ملتقى أسبار: التقرير الشهري رقم (73) لشهر مارس 2021

لتحميل التقرير اضغط هنا


مارس 2021

  • تمهيد:

يعرض هذا التقرير عددًا من الموضوعات المهمة التي تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر مارس 2021 م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة حول القضايا التالية:

  • التدريب التقني والمهني بين الواقع ورؤية المملكة 2030، ودوره في علاج مشكلة البطالة.
  • الأهمية الإستراتيجية للبحث والتطوير للقوات العسكرية.
  • فرص الابتكار الإعلامي.
  • غَسْل الأموال: واقع الحال وطُرق المكافحة في النظام المالي السعودي.

 


القضية الأولى

التدريب التقني والمهني بين الواقع ورؤية المملكة 2030، ودوره في علاج مشكلة البطالة

(7/3/2021م)

  • أولًا: الملخص التنفيذي.
  • ثانيًا: مدخل لتشخيص واقع التدريب التقني والمهني وعلاقته بمشكلة البطالة.
  • ثالثًا: رؤية المملكة 2030 وخلق فرص العمل وتنمية المحتوى المحلي.
  • رابعًا: مدى تطبيق إستراتيجية نَقْل التقنية وتوطينها التي أكَّدت عليها رؤية المملكة في دول أخرى والجهة ذات العلاقة.
  • خامسًا: علاقة التدريب التقني والمهني برؤية المملكة 2030، ومدى تفاعله في تنفيذها.
  • سادسًا: الجهات المساعدة لتنفيذ إستراتيجية نَقل التقنية وتوطينها.
  • سابعًا: وسائل إعداد خارطة طريق تتواكب مع إستراتيجية نَقْل التقنية وتوطينها للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني والجهات ذات العلاقة بعلاج ظاهرة البطالة.
  • ثامنًا: التوصيات.
  • المشاركون.

  

  • أولًا – الملخص التنفيذي:

تناول التقرير قضية التدريب التقني والمهني بين الواقع ورؤية المملكة ٢٠٣٠ ودوره في علاج مشكلة البطالة، حيث يشهد الواقع بتواضع مستوى التأهيل التقني والمهني في جميع المجالات التي جعلته غيرَ قادر على تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030. كما أن قطاع التأهيل التقني والمهني، في الغالبية العظمى من مجالاته، ما زال يعيش في العقود الأخيرة من القرن العشرين سواءً من حيث البرامج المتاحة، أو آليات وطُرق وأدوات التدريب، أو نوعية الشراكات المحلية والدولية، أو من حيث نوعية البرامج والدورات التدريبية والتأهيلية المتاحة للقائمين على العملية التدريبية، أو من حيث آليات وطُرق اختيار الأشخاص للمناصب القيادية بجميع مستوياتها، أو بغيرها من مستويات ومجالات وبرامج.

إنَّ هذا التواضع الملموس في مستوى التأهيل التِّقني والمهني أدَّى لسلبيات عديدة؛ منها: ضياع الكثير من الوقت، وهدر الكثير من الموارد البشرية والمالية والمادية، وفقدان الكثير من الفرص النوعية في مجالات التوطين ونَقْل التقنية، وعدم المساهمة في إيجاد فرص وظيفية يعمل بها أبناء الوطن، وعدم المساهمة في خلق فرص وظيفية نوعية ومتميزة من خلال مخرجاتها التدريبية.

وتطرَّق التقرير إلى إستراتيجية رؤية المملكة 2030 لخلق فرص العمل وتنمية المحتوى المحلي، والتي تؤكِّد في المجمل على أن دور التدريب التقني إستراتيجي في حلِّ أو صناعة البطالة. وأوضح التقرير أن إستراتيجية نَقْل التقنية وتوطينها التي أكدت عليها رؤية المملكة قد طُبِّقت في عدد من الدول المتقدمة من خلال المعاهد المهنية وكليات التقنية التي قادت هذا المجال بالتعاون مع العديد من جهات الدولة ذات العلاقة. وقد تحقَّقت تنمية المحتوى المحلي في هذه الدول، وخلقت فرص العمل، وارتفعت الصادرات في دول إمكاناتها أقل بكثير في تلك المرحلة إذا قُورنت بإمكانات السعودية الحالية.

وناقش التقرير كذلك علاقة التدريب التِّقني والمهني بإستراتيجية رؤية المملكة 2030 ومدى تفاعله في تنفيذها، والملاحظات على نتائج المبادرات والخُطط ذات العلاقة بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، والجهات المساعدة لتنفيذ إستراتيجية نَقْل التقنية وتوطينها؛ حيث تبيَّن عجز الأساليب والإستراتيجيات المُقدَّمة من موظفي الجهات المعنية لتحقيق إستراتيجيات الرؤية في خلق فرص عمل جديدة، وفي تطوير الوظائف، وكذلك عدم الاستفادة من القروض والمساعدات المالية للقطاع الخاص، وهذا في حد ذاته أدَّى إلى زيادة البطالة وزيادة الإنفاق على هذه الجهات دون جدوى. كما اتضح غياب المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني عن دورها الرئيسي والمنصوص عليه في رسالتها المؤكِّدة على نَقْل التقنية والتوطين؛ فتسبب في اتساع الفجوة بين القطاعين العام والخاص، وسد الفجوة فيما بين الجهات المعنية، وبالتالي عدم الوصول لتحقيق التنمية المستدامة. ولهذا، لا بد من إعادة النظر في الممارسات والوسائل والأساليب والخُطط بهذه الجهات المعنية حتى يتم إيجاد نوعٍ من التواؤم والتوافق والتناغم بين ما طرحته رؤية المملكة والأساليب المتبعة في تطبيق نَقْل التِّقنية وتوطينها من قِبل هذه الجهات.

وفي سياق متصل، تناول التقرير وسائل إعداد خارطة طريق تتواكب مع إستراتيجية نَقْل التقنية وتوطينها للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني والجهات ذات العلاقة بعلاج ظاهرة البطالة.

ومن أبرز التوصيات التي تمَّ الانتهاء إليها ما يلي:

  • ربط التدريب التِّقني بالمرحلة المبكرة من التعليم لجعله جزءًا لا يتجزأ من تركيبة الفرد، والتركيز على اختبارات الميول المهنية للمرشحين للالتحاق بالمعاهد والكليات التقنية؛ لضمان التحاقهم بالتخصصات التي تُشكِّل شغفًا ذاتيًّا للمتدرب.
  • التوسُّع في التخصصات لكلا الجنسين بما يتناسب مع حاجات المجتمع المتجدِّدة.
  • التوسُّع في مجال التدريب التقني للفتيات، والاعتماد عليه بدلًا من التعليم التقني.
  • مشاركة الخبراء والقطاع الخاص والجهات غير الربحية في تدريب طلاب الكليات التقنية.
  • تمكين الكفاءات بالمؤسسة للعمل في الإدارات الإستراتيجية والتخطيط في المؤسسة العامة؛ للعمل على قياس أداء ومؤشرات الأداء بشكل صحيح.

 

  • ثانيًا – مدخل لتشخيص واقع التدريب التقني والمهني وعلاقته بمشكلة البطالة.

يشهد الواقع بتواضع مستوى التأهيل التِّقني والمهني في جميع المجالات التي جعلته غير قادر على تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، كما أن قطاع التأهيل التقني والمهني، في الغالبية العظمى من مجالاته، ما زال يعيش في العقود الأخيرة من القرن العشرين سواءً من حيث البرامج المتاحة، أو آليات وطرق وأدوات التدريب، أو نوعية الشراكات المحلية والدولية، أو من حيث نوعية البرامج والدورات التدريبية والتأهيلية المتاحة للقائمين على العملية التدريبية، أو من حيث آليات وطرق اختيار الأشخاص للمناصب القيادية بجميع مستوياتها، أو بغيرها من مستويات ومجالات وبرامج.

إنَّ هذا التواضع الملموس في مستوى التأهيل التقني والمهني أدَّى لسلبيات عديدة؛ منها: ضياع الكثير من الوقت، وهدر الكثير من الموارد البشرية والمالية والمادية، وفقدان الكثير من الفرص النوعية في مجالات التوطين ونَقْل التقنية، وعدم المساهمة في إيجاد فرص وظيفية يعمل بها أبناء الوطن، وعدم المساهمة في خلق فرص وظيفية نوعية ومتميزة من خلال مخرجاتها التدريبية.

وفي هذا الإطار، فإن التوطين المعرفي هو المدخل الحقيقي والرافد الأهم لتحقيق اختراقات فاعلة في ملفات المحتوى المحلي والبطالة والتنمية المتوازنة بشكل عام. إنَّ مواصلة النمط الاستهلاكي السائد في استقطاب السلع والخدمات والمنتجات وحتى الاستثمارات دون سعي حقيقي فاعل إلى توطين المعرفة ونقلها بأدوات ومنهجيات حقيقية وليست شكلية – سيُبقِي الحال على ما هو، وسيَبقَى شبابنا دومًا وأبدًا باحثين عن عمل وفق مفاهيم الأمان الوظيفي، وسيبقى ملف المحتوى المحلي قاصرًا عن تجاوز أدوات قياس الأثر المالي للتوطين بكل ما فيه من سطحية تعتمد على تسجيل النقاط وليس تسجيل الأثر الاقتصادي على الأرض.

ومن المؤسف جدًّا أننا ما زلنا على مرِّ السنين ومنذ الطفرة الأولى وتوابعها مستهلكين مستوردين للمنتجات والخدمات حتى في القطاعات الإستراتيجية التي تعتبر السعودية فيها لاعبًا محوريًّا أو مستهلكًا رئيسًا. وعلى سبيل المثال، في قطاع النفط والغاز ما زلنا نعتمد على الشركات الأجنبية في تصميم وبناء وتشغيل المصافي وغيرها، وفي قطاع تحلية المياه وبرغم أن المملكة هي المنتج الأول عالميًّا للمياه المحلية بطاقة تفوق 4 مرات الدولة صاحبة المركز الثاني، إلا أننا ما زلنا حتى الآن نستعين بالشركات الأجنبية في كل مرة نريد فيها بناء محطة تحلية مياه جديدة، ولا نملك أيَّ قدرات حقيقية للبحث والتطوير برغم تأسيس مركز أبحاث تحلية المياه في الجبيل منذ 30 عامًا.. وما زلنا عاجزين عن نَقْل المعرفة وتوطينها في مشروع مثل مترو الرياض، وسنظلُّ نستعين بذات الشركات الأجنبية عندما ننتقل إلى تنفيذ مشروعات المترو والنقل العام في المدن الأخرى. هذا النمط هو في الحقيقية نتيجة لغياب رؤية إستراتيجية حقيقية لنقل المعرفة وتوطينها، ولا يسهم بالتالي في خلق فرص عمل حقيقية مدعومة بالقدرات والمهارات التقنية تفوق بكثير ما تخرجه لنا ورش مؤسسة التدريب المهني والتقني من مهارات فنية بدائية تصطدم بالكثير من الحواجز الاجتماعية والوظيفية.

برغم وجود أدوات متناثرة لدعم الإبداع والابتكار تُقدِّمها وتعمل عليها جهات عديدة، إلا أنها تفتقر إلى التكامل الحقيقي الفعَّال من جهة، وسد الثغرات العميقة التي تشوبها؛ الأمر الذي أفقد القطاع الصناعي والتقني بشكل عام وجودَ منظومة فاعلة للإبداع والابتكار والتتجير بشكل يدعم استنبات وتوطين التقنية وخلق كيانات ناجحة خالقة للوظائف، وتسهم في دعم المحتوى المحلي بكل مستوياته.

ومن منطلق أنه لا بد من فهم الأسباب أولًا كي نُحسن أو نتخلص من النتائج التي تُشكِّل عقبةً في الوصول لتعليم فني وتقني يُعتمَد عليه، يمكن الإشارة إلى النقاط التالية الأكثر تأثيرًا في هذا الإطار:

  • ضعف مخرجات التعليم الفني والتقني.
  • عدم دراسة أو الأخذ بخصائص المجتمع ومميزاته كي نعرفَ نسبة النجاح فيما يخصُّ العنصر البشري، وكيف نقارن وننقل تجارب الآخرين من الدول الأخرى.
  • تكرُّس فكر الدولة الريعية لدى المواطن.
  • صدمة الطفرات وعناية الدولة بالأساسيات لمكونات الدولة.
  • تحديد ما نريد، وأي حقل صناعي وتقني نريد نقله وإتقانه والإضافة عليه. فالواقع أن حقيقة ضخامة الموارد والاحتياجات مع قلة عدد السكان نسبيًّا يجبرنا أن نضع أولويات في التعامل مع نَقْل التقنية؛ ومن ثَمَّ نوعية التعليم والتدريب الفني والمهني.
  • الانشغال بنَقْل تقنيات الثورات الصناعية السابقة، وعدم الاهتمام بذات القدر بالثورة الصناعية الرابعة الحالية وما تتطلبه من كوادر كي لا تفوتنا ونكون خارج الركب.

وتجدر الإشارة إلى أن تعديل مُسمَّى المؤسسة العامة للتعليم التقني والتدريب المهني إلى المسمى الحالي، كان الهدف منه اقتصار دورها وتفريغها للتدريب، أما التعليم فهو من مسؤوليات وزارة التعليم، وكذلك نقل رئاسة مجلس إدارتها لوزير التعليم بدلًا من وزير العمل في ذلك الوقت، وأخيرًا إضافة تقييم أدائها ومناهجها ومدربيها لهيئة تقييم التدريب والتعليم. كل هذه التطوُّرات تهدف إلى أن تكون المؤسسة قويةً في أدائها ومخرجاتها في مجالي التدريب التقني والمهني. أما نَقْل المعرفة والتقنية والنضج الصناعي ومهارات القوى العاملة فهي عوامل رئيسية تقود إلى نجاح التنمية الصناعية المحلية بتوفير المحتوى المحلي، وإيجاد الوظائف للسعوديين لخفض نسبة البطالة وفق إستراتيجية قصيرة وطويلة الأمد.

والحقيقة أن المملكة بحاجة لعدة إستراتيجيات لتنمية القوى البشرية في قطاع الصناعات وفي القطاعات التنموية الأخرى لتنمية رأس المال البشري. فهل مؤسسة التدريب التقني والمهني بأذرعها من كليات ومعاهد قادرة على ذلك؟ واقع الحال يقول إنها قادرة عطفًا على الإمكانات العالية البشرية والمالية التي قُدِّمت لها. ولكن السؤال يظلُّ قائمًا: هل نجحت في ذلك؟

الواقع والمؤشرات ونتائج آراء المستفيدين من مخرجاتها تُظهِر بنِسَب مختلفة عدم الرضا عن تلك المخرجات، فهل السبب ضعف المنهج التدريبي أم المدرب أم الثقافة السائدة نحو سوق العمل الذي يستقبل الخريج، أم أن هناك عدم مواءمة بين المخرجات وحاجة سوق العمل؛ الأمر الذي تتحمَّل مؤسسة التدريب التقني والمهني الجزءَ الأكبرَ منه، مما أعاق الوصول إلى الأهداف التي تسعى لها المؤسسة، وأهمها تخفيض نسبة البطالة تدريجيًّا للمعدلات المقبولة – وليس القضاء عليها- وإحلال السعوديين محل الوافدين؟

وهل المؤسسة وحدها هي المسؤولة عن البطالة بعيدًا عن الجامعات والكليات الأهلية التي تدفع بخريجين في المجالات التقنية ينقصهم الكثير من المهارات التي يحتاجها سوق العمل، فكيف مثلًا نُحقِّق مخرجات فنية ومهنية وجامعية تلبي تطلعات رؤية ٢٠٣٠ في مجال الصناعات العسكرية بفروعها المختلفة ما لم يكن هناك إستراتيجية تُمكِّننا من مخرجات مناسبة للصناعات العسكرية الجوية والبرية والبحرية وغيرها، للوصول إلى نسبة ٥٠٪؜ من حاجة المملكة من صناعات عسكرية محلية؟ على سبيل المثال، فإن أرامكو وسابك أوجدتا نظامًا تدريبيًّا حقَّق لهما احتياجاتهما من القوى العاملة وفق خُطط زمنية محدَّدة، فالمعهد العالي للبترول والكليات الصناعية بالجُبيل وينبع وغيرها من المعاهد التدريبية المتخصصة قدَّمت مخرجات تناسب احتياجاتها وبنسب عالية.

