بي أن سبورت، جاء في صالح المملكة تمامًا، والتي من المؤكد أن نتائجها ستكون تعويضات بمليارات الدولارات تدفعها السعودية في حال كسبتها قطر. لكن التوجُّس من القادم خصوصًا في غياب تجارب سابقة أمرٌ مهم.

ويرى م. سالم المري أنه وبالرغم من اختلاف الآراء حول نجاح المصالحة (بين التفاؤل والتشاؤم)؛ إلا أن الجميع متفق على أن المصالحة في مصلحة دول مجلس التعاون. وممَّا لا شك فيه أن لحل الأزمة الخليجية آثارًا إيجابية كبيرة اقتصادية واجتماعية بالنسبة للشعب الخليجي، وخصوصًا على الجانبين السعودي والقطري، كما سيكون للمصالحة الخليجية آثارٌ إيجابيةٌ أيضًا على الأزمات العربية في سوريا وليبيا واليمن. والظن أنه قد يكون لقدوم إدارة أمريكية جديدة يُشاع عنها موقف غير متساهل مع كل من تركيا والمملكة ومصر دورٌ مساعد في دفع أطراف الأزمة الخليجية للتوصل لتسوية في هذا الوقت بالتحديد.

أما م. فاضل القرني فذهب إلى أن قمة العُلا هي فرصة زمنية، وحدث وظروف تعيشها المنطقة، اندمجت لإعادة بعث الحياة في مجلس التعاون وأَخْذ موقعه. الأسباب كانت واضحة للقادة، والدليل تخطيهم الخلافات والنظر بعملية عن القادم. وأفضل المصالحات هي التي تصنعها أسباب خارجة عن المتخاصمين. ولطالما عاشت أمم على هذا الأسلوب، وأوروبا والغرب بشكل عام أكثر خبرة وممارسات (كل جذور العداء تأصَّلت من حروبهم السابقة)، وعند التهديد الخارجي تمتعوا بمرونة للاتفاق على أصول مُسلَّمًا بها، واصطف أعداء مع بعضهم لمقاتلة عدو خارجهم. كل الأسباب موجودة في مجلس تعاون خليجي بطاقة عالية ومتجددة لأمن واقتصاد وتنمية منطقة الخليج خاصةً، والشرق الأوسط والعرب بشكل أعم. دول ذات موارد بشرية بقدر تعليمي أفضل من السابق (٤١ عامًا على التأسيس) عددًا وكفاءات وتخصصات وتقنية جديدة وأيضًا عمريًّا. الثروات الطبيعة، الخصائص الاجتماعية والارتباطات العائلية والقبلية، كفيلة بالتغلب على أي خصومة (ولن يكون هناك مجتمع مثالي).

  • المهددات الكامنة في المصالحة الخليجية:

يرى د. زياد الدريس أنه ورغم التفاؤل العميق بإتمام المصالحة الخليجية؛ إلا أنه لا يمكن المرور سريعًا على الإشارات السلبية التي تضمَّنتها الورقة الرئيسة لا سيما فيما يخصُّ الموقف الإماراتي من المصالحة! يُعزِّز هذا القلق من (شمول) المصالحة لكل الأطراف، أن وسائل التواصل الاجتماعي ما زالت تستنبت تغريدات جديدة تندرج ضمن ما وصفه الشيخ صباح رحمه الله، في ورقة د. سعد بأنه “انحطاط إعلامي غير مسبوق! والتساؤل المطروح هنا: هل نحن مُحِقُّون في استخدام “مقياس” تويتر وأشقائه لمعايرة الاستدامة في المصالحة الخليجية أم لا؟

‫ وسلَّط أ. عبد الله الضويحي الضوءَ على مهددات المصالحة الخليجية من الناحية الإعلامية، حيث أشار إلى أن الإعلام نوعان:

  • إعلام رسمي: ‫وهذا يخضع للدولة، ويدور في فلك سياستها، ومن السهل توجيهه والسيطرة عليه.
  • إعلام غير رسمي: ‫ويشمل القطاع الخاص من قنوات فضائية وصحافة وغيرها، وانضم إليه إعلام التواصل الاجتماعي وخاصة تويتر. و‫مسيِّرو هذا النوع أو المتحدثون عبره نوعان: ‫نوع مثقف وواعٍ ويعرف ما يريد، يُمِسك باليسرى قارورة زيت وباليمنى عود ثقاب، كلما هدأت نار للفتنة أشعلها، وإن طفت أوقدها، وينضم إليه نوع أكثر خطورة يواصل ذات الدور عبر منصات التواصل من خلال معرفات خليجية تُوهم المتلقي بانتمائها، وهي أبعد ما تكون، وتحاول أن تُوهم المتلقي بكاسب وخاسر وخاضع ومخضوع! أما النوع الآخر فثقافته محدودة، لا يُدرك أبعاد ما يطرح، وينجرف وراء هذه المعرفات. ‫إذًا، علينا كمجتمع خليجي بمختلف فئاته وتوجهاته ومواقع المسؤولية فيه أن نُدرك ذلك، وأن نُوعِّي شعوبنا وأجيالنا القادمة بخطورة هؤلاء.

ويرى أ. سليمان العقيلي فيما يتعلق بدور الإعلام في تفجير الصراع، أن الإعلام ليس هو الدافع؛ فدوافع الصراع الموضوعي – بعيدًا عن التعبئة والتحشيد، حيث أصبحت الأزمة خلفنا – تتلخص في التالي:

  • الأيديولوجيا (تصادم المشاريع): فلقد عبَّر دعم قطر للثورات العربية عن أبرز تجليات المشروع السياسي القطري الذي تنفذه مرة نيابةً عن أمريكا باسم الديمقراطية، وأخرى نيابة عن الجماعات الدينية باسم الإسلام. بينما خصوم قطر يرون – ومعهم كلُّ الحق – أن هذا تهديدٌ حقيقي لمرتكزات النظام العربي والخليجي في الأمن والاستقرار والتنمية، ومفتاح لتدخُّل القوى الخارجية في الشؤون الداخلية. ولقد وصل المدى بقطر إلى محاولة تنفيذ هذه المشروعات داخل الأقطار الخليجية نفسها المشتركة مع الدوحة في منظومة سياسية واحدة.
  • الطموحات السياسية: لا يخفى على المراقب رصد تنافس إماراتي قطري، في السياسة: تعزيز المكانة الإقليمية، إجراء الوساطات، توسيع النفوذ، وكذلك الاستقواء بالقوى الكبرى، فكرة التخادم مع مصالح الحزبين الحاكمين في واشنطن؛ المقاطعة بعد تسلُّم الرئيس (الجمهوري) الحكم، والمصالحة بعد فوز المرشح (الديمقراطي). كما أن هناك تنافسًا بين قطر والإمارات في السياحة والثقافة (بين الدوحة ودبي في الجاذبية السياحية، وبين الدوحة وأبو ظبي في جاذبية القيم الثقافية).
  • لم تظهر للسطح بصورة جلية الخلفيات التاريخية لنزاعات الحدود؛ حيث جرت خلافات في القرن الماضي بين البحرين وقطر على جزر حوار وفشت الديبل وما حولهما. وكذلك خلاف بين السعودية وقطر على ترسيم الحدود، كما كان هناك صراع عنيف بين أبو ظبي وقطر في القرن 19 وبداية القرن 20 على تبعية خور العديد، حُسِم لاحقًا. ولا تزال هذه الخلافات تُشكِّل دافعية عاطفية ولو مستترة للصراع، تجلَّت في تغريدات حديثة لا تخلو من رسائل سياسية عن بعض المواقع الحدودية محل النزاع سابقًا بين هذه الدول.

وفي تصوُّر د. محمد المقصودي، فإن إعلان العلا يُعبِّر  عن انفراجة أولية، حيث مهَّدت الطريقَ لتحقيق انفراجة جزئية يمكن أن يُبنى عليها إذا صدقت النوايا القطرية، وإذا تمَّ تنفيذ مطالب مهمة للدول الأربع ذات الشأن، وقد رأت القيادة السعودية أن الانفتاح على قطر يمكن أن يُسهم في تحقيق الوصول إلى تفاهمات  عليا جديدة على هذا المستوى، ويكون قد تمَّ التوافق مع الضغوط التي مُورست عليها، وصياغة موقف خليجي متماسك يواجه التطورات القادمة في منطقة الخليج، والتعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة التي لا تختلف مع جوهر الإستراتيجية الأمريكية السابقة فيما يتعلق بالاندماج الإقليمي لدول المنطقة. ومن المتوقَّع أنه سوف يرتهن تحقيق إنجازات فعلية خلال الفترة القادمة على ما تبديه قطر من تجاوب خاصة فيما يتعلق بتحركاتها الإقليمية التي تمسُّ الأمن القومي المباشر بصفة خاصة لكلٍّ من مصر والبحرين، وتبنيها لتنظيم الإخوان المسلمين ورعايتها لمنابره الإعلامية، خاصة أن هذه قضية لا تمسُّ مصر وحدها، ولكن الدول الخليجية بما فيها السعودية التي أعلنت أنه تنظيم إرهابي.

ويبقى أن هذه المصالحة التي أكَّدت القيادات الخليجية أنها أعادت التماسك لمجلس التعاون الخليجي محدودة التأثير؛ حيث إنَّ المجلس يعاني من ضعف واضح لمنظمة إقليمية كان لدى مؤسِّسيها طموحات كبيرة، إلا أن تناقض مواقف بعض الدول داخلها في المدى الذي يمكن أن تصل إليه هذه الصيغة تجعل من تحقيق إنجازات كبيرة على هذا المستوى رهينًا بتغيُّر مواقف تلك الدول وقبولها لمزيد من التنسيق، خاصة في ظلِّ مناخ دولي يتناقض مع صيغة التحالفات الجماعية، وسياسة أمريكية تفرض أبعادًا أخرى لمثل هذه الصيغة.

وأشار د. مساعد المحيا إلى أن المشكلة في الأزمات الخليجية أنه حين يبدأ خلافٌ ما أو تنشأ خلافات وفق مصالح معينة، يبدأ البعض بكتابة محتوى ينسف كل سُبل الاتفاق. وهؤلاء غالبًا لا يؤيدون الاتفاق، ويفرحون بالخلاف دون تقدير للمصالح العليا، وهي الأهم؛ لذا الأمر يظلُّ لدى صانع القرار، فهو مَن يملك قرار إخماد كل جذوة نار قد يشعل فتيلها محتوى يُعمِّق الخلاف.

  • مآل المصالحة الخليجية: رؤية استشرافية:

‫‫في تصوُّر أ. عبد الله الضويحي، فقد أدرك الخليجيون أنه لا مناصَ من صوت العقل ونسيان الماضي، وأننا أبناء اليوم؛ ‫وهو إدراك يستمد منطقَه من الظروف المحيطة التي عصفت بالمنطقة، والظروف المستقبلية من خلال قراءةٍ متبصرة لهذه الظروف! نحن أمام جيل جديد وعالم جديد أيضًا، فالظروف التي صاحبت انطلاقَه ومراحل تأسيسه تختلف عن ظروف اليوم؛ مما يجعلنا أكثر تفاؤلًا.

من جانبه، طرح أ. محمد الدندني عدة تساؤلات مهمة فيما يخصُّ التصورات المستقبلية المتعلقة بالمصالحة الخليجية، تضمَّنت ما يلي:

  1. هل التجمُّع الخليجي كافٍ لتحقيق أمنه واستقراره، وهنا المقصود إيران بالذات؟
  2. هل يُعوَّل على النظام العربي أقلها مصر في تحصين الخليج العربي ضد إيران؟
  3. أليس من المهم تضافر الجهود لحلحلة موضوع اليمن، وتسريع وضعه تحت المظلة الخليجية لفوائد كثيرة مشتركة للشعب اليمني وشعوب المنطقة؟
  4. هل من السياسة أن نساويَ بين إيران وتركيا لأسباب كثيرة، وإنْ كان الخطر متساويًا، أليست حلحلة الخلافات مع تركيا أسهل منها مع إيران؟
  5. أليس من المهم العمل المشترك لاختراق الهيمنة الإيرانية في العراق، والذي له موقع مهم في أمن واستقرار الخليج؟ فاليمن والعراق لا ينفصلان عن المنظومة الأمنية والدفاعية للخليج العربي.

وفي هذا السياق، أشار د. عبد الله العساف إلى التوضيحات التالية:

  1. التجمُّع الخليجي ليس كافيًا لمواجهة إيران؛ لسبب رئيس وهو أننا لا نتقاسم رؤية مشتركة تجاه عدو يتهدد وجودنا، فهناك الحمائم والصقور وصنف آخر بينهما، رغم إيمان الجميع بخطورة المشروع الإيراني، وأن إيران لن تُغيِّر سلوكها ما لم تُغيِّر أيديولوجيتها؛ ولذا يصعب علينا أن نواجه الخطر الصفوي رغم أنه ليس في أفضل حالاته.
  2. مصر لم تعُد مصر، ولا يُعوَّل عليها كثيرًا، فالسياسة المصرية الحالية متأرجحة ومتقلبة.
  3. ملف اليمن يجب إغلاقه، واحتواء اليمن حكومة وشعبًا، ولن يتم قبل أي تسوية، يرى الحوثي أنها يجب أن تمرَّ عبر بوابة طهران.
  4. علينا أن نعترف بوجود ثلاثة مشاريع تتهدد منطقتنا العربية (المشروع الإسرائيلي، والفارسي، والتركي) في ظل انعدام مشروع عربي كامل أو شبه كامل، (المنظومة الخليجية) النموذج المصغر للتكامل منقسمة على نفسها، ولو استهدفنا اختراق المجتمع التركي بالقوة الناعمة لاستطعنا، وأما السياسي فالمصلحة توجِّهه، وهذا الحزب لن يدوم وسيرحل في الانتخابات القادمة، فلم يدع له صديقًا في الداخل والخارج.
  5. اختراق العراق يجب أن يكون هدفًا إستراتيجيًّا، يجب أن نعمل لتحقيقه، وأن نستثمر وجود الكاظمي، ولا نعتقد أن العراق سيفك ارتباطه بإيران بسهولة، وبعد 17 سنة من التغلغل والنفوذ الإيراني.

بينما ذهب م. أسامة كردي إلى أن المشكلة في موضوع اليمن هو وجود طرف ثالث لا يرى له مصلحة في إنهاء هذا الوضع. كما أن الحوثي يرى في نجاح حزب الله في لبنان مثالًا يُحتذى. كما أن ما يقوم به الحشد الشعبي في العراق مثال آخر. إعلان الحوثي منظمة إرهابية من قِبل أمريكا خطوة مهمة في توجه لا بد أن يكون دوليًّا للتخلص من خطرهم على العالم وعلى ممرات التجارة الدولية. كما أن هذا الموضوع نقطة مهمة في التعاون الخليجي.

وبدوره أشار أ. سليمان العقيلي إلى أن ثمة اعتبارات ضرورية من المهم أَخْذها في الحسبان على نحو ما تتضمنه النقاط التالية:

  • إن أسوأ ما يواجه مجلس التعاون اليوم هو الطموحات السياسية المُبالَغ فيها للعب أدوار إقليمية. حتمًا ستكون على حساب القوى التقليدية التي عرفت القيام بأدوار تاريخية. وهذه الطموحات أرخت بظلالها على مجلس التعاون، وهزَّت العلاقات بين أعضائه بسبب منافسات خلقتها ثروة النفط والغاز، لكن المال وحده لا يخلق القوة ولا الدور.
  • إن الخضوع لبعض التهديدات الخارجية والتعامل مع التحديات بأسلوب الاحتواء من البعض، والمهادنة من البعض الآخر، والمواجهة من البعض الثالث – جعل السياسية الخارجية لمجلس التعاون مشوشةً وغير واضحة، وتفتقر للوحدة والانسجام.
  • إن استدعاء الصراعات التاريخية بين بعض دول المجلس حول الأراضي والحدود جدَّد النزعة نحو المواجهة؛ لكن بفضل الله فإن الصراع اقتصر على وسائل القوة الناعمة، ولم ينزلق لاستخدام السلاح، الذي سيدفع حتمًا لدعوة تدخل القوى الأجنبية؛ مما يدفع النزاعات الخليجية للتدويل، وهو ما كاد يحصل في الأزمة القطرية بدون حرب.
  • إن المصالح المشتركة التي تجمع دول المجلس أكثر مما يفرِّقها؛ لذا فإن الآمال بتحويل التحديات إلى فرص ستكون واقعيةً وقابلةً للتحقيق في حال توفُّر الإرادة السياسية.
  • فيما يخصُّ دافع إدارة ترامب لتسوية الأزمة الخليجية، وهو الأمر الذي حيَّر المراقبين بالفعل خاصة بعد هزيمة الرئيس في الانتخابات؛ فالتصور أن الدافع لذلك هو إحراج الرئيس المقبل جو بايدن، وهو يعتمد في ذلك على نزعتين:
  1. النزعة الشخصية: حيث يريد أن تضغط الوحدة الخليجية على بايدن في عدم إلغاء إستراتيجيته في (الضغوط القصوى) على إيران.
  2. النزعة الموضوعية: حيث يرى أن الانسجام الخليجي سيؤدي به للتفاهم مع إسرائيل لعرقلة عودة بايدن السهلة والمباشرة دون تفاوض للاتفاق النووي، بالتالي تأمين الضغط المشترك (الخليجي الإسرائيلي) لاستدعاء شروط قاسية خلال الحوار مع طهران. وكذلك توسيع الحوار ليشمل البرنامج الصاروخي والسياسية الإقليمية.

وعليه، فإن من المهم العمل على تحقيق ما يلي:

  1. بلورة إستراتيجية سياسية تُحدِّد معايير العلاقات الدولية لدول مجلس التعاون، في حالة التضامن مع دولة عضو، أو مواجهة تهديد خارجي.
  2. إيجاد آلية لفضِّ النزاعات داخل مجلس التعاون، يشترك فيها خبراء أجانب محايدون منتدبون بالتعاون مع منظمات مماثلة مثل الاتحاد الأوروبي.
  3. إقرار صيغة التعايش مع التباينات في السياسات المحلية، واحترام التنوع داخل البيئة الخليجية.
  4. إقرار ميثاق خليجي يحترم الحدود المرسَّمة والموروثة بين الدول الأعضاء من عهد الوصاية وما بعد الاستقلال.

وأكد د. عادل القصادي على أنه مما لا شك فيه أن الأمن الإقليمي لدول الخليج كلٌّ لا يتجزأ، ولا ننسى النظر للأمن بمفهومه الأشمل، فإبان جائحة كوفيد-19 تبدَّت لنا أهمية صنوف الأمن الإستراتيجي الأخرى كالأمن الغذائي والأمن الدوائي أكثر من أي وقت مضى.

في حين ترى د. عائشة الأحمدي أن مهمة الباحثين والمهتمين بوحدة دول الخليج العودة إلى تحليل المنطلقات الأساسية التي قام عليها المجلس، ومن ثَمَّ تحليل العوامل التي كانت وراء انحرافها للعمق والمعالجة بعد ذلك.

وأكد أ. محمد الدندني على أن تقييم مآل المصالحة الخليجية يستلزم الوضع في الاعتبار المحددات التالية:

  1. محاولة فهم سياسة كل دولة خليجية على حدة؛ خُططها التنموية، دورها محليًّا وإقليميًّا، كيفية الوصول لحالة الدولة المستقرة والمستدامة.
  2. فحص وضع كل دولة خليجية سياديًّا من حيث الموقع والموارد وعدد السكان، وما هو نصيب هذه الدولة من التأثير محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا.
  3. الإجابة عن تساؤل: هل إذا برزت الدولة محليًّا، فهذا سيعطيها الدور الإقليمي أو العالمي المطلوب؟
  4. أيضًا، النظر في مدى إمكانية تحقيق ما سبق ذاتيًّا، وما نصيب نجاحه؟ وإذا لم يتحقق، هل الاستعانة بأحدهم من خارج المنظومة الخليجية سيُحقِّق الهدف، وما هي التكلفة؟ حيث لا يمكن إلا أن يكون على حساب دولة أخرى أو أكثر في المنظومة.

وفي اعتقاد أ. فهد القاسم، فإن من الضروري لإتمام المصالحة الخليجية:

  1. إيقاف انتقاد بنود المصالحة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ومنع إعادة نَشْر ما قيل أو ما أُذيع إبان فترة المقاطعة.
  2. منع التجريح والاستهزاء والسباب لشعوب المنطقة وحكَّامها وحكوماتها.
  3. تجريم القائمين بهذه الممارسات.

وفي تقدير د. فوزية أبو خالد، فإن من المهم مراعاة أن يكون الثقل المجتمعي هو الظهر الرئيس والأول للحمة مجلس التعاون، والذي لم يُفعَّل بما يجعل له رأيًا أو دورًا في مشاركة فعلية وتفاعلية لمساندة هذا التجمع الوحدوي والوحيد الذي بقي متماسكًا في ظل انهيار كيانات وليس فقط تكتلات أخرى. ويبقى ضروريًّا تعميق المصالح المشتركة بين مجتمعات الخليج ودُولِه، بجانب تعالقه المصيري، في مجال التنمية البشرية الذي بقي غفلاً، وفي أحسن الأحوال مراوحًا من الشراكات الاقتصادية نحو عملة موحَّدة وسوق خليجية مشتركة إلى الشركات الثقافية والمعرفية والتقنية في مجال مؤسسات التعليم الجامعي والبحثي، وفي مجال الفكر والأدب، ومجال الفنون والرياضة ضروري لتشكيل أرضية تلاحم لدول مجلس التعاون تستعصي على تفكيك عُراها لمجرد هبات بعض رياح السياسة التي عادةً تتسم بالوقتية وبطبيعة طارئة. وربما مثل هذا التلاحم المعرفي على مستوى فكري وثقافي وتقني كان سيُخفِّف لو وُجِد أو لو كان موجودًا إنْ لم يمنع ذلك السيلَ من التهاوي الإعلامي على المنابر القديمة والجديدة. ولا يتركه لخطابات مُنفردة رسمية أو سواها من خطابات انتهازية، وربما أيضًا سيكون له ثقلٌ تحليلي ترشيدي أو بوصلي لرياح السياسة وعقلنتها قبل الأزمة أو إبانها إنْ لم يكن له دورٌ في تعليق الجرس؛ لتجنيب السفينة المشتركة دواعي الخلاف أو ادعاء أدوار قُطْرية في محيط إقليمي وعالمي مدجج بالحيتان، ولا يمكن مواجهته بالاستفراد.

وركَّز م. أسامة كردي على ضرورة الإسراع في تطبيق ما تمَّ الاتفاق عليه في إطار مجلس التعاون وما طُرِح من مناقشات حوله، مثل: السوق المشتركة، واقتسام الجمارك، والتأشيرات المشتركة، وتنقُّل المقيمين وفروع البنوك بدون تعقيد، والسماء المفتوحة، والاتحاد الخليجي، وغيرها كثير. لأنه كلما زاد الترابط، انخفضت إمكانيات الخلاف.

وفي تصوُّر د. محمد الثقفي، فإن تأخُّر حلِّ الأزمة، وتشعُّبها، وما تركته في الشعوب والحكومات، يتطلب ضرورة تحقيق المصالحة عمليًّا، ومتابعة ذلك، ومع جميع الأطراف، حتى لا يتكرر سيناريو 2015، ولا سيما أن النظرة الإستراتيجية لمستقبل دول الخليج تتطلب التعاون الجماعي ضد تهديدات المستقبل، وتناسي الطموحات الفردية.

وأشار د. حميد الشايجي إلى أهمية الوصول إلى تعاون حقيقي بين دول الخليج العربية وليس تنافسًا، والتكامل في المجالات المختلفة بحيث تتميز كل دولة ببعض المزايا وتُكمِّل أخواتها في ذلك؛ ليكون هناك تكامل واتحاد خليجي، وتكون لكل دولة حاجة تسدها أخواتها؛ وبذلك يكون هناك تعاون واعتماد متبادل بين دول الخليج يُحقِّق مصالح الدول، ويُقلِّل من سبل الخلاف. كما أنه لا بد من وضع ميثاق إعلامي بين دول الخليج للحدِّ من التراشقات الإعلامية، وعدم السماح بها أو التحريض عليها. ويُلاحظ أن هناك إجراءات قضائية اتُّخذت في بعض الدول الخليجية في حقِّ بعض المغردين عندما تطاولوا على بعض الدول الخليجية. فلماذا لا يكون ذلك إجراءً عامًّا ضمن ميثاق الشرف الإعلامي الخليجي؟

وتساءل د. عادل القصادي، هل هناك آلية أو أداة قانونية لدى مجلس التعاون للتحكيم أو حل النزاعات؟ وهل آنَ الأوان للمجلس كمنظمة إقليمية لشعوب طموحة لعملية إصلاح تتجاوز الشكليات إلى الهياكل والوظائف الرئيسية، ونماذج العمل المتبعة وأدوات (الصيانة الذاتية)؟ لدينا في المملكة تجربة للحوار الوطني أفرزتها ظروف خاصة، ولدى دول الخليج منصات ومنتديات للحوار جلها للقضايا العالمية مثل نقاش الدوحة Doha Debates، ولدى الإمارات والبحرين والكويت وعمان كذلك، هل أصبح هناك حاجة اليوم لمنصة للحوار الخليجي المؤسسي؟

وأوضح د. محمد المقصودي أن الواقع العملي فعلًا لا يشهد أداة قانونية فَّعالة لحل النزاعات بشكل سلمي، وعلى رأسها التحكيم المؤسسي مع وجود الكفاءات الخليجية المميزة، وهو مطلب سلمي عادل يُحقِّق متطلبات المجتمعات الخليجية بشكل قانوني منضبط بعيدًا عن الارتجال الذي قد يعتري بعض المزاج السياسي.

وبدوره، يرى م. فاضل القرني أن الحوار العملي والواضح يكون بتدرُّج، ويحتاج إلى فترة ليست سريعة. وسيكون كأنه بناء حتى يصل إلى جوانب تفصيلية ولها اعتبارات مهمة، مثل التنوُّع والتعدُّد في ديموغرافيا دول المجلس.

ولفت أ. جمال ملائكة النظر إلى أن الخطر الداهم على الأمن الوطني السعودي والأمن الخليجي والأمن العربي هو الخطر الإيراني، فهو خطر مباشر وأصبح مهددًا خطيرًا للأمن السعودي في خاصرته الجنوبية والشمالية (العراق)، ولولا التدخل الحاسم الذي قادته السعودية لابتلعت إيران البحرين، وأصبح التهديد من الشرق أيضًا. وفي تصوُّره، فإنه ليس هناك تهديدٌ إسرائيلي للأمن الخليجي، وما تطبيع بعض الدول الخليجية مع إسرائيل إلا ترجمة فعلية لهذا الفهم، ومن الممكن “ترويض” التهديد التركي الذي خسر الكثير سياسيًّا واقتصاديًّا ومحليًّا في بلاده. وبالتالي، ولمجابهة التهديد الإيراني المباشر؛ فلا بد من استثمار علاقة قطر بتركيا، والعمل على “جذب” تركيا للتوافق مع السعودية والخليج؛ مما سيعطي دفعةً قوية لمجابهة التهديد الإيراني الخطير جدًّا. وبالطبع، فإن هذا ليس بالأمر السهل، إلا أنه ليس مستحيلًا، فمن المعروف أن تركيا تتمتع ببراغماتية واضحة، وسيكون لها مصالح اقتصادية كبيرة نتيجة للتفاهم مع دول الخليج ومصر، كما سيُخفِّف الضغط السياسي العالمي عليها.

وترى د. الجازي الشبيكي ضرورة تشكيل مجلس حكماء خليجي من كِبار وكبيرات السن (تابع لمنظمات المجتمع المدني)، يؤدي دورًا مُستدامًا (وليس فقط ردود فعل للمشاكل والمقاطعات)، لتذكير الخليجيين بقوة الأواصر التاريخية بينهم، وامتداد العلاقات والمصالح المشتركة من خلال برامج وأنشطة ترتكز على أسسٍ سليمة مدروسة وتُنفَّذ بآليات عملية مناسبة وتُجدَّد فيها العضوية كل فترة بحسب قوة ونشاط وصحة الأعضاء.

وذكر أ. عبد الرحمن الطريري أن ما تمتلكه دول المجلس من قدرات بشرية واقتصادية وحتى عسكرية يمنحها فرصة الاستفادة من نموذج السوق الأوروبي المشترك وتطويره. وإذا ما نجحت في الحفاظ على نسب نمو تقارب 4%، عندها قد يتجاوز الخليج مجتمعًا الاقتصاد الروسي والهندي، ويكون مُقاربًا لحجم الاقتصاد الياباني. بالطبع، هذه الفرصة مرتبطة أيضًا بفرص تحقيق تقارب في ملفات، على رأسها سياسة خارجية شبه موحَّدة خاصة ما يرتبط بالخطر الإيراني، الذي يُهدِّد مقدرات دول الخليج مجتمعةً عبر تهديده الدائم لإمدادات الطاقة.

وفي اعتقاد أ. لاحم الناصر، فإن ما يجمع دول الخليج أكثر مما يُفرِّقها، عكس دول الاتحاد الأوروبي الذي استطاع أن يُوجد الثقة بين أعضائه، وأن يُوجِد آلية لحل الخلافات بينهم. ومن ثَمَّ، فمن المهم دراسة تجربة الاتحاد الأوروبي والنظر فيها بإمعان؛ للبحث في الآليات التي حقَّقت هذا التلاؤم، ومدَّت جسور الثقة بين أعضائه الصغار مع الكبار، ووحَّدت أهدافهم وإستراتيجيتهم، ومن المهم ألا يبدأ مجلس التعاون بالنظر في الوحدة السياسية، ولكن ليبدأ بالوحدة الاقتصادية من خلال سوق واحدة وعملة واحدة وبنك مركزي يرسم السياسات النقدية، وعند الوصول لهذا الأمر فإن الكثير من الخلافات السياسية ستضمحل نتيجة غلبة المصالح الاقتصادية، ولا مانعَ بعد ذلك من الانتقال لنوع من الوحدة السياسية.

ومن جهته، يرى د. محمد الثقفي أن استشراف مستقبل دول الخليج وتنميتها وحمايتها من التحديات والمخاطر، ويتطلب العمل الجاد لتفعيل المصالحة؛ لأن التجربة كانت قاسية بل وقاسية جدًّا، ولم يستفد منها سوى أعداء الخليج، سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، وكان استخدام الإعلام فيها سيئًا جدًّا، سواء الرسمي أو حتى الخاص الموجَّه، والأخطر استخدامات الأفراد للإعلام الاجتماعي، وهي فرصة للاستفادة من التجربة المريرة والقفز عليها لعمل إستراتيجية يشارك فيها الساسة وأفراد المجتمعات الخليجية؛ من أجل إعادة الثقة في البعض، والتأكيد على المصير المشترك، والفرص المشتركة، والأهم العدو المشترك.

  • التوصيات:
  • إيقاع عقوبات رادعة على كلِّ مَن يُوظِّف المحتوى الإعلامي المنشور في أي وسيلة إعلامية أو منصة إلكترونية في الإساءة لدول الخليج أو للتشكيك في دور المصالحة الخليجية وأهميتها، مع الترحيب بالنقد البنَّاء والمنضبط بقيم مجتمعاتنا الخليجية وأعرافها.
  • بناء إستراتيجية شاملة متعددة الأبعاد لمجلس قوي ومتحد، توظِّف المزايا النسبية لدُولِه، وتُحقِّق العبور بهذا الكيان كسادس أكبر اقتصاد في العالم عام 2030 وفقًا لرؤية الملك سلمان بن عبد العزيز في قمة الدرعية 2015.
  • إقرار ميثاق خليجي يحترم الحدود المُرسَّمة والموروثة بين الدول الأعضاء من عهد الوصاية وما بعد الاستقلال.
  • الإسراع في تطبيق ما تمَّ الاتفاق عليه في إطار مجلس التعاون؛ كالسوق المشتركة، والترتيبات الجمركية، والتأشيرات المشتركة، وتنقُّل المقيمين، وتيسير افتتاح فروع البنوك والمؤسسات المالية والتجارية.
  • بلورة إستراتيجية سياسية تُحدِّد معايير العلاقات الدولية لدول مجلس التعاون، وتُحقِّق له التأثير ككتلة سياسية في التعامل مع المخاطر والتحديات وتحقيق المكاسب على المستويين الإقليمي والدولي.
  • تعميق المصالح المشتركة بين مجتمعات الخليج ودُوله في مجال التنمية البشرية والشراكات الثقافية والمعرفية والتقنية، وتفعيل الشراكات والتبادل بين مؤسسات التعليم الجامعي والبحثي، وتعميق الصلات بين مؤسسات الأدب والفكر والمؤسسات المعنية بالمرأة والشباب.
  • الاستثمار في شباب وشابات دول المجلس في المجال الإعلامي والاتصالي؛ لتوطين هذه الصناعة المهمة، والحيلولة دون توظيفها بما لا يتوافق مع قيم هذه الدول وشعوبها.
  • تقرير آلية قانونية لفض وحل النزاعات بين دول مجلس التعاون الخليجي، تتكون من مجموعة من الخبراء من داخل دول المجلس وخارجها عند الاقتضاء، بالتعاون مع المنظمات المماثلة في الاتحاد الأوروبي وغيرها، وأبرز تلك الآليات مراكز التحكيم.
  • تجنيب الإعلام الخوض في الخلافات بين دول المجلس، وتأطير الدور البنَّاء للإعلام من خلال وضع ميثاق إعلامي بين دول المجلس؛ للحدِّ من التراشقات الإعلامية، وعدم السماح بها أو التحريض عليها.
  • بناء منصات للحوار وآليات للتعاون والتواصل الإستراتيجي بين دول المجلس والمؤسسات العامة والنُّخب الفكرية والثقافية والإعلامية، وتعزيز الحوار الخليجي-الخليجي، وتفعيل (مجلس الحكماء)، والاستفادة من كل ذلك في صياغة مواقف خليجية متناغمة خصوصًا تجاه القضايا الحيوية المشتركة.
  • خلق مظلة برلمانية مشتركة ضمن إطار مجلس دول التعاون الخليجي لما يمكن تسميته ببرلمان دول الخليج؛ لتوظيف الخبرات البرلمانية والمعرفة التاريخية، ويكون مرجعًا لدعم اتخاذ القرارات السيادية والمشتركة فيما يخصُّ اللُّحمة الخليجية.
  • تسريع تطوير الجانب العسكري لدول المجلس من حيث المفاهيم والبحث والتطوير والتطبيق؛ للارتقاء بالقيادة العسكرية الموحَّدة وتحالفاتها.
  • النظر في تبنِّي مشروع للتحوُّل والإصلاح المؤسسي للأمانة العامة للمجلس لرفع كفاءتها وفعاليتها، ومنحها الصلاحيات الإدارية والمالية والأدوات اللازمة لتنفيذ المشاريع والمبادرات التكاملية بين دول المجلس، والإشراف عليها والاستفادة في ذلك من التجارب الدولية المشابهة كالاتحاد الأوروبي.

 

القضية الثالثة

تحليل لنتائج طلاب المملكة العربية السعودية في دورات الاختبارات الدولية  TIMSS-KSA

(17/1/2021م)

  • الملخص التنفيذي
  • الورقة الرئيسة: د. صالحة آل شويل (ضيفة الملتقى)([4])
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. ذياب المالكي (ضيف الملتقى)([5])
  • التعقيب الثاني: د. نجلاء الخبتي (ضيفة الملتقى)([6])
  • التعقيب الثالث: د. صالح الشمراني (ضيف الملتقى)([7])
  • إدارة الحوار: د. عائشة الأحمدي
  • المداخلات حول القضية
  • التوصيات

 

 الملخص التنفيذي:

أشارت د. صالحة آل شويل في الورقة الرئيسة إلى أن المملكة شاركت منذ عام 1995 مع أكثر من 60 دولة في الاختبارات TIMSS. ويحاول الاختبار قياس التطوُّر المعرفي لنفس عينة الطلبة التي تمَّ اختبارها بعد أربع سنوات، وقد حقَّقت المملكة تقدُّمًا ملحوظًا في جميع المؤشرات الأربعة الأساسية مقارنةً بنتائج دورة 2015، ولكنها ما زالت منخفضةً عن دورة 2011، والتي تعطي مؤشرًا ودلالة واضحة أن جميع إجراءات التحسينات في منظومة التعليم ما زالت تحتاج إلى تغيير وتطوير.