ويُلاحظ أن البطالة في سوق العمل السعودي هي بطالة هيكلية تراكمية، نتجت عن الاختلاف ما بين المهارات والقدرات الإنتاجية المطلوبة في سوق العمل من ناحية، ومؤهلات وخبرات الخريجين العاطلين عن العمل من ناحية أخرى. وكان يتم تعويض النقص سابقًا من خلال توظيف العمالة غير السعودية، ولكن ما زاد الأمر سوءًا هو أن هذا التعويض لم يكن بالقدر المطلوب فقط لسد النقص في التخصصات الحرفية والمهارات المطلوبة والقدرات الإنتاجية؛ وإنما تجاوزه لأسباب أخرى، كمستويات الأجور وعدد ساعات العمل، وبيئة العمل غير المعتادة وغير المناسبة للسعوديين خاصة للنساء.

هذا فضلًا عن عوامل أخرى، كالاحتكار والمنافسة غير الشريفة من قِبل الوافدين؛ كلها ساعدت في خسارة من دخل هذا العالم من السعوديين وإزاحته، وإحباط مَن كان يستعد لدخول هذا السوق. والنتيجة أن منافسة العامل غير السعودي في الأجر والمرونة شكَّلت سببًا أساسيًّا في عدم التوجُّه لهذه التخصصات الحرفية والتقنية المطلوبة في سوق العمل.

ومن ناحية أخرى، فإن للبطالة في الجانب التِّقني عدة أوجه:

  • أولًا: نَقْل التقنية مصطلح غير دقيق. فالتقنية دائمًا مملوكة لجهة ومحمية بقوانين الملكية الفكرية، ولا يمكن نقلها بدون شرائها أو ترخيصها أولًا من مالكها.
  • ثانيًا: نحن نُؤهِّل التقنيين على ما نملكه من تقنية، وهي متعددة المستويات في التقدُّم. ولا نستطيع خلق صناعة تقنية متقدمة بالموارد البشرية السعودية حاليًّا. فيجب أن تكون هناك مرحلة استثمار صناعي واستقطاب الموارد البشرية.
  • ثالثًا: تجربة مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في نَقْل تقنية بناء الأقمار الصناعية أثبتت عدة دروس، منها أنه يجب أن يكون لدينا شريكٌ تِقني بأهداف واضحة لنَقْل التقنية، مع الاهتمام بالتدريب على رأس العمل ولمُدد طويلة.

 

  • ثالثًا – رؤية المملكة 2030 وخلق فرص العمل وتنمية المحتوى المحلي:

قدم الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز رؤية المملكة 2030، والتي أقرَّها الملك سلمان بن عبد العزيز نتيجة ملاحظات على احتياجات وطنية إستراتيجية للارتقاء بالمجتمع والانتقال به إلى وَضْع أعلى وأفضل في كافة المجالات، وأن تكون إطارًا تستمد منه الجهات الحكومية والخاصة تشريعاتها ومبادراتها وقراراتها وفقًا لمحاورها الإستراتيجية وأهدافها لتحقيق التنمية المستدامة.

وتعتمد الرؤية على ثلاثة محاور، وهي: المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح؛ وهذه المحاور تتكامل وتتّسق مع بعضها في سبيل تحقيق أهدافها وتعظيم الاستفادة من مرتكزات هذه الرؤية.

وفي مجال تنمية المحتوى المحلي وخلق فرص العمل المنبثق من المحاور، نجد أن رؤية المملكة أكدت على تنويع الاقتصاد ونَقْل المعرفة والتقنية والتوطين، وعلى نشر المجالس المهنية لكل قطاع تنموي بمختلف أنشطته لخلق فرص العمل وتنمية الصادرات وعدم الاعتماد على النفط. وأهمية الاستثمار في رأس المال البشري وجلب العقول والكفاءات، حتى أن الملك سلمان بن عبد العزيز أكَّد على أهمية الاستفادة من العقول وتوظيفها في كلمته بمجلس الشورى عام 1440هـ.

وعندما نبحث مَا هي الجهة الحكومية المعنية بنقل التقنية وتوطينها والمجالس المهنية، نجد أن المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني هي الجهة الأهم والعمود الفقري، ويتضح ذلك من رسالتها الرئيسية وأهدافها المعتمدة، التي نصَّت على نقل التقنية وتوطينها، والتي أُسنِد إليها بمرسوم ملكي جميع المعاهد التي كانت موزَّعة بين أربع جهات (التعليم، البلديات، العمل والشؤون الاجتماعية، تعليم البنات)؛ لهذا نصت رسالتها الرسمية على التالي: “المشاركة في البرامج الوطنية التي تتبنى نقل التقنية وتوطينها، وتوفير دعمها ودعم القطاع الخاص، وتوجيهه للاستثمار في مجال التدريب التقني والمهني”. وقد أوصت الرؤية بضرورة الاستفادة من رأس المال البشري في أذرعها. كما أوكلت لها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في الخطة الوطنية للعلوم والتقنية برامج نَقْل التقنية وتوطينها، وقدَّمت الدولة الدعم المالي واللوجستي الضخم لهذه القطاعات.

كل ذلك يؤكد أن دور التدريب التقني إستراتيجي في حلِّ أو صناعة البطالة؛ لذا نجدها قد أوكلت له هذه المهام، ويبقى دور القائمين على هذه الكليات والمعاهد التقنية والمهنية لتحقيق هذه المسؤولية.

 

  • رابعًا – مدى تطبيق إستراتيجية نَقْل التقنية وتوطينها التي أكدت عليها رؤية المملكة في دول أخرى والجهة ذات العلاقة.

إن إستراتيجية نقل التقنية وتوطينها التي أكدت عليها رؤية المملكة نجدها قد طُبِّقت في عدد من الدول المتقدمة من خلال المعاهد المهنية وكليات التقنية التي قادت هذا المجال بالتعاون مع العديد من جهات الدولة ذات العلاقة، وقد تحققت تنمية المحتوى المحلي في هذه الدول، وخلقت فرص العمل، وارتفعت الصادرات في دول إمكاناتها أقل بكثير في تلك المرحلة إذا قُورنت بإمكاناتنا الحالية. ويمكن الإشارة في النقاط التالية إلى أبرز الدروس المستفادة من التجارب الدولية في هذا الصدد:

  • التركيز على الإنتاج حسب احتياج الدولة من خلال بوابات التدريب المهني.
  • الاهتمام بالصناعات الصغيرة والمتوسطة حتى وصلت إلى أنه يعمل بها حوالي 87% من حجم قوى العمل، كما في كوريا الجنوبية مثلًا.
  • دعم القطاع الخاص، مثلًا: الإعفاء الضريبي وتخفيض الرسوم والحماية، كما فعلت اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا في بدايات نقل التقنية وتوطينها.
  • تشريع هيئة للدعم الفني والإداري للمشروعات الصغيرة حتى أصبح 60% من إنتاجها يُغذي المشروعات الكبيرة، كما في كوريا الجنوبية مثلًا.
  • تشريع الصناعات الثقيلة ومنعها من الدخول، والعمل على محاكاتها ونقل تقنيتها للبلد وتوطينها، كما فعلت اليابان في 1954م.
  • أدركت عدد من الدول كاليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا أن استيراد البضائع التامة يُورث التبعية وغياب الاستقلال؛ لهذا غيَّرت هذه المنهجية من خلال معاهدها وكلياتها المهنية إلى الاستنبات التقني ونقل التقنية عن طريق إعادة إنتاجها، حتى وصل الأمر باليابان بتفكيك قطار بعد تسلُّمه مباشرة من أمريكا وصناعة آخر شبيه له.
  • التركيز على التدريب المهني لتطويع التقنية؛ لأن خريجي هذا القطاع هم مَن يخلقون فرص العمل بمصانعهم وورشهم ومعاملهم المهنية والصناعية، ويستنبتون التقنية.
  • يمكن الاستفادة من التجارب الدولية ورؤية المملكة؛ بوضع معيار على أساسه نقيس مستوى خلق فرص العمل المستدام، وهذا بحد ذاته يُشكِّل عنصرًا إستراتيجيًّا في قياس أداء موظفي الجهات المختصة في خلق فرص العمل.
  • يمكن أن نأخذ بعين الاعتبار الأسُس التي طرحتها تجارب الدول السابقة في حجم خلق فرص العمل ليتناسب مع دعوة رؤية المملكة في هذا المجال.
  • تساعد التجارب الدولية في مجال التنمية المستدامة ورؤية المملكة على الكشف عن مستوى مبادرات وبرامج الجهات لدينا في مدى الوصول إلى التنمية المستدامة.
  • من خلال الاطلاع على تجارب الدول السابقة، يتضح كيف نشأت الدوائر الاقتصادية الداخلية في هذه الدول، وساهمت في الدوران المالي الداخلي والحد من خروجه، وهذا ما أكَّدت عليه إستراتيجيات 2030.
  • يتضح من خلال الاطلاع على كلٍّ من التجارب الدولية التنموية السابقة ورؤية المملكة كونها اعتمدت على نقل التقنية وتوطينها أن هذه الإستراتيجية هي التي تخلق فرص العمل المستدام وتُنمِّي المحتوى المحلي.

 

  • خامسًا – علاقة التدريب التقني والمهني برؤية المملكة 2030 ومدى تفاعله في تنفيذها:

في المحورين السابقين، تَمَّ توضيح دور التدريب التقني والمهني في تنفيذ وإدارة نقل التقنية وتوطينها، وكيف لعبت المعاهد والكليات المهنية بالدول السابقة في نقل التقنية، لكن هذا المفهوم لدى الموظفين يشوبه مجموعة من المغالطات، ويخالف ما جاء في الرؤية 2030؛ ولذلك لا بد من إعادة النظر في تلك المفاهيم والإجراءات. فقد انعكس ذلك على الرؤية التطبيقية الإجرائية، وهذا بحد ذاته ليس عيبًا في الرؤية، وإنما في فَهْم القائمين على تطبيقها من قِبل تلك الجهات المعنية، وأدَّى لعدم تفاعل القطاع المهني المُحرِّك الرئيسي للجهات المعنية في توطين نَقْل التقنية المؤدية لتنمية المحتوى المحلي والتنمية المستدامة؛ لذا يُتطلَّب تصحيح هذا الفهم حتى يتسنى لنا التطبيق بالشكل الصحيح.

  • ملاحظات على نتائج المبادرات والخطط ذات العلاقة بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني:
  • رغم تأكيد رؤية المملكة على نقل التقنية وتوطينها، وأيضًا على نَشْر المجالس المهنية إلا أنها لم تفعل ذلك.
  • لُوحظ عدم الاستفادة من رأس المال البشري في قيادة كليات التقنية وإدارات العموم في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، حيث تَمَّ إبعاد حملة الدكتوراه عن هذه الإدارات، وأُسنِدت للأقل درجةً منهم، رغم تأكيد رؤية المملكة على الاستفادة من العقول وجلبها.
  • رغم أن المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني هي المسؤولة عن نقل التقنية وتوطينها وأساس عملها والعمود الفقري لها([1])، إلا أنها لم تقم بهذا الدور، ولم تُوحِّد الجهات المعنية وتقودها نحو ذلك؛ بل تركت نقل التقنية وتوطينها يتشتت بين العديد من الجهات؛ مما أضعفت الاستفادة من الاتفاقيات الدولية، وتنفيذ الإنتاج غير النفطي.
  • لم تنشأ الحاضنات في كلياتها ومعاهدها المهنية رغم التجهيزات الضخمة.
  • لم تتدخل لتغيير بيئة العمل بالورش المهنية وتُرِكت كما هي ليست جاذبة للعمل.
  • أصبح خريجو كليات التقنية وخريجاتها باحثي عمل، وليسوا خالقين عمل كما التجارب الدولية. (وإنْ كان ثمة آراء أخرى في هذا الشأن بأنه يصعب على المؤسسة التعليمية أن تقوم بهذا الدور نيابة عن وزارة العمل وأمثالها من مؤسسات الدولة أو القطاع الخاص، والتي يُفترض أن يكون هذا دورها الرئيس”.
  • لم تُدرِج كليات التقنية ومعاهدها استنبات التقنية كخطط إستراتيجية في مناهجها.
  • لم تسعَ إلى توجيه احتياجات الوطن واستنباتها كما في التجارب الدولية.
  • رغم أنها مسؤولة عن مركز ريادة وعضو في البنك الاجتماعي، إلا أن تمويل الأنشطة التجارية يدعم أنشطة خدمية كالمقاهي والتموينات والمطاعم وغيرها، مع غياب شبه تام لدعم الصناعات والمهن.

وكما تمَّ التوضيح بجميع دول العالم المتقدمة، نجد كلياتها ومعاهدها التقنية هي قائدة هذا المجال الإستراتيجي لنشر الحاضنات، واستنبات التقنية وتوطينها، ورغم انتشار المؤسسة في أنحاء المملكة وإمكانياتها الضخمة إلا أنها لم تُقدِّم حاضنةً واحدة، ولم تُفعِّل نَقْل التقنية وتوطينها، حتى أن مسابقاتها وبحوثها لا تذهب للإنتاج التقني أو التطوير رغم فوز بعض مسابقاتها في محافل دولية، ولم تستغل الدعم المالي الكبير من الدولة الذي تجاوز المئة مليار للعشر السنوات الماضية لها ولأذرعها، ولم تُنفِّذ مهمة خطة التنمية التاسعة على أهمية نَشْر الحاضنات التي تعتبر الأساس في الاستنبات التقني وسد الفجوة بين القطاعين. وبسبب هذا الفهم، نلاحظ أن خُططها التدريبية والتعليمية لم تُراعِ نقل التقنية وتوطينها ولم تُراعِ نشر الدوائر الاقتصادية في مناهجها.

  • سادسًا – الجهات المساعدة لتنفيذ إستراتيجية نقل التقنية وتوطينها:

يعَدُّ نقل التقنية وتوطينها أساسًا لخلق فرص العمل الجديدة؛ ولهذا لا نجد لدى هذه الجهات المساعدة مبادرة أو برنامج يؤدي لخلق فرص العمل المستدام، بل وُجِد أن هذه المبادرات وبرامجها تدور حول أساليب الإحلال والسعودة، ولا ترتقي للمستوى المطلوب في نقل التقنية وأسُسه العلمية، كما أن الوظائف الموجودة والتي تُشكِّل نسبة 80% في القطاع الخاص – تُقدِّم رواتب شهرية أقل من 3000 ريال حسب إحصائية المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية للربع الأخير من عام 2017، حتى إن هذه الوظائف لم يتم تطويرها لكي تكون وظائف مستدامة؛ لأن الوظائف المستدامة حددت بحد أدنى راتبًا مقداره بـ 6000 ريال حسب دراسة وزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية وآخرين. وبالرغم من تدني مستوى الراتب، إلا أنه لم يعمل على إحلالها وسعودتها قبل تطويرها؛ مما أدى إلى عدم استمرارية الموظفين في هذا القطاع، وأثَّر عليه سلبًا، كما يبين ضعف الإحلال (السعودة) المتبع في القطاع الخاص.

لذا نجد أن عدد المشتركين في عام 2015م بالربع الأخير بالتأمينات الاجتماعية من السعوديين 1.724.000 مشترك، ويعتبر أكثر إذا قُورن بالربع الثالث من عام 2019م، حيث كان 1.671,000 مليون، وهذا النقص في أعداد الوظائف في القطاع الخاص يدل أيضًا على عدم معالجة البطالة التي قُدِّرت في عام 2015م بنسبة 11.5%، وأيضًا لم يأخذ في الحسبان الذين سينضمون للبحث عن عمل حسب مؤشر خريجي الثانوية العامة الذي يُقدَّر بنحو 350 ألف سنويًّا؛ كل ذلك يُثبت أن مبادرات هذه الجهات لم تعمل على نقل التقنية وتوطينها.

وإضافةً إلى ذلك، يُلاحظ من خلال الاطلاع على نتائج تلك المبادرات أن الرسوم المالية على أنشطة القطاع الخاص قد تضاعفت خلال فترة السعودة، وزادت وتنوعت المخالفات مما يؤثر على التكلفة وإرهاق القطاع الخاص، وهو عكس التجارب الدولية. ولم تستطع هذه الجهات زيادة الدخل الشهري للموظفين في القطاع الخاص لكي يتناسب مع مستوى المعيشة لهذه الأسباب. وتثبت بعض الأمثلة التالية ضعف تطبيق توصية رؤية 2030، وهو نقل التقنية وتوطينها:

  • في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، نجد أن مبادرات وبرامج التوطين لديها لا تعمل على التوطين حسب رؤية 2030، بل تعمل على الإحلال والسعودة؛ لأن مصطلح التوطين يسبقه نقل تقنية، بالرغم من استخدامها لهذا المصطلح إلا أنها تستخدمه بشكل خاطئ. إضافةً إلى ذلك، فإن الوكالة المعنية بتطوير بيئة العمل لديها لا نجد لها أيَّ مبادرة تؤدي لتطوير بيئة العمل لتكون جاذبةً وتخلق فرص العمل المستدامة، وحتى شركاتها التي تدعمها وأيضًا صندوق الموارد البشرية الذي تشرف عليه لم يتبنَّ مبادرات لتحقيق نَقْل التقنية المؤدي للتنمية المستدامة التي تخلق فرص العمل الجديدة، كما أنها لم تطرح تصنيفًا للوظائف في القطاع الخاص، ولم تُفرِّق بأنظمتها في القطاع الخاص بين الشركة الكبرى والمحل الصغير في عقود الموظفين.
  • أما في مبادرات وزارة التجارة والاستثمار والهيئة العامة للاستثمار، وهيئة توليد الوظائف قبل دمجها، وهيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة؛ فقد اتخذت فلسفة جلب الشركات الأجنبية أو صناعاتها قبل تنمية القطاع الخاص، وتكمن خطورة ذلك في تحويل الأموال للخارج من هذه الشركات لشراء احتياجاتها ومكاسبها، كما أنها ستزيد من التحويلات الخارجية التي تجاوزت 900 مليار ريال سنويًّا؛ مما سيؤدي إلى زيادة النزف المالي للخارج. وأيضًا، فإن مبادراتها التي تهتم بتنمية القطاع الخاص لا تقوم على نقل التقنية والتوطين اللذين يؤديان لخلق فرص عمل مستدامة، كما أنها أنشأت شركات تحت إشرافها اعتمدت على الدولة في ميزانيتها وعلى القطاع الخاص الذي لم تسهم بتنميته، ولم تستثمر في نقل التقنية كما دعت له رؤية المملكة.
  • مبادرات وزارة الإسكان لم تعطِ اهتمامًا بنقل التقنية والتوطين بالرغم من إمكانها خلق أكثر من 30 ألف فرصة عمل سنويًّا، وبالتالي الحد من الحوالات الخارجية من احتياجات القطاع العقاري الذي يتجاوز 100 مليار سنويًّا لاستيراد الصناعات العقارية.
  • أما في هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة وهيئة المدن فالحاضنات ضعيفة لديها، ولا تعتمد مسارات لنقل التقنية وتوطينها.
  • الحاضنات في الجامعات توجد في خمس جامعات، وتدور في مسارين أو ثلاثة هي: الابتكارات والاختراعات، والبحث العلمي، والمسابقات. ولا تُقدِّم هذه الحاضنات المسارات الإستراتيجية التي تبدأ من السوق وإليه تنتهي مرورًا بالقاعات الدراسية، وكذلك لا تجلب أفراد المجتمع بشكل إستراتيجي، ولا الموهوبين الأجانب؛ بل تنتظر من يأتيها إلى مقرها.
  • حاضنات الأعمال في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية رغم وجودها لكن دورها محدود، ولم تسهم في قيادة نقل التقنية وسدِّ الفجوة بين القطاعين العام والخاص رغم علمها بوجود هذه الفجوة، ومناداة المدينة بذلك بجميع خططها، ولم تُقدِّم جميع المسارات التي يمكن أن تسهم في رسم خارطة طريق.
  • رغم الدعم اللامحدود من بنك التنمية الصناعي والذي تجاوز 150 مليارًا منذ تأسيسه، إلا أن آلية الدعم لم تؤدِ إلى خلق فرص العمل المستدام، ولم تحدّ من الحوالات الخارجية، ولم تزد من أعداد العاملين في المهن الصناعية والمهنية من السعوديين الذين لم تتجاوز نسبتهم 3% من نسبة الوافدين، ولم تُطوِّر بيئة العمل الصناعي التقني والمهني.
  • أما في مجال دعم الصندوق الزراعي الذي تجاوز أكثر من 60 مليارًا منذ تأسيسه، فنجد أن العاملين فيه من السعوديين لم تتجاوز نسبتهم 4%، وأيضًا لم يحدّ من الحوالات الخارجية الضخمة، ولم يُحقِّق الاكتفاء الذاتي في الأمن الغذائي.
  • أما عن آليات البنك الاجتماعي والصندوق الخيري والجمعيات الخيرية والضمان الاجتماعي في دعم المستفيدين، فنجد أنه لا توجد لديها آلية موحَّدة في الدعم، ولا قائمة مشاريع نابعة من احتياج الوطن، ولم تسهم في تحويل الأسر الرعوية إلى تنموية، رغم الدعم الكبير الذي حصلت عليه خلال الفترات الماضية، وكان آخرها دعم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للجمعيات الخيرية كمساعدات مقطوعة عام 2018م.
  • نجد أن الصناديق الاستثمارية في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ومصلحة معاشات التقاعد، وصندوق الاستثمارات العامة، وصناديق الطلبة في الجامعات، حتى المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني – تستثمر في المجال العقاري وصناديق الأسهم، ولم تتجه للاستثمار الصناعي، ويتضح ضعف خططها من أن هذه الجهات كانت تستطيع بصناديقها الاستثمارية أن تتجه وتقود الصناعات الإستراتيجية؛ فمثلًا: لو أُسِّس مصنع لصناعة الحافلات لغطَّى احتياجات شركة النقل المدرسي والنقل العام، وحدَّت من المليارات التي حُوِّلت للخارج سواء لشراء الحافلات أو شراء القطع الصغيرة لها؛ كل ذلك كان ممكنًا أن يخلق فرص عمل متنوعة ومستدامة من خلال مصانع صغيرة.
  • جميع مخرجات الشركات التي نشأت تحت هذه الجهات المعنية، وبسبب ضعف الاستقطاب للعاملين فيها تحوَّل دورها من الاستثمار لنَقْل التقنية والتوطين وبناء اقتصاد مزدهر إلى الاعتماد على الدولة في ميزانياتها، وعلى فرض الرسوم على القطاع الخاص ومنشآته، وهي بذلك تخالف إستراتيجيات الرؤية.
  • كما أن وزارة البلديات لم تؤدِّ الدورَ المنوط بها على الوجه الأمثل، فلم تقم بتهيئة بيئة العمل وتطويرها؛ بل تركتها كما هي غير مناسبة للسعوديين، ومن ذلك:
  • عدم جاذبية الورش المهنية والصناعية بسبب بيئتها ومناسبتها للوافدين أكثر من السعوديين.
  • فوضى توزيع الأنشطة على الخارطة، فلم تعتمد التوزيع والتنوُّع التجاري بالأنشطة داخل الأحياء، وتحديد المسافات بين الأنشطة المماثلة.
  • استمرار استخراج التأشيرات المضرة للسوق، وذلك عن طريق الاستئجار المتكرر لموقع واحد وأنشطة متنوعة، جعَل منبع التأشيرات بطريقة عشوائية بيد وزارة البلدية أكثر من وزارة العمل.
  • تضاعفت رسوم البلديات لأكثر من عشرة أضعاف عند بدء السعودة للقطاع الخاص.
  • أن الدعم الكبير الذي نفَّذته الدولة في البعثات ودعم الملحقيات لم يُولِّد الهندسة العكسية لأثرها الكبير في خلق فرص عمل؛ فمثلًا: لم يُكلَّف أيُّ طالب أو طالبة بتقديم ورقة علمية عن كيفية خدمة وطنه بعد هذه السنوات من الدعم، وماهي الجوانب التي يمكن نقلها للوطن، ولم يستفد من جلب العقول رغم تأكيد رؤية المملكة عليه، سواء بالاستقطاب من زملائهم من الطلبة الأجانب أو من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات. ويُلاحَظ ضعف دور الملحقيات في تشريع ذلك، وانحصر جُلُّ دورها في الجانبين الإداري والمالي.
  • الصندوق السعودي للتنمية: دعَم أكثر من 80 دولة حول العالم بمبالغ أكثر من 60 مليار ريال، ولم يُنفِّذ الهندسة العكسية للصناعات البسيطة أو جلب العقول.
  • الهيئة العامة للإحصاء: لم تُقدِّم التعريف العلمي الدقيق للعاطل لكي يكشف لصُنَّاع القرار الحالة ويدق ناقوس الخطر، حيث نجد أن تعريفها يختلف عن منظمة العمل الدولية؛ إذ عرَّفته المنظمة بكل شخص قادر، يرغب في العمل ولم يجده. ولكن لدى الهيئة شروط وضعتها لكي يُسجَّل كعاطل، وتعتبره موظفًا، فمثلًا: ليس عاطلًا إذا كان الشخص يعمل بدون مقابل أو ساعَد أحدَ أفراد أسرته في عمله الزراعي أو التجاري كتربية الماشية، وإذا لديه مستخدمون، ويعمل وحده -لا تنظر لنوع العمل حتى لو غير مناسب – وأن يتم التأكُّد من أنه بحَث عن عمل خلال شهر قبل عملية الإسناد. كما أن التعرُّف على العاطل لدى الهيئة له محددات من خلال تعريفات (المشتغلين، والمتعطلين، وخارج قوة العمل، والعمالة الناقصة المرتبطة بوقت) لكي تُحدد العاطل، وهو بهذه الصورة لا ينسجم مع تعريف منظمة الصحة العالمية.

وبناءً على ما سبق، يتضح عجز الأساليب والإستراتيجيات المُقدَّمة من موظفي الجهات المعنية لتحقيق إستراتيجيات الرؤية في خلق فرص عمل جديدة، وفي تطوير الوظائف، وكذلك عدم الاستفادة من القروض والمساعدات المالية للقطاع الخاص؛ وهذا بحد ذاته أدَّى إلى زيادة البطالة وزيادة الإنفاق على هذه الجهات دون جدوى، كما يتضح غياب المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني عن دورها الرئيسي والمنصوص عليه في رسالتها المؤكِّدة على نقل التقنية والتوطين، فتسبب ذلك في اتساع الفجوة بين القطاعين العام والخاص، وسد الفجوة فيما بين الجهات المعنية؛ وبالتالي عدم الوصول لتحقيق التنمية المستدامة.

ولهذا لا بد من إعادة النظر في الممارسات والوسائل والأساليب والخطط بهذه الجهات المعنية حتى يتم إيجاد نوعٍ من التواؤم والتوافق والتناغم بين ما طرحته رؤية المملكة والأساليب المتبعة في تطبيق نقل التقنية وتوطينها من قِبل هذه الجهات.

ولأن التنمية المستدامة تعَدُّ بمثابة العمود الفقري في تحقيق التكامل في جميع مجالات الحياة، وهذا لا يتحقق إلا من خلال التوعية الشاملة والعلمية التطبيقية للقائمين على المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني وفروعها وأذرعها المنتشرة بالمملكة، وأيضًا كليات الهندسة بالجامعات، لكي تستفيد من اتفاقيات نَقْل التقنية بين المملكة والدول الأخرى، وجدولة المستوردات والاحتياجات الوطنية، وإقرارها في مناهجها وخططها من جهة، ومن جهة أخرى الاستفادة من الدعم الضخم للأفراد والمؤسسات من قروض وتسهيلات من الدولة للمشاريع الصناعية والزراعية والخدمية والاجتماعية وللجمعيات الخيرية في نقل التقنية وتوطينها.

 

  • سابعًا – وسائل إعداد خارطة طريق تتواكب مع إستراتيجية نَقْل التقنية وتوطينها للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني والجهات ذات العلاقة بعلاج ظاهرة البطالة.

بناءً على التجارب الدولية والأبحاث العلمية، يعتبر نقل التقنية وتوطينها هو المعيار الرئيسي الذي يُعتمد عليه في علاج البطالة؛ لأنه يخلق فرص العمل ويُنمِّي المحتوى المحلي، ولا يتحقق إلا من خلال التدريب التقني والمهني. وسوف نتطرق لأهم الخطوات التي يجب اتباعها لخلق أكثر من 300 ألف فرصة عمل سنويًّا:

  • استنبات التقنية:

إنَّ تحقيق عملية توطين وتطوير التقنية يأتي نتيجة مجموعة من العمليات والإجراءات المعقدة التي تمرُّ بها منظومة استنبات واكتساب التقنية. ومن أهم الأشكال التي أوصت فيها الأبحاث لمنظومة اكتساب التقنية تبينها الخطوط العريضة لها، ويندرج تحت كل شكل مجموعة كبيرة من العمليات والوسائل:

  • الأول: منظومة اكتساب التقنية لقطاعات الإنتاج والخدمات.
  • الثاني: وسائل اكتساب التقنية.
  • الثالث: المؤثرات على اكتساب التقنية.

وقد تبيَّن عدم القدرة على استنبات وتوليد التقنيات بالمملكة بالشكل المأمول؛ بسبب وجود قصور وخلل في العديد من عناصر منظومة اكتساب التقنية، منها: نقص في الكفاءات والقدرات البشرية المتخصِّصة والمبدعة والمبتكرة، وعدم وجود آليات وقواعد وتشريعات ملزمة لاكتساب التقنية، وأيضًا ضعف دور التدريب التقني والمهني في تطويع الاستنبات والتوطين، والذي يعتبر هو عمله الرئيس في جميع دول العالم المتقدم، كما نجد تقدُّم الجامعات السعودية في الأبحاث والتي صُنِّفت من أقوى 30 دولة، إلا أننا نلاحظ أن هذه الأبحاث لا تتجه للإنتاج المحلي والتطوير والتوطين، والاعتقاد أنها تتجه إما للخارج أو للحفظ.

كما أوصى أحد أبحاث جامعة الملك عبد العزيز بعدم توقُّف مفهوم نَقْل التقنية على الشراء أو استيراد أو جلب الأشخاص أو قيام مشاريع تسليم المفتاح؛ بل يجب أن يصل إلى تحسين القدرات الذاتية المحلية في فهم وتطوير التقنية. ودعا متخذي القرار أن ينظروا لاكتساب التقنية بنظرة شمولية أوسع وعملية مؤسساتية وتنظيمية وإدارية أيضًا.

وأكدت الدراسات أن نقل التقنية وتوطينها([2]) يجب ألا يبدو عليه استيراد التقنية أو إجراء شراكات مع شركات أجنبية، فلا بد من المرور بكليات التقنية والتعليم العالي ليتم التوطين، وبالتالي تخلق فرص العمل.