في حين ذكر د. ذياب المالكي في التعقيب الأول أن الاختبارات الدولية تعَدُّ من أبرز مظاهر تقييم الأنظمة التعليمية في العالم؛ وذلك لما تتمتَّع به الجهات التي تشرف عليها مثل IEA من خبرة تخصصية. حيث يعَدُّ اختبار TIMSS أحد أهم هذه الاختبارات، فهو يهدف إلى قياس مهارات التفكير العليا في مادتي العلوم والرياضيات، والذي انطلق عام 1995م، ويستهدف طلاب الصفين الرابع والثاني المتوسط.

أما د. نجلاء الخبتي فأوضحت في التعقيب الثاني أن دراسات التقويم الدولية واسعة النطاق من أبرز مظاهر تقييم الأنظمة التعليمية في العالم، ولا بد من الاستفادة منها في عمليات تطوير التعليم في المملكة؛ لأنها لا تكشف لنا عن النتائج الظاهرية فحسب، بل يمكن أن تدلنا على العوامل المؤثرة على تلك النتائج كذلك.

وأكد د. صالح الشمراني في التعقيب الثالث على الحاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات العلمية المرتبطة بواقع طلاب المملكة، وتحديد الأسباب الحقيقية وراء انخفاض مستوى الأداء، مع الاستفادة بالقدر المناسب والطريقة المناسبة من تجارب الآخرين دون التبني مباشرة.

وتضمنت المداخلات حول القضية المحورين التاليين:

  • نتائج الطلاب السعوديين في دورات الاختبارات الدولية TIMSS-KSA: مكامن القوة وأوجه القصور.
  • رؤية استشرافية لتعظيم مردود الاختبارات الدولية TIMSS-KSA:

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • ضرورة مراجعة أهداف وإستراتيجيات تطوير المناهج الحالية بشكل مستمر، لتتناسب مع الأهداف والإستراتيجيات العالمية في تدريس الرياضيات والعلوم، ولتتوافق مع المهارات التي تتطلبها الاختبارات الدولية.
  • قياس الجودة في تعليم الرياضيات والعلوم من خلال قياس مدى فعالية تعليم هاتين المادتين في مدارس الدول المشاركة؛ بهدف مساعدة المملكة العربية السعودية لإجراء الإصلاحات التربوية اللازمة والمبنية على التقييم الموضوعي والشامل.

 

  • الورقة الرئيسة: د. صالحة آل شويل

 مقدمة:

Trends of the International Mathematics and Science وتعني الاتجاهات العالمية في التحصيل الدراسي للرياضيات والعلوم تحت مُسمَّى TIMSS، وتُعقَد بشكل دوري كل أربع سنوات.

العمق التاريخي للاختبارات TIMSS:

شاركت فيه المملكة منذ عام 1995 مع أكثر من 60 دولة، ويحاول الاختبار قياس التطور المعرفي لنفس عينة الطلبة التي تمَّ اختبارها بعد أربع سنوات، وقد حققت المملكة تقدُّمًا ملحوظًا في جميع المؤشرات الأربعة الأساسية مقارنةً بنتائج دورة 2015، ولكنها ما زالت منخفضةً عن دورة 2011، والتي تعطي مؤشرًا ودلالة واضحة أن جميع إجراءات التحسينات في منظومة التعليم ما زالت تحتاج إلى تغيير وتطوير.

 

 

  • تحليل لنتائج اختبارات الطلاب :TIMSS

متوسط درجات طلبة الصف الرابع في المملكة في الرياضيات وفق التيمز من عام 2011 الى عام 2019

يوجد تقدم ملحوظ في نتائج الصف الرابع الابتدائي مقارنةً بعام 2015، حيث حصل طلبة المملكة على (398) في الرياضيات، وهي أعلى بمقدار درجة 15عن عام 2015 البالغة (383)

 

متوسط درجات طلبة الصف الرابع في المملكة في العلوم  وفق التيمز من عام 2011 الى عام 2019

  • يوجد تقدم ملحوظ في نتائج الصف الرابع الابتدائي مقارنةً بعام 2015، حيث حصل طلبة المملكة على (402) في العلوم، وهي أعلى بمقدار 12 درجة عن عام 2015 البالغة (390).

متوسط درجات طلبة الصف الثامن في المملكة في الرياضيات  وفق التيمز من عام 2011 الى عام 2019

يوجد تقدم ملحوظ في نتائج الصف الثامن مقارنةً بعام 2015، حيث حصل طلبة المملكة على (394) في الرياضيات، وهي أعلى بمقدار26درجة عن عام 2015 البالغة (368).

 

متوسط درجات طلبة الصف الثامن في المملكة في العلوم  وفق التيمز من عام 2011 الى عام 2019

يوجد تقدم ملحوظ في نتائج الصف الثامن مقارنةً بعام 2015، حيث حصل طلبة المملكة على (431) في الرياضيات، وهي أعلى بمقدار35 درجة عن عام 2015 البالغة (396).

 

 

نجد من خلال ما سبق أن هناك تقدُّمًا بسيطًا مقارنةً بنتائج دورة 2015، ولكنها ما زالت منخفضةً عن دورة 2011؛ وبالتالي فإن هذا الأمر يحتاج إلى عمل دراسات وأبحاث لمعرفة أسباب ضعف مستوى تحصيل الطلاب بشكل عام في الرياضيات والعلوم. فلقد  قام كلٌّ من (القراميطي؛ وشحادة، 2016) بعمل دراسة لمناقشة أسباب ضعف مستوى تحصيل الطلاب في الرياضيات والعلوم في اختبارات التيمز، وكانت الأسباب كالتالي: فيما يتعلق بالطلاب، فإنهم لا يؤدون اختبارات التيمز بجدية واهتمام؛ لأنها لا تنعكس على نتائجهم السنوية، بالإضافة إلى كثرة غيابهم، والكثافة العددية للطلاب في الفصل الدراسي، ومرور الطلاب في الصفوف الدنيا دون التمكُّن من مادتي الرياضيات والعلوم، ووجود اتجاه سلبي نحو مادتي الرياضيات والعلوم، وضعف مستوى الطلاب في الكفايات الأساسية للرياضيات والعلوم، وعدم إدراك معظم الطلاب أنهم عندما يتقدمون للاختبارات الدولية فإنهم يمثِّلون دولتهم، بالإضافة إلى ضعف مهارة تحمُّل المسؤولية لدى الطلاب، وقلة التدريبات التي يتلقاها الطلاب قبل دخولهم اختبارات التيمز، وضعف تدريب الطلاب على الأسئلة التي تقيس المستويات العليا في التفكير في الرياضيات والعلوم، ووجود بعض التصورات الخاطئة لدى الطلاب حول الرياضيات والعلوم. أما فيما يتعلق بمجال البيئة التعليمية فهناك: قلة الأنشطة الإثرائية المتضمَّنة في محتوى مقرري الرياضيات والعلوم لتتناسب مع الطلاب الموهوبين، ومحدودية ارتباط العلوم والرياضيات بالحياة الواقعية، وقلة استخدام الطرق والوسائل التعليمية لجدب انتباه الطلاب، وخلو المدارس من معمل للرياضيات والعلوم STEM، كما أن هناك قلة في خدمات الإرشاد التربوي التي تُقدَّم للتلاميذ الموهوبين في الرياضيات والعلوم، ولا تتسم بيئة العمل بالانضباط والقواعد والقوانين المنظِّمة، والمناخ المدرسي غير داعم لرضا العاملين والمتعلمين والمعنيين بالعملية التعليمية، ولدى بعض الطلاب شعورٌ بعدم الانتماء للمدرسة، ولا تتضمن الأهداف إشارة إلى تنمية مهارات التفكير العليا، كما أن محتوى منهج الرياضيات والعلوم لا يتضمن المهارات المتطلبة لاجتياز اختبار التيمز. أما فيما يتعلق بالمعلم فهناك قلة في التدريبات التي يتلقاها معلمو الرياضيات والعلوم، وكثرة الأعباء التدريسية، ومقاومة بعض المعلمين التغيير فيما يتعلق بتطبيق الإستراتيجيات الحديثة، وإلزام المعلم بمهام إدارية تؤثر على عطائه المهني، وضعف المستوى الأكاديمي لبعض معلمي الرياضيات والعلوم، وقلة استخدام المعلم للأنشطة والمواقف التعليمية التي تنمِّي المهارات الحياتية للمتعلمين، ومحدودية استخدام المعلم لبعض أساليب التقويم الحديثة، وعدم توفير المعلم بيئة تعلُّم تراعي الطلاب الموهوبين في الرياضيات والعلوم، وقلما يقدِّم المعلم برامج علاجية وإثرائية في ضوء نتائج التقويم.

 

ما أسباب ارتفاع درجات الطالبات مقارنة بالطلاب في جميع دورات Timss_ksa:

من جملة التفسيرات التي تكشفها إحدى الدراسات المنشورة على موقع جامعة الملك سعود. أكدت دراسة جديدة شملت قرابة مليون طالب وطالبة، أن سر تفوق الإناث على الذكور من سن الحضانة وحتى الجامعة، يعود لعدة أسباب وصفات؛ أبرزها: الانضباط الذاتي لدى الإناث، والذي يتمثَّل في حُسْن الإصغاء إلى التعليمات واتباعها بدقة، والانتباه وإتمام الواجبات وحُسن التنظيم لدى الفتيات الصغار. وأجرى مُعِدُّ الدراسة المنشورة في مجلة سيكولوجي بوليتن، الدكتور دانيال فوير، وهو أستاذ في جامعة برونسويك الكندية، تحليلاً على أداء الإناث والذكور، شمل أكثر من 30 بلدًا بما فيها دول عربية مثل السعودية والأردن ومصر، منذ عام 1994 وحتى 2011، تبيَّن أن ميزة الإناث أبرزت تفوقهن في علامات المدرسة (للأنشطة داخل الحصص) بغض النظر عن المادة، وتعكس الدرجات مكتسبات التعليم في سياق اجتماعي أكبر من الصف ذاته، أي تستدعي الإصرار والمثابرة على مدى فترات أطول، فيما تُقيِّم الامتحانات القدرات الأساسية أو القدرات الأكاديمية المتخصِّصة في مرحلة معينة من سيرة الطالب أو الطالبة الدراسية دون المؤثرات الاجتماعية. وقد تضخَّم الفرق في الدرجات بين الإناث والذكور في مواد اللغة، وتضاءل الفارق لحدوده الدنيا في العلوم والرياضيات، ولم يبرز تفوق أداء الإناث في المدرسة بمواد الرياضيات والعلوم إلا في مراحل ما قبل المتوسطة والثانوية، وازداد الفارق في الدرجات بين الإناث والذكور (لصالح الإناث) من التعليم الابتدائي حتى الإعدادي، ولكنه تراجع بين مرحلتي الثانوية والجامعية. كما دقَّق القائمون على الدراسة في 369 من عينات الدراسات التي شملت نتائج 538,710 شباب و595,332 فتاةً، من كلٍّ من السعودية والأردن والولايات المتحدة (حصتها بلغت 70% من العينة) ودول عديدة أخرى في كل القارات، وجرى تقييم الفارق بين درجات يمنحها المعلم أو المعلمة أو الدرجات الرسمية التي تمَّ إحرازها في الامتحانات عن المراحل الابتدائية والوسطى والثانوية والجامعية. أما عن سرِّ تفوُّق أداء الإناث مقابل أداء الذكور في الدراسة، والمتمثِّل في الانضباط الذاتي، فقد فسَّر القائمون على الأبحاث الجديدة أن العوامل الاجتماعية والثقافية قد تلعب دورًا كبيرًا في ذلك، فقد يفترض الأهل أن الأولاد أفضل من البنات في الرياضيات والعلوم، مما يدفعهم لتشجيع البنات على الدراسة أكثر، ويؤدي ذلك إلى تفوقهن. كما يلعب أسلوب التحصيل العلمي المختلف لدى كلٍّ من البنات والأولاد دورًا في تفوُّق الإناث، اللاتي يسعين عادةً للتركيز على فهم المادة، فيما يسعى الذكور للتركيز على تحقيق النتائج النهائية من دراستهم.

كما أكدت دراسة عمانية (البادري والكندري، 2019) أن الأسباب الرئيسية لتفوق الإناث هو أن الإناث أكثر انضباطًا في حُسْن الإصغاء والتقيُّد بالتعليمات. وكذلك زيادة الدافعية عند الإناث، كما أن الإناث أكثر قدرةً على الانتباه وإتمام الواجبات. وأما الأسباب الثانوية فتمثَّلت في ارتفاع معدلات التسرُّب لدى الذكور؛ ما يساعد على تفوق الإناث، وامتلاك الإناث للمهارات الحركية الدقيقة وضبط النفس، وأساليب التدريس والتعلم تلعب دورًا في نسب تفوق الإناث، والتوافق الأسري والعلاقات الأسرية الإيجابية لهما دور في التفوق، وامتلاك المعلمات مهارات التدريس أكثر من المعلمين، والمناخ المدرسي لدى الإناث يتسم بالحرية والاحترام والتسامح، وتتمتع الإناث بمستوى عالٍ من التكيُّف والصحة النفسية.

  • التوصيات لمعالجة ضعف مستوى الطلاب في الرياضيات والعلوم:
  • ضرورة مراجعة أهداف وإستراتيجيات تطوير المناهج الحالية بشكل مستمر، ولتتناسب مع الأهداف والإستراتيجيات العالمية في تدريس الرياضيات والعلوم، وتكون متوافقةً مع المهارات التي تتطلبها الاختبارات الدولية.
  • قياس الجودة في تعليم الرياضيات والعلوم من خلال قياس مدى فعالية تعليم هاتين المادتين في مدارس الدول المشاركة؛ بهدف مساعدة المملكة العربية السعودية على إجراء الإصلاحات التربوية اللازمة والمبنية على التقييم الموضوعي والشامل.
  • إصلاح الأنظمة التعليمية في الوزارة من خلال تقديم المساعدات الفنية لصياغة السياسات والإستراتيجيات.
  • تنظيم دورات تسهم في رفع كفاءة معلمي الرياضيات والعلوم في اختبارات التيمز؛ من أجل مواكبة الدول المتقدمة في هذا المجال.
  • زيادة نصاب الحصص في الرياضيات والعلوم على حساب مواد أقل أهميةً يمكن للطالب تعلُّمها في وقت لاحق تُحدِّدها وزارة التعليم.
  • توفير المعامل الافتراضية STEM، وإعداد البنية التحتية الرقمية الذكية لمعالجة خلو المدارس من معامل الرياضيات.
  • استخدام مزيج من الروبوتات والذكاء الاصطناعي المصمَّم حسب الحاجة، بحيث تستفيد نسبة كبيرة ومتزايدة من الطلبة من الروبوتات التي تتسم بالاستمرارية والمرونة، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يقوم بكثير من هذه المهمات، ويُقلِّص الوقت اللازم للتصحيح والعمل الإداري من أجل تكريس المزيد من الوقت للطلاب.
  • استخدام أنظمة التدريس الذكي التي تعتمد على عددٍ من تقنيات التعلُّم الآلي وخوارزميات التعلُّم الذاتي التي تجمع مجموعات البيانات الكبيرة وتُحلِّلها. ويسمح هذا الجمع للأنظمة أن تقرِّر نوع المحتوى الذي ينبغي تسليمه للمتعلم بحسب قدراته واحتياجاته.

المراجع:

  • College, T., 2021. TIMSS 2019 International Results In Mathematics And Science. bc.edu: https://timssandpirls.bc.edu/timss2019
  • البادري، سعود مبارك؛ الكندي، سيف بدر. (2019). أسباب تفوق الإناث على الذكور من وجهة نظر المعنيين في الحقل التربوي وأولياء أمور الطلبة. مجلة روافد، المجلد 1(3)، ص ص71-115.
  • القراميطي، شحادة. (2016). مستوى تحصيل طلبة المملكة العربية السعودية في الرياضيات والعلوم وفق نتائج الدراسات الدولية مقارنةً بالدول الأخرى من وجهة نظر المعلمين والمشرفين (الأسباب- الحلول والعلاج). مجلة التربية للبحوث التربوية والنفسية والاجتماعية. جامعة الأزهر- كلية التربية، ص ص 326-370.
  • الانضباط الذاتي سرُّ تفوق الطالبات على الطلاب من الحضانة حتى الجامعة. تم الاسترجاع من: https://rs.ksu.edu.sa/issue-1265/1556
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. ذياب المالكي

تلجأ الأنظمة التعليمية بجميع مكوناتها وعملياتها ومخرجاتها في جميع أنحاء العالم إلى تقييم مستمر؛ بهدف تحسينها وتطويرها، والوقف على مكامن الخلل لإصلاحه؛ لذا تعتبر الاختبارات الدولية من أبرز مظاهر تقييم الأنظمة التعليمية في العالم، وذلك لما تتمتَّع به الجهات التي تشرف عليها مثل IEA من خبرة تخصصية. حيث يعَدُّ اختبار TIMSS أحد أهم هذه الاختبارات، فهو يهدف إلى قياس مهارات التفكير العليا في مادتي العلوم والرياضيات، والذي انطلق عام 1995م، ويُطبَّق كل أربع سنوات، ويستهدف طلاب الصفين الرابع الابتدائي والثاني المتوسط.

حيث تُولي وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية بالتعاون مع هيئة تقويم التعليم والتدريب ووفقًا لرؤية 2030، جهودًا لتطوير كامل الخطط من المناهج الدراسية بما يتناسب مع مهارات العصر. فقد تم إضافة عدد من الدروس حول مهارة وخطة واستقصاء حل المسألة في جميع الصفوف الدراسية في مادة الرياضيات. ونظرًا لأهمية هذه الدروس وما تحتويه من عمليات عقلية متنوعة وخطوات وإستراتيجيات مختلفة لحل المسائل الرياضية، وما يتعلمه الطالب من عمليات تفكير واستقصاء ووضع فرضيات، واختبار مدى ملاءمة تلك الفرضيات؛ ولكن مع الأسف، ما يجب التنويه عليه أن نتائج اختبارات TIMSS  ومنذ أول مشاركة للمملكة العربية السعودية حتى الآن لم تنل القدر الكافي من البحث والتقييم والتدقيق من قِبل الباحثين أو الجهات المعنية لمعرفة جدوى الإستراتيجية الحالية المتبعة في صناعة المناهج وطرائق التدريس؛ من أجل التوصُّل إلى مكامن الخلل والضعف لدى الطلاب.  وحيث إنَّ المزيد من الدراسات سوف يُحقِّق فهمًا أعمق للإستراتيجيات المقترحة في تنمية مهارات التفكير لدى الطلاب والعمليات الإجرائية لتطوير منظومة التعليم، وهذا ما سينعكس على رفع مستوى التحصيل الدراسي في مادة الرياضيات، علاوة على الخطط والبرامج الإثرائية التي تركِّز على مهارات حل المسألة.

وحيث إنَّ المشهد العام للحديث عن الاختبارات الدولية وفحص نتائجها – مع الأسف الشديد – يتم تناوله والتعاطي معه من قِبل غير المتخصصين في القياس والتقويم والاختبارات الدولية، وهذا ما يُشكِّل مفهومًا خاطئًا للخروج بتوصيات غير منطقية أحيانًا أو مغلوطة في أحيان أخرى. لذلك، أتمنى أن تقود هيئة تقويم التعليم والتدريب – ممثَّلة في مركز الأبحاث أو مركز التميُّز – راية البحث العلمي في الاختبارات الدولية بمختلف مسمياتها وأهدافها والجهات العالمية المشرفة عليها TIMSS; PIRLS; PISA; and TALIS؛ من خلال تشجيع الباحثين المتخصصين والمهتمين بالاختبارات الدولية، وتحديد الأولويات الضرورية والمساعِدة في صناعة القرار من خلال مراكز ومجموعات بحثية متعددة. حيث إنَّ التطوُّر في أبحاث التعليم هي اللُّغة السهلة والقوة الناعمة في صناعة العلاقات بين الشعوب.

  • التعقيب الثاني: د. نجلاء الخبتي

التعليم هو حجر الأساس لتحقيق الريادة في شتى المجالات، والمملكة العربية السعودية تسعى لتحقيق الريادة من خلال رؤيتها الطموحة: رؤية 2030 بقيادة خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله. هذه الرؤية التي تسعى، من خلال التعليم، إلى تطوير رأس المال البشري، للمساهمة في تحقيق متطلبات وحاجات سوق العمل، حيث تُعزِّز منظومة التعليم الاعتماد على المصادر الآمنة والموثوقة، والبرامج والمشروعات المُعزِّزة للفرص الاستثمارية والمولِّدة للفرص الوظيفية.

وقد تناولت الورقة الرئيسة موضوعًا مهمًّا في الميدان التعليمي، وهو موضوع دراسات التقييم الدولية واسعة النطاق. وتكمن أهمية هذه الدراسات في أنها أحد المؤشرات المهمة التي تعتمدها كثير من الدول في قياس مستوى جودة نظامها التعليمي بمكوناته وعملياته ومخرجاته؛ وذلك لما تُقدِّمه من بيانات موثوقة تدعم عمليات إصلاح التعليم. ويمكن الاستفادة من هذه الدراسات باعتبارها دراسات طولية نستطيع من خلالها تحديد مستوى التغير في نظامنا التعليمي عبر السنوات المتعاقبة، كما يمكن النظر إليها كدراسات مستعرضة تقارن بين مستوى نظامنا التعليمي والنظُم التعليمية الأخرى، وخاصة تلك المشابهة لنا في السياق الاجتماعي والثقافي، والأفضل أن ننظر لها كدراسات طولية ومستعرضة في الوقت ذاته.

وقد استعرضت الورقة الرئيسة نتائج المملكة العربية السعودية في إحدى هذه الدراسات، وهي دراسة التيمز (Trends in International Mathematics and Science Study (TIMSS)) التي تشرف عليها الجمعية الدولية لتقييم التحصيل التربوي The International Association for the Evaluation of Educational Achievement، التي تُعرف اختصارًا بمنظمة (IEA)؛ للوقوف على مستويات طلاب الصفين الرابع والثامن في المفاهيم والمواقف التي تعلموها في مادتي العلوم والرياضيات، ومقارنة النتائج بين الدول المشاركة، حيث جاءت نتائج المملكة في الدورة الأخيرة (عام 2019) مُحرزة تقدُّمًا طفيفًا عن نتائج الدورة السابقة لها (عام 2015)، إلا أنها لا تزال دون المستوى المطلوب، كما أنها أدنى من المستوى الذي أُحرِز عام 2011م.

كما أبرزت هذه الورقة أسبابًا جوهرية للمستوى المتدني لنتائج طلبة المملكة في اختبارات التيمز، وقد ارتبطت هذه الأسباب بعدة عوامل؛ فبعضها يتعلق بالطالب، مثل: ضعف مستوى الطلاب في المهارات الأساسية، وضعف تدريبهم على الأسئلة التي تقيس مستويات تفكير عليا، وعدم جديتهم عند تأدية الاختبار لعدم ارتباطه بدرجاتهم النهائية ومستواهم التحصيلي. كما تتعلق بعض أسباب الضعف بالبيئة التعليمية، ومن أهمها: خلو المدارس من معامل الرياضيات والعلوم، بينما تتعلق أبرز أسباب تدني مستوى نتائج الطلبة في اختبارات التيمز بالمعلم ودرجة إعداده ومستوى كفايات التدريس لديه.

وقد اختتمت الورقة بوضع توصيات ومقترحات لمعالجة ضعف مستوى الطلاب في الرياضيات والعلوم، ومن أبرز هذه التوصيات: ضرورة مراجعة أهداف وإستراتيجيات تطوير المناهج الحالية لتتناسب مع التوجهات العالمية في تدريس الرياضيات والعلوم، وإعداد المعلمين للتدريس وفق تلك التوجهات. كما أوصت الورقة بزيادة نصاب حصص الرياضيات والعلوم، وتحسين بيئة التعلُّم من خلال توفير معامل افتراضية وإعداد البنية التحتية الذكية الملائمة. وبالإضافة إلى ما سبق، فإننا بحاجة إلى نشر ثقافة دراسات التقويم الدولية واسعة النطاق على مستوى وزارة التعليم العام ومؤسسات إعداد المعلم والمجتمع، كما أننا بحاجة إلى التدريب الجاد والتأهيل المستمر للمعلمين لرفع مستويات طلابهم المعرفية والمهارية، كذلك نحن بحاجة إلى مزيد من البحوث والدراسات لتسليط الضوء على جوانب الضعف في مستوى الطلبة في هذه الدراسات، والإشارة إلى طرق معالجة هذا الضعف. كما أننا بحاجة لبحوث ودراسات مقارنة بين النظام التعليمي في السعودية والأنظمة التعليمية المتقدِّمة في الاختبارات الدولية وسُبل الاستفادة منها.

ختامًا، تعَدُّ دراسات التقويم الدولية واسعة النطاق من أبرز مظاهر تقييم الأنظمة التعليمية في العالم، ولا بد من الاستفادة منها في عمليات تطوير التعليم في المملكة، لأنها لا تكشف لنا عن النتائج الظاهرية فحسب؛ بل يمكن أن تدلنا كذلك على العوامل المؤثرة على تلك النتائج، فمن خلال نتائج دراسات التيمز يمكننا فهم الروابط بين كلٍّ من: المنهج المقصود وهو ما تطلبه السياسة التعليمية، والمنهج المُنفَّذ الذي تقدِّمه المدرسة، والمنهج المكتسب وهو ما يتعلمه الطالب. ومن ثَمَّ، يمكننا وضع أهداف وإستراتيجيات لتطوير التعليم وتحسينه بحيث تكون مُحدَّدة وواضحة ومدروسة وفق تلك النتائج.

  • التعقيب الثالث: د. صالح الشمراني

الاختبارات الدولية TIMSS عبارة عن اختبارات تستهدف قياس تحصيل الطلاب في الصفين الرابع الابتدائي والثاني متوسط (الثامن) في مادتي العلوم والرياضيات، ويتم من خلالها جمع بيانات كثيرة عن الطلاب والمعلم والمدرسة والمناهج، حيث يرى القائمون عليها أن تلك المعلومات التي يجمعونها في أدوات مصاحبة لتطبيق الاختبارات لها علاقة وثيقة بالتعلُّم وتؤثر في حدوثه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وقد بدأت الاختبارات TRIMSS في نسختها الثالثة “الحالية” التي تُعرَف بمسمَّى Trends of the International Mathematics & Science Study، والتي تُختصَر بالاسم TIMSS، ويتم تطبيقها دوريًّا كل أربع سنوات. يمكن للدول أن تشارك في تطبيقها على صف واحد من الصفوف كما فعلت المملكة العربية السعودية في أول مشاركة لها عام 2003، حيث طبَّقتها على الصف الثاني متوسط فقط، وقد تشارك الدول بتطبيقها على الصفين كما فعلت المملكة أيضًا في الدورات اللاحقة 2007، 2011، 2015، و2019.

تشارك الدول في هذه الدراسة الدولية رغبةً في معرفة مستوى أداء طلابها مقارنةً مع طلاب الدول المشاركة في مادتي العلوم والرياضيات، حيث يمكن الاستدلال من خلال تلك النتائج والحكم على جودة النظام التعليمي لتلك الدول المشارِكة.

والحقيقة أن نتائج طلاب المملكة منذ أول مشاركة لهم في عام 2003 لم تكن مُشجِّعة، حيث أظهرت النتائج تدني مستوى أداء الطلاب في تانك المادتين وكان ترتيبهم ضمن آخر سبع دول في القائمة المشاركة في تلك الدورة. بدأت المملكة بعد ذلك في وضع المشاريع التطويرية للتعليم، وبدأ التحسُّن البطيء في أداء الطلاب حيث كانت نتائج أداء الطلاب في المشاركة في الدراسة نفسها عام 2007 تُظهر تحسُّنًا بسيطًا في متوسط الأداء، لكنه لم يتم قياس الاتجاه Trend بسبب اختلاف النسخة المترجمة المُطبَّقة، والتي لا تسمح بذلك، فلم يتم وضع ذلك في التقرير. وفي عام 2011 كان التحسُّن ملحوظًا بشكل أفضل، وإنْ كان لا يزال تحت نقطة منتصف المقياس (500 والتي كانت متوسط الأداء في إحدى دوراته السابقة، واعتُبرت منتصف المقياس في بقية الدورات، وليست متوسط الأداء في كل دورة للدول المشاركة)، وتعتبر نتائج الطلاب في مشاركة المملكة عام 2011 أفضل نتائج حقَّقها طلاب المملكة في تلك الاختبارات حتى الآن.

في عام 2015، أظهرت نتائج الدراسة تراجعًا كبيرًا في أداء الطلاب عن النتائج التي حقَّقوها في عام 2011.

وفي عام 2019، أظهرت نتائج الدراسة تحسُّن أداء الطلاب في مادتي العلوم والرياضيات، حيث عادت تقريبًا إلى مستوى الأداء في عام 2011، وأفضل من وضعهم في 2015.

وكما أوضحت الورقة الرئيسة، فإن التعليم في المملكة بحاجة إلى جهود كبيرة للتحسين والتطوير من أجل تحقيق نتائج متقدمة في تلك الدراسة سواء مقارنة بأداء طلاب المملكة في الدورات السابقة أو مقارنةً بأداء الطلاب من الدول المشاركة في الدراسة.

عرضت الورقة ما توصلت إليه بعض الدراسات السابقة من أسباب قد تكون مرتبطةً بتدني مستوى أداء طلاب المملكة في هذه الدراسة في الدورات السابقة، حيث بعض تلك الأسباب يتعلق بالطلاب، وبعضها يتعلق بالمعلم، وبعضها يتعلق ببيئة التعلُّم.  وسردت أسبابًا مختلفة ينبغي التنبه لها إذا ما أردنا تحسين التعلم لدى طلابنا، وبالتالي رفع مستوى جودة النظام التعليمي.  والتعقيب على ذلك، أن اختلاف الأنظمة التعليمية في الأداء، وحصول عدد من الدول على مراكز متقدمة في الدراسة حيث كان أداء طلابها مرتفعًا جدًّا كما في دول شرق آسيا (منها: كوريا وسنغافورة والصين) لا يعني بالضرورة أن تبني ممارسات تلك الدول سيؤدي إلى تحسُّن في أداء الطلاب في دول أخرى؛ لأن ذلك يرتبط بالمستوى الحالي لجودة النظام التعليمي، فضلاً عن أنها تعتبر تحسينات تراكمية على مدى عقود من الزمن، وترتبط بعناصر أخرى قد لا توردها بيانات الدراسة، مثل: ثقافة المجتمع واهتمامه بالتعليم، ونظام المحاسبية في التعليم، وكذلك التراكمية في تطوير التعليم من خلال مشاريع لا تتأثر بتغيُّر المسؤول، وغير ذلك من العوامل التي تقع خارج نطاق الدراسة. ومَن يستعرض واقع التعليم في بعض الدول المتقدمة، يجد أن هناك دولًا متقدمةً في الترتيب في هذه الدراسة، وعدد حصصها الدراسية في مادتي العلوم والرياضيات مقارب أو أقل من بعض الدول التي تقع في ذيل قائمة الترتيب؛ وبالتالي فإن الأمر قد يرتبط بجودة التدريس وجودة استخدام الحصة التدريسية، وليس بكثرة عدد الحصص الدراسية. لذلك، فإن الدراسات المتعمقة في معرفة أسباب تدني أداء الطلاب في المملكة ينبغي أن تُركِّز على العوامل الحقيقية خلف ذلك، والابتعاد عن الأسباب التي أدت إلى تحسُّن أداء الطلاب في دول أخرى بسبب الاختلاف، وأن العوامل التي تُحقِّق أثرًا إيجابيًّا على طلاب دولة معينة ليس بالضرورة أن يكون لها التأثير نفسه على طلاب دولة أخرى. ينطبق هذا على ما يرتبط بتفوق أداء الطالبات على الطلاب في منطقة الخليج العربي عامة، والمملكة خاصة.

ختامًا، أتفقُ مع ما ذهبت إليه الورقة الرئيسة من توصيات، مع التأكيد على إجراء المزيد من الدراسات العلمية المرتبطة بواقع طلاب المملكة، وتحديد الأسباب الحقيقية وراء انخفاض مستوى الأداء، مع الاستفادة بالقدر المناسب والطريقة المناسبة من تجارب الآخرين دون التبني مباشرةً.

  • المداخلات حول القضية:
  • نتائج الطلاب السعوديين في دورات الاختبارات الدولية TIMSS-KSA: مكامن القوة وأوجه القصور:

أشارت د. عائشة الأحمدي إلى أنه وكما ورد في الورقة الرئيسية، فإن نتائج الطلبة في اختبارات توجهات الأداء في العلوم والرياضيات كانت من حيث ما حصده الطلبة من متوسط للنقاط الأفضل عام 2011 عنه ما قبله في عام 2007 وما بعده في عام 2015 وكذلك 2019؛ أي مقارنة نتائج عينة الطلبة السعوديين بأنفسهم، والأسئلة التي تدور في هذا الصدد:

  • هل الغرض هو تحسُّن نتائج الطلبة السعوديين بأنفسهم، أم المقارنة الأوفق التقدُّم الحادث في نتائج الطلبة السعوديين بأقرانهم في الدول الأخرى في نفس الدورة، أي ترتيب متوسط نقاط الطلبة السعوديين في مادتي العلوم والرياضيات مقارنةً بالتقدُّم الحادث لنظرائهم في دول يتقارب نظامها مع النظام السعودي، وليست المقارنة بين متوسطاتهم في الدورات الخمس التي دخلوا فيها المنافسة؟ فقد كانت أول مشاركة للمملكة عام 2003 في النسخة الثالثة، وحقَّقت فيها المركز 45 في الرياضيات من بين 46 دولة، وحقَّق الطلبة المركز 41 دوليًّا من 46 دولة، لطلبة الصف الثامن (الثاني متوسط)، وفي النسخة الرابعة 2007 حقَّق الطلبة السعوديين المرتبة 46 دوليًّا من بين 60 دولة في الرياضيات، و44 في العلوم من 60 دولة، وفي الدورة الخامسة 2011 احتلت المملكة المرتبة 37 في الرياضيات والمرتبة 63 في العلوم إلى الدورة السابعة 2019.
  • رغم أن المملكة تستثمر في نظامها التعليمي مبالغ طائلة، فهي من الدول التي تعتلي هرم الإنفاق؛ يبقى السؤال: هل هناك خلل في توزيع موارد التعليم المؤثرة في القيمة المُضافة للطلبة؟
  • تشير الدراسات التي أُجريت على أسباب تقدُّم دول شرق آسيا (سنغافورة، تايبيه، الصين، تايوان….)، هو إعادة توزيع مواردها التعليمية نحو ردم الهوّة التعليمية بين أبناء الطبقات المختلفة، لماذا هذه السياسة لم تُولِهَا قيادات التعليم لدينا اهتمامًا يمكن أن يكون له مردود تعليمي أقوى؟
  • يُستدَلُّ من الورقة الرئيسة والتعقيبات على أن سبب النتائج المتدنية مرتبط بضعف اهتمام الطلبة بهذه الاختبارات، نتيجة لعدم ارتباطها بدرجات تحصيلية تُوثَّق في إنجاز الطلبة، ما دور الإعلام التربوي في هذا الباب، وكذلك هذه الفرضية كنا نسمعها على مدار الدورات الخمس التي شاركت فيها المملكة، ومع ذلك لم يكن هناك توعية في الحقل التعليمي للمدارس وللأسر من أن نتائج هذه الاختبارات والأداء الجيد فيها هو واجب وطني في المقام الأولى، وربط إنجاز الطلبة فيها بمكافأة معنوية ومادية للطلبة ومعلميهم.