لهذا، فإن خارطة الطريق يجب أن تأتي متوافقةً مع الأبحاث العالمية بضرورة تجاوز الشراء المباشر والتركيب في المصانع والمواقع والتشغيل، إلى امتلاك المهارات اللازمة للاستحواذ على أسرار التقنية، ومهارات التطوير والتشغيل والصيانة ومهارات المعارف والإدارة والتنظيم، وهو ما سيصبح مع مرور الزمن خبرات تراكمية تسهم في التوطين وبالتالي تقديم صناعات محلية متطورة.

وهنا يتبين أن نَقْل التقنية ليس رغبةً بين الناقل والمنقول فقط، بل قدرة استيعاب متلقي التقنية واستعداداته، فضلًا عن جوانب وأسُس علمية أخرى([3])، والتي لا تتم إلا من خلال كليات التقنية والكليات العالمية ومؤسسات التعليم العالي، فهي الحاضن الطبيعي لنقل التقنية وتطويرها وتوطينها وراسم الأسس العلمية لذلك التوطين، ولا يمكن أن يتم التوطين بمعزل عن هذه الجهات العلمية.

إن نقل التقنية والتوطين يمرُّ في جانبين:

  • الأول: إدارة نقل التقنية، وتشمل:

  • الثاني: طُرق التقنية، وهي:
  • التراخيص الصناعية (تسليم مفتاح باليد، منتج باليد، سوق باليد).
  • التحالفات الإستراتيجية.
  • عقود المعونة الفنية.
  • اتفاقيات براءات الاختراع أو استخدام العلامات التجارية.
  • الاستثمار الأجنبي المباشر (فروع الشركات).
  • التدريب والخدمات الإدارية والإشرافية.
  • اتفاقية حق المعرفة.
  • ويضيف الباحث الطريقة الثامنة، وهي (مسارات التوطين) لمناسبتها للمجتمع السعودي في ظل الدعم الضخم من الدولة ورؤية المملكة، وستُقدَّم الإجراءات من خلال خارطة طريق مقترحة، وهذه الطريقة هي التي تُستخدم لمناسبتها مع مجموعة من الإجراءات والوسائل والشروط لتحقيق إستراتيجية المملكة لعلاج ظاهرة البطالة وتنمية المحتوى.

 

  • مسارات التوطين (إنتاج):

ثمة مسارات ستة مبنية على أسس علمية مقترحة، حيث لكلِّ مسار مجموعة من المتطلبات والإجراءات التي يجب أن تتحقق لكي نصل إلى الشكل العملي المطلوب للتوطين واستنبات التقنية حتى نعالج البطالة ونُنمِّي المحتوى المحلي، وهذه المسارات:

ولنجاح عملية مسارات التوطين، يُتبع في هذه الخارطة الأسلوب التدريجي للتوطين، والذي تَمَّ تجريبه في عدد من الدول المتقدمة وحقَّق نجاحًا، مثل كوريا وسنغافورة وأيرلندا وماليزيا([4]) من خلال كليات التقنية والكليات العالمية ومؤسسات التعليم العالي.

  • مراحل مسارات التوطين:

كما أن هذه المسارات تمرُّ في ست مراحل، لتصل للمنافسة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا لكي نقول إننا وصلنا لمرحلة التوطين([5]).

  • أساليب خارطة الطريق (ترابط):

تتكون خارطة الطريق من ثلاثة أساليب رئيسية متصلة فيما بينها، لتخلق وتُطوِّر أكثرَ من 300 ألف وظيفة مستدامة سنويًّا في القطاع الخاص بعد تنميته، وهذه الأساليب المترابطة الثلاثة هي قواعد سد الفجوات المؤسسية، وبناء المهارات والمعلوماتية، وبناء الدافعية، إذ إن لكلِّ طريقة مجموعةً من القواعد الأساسية التي يجب اتباعها.

وحول كيفية علاج ظاهرة البطالة من خلال خارطة الطريق، يُلاحظ أنه لا يمكن خلق فرص عمل إلا من خلال خلق الدوائر الاقتصادية التي يُحدِّدها القائمون على كليات التقنية ومعاهدها؛ ومن ثَمَّ يتم إدراجها في المناهج واستنباتها في القطاع الخاص بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، وضرورة توجيه دعم البنوك الحكومية المالي من الأنشطة الخدمية إلى الإنتاجية، وصندوق الاستثمارات ليكون قائدًا للإنتاج الإستراتيجي بدلًا من صناديق الأسهم التي لا تُنمِّي القطاع الخاص، وكذلك يجب توجيه صناديق الجامعات وكليات التقنية ومصلحة معاشات التقاعد والتأمينات من العقار إلى قيادة القطاع الخاص أيضًا، وكذلك تحويل الشركات التي نشأت تحت الجهات الحكومية من العيش على القطاع الخاص إلى دعم هذا القطاع، لكي نصل للمؤشر العالمي، وهو استحواذ القطاع الخاص على أكثر من 80% من طالبي الوظائف برواتب مستدامة تتجاوز 6000 ريال، كما حدَّدها دراسة وزارة العمل وآخرون.

وفي سياق متصل، تؤكد بعض الآراء على أنه لا يمكن لمؤسسة واحدة أن تقوم بالدور وحدها، ولا يمكن بدون خطة إستراتيجية مشتركة أن تتحقق أهداف من هذا النوع؛ ولهذا فإن الحل يكمن في: 1- مدى التبنِّي. 2- الدعم القيادي الإداري أكثر منه الدعم المالي. 3- وضوح الرؤية وتحييد الأدوار الشخصية واستبدالها بالمؤسساتية Institutionalization.

كما أنَّ ثمة وجهات نظر ترى أن مهمة إدارة منظومة الإبداع والابتكار ليست مسؤولية مؤسسة التدريب الفني والتقني؛ فهذه المهمة منوطة بالفعل بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لكن دون أدوات ولا أسنان؛ الأمر الذي نتج عنه الكثير من تشتت الصلاحيات وتنازع الاختصاصات وتفتيت الجهود. وفي ضوء هذا الطرح، فإن المطلوب هو تسريع تأسيس هيئة البحث والتطوير والابتكار، ومنحها الأدوات والصلاحيات اللازمة لأداء دور حقيقي فاعل في استنبات ونَقْل وتطوير وتتجير التقنيات بمختلف تخصصاتها وقطاعاتها، وخصوصًا في مجالات إستراتيجية مهمة حدَّدتها نصوص الرؤية، وعلى رأسها التصنيع العسكري والطاقة والنفط والغاز والمياه والزراعة، وغير ذلك.

وبينما يرى بعض المتخصصين أننا بحاجة لتأسيس مركز وطني لتنمية القوى البشرية لقطاع الصناعات والإنتاج والصيانة والتشغيل، يشرف على تنمية القوى البشرية في عدة مجالات في اختصاص المركز، مثلًا: (مجال الصناعات البترولية والبتروكيميائية، ومجال الصناعات العسكرية، ومجال صناعات البناء والبنية التحتية، ومجال الصيانة والتشغيل، ومجال الصناعات الغذائية والإنتاج الزراعي، ومجال الصناعات الطبية والتأهيلية.. وغيرها، بحيث يكون هناك تناغم وتداخل في التدريب والتأهيل لإيجاد تنمية صناعية تعتمد على القوى العاملة السعودية المؤهلة.

نجد في المقابل آخرين يرون أننا لا نحتاج أبدًا لتأسيس مثل هذا المركز المُشار إليه؛ لأن هذا الدور علميًّا وعالميًّا يقوم به التدريب المهني، ونحن لدينا الكليات والمعاهد المهنية مجهَّزة بأفضل المعدات الحديثة، فقط نحتاج الاستفادة من المتخصصين في الجامعات أن يقودوا هذا القطاع، ويعمل على نقل التقنية وتوطينها بشكلها العلمي.

بينما تذهب بعض الآراء إلى أن “التشغيل الذاتي” في بعض الجهات الحكومية (وليس كلها) كفيل باستيعاب عدد كبير من خريجي الكليات التقنية والمهنية، بل إنه يُوفِّر مبالغ طائلة للمالية العامة. وهذا الإجراء (أي التشغيل الذاتي) يتطلب إشغار وظائف فنية، وهو ما لا تريده ربما بعض الجهات المتنفذة؛ لأنه لا يخدم القطاع الخاص الذي يستفيد من الصيانة والنظافة كعقود. هناك شركات كبيرة لا تريد التشغيل الذاتي؛ لأنه يحدُّ من مصالحها في العقود الحكومية. ليس المطلوب بالطبع القضاء على شركات الصيانة والنظافة أو إخراجها من السوق، فهي في النهاية تظلُّ قطاعًا خاصًّا يُؤمَّل منه الكثير؛ ولكن المطلوب هو اقتطاع جزء من نشاطها وأرباحها كذلك في سبيل السعودة وتوطين بعض الوظائف وبأجور معقولة يقبل بها السعودي الذي يريد وظيفة محترمة وبأجر يساعده على العيش بكرامة في بلده، ومقترح التشغيل الذاتي يحلُّ جزءًا كبيرًا من مشكلة البطالة. وما يُقال غير ذلك هو مجرد تخدير وعلاج موضعي. لا بد أن نعرف طبيعة السعودي واحتياجاته وثقافته، وكيف تتوافق مع شروط العمل؛ فالمواطن يستميت في الحصول على الوظيفة الحكومية لمزاياها المتعددة حتى لو كان دخلها متواضعًا أحيانًا. علينا أن نفهم كيف يفكر السعودي، وماذا يريد قبل أن نرسم خُططنا.

أيضًا وبشأن ما الذي يجب أن يُعمل لكي يسهم التأهيل التقني والمهني في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، يمكن الإشارة إلى ما يلي:

  • الفهم الدقيق والعميق لأهداف رؤية المملكة 2030، ووضع الخطط والمبادرات النوعية والمتميزة لتحقيق تلك الأهداف والتطلعات والتوجهات.
  • وضع معايير صلبة ومُعلَنة لترشيح واختيار الأشخاص لتولِّي المناصب القيادية بجميع مستوياتها العليا والمتوسطة والدُّنيا، سواءً في الديوان العام وما يحتويه من إدارات عموم أو في الكليات والمعاهد التابعة لقطاع التأهيل التقني والمهني؛ على أن تُراجع هذه المعايير وتخضع للحوكمة الدائمة من جهات وطنية أخرى مثل الجامعات. فإذا طُبِّقت هذه المعايير بكل شفافية، ارتفعت نسبة الأداء، وارتقى مستوى العمل، وأصبح حافز المنافسة الإيجابية عاليًا. وفي هذه الحالة، ستتم الاستفادة الحقيقية من الموارد البشرية المؤهَّلة والقادرة على الإبداع والابتكار والمساهمة في بناء المستقبل التقني والمهني والتكنولوجي بالشكل الصحيح والسليم.
  • إعادة النظر في البرامج والمجالات التدريبية القائمة، لمعرفة إنْ كانت تتناسب مع رؤية المملكة، وتتواكب مع الثورة الصناعية الرابعة؛ فإما أن تبقى ويتم تطويرها وتحديثها، أو أن يتم إلغاؤها وتغييرها ببرامج ومجالات تتواكب مع التطلعات المستقبلية للوطن والثورة الصناعية الرابعة.
  • إعادة النظر في الخُطط والبرامج التدريبية لزيادة ساعات التدريب العملي في المعامل والمختبرات، والتقليل إلى أدنى مستوى من ساعات التدريب النظري بحيث لا تزيد عن 30%؛ مع أهمية أن تكون الخُطط والبرامج التدريبية مُركِّزة تمامًا على مجال التخصص، وتبتعد عن المواد النظرية غير المرتبطة بالتخصص المهني والتقني والتكنولوجي.
  • من الأهمية والواجب أن ينعكس التطور النوعي والمميز في المجالات التقنية والمهنية والتكنولوجية على القطاع الأهلي الذي يقع تحت إشراف القطاع التقني والمهني. وليتحقق ذلك، يجب أن تكون إدارات التدريب الأهلي بقطاع التدريب التقني والمهني على مستوى عالٍ جدًّا من التأهيل والتدريب والتعليم والخبرة؛ لتتمكَّن من تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 ومتطلبات الثورة الصناعية الرابعة.
  • من الأهمية والواجب أن تكون إدارات الجودة في القطاع التقني والمهني على مستوى عالٍ جدًّا من التأهيل والتدريب والتعليم والخبرة، وهو ما يُمكِّنها من تطبيق أعلى المعايير الدولية للارتقاء بجودة الخُطط والبرامج التدريبية بما يتواكب مع رؤية المملكة 2030 ومتطلبات الثورة الصناعية الرابعة، ولتتمكَّن من الإشراف على العملية التدريبية بكل احترافية ومهنية. ويمكن الاستفادة من التجربة الوطنية للجامعات السعودية التي حقَّقت مستويات متقدِّمة جدًّا في التصنيفات الدولية.
  • إقامة المختبرات والمعامل النوعية والمتميزة في المجالات التقنية والمهنية والتكنولوجية لتدريب وتأهيل المتدربين ليكونوا قادرين على المنافسة في سوق العمل النوعي والمميز، وفي الوقت نفسه يكونوا قادرين على خلق فرص عمل لهم ولغيرهم من أبناء الوطن.
  • سرعة استحداث برامج تدريبية نوعية ومتميزة تتواكب مع توجهات الدولة في تطوير بنيتها التحتية وسعيها الدؤوب لتطوير مناطق جديدة في أنحاء المملكة بما يتواكب مع رؤية المملكة 2030 والثورة الصناعية الرابعة.
  • إقامة شراكات نوعية ومتميزة مع الوكالات العالمية المتواجدة على أرض المملكة؛ لتدريب وتأهيل أبناء الوطن وابتعاثهم للمقارِّ الرئيسة لتلك الوكالات، ليتقنوا العمل ويتعرفوا على أصل تلك الصناعات والتقنيات المتقدِّمة، والعمل على نقلها وتوطينها في المستقبل.
  • إقامة شراكات نوعية ومتميزة مع الشركات والمؤسسات التقنية والتكنولوجية العالمية؛ لتدريب وتأهيل القائمين على العملية التدريبية عمليًّا وليس نظريًّا، ليتمكنوا من تقديم تدريب وتأهيل نوعي ومتميز لأبناء الوطن.
  • معرفة آخر التطوُّرات والاختراعات والابتكارات في المجالات التقنية والمهنية والتكنولوجية على المستوى الدولي، والعمل على مواكبتها بالتدريب والتأهيل والابتعاث، ومن ثَمَّ العمل على نقلها وتوطينها في المملكة.
  • معرفة الشركات والمؤسسات العالمية التي أعلنت عن رغبتها بالاستثمار في المملكة، ووضع الخُطط النوعية لتتواكب مع قرار الدولة الذي نصَّ على الآتي: “إيقاف تعاقد الجهات الحكومية مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي بالمنطقة في غير المملكة ابتداءً من 2024م”؛ وذلك لإعداد برامج نوعية ومتميزة تُمكِّن أبناء الوطن من المنافسة للعمل في تلك الشركات والمؤسسات العالمية.
  • دراسة التجارب الدولية الناجحة في المجالات التقنية والمهنية والتكنولوجية؛ للاستفادة من تجاربها النوعية والمتميزة في نَقْل وتوطين التقنية، وتحقيق التنمية المستدامة التي تتطلع لها رؤية المملكة 2030.
  • الاستفادة الكاملة من جميع الخبرات الوطنية المؤهَّلة تأهيلًا نوعيًّا ومتميزًا وعاليًا في المجالات التقنية والمهنية والتكنولوجية سواءً من العاملين داخل القطاع التقني والمهني أو خارجه، وإتاحة الفرصة الكاملة لهذه الكفاءات والخبرات والعقول الوطنية للإبداع والابتكار والاختراع لكي تسهم في تطوير العملية التدريبية والمهنية بالشكل الصحيح والسليم.
  • استقطاب أبناء الوطن من أصحاب الاختراعات التقنية والمهنية والتكنولوجية، وتهيئة البيئة المناسبة، ليواصلوا إبداعاتهم وتطوير أفكارهم التي تفيد الوطن، وتساهم في تحقيق أهدف رؤية المملكة 2030.