ومن جهتها، ترى د. فوزية البكر أن أهمية هذه الاختبارات تكون في قدرتها على الكشف عن مستوى الطلبة الفعلي في الرياضيات والعلوم مقارنةً بالمستوى المطلوب والمتوقَّع؛ ولذا فيُفترَض أنه لا حاجة للإعداد المسبق، لكن الواقع يفرض علينا الاستعداد ليس فقط بمحتوى الامتحانات؛ بل طريقتها التي لم يتعوَّد عليها طلابنا، وهذه مسألة مهمة جدًّا. إن المنظمة التي تُعِدُّ هذه الاختبارات تتبنَّى نموذجًا تعليميًّا مُتبَعًا في معظم الدول المتقدمة، لكنه قد لا يكون معتادًا من طلابنا.

وعقَّبت د. عائشة الأحمدي بأن هذه الاختبارات أُعِدَّت وفق مستوى معين من الإنجاز، من المفترض أن يكون الطالب حقَّق حدًّا معينًا فيه. ومن ثَمَّ، فإن المتغيرات المستقلة التي حوتها الاستبانات الأربع المُقدَّمة للطلبة ومديري المدارس والمعلمين وأولياء الأمور، ودرست آثاره على نتائج تحصيل طلابنا ومدى الأثر الذي أحدثته في دوراتها الخمس، كنَّا سنجد الخلل لا محالة، واتجاه البوصلة للتحسين؛ لكن المشكلة أن الأبحاث والدراسات تتكرر في نفس الاتجاه.

وترى د. وفاء طيبة أنه يُفترض أن لا حاجة للتدريب على هذه الاختبارات، ولكن البون الشاسع بين طريقتنا وطريقة اختبارات TIMMS أدَّت إلى ذلك، وبالتالي هي لا تُعبِّر عن واقع معلومات الطالب والطالبة في العلوم والرياضيات. والسؤال هنا: هل يتم تدريب الطلبة في الدول الغربية؟ كما يتم التدريب على اختبارات التوفل والسات وغيرها، وإنْ كانت طبيعتها وأهدافها مختلفة، إنْ كان كذلك فلنا الحقُّ أيضًا في تدريب طلابنا.

إنَّ نظام التعليم كاملاً يلعب دورًا كبيرًا في هذه النتائج، ولا بد ألا ننسى الثقافة، وهي جزءٌ مهم من المنظومة التعليمية بجانب الأهداف ونظام التعليم والتقويم، فلماذا لا يهتم الطالب بنتائج الاختبارات الدولية؟ لماذا لا يهتم الطالب إلا بالدرجة التي سيرى أثرها على مجموعه الآن؟ الاعتقاد أنه لكي نضع أيدينا على مشكلاتنا، يجب أن تتم دراسات داخلية بجوار الدراسات القائمة على نتائج الاختبارات الدولية، خاصة في معرفة الفروق بين الطلاب والطالبات، ولماذا تفوقت الطالبات على الطلاب، وإنْ كان هذا الوضع عالميًّا وليس محليًّا فقط؛ إلا أن أسبابه تختلف حسب المجتمع.

والسؤال الآخر المطروح أيضًا هنا: هل شارك غير السعوديين في هذه النتيجة؟ غالبًا الإجابة (نعم)، فهل لذلك أثرٌ في نتائجنا؟ خاصة أن نسبة غير السعوديين في مجتمعنا قاربت ٤٠٪؜، وهنا تتدخل ثقافات أخرى في النتائج، وربما يكون التدخل إيجابيًّا! ومن المعروف عن بعض الجنسيات اهتمامها الكبير جدًّا بنتائج أبنائها، للنسب المطلوبة في جامعات بلادهم.

وفي السياق ذاته، أشار د. محمد الملحم إلى النقاط التالية:

  • أن الإعداد للاختبارات الدولية ينبغي أن يتوافر؛ لأنه يهدف إلى تعويد الطلاب على أسلوب هذه الاختبارات ولا يدرِّبهم على محتواها أو مهاراتها في المقام الأول، وهذا لا غُبار عليه من الناحية العلمية في مجال القياس والتقويم.
  • أما فيما يخصُّ التدريب، فهناك تدريب من نوع آخر، وهو أن يتعود الطلاب على المهارات الذهنية والتفكيرية المرتبطة بأنواع الأسئلة التي غالبًا لا يتقنها طلابنا في الاختبارات الدولية، والتي هي تمثِّل التحدي الحقيقي لهم لتحقيق نقاط المستوى المتقدم، وهي في الوقت ذاته التحدي الحقيقي لعملية التعليم نفسها بحيث تكون مخرجاته ذات نوعية إنتاجية على مستوى تفكير الفرد وقدراته المنطقية والمعرفية، وهذا يكاد أن يكون مفقودًا في أنماط التدريس لدينا وممارساته الشائعة، وربما في مناهجنا وأساليب التقويم.
  • وبالنسبة لإجراءات العينة فهي سليمة؛ لأن المنظمة الدولية تُجريها على ما يُقدَّم لها من معلومات عن مدارس المملكة في الفئة العمرية المستهدفة، المشكلة في الفترة الفاصلة الطويلة نسبيًّا بين إعلان العينة وبدء إجراءات الاختبار (كل دولة هي التي تُنفِّذ الاختبار بعد أن يصل إليها بلغتها).
  • وفيما يتعلق بتفوق بعض دول الشرق مثل سنغافورة وهونغ كونغ، فهناك كُتَّاب يشيرون إلى أن هذه الدول اتخذت من تيمز مرجعيةً لمناهجها وممارساتها التدريسية Benchmark، بل إن بعض الكُتَّاب الشرقيين هاجم هونغ كونغ تحديدًا أنها دولة تُدرِّس من أجل الاختبارات (بما في ذلك الاختبارات المحلية) teaching for testing، ويرون أن الطلاب يعانون في هذا السبيل، ولعل استلهام محتوى ومهارات تيمز لإعادة بناء المنهج وتحسين الممارسات التدريسية يمكن أن يكون له أثره المهم لدينا إذا تمَّت ممارسته بطريقة صحيحة ودقيقة ومعيارية.

وأضافت د. وفاء طيبة أن تدريس العلوم والرياضيات لا يرقى إلى ما نتمنى حتى اليوم، فعملية التدريس وبالطبع أو بالتالي التقييم لا تعتمد على هرمية بلوم وبناء التفكير، حتى العلوم والرياضيات في طريقة تدريسهما تعتمدان على الحفظ أكثر من أي مهارة أعلى منها، أو لنقُل التطبيق.

من ناحيته، تساءل د. زياد الدريس: هل غاية الاختبارات الدولية قياس مستوى الطلاب، وخَلْق تنافسية بين الدول المشاركة على مراكز الترتيب؟ أم أن هذه الاختبارات هي مجرد وسيلة صغرى لغاية كبرى هي تطوير التعليم؟ وذلك من خلال استقصاء وتحليل النتائج المتدنية، لا لرفعها في المسابقة التالية، بل لرفع مستوى التعليم عمومًا!

من جهته يرى م. فاضل القرني أن المعايير العالمية ليست للتباهي، هي تقييم من خارج الذات للعودة للذات وتصويبها. الولايات المتحدة عانت وربما ما زالت في التعليم وجودته وخاصةً في هذين المجالين. وفي دراسة أمن قومي سابقة لإعداد إستراتيجية الأمن القومي، كان التعليم أهم الأعمدة لإصلاحه وتحفيز الطلاب للتوجه للرياضيات والعلوم، بسبب الكثافة التي كانت تقبل على الدراسات النظرية والفنون بمختلف مجالاتها. وكان مع بداية جورج بوش الابن تشريع قانون(No child left behind)  لإعادة بناء التعليم. ومن الضروري الأخذ في الاعتبار قضية تطوير المهارات والشهادات، والتي تتبناها أمريكا الآن بعد قرار الرئيس ترامب لذلك، وهذا ربما قيد التنفيذ أو في المستقبل القريب لدينا.

وبدورها ذكرت د. صالحة آل شويل أن أهمية الاختبارات الدولية تكمن فيما يلي:

  • الحصول على مؤشرات دولية عن النظام التعليمي الدولي، تساعد على اتخاذ القرارات المناسبة للتعليم في السعودية.
  • توفير قواعد بيانات عن المناهج والتقويم والطلبة والمعلمين ومديري المدارس، بحيث يمكن استخدامها في تطوير الأنظمة التعليمية وتطوير المناهج.
  • يمكن الاستئناس بالنتائج في توجيه وإعادة هيكلة برامج إعداد المعلمين في الجامعات وتدريبهم.
  • تدريب الكوادر الوطنية في مجال إجراء الاختبارات القياسية، وجمع البيانات الخاصة بأداء الطلاب.
  • القدرة على قياس مدى التقدُّم في الرياضيات والعلوم، ومقارنته بالدول الأخرى في فترة زمنية واحدة.

بينما يرى د. راشد العبد الكريم أن الأصل في الاختبارات الدولية – بشكل عام – أنها تهدف إلى قياس تحصيل الطلاب، وإعطاء مقارنات لدول العالم. فهي وسيلة كاشفة لمستوى الطلاب، بناءً على معايير ارتضاها خبراء تدريس العلوم والرياضيات. بحيث تعطي مؤشرًا ذا دلالة على مستوى تدريس تلك المواد ومستوى تحصيل الطلاب فيها، في بلد ما. المشكلة لدينا تكمن في أمرين:

  • الأول: أننا أخذناها غايةً في ذاتها. فصار إعداد ثُلة من الطلاب لدخول تلك الاختبارات (مشروعًا) في ذاته، تُصرَف عليه الأموال وتُخصَّص له الأوقات الطويلة، مع أنه لا يمثِّل المستوى الفعلي للتدريس ولا للتحصيل في تلك المواد، إنما يعكس حال الفريق المشارك. فهو في هذه الحالة قد يعتبر مُضللاً ومُخدِّرًا في الوقت نفسه، ويصرف النظر عن معالجة المشكلات الحقيقية في التدريس.
  • الثاني: أن تقدُّمنا في هذه الاختبارات – مجرد التقدُّم – صار يعَدُّ إنجازًا يُحتفَى به، وربما صارت تُصاغ عناوين إعلامية براقة (وخادعة) بناءً على هذا التقدم.

لكن د. محمد الملحم يرى أن ما ذكره د. راشد ربما يتعلق أكثر بنتائج الطلاب في اختبارات الموهوبين، وفي مسابقات الأولمبياد أو الروبوت.. إلخ، فهذه فعلاً ينطبق عليها ما تمَّ توضيحه تمامًا؛ أما بالنسبة لتيمز فالوضع مختلف لوجود العينة العشوائية الممثِّلة لكل طلاب المملكة، وبإشراف الجهة الدولية IEA.

ومن جهته، سلَّط د. صالح الشمراني الضوءَ على النقاط التالية:

  • الاختبارات الدولية TIMSS مرَّت بمراحل تطوُّر، واستقرت على صورتها الحالية منذ عام ١٩٩٥، لتكون دراسة موسَّعة تستفيد منها الدول في تطوير أنظمتها التعليمية. وقد اختلفت أساليب تعامل الدول مع هذه الدراسة سواء من حيث المشاركة بالصفين أو أحدهما، وباستمرار أو بصورة متقطعة؛ لكن بلا شك هناك دول استفادت إيجابًا من مشاركتها في الدراسة، ودول أخرى لم تستفد. ولعل الفارق بينهما هو تعاملهم مع نتائج الدراسة بحثيًّا وبناء القرارات التطويرية المبنية على الشواهد والأدلة الناتجة من الأبحاث والدراسات. ولو استعرضنا عدد الأبحاث المنشورة عن نتائج طلاب المملكة خاصة، والدول العربية المشاركة بصفة عامة؛ سنجد عددًا محدودًا جدًّا من الأبحاث المنشورة حول ذلك.
  • بالنسبة للعينة التي يتم اختيارها من كل دولة، فهناك بيانات تُطلَب من كل دولة مشاركة عن مدارسها وتصنيفها؛ فمثلاً: في المملكة وجود مدارس مستقلة للبنين عن البنات يؤخذ في الحسبان، وحجم المدرسة ونوعها (حكومي أو أهلي خاص) ومواقعها، ثم يتم إعداد قائمة بالمدارس المتوسطة للمشاركة في الصف الثاني متوسط، وقائمة بالمدارس الابتدائية للمشاركة في الصف الرابع، وبعد ذلك يتم بناء إطار العينة وسحب العينة باستخدام برنامج خاصة بالمنظمة القائمة على الدراسة IEA؛ لضمان الاختيار العشوائي والحصول على عينة ممثِّلة للمدارس، ثم تُسحَب عينة الفصول من كل مدرسة، ويتم أخيرًا تحديد الطلاب. وتعتمد جودة العينة في التمثيل على دقة البيانات المدخلة في إطار العينة.
  • فيما يتعلق بالدراسات التي تُحدِّد أسباب الضعف، غالبًا تُبنى عندنا على دراسات فردية، وهذا فيه نوع من الاحتمالية التي لا تعزِّزها دراسات أخرى؛ ولذلك يصعب الجزم بدقتها. ومن الأمثلة على ذلك ما يتردد دائمًا بأن تعامل الطلاب مع هذه الاختبارات ليس جادًّا بالدرجة الكافية، وعندما نستعرض فقرات الاختبار ونتتبع نسبة طلاب المملكة الذين أجابوا على تلك الفقرات؛ نرى ضعف الأداء على أسئلة تُصنِّفها الدراسة على أنها بسيطة في مستوى المتوسط وأقل حسب معايير الدراسة، كما أنه قد يكون من غير المقبول أن نصف ما يزيد عن ٤٠٠٠ طالب (الحد الأدنى للعينة للمشاركة) جميعهم لا يمتلكون الجدية في التعامل مع هذه الاختبارات، والتوقُّع أن لديهم الجدية لكنهم لا يملكون المهارة وخاصة التطبيق والاستدلال، وقد يكون من المؤشرات على ذلك ما حدث من تحسُّن ملموس في عام ٢٠١١.

أما د. عبير برهمين فترى أن منظومة التعليم لدينا ليست سيئة، وليست متطورةً تطوُّرًا يوازي ما تم صرفه من مبالغ مالية لتطويرها حتى الساعة. وذلك يعني أن هناك أوجهَ قصور يمكن علاجها، وهناك أوجه قوة يجب الحفاظ عليها وتنميتها. والمشكلة الكبرى أنَّ مَن يقوم على عملية التطوير يقوم بها بشكل جزئي بمعزل عن النقاط الأخرى الجوهرية، ولا يقوم بتطوير شامل متكامل؛ ما أدى إلى عدم نجاعة التطوير وفَقْد وهَدْر كثير من الموارد المالية. وكمثال، فإن الاختبارات الدولية مثل TIMES الهدف الأساسي منها هو تقييم مستوى التعليم لدى طلابنا وطالباتنا، ومعرفة مستواهم مقارنةً بمَن هم في مثل سنهم من طلبة الدول الأخرى؛ بغض النظر عن اختلاف النظُم التعليمية. الاختبار ما هو إلا وسيلة Tool، وتحليل الاختبار هو الأهم. البعض – للأسف – لا يدرك ما يمكن تحقيقه من خلال استخدام هذه الأداة، وبنظرة سطحية يقول: إن المقارنة بين الأنظمة التعليمية المختلفة تعَدُّ خطأً.

  • رؤية استشرافية لتعظيم مردود الاختبارات الدولية :TIMSS-KSA

من وجهة نظر د. ذياب المالكي، فإن جميع الاختبارات الدولية باختلاف أهدافها والجهات المقدِّمة لها بما فيها اختبار TIMSS، تحاول أن تضع standard عالميًّا لقياس الحدِّ الأدنى من المهارات العليا للمجال المراد قياسه؛ لذلك لا يجب أن ننظر إلى هذه الاختبارات على أنها تمثِّل Cut score في نجاح وفشل المنظومة التعليمية، بل تعطينا مؤشرًا على مكامن الخلل وإمكانية الاستفادة منه.

ورغم اختلاف الأنظمة التعليمية وممارساتها حول العالم، إلا أن في جميع تلك الأنظمة المختلفة تجد منها دولًا متميزةً في قائمة ترتيب نتائج TIMSS؛ هذا يعطينا دلالةً واضحةً وتأكيدًا على أن جودة العمل في التدريس تلعب دورًا كبيرًا في الرقي بالمنظومة التعليمية رغم كل التحديات والصعوبات الموجودة في مختلف الأنظمة التعليمية.

نحن يجب أن نتعامل مع تلك الاختبارات ليس كهدف في حد ذاتها، ولكن الاستفادة من نتائجها هو الهدف الأسمى منها، صحيحٌ أن الجميع ينشد التميُّز، وحقٌّ مشروع لنا بجانب العمل على تحسين الخلل لدينا أن نعمل على رفع مهارات (التكنيك والتكتيك) في التعامل مع الاختبارات؛ لأن هذه مهارة في حد ذاتها. أي منظومة أو عمل مؤسسي يريد أن يرتقي لا بد من تكثيف البحث العلمي، والاستدلالات العلمية تكون هي الرافد لأي قرار.

إن منظومة التعليم ليست كأي منظومة أخرى في الدولة؛ لأن الأثر لأي تغيير أو قرار في سير العملية التعليمية لن ترى نتائجه إلا بعد مرور الوقت؛ ولذلك الخطأ سيكون تراكميًّا فيما لو كان القرار خاطئًا، والتخلص من تبعاته سيكون مكلِّفًا؛ في المقابل، لو كان القرار صائبًا ستُرى نتائجه بعد مرور وقت أيضًا. لذلك، فإن تفعيل البحث العلمي من قِبل المتخصصين مطلبٌ ضروريٌّ؛ لأن القرارات المبنية على نتائج البحث العلمي هي الأقل خطرًا دومًا.

وذهب د. عادل القصادي إلى أن من الضرورة بمكان أن نُركِّز  الاهتمام ليس فقط على نتائج الطلاب والطالبات في الاختبارات الدولية؛ وإنما الإفادة من جميع الأدوات الأخرى لتعميق فهمنا عن واقع التعليم والارتباط بين المنهج المقصود والمنهج المنفَّذ والمنهج المكتسب – كما ذكرت د. نجلاء – مع التأكيد على دور هيئة تقويم التعليم والتدريب والمتخصصين – كما أشار د. ذياب – والتوسُّع في استخدام تلك الأدوات والاختبارات المعيارية، والإفادة من وجود المملكة ضمن أهم تكتُّل في العالم (مجموعة العشرين) في تعزيز مكانة المملكة في الأبحاث المتعلقة بالتعليم وتطوير طرائقه وتنمية رأس المال البشري، كما استشرفت المملكة موقعها في العام ٢٠٣٠، وليس عنَّا ببعيد.

وفي سياق متصل، من المهم الإشارة إلى الملاحظتين التاليتين:

  • أولًا: أن هناك حزمةً من الأهداف (٧ أهداف إستراتيجية ضمن المستوى الثالث) لرؤية المملكة للعام ٢٠٣٠ تضع قضية التعليم في مقدمة الأولويات، ولا شك أن نتائج الاختبارات الدولية هي مؤشر مهم لواقع الحال، وهي خط الأساس للتحول المستقبلي، السؤال هنا: ما الذي تمَّ منذ إطلاق الرؤية ومستهدفاتها في ٢٠١٦ في تحسين الرحلة التعليمية، وخصوصًا في المواد العلمية والتطبيقية؟
  • ثانيًا: شدَّدت الرؤية أيضًا على تكامل القطاعات الثلاثة في تحقيق التحوُّل من الرعوية إلى التنموية، والسؤال الذي يتبادر للذهن هنا: أين دور القطاع الثالث في إسناد جهود الدولة في مجال التعليم العام، وخصوصًا في تأصيل (ثقافة التعلُّم) لدى الناشئة؟ ولِمَ يتفوق الآسيويون وشعوب أخرى في العالم على أبنائنا وبناتنا في الجدية والالتزام؟ متى يمكن أن نرى مدارس غير ربحية؟

وفي تصوُّر د. وفاء طيبة، فإن ما أشارت له د. عائشة عن سياسة التعليم في الشرق مثل سنغافورة وغيرها من تضييق الفروق بين طبقات المجتمع في التعليم، يجب أن يكون هدفًا مهمًّا لنا هنا في المملكة، حقيقةً الدولة تفتح المدارس في كلِّ مكان وتُشكَر على ذلك، والعدد ليس بقليل؛ إلا أنه ما زالت هناك فروقٌ بين طبقات المجتمع في تلقي التعليم.

ومن ناحية أخرى، فثمة ضرورة لوجود مركز بحثي يتبع وزارة التعليم، ويكون متخصِّصًا في دراسة هذه النتائج ونتائج الاختبارات الدولية الأخرى إذا اشتركنا فيها، من جميع جوانبها وخاصة الجوانب الثقافية المرتبطة بالمجتمع، والمقارنات المرجعية، ودراسة أفضل الممارسات واختيار ما يناسبنا منها لكي يكون لهذه الاختبارات الفائدة المرجوة.

وأكد د. محمد الملحم على أولوية مسألة التدريس وعطاء المعلم في المقام الأول؛ باعتبار أنه متى ما صلُح تحسَّن كل شيء وراءه، وليس هذا اتهامًا للمعلم بالتقصير، فهو فردٌ يستجيب للمتغيرات حوله، ولكنه تشخيص لمشكلة تدور حول هذا الفرد ولها متغيرات كثيرة وعوامل متعددة ينبغي الالتفات لها.

بينما أشار م. أسامة كردي إلى أنه لو تحصَّل المعلم على التقدير المالي والمعنوي والتدريب المستمر لانخفضت مقاومته للتطوير. المعلم الآن لديه العديد من النشاطات اللا تعليمية لتعويض النقص في دخله.

أما د. عائشة الأحمدي فترى أهمية تبنِّي وزارة التعليم لمشروعات متكاملة على متغيرات اختبارات التيمز المستقلة لكافة المستجوبين (طلبة، معلمين، مديرين، أولياء أمور)، وأثرها على نتائج الطلبة في اختبارات طولية على هذه المتغيرات ونتائج الطلبة؛ وهي ضرورة حتمية لنُحدِّد نقاط البداية في المعالجة.

وأكدت د. فايزة الحربي على أهمية تعزيز اكتشاف المواهب للمراحل الدراسية المبكرة، وخصوصًا في مجال الرياضيات والعلوم، والتركيز على متابعة هذه المواهب في مجموعات تتطوَّر وتتسع مع تقدُّم المراحل الدراسية.

ومن وجهة نظر د. راشد العبد الكريم، فإن الاختبارات الدولية يجب أن تكون أداةً مساعدة للكشف عن مستوى تحصيل عامة الطلاب السعوديين مقارنةً بغيرهم من طلاب دول العالم، وليس لتحقيق مراكز من خلال فرق مُعَدَّة خصيصًا لهذا الغرض، ولا تعكس الأداء الحقيقي في الميدان. اتخاذها غاية في ذاتها، والنظر لها على أنها (مسابقات) يُفقِدها قيمتها، بل ربما يجعل ضررَها أكثرَ من نفعها.  وقد يكون هذا – ولو جزئيًّا – هو سبب التنافر بين هيئة تقويم التعليم ووزارة التعليم. فهيئة التقويم تريد استخدام تلك الاختبارات لما هي له بالفعل، بينما وزارة التعليم تريد (تحقيق مراكز) من خلال فِرق مُعَدَّة خصيصًا لذلك.

إنَّ مشكلات تعليم الرياضيات والعلوم (وغيرها من المواد)، في الجزء الأكبر منها، من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى اختبارات دولية. تحتاج إلى قرارات عملية رشيدة، وعمل إستراتيجي، بعيدًا عن العروض الإعلامية و(الانتصارات السريعة).

وذكر أ. فهد الأحمري أننا نُركِّز على جودة مخرجات التعليم بالنظر لنتائج العديد من الدراسات التي أكَّدت على أن جودة المخرجات التعليمية لها دورٌ في النمو الاقتصادي. أما عن كيفية تحقيق جودة هذه المخرجات فمن خلال الآتي:

  • تحسين الجودة يتطلب التركيز على العمل المؤسسي وكفاءة الإنفاق على التعليم، وليس فقط مجرد موارد إضافية.
  • الوصول إلى القناعة التامة عند أولياء الأمور والمجتمع بأن جودة التعليم تضمن عائدًا اقتصاديًّا جيدًا لأبنائهم في المستقبل.. الجدارة أولاً.
  • إصلاح التعليم يحتاج إلى وقت طويل حتى تنضج ثماره، ويظهر أثر ذلك الإصلاح.
  • معالجة المشكلة في الاعتقاد السائد لدى المجتمع بأن كل المهارات ورأس المال البشري يأتي من التعليم الرسمي، بينما هناك أدلة تشير إلى أن تطوير المعرفة والمهارات تعود إلى مجموعة من العوامل خارج المدرسة (مثل: الأسرة، الأقران.. إلخ) وتأثيرها مباشر وقوي.
  • جودة المعلم في الفصل الدراسي تمثِّل إحدى أهم سمات المدارس؛ لأن المعلم قادر على تحقيق طفرة واسعة في إنجازات طلابه.
  • يتأثر أداء النظام بالسياسات التي تمنح من خلالها الحوافز للعناصر الفاعلة فيه، وإذا وُجدت سياسيات فاعلة في التحفيز والحوكمة ستتأثر نتائج الطلاب.
  • تشير دلائل بعض الدراسات التجريبية إلى أن هناك ثلاثة ملامح مؤسسية قد تُشكِّل جزءًا من النظام الناجح في تزويد الطلاب بالمهارات وتحسين نواتج التعلُّم:
  1. الاختيار والمنافسة.
  2. اللامركزية والتمكين.
  3. المساءلة عن النتائج.

بينما يرى د. محمد الثقفي أن من المهم التركيز على نقاط القوة الموجودة في مؤسسات التعليم في السعودية، ليتم العمل على تعظيمها، وما هي نقاط الضعف أو ما يسمى نقاط التحسين التي يمكن العمل على تحسينها، هذا على مستوى الجوانب الداخلية؛ وفي البيئة الخارجية للتعليم، ما هي الفرص التي يمكن اقتناصها، والمخاطر والتحديات التي يجب التعامل معها. إن التقاط هذه الموضوعات سيسهم في رصد آليات تطوير التعليم والمراهنة على تميُّزه إقليميًّا بل وعالميًّا، لا سيما أن العامل السياسي كعامل خارجي مؤثر يعَدُّ داعمًا لأي تطوير، كما نلاحظه عند تحليل رؤية المملكة وأهدافها الإستراتيجية ومبادراتها، وتصريحات المسؤولين.

وأضافت د. صالحة آل شويل أن الطلاب السعوديين ربما لا يأخذون الاختبارَ بجدية كافية لأنهم يعلمون أنه لا يدخل في درجاتهم، وينبغي تدريبهم على المسؤولية الوطنية، وأنهم يمثِّلون الوطن عند أداء الاختبارات. كذلك فقد أكدت الأبحاث والدراسات أن جوانب قصور وضعف طلابنا في الرياضيات والعلوم يرجع لوجود مشكلة تتعلق بالمعلم، وكما نعلم أن المعلمين كثيرًا ما يعانون من كثرة الأعمال المكتبية، مثل تصحيح الامتحانات وتقييم الواجبات؛ لذا يجب إدخال تقنية الذكاء الاصطناعي في التعليم؛ وهو ما سوف يسهم في تقليص الوقت اللازم للمعلم للتصحيح والعمل الإداري من أجل تكريس مزيد من الوقت للطلاب. وكذلك استخدام مزيج من الروبوتات والذكاء الاصطناعي في التعليم المصمَّم حسب الحاجة، بحيث تستفيد نسبة كبيرة ومتزايدة من الطلبة من الروبوتات التي تتسم بالاستمرارية والمرونة، كما سيتحرَّر معلمو الصفوف من الأمور الإدارية وسيتفرغون للتركيز على الطلاب، كما تستطيع التقنية أن تحلَّ مشكلات قلة المعلمين أو شُح توفُّر المعلمين الأكفاء في بعض المجالات. فهي ستساعد أيضًا المعلم العادي على أن يُطوِّر قدراته، وستسد أيَّ نقص موجود لديه، وإذا كان تطوير المناهج العلمية وطباعة الكتب المدرسية عبارة عن عملية طويلة ومعقَّدة؛ فإنه مع الذكاء الاصطناعي في الأجهزة والبرمجيات التعليمية، فستكون هناك مقدرة على استنتاج المعارف والمهارات المطلوبة في وقـت معين، وبالتالي تحديث الدروس تلقائيًّا وتقديمها للطالب بشكل يناسب احتياجاته وقدراته. ويعمل على توفير المعامل الافتراضية للمدارس الخالية من معامل الرياضيات، وخصوصًا في المدارس والمناطق النائية.

وتطرقت د. عبير برهمين إلى أن ثمة حاجة ملحة للإجراءات التالية:

  • تفعيل نظام اختبار كفاية المعلمين؛ لوضع حد أدنى من المستوى المطلوب لشغل وظيفة معلم.
  • ربط الترقية وزيادة المرتب والحوافز المالية بكفاءة أداء المعلم وانعكاس ذلك على طلبته، وليس بسنوات الخدمة فقط.
  • الحفاظ على الممارسات الجيدة، وعدم استبدالها بأخرى أقل جودة.
  • عودة الاختبارات المركزية الموحَّدة في نهاية العام من الوزارة، وليس حسب كل مدرسة.
  • تحليل نتائج الاختبارات الدولية بعمق أكبر، لكشف مواطن الخلل في المنظومة التعليمية؛ ومن ثَمَّ العمل على علاجها.

أما أ. فائزة العجروش فأكدت على ما يلي:

  • التغييرات والإصلاحات يجب أن تمسَّ جوهر العملية التعليمية، بعيدًا عن الصرف على الشكليات والكماليات على حساب جودة التعليم ومخرجاته الحقيقية، وتُعنَى بالدرجة الأولى بتحسن جودة البيئات التعليمية، وتطوير وتحديث المناهج، وتأهيل المعلمين، وأن نضمن استمرار هذه الإصلاحات وعدم اقترانها بشخص الوزير الذي يتغيَّر باستمرار.
  • ضبط هذه الإصلاحات من جهتين؛ جهة أن تكون مبنيةً على رؤية علمية متخصِّصة، والأخرى بإنشاء منصة للحوار الهادف وتوفير الفرصة لجميع أصحاب العلاقة المعنيين للتكامل وللتشاور فيما بينهم. وتحديد أدوار كلٍّ من «وزارة التعليم»، و«هيئة تقويم التعليم» بطريقة واضحة وصريحة خاصة بعد ما رأيناه من حساسية شديدة وعلاقة شائكة ظهرت للعلن بينهما بعد قراءة نتائج الاختبارات الدولية، وتوجيه الانتقادات لبعضهما حتى لو بشكل مُبطَّن أو عبر الندوات والملتقيات؛ حيث ساهمت استقلالية كل منهما في قيام كل جهة بطرح قراءتها التحليلية على حدة وبدون أي تنسيق مسبق، وظهور حالة من «التنافسية» بين القطاعين بدلًا من تكاملهما!
  • التركيز على تحسين تعليم جميع الطلاب، وليس التركيز على الطلاب المتفوقين وحدهم؛ للحصول على نتيجة سريعة وقصيرة المدى، لرفع النتيجة من خلالهم وإهمال الشرائح الأخرى من الطلبة. وربط جسور التواصل بين الأساتذة وأولياء التلاميذ ذوي المستوى الضعيف عن طريق إدارات المدارس، وعقد جلسات حوار معهم، ومحاولة إشراكهم في تحسين مستوى أبنائهم.
  • دمج حقيقي وشمولي للتكنولوجيا في تعليم الرياضيات والعلوم، وترغيب التلاميذ في مادة الرياضيات ومحاولة تقديمها بطُرق مختلفة وباستعمال الوسائل الحديثة، والانتقال بها من المجرد إلى المحسوس. وإسناد تدريس هذه المواد إلى المعلمين المختصين.
  • محاربة قدر الإمكان الدروس الخصوصية، والتي تجعل من التلميذ يتعامل مع المواضيع الرياضية بطريقة آلية كونها تعتمد على التطبيقات فقط دون فَهْم لها.
  • الحاجة القصوى لدراسة وتقييم جدوى وكفاءة ممارسات التعليم والتعلُّم في ظل التغيرات التي حدثت في أنماط الدراسة المدرسية والمنزلية بسبب جائحة كورونا، وما أظهرته من ضعف البنى التحتية في بعض المناطق، وشح الأجهزة التكنولوجية في بعض المنازل، وضعف كفايات المعلمين والأهالي في تكنولوجيا التعليم. ودراسة النتائج بعناية.
  • التعمُّق في العلاقات بين المتغيرات المختلفة في البيت والمدرسة، والتي تؤثر في حصول الأطفال على التعليم الكافي والمناسب لتوجيه السياسات العامة والتعليمية.
  • التوصيات:
  • ضرورة مراجعة أهداف وإستراتيجيات تطوير المناهج الحالية بشكل مستمر؛ لتتناسب مع الأهداف والإستراتيجيات العالمية في تدريس الرياضيات والعلوم، ولتتوافق مع المهارات التي تتطلبها الاختبارات الدولية.
  • قياس الجودة في تعليم الرياضيات والعلوم من خلال قياس مدى فعالية تعليم هاتين المادتين في مدارس الدول المشاركة؛ بهدف مساعدة المملكة العربية السعودية لإجراء الإصلاحات التربوية اللازمة والمبنية على التقييم الموضوعي والشامل.
  • مراجعة الدورات المُقدَّمة للمعلمين في اختبارات التيمز TIMSSبما يتوازى والمعايير العالمية.
  • إنشاء منصة للحوار الهادف، وتوفير الفرصة لجميع أصحاب العلاقة المعنيين للتكامل وللتشاور فيما بينهم. وتحديد أدوار كلٍّ من «وزارة التعليم»، و«هيئة تقويم التعليم» بطريقة واضحة وصريحة، ومد جسور التواصل بين الأساتذة وأولياء التلاميذ ممن يعاني أبناؤهم من مشكلات تعليمية عن طريق إدارات المدارس، والعمل على عقد جلسات حوارية معهم في محاولة لسدِّ النقص التعليمي.
  • إسناد تدريس هذه المواد إلى المعلمين المختصين، وفي حالة العجز يُعالج هذا النقص بطُرق علمية تضمن عدم الإخلال بجودة التعليم.
  • صياغة اللوائح التي تحارب إعطاء الدروس الخصوصية، والتي تجعل من التلميذ يتعامل مع المواضيع الرياضية بطريقة آلية كونها تعتمد على التطبيقات فقط دون فَهْم لها.
  • أهمية تعزيز اكتشاف المواهب للمراحل الدراسية المبكرة وخصوصًا في مجال الرياضيات والعلوم، والتركيز على متابعة هذه المواهب في مجموعات تتطور وتتسع مع تقدُّم المراحل الدراسية.
  • تقييم جدوى وكفاءة ممارسات التعليم والتعلُّم في ظل التغيرات التي حدثت في أنماط الدراسة المدرسية والمنزلية بسبب جائحة كورنا، وما أظهرته من ضعف البنى التحتية في بعض المناطق، وشح الأجهزة التكنولوجية في بعض المنازل، وضعف كفايات المعلمين والأهالي في تكنولوجيا التعليم.
  • إعداد أدلة تطبيقية للمعلم والطالب تتضمن جميع الأسئلة مرتبةً حسب ضعف أداء طلابنا فيها (موجودة كاملة في قواعد البيانات التي تنشرها المنظمة)، ويتم تحديد المهارة ومستواها (ضعيفة، متوسطة، عالية، متقدمة) حسب تصنيف معايير الدراسة، ويقترح عليها أساليب التدريس والتعلُّم المناسبة، ونشرها باستمرار في الملتقيات والمنتديات التعليمية لضمان اتباعها بشكل مستمر.
  • استخدام مزيج من الروبوتات والذكاء الاصطناعي المصمَّم حسب الحاجة، بحيث تستفيد منه نسبة كبيرة ومتزايدة من الطلبة، حيث تتسم هذه الروبوتات بالاستمرارية والمرونة، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يقوم بكثير من هذه المهمات، ويُقلِّص الوقت اللازم لطباعة المناهج الورقية وللتصحيح وللعمل الإداري؛ من أجل تكريس مزيد من الوقت لتعليم الطلاب.
  • ضرورة ربط العلوم والرياضيات والهندسة والتكنولوجيا من خلال إنشاء معامل افتراضية في المدارس، يستطيع الطالب أن يدخل عليها في أي وقت، على أن يكون هناك معلم خبير لهذه المعامل ومختص يُدرِّب الطلاب عمليًا.
  • استخدام أنظمة التدريس الذكي التي تعتمد على تقنيات التعلُّم الآلي وخوارزميات التعلُّم الذاتي، التي تجمع مجموعات البيانات الكبيرة وتُحلِّلها. ويسمح هذا الجمع للأنظمة أن تُقرِّر نوع المحتوى الذي ينبغي تسليمه للمتعلم بحسب قدراته واحتياجاته.
  • نشر ثقافة دراسات التقويم الدولية واسعة النطاق على مستوى وزارة التعليم العام ومؤسسات إعداد المعلم والمجتمع.
  • حفز المعلمين على تطوير طُرق وأساليب التدريس، من خلال المكافآت المادية والمعنوية، مثل ربط العلاوة السنوية بكفاءة أداء المعلم ومقدرته على تطوير ذاته، مع التعجيل في تطبيق نظام الرخص المهنية التي يُتوقَّع أن ترفع من مستوى الأداء التدريسي، وكذلك تفعيل نظام اختبار كفاية المعلمين لوضع حد أدنى من المستوى المطلوب لشغل وظيفة معلم.
  • معالجة تحديات البيئة التعليمية، وخصوصًا في المناطق الطرفية والنائية.
  • تكثيف التدريب الجاد والتأهيل المستمر للمعلمين، لرفع مستويات طلابهم المعرفية والمهارية.
  • إنشاء مراكز بحثية تحت مؤسسات وهيئات ذات سمعة موثوقة (مثل: هيئة تقويم التعليم والتدريب، مركز التميُّز البحثي في تطوير تعليم العلوم والرياضيات بجامعة الملك سعود…)، لإجراء مزيد من البحوث والدراسات التي تسلِّط الضوء على جوانب الضعف في مستوى الطلبة في هذه الدراسات، مع بناء إستراتيجيات لطرق معالجة هذا الضعف. وكذلك إجراء دراسات أخرى تُعنَى ببحوث ودراسات المقارنة بين نتائج الطلبة في النظام التعليمي في المملكة العربية السعودية ونتائج الطلبة في أنظمة تعليمية حقَّق طلبتها نتائج متقدمة في اختبارات التوجهات الدولية للعلوم والرياضيات التيمز TIMSS وسُبل الاستفادة منها.
  • العناية بجعل الأهالي جزءًا من منظومة التدريب على الاختبارات الدولية؛ لما لهم من أثر في دعم وتشجيع الطالب ونَشْر ثقافة التفوق والالتزام.