ومن الأهمية القول إن تحقيق تطلعات الوطن وما تضمنته رؤية المملكة 2030 يتطلب التوسُّع الكبير والنوعي في جميع المجالات التقنية والمهنية والتكنولوجية بمستوياتها العليا والمتوسطة والدُّنيا؛ لأنها المجالات التي تستطيع تلبية احتياجات سوق العمل بجميع تخصصاته، وكذلك تفتح الباب واسعًا لنقل وتوطين التقنيات والتكنولوجيات المتقدِّمة والمتوسطة التي بإمكانها تلبية احتياجات السوق المحلي بجميع متطلباته؛ مما يسهم في التقليل من العمالة الوافدة غير المُنتِجة، ويُقلِّل من الاستيراد الذي يستنزف الكثيرَ من الأموال.

وثمةَ فُرصة تاريخية متاحة لقطاعات التدريب التقني والمهني والعاملين بها للمساهمة الفاعلة والنوعية والمميزة في تحقيق رؤية المملكة 2030 التي وُضعت للارتقاء بمكانة المملكة لتكون في مصافِّ دول العالم المتقدِّم صناعيًّا وتقنيًّا وتكنولوجيًّا وفنيًّا ومهنيًّا. إنها فرصة مواتية لقطاع التدريب التقني والمهني لتطوير وتحديث برامجه بما يتوافق مع الثورة الصناعية الرابعة، والتوسُّع بعد ذلك في جميع مناطق المملكة لاستقطاب أعدادٍ كبيرة من أبناء المملكة وتدريبهم وتأهيلهم ببرامج نوعية ومتميزة ومتقدمة، ليتمكنوا من تحقيق التنمية المستدامة التي تتطلع لها الدولة.

إن التوجُّه العام يشير بوضوح إلى أن تكون المملكة من الدول المتقدِّمة صناعيًّا وتقنيًّا ومهنيًّا وتكنولوجيًّا، مما يعتبر فرصة تاريخية لقطاع التدريب التقني والمهني لأن يكون منارةً بارزةً من منارات الوطن الشامخة التي يتطلع لها كل مواطن، ويتزاحم على الالتحاق بكلياتها ومعاهدها وجميع برامجها أبناء الوطن، وتسعى قطاعات الأعمال والشركات الوافدة لاستقطاب خريجيها. فهل يستطيع هذا القطاع التقني والمهني تحقيق تلك الأهداف العظيمة؟

حتمًا ستكون الإجابة عن هذا التساؤل: نعم، يستطيع هذا القطاع تحقيق تلك الأهداف العظيمة للوطن. فالدولة وقيادتها الحكيمة قدَّمت لجميع مؤسسات الدولة كلَّ ما تملك من إمكانات، وسخَّرت مواردها المالية والبشرية، وأقامت العلاقات والشراكات الدولية، وهيَّأت جميع السُّبل والوسائل ووضعت الخُطط لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 ومتطلبات الثورة الصناعية الرابعة؛ من أجل أن ترتقي مؤسسات الدولة بأدائها ومبادراتها، وتُحدِّث من أساليبها وسلوكياتها، وتتواكب مع التطوُّرات العالمية معرفيًّا وتقنيًّا ومهنيًّا وتكنولوجيًّا، وليحصل أبناء المملكة على أفضل وأجود مستويات التعليم والتأهيل معرفيًّا وتقنيًّا ومهنيًّا وتكنولوجيًّا.

  • ثامنًا – التوصيات:
  • رَبْط التدريب التقني بالمرحلة المبكرة من التعليم؛ لجعله جزءًا لا يتجزأ من تركيبة الفرد، والتركيز على اختبارات الميول المهنية للمرشَّحين للالتحاق بالمعاهد والكليات التقنية؛ لضمان التحاقهم بالتخصصات التي تُشكِّل شغفًا ذاتيًّا للمتدرب.
  • التوسُّع في التخصصات لكلا الجنسين بما يتناسب مع حاجات المجتمع المتجددة.
  • التوسُّع في مجال التدريب التقني للفتيات، والاعتماد عليه بدلًا من التعليم التقني.
  • مشاركة الخبراء والقطاع الخاص والجهات غير الربحية في تدريب طلاب الكليات التقنية.
  • تمكين الكفاءات بالمؤسسة للعمل في الإدارات الإستراتيجية، والتخطيط في المؤسسة العامة للعمل على قياس الأداء ومؤشراته بشكل صحيح.
  • استحداث برنامج تدريبي في بيئة العمل الحكومية لدعم وتمكين خريجي الكليات التقنية، أسوة ببرنامج “هدف” الخاص بخريجي الجامعات.
  • اعتماد التدريب على رأس العمل للخريجين بغض النظر عن الدرجة العلمية.
  • إجراء دراسات تقييمية لدراسة الجدوى الفنية والاقتصادية في استمرار تعليم وتدريب الطلاب والطالبات لبعض التخصصات الموجودة حاليًّا.
  • إنشاء منصة إلكترونية حكومية يتم تسجيل خريجي الكليات التقنية فيها، لعرض خدماتهم؛ وذلك لإيجاد فرص وظيفية لهم.
  • تطوير الدور الرقابي والإشراف للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، وإعطاؤها صلاحية منح التراخيص والإشراف على تنفيذ البرامج والمصادقة على تقديم المنح في مجال التدريب التقني والمهني.
  • الاستفادة من تجارب الدول التي نجحت في المجال المهني، والاستعانة بخبراتها.
  • تطوير الخطة التعليمية والتدريبية؛ ليتمكَّن الخريجون من أن يكونوا رواد أعمال، وتكوين المعرفة اللازمة ليُحقِّقوا الاستفادة ماديًّا من شهادتهم في حال عدم توفُّر وظيفة.
  • ضرورة توفير إرشاد مهني career guidance متميز في التعليم التقني، ويكون له مكتب مرتبط بوزارة الموارد البشرية وهدف؛ ليكون واعيًا بسوق العمل، وتتوافر له إحصائيات حقيقية مُحدَّثة، مع أهمية تأسيسه بكوادر متميزة وبتخصصات قوية في هذا المجال، تشمل إرشاد الطلاب والقياس والتقييم والموارد البشرية.
  • إعادة النظر في آليات تقليص الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياج سوق العمل.
  • تكثيف إشراك القطاع الخاص (بقطاعاته المختلفة الصناعية والتجارية) في تقييم مخرجات التعليم بحوكمة وبآليات تضمن جودة المخرج التعليمي.
  • تشجيع القطاعات الحكومية والقطاع الخاص على التدريب المنتهي بالتوظيف، وربما فرضه بنسبة مُحدَّدة تزداد تدريجيًّا.
  • وضع خطة إستراتيجية تشارك فيها جميع أجهزة الدولة المعنية بالبطالة ورأس المال البشري والقطاع الخاص ممثَّلًا في الغرف التجارية واتحاد الغرف السعودية (مجلس الغرف السعودية)، ووضع آليات الحد من البطالة إلى المستويات المقبولة.
  • تعزيز ثقافة ريادة الأعمال في المجتمع، ونَشْر الوعي حول أهميتها بإدخالها كمقررات في المناهج الدراسية، وجعلها متطلبًا جامعيًّا، وأن تكون جزءًا لا يتحزأ من المنظومة التعليمية للإسهام في بناء ونشر ثقافة العمل الحر في المجتمع – خاصة بين قطاع الشباب – على أسُس علمية، وبحيث يصبح العمل الحر إحدى ركائز الاقتصاد الوطني من خلال تخريج شباب وشابات قادرين على المبادرة والابتكار، وتحويلهم من عبء على المجتمع إلى صُنَّاع فرص عمل ومُبدعين ومُنتِجين.
  • إنشاء هيئة أو مركز يكون مُنظِّمًا لأعمال التدريب التقني والمهني.
  • إعادة صياغة السياسات الخاصة بتحقيق أهداف إستراتيجية توظيف السعوديين، لا أن يُتبَع السيناريو السابق الذي ركَّز على سعودة الوظائف المتوسطة والخدمية – التي لا يتناسب دخلها مع تكاليف المعيشة، ولا تساعد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ولا في جذب السعوديين والسعوديات للمهن والحِرف التي يحتاجها سوق العمل.
  • أن يُخصَّص سُلَّم رواتب مُحفِّز ومزايا مغرية وتوظيف فوري بعد التخرُّج، كعوامل جذب تساعد في الإقبال على المهن التقنية والحرفية والمهارات التي يحتاجها سوق العمل السعودي.
  • معالجة مشكلة غياب تحديد الحد الأدنى لأجرة ساعة العمل كما هو معمول به في جميع دول العالم.
  • استقطاب الكفاءات والمواهب العالمية للعمل بالسعودية، والإسهام في تنمية الاقتصاد.
  • دعم المنشآت الناشئة والصغيرة والمتوسطة والأسر المُنتِجة بناءً على خارطة الطريق.
  • توطين الصناعات الضرورية التي تحتاج إلى أيدٍ عاملة كثيفة بناءً على خارطة الطريق.
  • ضرورة إعادة توجيه القروض الصناعية والزراعية والخدمية والشركات الناشئة تحت الوزارات والجهات الحكومية لتتناسب مع توجهات خارطة الطريق.
  • مراجعة الأبحاث العلمية في الكليات التقنية والجامعات للسنوات الماضية، والعمل على الاستفادة منها، ودعم الأبحاث المتعلقة بالتوطين والتطوير.
  • مواءمة مخرجات المنظومة التعليمية والمهنية مع احتياجات سوق العمل.
  • تأسيس مجالس مهنية خاصة بكل قطاع تنموي، تُعنَى بتحديد ما يحتاجه من المهارات والمعارف.
  • التوسُّع في التدريب المهني لدفع عجلة التنمية الاقتصادية.
  • زيادة فرص الابتعاث على المجالات التي تخدم الاقتصاد الوطني، وفي التخصصات النوعية في الجامعات العالمية المرموقة والشركات والمصانع.
  • الاعتماد على مهارات أبنائنا وقدراتهم، فهم من أهم مواردنا وأكثرها قيمةً.
  • مواصلة الاستثمار في التعليم والتدريب، وتزويد أبنائنا بالمعارف والمهارات اللازمة لوظائف المستقبل.

 

  • المشاركون:
  • الورقة الرئيسة والمُعقِّبون: د. محمد الشليخي (ضيف الملتقى)([6])، د. إبراهيم النحاس (ضيف الملتقى)([7])، د محمد الملحم.
  • إدارة الحوار: د. هناء المسلط.
  • المشاركون في الحوار والمناقشة:
  • د. خالد الرديعان
  • د. صالحة آل شويل
  • د. خالد العثمان
  • د. فوزية البكر
  • د. عبد العزيز الحرقان
  • أ. محمد الدندني
  • د. خالد بن دهيش
  • د. عبد الرحمن العريني
  • د. محمد الثقفي
  • د. حمد البريثن
  • أ. لاحم الناصر
  • د. علي الطخيس
  • د. نجلاء الحقيل
  • د. ريم الفريان
  • د. فايزة الحربي
  • د. حميد الشايجي
  • م. إبراهيم ناظر
  • أ. فائزة العجروش
  • د. مساعد المحيا
  • م. فاضل القرني

 


 

القضية الثانية

الأهمية الإستراتيجية للبحث والتطوير للقوات العسكرية

(14/3/2021م)

 

  • أولًا: الملخص التنفيذي.
  • ثانيًا: أهمية البحث والتطوير للقوات العسكرية والهدف منه.
  • ثالثًا: البحث والتطوير: القوة الدافعة وراء التسلح.
  • رابعًا: البحث والتطوير وعلاقته بأسلوب التنظيم والإدارة، ودور الدولة في ذلك.
  • خامسًا: الواقع والطموحات المتعلقة بالبحث والتطوير للقوات العسكرية السعودية.
  • سادسًا: أسُس بناء إستراتيجية تطويرية عملية للقوات العسكرية في المملكة.
  • سابعًا: التوصيات.
  • المشاركون.

  

  • أولًا – الملخص التنفيذي:

تناول التقرير قضية الأهمية الإستراتيجية للبحث والتطوير للقوات العسكرية، بالنظر إلى أن مفهوم وعملية البحث والتطوير هي عملية مستمرة لا يجب أن تتوقف عند مستوى معين من الرضا. وقد مرَّت وزارات الدفاع (الداخلية والحرس الوطني) بعقود ومراحل من التطوير في المفاهيم، والتنظيم، والعتاد والتدريب تماشيًا مع المتغيرات والأحداث؛ إلا أن وزارة الدفاع بالتحديد (ولاحقًا تبعتها وزارتا الداخلية والحرس الوطني) منذ تولِّي صاحب السمو الملكي ولي العهد الوزارة وبعدها الرؤية الوطنية (٢٠٣٠)، كلَّف فريقًا لتطوير وزارة الدفاع بنقلة نوعية ومختصرة لمراحل لا تستلزم التدرُّج فيها (نهج تحوُّلي) في تغيير التنظيم القيادي والتنسيق داخل الوزارة وخارجها، وآلية العمل الميداني والارتباطات القيادية، والإجراءات التنفيذية وسياسة إعداد وتنفيذ الميزانية. وصدور إستراتيجية معتمدة تُسمَّى (إستراتيجية الدفاع الوطني). وهذه العملية مستمرة بخطة عشرية بدأت في عام ٢٠١٦.

وقد أكد التقرير أنه لا شك أنه تشكَّل في السعودية، عبر مسيرة التنمية، مؤسسات حكومية وشبه حكومية بحثية وتطويرية ذات خبرة متميزة في مجال صناعة البحث والتطوير، على رأسها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ومراكز البحث في أرامكو وسابك وإدارات البحث والتطوير في أفرع القوات المسلحة والمختبرات الجامعية (مع قصور واضح في شركات الاتصالات وما في حكمها). ولكن وكما هي أهداف الرؤية، يحتاج الوطن لترسيخ وتوسيع وتنسيق الطاقات في القطاع الخاص والأكاديمي وإطلاقها في آفاق واسعة بعيدًا عن القيود، على أسُس زيادة الفعالية والتنمية الوطنية واستغلال الميزة النسبية لبلادنا في كافة المجالات.

لكن ثمة صعوبات تجعل مخرجات البحث والتطوير لا تزال دون المستوى المأمول، ويمكن تلخيص أبرزها في: عدم وجود جهة منظمة، وعدم وجود إستراتيجية عامة للبحث والتطوير، وقلة الكوادر المؤهَّلة المشتغلة بالبحث والتطوير كمهنة، وإذا كان هناك جهود تُذكر فهي إما بشكل جزئي أو مؤقت، ينطبق هذا على البحث والتطوير في كافة المجالات بما في ذلك الجامعات، ويبدو جليًّا واضحًا في المجال العسكري، وبعثرة الجهود بلا تنسيق أو تكامل فيما بينها مما ينتج عنه مجهود مكرر ومخرجات متشابهة في بعض الأحيان، وقلة الدعم المادي الموجَّه للبحث والتطوير.