 


 القضية الرابعة

تطوير المنظومة التشريعية

(24/1/2021م)

  • الملخص التنفيذي
  • الورقة الرئيسة: م. خالد العثمان
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. إحسان بوحليقة
  • التعقيب الثاني: د. نجلاء الحقيل (ضيفة الملتقى) ([8])
  • إدارة الحوار: د. عبد الإله الصالح
  • المداخلات حول القضية
  • التوصيات

 

  • الملخص التنفيذي:

أشار م. خالد العثمان في الورقة الرئيسة إلى أنه عند النظر إلى واقع المنظومة التشريعية في المملكة خصوصًا في الآونة الأخيرة، فإننا نرى حراكًا كبيرًا في صياغة وإصدار الأنظمة والتشريعات واللوائح والقرارات والتعاميم بشكل لم يسبق له مثيل؛ وهو ما يعكس ديناميكية الحراك نحو تسريع خطوات التنمية، وتفعيل تنفيذ برامج ومبادرات وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030. كما أنه يبرز اهتمامًا كبيرًا من أجهزة الدولة بسد الثغرات وتعويض البطء الذي شاب مسيرة التنمية عبر سنوات طويلة. ومن غير المُنصف أن نرى كل هذه الجهود المخلصة والمبادرات الجادة وهي تصطدم بجدران البيروقراطية والعشوائية وتضارب الصلاحيات؛ حيث إنَّ هناك حاجةً إلى جَمْع وتوحيد الاختصاصات التشريعية في جهاز مركزي واحد يمارس مهامه بشكل مستقل عن الأدوار التنفيذية للأجهزة الحكومية الأخرى.

وأكد د. إحسان بوحليقة في التعقيب الأول على أن تحقيق تقدُّم جوهري يكون بتطوير الأنظمة على أسس تقوم على التحسين المستمر، تنطوي على حوكمة الأدوار، والإصرار على مشاركة أصحاب العلاقة الوظيفية والمجتمعية.

في حين ركزت د. نجلاء الحقيل في التعقيب الثاني على أن تطوير المنظومة التشريعية في المملكة يستلزم الفصل بين السلطة التنفيذية والتشريعية، جنبًا إلى جنب مع محاكمة مسودة القانون؛ إذ إنَّ إصدار قانون ما يجب أن يكون مثل عملية التصنيع الذي يمرُّ بعدة مراحل، وفلترته إلى حين صدوره بصيغته النهائية.

وتضمَّنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

  • تحديات تطوير المنظومة التشريعية في الواقع السعودي.
  • أهمية تطوير المنظومة التشريعية.
  • آليات تطوير المنظومة التشريعية في المملكة.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • الفصل الموضوعي والعملي بين الاختصاصات التشريعية والتنفيذية، وتوحيد مرجعية إدارة المنظومة التشريعية لتتولى حصر وتبويب وتنسيق ونَشْر وصياغة وإصدار الأنظمة والتشريعات بمشاركة كافة الجهات ذات العلاقة، وتفعيل دور مجلس الشورى وفق منهجية برلمانية فاعلة لتقييم ومناقشة ومحاكمة جميع مشروعات الأنظمة والقوانين دون استثناء.
  • إيجاد تبويب موحَّد لجميع الأنظمة واللوائح (الباب الأول النظام الأساسي للحكم، وهكذا..)، وتكون هناك جهة حكومية ناظرة على هذا التبويب والتحديث بصيغته النهائية، ومرجعية في النفاذ. والسماح للجهات الخاصة بالتهميش شبه الرسمي على مجلدات الأنظمة بالشروح والسوابق القضائية ذات العلاقة.. ويُفضَّل أن تكون كليات الشريعة والقانون أصحاب هذا الامتياز مع الإسناد من جهات التشريع والقضاء.
  • النظر في صياغة وإصدار نظام أو قانون يُوضِّح الإجراءات اللازم اتباعها لأي جهة للوصول لمرحلة نظام أو قانون أو تشريع أو لائحة، أو غير ذلك.
  • الورقة الرئيسة: م. خالد العثمان

تمثِّل التشريعات القاعدةَ التي تؤسِّس لممارسة مختلف المهام والأعمال، ورسم العلاقات والتشابكات، وتشكيل الاختصاصات والصلاحيات، وتحديد الجزاءات والغرامات وفق منظومة تشريعية متكاملة متعددة المستويات والتأثيرات. ومن بداهة القول أن التطبيق الكفؤ للتشريعات الكفؤة يُنتِج تنميةً كفؤة، وتكون بذلك جودة التشريعات رافدًا مهمًّا لتحقيق مستهدفات التنمية وتلبية متطلبات الجهات التنفيذية لأداء مهامها واختصاصاتها بموجب هذه الأدوات التشريعية. كما أن من بداهة القول أنه كلما كانت التشريعات أقلَّ وأوضحَ وأكثر سلاسةً، فإنها تؤدي إلى فعالية وكفاءة ومرونة في التنفيذ والتطبيق، وتكون بذلك التشريعات وسيلةً وليست غايةً، ويُقاس نجاحها وفعاليتها بما تُحدِثه من أثر على المنظومة التنفيذية سواء بالتمكين والتفعيل أو بالتعطيل والتكبيل.

عند النظر إلى واقع المنظومة التشريعية في المملكة خصوصًا في الآونة الأخيرة، فإننا نرى حراكًا كبيرًا في صياغة وإصدار الأنظمة والتشريعات واللوائح والقرارات والتعاميم بشكل لم يسبق له مثيل؛ وهو ما يعكس ديناميكيةَ الحراك نحو تسريع خطوات التنمية، وتفعيل تنفيذ برامج ومبادرات وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030. كما أنه يُبرز اهتمامًا كبيرًا من أجهزة الدولة بسدِّ الثغرات وتعويض البطء الذي شابَ مسيرة التنمية عبر سنوات طويلة خلت، وهو الواقع الذي واجه في بعض الأحيان بطبيعة الحال شيئًا من تعارُض القناعات ومقاومة التغيير وبعض البطء والجمود وتشتت الجهود والرؤى، وهي بالطبع ملامح سلبية يمكن أن تكون سببًا في تشويه المنجزات المأمولة وتعطيل تحقيق مكتسبات التنمية، أو ربما زيادة ومفاقمة التبعات والآثار الواقعة على مستويات متعددة من شرائح وقطاعات المجتمع.

تحاول هذه الورقة في النقاط التالية توصيف الوضع الراهن للمنظومة التشريعية في المملكة، وتسليط الضوء على ما يشوبها من ملاحظات على سبيل التنبيه والتنويه الداعيينِ إلى التطوير والتجويد والارتقاء بمستويات العمل التنموي الشامل.

  • من الملاحظ أن هناك الكثيرَ من الخلط بين الاختصاصات التشريعية والتنفيذية في مجمل أجهزة الدولة، وحتى الشركات التابعة لها. ففي غالب الأحيان، تصدر تشريعات وإجراءات ولوائح بمبادرات من أشخاص تنفيذيين كالوزراء على سبيل المثال، وكثيرًا ما نسمع عن قرارات وزارية وتعاميم إدارية ولوائح تنفيذية وغير ذلك من الأدوات التشريعية تصدر وفق رؤية الجهات التنفيذية حتى لو مرَّت بالقنوات التشريعية النظامية، مثل هيئة الخبراء ومجلس الشورى وحتى المقام السامي. مشكلة هذا الواقع حالة التضارب وتعارُض المصالح بين الاختصاصين التشريعي والتنفيذي، والتي تؤدي إلى تغول الرؤية الفردية بدلاً من المؤسسية، والقطاعية بدلاً من الشمولية. كما أنها تؤدي إلى الكثير من التعارُض والتضاد بين التشريعات الصادرة أو المتبناة من قِبل أجهزة مختلفة، بل إننا أحيانًا نرى تعارضات بين النظام واللوائح التنفيذية والتعاميم اللاحقة الصادرة من ذات الجهة وفي ذات الاختصاص؛ وهو ما يفقد أو يُضعف فعالية بعضها البعض، ويؤدي إلى هدر الجهود والكثير من الآثار والعقبات على أرض الواقع. والأمثلة على هذا المشهد كثيرة، خصوصًا في ظلِّ الحراك التشريعي المتسارع، بما فيها الكثير من التشريعات الصادرة مؤخرًا والمتعلقة بقطاعات مثل الموارد البشرية والكهرباء والمياه والتمويل والجمارك وغيرها، وهي في الغالب الأعم تشريعات تعكس رؤيةً تنفيذية نابعة من داخل الجهاز الحكومي دون تنسيق كافٍ وتكامل فاعل مع مجمل منظومة التشريعات القائمة والقادمة في المنظومة التشريعية الوطنية الشاملة.
  • من الملاحظ أيضًا واقع الاتكاء المفرط على الرؤية القانونية المحضة في صياغة وتكييف الأنظمة والتشريعات بشكل عام، إلى الحد الذي يُكبِّل أحيانًا رؤية المُشرِّعين والمُنفِّذين الفنية والتخصصية، ويُعطِّل فعالية تلك الإجراءات بالقيود القانونية الاحترازية التي يفرضها مسؤولو الإدارات القانونية في الأجهزة الحكومية، في الوقت الذي ينبغي أن تكون الرؤية القانونية داعمةً وممكِّنةً لتحقيق الرؤية الفنية والتشغيلية المتخصِّصة المتعلقة بموضوع التشريع. إنَّ هذا المشهد يعكس شيئًا من القصور في قدرات ومنهجية التأسيس الفني والتشغيلي المتخصِّص لصياغة التشريعات، وليس بالضرورة رغبة في السيطرة من الجانب القانوني. هذا التفوق للرؤية القانونية على الرؤية الفنية ملحوظ في مختلف مستويات المنظومة التشريعية بشكل عام. وحتى في مستوى هيئة الخبراء التي تمثِّل إحدى أهم المنصات التشريعية السيادية المساندة لمجلس الوزراء، فإن معظم النقاش حول صياغة الأنظمة والتشريعات يتم برؤية قانونية بحتة، حتى إن معظم ممثلي الأجهزة الحكومية الذين يحضرون جلسات نقاش مسودات ومشاريع الأنظمة هم ممثلو الإدارات القانونية في الأجهزة الحكومية بدلاً من المتخصصين الفنيين والتنفيذيين في مجال اختصاص كل جهة. أحد أهم الأمثلة على ذلك أن نظامًا مثل نظام المشتريات والمنافسات الحكومية خرج بصياغة فريق قانوني دون مشاركة أي فِرق متخصِّصة في الشؤون الهندسية والمشاريع بمن فيهم منسوبو الإدارات الهندسية والمشاريع في وزارة المالية ذاتها، وهلم جرًّا.
  • لعله من المناسب الإشارة إلى غياب مسار محدَّد مُلزم لرحلة إصدار التشريعات بدءًا من تحديد الحاجة لها، وحتى إصدارها من المستوى التشريعي المؤهل والمختص بذلك التشريع. وقد نرى أحيانًا بعض المسؤولين ذوي الاختصاصات التنفيذية وهم يضعون بعض التشريعات في صيغة محدَّدة تقود إلى تسريع صدور التشريع، وتجاوز بعض المراحل في مسيرة رحلة التشريع؛ كأن يصدر التشريع في شكل “تنظيم” بدلاً من “نظام” لتجاوز مرحلة النظر في التشريع من مجلس الشورى على سبيل المثال، أو إصدار التشريع في شكل “قرار وزاري” لتجاوز مرجعية هيئة الخبراء في اعتماد صيغة التشريع. هذا الواقع يكرِّس ويرسِّخ مشكلة التعارضات والتصادمات بين التشريعات الصادرة دون مرجعية شمولية واحدة تضمن رفع فعالية وكفاءة تكامل الأنظمة والتشريعات لتحقيق المستهدفات المرجوة من إصدارها وتنفيذها.
  • إن إحدى أهم المشكلات التي تشوب المنظومة التشريعية والحراك المتسارع فيها هي تجاوز الدراسات المسبقة لقياس وتلمس الآثار الاقتصادية والاجتماعية لتلك التشريعات بشكل شمولي استشرافي عميق وشامل، بدلاً من التركيز فقط على رفع كفاءة القطاع أو الموضوع المستهدف بالتشريع. ولعل أحد أسباب هذه المشكلة غياب التفاعل المؤثر الجاد والحوار الحقيقي مع أصحاب العلاقة بذلك التشريع والمؤثرين والمتأثرين به وبتبعات تفعيله وتنفيذه، علاوة على أن المطبخ الحقيقي للكثير من تلك التشريعات يديره ويعمل فيه شركات استشارية أجنبية ومستشارون وافدون يفتقر كثير منهم إلى الفهم الحقيقي للخلفيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لطبيعة المجتمع السعودي وشرائحه وطبقاته ومكوناته ومستوياته. صحيحٌ أن هناك تطويرًا كبيرًا لمساعي استقراء واستبيان آراء العموم لتقييم مسودات الأنظمة والتشريعات قبل اعتمادها، لكن هذه الجهود ما زالت تفتقر إلى الشفافية والمشاركة الحقيقية في تقييم وتحليل نتائج تلك الاستبيانات، والعمل على عكس نتائجها على مضامين تلك التشريعات بشكل موضوعي فعَّال.

تمثِّل هذه النقاط محاور عامة تضمُّ بين طياتها الكثيرَ من النقاط والتفاصيل الفرعية التي يمكن أن يدور حولها كثيرٌ من النقاش والتمحيص والدراسة والتحليل، سعياً إلى الوصول إلى تطوير حقيقي وتغيير جذري فعَّال في هذه القضية. إذ إنَّه من غير المنصف أن نرى كلَّ هذه الجهود المخلصة والمبادرات الجادة وهي تصطدم بجدران البيروقراطية والعشوائية وتضارب الصلاحيات. ولعل التوصية الأهم في هذا المجال هي العمل على جَمْع وتوحيد الاختصاصات التشريعية في جهاز مركزي واحد يمارس مهامه بشكل مستقل عن الأدوار التنفيذية للأجهزة الحكومية الأخرى، ولعل مجلس الشورى يكون هو المكان الأجدر بهذه المهمة بعد تعديل اختصاصاته وصلاحياته وتدعيمه بما يحتاج إليه من أدوات وصلاحيات للقيام بدور برلماني حقيقي، يكرِّس فصل الاختصاصات في نموذج دولة المؤسسات التي تستحق أن تكون عليها المملكة العربية السعودية.

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. إحسان بوحليقة

أولًا – تمهيد:

بدايةً أودُّ التأكيدَ على أهمية تطوير المنظومة التشريعية لتحقيق التطلعات في النمو والتنمية.

ثانيًا – النطاق:

تجدر الإشارة هنا إلى أن للتطوير منابع عدة، الأهم منها هو (1) تجويد الأنظمة ورفع كفاءتها بما يجعلها مسايرةً لأفضل الممارسات وبعيدةً عن إعاقة النشاط الاجتماعي والاقتصادي، (2) تعزيز المشاركة وألا تُعَد مقترحات الأنظمة واللوائح خلف الكواليس.

لستُ مختصًا في القانون، لكن سأتناول كلتا النقطتين أعلاه من خلال الممارسة أثناء عضويتي في مجلس الشورى على مدى 12 عامًا، منذ عام 1996، وممارستي للعمل الاستشاري في القطاع الحكومي لفترة أطول ما برحت مستمرة. إذ لا بد من الإقرار بأن المجال يتسع لمزيد من التطوير والتجويد للمنظومة التشريعية، وفي الوقت نفسه – وعلى صلة بمَنبَعَيّ التطوير اللذين أشرتُ لهما في الفقرة السابقة، فألاحظُ تقدُّمًا ملموسًا في تطوُّر المنظومة التشريعية خلال السنوات الخمس الماضية نابعًا من منظور عملي، وهو أن تطوير التشريعات سيُحسِّن البيئةَ التنافسية، وأن لذلك عوائد إيجابية متعددة على المملكة مجتمعًا واقتصادًا: (1) على مستوى تطوير الأدوات التشريعية والنظامية، و(2) على مستوى الهيكلة المؤسسية، و(3) على مستوى منهجية وآلية تطوير التشريعات وتعديلها.

ثالثًا – النقاش:

بالقطع، فالحاجة لا تزال قائمةً لمزيد من التطوير، إلا أن ما تحقَّق الآن على أرض الواقع هو: مسار ومتطلبات محدَّدة ومُقنَّنة، ومتابعة حثيثة، ومراقبة لصيقة مُمَكنة من خلال حوكمة تقتسم أدوارَها جهاتٌ عدة بما يُحقِّق التوازنَ ويُزيل استئثارَ جهة واحدة بقرار إعداد النظام وتعديله. إذ لم يعُد الأمر حكرًا على الوحدات التنفيذية (الوزارات مثلًا) ضمن السلطة التنفيذية؛ فالوزارة ترفع بتعديل نظام قائم مثلًا، لكن ليس بوسعها الانفراد، بل لا بد لها من: (1) استيفاء متطلبات محددة من حيث المحتوى، (2) إكمال خطوات معينة من حيث المنهجية.

وطلبًا للتحديد، أورد النقاط التالية لتعزيز وإثبات ما تناولته الفقرات السابقة من إجماليات:

  • أنه وبعد مخاض بشأن الضوابط التي يتعين اتباعها عند الرفع بمقترحات الأنظمة وتعديلاتها، صدر قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 265 وتاريخ 21/6/1435هـــ بتحديد الضوابط المطلوب مراعاتها عند إعداد ودراسة مشروعات الأنظمة واللوائح وما في حكمها، بما في ذلك إسناد مهمة إعدادها إلى متخصصين. فمن حيث المحتوى، تبيَّن ما على الجهة الحكومية القيام به عند رفع مقترح إلى رئيس مجلس الوزراء لمشروعات أنظمة ولوائح أو تعديل النافذ منها، بأن تُقدِّم مذكرةً توضيحية تتضمن السند النظامي والهدف والأسباب وشرحًا للمواد، وكذلك التجارب الدولية، والآثار المالية والتوظيفية والاقتصادية والاجتماعية. ومن حيث المشاركة وعدم التفرُّد، فقد نصَّ القرار أن تتولى الأمانة العامة لمجلس الوزراء التأكُّد من التزام الجهة الحكومية باستيفاء المتطلبات وكذلك تزويد الوزراء ورؤساء الأجهزة الحكومية وكذلك هيئة الخبراء بنسخ لإبداء ملاحظاتهم، وأن تقوم هيئة الخبراء بمجموعة من المراجعات للتأكُّد من المواءمة مع الاتفاقيات النافذة والقوانين السارية والمبادئ القضائية، وتأثُّر المراكز القانونية القائمة.
  • نصت الفقرة ثانيًا من قرار مجلس الوزراء رقم 265 وتاريخ 21/6/1435هـــ على قيام هيئة الخبراء بمجلس الوزراء بتقويم الضوابط بعد مرور ثلاث سنوات.
  • بتاريخ 30/11/1438هـــ، صدر قرار مجلس الوزراء رقم 713 بتعديل الضوابط بناءً على توصية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وكان من ضمن المتطلبات الواردة في القرار أنَّ على الجهات الحكومية تطوير الإدارات القانونية لديها بدعمها بالكفاءات. أما فيما يتعلق بضوابط مقترحات الأنظمة وتعديلاتها، فقد نص القرار (الفقرة ثالثًا) أنَّ على الجهة الحكومية أنْ تنشر على موقعها على الإنترنت مشروعات قواعد أو لوائح أو قرارات وما في حكمها، مما هو داخل في اختصاصها، ولا يتطلب الرفع عنه. وقد شمل هذا القرار تطويرًا لمنهجية تطوير مقترحات الأنظمة واللوائح، حيث تطلَّب رفع الجهة لتطور متكامل عن المقترح، وذلك لعرضه على مجلس الشؤون السياسية والأمنية أو مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لأَخْذ التوجه المبدئي، ومن ثَمَّ إعادته للجهة لاستكمال ما يلزم حياله. وبعد ذلك، تُقدِّم الجهة مذكرةً تتضمن بيانَ السند النظامي لاختصاصها تقديم المقترح، وكذلك التشريعات والتجارب الدولية، والآثار المالية والاقتصادية والوظيفية والاجتماعية المتوقعة، والتنسيق مع الجهات ذات الصلة، بالإضافة لنشر المقترح على الإنترنت لأَخْذ المرئيات والملحوظات عليه. وبعد رفع المقترح، تتولى الأمانة العامة لمجلس الوزراء مراجعته من قِبل الجهات الحكومية وهيئة الخبراء. ومن الناحية الجوهرية، تتبع ذات الآلية للمقترحات الواردة من مجلس الشورى.
  • أَخْذًا في الاعتبار أن إصدار الأنظمة والأدوات التشريعية على تنوُّعها يؤثر على البيئة التنافسية في المملكة؛ فقد منحت المادة الرابعة الفقرة 4 من تنظيم المركز الوطني للتنافسية (تيسير) الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم 212 وتاريخ 25/4/1440هــ اختصاصًا للمركز بــــ “مراجعة الأنظمة ذات العلاقة وتطويرها، واقتراح التعديلات اللازمة حيالها وذلك بالاتفاق مع الجهات الحكومية ذات العلاقة، وفق الإجراءات النظامية المتبعة”. وفي الفقرة 13 “استطلاع ورصد آراء العموم – عبر الوسائل المختلفة – فيما يتعلق بالبيئة التنافسية في المملكة في مختلف المجالات.
  • وتحقيقًا لتحسين البيئة التنافسية، وبناءً على توصية من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية؛ فقد أصدر مجلس الوزراء قرارَه رقم 476 وتاريخ 15/7/1441هـــ، بتعديل الضوابط المطلوب مراعاتها عند إعداد ودراسة مشروعات الأنظمة واللوائح المشار لها في الفقرة السابقة، بأن يقوم المركز الوطني للتنافسية بإنشاء وحدة دعم الأنظمة واللوائح وما في حكمها، ويكون لها اختصاصات لإنشاء المنصة الإلكترونية الموحَّدة لاستطلاع آراء العموم للجهات الحكومية، وإعداد نماذج الاستطلاع وتقويم الآثار، وتقديم الملحوظات والمرئيات حول نتائج الاستطلاع للجهة صاحبة المشروع، والتوعية ونَشْر ثقافة الاستطلاع بأهمية المشاركة في تقويم الآثار التنظيمية على مشاريع الأنظمة واللوائح وما في حكمها وفقًا لآلية العمل والحوكمة، كما أن على المركز أن يُضمِّن تقريره السنوي الذي يرفعه إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية أعمالَ الوحدة وإنجازاتها والمعوقات التي تواجهها ومدى التزام الجهات الحكومية بتطبيق الضوابط.
  • وبالفعل، فقد دُشِّنت المنصة الإلكترونية الموحَّدة لاستطلاع آراء العموم والجهات الحكومية يوم 6 يناير 2021. وبحسب “تيسير”، فقد تم طرح أكثر من 64 مشروعًا تنظيميًّا عبر المنصة، وردت من 18 جهة حكومية.

رابعًا – التوصية:

تحقَّق تقدُّم جوهري بتطوير الأنظمة على أسُس تقوم على التحسين المستمر، تنطوي على حوكمة الأدوار والإصرار على مشاركة أصحاب العلاقة الوظيفية والمجتمعية.

وإنْ كان من نواحٍ للتحسين في المستقبل المنظور، فهي:

  • أن تتأكد منظومة المراجعة (بما في ذلك مجلس الشورى والديوان العام للمحاسبة) من التزام الجهات الحكومية بآلية تعديل الأنظمة ومتطلباتها.
  • حوكمة المشاركة المجتمعية من خلال مؤسسات المجتمع المدني والمختصين، باتباع أفضل الممارسات المعمول بها، بما في ذلك استقصاء آراء العموم قبل المقترح وأثناءه وبعده، والتقييم عند التنفيذ.
  • إطلاق وثيقة بمسمَّى “سياسة استقصاء آراء العموم وإدارة أصحاب العلاقة”، وتشتمل على إجراءات تُتبع لاستيفاء متطلبات استقصاء مرئيات العموم وفق أفضل الممارسات الدولية.
  • التعقيب الثاني: د. نجلاء الحقيل (ضيفة الملتقى)

تعقيبي على الورقة الرئيسة يُركِّز على نقطتين قد تسهمان في عملية تطوير المنظومة التشريعية في المملكة.

١/ الفصل بين السلطة التنفيذية والتشريعية:

أشار كاتب الورقة الرئيسة إلى ملاحظة مهمة، ألا وهي الخلط بين الاختصاصات التشريعية والتنفيذية؛ حيث إنَّ صدور الكثير من التشريعات يكون بناءً على مبادرة من الوزراء والتنفيذيين. وهذا يقودنا إلى ثغرات قانونية أحيانًا، وفي أحيان أخرى يتم إصدار قوانين لا تخدم مشاريع التنمية المستدامة ولا اقتصاد البلاد بسبب عدم مرونتها. هذا التداخل أيضًا – حسب ما أشار الكاتب – يُولِّد قضيةَ تعارُض المصالح، وفي مواضع أخرى يؤدي إلى تعارُض القوانين مع اللوائح؛ وهو ما يُحدِث لَبسًا عند غير المختصين الذين لا يملكون خلفيةً قانونيةً من حيث تدرُّج القوانين. لذلك، من أجل تطوير المنظومة التشريعية، يجب أن يسبقه تطوير الهيكل التنظيمي للسلطات الثلاث. فنظام الحكم في المملكة العربية السعودية نصَّ على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث “التشريعية والتنفيذية والقضائية”. تطبيق هذا المبدأ في المملكة هو تطبيق جزئي وليس كاملًا، حيث إنَّ سلطة القضاء تتمتع بالاستقلالية في الهيكل التنظيمي والإداري للمملكة، لكن السلطة التنفيذية والتشريعية تعاني من التداخل. السلطة التنفيذية هي السلطة التي تُنفِّذ خُطط وإستراتيجيات الدولة وأهدافها وقوانينها، ويُفترض أن يكون دورُها رقابيًّا في عملية التشريع من حيث الاقتراح وإبداء المرئيات. تتمثَّل السلطة التنفيذية في المملكة في الوزارات والمؤسسات الحكومية وكل مَن يعمل بها يعتبر عضوًا من أعضاء السلطة التنفيذية. أما السلطة التشريعية فهي السلطة التي تُعنَى بتشريع القانون والنظام وترسم السياسات والإستراتيجيات، وفي المملكة المسؤول عن هذه المهمة هو مجلس الوزراء ومجلس الشورى؛ لكن المشكلة هنا أن مجلس الوزراء أعضاؤه هم أعضاء السلطة التنفيذية، وهنا تختفي عملية الرقابة التي تمارسها السلطات الثلاث على بعضها البعض. عندما تكون السلطة التنفيذية هي نفسها السلطة التشريعية، سيتكون لدينا – مثلما أشار م. خالد – مسألة تعارُض المصالح وتشجيع تمرير بعض الأنظمة تحت مسمَّى آخر غير مسمَّى قانون أو نظام، مثل مسمَّى قرار وزاري أو لائحة أو تنظيم. وتمرير مثل هذه التنظيمات والتشريعات قد يكون جزءًا منها، تمَّ تمريرها على سبيل المجاملة أو لخدمة مصالح فئة محدودة دون النظر إلى المنظومة القانونية بشكل متكامل، والتي يجب أن تخضع للتدقيق والتمحيص بشكل واسع. عند الحديث عن الفصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية، فلا يعني ذلك إلغاء مسمَّى “التنظيم” وصور “القرارات الوزارية التي تصدر فيها مواد قانونية لتنظيم موضوع ما”؛ وإنما يستمر بقاؤها لأن لها أهمية من حيث السرعة في الاستجابة؛ لكن يجب أن تُراجَع من سلطة مختصة بالتشريع بشكل كامل، لا يكون من ضمن أعضائها، المسؤولون في السلطة التنفيذية. هنا يتسنى للمنظومة التشريعية مراجعة التنظيمات والقرارات الوزارية التي تحوي موادَّ قانونيةً لتنظيم موضوع معين، بعيدًا عن تأثير المصالح الشخصية التي قد يتأثر بها أعضاء السلطة التنفيذية لخدمة أسلوب إدارتهم للحقيبة الوزارية التي قد لا تتوافق مع المصلحة العامة من جهة، أو لخدمة أيديولوجية مغايرة لتوجُّه الدولة من جهة أخرى. لذلك، مجلس الشورى هو أكثر هيئة لها أساس وخبرة تاريخية وسياسية يمكنها أن تتولى عملية التشريع بشكل أساسي بدلًا من المشاركة في العملية التشريعية بشكل جزئي، وجَعْل هيئة الخبراء هيئة تشريعية مستقلة مرتبطة بجهاز الدولة بشكل مباشر؛ لكونه يضمُّ كفاءات مُدرَّبة ومتخصِّصة في مجال التشريع، وتعظيم دوره في عملية صُنع التشريعات والقوانين. بحيث إنَّ مجلس الشورى يعمل يدًا بيد مع هيئة الخبراء تحت مظلة السلطة التشريعية.

٢/ محاكمة مسودة القانون:

تمت الإشارة أعلاه إلى موضوع إعادة الهيكل التنظيمي والتشريعي، ويستتبعه أيضًا عمل هيئة الخبراء حيث إنَّها هي المُصمِّم الأساسي للقوانين والأنظمة في المملكة، والتي تعمل تحت مظلة مجلس الوزراء.  لكن إصدار قانون ما، يجب أن يكون مثل عملية التصنيع حيث إنه يمر بعدة مراحل وفلترة إلى حين صدوره بصيغته النهائية. في المملكة يمرُّ إصدار القانون بعدة مراحل؛ تبدأ بمرحلة اقتراح القانون من قِبل مجلس الوزراء حيث نصَّ نظام مجلس الوزراء الصادر بالأمر الملكي رقم أ / 13 بتاريخ 3 ربيع أول عام 1414 هـ على أحقية الوزير في اقتراح مشروع نظام أو لائحة تتعلق بأعمال وزارته، كما أصبح لمجلس الشورى بموجب المادة 23 من نظامه والمُعدَّلة في عام 1424هـ إمكانية اقتراح مشروع نظام جديد أو اقتراح تعديل نظام. بعد قبول النظام بصفته المقترحة، يُحال إلى الإدارات والجهات الداخلية في تشكيلات مجلس الوزراء حيث تقوم اللجنة العامة لمجلس الوزراء وهيئة الخبراء بصفة رئيسية وفي حدود اختصاص كلٍّ منها بمراجعة مشروعات الأنظمة لإعطاء تقرير بشأنها وإحالتها مرة أخرى لمجلس الوزراء ومجلس الشورى. بعد ذلك، تأتي مرحلة التصديق والنشر ليصبح قانونًا نافذًا. هذه المراحل لا غبار عليها، لكن في ظلِّ هذا التطور المتسارع في العالم بشكل عام وفي المملكة بشكل خاص، عملية إصدار القانون قد لا تتناسب مع الاحتياجات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، إذ إنَّ القانون يحتاج إلى تمحيص وفحص من قِبل أطراف المصلحة والمختصين. ومثلما أشار م. خالد، إصدار القانون يحتاج إلى أن يكون قائمًا على قواعد راسية، من ضمنها التي أُشير إليها في الورقة الرئيسة، الاستناد إلى الدراسات المختصة المتعلقة بالآثار التي ستنتج عن إصدار هذا القانون. بعبارة أخرى، يجب علينا القفز إلى المستقبل ورؤية مدى كفاءة النظام من جميع النواحي. مركز التنافسية لاستطلاع آراء العموم يعتبر خطوةً رائعةً لفلترة الأنظمة والقوانين قبل صدورها، ولكن ينقصه جزء مهم، ألا وهو مَن سيشارك في هذا الاستطلاع. هناك مختصون ومهتمون مُتمكِّنون ولديهم بُعد نظر في مجالات تخصصهم، لكنهم لا يشاركون في التعليق؛ وبالتالي لا يمكن الاستفادة من خبراتهم من جهة. من جهة أخرى، ينقص موضوع استطلاع آراء العموم الشفافية بخصوص الملاحظات المُقدَّمة والملاحظات التي سيُؤخذ بها. لذلك، نأتي لفكرة “محاكمة مسودة القانون” بشكل محترف لمحاولة تفادي إصدار قوانين قد تُعيق التطوُّر الاقتصادي والتنمية المستدامة والأمن الوطني والاجتماعي. ومحاكمة القانون تعني أنه بعد اقتراح القانون وكتابته وعرضه على الجهازين التشريعي والتنفيذي، يتم تعيين هيئة من أفراد السلطة التشريعية، وتكليف أكاديميين وأشخاص مختصين ذوي خبرة في مجالات مختلفة للتعليق على القانون أمام الجهاز التشريعي وعرض الثغرات والمشاكل التي قد تصاحب تطبيق القانون بشكله النهائي. وينطبق عليها ما ينطبق على جلسات القضاء، حيث تكون الجلسة علنيةً يمكن مشاهدتها عبر القنوات المحلية، ويمكن حضورها لمَن يحصل على تصريح الحضور. أخيرًا، أعتقدُ أنه لا يمكن أَخْذ مهمة التشريع من المختصين بالقانون كونهم يملكون الخلفية التي تساعد على عملية كتابته، لكن لا يمكن الاعتماد بالكامل على الخلفية القانونية؛ إذ إنَّ ذلك سيولِّد لدينا قانونًا جامدًا لا روح فيه. مثل البناء، يحتاج إلى مهندس بارع لإنتاج بناء ممتاز، لكن المهندس لا يمكنه لوحده البناء؛ وإنما يحتاج للمقاول والكهربائي والسباك… إلخ. وعلى ذلك، يُقاس البناء التشريعي والقانوني.

  • المداخلات حول القضية:
  • تحديات تطوير المنظومة التشريعية في الواقع السعودي:

أشار د. عبد العزيز الحرقان إلى أن إجراءات إصدار الأنظمة ودراستها تحكمها قواعد قرَّرها الملك في مرسوم ملكي وفي قرارات مجلس الوزراء، ومسارات التشريعات واضحة ومُحدَّدة ومُعتمَدة من الحكومة ومن الملك بصفته رئيس جميع السلطات، وذلك على نحو ما يُبيِّن الرسم التوضيحي التالي:

ويكمن أول تحدٍ يواجه تشريعات الأجهزة الحكومية في ضعف أو غياب إستراتيجيتها. والوضع الحالي المتبع في المملكة فيما يتعلق بإنشاء وتحديث الإستراتيجيات يبدأ بقرار من المسؤول الأول في الجهاز الحكومي حسب تقديره لحاجة الجهة، وللتغيرات التي طرأت عليها منذ أن وُضعت الإستراتيجية السابقة بناءً على نص المادة 22 من نظام مجلس الوزراء. الجدير بالإشارة إليه أنه لا يوجد مُسوِّغ نظامي يُلزِم المسؤول أو الجهة الحكومية بإنشاء أو تحديث الإستراتيجيات، كما لا توجد جهة مركزية تتولى حفظ الإستراتيجيات الحكومية ومتابعة تحديثها وتطبيقها. إضافةً لذلك، تتفاوت الأجهزة الحكومية في مدى وجود إستراتيجية فاعلة. بجانب عدم التجانس بين إستراتيجيات أجهزة الدولة المختلفة والتناقض فيما بينها في أحيان أخرى، واختلاف وتيرة تغيُّر الإستراتيجيات وتحديثها وتطبيقها. فبعضها يتغيَّر حسب قرار رئيس الجهة، وبعضها لا يُجرَى عليه أي تحديث يُذكَر، كما أنَّ كثيرًا من الأجهزة الحكومية لا يلتزم بالإستراتيجيات المُقرَّة. وقد وجدت دراسة لمركز قياس الأداء للأجهزة الحكومية بمعهد الإدارة العامة أن 46% فقط من الأجهزة الحكومية لديها وثيقة خطة إستراتيجية مكتوبة، وأن (27%) من الأجهزة الحكومية لديها خُطط إستراتيجية متفرعة من الخطة الإستراتيجية العامة لأنشطة الجهاز الحكومي.

وذكر د. عبد الإله الصالح أن التحديات التي نواجهها في التشريع في هذه البلاد تواجهها بلاد أخرى منذ عقود، وتعاملت معها بأساليب مختلفة؛ منها ما توجَّهت إليه الولايات المتحدة من إنشاء الهيئات التنظيمية (ليست تنفيذية) التي تملك بعض الصلاحيات التشريعية، والتساؤل: هل هذا مُطبَّق في بلادنا، وإلى أي حدٍّ، وما مدى النجاح؟

وفي هذا الإطار، ذكر د. عبد العزيز الحرقان أن المُتابِع للتجارب الدولية يلحظ الاختلاف تمامًا عن الحال في المملكة، حيث تتبع الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مسارات مختلفة في وضع الإستراتيجيات والتشريعات، مع اتفاقها جميعًا على المحددات التالية:

  • ضرورة وجود جهاز حكومي واحد عالي المستوى، يقوم على الإشراف على وضع إستراتيجيات وتشريعات الأجهزة الحكومية أو تحديثها.
  • ضرورة وَضْع إستراتيجيات وتشريعات الأجهزة الحكومية وتحديثها ضمن جداول زمنية محدَّدة.
  • أن ترتبط إستراتيجيات وتشريعات الأجهزة الحكومية ببعضها البعض بما يُحقِّق أهداف الدولة.
  • أن التنسيق والمواءمة بين إستراتيجيات وتشريعات الأجهزة الحكومية يؤدي إلى رفع كفاءة عملها، وتقليل نفقاتها.

والملاحظ في السعودية أن بعض الأنظمة المهمة مثل نظام الخدمة المدنية الذي بقي بدون تغيير لمدة أربعين عامًا، وكذلك إستراتيجية وزارة الخدمة المدنية التي لم تتواءم بالشكل السريع والكافي مع المتغيرات الاقتصادية في المملكة.

وتطرَّق أ. سليمان العقيلي إلى البُعد السياسي فيما يخصُّ تطوير المنظومة التشريعية في السعودية، بالتركيز على النقاط التالية:

  • أولًا: يُلاحِظ المراقب أن المملكة شهدت في السنوات الأخيرة (ثورةً تشريعيةً)، وهي أكبر قفزة في مجالات التشريعات والقوانين؛ إما لسد نقص قائم، أو لتطوير تشريع سابق. وهذا أمر مُلِحّ ومهم لأي عملية إصلاح اقتصادي وإداري واجتماعي، فتوفير الأسُس القانونية أمرٌ مُلِحّ لعبور المراحل الانتقالية الإصلاحية. والواقع أن طبيعة التكوين العلمي لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (بكالوريوس قانون) وبداية مسيرته المهنية الحكومية في هيئة الخبراء، وكذا الأمر لبعض كبار مساعديه، لها دورٌ كبير في دافعية عهد الملك سلمان – رعاه الله- نحو استكمال المنظومات التشريعية والقانونية.
  • ثانيًا: التشارك بين السلطتين التنفيذية (مجلس الوزراء) والتشريعية (مجلس الشورى) في إصدار التشريعات نابع من طبيعة النظام السياسي وتقاليده، وهي خصوصية سعودية نادرة في الأنظمة السياسية الراهنة، وربما تنظر القيادة السياسية في معالجة هذا الأمر في إطار الإصلاحات الوطنية الشاملة، بعد إتمام مسيرتي الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي القائمتين حاليًّا.
  • ثالثًا: من المهم التطرُّق إلى دور مناهل ومصادر الفلسفة التي يقوم عليها التشريع القانوني في المملكة، وأثرها على جودة القوانين ونجاعتها. فربما يُلاحَظ صراع خفي بين المدرستين الفرنسية والأمريكية في تشريعات القانون. حيث تعتمد الفلسفة الأمريكية على روح القانون (ويكرِّسها حاليًّا الخريجون السعوديون)، فيما تتشبث المدرسة الفرنسية بنصِّ القانون (وقد نشرها الخبراء المصريون ثم الخريجون). وربما يضرُّ هذا التضارب في القاعدة الفلسفية للتشريعات وعدم وحدة المصدر الفكري والفلسفي بالقانون السعودي، ومن ورائه القضاء الإداري والتجاري والمالي بالمملكة؛ وهو ما قد يؤثر في جاذبية الاستثمار في البلاد.

بينما أكَّد د. عبد الإله الصالح على أن معظم الأفكار التي تؤدي إلى تشريعات أو تعديل لتشريعات تنطلق من الجانب التنفيذي، والجانب التنفيذي مسؤول في الغالب عن ترجمة الإستراتيجيات والخُطط إلى واقع من خلال وسائل متعددة، إحداها التشريع والتنظيم؛ ولذلك فالتنسيق يكون بوسائل ومن خلال أجهزة تنفيذية. والتشريعات الجديدة تعتبر في لغة برامج الرؤية مشاريع.

وعقَّب م. خالد العثمان بأنه ليس هناك مشكلة في أن تنبع فكرة التشريع من جهة تنفيذية، لكن لا بد أن تتبع منظومة مُحكمة تضمن فصل التأثير الانتقائي للجهة التنفيذية على نص التشريع، وهذا هو صُلب مبدأ فصل السلطات. كذلك، فإن مخاطر هذا التعارض في الصلاحيات التشريعية والتنفيذية يتفاوت بتفاوت مستوى التأثير. على سبيل المثال، التشريعات والإجراءات التي تضعها وزارة العدل في الآونة الأخيرة ذات أثر كبير جدًّا مقارنة بمستويات أخرى من التشريعات، خصوصًا وهي تملك كذلك درجة من التأثير على السلطة القضائية، وكمثال على ذلك: هل درست وزارة العدل الأثر الاجتماعي والاقتصادي لأتمتة وتسهيل إجراءات الطلاق والخلع والقضايا العمالية وغيرها؟ وهل صدرت هذه الإجراءات أصلاً من جهة اختصاص وصاحب صلاحية فعلية بهذا المستوى من التأثير الواسع؟ مثال آخر: مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية التي أعلنت عنها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تمثِّل تغييرًا هيكليًّا عميقًا في منظومة العمل ودور الوافدين فيه، في الوقت الذي تفتقر حتى الآن إلى الكثير من التفاصيل الإجرائية المهمة والمحورية التي لمَّا يُعلَن عنها بعدُ بالرغم من أنها ستكون محلَّ التطبيق بعد شهرين فقط.. فهل درست الوزارة أثر هذه المبادرة على التركيبة السكانية والقطاع الاقتصادي ومختلف جوانب التأثير؟ وهل يمكن أن يخرج مثل هذا التشريع بمستوى قرار وزاري فقط؟

وفي تصوُّر م. سالم المري، فإنه ممَّا لا شك فيه أن للتشريعات دورًا مهمًّا وأساسيًّا في تقدُّم الدول وتطوُّرها، والتشريعات في المملكة لا ينقصها الكم؛ ولكنها تعاني كثيرًا في شرعيتها وفاعلية تطبيقها. ويمكن ردُّ ذلك لعدّة أسباب، منها:

  • عدم الاعتراف بالقانون أصلاً من قِبل السلطة القضائية، فهذه السلطة ما زالت إلى حدٍّ كبير لا تعترف بالقانون؛ ولذلك نُسمِّيها أنظمةً، وتعتبر الشريعة الإسلامية – كما يراها القاضي – هي المرجع الوحيد والفصل.
  • هناك تداخل وعدم فصل بين السلطات في المملكة؛ ولذلك نجد الكثيرَ من اللوائح التنفيذية والتنظيمية المُعَدَّة من الوزراء أقوى من الأنظمة في كثير من الأحيان.
  • شرعية القانون في الدول المشار إليها في الورقة والتعقيب (فرنسا وأمريكا) مستمدَّة مباشرة من الشعب عن طريق ممثِّلين مُنتخَبين في المجالس البرلمانية؛ بينما مرجع الأنظمة التشريعية في المملكة وسندها السلطة التنفيذية؛ ولذلك يمكن تعديلها أو اختراقها من الجهات التنفيذية.

وأضافت د. نجلاء الحقيل أن أمريكا تعتمد على السوابق القضائية كمصدر أساسي للقانون، ولكن المثير للاهتمام هو أن المحاكم لديها لا تقرُّ ولا تُشرِّع قانونًا؛ وإنما تُقرُّ حقًّا من الحقوق القانونية، والتي يطرأ عليها التعديل في أحكام المحكمة العليا المستقبلية، ولكن لديها أنظمة ذات نصوص قانونية وهي تُسمَّى قبل إصدارها بالـ bill، وهذه تمرُّ بإجراءات طويلة ويتم مناقشتها كمسودة بشكل مُسهب أولًا من ِقبل المختصين سواء كانوا مختصين في الجهاز التشريعي أو خارج الجهاز التشريعي، وبعد ذلك تُحال إلى مجلس الشيوخ والكونجرس، وبعدها تُحال إلى الرئيس للموافقة عليها وجَعْلها نافذةً.

وفي اعتقاد د. رياض نجم، فإن بعض الأجهزة الحكومية تخلط بين دورها التشغيلي operational والتنظيمي Regulatory، وبعضها يقوم بالدورين في آنٍ واحدٍ، وهذا خللٌ كبير يساعد على التداخل الحاصل بين التنفيذ والتشريع. كما أن هناك خللاً في التسمية أحيانًا. فالمُسمَّى المناسب للمُنظِّم هو “هيئة….” والمُشغِّل “مؤسسة….” ولا نجد هذا التفريقَ مُطبَّقًا في كثير من الأجهزة الحكومية، بل إن بعضَها يُغيِّر المسمَّى (لا سيما باللغة الإنجليزية)، كما يحلو له.

وأضاف م. خالد العثمان أن إحدى نتائج سطوة الرؤية التنفيذية الحكومية في صياغة التشريعات هي غياب التوازن الموضوعي في العلاقات التعاقدية بين القطاعين العام والخاص، وكثيرًا ما نجد نماذج العقود والاتفاقيات منحازةً بشكل واضح وفادح لحماية الطرف الحكومي في العلاقة التعاقدية، بما يجعل تلك العقودَ أقربَ إلى أن تكون عقودَ إذعان. والغريب أن هذا المشهد ليس محصورًا فقط في العلاقات التعاقدية التي تختصُّ بالمشتريات الحكومية، بل كذلك في اتفاقيات الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتي يُفترَض فيها التوازن المبنى على مصالح الطرفين ونموذج win – win، بشكل يُكرِّس مفهوم الشراكة وتضافُر الجهود بين الطرفين.

  • أهمية تطوير المنظومة التشريعية:

تناول أ. عاصم العيسى أهميةَ تطوير المنظومة التشريعية والحاجة إلى ذلك في ضوء ما توضِّحه النقاط التالية:

  • تكامل الأنظمة، ووضع هيكل عام يجمعها:

تاريخيًّا، لم يكن التركيز على التقنين، ثم جاءت الأنظمة لسدِّ الثغرات لمواكبة ما يحتاجه المجتمع والدولة من تطوُّر، وقد أدَّى ذلك لوجود تشريعات متفرقة غير مكتملة، ومثال ذلك: وجود نظام للتعاملات الإلكترونية تطرَّق لبعض الجوانب القانونية والشرعية للبيوع متى ما تمَّت إلكترونيًّا، في حين لا يوجد نظام للتعاملات من أساسه، يُنظِّم جميعَ أوجه البيع والرهن… إلخ. ومثال آخر: وجود نظام للجرائم المعلوماتية يُجرِّم الإساءة للغير متى ما تمت بوسيلة إلكترونية، في حين لا يوجد نظام يُقنِّن ويُجرِّم الإساءة بصورة عامة. ولذلك، نجد أن المتقاضين والمحامين لا تُسعِفُهم دومًا الأنظمة، وباستمرار نجد أن أمورًا مهمةً ثابتة غير مقنَّنة وغير مُشرَّعة، فيُسبِّب غياب النص ضعفًا عامًّا في إصدار الأحكام العادلة. ومن هنا، فالدعوة مؤكدة لوضع خريطة عامة لجميع الأنظمة في المملكة، تضمُّ الأنظمة الأساسية والفرعية، وأبرزها: النظام المدني، والنظام الجزائي، ونظام الأحوال الشخصية، وغيرها، وهذا لا شك سيمنع التناقضات ويسدُّ الثغرات ويُعين المتعاملين وأهل الاختصاص؛ وبذلك يتحول العمل التشريعي من اقتراحات لمعالجة أزمات أو مشكلات محدَّدة إلى عمل مؤسسي مُنظَّم ومُستقِّر يتسم بالثبات والاستقرار.

  • التأكيد على مشاركة الجمهور والمعنيين بالتشريع، في دورة إعداد وصياغة التشريعات:

تنطلق دورة التشريع في غالب الأحيان من الوزارة المعنية، ومرورًا بالجهات والإدارات التشريعية، من هيئة الخبراء بمجلس الوزراء ومجلس الشورى ومجلس الوزراء ولجانه، والعمل جارٍ حاليًّا على أَخْذ مرئيات العموم إما بطرح المشروع على العامة، أو بمشاركة أحيانًا من الغرف التجارية؛ ولكن قراءة الواقع والمنتجات تتطلب تأصيلَ مبدأ مشاركة المعنيين بتطبيق الأنظمة، لأَخْذ مرئياتهم بصورة تكاملية شاملة وأعمق، فهم أعرفُ بالسوق وتشعباتها وآثار التشريعات؛ وهو ما يتطلب سنَّ التشريعات المُلزِمة للمشاركة الحقيقية الفعَّالة مع من تُطبَّق عليهم الأنظمة قبل سَنِّها.

  • شمولية التشريعات:

يُلاحِظ المتابع لحركة التشريعات تركيزَها على الأمور الاقتصادية والاستثمارية والمالية؛ في حين أن حركة المجتمع والشباب والفتيات وما يتعلق بتطوره (أي المجتمع)، وما ينتج عن ذلك من آثار، سواء لكثرة الطلاق أو لتأخُّر الزواج أو للرعاية الاجتماعية أو لكثرة المشاكل، أو لرفاهية الحياة، أو للأمراض النفسية، أو لأسباب الانحراف والإرهاب، واستقرار الأنفس والمجتمع، وغير ذلك الكثير مما يرتبط بالنفس والمجتمع، وفي غاية الأهمية لبناء حياة مستقرة كريمة تسهم في بناء الوطن؛ كل ذلك يحتاج أيضًا التركيز عليه في التشريعات.

  • أهمية الرقابة على التطبيق:

يحصل في التطبيق تأخُّر وتعطُّل وعدم فَهْم للنظام وتقاعُس مسؤول، وإهمال، وضياع حقوق؛ وكل ذلك تحرص الدولة مشكورةً على تفاديه ومعاقبة المسؤول عنه، وتفعيله يتطلب أجهزةً رقابيةً مستقلةً يُرجَع إليها عند حدوث الخلل في التطبيق، ولا نعني بذلك هيئة الرقابة لمكافحة الفساد، فجهدها ملموس، ولكن الحاجة أيضًا لمَن يساندها.

  • دراسة الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على تطبيق الأنظمة والتشريعات:

وقد تُوكَل هذه المهمة للمركز الوطني للدراسات الإستراتيجية التنموية، الصادر بتنظيمه قرار مجلس الوزراء رقم (364) وتاريخ 1/9/1437هـ.

  • دراسة الواقع باستمرار:

دراسة وتحليل إشكاليات الواقع باستمرار، وإيجاد مراكز للبحث والتحليل، تُعالج وتدرس النقص في التشريع أو الخلل في التطبيق أو ما ينتج عن التطبيق من آثار غير تكاملية أو سلبية لا سمح الله، ومن أمثلة ذلك:

  • تشخيص واقع التخصيص:

وأهم التوصيات تتعلق بفصل الأدوار الإشرافية وما تقوم به من رسم للسياسات، عن الجهة التنظيمية وما تقوم به من الأدوار المنظِّمة للخدمات، وعن الأدوار التشغيلية والتنفيذية، ومناسبة اقتصار التخصيص على الجوانب التشغيلية، وعدم إسناد أي دور إشرافي أو تنظيمي إلى القطاع الخاص. ومن ذلك أيضًا: دراسة القيمة المضافة للتخصيص، وقياس التكلفة المالية له.

  • تشخيص واقع الرسوم:

كان واضحًا حرص الدولة وتوجُّهها على تطوير الخدمات ومشاركة المستفيدين منها بدفع الرسوم، ولكنه في المقابل كان واضحًا آثار ترتبت على دفع الرسوم، بعضها إيجابي وبعضها سلبي، وبات من الأهمية باستمرار مراجعة الآثار للرسوم، مع استمرارية واستقرار القطاعات الاقتصادية وملاكها والعاملين فيها، على أن يكون ذلك بصورة شمولية لتأمُّل الآثار على جميع الأصعدة والقطاعات، ولعل من المناسب أنَّ مَن يقوم بتقييم التكلفة الاقتصادية للرسوم يكون جهةً مستقلة، لا أن تُجريه الجهة التنفيذية.

  • تشخيص واقع المتعاملين في السوق المالية:

تحرص هيئة السوق المالية ولجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية على استقرار السوق المالية، ومخالفة وتغريم المخالفين والمتلاعبين فيها، وقد حكمت عليهم بتغريمهم بمئات الملايين، إلا أن المتضررين لم يجدوا آليةً وقراراتٍ واضحةً لتعويضهم، ومن المناسب سنُّ التشريعات التعويضية، لاستقرار السوق وحماية المتعاملين وجذبهم لها.

  • تشخيص واقع المتعاملين مع البنوك:

تحرص الدول على استقرار البنوك، ولكن ذلك لا يُشترط أن يكون على حساب التجار والمتعاملين معها، فالجميع أبناء الوطن ويجب حمايتهم، وتساهم بنوكنا في عجلة التنمية، ولكن الملاحظ كثرة شكاوى العملاء، مما يجدر دراسة الأسباب ومعالجتها، بل التأكيد على البنك المركزي للقيام بواجباته الرقابية والإشرافية على أعمال البنوك، وعدالة السياسة الائتمانية بما يدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة جنبًا إلى جنب مع الكبيرة، وبما يدعم توجهات رؤية بلادنا حفظها الله، وكذلك مراجعة العقود لتكون متوازنةً عادلةً، ودراسة أسباب خسائر المقاولين والمتعثرين، وعلاقة ذلك بالتمويل.

وما سبق مجرد أمثلة، وباستمرار تحتاج التشريعات والقائمون عليها من جهات تنظيمية وتنفيذية، إلى التطوير والمراقبة.

  • آليات تطوير المنظومة التشريعية في المملكة:

أشار د. محمد المقصودي إلى أن ما حدث من تطوير تنظيمي خلال العقدين الماضيين في جميع المجالات القضائية والاقتصادية والتنموية يعتبر نقلةً نوعيةً في مجال التخصص التنموي للوزارات المحتاجة ولمتطلبات المجتمع، على الرغم من العيوب الحاصلة في التداخل بين بعض الأنظمة، وكذلك استغلال بعض الوزارات عدم وجود رقابة عليها في وضع بعض التنظيمات الداخلية والتعاميم التي غالبًا ما تصادر على النظام الذي وُضع من سلطة أعلى، وهي بذلك تقتل النظام بشكل مباشر وغير مباشر، وتتجرأ على مبدأ فصل السلطات، وهذه المشكلة أزلية ولن تُعالَج إلا بوجود الرقابة التشريعية والقضائية الفاعلة.  ولا يكفي هنا وجود مجلس الشورى الذي يكتفي بالمراجعة الأولية السطحية في الغالب للأنظمة. ولا يكفي كذلك وجود ديوان المظالم ومحاكمه الإدارية التي ينصبُّ عملها في كونه إجراءً علاجيًّا لاحقًا، مع ملاحظة ضعف مخرجاته أخيرًا، والتي غالبًا ما تجامل فيها الأجهزة الحكومية المُصدِرة للقرارات المُخالفة للمشروعية في أحد أركانها الخمسة، وهي: السبب، والمحل، والشكل، والإجراءات، والغاية.

وواقع الأمر أنه حانَ الوقت مع رؤية 2030 وحتى تُحقِّق مسارَها المُخطَّط له أن يُعاد بناء البيئة التشريعية السعودية لمواكبة تحديثات وتحديات المرحلة القادمة، حيث تحتاج إلى إعادة صياغة وإنشاء القوانين من خلال تبنِّي فكرة تقنين القانون الواحد بكافة تفصيلاته؛ من خلال جَعْل كافة المخاطبين به يرجعون لمرجعية واحدة دون تشعُّب، كما هو حاصل حاليًّا في بعض القوانين، مثل: قوانين العمل والموظفين التي شهدت مبالغةً تنظيمية غير صحية بكل المقاييس ولا زالت، والأنظمة القضائية والعدلية، ونظام المنافسات والمشتريات، وغيرها. ومعضلة حال تشعُّب وتعدُّد الأنظمة واللوائح والضوابط والتعاميم الإدارية التي كثرتها تعني وجود خلل وعوار في البنية والصياغات القانونية السليمة، وفكرة التوحيد المشار لها تساعد البناء التنظيمي على تقرير مبدأ الوحدة المتكاملة للقانون دون تشعُّب.

وتحقيق ذلك لن يتم بتكرار انتقاد الوضع القائم وتحميل بعض الأجهزة ما لا يُحتمل، كمجلس الشورى الذي لا يعتبر برلمانًا بالمفهوم القانوني الصحيح. وهنا يمكن إنشاء وزارة متكاملة تكون مستقلة تحت مُسمَّى وزارة الشؤون القانونية، لتحلَّ محل هيئة الخبراء بمجلس الوزراء التي أدَّت دورها مشكورةً، وليكن دورُها حلَّ كلِّ تلك الإشكاليات المشار لها؛ وذلك بتبنِّي أفكار المدارس القانونية العالمية، وتطوير المنهجيات والدراسات والبحوث، واقتراح الأنظمة وإلغائها، وضبط التناقض لنصل إلى مرحلة تواكب تطلعات المرحلة القادمة في التحوُّل الاقتصادي والبناء المعرفي.

ولا يُكتفَى بذلك ليكتمل ضبط المنظومة التشريعية، بل من الأهمية بمكان إنشاء محكمة دستورية عليا تساعد المحكمة العليا الشرعية، ويكون من مهامها:

  • الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة.
  • تفسير نصوص النظام الأساسي للحكم والقوانين في حال التنازع حول حقوق السلطات الثلاث وواجباتها واختصاصاتها.
  • الفصل في تنازُع الاختصاص بين الجهات القضائية والجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي.
  • الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين؛ أحدهما صادر من جهة قضائية أو جهة ذات اختصاص قضائي، والآخر من جهة أخرى منها.
  • يكون للمحكمة الدستورية في سبيل القيام بالاختصاصات المنوطة بها ممارسة كل الصلاحيات في النظر، والحكم بعدم دستورية أي تشريع أو تنظيم أو تعميم عمل مخالف للدستور أو التدرُّج التشريعي، أو وُجِد به تضارُب مصالح (كليًّا أو جزئيًّا (.
  • عند الحكم بعدم دستورية أي قانون أو مرسوم أو لائحة أو نظام أو قرار جزئيًّا أو كليًّا، فعلى السلطة التشريعية أو الجهة ذات الاختصاص تعديل ذلك القانون أو المرسوم أو اللائحة أو النظام أو القرار بما يتفق وأحكام القانون الأساسي والقانون.
  • عند الحكم بعدم دستورية أي عمل يعتبر محظور التطبيق، على الجهة التي قامت به تصويب الوضع وفقًا لأحكام القانون الأساسي والقانون، ورد الحق للمتظلم أو تعويضه عن الضرر أو كلاهما معًا.

في حين ذكر د. صدقة فاضل أن الفقه العلمي السياسي قد أشبع قضية تطوير المنظومة التشريعية بحثًا وتمحيصًا، وخلص إلى ضرورة أن يكون وضع التشريع في قالب معين يسود العالم الآن. وحريٌّ بنا أن نستفيد من هذه الدراسات، بما يخدم بلادنا، وفي إطار ما لها من خصوصية معروفة.

ويرى م. سالم المري أن الأنظمة في المملكة جيدة من حيث الكم وتغطية المتطلبات، وما ينقصها هو موضوع قرار سياسي يتعلق بفصل السلطات والاعتراف بالقانون، وتعديل الاسم من نظام إلى قانون، وإعطاء بعض الشرعية الشعبية للمشرعين عن طريق انتخاب نسبة من المجلس كما هو حاصل في المجالس البلدية، وإيكال كل ما يتعلق بالتشريع لمجلس الشورى، ومنع الجهات التنفيذية من إصدار التشريعات.

وذهب أ. محمد الدندني إلى أن سنَّ القوانين والتشريعات لا يكون من مهمة مجلس الشورى، على افتراض أن الدستور (النظام الأساسي للحكم) قائم، وهنا دور مجلس الشورى يجب أن يكون تمثيلَ رأي المجتمع بأفراده ومؤسساته. دور المجلس هنا أيضًا تقديم تعديلات أو حتى اقتراح قوانين جديدة ربما تجبُّ قانونًا سابقًا أو تُعدِّله. نحتاج إلى الديناميكية والمراجعة حتى لا نُصاب بالجمود، وأقلها هنا قناعة الكل أنها قوانين لمرحلة معينة، ربما تنتفي الحاجة لها أو تتغير.

أما د. منصور المطيري فيرى أن ما يجب أن ننتبه إليه في مجال سنِّ الأنظمة هو التفريق بين صناعة الأنظمة والقوانين وصياغة الأنظمة والقوانين. فالصياغة ناحية فنية، وصناعة الأنظمة عملية عميقة وحسَّاسة؛ فصناعة القانون مرتبطة بالحاجة والقدرة على تحديدها، وبالكفاءات التي تستطيع وضع القانون الذي يخدم المصلحتين العامة والخاصة ويُحقِّقهما، والمقصود بالمصلحة هنا مصلحة كافة الأطراف ذات العلاقة، وأهمها الأطراف التي لا يُمثِّلها أحدٌ كالجمهور العادي، وهذا يتطلب وجود كفاءات مُدرِكة لفلسفة النظام بشكله الكلي الذي يتبناه البلد. والتصوُّر أنَّ كفاءة القانون والنظام بحسب جودة صناعته. كما أن الحاجة أيضًا هي التي تُسرع في إنتاج النظام، وعدم إلحاح الحاجة هو الذي يُبطِّئ في إخراجه. كما أن تسلسل إصدار القوانين يصبح مناسبًا جدًّا لو أضيف إليه ما أشارت إليه د. نجلاء من ضرورة إيجاد آلية لمشاركة “الجمهور” في صياغته. والاقتراح أن يتولى مجلس الشورى هذه الآلية، بعد أن يحدِّدها بشكل جيد. ليكُنْ مجلس الشورى مُمثِّلًا للجمهور أو أصحاب العلاقة غير الحكومة، وهيئة الخبراء ممثِّلة للحكومة أي لرؤيتها للمصلحة، ومُقترِح القانون ممثِّلاً لصاحب المصلحة من وراء اقتراح التنظيم. فوجود مَن يمثِّل وجهة النظر الأخرى (أي وجهة نظر الجمهور) في سنِّ القوانين أمرٌ مهمٌّ؛ لأن هناك قوانين صدرت فيها ضرر على الجمهور، لأنه لم يشارك في صياغتها. وللتمثيل على تجاهل حق الجمهور في التنظيمات أو اللوائح، تلك التنظيمات التي تخصُّ البنوك، وتصدر من مؤسسة النقد (كنسبة تحصيل الأرباح من التمويل، حيث يعتبر ما تحصل عليه البنوك أولًا من أقساط التمويل هو الربح، فإذا استوفته يكون الباقي الذي تستوفيه هو رأس المال، وفي الوقت نفسه يعتبر كامل المبلغ بالأرباح حقًّا لها تستوفيه في حال التعثُّر). إنَّ وجودَ هيئة الخبراء منفصلةً عن مجلس الشورى – كما هو الحال حاليًّا – يخدم المصلحة العامة أكثر. طبعًا، نظرية الفصل بين السلطات غير مكتملة عندنا، ولم تتأسس بشكل عميق، وتحتاج إلى وقت.

وأشارت د. وفاء طيبة إلى أن بعض التشريعات والإجراءات يمكن أن يكون منشأها توصيات لمجلس الشورى بناءً على تقارير الجهات الحكومية، وهذا من أدوار المجلس غير الواضحة للمواطن. بالإضافة بالطبع للتعديلات على الأنظمة المقترحة حسب المادة ٢٣. كما أن بعض الأنظمة منشأها الأساس مجلس الشورى أو حتى بعض جهات المجتمع المدني، كما في نظام الحماية الذي قُدِّم من مؤسسة الملك خالد الخيرية. وهناك ما ينصُّ على أن مجلس الشورى هو صوت المواطن، وكانت هناك قناة لوصول صوت المواطن للمجلس ولكنها لم تكن مفعَّلةً بالطريق الصحيح للأسف، وكانت لجنة حقوق الإنسان تُسمَّى (لجنة حقوق الإنسان والعرائض)، وكانت تصل للمجلس عرائض كثيرة (وهي تختلف بالطبع عن المقصود هنا بصوت المواطن)، لكن حتى هذه أُلغيت في الدورة السادسة. والتصوُّر أن مواقع الوزارات وموقع مجلس الشورى يمكن أن يكون لها دور فاعل في توصيل صوت الجمهور بترتيب معين؛ ولكن المهم هو دراسة هذا الصوت بالفعل والاستفادة منه، وإشعار المواطن أنه تمَّ الاستفادة منه بآلية معينة أيضًا، بهذه الطريقة يكون هناك تلاحم أكبر بين الحكومة والشعب.

وبدوره أضاف د. عبد الإله الصالح أن صياغةَ القوانين والأنظمة في كثير من الدول المتقدِّمة هي تخصُّص تُفرَد له دورات وشهادات ومناهج. ومن ناحية أخرى، فإن رأي العموم أو رأي أصحاب العلاقة أو رأي أصحاب المصلحة يعَدُّ إجراءً تشريعيًّا إذا كان مما وُضِع شرط أو خطوة في النظام الذي ينظِّم عملية التشريع.

وأوضحت د. نجلاء الحقيل أن استطلاع رأي العموم يحتاج إلى منهجية واضحة، ولكن أساسها يعتمد على تقسيم القياس إلى شقين: الشق الأول يرتبط بالإعلان عن مشروع النظام ومطالبة الجميع بالمشاركة فيه، الشق الثاني: استدعاء المختصين في المجالات المختلفة لتقديم رأيهم ومناقشته؛ وذلك لضمان الاستفادة من الخبرات الحقيقية التي يمكن دراسة رأيها بشكل يُحقِّق أبعادًا إيجابيةً في المنظومة التشريعية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية.

بينما عقَّب م. خالد العثمان بأن بعض الجهات الحكومية تدعو أحيانًا مجلس الغرف السعودية والغرف التجارية ولجانها القطاعية للمشاركة في استقصاء الرأي، وأحيانًا بعض جلسات وورش المداولات تكون حول مشروعات بعض الأنظمة والتشريعات خصوصًا ما يتعلق منها بمجالات تجارية أو اقتصادية، لكن من التجارب والمشاهدات السابقة فإن هذا المنهج لا يُغني عن المناقشة الموضوعية المتخصِّصة؛ إذ إنَّ تمثيل مجلس الغرف والغرف التجارية لا يخضع بالضرورة لمعايير موضوعية ومهنية في اختيار الأعضاء، وهناك مؤثرات شخصية عديدة تُسهم في وصول البعض إلى تلك المواقع. المطلوب على أرض الواقع محاكمة للقانون، وهو ما يتأتى من مناقشة متخصِّصة من أصحاب العلاقة بمعايير احترافية تضمن موضوعية الحوار.

ومن جانبها، ترى د. عبير برهمين أن هناك كثيرًا من التشريعات والقوانين بحاجة إلى متخصصين لصياغتها أولاً، وبحاجة إلى ضبط أدائها وتنفيذها ثانيًا، وتصحيحها من حين لآخر حسب المستجدات وحسب مؤشرات الفعالية ثالثًا. وهذه التعديلات لا بد أن يتم فيها الاستعانة بآراء المعنيين بهذا التشريع، من مُنفِّذين على أرض الواقع ومستفيدين ومتضررين. ولعلَّ نظام الأحوال الأسرية كمثال يمكن أن يُوضِّح أنه على الرغم من أن كلَّ ما يخصُّ قضايا الأحوال الأسرية قد ورد ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة (مصدر التشريع الأساسي للحكم)، إلا أن هناك تفاصيل تنفيذية تحتاج إلى سنِّ قوانين وآليات تضمن كفاءةَ التنفيذ. فمثلاً، حقُّ النفقة للأولاد يوجد به نصٌّ قرآني إلا أن آلية تنفيذ النص كانت بحاجة لمراجعة واستفادة من آراء المتضررين. وما ينطبق على المثال المُدرَج قد يكون صحيحًا في كثير من التشريعات والقوانين التي هي بحاجة إلى مراجعة وتصحيح استنادًا على مواقف حصلت وتبيَّن ضررها. جديرٌ بالذكر أنه في بعض الأحيان قد تطرأ بعض المستجدات (ليست بالضرورة ضرر ما على شخص أو جهة) تستوجب المراجعةَ، والتي تحتاج إلى رأي الخبراء والمختصين وكذلك المستفيدون والمتضرِّرون ومَن يقوم بتنفيذ الإجراء.