ومن أبرز التوصيات التي تمَّ الانتهاء إليها فيما يتعلق بنقاط القوة وفُرص نجاح البحث والتطوير للقوات العسكرية: رَبْط البحث والتطوير بالخطة الوطنية والدفاعية، واستثمار توجُّه الدولة للتوسُّع في الصناعة العسكرية، والأموال الضخمة المخصَّصة لهذا المجال، واستثمار أهمية البحث والتطوير في القوات العسكرية، لا سيما خلال الأزمات والحروب. أما فيما يخصُّ التوصيات المرتبطة بـ (نقاط الضعف / التحديات) المتعلقة بالبحث والتطوير للقوات العسكرية فيُعَدُّ من أبرزها: إيجاد إستراتيجية للتصنيع العسكري وآليات التنفيذ تتوافق مع الرؤيا ومرتبطة بالسياسية الدفاعية للدولة، وتخفيف القيود المصاحبة للمركزية في الإجراءات المالية والإدارية والتسويقية، وتيسير استقطاب الكفاءات المتخصِّصة والخبيرة في مجال البحث والتطوير ودعم الابتكار، وتيسير التطوير والتصنيع العسكري كسلع تجارية، وتطوير الإستراتيجيات والتشريعات القانونية والمالية والشراكات واستقطاب الكفاءات.

 

  • ثانيًا – أهمية البحث والتطوير للقوات العسكرية والهدف منه.

القوة العسكرية في المدرسة الغربية وخاصة الأمريكية، (وهي التي تحاكيها نوعًا المملكة من خلال إستراتيجية الدفاع الوطني)، هي الأداة الثالثة من أدوات القوة الوطنية. (الدبلوماسية، المعلومات، العسكرية والاقتصاد)، وبذلك تستلزم الديمومة في البقاء؛ مما يستدعى الأخذ بكل سبب ممكن لتطويرها ومواكبتها التهديدات بكافة أنواعها البشرية، ومنها السباق في التفوُّق التِّقني، والتهديدات الطبيعية. ويكون ذلك بكفاءة عالية ممكنة بتكاليف مادية وجهود أقل، وتقديم التأثير المناسب بدون زيادة أو نقصان وفق الموقف المُهدِّد للمملكة.

والواقع أنه منذ الخمسينيات وحتى التسعينيات من القرن الماضي، كان التهديد الأمني السائد الذي يواجه الولايات المتحدة الأمريكية، بالطبع، هو التهديد الذي يُمثِّله الاتحاد السوفيتي، وهو التهديد الذي أدَّى إلى سباق تسلُّح لا هوادة فيه. أدَّى ذلك إلى بناء مجمع هائل للبحث والتطوير الدفاعي، بما في ذلك وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة DARPA، والمختبرات الفيدرالية (مثل ليفرمور، أرجون، وأوك ريدج)، ومقاولون خاصّون كبار مثل (لوكهيد، غرومان، وريثيون)، إضافةً إلى البحث والتطوير في الجامعات الكبرى، مثل (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وستانفورد)، فضلًا عن البحث والتطوير الذي يتم إجراؤه في مختلف فروع القوات المسلحة نفسها.

خلال النصف الثاني من القرن العشرين، طوَّر هذا المجمع الضخم أسلحةً أكثر قوةً ودقةً، ولا سيما أنظمة الأسلحة الكبيرة مثل: الأجهزة النووية، والصواريخ البالستية العابرة للقارات، والغواصات النووية، والناقلات الكبيرة، والطائرات عالية الأداء (بما في ذلك الطائرات النفاثة والمروحيات القتالية والطائرات الشبحية).

وعلى المستوى العالمي، أنفقت الدول المتقدمة مليارات الدولارات في تسابق محموم على تقنيات عسكرية بدأ العمل عليها مبكرًا منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتعاظَم الإنفاق في مرحلة ما يُسمَّى الحرب الباردة، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية القوةَ العظمى الوحيدة في العالم في ذلك الوقت، وتبعًا لذلك فقد انخفضت بشكل ملموس نفقات البحث والتطوير العسكري العالمي في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ووصلت إلى 60 مليار في السنة، وهو ما يُمثِّل انخفاضًا بمقدار 50 % عما كان عليه في عام 1987.

فدول مثل فرنسا السويد والولايات المتحدة خفضت من نفقاتها في البحث والتطوير العسكري بمقدار الربع عمَّا كانت عليه في فترة ما يُسمَّى بالحرب الباردة، بينما عملت بعض الدول على زيادة حجم الإنفاق على البحث والتطوير العسكري، مثل الهند اليابان وكوريا الجنوبية.

بغض النظر عن حجم الإنفاق، فإن التقنيات المتقدمة والابتكارات لا تزال حكرًا على عدد محدود من الدول، وأصبح التعاون في مشاريع تقنية صغيرة هو السائد في السنوات الأخيرة. التعاون الأوروبي لم يثمر كما كان متوقعًا بسبب التعقيدات الكثيرة، والمثال الأبرز هو الإخفاق الإسباني في بناء قاعدة تقنية خلال السنوات الماضية. أصبحت إسبانيا محبطةً من نموذج التعاون الدفاعي الأوروبي المتجسِّد في اتحاد متعدد الجنسيات. على الجانب الآخر، اقتصرت السويد على المشاريع المتوافقة مع مفهومها الدفاعي، وبالتالي تطوير تقنيات متخصِّصة مرغوبة؛ وبذلك استطاعت السويد أن تكون في وضع تعاون أفضل وأكثر مواءمةً مع دول حلف الناتو. والنتيجة النهائية أن كلتا الدولتين بقيت معتمدة إلى حدٍّ كبير على الولايات المتحدة الأمريكية في الاستفادة من التقنيات المتطورة. في الواقع، فإن مجال البحث والتطوير في مجال الأسلحة هو من أكثر النشاطات صعوبةً لكبح جماحه أو الحد من آثاره، وهذا ما نلمسه في الوقت الحاضر في الصين كعملاق قادم بقوة، والذي تخشاه أمريكا وتحاول تحييده.

وبالرغم من أن تركيب “البحث والتطوير” واحد إلا أنه يتكون من عنصرين رئيسين شاملين لذلك المفهوم. البحث وهو التفكير والسعي لاستدعاء و/أو الابتكار لإيجاد أفكار بوفرة في هذه المرحلة تكون مادة خام في الطريق للتغلُّب على ثغرة قائمة، أو لإيجاد قدرات ترفع جاهزية القوات العسكرية وفعاليتها.

وعملية التطوير هي مراجعة وتنقيح تلك الأفكار (والتي في الغالب تكون غزيرةً في عددها، وتحوي تفاصيل أقل)، ومعالجتها والعمل على تحويلها إلى مشاريع ملموسة لإخراجها لحيز الوجود، وسهولة التعامل وتوظيفها من المستخدم النهائي (الجندي في ميدان القتال، البحارة وسيادة وأمن المياه الإقليمية، أمن سماء المملكة، استتباب الأمن والازدهار… إلخ).

ومما لا شك فيه أن منهجية البحث والتطوير تختلف في أي مجال مدني أو عسكري، حكومي أو خاص، بأطره العامة. إلا أنه في المجال العسكري خصوصًا والحكومي عمومًا، يواجه معوقات في الإرادة، والإدارة والتمويل وتلمس النتائج بشكل مباشر، عدا في أوقات الأزمات والحروب والكوارث الطبيعية.

إن مفهوم أو عملية البحث والتطوير هي عملية مستمرة لا يجب أن تتوقف عند مستوى معين من الرضا.

مرَّت وزارات الدفاع والداخلية والحرس الوطني، بعقود ومراحل من التطوير في المفاهيم والتنظيم والعتاد والتدريب تماشيًا مع المتغيرات والأحداث. فمنذ فجر الثمانينيات (وحتى قبل ما يقارب ست سنوات) أُعيد تنظيم تلك الوزرات لأسباب عدة، منها: كِبر حجم القوات العسكرية، أسلحة جديدة، تحسُّن في المستوى التعليمي في المملكة ومنسوبيها، الثورة الإيرانية، حرب الخليج الأولى، غزو العراق، وظاهرة الإرهاب التي عصفت بالمنطقة ومنها المملكة وما كابدته. إلا أنها كانت مركِّزة بشكل مُكثَّف على رفع جاهزيتها وتأثيرها، مع قلة التركيز على رفع الكفاءة بأقل الجهود والتكاليف (ولا يمكن إغفال التحديات الإقليمية والسياسية بصور مختلفة آنذاك عن الوضع القائم). فقد كانت المملكة لعدة سنوات هي من أكثر الدول إنفاقًا على تلك الأداة الوطنية. (وحسب المصادر المفتوحة، احتلت المركز الثالث عالميًّا بعد الولايات المتحدة والصين).

إلا أن وزارة الدفاع بالتحديد (ولاحقًا تبعتها وزارتا الداخلية والحرس الوطني) منذ تولِّي صاحب السمو الملكي ولي العهد الوزارة وبعدها الرؤية الوطنية (٢٠٣٠)، كلَّف فريقًا لتطوير وزارة الدفاع بنقلة نوعية ومختصرة لمراحل لا تستلزم التدرُّج فيها (نهج تحوُّلي) في تغيير التنظيم القيادي والتنسيق داخل الوزارة وخارجها، وآلية العمل الميداني والارتباطات القيادية، والإجراءات التنفيذية وسياسة إعداد وتنفيذ الميزانية. وصدور إستراتيجية معتمدة تُسمَّى (إستراتيجية الدفاع الوطني). وهذه العملية مستمرة بخطة عشرية بدأت في عام ٢٠١٦.

Military expenditures

https://www.cia.gov/the-world-factbook/countries/saudi-arabia/#military-and-security

8% of GDP (2019)           

9.5% of GDP (2018)

10.2% of GDP (2017)

10% of GDP (2016)

13% of GDP (2015)

  • ثالثًا – البحث والتطوير: القوة الدافعة وراء التسلح:

في عام 1976، كان مجموع الإنفاق العسكري الأمريكي 330 مليار دولار، وكان 10% من هذا الإنفاق موجَّهًا للبحث والتطوير. هذا النشاط الكبير الذي نتج عنه توظيف أكثر من نصف الكفاءات المتميزة في الفيزياء والهندسة، وأفرز سباقًا كبيرًا في مجال التسلح.

أنظمة التسلح الكبرى تحتاج من 10 إلى 20 سنة للتطوير، وتحتاج أيضًا إلى إنفاق مليارات الريالات على مجالات البحوث والتطوير في المجال العسكري، وكمثال على ذلك: قد خصصت أمريكا 15% من ميزانية الدفاع البالغة 400 مليار عام 2003 إلى مجالات البحث والتطوير العسكري (ما يعادل 60 مليار دولار)، وهذا يُمثِّل أكثر من 50% من ميزانية البحث العلمي لكل الأنشطة البحثية الأمريكية.

يُمثِّل الإنفاق على البحوث العسكرية جزءًا كبيرًا من ميزانية الدفاع على المستوى العالمي (8%)، وهذا الإنفاق الكبير يتركز في الدول التي تنتج منظومات الأسلحة المتطورة؛ وهي: أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، وألمانيا. هذه الدول الخمس تنفق 84% من مجموع ما ينفق على البحث والتطوير في القطاع العسكري على مستوى العالم، في حين أن إنفاق بقية الدول لا يتجاوز 14% من مجموع الإنفاق العالمي.

في حقبة الحرب الباردة، كان التركيز على البحث والتطوير في الأنظمة الكبيرة، وبعد انتهاء هذه الحقبة تمَّ التركيز على الأنظمة المزدوجة التي تخدم القطاعين العسكري والمدني، مثل المجسات والشرائح الإلكترونية وتقنيات الحماية وأمن الإنترنت، وهذا عزَّز الاقتصاد بشكل عام، وبعد عمليات 11 سبتمبر برزت الاستخبارات باعتبارها الجانب الرئيسي للحرب على الإرهاب؛ وبالتالي يُنظر إلى البحث والتطوير الهادف إلى تعزيز قدرات الاستخبارات على أنه حجر الزاوية في عمليات البحث والتطوير العسكري، مثل العمل على تحليل كميات هائلة من المعلومات في وقت قصير والأمن السيبراني، وهذا يخدم أيضًا القطاع العام كهدف مزدوج.

يُمثِّل هذا الجدول مقارنات الإنفاق على البحث والتطوير لعدد من الدول:

SIPRI Yearbook 2006, Michael Brzoska, University of Hamburg

الدولة نفقات البحث والتطوير في كافة المجالات (مليار دولار) مساهمة القطاع الخاص في البحث والتطوير بشكل عام (%) مساهمة القطاع العام في البحث والتطوير بشكل عام (%) نفقات البحث والتطوير الخاص بالقطاع العسكري (مليار دولار) نسبة البحوث العسكرية إلى البحوث بشكل عام (%)
فرنسا 39.7 51 39 3.5 9
ألمانيا 58.7 67 30 1 2
إيطاليا 17.7 43 51 0.4 2
اليابان 112.7 75 18 1 1
كوريا 24.3 74 24 0.8 3
أمريكا 312.5 64 31 54.1 17
بريطانيا 33.7 44 31 3.4 10
الاتحاد الأوروبي 211.3 54 36 11.2 5
الصين 102.6 60 30 5 5
روسيا 16.5 31 61 4 24
إسرائيل 5 64 29 1.5 30

 

  • رابعًا – البحث والتطوير وعلاقته بأسلوب التنظيم والإدارة، ودور الدولة في ذلك.

وُجِد البحث العلمي والتِّقني منذ أن وُجدت العلوم والعلماء وحب الاستطلاع، ولكن ارتباط أعمال “البحث” عضويًّا وعمليًّا وتنظيميًّا بــنشاطات “التطوير” لم يوجد بشكل حقيقي إلا في الربع الأول من القرن العشرين. حيث بدأ “البحث والتطوير” يكون أساسًا ومنطلقًا لمعظم الإنتاج الصناعي للسلع والأنظمة والمنظومات العسكرية أولًا، ثم المدنية بعد ذلك أو مسببًا له. كانت الحرب العالمية الأولى صعيدًا أظهر، بل وأبرز الضعف والثغرات الواضحة عند الخصوم والمتحاربين من حيث العدة والعتاد والمنظومات والأنظمة. وشكَّل ذلك أساسًا للقناعة بأهمية توظيف مباشر ومُنظَّم للعلوم في خدمة المجهود الحربي. في هذا السياق، أنشأت المملكة المتحدة مثلًا “وزارة البحوث العلمية والصناعية” في عام 1915م، وتبعتها الولايات المتحدة في عام 1916م بإنشاء “مجلس البحوث الوطنية”، ومُثِّل ذلك وبأساليب مختلفة في دول أخرى. وكانت المهمة المحدَّدة لتلك المؤسسات السيادية تشجيع وتنشيط وتنسيق أعمال البحث العلمي الموجَّه (آنذاك) لمساندة المجهود الحربي والأمني. وبالفعل، كان من أهم آثار هذه المؤسسات ومنجزاتها هو زرع قناعة لدى الصناعيين الكبار (القطاع الخاص)، أن البحث العلمي المنظَّم والتطوير قد يكون أساسًا مهمًا للنجاح في السوق والتكوين والرسوخ الاقتصادي للشركات والمؤسسات الصناعية. وكانت السيارة والطائرة والراديو والهاتف من أبرز المنتجات المجدية التي خرجت من معامل ومختبرات ومشاريع البحث والتطوير للشركات الصناعية في تلك المرحلة.

وجاءت الحرب العالمية الثانية لتستفيد من هذا التوجُّه وتُرسِّخه، خصوصًا في الولايات المتحدة الأمريكية، التي خرجت من الحرب في القمة في معظم المجالات الحيوية. فقد أنتجت معاملها ومختبراتها الوطنية والخاصة معجزات عسكرية، ليس أولها القنبلة النووية، وليس آخرها القدرات الصاروخية (مقدمات القدرات الباليستية)؛ لكن أعظم نتيجة لنجاحات هذه المرحلة وأسلوبها كان قناعة لدى الرأي العام والمشرعين والمخطِّطين والدولة بعموم، بأهمية صناعة “البحث والتطوير” إلى حدٍّ صار معه عنصرًا ثابتًا ومهمًّا في جميع الخطط الاقتصادية والإستراتيجية والمخصصات المالية الوطنية في الدول المتقدمة المنتصرة (أمريكا وبريطانيا وفرنسا…)، والمهزومة (ألمانيا واليابان…)؛ كلٌّ بحسبه وقدراته.