وركَّزت أ. فائزة العجروش على ضرورة إعطاء الصلاحية للقانونيين في وضع النصوص التشريعية، لكن بعد الأَخْذ برأي الخبراء والمختصين كلٌّ في مجاله، وبعد القيام باستطلاع آراء العموم والمناقشة المتخصِّصة مع أصحاب العلاقة بمعايير احترافية، كما ذكر م. خالد. كما أنَّ من المهم استطلاع آراء المعنيين بهذه الأنظمة سواء كانوا موظفين أو جمهورًا أو مستفيدين، قبل إصدارها أو تعديل ما هو مُطبَّق فعليًّا، مع الأخذ بعين الاعتبار ما تتناوله وسائل التواصل الاجتماعي من قضايا مجتمعية؛ فالمطالبات في ضوء المستجدات المتسارعة في المجتمع قد تؤدي لتغيير بعض الأنظمة غير المدروسة جيدًا، ومَنْع وقوع الضرر البالغ على أحد الأطراف، ومنها على سبيل المثال: ما رأيناه مؤخرًا من ظهور حالات حوادث العنف الأسري عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وما واجهته بعض السيدات من سوء استغلال الولاية، وظُلم بعض الأنظمة المُطبَّقة على نزيلات دور الرعاية الاجتماعية أدَّى لإلغاء بعض هذه الأنظمة وتغيير الأخرى.

وتطرَّقت د. فوزية أبو خالد إلى الحاجة إلى الموازنة في التشريعات بين المنشود والواقع من ناحية، وفي ضوء حساسية عدلية عالية ومُعبِّرة عن شراكة بين الخبراء والمختصين وبين المخدومين أو المستهدفين بالتشريع.

وذكرت د. فوزية البكر أن التشريعات مهما كانت متقدِّمة تظلُّ محكومةً عند تطبيقها بطبيعة الثقافة السائدة؛ ولذا فالوزير قد يُحابي مَن عنده مِن موظفين، وقد يُصدر ما يحميهم لكنه ليس بالضرورة متوافقًا مع المصلحة العامة، وكذلك الأمر بالنسبة للمنصة الجديدة التي تحاول استقراء رأي المعنيين، فهل تعلَّمنا الجهر بآرائنا دون خوف من سلطة فوقية؟ لعل الدعوة إلى توحيد سنِّ التشريعات في إدارة واحدة مُقلِق؛ فالبيروقراطية التي هي جزء من منظومة العمل الحكومية لدينا (وهذا موضوع ثقافي أيضًا) ستشلُّ القدرة على الاستفادة من هذا المُقترَح لتفادي التضارُب الموجود حاليًّا.

وبدوره أوضح م. خالد العثمان أن فهم الخلفية الثقافية لا يقلُّ أهميةً عن فَهْم الأثر الاقتصادي والاجتماعي الذي ندعو إليه عند صياغة التشريعات. ولعلَّ بعض مكونات الخلفية الثقافية تُبرِز صفات “الفزعة والشللية والسلطوية وحب النفوذ والظهور والاستئثار”؛ في مقابل مُحفِّزات إيجابية أخرى، مثل الولاء والحرص والأمانة والخشية من التقصير وغير ذلك. مثل هذه الدوافع تُفضي إلى تصرفات وممارسات سلبية الأثر بالرغم من جدارة الدافع، وربما العكس أحيانًا. ولذلك، فإن الحوكمة والمنهجية الموضوعية والعمل الجماعي وفصل السلطات وكل هذه المبادئ، هي ما يمكن أن يحمي المنظومةَ التشريعيةَ ومختلف مستويات ومناحي وموضوعات التنمية من المؤثرات الشخصية الثقافية، ويعزلها عن التأثير السلبي المرفوض.

أما أ. جمال ملائكة فذكر أن في الولايات المتحدة هناك: (1- قوانين المدينة، ٢- قوانين الولاية، ٣- قوانين فيدرالية)، لكن القانون الفيدرالي مهيمن على كل القوانين إنْ كان هناك تعارض، وربما علينا الاسترشاد بهذه الآلية.

وفي اعتقاد د. نبيل المبارك، فإن أول ما يجب الفصل فيه في هذه القضية هي مسألة: هل نتحدث هنا عن قانون أو نظام؟ والواقع أننا يجب أن نتخذ قرارًا كوطن في هذا المجال، فالكثير من المسميات كانت بسبب مخاوف شرعية، واليوم ذهبت تلك المخاوف من استخدام كلمة “نظام” بدلاً من “قانون”، والقياس يطول في هذا الجانب.

وفي تصوُّر م. إبراهيم ناظر، فإن أساس المشكلة يكمن في أن هناك سلطتين (تنفيذية وتشريعية) لم ينص نظام الحكم الأساسي على الفصل بينهما؛ فمجلس الوزراء مُكوَّن من الوزراء الذين هم مَن بيدهم التشريع والتنفيذ، ومجلس الشورى دوره مراجعة الأنظمة أو تحسينها، ودوره ثانوي ليس إلا، وهيئة الخبراء مع خبراتهم القانونية هي أحد الأجهزة التابعة للسلطة التنفيذية في وضعها الحالي، ويستطيع الوزير وقف وتبديل أي مسودة نظام صادرة من هيئة  الخبراء، ونحن هنا لن نخترع العجلة، فالعالم سبَقنا في هذا المجال، ونظام الحكم الأساسي نصَّ على وجود سلطات ثلاث هي: القضائية والتنظيمية والتنفيذية، ونصَّت المادة ٤٦ على أن القضاء مستقل ولا يخضع إلا لنصوص الشريعة الإسلامية. أما فيما يخصُّ السلطتين التنفيذية والتشريعية فالغموض بينها لم يُبَتّ فيه. واتفاقًا مع ما ورد في مداخلات أخرى، فإن من المهمِّ العمل على:

  • أن يكون سَنُّ القوانين وإقرارها منوطًا بجهة مستقلة تمامًا عن الوزراء ومجلس الوزراء، وأن الوزراء لهم الحقُّ في اقتراح الأنظمة فقط والقرارات التنفيذية في حدود الأنظمة.
  • أن يكون هناك محكمة دستورية لها الحقُّ في البتِّ في دستورية الأنظمة وتعارُضها.
  • استقلال هيئة الخبراء عن مجلس الوزراء.

وترى د. عفاف الأنسي أن دراسة تعارُض الأنظمة والقوانين يكون من هيئة الخبراء إذا تمَّ اقتراح أن تكون مستقلة، وترجع لها المحكمة الدستورية كجهة خبرة مستقلة؛ بحيث تكون المحكمة الدستورية جهةَ الفصل في منازعات تعارُض الأنظمة.

وذكرت د. نجلاء الحقيل في هذا الإطار أن المملكة ليس لديها دستور، وإنما لديها قوانين دستورية متمثِّلة في نظام الحكم ونظام مجلس الوزراء ونظام مجلس الشورى ونظام المناطق ونظام هيئة البيعة؛ وبالتالي هناك حاجة لمحكمة دستورية.

ومن ناحية أخرى، فإن ثمةَ حاجةً إلى الاهتمام بعلم التشريع سواء على المستوى الأكاديمي في التدريس الجامعي أو على مستوى الدورات المتخصصة ذات الشهادات المعتمدة عالميًّا، بالإضافة إلى إنشاء مراكز أبحاث مستقلة تابعة لهيئة الخبراء، تتناول القضايا التي تحتاج إلى تشريع، وعمل الدراسات اللازمة من قِبل مختصين يتمتعون بكفاءة عالية علميًّا وثقافيًّا ومشهود لهم بالنزاهة، وعمل إستراتيجية جادة لعمل هذه المراكز للتأكُّد من حرفية أعمالهم.

ومن ناحيته، يرى د. مساعد المحيا أن البيئة التشريعية في المملكة ومدى إلزام والتزام الجهات الحكومية والخاصة بما تنتجه من قوانين وأنظمة في ضوء وجود كثير من الاستثناءات التي تنصُّ عليها أحيانًا ما يُسمَّى باللوائح المُفسِّرة أو التنفيذية، أو تغيُّرات طارئة تُربك العملَ الاقتصادي وغيره؛ من شأنه أن يُقلق المستثمر الأجنبي، أو يُضعِف إقبال المستثمرين، وبخاصة في جوانب الحقوق والواجبات؛ ومن ثَمَّ ما قد يتعرض له من محاسبات أو مطالبات بتعويضات أو قضايا في المحاكم، وحيث إنَّ التشريعات هي الإطار الذي يضمن استقرار بيئات العمل؛ فإن من الضروري أن تتمتع القواعد القانونية أو الأنظمة التشريعية برسوخ تام يتيح للمستثمر والمستهلك أن يتنبَّأ بمجريات الأمور في ضوء أيِّ تغير يطرأ، لا سيما أن البنك الدولي يشير إلى أن استقرار القواعد القانونية يُتيح لقرارات الأعمال أن تتحرَّك ضمن إطارٍ يمكن التنبؤ به، وبالتالي اتساقها مع الأحكام والقرارات القضائية. بل إن القدرة على التنبؤ بكيفية معالجة أي حالة طارئة يزداد وفقًا لاستقرار التشريعات وعدم نقضها أو استثنائها، وبالتالي يُعرِّض الاستثمارات والمستثمرين لمخاطر تجعلهم يُحجمون عن الدخول بما قد يصفونه مخاطرة استثمارية.

وأشار د. عبد الرحمن العريني إلى أن من الملاحظ أن كثرة التعديلات – سواء على الأنظمة أو اللوائح أو الأوامر أو القرارات ذات العلاقة بالاقتصاد أيًا كان مستواها – تؤدي بصفة غير مباشرة إلى رَفْع قيمة العقود والمشتريات الكبيرة والمتوسطة بنسبة قد تفوق الـ 15%، وهذه تُمثِّل عبئًا بمئات المليارات، ولمعالجة ذلك على المدى  القصير، يمكن تأسيس شركة تأمين تعاونية مدعومة من الدولة عند تأسيسها، وتشارك فيها جميع الغُرف التجارية لحماية عقود رجال الأعمال مع الغير من أي أضرار تندرج تحت الأسباب التنظيمية والتشريعية التي تصدر من الدولة.

  • التوصيات:
  • الفصل الموضوعي والعملي بين الاختصاصات التشريعية والتنفيذية، وتوحيد مرجعية إدارة المنظومة التشريعية لتتولى حصر وتبويب وتنسيق ونَشْر وصياغة وإصدار الأنظمة والتشريعات بمشاركة كافة الجهات ذات العلاقة، وتفعيل دور مجلس الشورى وفق منهجية برلمانية فاعلة لتقييم ومناقشة ومحاكمة جميع مشروعات الأنظمة والقوانين دون استثناء. ويتضمن ذلك إجراءات؛ من أبرزها:
  • توصيف وحَصْر التشريع والتنظيم في جهات ذات صلاحية، وكلٌّ حسب قدره؛ مثلًا الجهات التنفيذية والهيئات التنظيمية تكون مختصةً باللوائح التنفيذية.
  • تحديد مرجعية للأنظمة واللوائح للتأكد من توثيقها وتحديثها وحفظها ونفاذها.
  • إصدار نظام لإجراءات التشريع بكل مستوياته، يأخذ في الحُسبان جميعَ الاعتبارات التي تضمن الكفاءة الموضوعية للأنظمة واللوائح والمشاركة الفاعلة.
  • إيجاد تبويب موحَّد لجميع الأنظمة واللوائح (الباب الأول: النظام الأساسي للحكم، وهكذا..)، وتكون هناك جهة حكومية ناظرة على هذا التبويب والتحديث بصيغته النهائية ومرجعية في النفاذ. والسماح للجهات الخاصة بالتهميش شبه الرسمي على مجلدات الأنظمة بالشروح والسوابق القضائية ذات العلاقة، ويُفضَّل أن تكون كليات الشريعة والقانون أصحاب هذا الامتياز مع الإسناد من جهات التشريع والقضاء.
  • النظر في صياغة وإصدار نظام أو قانون يُوضِّح الإجراءات اللازم اتباعها لأي جهة للوصول لمرحلة نظام أو قانون أو تشريع أو لائحة أو غير ذلك، مع مراعاة ما يلي:
  • أن يُحدِّد هذا النظام الجهات المخولة بالتنظيم أو المشاركة فيه.
  • يكون من أهم عناصر هذا النظام آلية تُعطي التنفيذي حقَّه بشكل واضح ومُنظَّم (إما بالمبادرة باقتراح نظام أو مراجعته أو غير ذلك)، وتُعطي أصحابَ المصالح وذوي العلاقة أيضًا مجالًا للمبادرة وقنوات مناسبة وعملية للتأثير، ويُشترط أن يكون مشروع النظام مبنيًّا على دراسات موثَّقة منشورة، تُوضِّح الحاجة من جهة والآثار من جهة أخرى، بشكل مُفصَّل من قِبل المتخصصين في المجال.
  • تضمين النظام استطلاع آراء العموم (من جميع الشرائح في مراحل ذات معنى)، بحيث يكون هناك مجال حقيقي لإبداء الرأي من خلال الإعلان وجلسات المراجعة والحوار بشكل مُنظَّم؛ لكشف أي ضعف في النظام (ولا يمنع أن يتبنى هذه الجلسات أجهزة مختصة في مجلس الشورى أو مجلس الغُرف السعودية، وتكون موثَّقةً ومحفوظةً).
  • أن تتأكد منظومة مراجعة التشريعات (بما في ذلك مجلس الشورى والديوان العام للمحاسبة) من التزام الجهات الحكومية بآلية تعديل الأنظمة ومتطلباتها.
  • حوكمة المشاركة المجتمعية من خلال مؤسسات المجتمع المدني والمختصين؛ باتباع أفضل الممارسات المعمول بها، بما في ذلك استقصاء آراء العموم قبل المقترح وأثناءه وبعده، والتقييم عند التنفيذ.
  • إطلاق وثيقة بمسمَّى “سياسة استقصاء آراء العموم وإدارة أصحاب العلاقة”، وتشتمل على إجراءات تُتبع لاستيفاء متطلبات استقصاء مرئيات العموم وَفْق أفضل الممارسات الدولية.
  • أن يكون سنُّ القوانين وإقرارها منوطًا بجهة مستقلة تمامًا عن الوزراء ومجلس الوزراء، وأن الوزراء لهم الحقُّ في اقتراح الأنظمة فقط والقرارات التنفيذية في حدود الصلاحيات الممنوحة لهم نظامًا.
  • أن يكون هناك محكمة دستورية (سيادية) لها الحق في البتِّ في دستورية (حوكمة) الأنظمة وعدم تعارُضها.
  • استشراف الأثر الاقتصادي والاجتماعي لجميع القرارات والسياسات الاقتصادية قبل تطبيقها، ومراجعتها بشكل دوري بعد التطبيق.
  • تمكين الكوادر الوطنية – الأقرب والأكثر تفاعلًا مع المجتمع – للقيام بهذا النوع من الدراسات بدلًا من الاعتماد على الشركات الأجنبية.

 

القضية الخامسة

الآثار الاجتماعية والاقتصادية لتمكين المرأة

(31/1/2021م)

  • الملخص التنفيذي.
  • الورقة الرئيسة: د. عبد السلام الوايل
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. خالد الرديعان
  • التعقيب الثاني: د. مجيدة الناجم
  • إدارة الحوار: د. مها العيدان
  • المداخلات حول القضية
  • التوصيات

 

 

 

  • الملخص التنفيذي:

أشار د. عبد السلام الوايل في الورقة الرئيسة إلى أن تمكين المرأة يعَدُّ أحد متطلبات التنمية كما تؤكد على ذلك أدبيات التنمية وخُطط النمو الاقتصادي ومكافحة الفقر. وتمكين المرأة ظاهرة عالمية تخترق الثقافات الإنسانية اليوم بدرجات متفاوتة. ورغم الجهود الكثيفة التي تبذلها الحكومات العربية لتغيير التشريعات والنظُم من أجل تمكين المرأة، إلا أن هذه الجهود أتت أصلًا لمعالجة فجوات كبيرة تتسم بها المجتمعات العربية كما تُبيِّن التقارير الدولية. ولذلك، فإنه على النسق الثقافي وَضْع الواقع العربي لما يخصُّ تمكين المرأة بصورة مقارنة مع بقية الدول والمجموعات الإقليمية، وتفهُّم الحاجة المُلِحَّة لتساوي المجتمعات العربية مع المعدلات المقبولة عالميًّا في هذا الشأن.

بينما أكَّد د. خالد الرديعان في التعقيب الأول على أنه يلزم بدايةً تعريف المقصود بتمكين المرأة woman empowerment، حيث يخلط البعض بينه وبين “المساواة بين الجنسين”. وحقيقةً، فإن المساواة بين الجنسين بالمفهوم الغربي المطروح تُثير إشكالياتٍ عديدةً في المجتمعات الإسلامية؛ لوجود نصوص شرعية تُعارِض المساواة بين الجنسين، وهي نصوص قد لا تقبل التأويل. والمساواة بين الجنسين ليست هي تمكين المرأة منعًا للخلط، وإنْ كان التمكين “كوسيلة” سيقود في النهاية إلى درجة من المساواة بين الجنسين. أما تمكين المرأة فهو “مَنْح المرأة المزيدَ من الحقوق الشرعية والاجتماعية التي ربما كانت محجوبةً عنها؛ فقط لأنها امرأة”.

في حين ذكرت د. مجيدة الناجم في التعقيب الثاني أن السنوات الأخيرة شهدت طفرةً نوعيةً وكمية في الاستحقاقات التي حصلت عليها المرأة السعودية، حتى إنه في العام الماضي سجَّلت المملكة أعلى درجة في مقياس تقرير “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون ٢٠٢٠”، الصادر عن مجموعة البنك الدولي، فقد حقَّقت قفزةً نوعيةً غير مسبوقة في الأنظمة المرتبطة بالمرأة، وصُنِّفت بالدولة الأكثر إصلاحًا بين (١٩٠) دولة حول العالم.

وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

  • تمكين المرأة في الواقع السعودي والإشكالات ذات الصلة.
  • تحديات تمكين المرأة في البيئة السعودية.
  • محاولة لاستشراف مستقبل تمكين المرأة السعودية.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • تغيير بعض المفاهيم الثقافية المرتبطة بالأسرة، لتنظيم التوازن للأعباء الأسرية بين المرأة والرجل.
  • تمكين المرأة من المهارات الشخصية والحياتية بالإضافة إلى المهارات العلمية والفكرية، للدخول بقوة لسوق العمل.
  • حث مجلس الأسرة لإجراء دراسات حول معرفة الآثار الاقتصادية والاجتماعية لتمكين المرأة سواء على نطاق المرأة أو الأسرة، ووَضْع الحلول لها.
  • الورقة الرئيسة: د. عبد السلام الوايل
  • مقدمة:

يعَدُّ تمكين المرأة أحد متطلبات التنمية كما تؤكد على ذلك أدبيات التنمية وخُطط النمو الاقتصادي ومكافحة الفقر. وكثيرًا ما يقترن مفهوم تمكين المرأة بأهداف تتعدَّى المرأة كفئة اجتماعية وتعمُّ المجتمع ككل. مثلًا، يُقرِّر البنك الدولي أن تمكين المرأة أحد أساسيات مكافحة الفقر، كما أنه أيضًا أحد عناصر التنمية، فتمكين النساء لا يقتصر على تحسين أحوالهن كفئة اجتماعية فقط؛ بل ينعكس على المجتمع ككل (Kabeer, 2005)([1]). وتمكين المرأة يؤدي إلى مساواتها بالرجل في الفُرص؛ وهو الأمر الذي ترى فيه الأمم المتحدة أنه “حقٌّ أساسي من حقوق الإنسان، {وأيضًا} أمر ضروري لتحقيق السلام في المجتمعات، وإطلاق إمكانيات المجتمع الكاملة. وعلاوة على ذلك، فقد ثبت أن تمكين المرأة يُحفِّز الإنتاجية والنمو الاقتصادي” (موقع الأمم المتحدة). وستحاول هذه الورقة وَضْع عناوين رئيسية لآثار تمكين المرأة اجتماعيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا في المجتمعات العربية.

  • الثقافة العربية وتمكين المرأة:

من المعروف أن الثقافة العربية أو ثقافات الشعوب العربية تُصنَّف – بشكل عام – أنها مُحافظة، وأن بنية العائلة في هذه المجتمعات بنية بطركية تقوم على سلطة الأب (الرجل). ويتضمن ذلك توزيع أدوار وتقسيمات للعمل تُوجِّه الرجل لأعمال مدفوعة الأجر وذات مقابل مالي، مقابل أعمال غير مدفوعة الأجر للمرأة، كرعاية المنزل وساكنيه. وتبرز المقاييس العالمية الترجمة الواقعية لهذا التنظيم الثقافي. فالدولة العربية الأولى في تقرير الفجوة الجندرية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي هي الإمارات، والتي تحتل المرتبة 120 من بين دول التقرير الـ 153. كما تحلُّ ست دول عربية في آخر عشر دول في هذه القائمة. وفيما تُسجِّل الدول العربية بشكل عام، ودول الخليج بشكل خاص، تقدُّمًا في بُعد مشاركة المرأة في التعليم؛ فإنه لا يزال أمام المجتمعات العربية الكثير لعمله في أبعاد أخرى للفجوة الجندرية. فالدول العربية تحتلُّ مراتب متأخرة في أبعاد أخرى؛ كبُعد “المشاركة”، (أي الفرق في معدل المشاركة في القوى العاملة بين النساء والرجال)، وبُعد “التقدُّم”، (أي نسبة النساء إلى الرجال في المناصب القيادية)، وكذلك فجوة الأجور. كما تُبيِّن إحصاءات منظمة العمل الدولية أن البطالة تُصيب النساء أكثر من الرجال في المجتمعات العربية بشكل يفوق ما هو حادث في معظم الثقافات، كما تُبيِّنه بيانات البطالة إبان أزمة الرهن العقاري قبل حوالي 13 عامًا.

بيد أن الثقافة العربية، كما غيرها من الثقافات، تتعرض لتغيرات متسارعة في عصر عولمة الأفكار والقيم والتواصل. ومن الملاحظ تأثير ذلك على مفهوم تمكين المرأة، على الأقل لدى النساء، وكل من التشريعات والنظم والمؤسسات التي تحاول اللحاق بركب بقية الأمم في جسر الفجوة بين الجنسين في فرص العمل والقيادة والتعليم وسواها. ويمكن طرح – كفرضية عجلى – وجود تباين في سرعة تغيُّر الثقافات العربية في هذا الإطار لصالح وتيرة أسرع في التغيُّر لدى ثقافات المجتمعات العربية ذات الدخل المرتفع (أي دول الخليج) عن سواها من المجتمعات العربية الأخرى فيما يخصُّ المرأة وتمكينها. ويمكن لبعض الدراسات في المجال الاقتصادي – والتي سيتم عرضها أدناه – أن تعطي مشروعية لفرضية كهذه.

  • التمكين الاقتصادي:

المعايير الاقتصادية تغيَّرت كثيرًا في العقود الأخيرة، وعمَّت تغيراتها تقسيم عمل من هذا النوع، معتبرةً إياه من عوائق التنمية والنمو الاقتصادي، وأحد ملامح حالة الفقر. كما أن الوعي الحقوقي للمرأة أو بأوضاع المرأة تنامَى أيضًا. لذا، حدث تغيُّر تنظيمي عميق في مختلف مجتمعات العالم نحو تمكين المرأة، شمل السياسات والنظُم الاقتصادية والاجتماعية والمعايير الثقافية كنتائج متوقعة لتوالي الدعوات ونشاط الحركات الاجتماعية وتزايد وعي الأفراد بقضايا المساواة وتمكين المرأة. وينقل كلٌّ من شملاوي والحيط (2018) عن Aqoor (2015) أن منهاج عمل بكين حدَّد ستة أهداف إستراتيجية للتمكين الاقتصادي للمرأة، هي: “تعزيز حقوق المرأة الاقتصادية واستقلالها الاقتصادي بما في ذلك حصولها على فرص العمل الملائمة، والسيطرة على الموارد الاقتصادية، وتسهيل سُبل وصول المرأة على قدم المساواة إلى الموارد والعمالة والأسواق والتجارة، بالإضافة إلى توفير الخدمات التجارية والتدريب وسُبل الوصول للأسواق والمعلومات والتكنولوجيا، وأخيرًا القضاء على التفرقة الوظيفية وجميع أشكال التمييز في العمل، وتعزيز المواءمة بين مسؤوليات العمل والأسرة للنساء والرجال”.

ويعتبر اليومَ كلٌّ من مفهوم “تمكين المرأة” اقتصاديًّا والسياسات التي تروم الوصول لهذا النوع من التمكين أمرًا شائعًا، خاصة في المجتمعات ذات البنى البطركية. ومن جملة ذلك، ما تشهده المملكة من جهود دؤوبة لتمكين المرأة على طول العقد الماضي، وتسارُع ديناميكية التمكين بشكل هائل في السنوات الخمس الأخيرة من هذا العقد. وترصد الدراسات آثارًا اقتصادية عديدة لتمكين المرأة. فقد أجرت كلٌّ من شملاوي والحيط (2018) دراسة لتقدير أثر تمكين المرأة على مشاركتها في القوى العاملة على خمس عشرة دولة عربية مُدرَجة في التقرير العالمي للفجوة الجندرية. ووجدت الدراسة أن تمكين المرأة كان ذا تأثير دال إحصائيًّا على نسبة مشاركتها في القوى العاملة في المجتمعات العربية ذات الدخل المرتفع (السعودية والكويت وقطر والبحرين وعمان)؛ لكن أثره غير دال إحصائيًّا في المجتمعات ذات الدخل المتوسط والمنخفض (تونس ولبنان والأردن والجزائر([2]) ومصر والمغرب وسوريا وموريتانيا واليمن([3])). بمعنى أنه يلزم أن يكون الوضع الاقتصادي للبلد أصلاً عاليًا، ليتبين تأثير تمكين المرأة على مشاركتها في سوق العمل. وقد تُعزى هذه الفوارق إلى حقيقة أن البلدان العربية مرتفعة الدخل تتسم بُنى أسواق العمل فيها بوجود عاملين أجانب، وأن انتشار مفاهيم التمكين تُرجم إلى فتح هذه المجتمعات فرص عمل أكثر لنسائها بدلاً من الأجانب. وفي كل الأحوال، ما تقوله الدراسة أن تأثير مفهوم التمكين على سوق العمل يتضح بشكل أكبر في الدول الخليجية من بقية الدول العربية. ويؤمل أن يسهم التمكين الاقتصادي للمرأة بإسنادها لمواجهة غوائل الفقر والحاجة من ناحية، والمساهمة في تنمية مجتمعها من ناحية أخرى، فالنساء عادة يُشكِّلن نصف عدد السكان وبجعلهن مشاركات في الإنتاج الاقتصادي؛ فإن ذلك سيعود بالنفع على كافة المجتمع واقتصاده. وتُبيِّن دراسة للمسلم (2021)([4]) أن التمكين الاقتصادي للمرأة في البيئات الفقيرة يسهم في تشارك النساء والرجال في دفع غائلة الفقر عن الأسر ويُحوِّلها لأسر صانعة للدخل الذي تنفق منه بدلَ أن تكون أسرًا معتمدةً على مفهوم الإحسان.

  • الآثار الاجتماعية لتمكين المرأة:

يعَدُّ هذا المحور محلَّ جدل كبير بين المختصين. فالبعض يطرح المكاسب الاجتماعية لتمكين المرأة، من قبل التحول إلى الإنتاج بدل الاعتماد على الذكور في الدخل، والحصول على المال ومكافحة الفقر وإشغال الوقت، وتحوُّل المرأة لشخص مُنتِج بدلَ من البطالة وعدم القيام بأي عمل، حتى داخل المنزل ومشاركة المرأة في التنمية وزيادة رأس المال البشري للمجتمع ككل؛ بتحويل النساء لقدرات خلَّاقة وُمبدِعة ومُنتِجة، وأن هذا يعود كله بالنفع على المجتمع. فيما يطرح آخرون مخاوف من الآثار السلبية لتغيُّر أدوار المرأة وتحوُّلها من لعب الأدوار المعهودة من رعاية البيت والأبناء إلى أدوار الإنتاج الاقتصادي والترقي المهني، وأن ذلك سيرافقه تفكك أسري وانخفاض التكافل العائلي وزيادة الفردية بشكل يُهدِّد التماسُك الاجتماعي ككل. لكن يُلاحَظ أن تمكين المرأة اقتصاديًّا ترافق معه زيادة في الوعي؛ بطرح قضايا اجتماعية للمرأة كالعضل والعنف الأسري واستيلاء ذكور العائلة على الحقوق الاقتصادية للمرأة في الإرث والراتب والحقوق في الترفيه. ويبين السيف (1997) أن حصول المرأة على التعليم ثم خروجها للعمل، وترافق هذه التغيرات مع الانتقال من نمط الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية، نتج عنه تغيُّر في مركز المرأة (الزوجة/الأم/ ثم البنت) داخل النسق الأسري، فقد أصبحت عاملةً ولها دخل ولديها خادمة تساعدها في الأعمال المنزلية وربما سائق أيضًا؛ وبهذا تغيَّرت أدوارها داخل النسق الأسري (مهنة ولعب أدوار مختلفة كمشاركة بصورة أكبر في الرأي والتوجيه والقرارات وأدوار أقل في أعمال المنزل). وتدريجيًّا، نتج عن هذه التغيُّرات تحولات في مكانة المرأة داخل النسق الأسري أيضًا، فأصبحت تحتل مكانة أعلى وتشارك بشكل أوضح في قرارات الأسرة وشؤونها.

  • خاتمة:

تمكين المرأة ظاهرة عالمية تخترق الثقافات الإنسانية اليوم بدرجات متفاوتة. ورغم الجهود الكثيفة التي تبذلها الحكومات العربية لتغيير التشريعات والنظُم من أجل تمكين المرأة، إلا أن هذه الجهود أتت أصلاً لمعالجة فجوات كبيرة تتسم بها المجتمعات العربية، كما تُبيِّن التقارير الدولية التي تمَّ استعراض بعضها أعلاه. ولذلك، فإنه على النسق الثقافي وضع الواقع العربي لما يخصُّ تمكين المرأة بصورة مقارنة مع بقية الدول والمجموعات الإقليمية. لذلك، على الثقافة والمجتمع تفهُّم الحاجة المُلِحَّة لتساوي المجتمعات العربية مع المعدلات المقبولة عالميًّا في هذا الشأن.

 

 

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. خالد الرديعان

يلزم بدايةً تعريف المقصود بتمكين المرأة woman empowerment، حيث يخلط البعض بينه وبين “المساواة بين الجنسين”. وحقيقةً، فإن المساواة بين الجنسين بالمفهوم الغربي المطروح تُثير إشكاليات عديدةً في المجتمعات الإسلامية؛ لوجود نصوص شرعية تعارض المساواة بين الجنسين، وهي نصوص قد لا تقبل التأويل؛ ومن ذلك شهادة المرأة في المحكمة، وتقسيم الميراث، والولاية العامة، وتعدُّد الزوجات، وشرط الولي الذكر في الزواج، ومفهوم القوامة الذي يثير الكثير من الجدل ولعله الأقل إشكالية بين ما ذكرنا.

إذًا، المساواة بين الجنسين ليست هي تمكين المرأة منعًا للخلط، وإنْ كان التمكين “كوسيلة” سيقود في النهاية إلى درجة من المساواة بين الجنسين.

تمكين المرأة بكلمات قليلة هو “مَنْح المرأة المزيدَ من الحقوق الشرعية والاجتماعية التي ربما كانت محجوبةً عنها، فقط لأنها امرأة”. ويعود حجبها في الغالب إلى ثقافة اجتماعية (عادات وتقاليد وقيم ومتواضعات اجتماعية)، واجتهادات فقهية تراكمت عبر الزمن؛ ما جعل بعضها مثارَ جدل لم ولن ينتهي بسبب اختلاف المذاهب والمدارس الفقهية.

إجرائيًّا، فإن تمكين المرأة يعني مزيدًا من فرص العمل للمرأة، وتعديل بعض لوائح الأحوال الشخصية التي بالفعل خضع بعضها للتعديل في المملكة لتتواكب مع متطلبات رؤية ٢٠٣٠ التي أُعلِن عنها، وخاصة ما يتعلق بالطلاق والحضانة وحقوق المطلقة وأبنائها. ويدخل في التمكين كذلك تحقيق بعض المطالب النسوية والحقوقية التي كانت تستخدمها بعض المنظمات الدولية كوسيلة لتشويه سمعة المملكة أو للضغط عليها.

وقد حدث تقدُّم كبير في مسألة تمكين المرأة في المملكة، وهو ما يمكن رؤيته في زيادة عدد النساء العاملات في أماكن كانت حكرًا على الرجل منذ سنوات قريبة جدًّا. هذا، وقد بلغت نسبة النساء المنخرطات في سوق العمل السعودي ٣١,٤٪؜ حسب إحصائية رسمية صادرة من هيئة الإحصاء العامة، بعد أن كانت لا تتجاوز ١٣٪؜ عام ٢٠١٥م في قطاعات محدودة؛ كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.

ومن التمكين كذلك قيادة المرأة للسيارة، وهي القضية التي خلقت استقطابًا حادًّا في العقود الماضية بين مؤيد ورافض، للدرجة التي جعلت نسبةً كبيرةً من النساء والرجال كذلك يربطون قيادة السيارة ببقية حقوق المرأة الأخرى المستحقة. ولا يخفى على الجميع أن موضوع قيادة السيارة تمَّ تسيسه وأدلجته بدرجة كبيرة في السنوات الماضية؛ بحيث تم استخدامه كوسيلة لتشويه صورة المملكة في الخارج وأحيانًا للضغط عليها. ويمكننا القول إنه حدث تقدُّم كبير في تمكين المرأة في السنوات الخمس الأخيرة وجرى حرق للمراحل؛ فبدلاً من التدرُّج الزمني جرى عمل إصلاحات جذرية وفي فترة زمنية قصيرة.

على المستوى الثقافي، فقد أسهم تمكين المرأة السعودية في خلخلة بعض المفاهيم الاجتماعية الراسخة والتقليدية؛ وخاصة ما يتعلق بسلطة الرجل المطلقة على المرأة التي له “ولاية” عليها، بحيث أصبحت هذه السلطة على المحك أو أنها تقلَّصت إلى حد كبير. ما الذي ترتَّب على ذلك؟ ترتَّب على ذلك تعديل في الأدوار داخل الأسرة السعودية مع تقلُّص واضح وملموس في سلطة ودور الرجل.

إيجابيًّا، فقد خفَّ العبء المُلقَى على كاهل الرجل، لكن من جانب آخر زادت مسؤوليات المرأة بصورة قد تُربِك بقية أدوارها الأخرى وخاصة دوري الأمومة، ورعاية الأبناء. ويصبح الإرباك مضاعفًا في حال كانت المرأة عاملةً؛ الأمر الذي قد يترتَّب عليه توترات أسرية، فحسب الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان (٢٠٢١) فقد ارتفعت نسبة العنف الأسري لتبلغ نحو ٤٥٪؜ عما كانت عليه، لكن يلزم أَخْذ هذه النسبة بحذر؛ لأن إحصاءات الجمعية تتحدث عن البلاغات التي وردتها، ما يعني أن مستوى العنف ربما لم يرتفع، ولكن البلاغات زادت بحكم أن بعض النساء كن يُحجمن عن تقديم بلاغات في السابق.

وعلى المستوى الاقتصادي، فإنه يُفترَض ومع تمكين المرأة زيادة دخل الأسرة السعودية؛ ففي إحصاءات عام ٢٠٠٧ بلغ متوسط دخل الأسرة الشهري نحو ١١٠٩٢ ريالاً، في حين بلغ عام ٢٠١٨ نحو ١٤٨٢٣ ريالًا؛ ما يُشير إلى ارتفاع الدخل، وللموضوعية يُؤخَذ في الاعتبار ارتفاع أسعار بعض السلع عما كانت عليه عام ٢٠٠٧، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة.

على مستوى حرية الحركة؛ فقد لُوحظ ومع قيادة المرأة للسيارة، والتخفُّف من مسألة الفصل بين الجنسين خروج المرأة ووجودها في الفضاء العام بصورة لم تكن معهودةً في السابق؛ الأمر الذي ساهم كثيرًا في نمو قطاع عريض من الأعمال التجارية؛ كالمقاهي والمطاعم وأماكن التنزه والترفيه العائلي.

الجانب السلبي في ذلك قد يراه البعض في زيادة الاستهلاك الأسري على حساب ترشيد الإنفاق، إضافةً إلى موقف بعض الأسر من صعوبة السيطرة على فتياتها كما كان الحال عليه في السابق، في ظل تنامي الوعي الشديد بظاهرة العنف الأسري ضد المرأة، واتساع المفهوم ليشمل الحد من حركة المرأة وخروجها من المنزل؛ الحجة التي قد تستخدمها بعض النساء للتحلل من سلطة الأسرة ودور الرجل في السيطرة. نستحضر في هذا الخصوص النظام الذي يُجيز للفتاة الاستقلال بمنزل خاص بها عندما ترغب في ذلك، وما قد يتبعه من اختيار الشريك حتى في ظل عدم موافقة الأسرة؛ لوجود نظام آخر يمنع العضل وينزع ولاية الأب عند حدوث تعسُّف غير مُبرَّر من الأب أو الولي. على الجانب الآخر، لوحظ زيادة في معدلات الطلاق في السنوات الأخيرة وذلك من واقع سجلات وزارة العدل، يعزوه البعض إلى تقلص دور الزوج، ولأسباب أخرى.

وأخيرًا، فنحن ومع تمكين المرأة نمرُّ بحالة “تحوُّل سائلة” يصعب التنبؤ بنتائجها الصلبة قبل مرور عقد من الزمن على الأقل.

  • التعقيب الثاني: د. مجيدة الناجم
  • مقدمة:

شهدت السنواتُ الأخيرة طفرةً نوعيةً وكمية في الاستحقاقات التي حصلت عليها المرأة السعودية، حتى إنه في العام الماضي سجَّلت المملكة أعلى درجة في مقياس تقرير “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون ٢٠٢٠”، الصادر عن مجموعة البنك الدولي، فقد حقَّقت قفزةً نوعية غير مسبوقة في الأنظمة المرتبطة بالمرأة، وصُنِّفت بالدولة الأكثر إصلاحًا بين (١٩٠) دولة حول العالم. وقد تحسَّنت في عدة مؤشرات، وهي: (حرية التنقل، مكان العمل، الزواج، رعاية الأطفال، ريادة الأعمال، التقاعد). ويأتي هذا نتيجة للعمل الدؤوب الذي انتهجته سياسة المملكة لتمكين المرأة، حيث أصبح هناك وكالة معنية بهذا الشأن في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية. وحقَّقت نسبة مشاركة المرأة الاقتصادية في سوق العمل ٢٧٪. وقد شهد العام ٢٠٢٠ انخفاضًا لنسبة البطالة بين النساء، وتقليصًا “للفجوة في القوي العاملة بين الجنسين”. وإنْ كانت ما زالت الفجوة محليًّا وعربيًّا كبيرة، ولكن هناك تحسُّن وهناك توجُّه لمزيد من العمل على تحقيق المساواة بين الجنسين التي تعَدُّ أحدَ أهداف التنمية المستدامة. وقد صاحَب قرارات التمكين الاقتصادي في المملكة حزمة من التشريعات الإصلاحية على مستوى الحقوق فيما يتعلق بحرية العمل والتنقل، واتخاذ القرارات في الزواج والطلاق وحضانة الأطفال، وغيرها من تشريعات ساعدت على تمكين المرأة وجَعْلها طرفًا أقوى في معادلة القوى اجتماعيًّا. وطبيعي أنه نتيجة لهذه الإصلاحات والقرارات أن يكون هناك تبعات وتأثيرات متنوعة ومتعددة في جميع النواحي وعلى كافة الأصعدة. فالمرأة السعودية بما تملكه من حريات وحقوق ليست هي المرأة قبل عقد من الزمن، وبالتالي فإن ما يُتوقَّع منها مختلف عن السابق، فسيطرة المجتمع على سلوكياتها والإملاءات التي كانت تخضع لها بمسميات مختلفة لم تعُد على نفس الدرجة من التأثير. فهي الآن مواطنة كاملة الحقوق، وعليها واجبات والتزامات تجاه تنمية المجتمع وفي القوة البشرية السعودية. وتغيُّر الأدوار والتوقعات صاحبه إرهاصات وتأثيرات لا بد من طرحها للنقاش.

  • الآثار الثقافية لتمكين المرأة:

تناول كاتب الورقة الرئيسة أرقامًا وتقاريرَ تُوضِّح واقعَ تمكين المرأة عربيًّا وعلاقته بالمكوِّن الثقافي للمجتمع العربي الذي يميل لبقاء المرأة في الصفِّ الخلفي في جميع النواحي، وهي ثقافة سائدة، وحتى مع تعليم المرأة وخروجها للعمل منذ ما يقارب النصف قرن كانت لا تصل لمناصب قيادية حتى لو امتلكت الكفاءةَ، وكانت المرأة على قناعة كبيرة بأن الصف الأمامي هو للرجل، وهذا انسحب على كلِّ مظاهر حياتها. لذا، فإن الخروج المحدود للعمل وفي بيئات مغلقة لم يُمكِّنها كثيرًا في امتلاك رأس مال اجتماعي وعلاقات واسعة كما هو حاصل خلال السنوات الأخيرة، فانفتاح المرأة على الآخر وتنافسها على الفرص المتاحة للرجل إضافةً إلى حزمة التشريعات الداعمة لها – جعلتها طرفًا أكثر قوة في محيطها، وبصورة أخص في الأسرة، فكثير من قرارتها لم تعُد مرتبطةً بموافقة الرجل، فهي حُرَّة في العمل والتعليم والسفر، وغيرها من أمور كانت غير قادرة على اتخاذها بنفسها. وبالتالي، فإن توقعات ونظرة الرجل لها لم تعُد كما كانت في السابق، وهو بدوره أصبح أكثر تقبُّلًا لمشاركة المرأة له في فرص العمل ومنافسته على القيادة، فالحرية والتمكين جعلاها في موقع مختلف عما كانت عليه سابقًا. وهذا ترتَّب عليه تغيُّر في الأدوار والتوقعات الموصفة عُرفًا. وسنشهد خلال السنوات القادمة تغييرات كبيرة في الأدوار النمطية المتعارف عليها في داخل الأسرة وفي المجتمع ككل.

  • الآثار الاجتماعية لتمكين المرأة:

لا يمكن بأي حال طرح الآثار الاجتماعية بمعزل عن الثقافية، فهذان المكوِّنان مرتبطان ارتباطًا كبيرًا، وأحدهما يؤثر على الآخر. وبالعودة لموضوع تمكين المرأة، فآثاره الاجتماعية بدت أكثر وضوحًا من طريقة اختيار الزوج، وعدد مرات الإنجاب، ومُسبِّبات الطلاق، فمع ارتفاع فرص العمل لدى المرأة أصبح قرار الزواج ليس من أولوياتها الأولى مما ترتَّب عليه تأخُّر في سنِّ الزواج، ومن ثَمَّ تباعُد الفترات بين إنجاب طفل وآخر. وقرار الطلاق لم يعُد قرارًا صعبًا ومصيريًّا كما كان، فاستقلاليتها المادية تجعل الطلاق أكثر سهولةً عليها وعلى أسرتها؛ لأنها في الغالب لن تعودَ عبئًا على الأسرة، فهي تستطيع الاستقلال بنفسها وبأبنائها. وهذا الأمر له إيجابيات من حيث إنَّ المرأة أكثر حريةً في عيش حياتها كما تراها؛ ولكن هذا له سلبيات من حيث كونها ركنًا رئيسًا في استقرار وثبات الأسرة، وبالتالي فإن عملها وما تتمتَّع به من صلاحيات قد يكون على حساب استقرار كيان الأسرة ورعاية الأبناء في بيئة طبيعية. ولعلَّ ما نحتاج طرحه هو كيف نُوازن بين ما تملكه المرأة من ممكنات والحفاظ على التوازن الأسري واستمرارها ككيان اجتماعي قائم على شكله التقليدي.

  • الآثار الاقتصادية المترتبة على تمكين المرأة:

أصبحت المرأة اليومَ صاحبةَ عمل وموظفة لها دخل قد يفوق دخل الرجل في الأسرة، سواءً كان أبًا أو أخًا أو زوجًا؛ وعليه تغيَّرت النظرة التقليدية من كونها مُعالة من قِبل الرجل إلى مُساهِم في الدخل، وأحيانًا هي المعيل الحقيقي، وقد استطاعت نساء كُثُر إنقاذ أسرهن من براثن الفقر نتيجة لعملهن ووجود دخل يساعد في إشباع احتياجات الأسرة. هذا الواقع يفتح الباب لطرح تساؤلات متعلقة بما لها وما عليها، وما حدود التزاماتها الاقتصادية داخل أسرتها؟ فوجود دخل مادي للمرأة جعَل الرجلَ في بعض الأحيان يتنازل عن حقوقه في مقابل أن تقوم بالتزاماته المالية! وأحيانًا يكون وجود دخل مادي للمرأة سببًا في حدوث خلافات في حال رفضت المشاركة والمساندة المالية للأسرة، هذه مشكلات موجودة وقائمة. فعمل المرأة وتمكينها غيَّر من التركيبة الاقتصادية للأسرة ومن الالتزامات والمسؤوليات ومن مكانة المرأة فيها.

من كلِّ ما سبق، نخلص إلى أن تمكين المرأة مستمر، وخلال السنوات القادمة سيتعاظم دورها في المجتمع؛ وعليه ستتغير مكانتها بشكل أكبر، وسيصاحب ذلك تغيُّر في أدوارها، وسيظهر مزيد من التأثيرات لهذا التمكين، الذي غالبه سيكون إيجابيًّا وبعض منه سيكون له سلبيات. لذا، لا بد من أن نكون على درجة كافية من الاستعداد لتقبُّل التغييرات القادمة، وأن تستفيد المرأة من هذه الفرصة لتُثبت أنها قادرةٌ على أن تُقدِّم لمجتمعها الكثيرَ، وأن تكونَ لبنةً من لبنات النمو والازدهار.

  • المداخلات حول القضية:
  • تمكين المرأة في الواقع السعودي والإشكالات ذات الصلة:

أشار أ. سليمان العقيلي إلى أن قضية تمكين المرأة السعودية لم تنطلق نتيجة صراع اجتماعي مرير مثلما هو الأمر في مصر والشام قبل قرن من الزمان. ولا حتى بدأت النضال من أجله المرأة نفسها، فقد كان أول مَن دعا لتعليم المرأة في خمسينيات القرن الماضي أ. عبد الكريم الجهيمان في جريدة (أخبار الظهران)، وأول مَن فجَّر قضية قيادتها السيارة جريدة الجزيرة في السبعينيات. وأكثر مَن ألحَّ بتمكينها تنمويًّا وسياسيًّا جريدة الوطن مع مطلع القرن الجديد.

ولن نُنكر دور المرأة السعودية الواعي والناضج حين طالبت بالتمكين بكلِّ حكمة وكياسة بدون مواجهة سياسية أو اجتماعية، مُستخدِمةً الوسائلَ الناعمةَ، ومتفاديةً صراعًا اجتماعيًّا كان يمكن أن يستنهض الهويات الابتدائية ويوحِّدها لمقاومة التغيير. وما من شك أن الصحافة السعودية قامت في العقود الأخيرة بدور التمهيد لتمكين المرأة، كما أن سياسات التعليم والابتعاث كانت عوامل مساعدة في تهيئة المجتمع لعمل المرأة وقضية التمكين برمتها. ويمكن الإشارة إلى أن قضايا التطرف الديني والإرهاب التي لغمت العلاقات الدولية للمملكة منذ 2001 قد أقنعت المؤسسة الدينية السعودية بتليين موقفها من تمكين المرأة؛ بهدف حماية بيضة الإسلام ووحدة البلاد وتجنيبهما الاختراق والضغط الخارجي.

إنَّ قضية التمكين في المملكة – رغم حساسيتها الاجتماعية – قد قطعت أشواطًا طويلةً وعلى مراحل متوالية، لكن أهم مراحل التمكين وأكثرها تاريخيةً هي تلك التي أُنجزت بعهد الملك سلمان، وبإشراف من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

إنَّ مسيرة تمكين المرأة السعودية قد حظيت بدعم سياسي قوي؛ تُمثَّل في مواقف مساندة، وببيئة تشريعية منفتحة وحامية، وسياسات عمالية تفضيلية بزَّت بها نظيرتها في البلدان العربية التي سبقتها في قضية التمكين لعقود طويلة. وهذه السياسات التفضيلية للمرأة السعودية لا تعني أن طريق المرأة في التمكين مزروع بالورود، فأمامها جملة من التحديات، ومن فضل الله أنها لا تواجه هذه التحديات بمفردها، بل مع دعم سياسي وسياسات حكومية راعية وتضامن نخبوي متين. وهذا ما يساعد على معالجة التحديات وتحويلها لفرص مثمرة. ومن المزايا الممنوحة للمرأة العاملة في السياسات العمالية السعودية:

  • حَظْر تشغيل المرأة في الأعمال الخطرة والصناعات الضارة.
  • حق المرأة في إجازة الحمل والوضع والرعاية براتب كامل ثم جزئي.
  • توفير الرعاية الطبية أثناء الحمل والولادة.
  • حق المرأة العاملة في حضانة المؤسسة لأطفالها أثناء العمل.
  • حق المرأة العاملة في إجازة وفاة الزوج لمدة 130 يومًا بأجر كامل، تتحمل الجهة المُشغِّلة 15 يومًا والباقي يتحمَّلها صندوق الموارد البشرية.
  • حق الأرملة في الجمع بين معاشها عن نفسها ومعاش زوجها.
  • حق التقاعد المبكر والتقاعد بالسن بمدة مماثلة مع الذكور، مع الحصول على معاش تقاعدي أو تأميني أو تعويض مالي مُماثل لما يحصل عليه الموظف الرجل.

ويرى م. خالد العثمان أننا بشكل عام نعيش في مجتمعاتنا العربية حالةً من الجزافية في الانتقال الصادم من واقع ما إلى واقع مُناقض تمامًا. تمكين المرأة حقٌّ مُهدَر على مدى سنوات، لكن تحقيقه أتى دون تهيئة مُسبَقة لمختلف شرائح المجتمع، للتعامل مع الواقع الجديد بتوازن وموضوعية وعقلانية بعيدًا عن الانفلات والتسرُّع، وربما بعض النزعة الانتقامية المتهورة أحيانًا، بشكل يُوقع تلك الأضرار والآثار السلبية التي يُخشَى منها، بما فيها زيادة معدلات الطلاق والتفكك الأسري وغير ذلك.

وذكر د. خالد بن دهيش أنه وفقًا لنصِّ البيان الرسمي لرؤية ٢٠٣٠، الذي تضمَّن أن المرأة السعودية تُعَدُّ عنصرًا مهمًّا من عناصر قُوَّتنَا إذ تُشَكِّل ما يزيد على ٥٠٪؜ من إجمالي عدد الخريجين الجامعيين. وستستمر (الدولة) في تنمية مواهبها واستثمار طاقاتها وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبةِ لبناء مستقبلها، والإسهام في تنمية مجتمعنا واقتصادنا. وهناك الكثير من التغيرات في السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي صدرت بقرارات عُليا لصالح تحقيق ما تضمنته رؤية ٢٠٣٠ نحو تمكين المرأة السعودية. إضافةً إلى الكثير من البرامج التي تحقَّقت لتمكين المرأة السعودية قبل تطبيق أهداف الرؤية.

ففي مجال سوق العمل للمرأة السعودية، فقد بدأ التحوُّل لصالح المرأة عندما دُشِّن برنامج نطاقات عام ٢٠١١، الذي أثَّر على قوة العمل، حيث شهدت المملكة في تلك الفترة تحوُّلًا في مشاركة المرأة في الاقتصاد بعد تطبيق النطاقات، وعودة خريجات برنامج الملك عبد الله للابتعاث، الذي وفَّر نوعيةً من الخريجات تتوفر فيهن متطلبات سوق العمل؛ لذا فقد كان لهذين البرنامجين تأثيرٌ كبيرٌ في النمو السريع الذي تمَّ لصالح تمكين المرأة في قوة العمل، حيث تمَّ ذَلك بالتزامن الذي أحدثته القرارات الجريئة التي أعلنتها الدولة لصالح المرأة، والمبادرات التي تُسهِّل للمرأة العمل، مثل: دعم ضيافة الأطفال، وتذليل صعوبات التنقل، وتوفير ودعم البرامج التعليمية والتدريبية في مجالات اللغة الإنجليزية والكمبيوتر وتطوير المهارات، وما يُقدِّمه صندوق الموارد البشرية من دعم لصالح عمل المرأة. كلُّ ذلك تمَّ حتى الآن لتحقيق ما اشتملت عليه رؤية ٢٠٣٠، التي أعلنت عام ٢٠١٦ في هدفها “تحقيق زيادة في تمثيل المرأة في قوة العمل من ١٠٪؜ إلى ٣٠٪؜”.

وأشارت د. عائشة الأحمدي أنه بالنسبة للمجتمع السعودي كانت هناك مقدمة مهَّدت للتمكين، فتجربة برنامج خادم الحرمين كانت تجربةً غنيةً في التأهيل على مدى ما يُقرب عقدين، بكل ما حملته من تغيُّرات في القيم الثقافية والاجتماعية كانت كفيلة بالتهيئة. أما معدلات الطلاق، فقد كانت النسب مرتفعةً من فترات ليست بالقريبة، والتصوُّر أن مستوى الرفاه وعوامل أخرى تلعب دورًا فيها أكثر من التمكين.

وترى د. مها العيدان أن أيَّ تغيُّر مهما كان مُخطَّطًا له لا بد أن تتبعه بعض الجوانب السلبية، كما أنه لا يمكن إرجاع التغيير إلى عامل واحد، والابتعاث أحد العوامل المهمة في تغيُّر كثير من المفاهيم في المجتمع، كما أنه عامل مُساعِد في قبول التغيرات في المجتمع، ولا ننسى دور الدولة في تحريك هذه المتغيرات وقبولها.

وذكرت د. مجيدة الناجم أن الابتعاث كان خطوةً للانفتاح على الآخر، وللانعتاق من ثقافة الخصوصية التي جعلتنا نتأخر عن اللحاق بالآخرين لفترة من الزمن على الرغم من توفُّر مقومات النهوض، وتلك الخصوصية كانت وترًا عُزِف عليه عقودًا من الزمن.

وأكَّد د. محمد الثقفي على أن موضوع تمكين المرأة في المملكة جديرٌ بالبحث، ولا سيما أنه أحد أشكال التغيير أو التغيُّر الذي يمرُّ به المجتمع السعودي، وصحيحٌ أن التوجُّه السياسي الوطني مبني على مطالبات دولية، يبرز آخرها في أهداف التنمية المستدامة. وصحيحٌ أنَّ من حقِّ المرأة السعودية – التي هي في الحقيقة الأم والأخت والزوجة والبنت، وهي مصدر مهم للاستقرار الأسري – أن تحصل على هذا الحق، وصحيح أن موضوع التمكين في عدد من المجالات برز نتيجة القرارات السياسية للدولة في هذا المجال، وبالذات في مجال المشاركة السياسية والتوظيف، غير أن مشروع الابتعاث يسَّر لها التحوُّل، وجعَل التمكين – أو لنقُل التمكن الذاتي – يحدث لدى البعض.

ويمكن من منظور سوسيولوجي تصوُّر كيف كانت المرأة قبل (40) سنة، وما الأدوار التي كانت تضطلع بها مقارنةً بالرجل، وما المكانة الاجتماعية التي كانت تحظى بها، والفترة الثانية من (40) سنة حتى الفترة الحالية، والفترة الثالثة التحوُّل الجديد التي تتجه إليه المرأة، وهي جديرة بالقراءة والاستشراف؛ من أجل ضمان سير هذا التحول المتنامي فيما يُعزِّز دورها النبيل في المشاركة الإيجابية مع الرجل، وحفظ حقوقها وكرامتها.

وذكرت د. وفاء طيبة أن من الآثار والمكاسب المهمة لتمكين المرأة أيضًا التمكين السياسي، فدخول المرأة في العالم السياسي ووجودها في مجلس الشورى والمجالس البلدية كان له أثر إيجابي على الأنظمة والقوانين وتطويرها، بحيث تكون مناسبةً للحياة العامة في المجتمع، مناسبة لكلٍّ من الرجل والمرأة، فالحياة رجل وامرأة، ولكل منهما حاجات وحقوق، ومشاركة المرأة  السياسية كان لها أثر قوي في عرض رأي وحاجات الجانب الآخر من الحياة (المرأة)، وربما مزيد من عرض حاجات الطفل، وكان له أثر اجتماعي مهم، وهذا من الإيجابيات المهمة لتمكين المرأة ومشاركتها.

وأضافت د. مجيدة الناجم أن التمكين له دور في الاقتصاد أولًا، فالمرأة نصف المجتمع وغيابها عن العمل يعني غيابَ نصف المجتمع واستبداله بأيدٍ عاملة أجنبية؛ أي إن هناك حوالات كبيرة خارج البلد، إضافةً إلى أن الإمكانات والقدرات الموجودة عند المرأة لا يُستفاد منها في حال لم تُتح لها الفرصة في العمل والمشاركة؛ وذلك يُشكِّل تعطيلًا لإمكانات محلية، هذا ما يتعلق بالتمكين الاقتصادي، إضافةً إلى أن عمل المرأة وإتاحة المجال لها بشكل أوسع في ممارسة الأنشطة التجارية له دور في حلِّ مشكلات اجتماعية، لعل أبرزها الفقر والعوز خصوصًا إذا كانت هي المسؤولة عن أسرتها.

هذا من جانب اقتصادي، والتمكين الذي حصلت عليه المرأة مؤخرًا لا يصبُّ في خانة التمكين الاقتصادي فقط؛ بل هو تمكين اجتماعي وثقافي ونظامي، فهناك ملفات كثيرة كانت تُشكِّل عائقًا للمرأة لممارسة الكثير من الحريات التي تُشكِّل جزءًا من حقوقها الشرعية وحقوقها الإنسانية، فالموضوع فيه جانب إصلاحي بِشكل أو بآخر، وبالطبع للتغيير والتمكين تبعات، ويجب أن يكون هناك سرعة في الاستجابة لكل ما سيحدث من مشكلات أو تأثيرات بإيجاد تشريعات تواجهها وتتعامل معها، وتهدف للحفاظ على ثوابت المجتمع وعلى كيان الأسرة تحديدًا، وقد سبقتنا دولٌ كثيرة في ذلك، ومنها على سبيل المثال دول الشرق التي تحظى فيها المرأة بحقوق ومشاركة كبيرة في المجتمع، ومع ذلك ما زالت الأسرة تتمتع بمكانتها ولها أولوية في المجتمع. وحتى في الغرب، هناك فعلاً جهات ومنظمات تسعى لتغيير مُسلَّمات طبيعية وتغيير طبيعة المجتمع الإنساني، ولكنها لا تحظى بقبول واسع؛ فما زالت القنوات الرسمية والتشريعات تسعى لتثبيت دور الأسرة الطبيعية كمكوِّن أولي للمجتمع وكقيمة ثقافية وإنسانية واقتصادية. فيما يتعلق بالمتابعة لخطوات تمكين المرأة، يُفترض أنه دور منوط بمجلس شؤون الأسرة لتتبُّع ما يترتب عليه، ومحاولة إيجاد حلول له وإستراتيجية متكاملة لحماية الأسرة وجميع مكوناتها.

ومن جانبه، يرى د. زياد الدريس أن المرأة في مجتمعنا، وفي المجتمعات الشرقية عمومًا، عانت من إهمال وإجحاف قد يصل أحيانًا إلى درجة الاضطهاد، بسبب مفاهيم قبلية أو اجتماعية متوارثة، تتلبَّس بلَبُوس ديني، وهي منافية لما أقرَّه الإسلام من حقوق للنساء وتعزيز لمكانتهن في المجتمع بوصفهن “شقائق الرجال”. ومن الإنصاف القول إن مسألة المرأة في المجتمع الإنساني ليست حِكرًا على ثقافة معينة في هذا العالم، بل هي حالة متنقلة بين كلِّ ثقافات العالم، بما فيها الثقافة الغربية. الفارق يكمن فقط في مَن الذي يسبق الآخر في تصحيح الوضع!

كذلك، فإن الحديث عن “تمكين المرأة” لا بد أن يُصاحبه حديث عن (الآثار الجانبية) التي تنتج عنه. وحتى لا يؤخذ الأمر بحساسية مفرطة، فإن التدين يمكن أن يؤدي إلى تطرُّف ثم إرهاب، وإنَّ الوطنية يمكن أن تؤدي إلى عنصرية ثم شوفينية!

ما يهمُّ أكثر في الآثار الجانبية لتمكين المرأة، هو التهديد الذي يطال نظام الأسرة ويُخلخل تماسكها. وإذا كان ثمة إعجاب لدى البعض بتمكين المرأة في الغرب وتعزيز مكانتها وانخراطها في إعلاء التنمية وتحريك الاقتصاد؛ فإن من المهم الوضع في الاعتبار كذلك ما آلت إليه أحوال الأسرة في الغرب.

ومن جانبها ذكرت د. مها المنيف أن الزواج الناجح المتكافئ لن يتأثر سلبًا بتمكين المرأة، وإذا كان هناك ارتفاع حقيقي في نِسب الطلاق؛ فلأن الزواج لم يكن ناجحًا من البداية، والتمكين الحقوقي والعدلي جعَل المرأة قادرةً على أن تأخذ حقها وقرارها بالطلاق أو الخلع. أما من ناحية العنف الأسري، فمن المعروف أن تمكين المرأة – وخاصة التمكين الاقتصادي – هو من أهم أسباب انخفاض معدلات العنف الأسري بصفة عامة؛ لكن ما نراه الآن من ارتفاع في معدلات العنف الأسري (وسوف يستمر لسنين قادمة) هو قدرة المرأة الممكَّنة على رفض العنف والتبليغ عنه؛ فقبل التمكين كانت المرأة تبقى في دائرة العنف وتخشى التبليغ لأنها معتمدة اقتصاديًّا واجتماعيًّا على الرجل؛ أما الآن فالوضع تغيَّر، أضفْ إلى ذلك تحسُّن الخدمات الاجتماعية والقوانين العدلية الخاصة بالمرأة، فكلها تُشجِّع المرأة على الإبلاغ عن حالات العنف والخروج منه، وبالتالي تُظهِر الإحصاءات أن العنف الأسري في ازدياد، بينما الزيادة هي في التبليغ.

  • تحديات تمكين المرأة في البيئة السعودية:

من وجهة نظر أ. سليمان العقيلي، فإن ثمة تحديات تواجه تمكين المرأة في البيئة السعودية، ومن أبرزها ما يلي:

  • تحدٍ ثقافي: والمتمثِّل في الصراع بين قيم الأسرة (شبه المقدَّسة) وقيم العمل (المستجدة)، وهو صراع قديم سبقتنا فيه مجتمعات عربية وأوروبية كثيرة، وربما سيمرُّ وقت طويل قبل أن تعالجه قيم جديدة توائم بين المنظومات الثقافية لهاتين المؤسستين الاجتماعيتين.
  • تحدٍ قيمي: ويتمثَّل في عزوف المرأة السعودية عن بعض قطاعات العمل، مثل القطاع الصناعي؛ وهذا ناتج عن ميراث عربي وسعودي قديم، يحتقر العمل المهني واليدوي. والتصوُّر أنه لا قيامَ للصناعة في البلاد بدون انخراط المرأة فيها، وإلا ستظل المصانع السعودية فرص عمل للآسيويين. وهنا نذكر أن المشروعات الصناعية الكبرى التي أُنشئت في بعض الدول العربية بعد الاستقلال قامت على أيدي النساء (مصانع الغزل والنسيج والقطن مثلًا).
  • تحدٍ اجتماعي: بالإشارة إلى الأثمان الجسيمة التي تدفعها المرأة حاليًّا بسبب التحوُّلات السريعة التي شهدها عمل المرأة وما ترتَّب عليه من آثار عائلية جسيمة، مثل: ارتفاع حالات الطلاق والعنف الأسري، وتأخير سن الزواج (بسبب العمل فقط)؛ فإن التحولات الاجتماعية في هذا الميدان لا تقلُّ أهميةً خاصةً في ظلِّ تسارُع التمكين بدون مقدمات مرحلية وتوعية اجتماعية، وربما يدفع هذا إلى مظهر من مظاهر التمزقات في النسيج الاجتماعي بسبب التباينات في النظر إلى المفاهيم الجديدة لحدود حرية المرأة ونطاقات عملها. وكذلك عدم التوافقات الثقافية بين فئات المجتمع نحو هذه المفاهيم مما قد يُولِّد الصراع وربما الاشتباك الاجتماعي رغم الحماية التي وفَّرتها التشريعات الجديدة، والتي حدَّت من انفجار بعض تمظهرات المشكلة (نظام التحرُّش مثلاً).
  • تحدٍ مهني: يتلخَّص في نقص الخبرة لدى المرأة السعودية في القيادة السياسية والإدارية. وكذا بسبب عدم الفطنة من شَرَك الوقوع في خطأ نَقْل النظام المركزي السلطوي من مؤسسة الأسرة إلى مؤسسة العمل، رغم أن إدارة العائلة تختلف جذريًّا عن إدارة وسياسة الناس. ويشكو الموظفون والموظفات ممَّن تديرهم نساء في الوقت الراهن من المركزية والسلطوية كلتيهما. ولربما احتاجت المرأة السعودية القائدة لدورات في الإدارة والقيادة تركِّز على التفويض وعلى روح النظام.
  • تحدي ما بعد التقاعد: لدى النساء نزعة التقاعد المُبكِّر بعد تجميع (تحويشة العمر)، فهن أفضل من الرجال في الادخار، وأقل في مسؤوليات الإنفاق المالي، غير أن المرأة تواجه بعد التقاعد تحدي استثمار مالها وخبرتها، وهنا لا بد من دعم السياسات التمويلية والإقراضية للمرأة المتقاعدة لتتحوَّل لسيدة أعمال، وكذا دعم هيئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة لهن في إنشاء المشروعات ولاستثمار خبراتهن في القطاع الخاص.

وأشار د. عبد السلام الوايل إلى أن تمكين المرأة له جانبان: حقوقي وعملي؛ الحقوقي ينطلق من مفاهيم الحقِّ للنساء في أن يتساوين مع الرجال في الحقوق والفرص. أما الجانب العملي فيتضمن العوائد والمكاسب الاقتصادية والاجتماعية لتمكين المرأة. بمعنى أن هناك مَن ت/يطرح الأمر باعتباره حقًّا أيًّا كانت نتائجه، وهناك مَن ي/تنطلق من الجوانب العملية للتمكين وما يعود على المجتمع جرَّاء ذلك. ومن الواضح أن انتشار القناعة بالبُعد الثاني وعبر مؤسسات قادرة على صناعة المعايير الدولية بمصداقية واحترافية، كالبنك الدولي والأذرع الاقتصادية المتفرعة عنه، هذا البُعد هو الأساس لكلٍّ من سياسات التمكين المتبعة في كثيرٍ من المجتمعات مؤخرًا من ناحية، وللقبول المجتمعي لهذه السياسات من ناحية أخرى. وهنا يمكن فتح الباب على الاحتمالات:

  • احتمالات العُرف: تغيُّر أساليب الحياة وخروج المرأة للعمل ونجاحها مهنيًّا وماليًّا، حيث ستعيش هذا الواقع أعداد ضخمة من الأسر، وهو ما سيُغيِّر التوقعات الاجتماعية والمعايير؛ بمعنى أن ما يتغير على الأرض سيُغيِّر الأحكامَ والمقاييس في الأذهان، فيتزحزح العُرف نحو موازنة بين تعاظُم التمكين وتضاؤل توقعات اعتماد المرأة على الرجل. بتعبير آخر، تعاظُم التمكين هو حصول على الحقوق، وهذا لا بد أن ينتج عنه تحمُّل مزيد من المسؤوليات. وبذا، سيُصبح من العُرف تشارُك جنسي الأسرة في مسؤوليات الصرف إنْ كان لكليهما دخلٌ وموارد.
  • احتمالات الشرع: عمل الفقيه هو إنزال الحكم الشرعي على الواقع؛ بمعنى أن على الفقيه الإلمام بالحكم الشرعي واستيعاب الواقع. وتغيُّر الواقع في الصورة أعلاه قد يدفع باتجاه إنتاج خطاب شرعي متوافق معه، يستمد منه مسوغات الأحكام، ويُضفي عليه المشروعية.

وركَّزت د. ريم الفريان تعقيبها حول قضية تمكين المرأة وما تثيره من إشكالات وتحديات في النقاط التالية:

  • المرأة السعودية موظفة وصاحبة عمل منذ زمن. المختلف اليوم أنها حصلت على حقوق ذلَّلت العديدَ من التحديات التي كانت تواجهها من حيث التقدُّم المهني والتجاري والصناعي؛ وهذا بالطبع يرجع لتمكينها والاهتمام بتذليل التحديات التي تواجهها من قِبل القيادة الرشيدة.
  • فيما يخصُّ بناء الشخصية والقدرات هو أمر مهم، ليس فقط للمرأة. الرجل أيضًا يحتاج إلى بناء الشخصية والقدرات التي تطمح لها الرؤية ويحتاجها المجتمع ليتكامل.
  • إن الأثر الأكبر ليس على المجتمع القبلي بقدر ما هو على المجتمع المتشدد دينيًّا وخصوصًا مَن لديه قصور في فَهْم حقوق المرأة في الإسلام.
  • زيادة نسب العنف الأسري وفق الإحصاءات لا تعني بالضرورة أن يكون مرتبطًا بارتفاع في وقائع العنف الأسري ضدها، فهو نتيجة طبيعية لزيادة الوعي بالحقوق، وهذا أمرٌ إيجابي لأنه بالمقابل سيقوِّم سلوكيات لدى المُعنِّف تردعه عن ارتكاب العنف خوفًا من العقاب.
  • أما تمكين المرأة الريفية فسيكون ناتجًا تلقائيًّا مع المشاريع التطويرية الحديثة كالسودة والعلا، وأيضًا مع توجيه الاستثمارات لتلك المناطق.