في تلك المرحلة، أضحى واضحًا أن تشجيع “البحث والتطوير” والنجاح في ذلك يرفد التنمية والنمو الاقتصادي مثل أو أكثر مما يخدم أغراض الأمن والشؤون العسكرية أو الشؤون المتخصصة الأخرى. وقد أدت هذه القناعة إلى تزايد التمويل من المصادر العامة والسيادية للمختبرات بأنواعها، وتطور وسائل وآليات تشجيع وتوسيع وتمويل نشاطات “البحث والتطوير” وإدارتها وتنظيمها. ومع أن التركيز في الحرب العالمية الثانية كان على مجالات ذات أبعاد عسكرية وأمنية، إلا أنه وفي العقود المتأخرة ومع تعقيد المنظومات والأنظمة العسكرية وتطوُّرها، أصبح من الصعب التفريق بين المتطلبات التقنية والفنية والتنظيمية للصناعة والجاهزية العسكرية من جهة، والمتطلبات التقنية والفنية والتنظيمية للصناعات المدنية والتجارية من الجهة الأخرى. وأفضل مثال على ذلك منظومات الاتصال المتقدمة، والحاسوب، والطاقة النووية (التي تختلط بها الابتكارات العسكرية والمدنية وتشترك عناصرها) وغيرها مما ننعم به الآن، وأضحى أساسًا لتكوين ونمو قطاعات ضخمة تتزعمها شركات عملاقة تعمل في القطاع المدني (والعسكري) بكل كفاءة وتزايُد وتوسُّع. هنا نستطيع أن نُدرك توجُّه الدول الصناعية الأكيد للتركيز وتبني البحوث والتطوير الصناعي بشكل عام شامل، وتوظيف وسائل تنظيمية وتمويلية وإدارية عديدة بمرونة وابتكار تتجاوز فلسفة وآليات وأنظمة توريد الاحتياجات الحكومية ومشترياتها.

وهنا يجدر لفت النظر لنقطة مهمة جدًّا، وهي أن بعض المنتجات والنتائج الجانبية للبحوث ومشاريع التطوير العسكرية التي موَّلتها الولايات المتحدة في الستينيات وما بعد ذلك من خلال “عقود البحث والتطوير” مع القطاع الخاص الأمريكي، أعطت اللاعبين في هذا القطاع فرصةً لتوظيفها في المجال المدني وتطويرها، لتكون منتجات عظيمة بنت قطاعات تقنية عملاقة سيطرت عليها الشركات الأمريكية ولا تزال. ومثال ذلك: كانت تقنية الأقمار الصناعية والتقنية الجيومكانية والحاسوب والشبكة العنكبوتية وأمثلة كثيرة درامية ومثيرة.

إنَّ “الابتكارات” التي تنتج منتجات أو أنظمة أو منظومات، حينما تبرز للوجود في السوق وميادين العمل (أو الحروب) تكون قد سارت مسارًا طويلًا يبدأ في خيال العلماء والفنيين، ثم قاعات الدراسة والبحوث والمعامل أو المختبرات، مرورًا بصناعة أو تجميع تركيب نماذج تجريبية ووظيفية مبدئية، ثم مراحل الصناعة المبدئية الأولية، ومن ثَمَّ الإنتاج التجاري والعرض في الأسواق التجارية وبيئات العمل (والحروب). و”الابتكارات” إنما هي نتاج تطبيق “الاختراعات” على احتياجات عملية وظيفية تستقرئ السوق والاحتياجات والتحديات بكل أنواعها. وبقدر الكم الهائل من الاختراعات التي تخرج من المختبرات في المراحل الأولى للبحث الشامل، هناك عددٌ قليل جدًّا منها يصل لمرحلة الابتكار والتركيب والسوق والتطبيق الميداني المجزي والمجدي. حيث لا يخفى على المتابع طبيعة المخاطرة الضخمة والمجهولية الكبيرة في مجال وصناعة “البحث والتطوير”.

إنَّ أساس وميادين صناعة “البحث والتطوير” ومنطلقها هي المعامل والمختبرات بكافة أنواعها وأشكالها وانتماءاتها وأسلوب عملها، وجنود هذه الصناعة هم الفنيون والعلماء ومدراء المشاريع، ووقود هذه الصناعة هو خيال الإنسان والحاجة وآليات السوق الحر. هناك “مختبرات تابعة للشركات”؛ بعضها مختبرات بحوث عامة وشاملة، وبعضها الآخر مختبرات تتخصص في التطوير، خلاف مختبرات القياس والمعايرة والاختبار. وهناك “المختبرات الحكومية” بأنواعها وأدوارها المختلفة، سواء في مجالات التنظيم والمقايسة أو الإشراف والبحث البحت والتطوير في المجالات التي لا يمكن عمليًّا تركها للقطاع الخاص. وهناك “المختبرات المستقلة” التي تعمل على أسُس تجارية. كما أن هناك “هيئات البحوث” التي نشأت في كنف القطاعات الصناعية المختلفة ولمساندتها (مثل قطاع صناعة الزجاج أو صناعة الحديد مثلًاً، وغير ذلك…) والتي تعتمد عليها صناعة “البحث والتطوير” في دول مثل ألمانيا وبريطانيا. وهناك “المختبرات الجامعية” التي يعرفها الجميع، وتُشكِّل أهميةً كبيرة في مجال البحث الشامل والبحت.

حينما ثبت أن النتائج الجانبية لعقود “البحث والتطوير” في المجالات العسكرية، خرجت بنجاحات بارزة في القطاع الصناعي المدني، تزايد التوجه الحكومي لمساندة بل وتمويل البحث في القطاع الخاص بمرونة كبيرة، وبدون اشتراط التوجيه المسبق لمجالات البحث سواء في المجال العسكري أو غيره. فأضحت الحكومات بكافة مؤسساتها تتحمَّل من مصادرها المالية والسيادية نسبةً كبيرة من تكاليف البحث ومخاطره في المختبرات الخاصة سواء في مختبرات الشركات أو المختبرات المستقلة أو الهيئات البحثية التابعة للقطاعات الصناعية أو الجامعات.

في الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا الغربية، تقوم الحكومة بمختلف مؤسساتها بمعظم أعمال “البحث والتطوير” من خلال معامل ومختبرات تابعة للقطاع الخاص الربحي وغير الربحي؛ وذلك بواسطة طرح مناقصات ومنافسات لمشاريع البحث والتطوير، ويكون دور مؤسسات الحكومة فيها وبمستويات مختلفة، فضلًا عن التمويل وإنشاء المختبرات، التوجيه والرقابة، وفي بعض الأحايين الإشراف المباشر بما ذلك البرمجة والإدارة شبه المباشرة.

وفي جميع أساليب التعاقد (التمويل والتوجيه) وعبر تاريخ صناعة البحث والتطوير، كانت هناك تحديات متعددة ولا تزال، كلها رسَّخت تنظيم دور الدولة في التمويل والتعاقد مع التوجيه المرن والتشجيع الجزل وخلق بيئة تتوسَّع فيها صناعة البحث والتطوير أفقيًّا وعموديًّا. كان أهم التحديات ومصدر معظم النقد وبعض الفشل أو النجاح الجزئي في سياق الفعالية والإنتاج وتحقيق الأهداف، هو أسلوب المنافسة والتعاقد من حيث التقييم والتسعير؛ بين المقطوعية أو التكاليف إضافةً للربح. ولكلٍّ مميزاته وعيوبه. وهناك من التحديات الأخرى ما هو متعلق بكيفية تحديد مجال العمل والمواصفات في شروط المنافسة ومعالم الطريق في الإنجاز فضلًا عن الغرض، وما هو متعلق بمنهج وأسلوب العمل في سياق العقد وإدارة مشاريعه، ومستوى التوجيه أو الإشراف والرقابة، ومنها ما هو متعلق بالحقوق الفكرية وتقاسمها بين الأفراد الباحثين والممولين والمختبرات والمعامل والمخترعين والمطوِّرين. كما أن هناك تحديات متعلقة بتقرير ما تقوم به الحكومات في مختبراتها وما يمكن إسناده لمختبرات القطاع الخاص بما فيها الجامعي أو الخليط بين هذا وذلك.

يتمُّ التعامل مع هذه التحديات من حيث التنظيم والتمويل والتعاقد ومنهج الإشراف بناءً على المنهج المتبع في كل دولة صاحبة السيادة وظروفها وثقافتها الإدارية والتنظيمية، وبناءً على نوع البحث والتطوير، وموضوعه، ومرحلته، والصناعة المستفيدة والتمويل الممكن، ومقدار الضرورة والاستعجال من عدمه لنتائج البحث والتطوير، ومرحلة نُضج صناعة “البحث” و”الاختراع” و”التطوير” في الدولة ومؤسساتها، وأمور أخرى متعددة تفرضها الطبيعة الفريدة لصناعة “البحث والتطوير”.

وتُبيِّن التفاصيل أعلاه والتغطية الموجزة لاختلاف وتطوُّر دور وأساليب التنظيم والإدارة والتمويل الحكومي، واختلاف المناهج  في المجالات الفنية / التقنية والمالية والإدارية أن التحدي الذي يجب التعامل معه في العمل التنظيمي الإستراتيجي في بلادنا تجاه تنظيم وتشجيع وتنسيق صناعة “البحث” بما في ذلك الاختراع والابتكار و”التطوير” وإنشاء مؤسسات البحث ومختبراتها؛ هو مجال الإدارة وتحديد دور الدولة من حيث التنظيم والتشجيع، والتنسيق، والتمويل، وزيادة الانتشار والقدرة الأفقية والعمودية، وأساليب إثراء ذلك ودفعه من خلال التعاون المحلي والدولي لصناعة البحث والتطوير، والذكاء والرُّشد في التوجيه تجاه البحث أو التطوير أو كليهما، بأكبر قدر من المرونة، تتواءم مع طبيعة وقدر المخاطر ومجهولية النتائج، في تلك الصناعة التي تخدم الاقتصاد والنمو والتنمية، وتتواءم مع ظروف بلادنا العلمية ومستوى مؤسساتها البحثية، وتبعًا لذلك سوف تخدم الصناعة العسكرية والأمنية وغيرها من المجالات الحيوية.

ولا شك أنه تشكَّلت في بلادنا، عبر مسيرة التنمية، مؤسسات حكومية وشبه حكومية بحثية وتطويرية ذات خبرة متميزة في مجال صناعة البحث والتطوير؛ على رأسها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ومراكز البحث في أرامكو وسابك، وإدارات البحث والتطوير في أفرع القوات المسلحة والمختبرات الجامعية (مع قصور واضح في شركات الاتصالات ومَا في حكمها). ولكن وكما هي أهداف الرؤية، يحتاج الوطن لترسيخ وتوسيع وتنسيق الطاقات في القطاع الخاص والأكاديمي، وإطلاقها في آفاق واسعة بعيدًا عن القيود؛ على أسس زيادة الفعالية والتنمية الوطنية واستغلال الميزة النسبية لبلادنا في كافة المجالات.

وموافقة مجلس الوزراء الموقر برئاسة خادم الحرمين الشريفين، الأسبوع الماضي على تشكيل لجنة باسم “اللجنة العليا للبحث والتطوير والابتكار” خطوة مؤسسية تجاه الوصول لتنظيم صناعة “البحث والتطوير”، وقيام مؤسسة وآلية وطنية ذات ديمومة وثقة، تُشجِّع وتُنسِّق وتُموِّل وتُوسِّع أعمال وصناعة “البحث والتطوير” ومنشآتها، في كافة شرائح القطاع الحكومي (العسكري والمدني) والصناعي والأكاديمي/ الجامعي.

  • خامسًا – الواقع والطموحات المتعلقة بالبحث والتطوير للقوات العسكرية السعودية:

تعتبر السعودية من أكبر مستوردي الأسلحة في العالم، وتتميز منظومات الأسلحة التي تمتلكها بأنها من أحدث وأفضل الأسلحة التي أنتجتها المصانع العالمية، وبناءً على الرؤية التي تستهدف توطين 50% من منظومات الأسلحة فقد شرعت مختلف أفرع القوات المسلحة بتطوير أنظمتها الداخلية، مثل: برنامج تطوير وزارة الدفاع، وبرنامج تطوير وزارة الداخلية، وبرنامج تطوير وزارة الحرس الوطني.

وتهدف هذه البرامج إلى إيجاد بيئة قادرة على تفعيل رؤية 2030، وكمثال على ذلك: فإن برنامج تطوير وزارة الدفاع هو برنامج يهدف لتطوير وزارة الدفاع السعودية وإعادة هيكلتها وتنظيمها. بدأ إعداد البرنامج في عام 2015، من أجل إعادة هيكلة وزارة الدفاع بما يُحقِّق التفوق والتميُّز العملياتي المشترك، وتطوير الأداء الفردي ورفع المعنويات، وتحسين كفاءة الإنفاق ودعم توطين التصنيع العسكري.

يهدف هذا البرنامج إلى تعزيز العمل المشترك والاستجابة للتهديدات المتغيرة والمتسارعة، بما يضمن حماية الأمن الوطني. ستقوم القوات المسلحة بتحديث منظوماتها وزيادة قدراتها العسكرية بمنظومات تسليح نوعية تتمتع بتقنيات عالية تمنحها التفوق العسكري. ويهدف هذا البرنامج أيضًا إلى رفع كفاءة الإنفاق من خلال توطين الصناعة العسكرية، وإيجاد فرص عمل واسعة، وتشجيع الدراسات والبحوث الدفاعية، ودعم الشراكة مع الدول الحليفة والصديقة.

كما أن من أهداف البرنامج: التركيز على أهمية التدريب والتعليم، وإمكانية تحويل بعض الكليات القائمة إلى جامعات تضاهي أفضل الجامعات العالمية، والعمل على رفع معدل الشهادات العليا بين منسوبي الوزارة.

كما هو مُلاحظ، من أهداف برنامج تطوير وزارة الدفاع الاهتمام بالتدريب والتعليم والبحث والتطوير؛ لذلك فإن اعتماد إستراتيجية للبحث والتطوير في المجالات عامة والمجال العسكري على وجه الخصوص تكتسب أهميةً قصوى؛ لما لها من أثر على المدى البعيد في تحقيق الأمن الوطني، والمحافظة على الجاهزية والتفوق التقني اللازم عند الحاجة. كما أن الاستثمار المبني على رؤى طموحة كتلك التي تبنَّاها سمو ولي العهد – حفظه الله – لشحذ الهمم وتحفيز العقول الشابة للابتكار وخلق الفرص والانطلاق إلى آفاق رحبة؛ سيؤدي بلا شك إلى إضافات نوعية وتعزيز للقدرات بشكل عام، ومنها تفعيل دور البحث والتطوير في المجالات الواعدة.