بينما سلَّطت د. فوزية أبو خالد الضوءَ على النقاط التالية:

  • من مبادئ تمكين المرأة احترامها ككيان بشري كإنسانة ومواطنة، ليس من قِبل الدولة فقط؛ بل من قِبل كافة المؤسسات التنفيذية والمكونات المجتمعية كافة، سواء عملت أو لم تعمل، وسواء كانت تحمل شهادة جامعية أو لا، تأكيدًا على حقِّ الاختيار الذي أُشير له؛ غير أن مثل هذه الأساسيات مفقودة في عموم المجتمع ليس بسبب ثقافة المجتمع وحسب، بل بسبب طبيعة تركيبته أيضًا. لا يجدي نفعًا الاكتفاءُ بالتعلق على إنجازات القرارات السياسية المستحقة والعظيمة.. وخاصة تلك التي – بحمد الله – مكَّنت المرأة تشريعيًّا وقانونيًّا؛ فذلك إنجاز رائع، والحوار كيف نُعبِّر عن تثمينه فعلاً وليس قولاً وحسب، وبشفافية وليس مجاملةً، ومن ذلك أن نتذكر أن التمكين ومشاريعه لا يجب أن تكون موجَّهة لنُخب من النساء أو لخَلْق نُخب للواجهة أو التصدُّر.
  • التمكين ليس فقط ما نرى مظاهره الظاهرة للعين في المركز، ولكنه أيضًا المنشود في المركز والأطراف التي لا تقتصر على الريف، بل تُشكِّل كافة المكونات المجتمعية بما فيها الأحياء والقوى الاجتماعية الطرفية في المراكز.
  • الشراكة الأسرية في تحمُّل مسؤوليات الأسرة بما فيها تحمُّل مسؤوليات تربوية لا تزال تُوكَل للأم وحدها، وفي أحسن الأحوال بمشاركة الخادمة أو المربية. ومن المهم مراعاة أن المسؤوليات الأسرية المنزلية والتربوية هي شراكة بين البالغين في الأسرة نساءً ورجالًا، وخاصة الأم والأب.

في حين ترى د. عائشة الأحمدي أن ثمةَ أسئلةً مُلِحَّة تحتاج إلى الإجابة عنها فيما يخصُّ تمكين المرأة؛ كونها تُمثِّل بدورها تحدياتٍ مهمةً في هذا الإطار:

  • أولاً: هل تعميق التمكين يحتاج إلى ثقافة داعمة (سواء كانت ثقافة فرعية في الجماعات أم ثقافة عامة تضرب في عمق المجتمع الذي يشترك في خصائص بعينها)، أو يحتاج إلى توجُّه رسمي يقود هذه الثقافة؟
  • ثانيًا: ‏لماذا في المجتمعات العربية – رغم اشتراكها في كثير من الخصائص – تفرَّدت تونس في التمكين، بل سبقت بعضَ المجتمعات الغربية؟ هل يحتاج التمكين تشريعات تضمن عدم الارتداد، مثل تلك التي أسسها الرئيس التونسي بو رقيبة؟
  • ثالثًا: ألسنا بحاجة في المجتمع السعودي لتنعم المرأة فيه بالتمكين، ومراجعة بعض التشريعات وإنْ كانت تحسَّنت، إلا أنها تخلو من تحقيق مساواة حقيقية؛ ولننظر – على سبيل المثال – للوائح الخاصة بالإسكان للحصول على قرض مُيسَّر الدفع؟ لماذا تُوضع اشتراطات لحصول المرأة على القرض أن تكونَ (مطلقةً أو….) فيما لا نجد هذه الاشتراطات عند الرجل، أليس هذا من التمكين؟

والملاحظ من وجهة نظر د. عفاف الأنسي أن التمكين خلق فرصة لتحرُّر المرأة، فقد يُعطي التمكين القدرةَ على اتخاذ القرار والاستقلالية؛ لكن التحرُّر يُعطي الثقةَ والإقدام على اتخاذ القرار دون الاكتراث للقيود الثقافية والاجتماعية، وذلك يظهر في ممارستها الحديثة، وربما يكون ذا صلة بارتفاع نسبة الطلاق والعنف الأسري الموجَّه ضدها، فالمرأة أميلُ في وضعها الحالي إلى الحرية في أسلوب الحياة؛ الزواج أو عدم الزواج، اختيار الشريك، نوع العمل، التنقل والسفر، وهي تجدها فرصة للاستمتاع بالحياة التي سُلِبت منها. وهو الأمر الذي قد يتصادم مع ثقافتنا المحلية، خاصة أن الحرية بالمفهوم السابق في ثقافة المجتمع تُمارس أكثر من الذكور في الفترة السابقة ونادرًا لدى المرأة، قد تؤدي الحرية بمفهومها السابق إلى التنصل من مسؤوليات مجتمعية؛ كالمسؤولية نحو الأسرة أو الالتزام بالقيم. وتركز على الشخص ذاته ورغبته في العيش بالطريقة التي تسعده، ولا يُقصد بذلك أن هذا النمط هو السائد لدى الرجل سابقًا، لكن وجوده مُبرِّر في المجتمع، وربما اتخاذ المرأة نفس النمط يعَدُّ كسرًا للقالب النمطي الجنساني الذي تعوَّدنا عليه. وعليه، فإن التمكين يختلف عن التحرُّر؛ فالتمكين قرار عقلاني يُمليه الاحتياج الاقتصادي للمجتمع؛ فتعطيل شريحة كبيرة من المجتمع يُعطِّل نموَّ المجتمع، ويُهدِّد أمنَ الأسرة الاقتصادي؛ لكن التمكين قد يُسهِّل اتخاذ قرار الانفكاك والتحرُّر من القيود، وهو الأمر الذي يجب دراسة آثاره على المجتمع سواء كانت ارتفاع نسب الطلاق أو العزوف عن الزواج أو الهجرة إلى الخارج.

  • محاولة لاستشراف مستقبل تمكين المرأة السعودية:

ترى د. هند الخليفة أن تمكين المرأة اقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا لم يعُد مسألةً اختياريةً تُقرِّرها المجتمعات، فمصيرُ أي دولة يرتبط بمشاركة المرأة ودورها كقوة أساسية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي؛ ولذلك ارتبط مؤشر التنمية بمعدل مشاركة المرأة والفرص المتاحة لها، بما في ذلك دورها في صُنع القرار والمناصب القيادية التي تحتلها.

بالرغم من التغيير الذي حدث في وضع المرأة السعودية، والذي منحها درجةً من التمكين، فإن هناك بعض العناصر المهمة في توجيه هذا التغيير؛ منها بناء القدرات وتمكين المرأة من المهارات الشخصية والحياتية، وبما يوازي الاهتمام بالمهارات العلمية والفكرية والتخطيطية…وغيرها من متطلبات للدخول بقوة في سوق العمل. كذلك تطوير مهارات القيادة كخطوة أساسية نحو إتاحة المناصب القيادية ومَنْح الصلاحيات للمرأة العاملة، والاستفادة من تجربة الدول التي تقدَّمت في هذا المجال.

بناء شخصية المرأة يظلُّ أساسًا في إحداث تغيير حقيقي ومستدام في دور المرأة في المجتمع. وهناك تحديات كبيرة تواجه المجتمع والمرأة في مسألة التمكين؛ من ذلك التوجُّه الاستهلاكي والتركيز على المرأة كهدف ووسيلة للترويج، وربط مفاهيم جودة الحياة بالاستهلاك والترفيه والإنفاق على ذلك، مما يُبعد المرأة والرجل عن إحداث تغيير حقيقي ودائم. الحديث هنا عن التمكين الفكري والسلوكي، والذي يتطلب أساليبَ تربويةً تُعزِّز الاقتدار لدى الأطفال والشباب، وتُحصِّنهم داخليًّا بمناعة ضد الترف والاتكالية والتظاهر.

وفي تصوُّر د. عبد الله المطيري، فإن المرأة نصف المجتمع، ودورها لا ينحصر في تمكينها من الخروج للعمل للكسب المادي وتحرُّرها من التبعية المادية للرجل، فهي شريكة الرجل في كل مناحي الحياة منذ خُلقت، وطبيعة مشاركتها تختلف من حضارة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر، وفي زمننا الحالي الذي اتسمَّ بسرعة التغيرات لا شكَّ أن موجة التغيير شملتنا. ويبقى التساؤل المطروح في هذا الصدد: كيف نُوازن بين الحفاظ على حضارتنا بكافة مكوناتها خاصةً الدينية والثقافية التي تُميِّزنا عن غيرنا ونفخر بها، وبين الحضارات التي يتخذها البعض مِنَّا نبراسًا؟

وفي اعتقاد د. خالد الرديعان، فإن أكثر فئة اجتماعية أربكها تمكين المرأة هي المجتمعات المحلية ذات الخلفية القبلية، ممَّن هاجروا من الصحراء والهجر والمناطق الصغيرة واستقروا في المدن الكبيرة ممَّن لا يزالون بقيمهم القبلية التي تبدو غير منسجمةً تمامًا مع الواقع المُعاش في المناطق الحضرية.

شريحة واسعة من هؤلاء يعانون اقتصاديًّا وثقافيًّا وبعدة صور؛ فتعليم أبنائهم مُتدنٍ، ويعملون في مهن ذات مردود منخفض لا تحتاج تعليم عاليًا كالقطاع العسكري وقطاع الاقتصاد غير الرسمي (اقتصاد الظل)؛ لكنهم في ذات الوقت مُكبَّلون بقيم اجتماعية تستنزف جزءًا كبيرًا من دخولهم (الكرم، والرفد… إلخ)، مما يعيق تكيُّفهم في المدن وشروط الحياة الحضرية. يعيشون في جيوب فقر تحيط بمدن المملكة، بحيث لا تُخطِئ العين أماكنَ تواجدهم وأحياءَهم. هم بين فكي كماشة؛ الوضع الاقتصادي الضاغط، ومتطلبات وشروط القبيلة التي قد تحدُّ من انخراطهم تمامًا في الحضرية التي تُعظِّم من شأن الفردية.

ومع قرارات التمكين الأخيرة، لُوحظ إقبال فتيات هذه الشريحة السكانية على العمل، وغالبًا بداعي الحاجة الاقتصادية، وهذا مُبرر ومفهوم، أو لداعي الانعتاق من سلطة الأسرة الممتدة. هذا الوضع خلق تناشزًا أسريًّا؛ فالرجل يظلُّ رجلًا بقِيمه الشرقية والقبلية العتيدة، وفي الوقت ذاته هو يواجه وضعًا خرجت فيه المرأة عن طورها القديم كتابع inferior، وأصبحت تعمل وتكسب، وربما تُنفق على الأسرة وعلى الرجل الذي كان يمنعها من كلِّ شيء. التمكين بهذه الصورة سيخلق توترات قد تنعكس على علاقة الجنسين، وزيادة مستويات الطلاق والانفصال، والعنف الأسري.

التمكين الذي نراه هو أسرع ممَّا كنَّا نتوقع، وبالتالي نحتاج عمومًا إلى بحث مُوسَّع لتسليط الضوء على هذه الشريحة، فهي بالفعل تعاني وذلك من واقع حالات وقفت عليها.

وأشارت د. مها المنيف إلى أن التمكين الاقتصادي الذي حصل في المملكة ركَّز على المدن الكبرى، فأين نصيب تمكين المرأة الريفية من هذا التمكين؟ كثيرٌ من الأعمال التي ترضى بها المرأة في المدينة نراها غير مقبولة من المرأة والأسرة والقبيلة في المدن والقرى. هل هناك مشاريع زراعية أو غيرها تُركِّز على تمكين المرأة الريفية؟ لا تزال المرأة في الريف والقرى تتزوج في سنٍّ صغيرة، ونصيبها من التعليم ضعيف. الدراسات تؤكِّد أن العائد على الأسرة والمجتمع من تمكين المرأة الريفية كبيرٌ جدًّا؛ لذلك لا نرى مشاريع جادةً في تمكين المرأة في القرى والبادية. ومن ناحية أخرى، فكما ذكر د. خالد الرديعان، فإن هناك تمكينًا للفتيات في المدن الكبرى مع إبقاء نظرة المجتمع على أن مسؤولية الصرف على المنزل هي من مسؤوليات الرجل، وهذا يجب أن يتغير، وقد آن الأوان ليكون صرف المرأة العاملة على منزلها ليس من باب التطوُّع، ولكنه واجبٌ مثلها مثل الرجل.

ويرى د. عبد العزيز الحرقان أن تأخُّرنا في قضايا تمكين المرأة ولَّد شعورًا بأنه يجب التعويض عمَّا فاتها. ومحاولة توظيف أكبر عدد ممكن للتوازن مع مستوى توظيف الرجل. هذا المنهج أدَّى إلى توظيف سيدات في وظائف مهمة لمجرد أنها امرأة. بعضهن حقَّقن نجاحًا، وبعضهن فشلن فشلًا ذريعًا، وأثَّر هذا الفشل على قضايا تمكين المرأة بشكل عام. المفترض أن يكون التوظيف بناءً على القدرات، وتُعطى أولوية الفرصة.

بينما أكَّد د. حميد الشايجي على أهمية التدرُّج في الأمور، والتدريب على طُرق التطبيق، والتوعية بالآثار الجانبية الناتجة عن التطبيق، خصوصًا الخاطئ منها. إنَّ هذا الأمر يعَدُّ في غاية الأهمية؛ وذلك لضمان جودة المنتج، والحد قدر المستطاع من الآثار السلبية الناتجة عن هذه الممارسة. يُضاف إلى ذلك أن مع تمكين المرأة هناك ضرورة مُلِحَّة لتغيير بعض المفاهيم والممارسات الاجتماعية الدارجة في المجتمع، ومن ذلك مفاهيم طقوس الزواج من مهر وتكاليف الحفل، ومصاريف الحياة الزوجية، بحيث تكون تشاركيةً.

وذهبت د. وفاء طيبة إلى أن تمكين المرأة في جميع نواحي الحياة بدأ بتعليمها منذ انطلقت المدارس الأولى لتعليم الفتاة في حياة الملك فيصل رحمه الله، وكما نعرف فإن نسبة الخريجات من الجامعات في درجة البكالوريوس في كثير من التخصصات (حتى بعض تخصصات العلوم) هي أعلى من الخريجين الذكور، وهذه الظاهرة عالمية؛ ولكن يدلُّ ذلك على أننا لحقنا بالعالم في تمكين المرأة أكاديميًّا. التعليم الأكاديمي مهمٌّ ولكنه لا يكفي، فكما ذكرت د. هند، فإن بناء الشخصية وتمكينها من مهارات عملية اجتماعية مختلفة أمرٌ مهمٌّ سواء للمرأة أو الرجل، والتأخر في التعليم كانت نتيجته التأخُّر في التمكين، وكذلك فإن التأخُّر في بناء الشخصية لأيٍّ من الجنسين سيتسبَّب في عدم النضوج والتمكين الكامل.

يلي التعليم التوعية بالحقوق (وإنْ كان عمل المرأة جاء في بعض المجالات أولاً)؛ فتوعية المرأة (والرجل) بحقوقهما في المجتمع الذي يعيشان فيه وواجباتهما أيضًا يصنع ذلك التوازن الضروري بين الأَخْذ والعطاء. وكلتا النقطتين السابقتين (الحقوق وبناء الشخصية) تعتمد على التربية والتعليم، إلا أن الحركة التي بدأت في الثلاثين سنة الأخيرة أو أكثر قليلاً في التوعية بالحقوق كان لها دورٌ يُذكر في تمكين المرأة اجتماعيًّا واقتصاديًّا، ولكننا مازلنا نحتاج إلى مزيد من العمل في هذا الجانب.

في حين أشارت أ. فائزة العجروش إلى أن المملكة تعَدُّ من الدول التي تأخَّرت كثيرًا في مسألة تمكين المرأة، وعانت المرأة السعودية في الماضي من التهميش والمَنْع عن الدراسة أو العمل في قطاعات كثيرة تحتاجها أي دولة لتكتمل مسيرتها التنموية، بسبب عوامل كثيرة لا داعي للخوض فيها حاليًّا. فما يهمُّنا الآن هو العصر الذهبي الذي تعيشه المرأة السعودية في ظلِّ قيادة الملك سلمان، ورعاية الأمير المُلهَم محمد بن سلمان – حفظهما الله – الساعية لتمكينها في كافة أمورها الحياتية والعملية.

ولو نظرنا للمملكة، من حيث التشريعات والقوانين، نجدها أصبحت من  الدول التي حقَّقت بسببها مؤخرًا ارتفاعًا ملحوظًا في مؤشر تمكين المرأة السعودية في قطاعات العمل وإعطائها كافة حقوقها، لكننا نحتاج إلى غَرْس فكرة التمكين المتطور، الذي يُفعِّل دورَ المرأة بشكل أكبر، ويجعله دورًا متجدِّدًا؛ فمفهوم التمكين في الأساس يستند إلى فكرة القوة الناتجة من التربية السوية والشعور بالانتماء للمجتمع، والاعتراف بقدراتها وعدم إقصائها أو تهميشها وإنْ كان ضمنيًّا، وهو ما يُمكِّن المرأة من تحرير طاقاتها كاملةً من أجل خدمة المجتمع. وهذه القوة تتحقَّق بامتلاك المرأة للعِلم والمعرفة والتدريب والدعم والثقة الضرورية للعمل والإنجاز؛ ومن ثَمَّ فإن العمل على بناء شخصية المرأة مهمٌّ أن يأتيَ قبل تمكينها.

وبناء الشخصية يجب أن يبدأ من الأسرة بتربية الابنة على الثقة في قدراتها وتنمية مهاراتها بشكل مستمر، وعلى أساس أن الرجل شريكٌ للمرأة وليس ندًّا لها، وأنه يجب على المرأة أن تهتمَّ بأسرتها وأولادها، وتُقدِّم ذلك في مرحلة من عمرها على عملها. وتربية الابن على أن الرجل يجب أن يكون سندًا للمرأة وداعمًا لها. وتبيان القدوة الحسنة من الوالدين في الحرص على تماسُك الأسرة ضد أي مهدِّدات خارجية.

كما نحتاج إلى غرس فكرة التمكين المتطوِّر في الجانب الاقتصادي، وأن نجدها في الغد القريب وزيرةً لأحد القطاعات الاقتصادية، خاصة بعد أن سجَّلت حضورًا لافتًا في مختلف قطاعات العمل الفنية والإنتاجية والمتخصصة، وأيضًا في ريادة الأعمال من خلال إدارتها الناجحة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأيضًا متناهية الصغر. وتمكين المرأة اقتصاديًّا هو أمرٌ حتميٌّ وضروريٌّ، خصوصًا في هذه المرحلة التي يُتطلب فيها أن تلعب المرأة السعودية دورًا محوريًّا في اقتصادها لتحقيق أهداف رؤية 2030. كذلك  يجب ألا يتوقف دعم وتمكين المرأة عند حدود التعليم أو قطاع الصحة، أو حتى في المجال السياسي الذي تحظى فيه باهتمام ورعاية ولا سيما فيما يتعلق بالمناصب القيادية. وباعتبار المرأة شريكًا أساسيًّا في التنمية الاقتصادية، مثلما تُشارك فيه كطبيبة وسفيرة ومعلمة وموظفة؛ نريد تمكينها كرائدة أعمال في مختلف القطاعات الاقتصادية لإدارة شركات بمختلف الأحجام من المتناهية الصغر وحتى الشركات الكبيرة ذات الثقل، خاصة بعد أن أثبتت نجاحًا كبيرًا في كل ذلك.

ولا رَيْب أن الجهودَ التي تبذلها الدولة من خلال برامجَ عديدةٍ نحو تمكين المرأة اقتصاديًّا، هو أمرٌ جلي للكلِّ للاستفادة من تلك الأيادي الناعمة في تنمية الجانب الاقتصادي في المملكة.. فالمرأة منذ قديم الزمن تلعب دورًا اقتصاديًّا من خلال نوعية الأعمال التي كانت تُنفِّذها على مستوى أسرتها ومجتمعها، ولا يمكن تجاهُل مساهماتها في الصناعات الحرفية، والصناعات الغذائية البسيطة (كتخليل وتجفيف بعض المنتجات الزراعية، وتجفيف الأسماك وتربية الحيوانات) التي تتواجد فيها المرأة بنسبة أعلى من الرجل.

وتأكيدًا لمبدأ الارتباط الوثيق بين إسهام المرأة في البناء المجتمعي، وتعزيز قدراتها في النهوض والتطوير الاقتصادي والتنموي؛ لا بد من توافر الآليات التي تضمن بناءَ الوعي المجتمعي، وإتاحة الفرصة وتعزيز القدرات وتغيير الاتجاهات؛ وتوافر تلك الآليات هو الذي يسمح بتمكين حقيقي ومؤثر للمرأة.

وهذا لن يتأتَّى إلا من خلال مساعدة المرأة لتطوير أعمالها؛ فعلى سبيل المثال: تحتاج المرأة السعودية إلى دعم فاعل لمؤسستها أو شركتها الصغيرة، والتي غالبًا ما يكون نشاطُها خدميًّا أو لتوفير وإدارة المنتجات الخفيفة كمستلزمات المرأة والمنزل؛ لكن نتطلع لوجودها في مجال الصناعات المتوسطة والثقيلة. والتمكين لا يكون على مستوى تقديم الخدمات المتعارف عليها، بل على مستوى تواجدها في إدارة وتصنيع المنتجات الضرورية التي يحتاج إليها السوق المحلي؛ فالمرأة الريفية والبدوية والساحلية تحتاج إلى تطوير أدواتها كي يكون لها دورٌ فاعل في حقول العمل المتنوعة، والمرأة الحرفية تحتاج أن نُعلِّمها أكثرَ ونُطوِّر من خبراتها؛ لنزيد من قُدراتها في هذا المجال.

تمكين المرأة يتطلب من المسؤولين العملَ معها بيد واحدة لمساعدتها في أداء واجباتها الوظيفية على أكمل وجه، وعلى حمل وأداء تلك الأمانة الوطنية بتدريبها ودعمها وتهيئة كافة الظروف التي تُعِينها على القيادة الفعلية وليست الصورية، مع عدم إغفال أهمية دورها في الأسرة كزوجة وأم؛ الأمر الذي يستلزم بعضَ المراعاة من قِبل الإدارة في محيط العمل.

ومن جديد، أضافت د. وفاء طيبة أننا مررنا في تمكين المرأة بمراحلَ كثيرةٍ: التعليم، ثم العمل، ثم توسُّع التعليم والابتعاث، ثم توسُّع مجالات العمل وتقلُّد المناصب، ولا ننسى العمل الخيري. وخلال هذه المراحل، تولَّد ضغطٌ مجتمعيٌّ على المرأة قد يكون له آثارٌ سلبية، فالتحفيز للمرأة العاملة والتشجيع للمرأة العاملة، وليس هناك غضاضة في ذلك؛ ولكن لم تنل المرأة التي اختارت الدورَ الصعب (مَنْ تركت ذلك حقيقةً وعن وعي لتربية أطفالها)، فشكَّل ذلك قوةً ضاغطةً على المرأة بحيث أصبح العمل يُشكِّل مكانتها في المجتمع، فإنْ لم تعمل فهي في مكانة متدنية! وإنْ كانت تعمل عملًا أكبر وأهمَّ في بيتها! فالعقول والأجسام التي تُربِّيها في البيت مهمةٌ جدًّا. ما نطمحُ إليه هو أن نُمكِّن المرأة أكاديميًّا ونفسيًّا وعلميًّا وأسريًّا، وأيضًا في العمل والمناصب، ولكن بحيث تصبح حُرَّةً في الخيار، فإذا وجدت أن وجودَها في البيت أهمُّ من وجودها في العمل ولو في بعض الفترات اختارت الخيار الصحيح؛ أي أن نصلَ بتمكينها إلى حريتها الحقيقة في الخيار، وليس بضغوط المجتمع. وبالطبع، فإن ذلك يحتاج إلى مساندة من الدولة، حيث نحتاج إلى حزمة قوانين وأنظمة تسمح للمرأة بهذا النوع من التوازن، فإذا كان لديها طفلٌ استطاعت التفرُّغ له (أكثر من شهرين) ثم العودة للعمل بدون أن تفقدَ كثيرًا، فالجمع بين التربية الجادة والصادقة والإخلاص في العمل يُشكِّل ضغوطًا كبيرةً stress على المرأة العاملة. دول شمال أوروبا وَعت ذلك وعملت على تنفيذه ووَضْع الأنظمة والقوانين من أجله، وإلا سندور في حلقة مفرغة، وسينعكس اهتمام المرأة الجادة في التربية سلبًا على عملها وعلى دخلها. المأمول أن يتحقَّق ذلك وخاصة مع خروج النساء للعمل بقوة وتأخُّر سنِّ الزواج أو العزوف عنه لعدم القدرة على المواءمة، ومن المتوقع – من دراسة التاريخ- أن يستمرَّ تحت الظروف الحالية. كما أن من المهمِّ تمكين المرأة أسريًّا؛ بمعنى كيفية عملية التربية الصحيحة، والمواءمة بين عملها خارج المنزل وواجباتها الأسرية بفَهْم وعلم ووعي، فهذا ضروريٌّ جدًّا من أجل صحة الأجيال القادمة.

وبدوره أكَّد أ. لاحم الناصر على أن عمل الأم المربية لا يقلُّ عن عمل المرأة على رأس قطاع أو شركة، بل أعظم من ذلك؛ لذا من المهمِّ جدًّا التوسُّع في مجال إجازة الأمومة بالذات في مراحل الطفولة الأولى؛ فمَن اختارت تربية ابنها والبقاء معه في مرحلة تكوُّن مشاعره وتكوين مهاراته، فيبقى المجال مفتوحًا لها دون الوقوع في فخِّ الخيار بين الوظيفة أو تربية الأبناء، كما يجبُ كذلك تشجيع مَن اختارت البقاء في المنزل لتربية أبنائها بدَعْم من الدولة كنوع من الاعتراف بعِظم العمل الذي تؤديه وأنه لا يقلُّ أهميةً عن العمل خارج المنزل. كما أن مِن المهمِّ التركيز إعلاميًّا في هذه الفترة الحرجة من التغيُّر المتسارع في مجال تمكين الأسرة، بوجوب ألا يكون ذلك على حساب الأسرة، والحديث الدائم عن أهمية الأسرة وتماسُكها والمحافظة عليها، والتوازن في النظر في كل الأمور.

وأكدت د. الجازي الشبيكي على أنه مما لا شك فيه أن تمكين المرأة في المجتمع هو حقٌّ من حقوقها التي كفَلها لها التشريع الرباني والتشريع الوطني؛ إنسانيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا وأسريًّا واقتصاديًّا وقانونيًّا وسياسيًّا. وقد واجهت مطالبتها التمتُّع بهذه الحقوق طيلة عقودٍ ماضية العديد من الصعوبات والتحديات لأسباب تتعلق ببعض الأعراف والتقاليد والعادات والفَهْم الخاطئ للنصوص الدينية، مما قلَّل من تفعيل أدوارها المطلوبة في تنمية المجتمع وإدماجها في عمليات الإنتاج وتدنِّي مشاركتها في مواقع المسؤولية واتخاذ القرار.

الدين الإسلامي مكَّنها إنسانيًّا، والنظام الأساسي للحكم مكَّنها وطنيًّا، وجاءت الرؤية الجديدة 2030 لتنصَّ على إعطائها المكانةَ اللائقةَ بها بصفتها شريكةً أساسيةً للرجل في مسيرة العطاء المجتمعي والتنموي من خلال العديد من الأنظمة والقوانين والإجراءات المسانِدة والداعمة لتُعيدها للتواجد الذي كانت أصلًا ركيزةً من ركائزه في الماضي القريب، حينما كانت الأسرة تعمل كوحدة إنتاج متكاملة، وكان للمرأة الدورُ الفاعل في هذه الوحدة الإنتاجية؛ سواءً في البادية الصحراوية أو في الريف الزراعي، أو حتى المناطق البحرية حينما كانت المرأة تسد مكان الرجل  في المجتمع طوال رحلاته في الغوص طلبًا للرزق.

إنَّ الآثار الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لتمكين المرأة ستتزايد إيجابياتها لصالح المجتمع بشكل عام من حيث تفعيل قوة وحجم موارده البشرية ذات الركيزة الأهم في التنمية المُستدامة، وعلى المجتمع بشكل عام بأنظمته وقوانينه وإجراءاته ومؤسساته الحكومية والخاصة والمدنية، والأسرة بشكل خاص؛ وذلك بمساعدة المرأة ومساندتها على التوازن بين مسؤولياتها المزدوجة أسريًّا ومجتمعيًّا لتتحقَّق الثمار المنشودة من تمكينها.

وستسهم التقنيات التكنولوجية الحديثة بلا شك في دعم خيارات مشاركة المرأة وتمكينها وتعزيز أدوارها المتعددة، من حيث إمكانية العمل عن بُعد في بعض فترات الحياة، ومن حيث استخدام شراكات وحلول مبتكرة لضمان الرعاية الجيدة لأفراد الأسرة وخاصة الأطفال، وتقليل سلبيات عمل الوالدين قدر الإمكان على التنشئة والتربية السليمة لهم.

وفيما يخصُّ بعض الطرح المتخوِّف على الأسرة من آثار تمكين المرأة؛ فإن العِبرة بنوعية التواجد الوالدي في الأسرة وليس بحجم الوقت المُعطى من قِبلهم لأفرادها، والأمثلة الناجحة في هذا الخصوص عديدة ولا حصر لها.

  • التوصيات:

أولًا – على نطاق الأسرة:

  • تغيير بعض المفاهيم الثقافية المرتبطة بالأسرة؛ لتنظيم التوازن للأعباء الأسرية بين المرأة والرجل.
  • تدريب وتوجيه الوالدين على استثمار أوقاتهم مع أسرهم؛ لتتوطد العلاقات بين أفراد الأسرة. والتوازن بين مسؤولياتهم الأسرية والعمل خارج المنزل والتعاون بينهم.

ثانيًا – على نطاق العمل:

  • قيام الشركات الكبرى بتوفير التدريب الموازي لمتطلبات سوق العمل، خاصةً المرشحات للمناصب القيادية.
  • تمكين المرأة من المهارات الشخصية والحياتية بالإضافة إلى المهارات العلمية والفكرية، للدخول بقوة لسوق العمل.
  • إتاحة المناصب القيادية للمرأة، مع الاستفادة من تجربة الدول التي تقدَّمت في هذا المجال.
  • إعادة صياغة حقوق المرأة في العمل لتتلاءمَ مع متطلباتها الأسرية، مثل: العمل المرن، والعمل عن بُعد، والدوام الجزئي.
  • الحث على تمكين المرأة من خلال رؤية ٢٠٣٠، مع الحرص على تعزيز الهوية الوطنية والقيم الإسلامية للأسرة السعودية.
  • تمكين المرأة الريفية للعمل في المشاريع التطوُّرية في المنطقة.
  • التأكيد على تمكين المرأة من حقوقها التي كفَلتها الشريعة الإسلامية والأنظمة الدولية وأهداف التنمية المستدامة.
  • توفير دور رعاية ومراكز وحضانات لرعاية أطفال النساء العاملات في مقر العمل، لمساعدة الأم العاملة.

ثالثًا – على نطاق مجلس الأسرة:

  • حث مجلس الأسرة لإجراء دراسات حول معرفة الآثار الاقتصادية والاجتماعية لتمكين المرأة سواء على نطاق المرأة والأسرة، ووَضْع الحلول لها.
  • نَشْر الوعي بأهمية تمكين المرأة، مع الحفاظ على قيم المجتمع وتماسُك الأسرة.


المشاركون في مناقشات هذا التقرير:

ʘ      قضيةالسعودية وأفريقيا: مقومات الشراكة ومكاسبها:

  • د. محمد الثقفي
  • أ. سليمان العقيلي
  • أ. محمد الدندني
  • م. عبد الإله الصالح
  • د. وفاء طيبة
  • د. زياد الدريس
  • د. هناء المسلط
  • د. عبد الله صالح الحمود
  • د. عبد العزيز الحرقان
  • د. خالد بن دهيش
  • د. فوزية أبو خالد
  • د. عائشة الأحمدي
  • د. حمد البريثن
  • م. فاضل القرني
  • أ. فهد العريشي
  • أ. فائزة العجروش
  • د. عادل القصادي
  • أ. مها عقيل
  • أ. فهد القاسم
  • د. مساعد المحيا
  • أ. مهلة أحمد

 

ʘ      قضية “قمة العُلا والمصالحة الخليجية”:

  • د. زياد الدريس
  • د. عبد الله بن ناصر الحمود
  • أ. محمد الدندني
  • د. فوزية أبو خالد
  • أ. فهد الأحمري
  • أ. عبد الله الضويحي
  • م. سالم المري
  • معالي د. عبد الإله الصالح
  • د. عائشة الأحمدي
  • د. حميد الشايجي
  • أ. فهد القاسم
  • م. أسامة كردي
  • اللواء فاضل القرني
  • د. خالد بن دهيش
  • أ. خالد العثمان
  • أ. لاحم الناصر
  • د. محمد الثقفي
  • د. محمد المقصودي
  • أ. جمال ملائكة
  • د. فهد اليحيا
  • د. حمد البريثن
  • د. الجازي الشبيكي
  • د. ابراهيم البعيز
  • أ. فائزة العجروش
  • د. ناصر القعود

ʘ      قضية “تحليل لنتائج طلاب المملكة العربية السعودية في دورات الاختبارات الدولية  TIMSS-KSA“:

  • د. فوزية البكر
  • د. عادل القصادي
  • د. وفاء طيبة
  • د. محمد الملحم
  • د. زياد الدريس
  • د. راشد العبد الكريم
  • أ. فهد الأحمري
  • د. محمد الثقفي
  • م. فاضل القرني
  • م. أسامة الكردي
  • أ. فائزة العجروش
  • د. عبير برهيمن
  • د. فايزة الحربي

ʘ      قضية “تطوير المنظومة التشريعية”:

  • د. عبد العزيز الحرقان
  • د. محمد المقصودي
  • أ. سليمان العقيلي
  • د. صدقة فاضل
  • م. سالم المري
  • أ. محمد الدندني
  • د. وفاء طيبة
  • د. عبير برهيمن
  • د. منصور المطيري
  • د. رياض نجم
  • أ. فائزة العجروش
  • د. فوزية أبو خالد
  • د. فوزية البكر
  • أ. جمال ملائكة
  • د. نبيل المبارك
  • م. إبراهيم ناظر
  • أ. عاصم العيسى
  • د. عفاف الأنسي
  • د. مساعد المحيا
  • د. عبد الرحمن العريني

قضية “الآثار الاجتماعية والاقتصادية لتمكين المرأة”:

  • د. عائشة الأحمدي
  • م. خالد العثمان
  • د. فوزية البكر
  • د. عبد الله المطيري
  • د. عبد العزيز الحرقان
  • أ. منى أبو سليمان
  • د. وفاء طيبة
  • د. محمد الثقفي
  • أ. سليمان العقيلي
  • د. هند الخليفة
  • د. مها المنيف
  • د. زياد الدريس
  • د. ريم الفريان
  • د. حميد الشايجي
  • د. خالد بن دهيش
  • أ. فهد القاسم
  • أ. فائزة العجروش
  • د. الجازي الشبيكي
  • أ. لاحم الناصر
  • د. فوزية أبو خالد
  • د. حمد البريثن

([1]) أستاذ الفلسفة والدراسات الاجتماعية، جامعة نواكشوط، موريتانيا.

(1) المصدر: مجلة ناشيونال إنترست، يناير 2020.

           [2] خبيرة في الحوكمة العمومية، وزيرة موريتانية سابقة.

* وزير الإعلام الكويتي الأسبق، وأستاذ في جامعة الكويت.

[3] – https://www.awalan.com/Article/11563?s=09

[4] – مستشار في المؤسسة العامة للتدريب التقني (إدارة المناهج).

[5] – أستاذ مشارك في القياس والتقويم بجامعة أم القرى.

[6] – أستاذ مساعد بجامعة جدة، ومدير عام التقويم والقبول في وزارة التعليم سابقًا.

[7] – مستشار ومشرف عام على الموارد البشرية في وزارة الاقتصاد والتخطيط، ومهتم ببناء المؤشرات التنموية واستطلاعات الرأي العام وتحليل البيانات والمعلومات.

[8] – أستاذ مساعد بكلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الملك سعود.

([1]) نقلاً عن (شملاوي والحيط، 2018).

[2] دول الدخول المتوسطة

[3] دول الدخول المنخفضة

[4] غير منشورة

تحميل المرفقات