مع وجود إدارة عامة للعلوم والتقنية، وإدارة عامة لدعم التصنيع المحلي، وإدارة البحوث، والمؤسسة العامة للصناعات العسكرية، بالإضافة إلى أقسام وإدارات معنية بالدراسات والأبحاث في مختلف أفرع وزارة الدفاع؛ إلا أن مخرجات البحث والتطوير لا تزال دون المستوى المأمول، ويمكن تلخيص الصعوبات التي تواجهها منظومة البحث والتطوير والابتكار فيما يلي:

  • عدم وجود جهة منظمة، وعدم وجود إستراتيجية عامة للبحث والتطوير.
  • قلة الكوادر المؤهَّلة المشتغلة بالبحث والتطوير كمهنة، وإذا كان هناك جهود تُذكَر فهي إما بشكل جزئي أو مؤقت، ينطبق هذا على البحث والتطوير في كافة المجالات بما في ذلك الجامعات، ويبدو جليًّا واضحًا في المجال العسكري.
  • بعثرة الجهود بلا تنسيق أو تكامل فيما بينها؛ مما ينتج عنه مجهود مكرر ومخرجات متشابهة في بعض الأحيان.
  • قلة الدعم المادي الموجَّه للبحث والتطوير.
  • تدنِّي مستوى التأهيل والتدريب لكثير من منتسبي إدارات ومراكز البحوث، وتخلي كثير من الباحثين المميزين عن العمل لأسباب؛ منها: الدعم المادي والمعنوي، وعدم وجود إستراتيجية واضحة.
  • اتجاه بعض المديرين للإنجاز السريع، بينما يعتبر إنجاز البحث والتطوير محفوفًا بالمخاطر، ويستغرق وقتًا طويلًا.
  • يبرز سوء الإدارة في عدم الاستفادة من بنود البحث والتطوير، وتحويل مخصصاتها إلى مشاريع أخرى وأحيانًا إلى إيقاف بعض المشاريع.
  • تعثُّر كثير من المشاريع البحثية بسبب التغيير الإداري، وتسرُّب الكفاءات، وقلة الدعم المادي، وغيرها.
  • ضعف في الاستفادة من المشاريع المشتركة مع الجهات الخارجية فيما يخصُّ جزئيات البحث والتطوير ونقل التقنية؛ لأسباب كثيرة، وأهمها غياب التخطيط والمنهجية الواضحة للبحث والتطوير في معظم تلك المشاريع.
  • لا يزال التطوير في القطاع العسكري محدودًا جدًّا؛ وهذا يعود إلى الاستعجال في النتائج، وعدم تكامل عناصر العملية التطويرية؛ فالجامعات شبه مغيبة، والكليات التقنية مغيبة، والتعاون بين القطاعات مغيب، حيث لا يوجد تعاون مؤسسي واضح (باستثناء محدود وجهود شبه فردية) بين القطاعات التطويرية والبحثية وبين القطاع الأمني أو الدفاعي. أيضًا، فإن التكامل على مستوى القدرات البشرية شبه منعدم، وكذلك على مستوى التجهيزات، بجانب عدم وجود مرونة في الأنظمة المالية والإدارية لتسهيل حركة العمل التطويري.

على الرغم من كلِّ تلك الملاحظات السابقة، يبدو الغدُ مشرقًا ومُبشِّرًا بوجود رؤية 2030 وما يصاحبها من دعم لا محدود، والعمل على توطين 50% من الصناعات العسكرية داخل المملكة؛ مما يُعزِّز الأمن الوطني، ويسهم في نمو الاقتصاد والاستفادة من القدرات وتوظيفها بالشكل الصحيح.

عملية البحث والتطوير وما يصاحبها من ابتكارات واختراعات ونقل وتوطين للتقنية عملية مستمرة لا تتوقف، وهي عملية تُبنَى على أسس واعتبارات وبنى تحتية، ويمكن تلخيص أبرز مقومات النجاح فيما يلي:

  • وضع إستراتيجية عامة لتفعيل دور البحث والتطوير في المجالات العسكرية، والتركيز على مجالات حيوية ومهمة لحفظ الأمن، وبناء تفوق عملياتي حسب طبيعة ومساحة المملكة وحدودها البرية والبحرية.
  • التركيز على تقنيات فعَّالة؛ منها: الأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي والروبوتات، والأسلحة غير المأهولة والحرب الإلكترونية.
  • تفعيل منهجية البحث والتطوير والابتكار في مراحل التعليم العام والجامعي المختلفة، والاستفادة من القدرات المتميزة وتنمية المواهب.
  • دعم التوجُّه الحالي الذي يُعنَى بالمواهب والابتكارات، وهناك الكثير من التجارب الناجحة التي تنتظر استثمارها.
  • ضرورة توطين البحث والتطوير ونَقْل التقنية في عقود الشراء حسب منهجية واضحة.
  • حث القطاع الخاص للإنفاق في مجالات البحث والتطوير ودعم المشاريع الناشئة. (دور القطاع الخاص مهم وأساسي في دعم جهود البحث والتطوير، كما هو ملاحظ في تجارب الدول المتقدمة).
  • استقطاب الكفاءات التي تجتمع لديها القدرة والرغبة والموهبة، وتوظيفها ودعمها ماديًّا ومعنويًّا، وتكفي الإشارة إلى أن واحدًا من بين كل ستة من الخريجين المهندسين يتم توظيفه في العسكرية الأمريكية.
  • إنشاء مراكز بحوث متخصِّصة، وتفعيل التعاون الدولي مع الدول الصديقة في مجالات البحث والتطوير حسب منهجية واضحة.
  • تنسيق الجهود البحثية وتكاملها، والاستفادة من الخبرات الوطنية والعالمية في مجهود البحث والتطوير.

وإجمالًاً، يمكن القول إن المملكة تحظى بكل المقومات التي يمكن توظيفها بالشكل المناسب لتكونَ دولةً رائدةً في كافة المجالات، وهذا ما تحقَّق ويتحقَّق يومًا بعد يوم؛ من تطوُّر مذهل ومتسارع في كافة المجالات تحت قيادة ملك العزم والحزم وولي عهده الأمين.

وفي ظلِّ المتغيرات الدولية المستمرة وما يترتب عليها من حاجة الدولة الدائمة والمستمرة لتطوير الدراسات والأبحاث الصناعية العسكرية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في صناعة المحتوى المحلي من القطع العسكرية للحد من الاستيراد والتوسُّع في فرص التصدير المستقبلية، وفي ظل اتجاه الدولة للتوسُّع في الجامعات ربما يكون قد آن الأوان لاستحداث جامعة تقنية عسكرية تهتم بالأبحاث، وتُصمَّم داخلها مجموعة من الكليات التقنية والصناعية العسكرية.

ويرى البعض أن دور الشركات والقطاع الخاص الدفاعي مهمٌّ للغاية؛ كونه يُركِّز على الحاجة التي يتوقعها للمستخدم النهائي، وبالتالي فهو يبحث ويبتكر لغرض تصنيعي للاستخدام لأغراض ربحية؛ على عكس ما يحصل في المنظمات الأكاديمية والبحثية، فقد تكون في الأخيرة لغرض الحصول على شهادة علمية أو ترقية أو حتى ربما لرفع تصنيف الجهة الأكاديمية، ومن هنا يظهر الدور المهم للشركات الدفاعية؛ لأن أبحاثها ستكون بعيدةً عما يمكن تسميته بالترف العلمي.

في حين ثمة آراء بأن المطلوب وضع نماذج عمل فعَّالة بدلًا من اللجوء لنماذج عمل مقولبة ثبت عدم فعاليتها على أرض الواقع، وبالتالي فإنه ليس من الضروري أن تكون الجامعة هي النموذج العملي المطلوب إذا ما تذكَّرنا واقع البحث والتطوير ونقل المعرفة في الجامعات الحالية، والأجدر في هذا الإطار هو تأسيس منظومة متكاملة لتطوير التقنيات والصناعات العسكرية مستقلة عن الأدوات والنماذج القائمة، وبشكل يسمح لها أن تَستخدم بشكل انتقائي ما تحتاج إليه من الأدوات القائمة؛ بمعنى أننا لا نريد جامعةً تقنية عسكرية لا تختلف كثيرًا عن كاوست بكل شفافية ووضوح.

وفي سياق متصل، فإن خصوصية قطاع الصناعات العسكرية تبرز في جانب حساسية امتلاك المعرفة في هذا القطاع. من المعلوم أن نَقْل المعرفة وتوطين الصناعات في مختلف القطاعات أقل حساسيةً بكثير منه في القطاع العسكري.. يمكن على سبيل المثال عقد اتفاقيات تمنح رخص تصنيع لمنتجات مختلفة في المملكة في مختلف المجالات، إلا أن الشركات المالكة لتقنيات صناعية عسكرية لا تمنح مثل هذه الرُّخص بسهولة، وإنْ وافقت على توطين الصناعة أو جزء منها في بلد آخر، ففي الغالب تقوم بالاستثمار المباشر وامتلاك مفاتيح التشغيل والإدارة بالكامل.. على أرض الواقع، هنا تبرز الحاجة بشكل مُلِحٍّ لدعم وتمكين الإبداع والابتكار في القطاع العسكري أكثر من غيره من المجالات بالنظر إلى صعوبة النفاذ إلى المعرفة في هذا القطاع بالتحديد.

وتوجد معضلة تواجه التصنيع العسكري في السعودية، وهي شراء منتج لمَّا يتم إنتاجه بعدُ. في الدول المنتجة للسلاح تضع الجهة الحكومية المعنية مواصفات السلاح الذي تريد أن تشتريه. وتقوم شركة السلاح ببناء المنتج حسب المواصفات. في السعودية، نحن نشتري أسلحةً سبق تصميمها وإنتاجها لدولة المنتج. والسؤال هنا: هل أنظمة المشتريات العسكرية تتيح هذا النموذج؟ وكيف يعالج النظام مدفوعات التصميم الأولية وحالات فشل إنتاج المنتح؟ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى في وضع تصميم السلاح نفسه الذي يتطلب قدرات فنية وتقنية خاصة. كل هذه قضايا بحثية تقنية تطبيقية تختلف عن قضايا البحوث العلمية التقليدية. فهي مُخصَّصة لعميل ولاحتياجاته فقط.

في الغالب، العناصر القتالية وهم الضباط والأفراد الذين يقومون بتشغيل المنظومات القتالية سواءً كانت دبابات أو طائرات أو سفنًا أو صواريخ أو رادارات وكذلك الفنيون في الدعم اللوجستي من صيانة وإمداد هم مَن يُحدِّدون ماذا يحتاجون من أسلحة وتقنيات متقدمة لتنفيذ المهمات وتحقيق النصر، ويُطلق عليه المتطلبات العملياتية؛ ولكنهم في الغالب لا يستطيعون تحديد المتطلبات الفنية والمواصفات الهندسية التي تتطلب المنظومات، فيتم تحديد المواصفات الهندسية وعمل التصاميم من قِبل مراكز الأبحاث والتطوير في الجامعات أو في غيرها، ثم بعد ذلك تُطرَح للشركات للإنتاج. وفي الدول المتقدمة مثل أمريكا، يأتي الجنرالات يُطلق عليهم أصحاب الياقات الزرقاء فيما يخصُّ القوات الجوية، ويطلبون تصميمًا مثل طائرة أو رادار بمتطلبات عملياتية ليس لها وجود، ولكن يعتقدون أنها ضرورية بعد عشر سنوات لمواجهة التهديد الصيني، ويجلسون مع مراكز الأبحاث والتطوير، ويتم تحديد مواصفات التصميم الفنية والهندسية، وتُطرَح لإنتاج النموذج الأولي، وهنا تمنح الشركات المتقدمة جميع الأموال من وزارة الدفاع الأمريكية. ولنفرض وجود ثلاث شركات، كل شركة أنتجت نموذجًا، تقوم القوات الجوية باختبار النماذج الثلاثة، وفي الأخير  توافق على واحد منها، وتتعاقد مع الشركة التي أنتجته، كما يتم التحسين على النظام باستمرار خلال فترة استخدامه بإضافات بسيطة من قِبل المشغلين، ومن الإستراتيجيات التي تلجأ إليها وزارة الدفاع الأمريكية أنها تقوم بشراء منظومات من الشركات المصنعة للأسلحة بأسعار كبيرة ومبالغ فيها؛ من أجل أن تعطيَها فرصةً لاقتطاع مبالغ لـ R&D، الموضوع صعب ولكن ليس مستحيل إذا وُجِدت الإستراتيجيات الصائبة والرجال المخلصون والمنفِّذون.

وبالإشارة إلى تجربة كوريا الجنوبية، نجد أن الدافع الأول للتصنيع الدفاعي في كوريا الجنوبية، والذي حفَّزته جهود الحكومة منذ 40 عامًا، هو الطموح لتقليل اعتماد البلاد على المعدات العسكرية التي تُقدِّمها الولايات المتحدة. تمحورت الأنشطة الأولى لصناعة الدفاع بشكل أساسي حول إنتاج الأسلحة الصغيرة والذخيرة للاستخدام المحلي. علاوة على ذلك، تَمَّ تطوير وإنتاج معظم العتاد الدفاعي خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وإنتاجه بشكل أساسي من خلال اتفاقيات الإنتاج المُرخَّصة مع الولايات المتحدة؛ كونها شريكًا في التحالف مع الولايات المتحدة، وقد جعل ذلك من الصعب – إنْ لم يكن من المستحيل – على جمهورية كوريا فصل نفسها بشكل كبير عن التعاون الصناعي الدفاعي المرتبط بالولايات المتحدة الأمريكية. وتعَدُّ كوريا الجنوبية اليوم مُنتِجًا متطورًا نسبيًّا، فقطاع الصناعات الدفاعية قادر إلى حد كبير على تلبية معظم الطلب المحلي للبلاد فيما يتعلق بأنظمة الأسلحة. يمكن أن يُعزَى نجاح صناعة الدفاع بشكل أساسي إلى الدعم الحكومي الطويل الأمد والكبير الذي تَمَّ تقديمه لهذا القطاع. حددت حكومة جمهورية كوريا منذ البداية صناعات معينة، ووفَّرت فوائد مالية واقتصادية كبيرة.

وتعتبر إدارة برنامج الاستحواذ الدفاعي (DAPA) التي أُنشئت عام ٢٠٠٦ هي المُحرِّك الرئيسي لعمليات البحث والتطوير والتصنيع العسكري في كوريا الجنوبية. ومن المهم الإشارة إلى المذكرة التي وقَّعها محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية «GAMI»، مع الوزير المسؤول عن إدارة برنامج الاستحواذ الدفاعي (DAPA) في جمهورية كوريا الجنوبية، هذه المذكرة تهدف إلى وضع إطار عام للتعاون بين الطرفين في مجالات الاستحواذ العسكري والصناعات والبحوث والتقنيات العسكرية؛ وذلك خلال زيارة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع – حفظه الله – إلى جمهورية كوريا الجنوبية. هذه المذكّرة ستسهم في تطوير قدرات الاستحواذ العسكري، بما في ذلك آلية الاستحواذ وتطوير الصناعات العسكرية، ووضع المواصفات والمقاييس للمنتجات العسكرية، ومتطلبات تأهيل المصنِّعين والرقابة عليهم، بالإضافة إلى فحص وتقييم وقبول المنتجات العسكرية، والبحث والتطوير والتقنية في المجال العسكري. ويأتي توقيع هذه المذكرة، في إطار مساعي الهيئة العامة للصناعات العسكرية الرامية إلى توطين صناعة واستدامة المنظومات العسكرية النوعية في المملكة وفقًا لما تضمَّنته «رؤية المملكة 2030» من مستهدفات وسعي المملكة إلى تطوير قطاع الصناعات العسكرية.

ويمكن استعراض نماذج من المنتجات العسكرية التي من خلال البحث والتطوير تمكَّنت كوريا الجنوبية من امتلاكها، ومنها:

  • امتلاك قمرً اصطناعي عسكري للاتصالات، يؤمِّن لجيشها “اتصالات عسكرية عبر الأقمار الصناعية متواصلة وآمنة”، لتكون بذلك عاشر دولة في العالم تمتلك مثل هذه التقنية.
  • عزم سيئول على تطوير أقمار صناعية صغيرة جدًّا، لمراقبة جارتها الشمالية بشكل أفضل. ومن المتوقع أن تسمح الأقمار الصناعية الصغيرة المزوَّدة بتقنيات عالية بمراقبة الأنشطة العسكرية لكوريا الشمالية في الوقت الحقيقي تقريبًا، وفقًا لوكالة تطوير الدفاع (ADD). عند استخدام 32 من هذه الأقمار الصناعية في وقت واحد، سيتمكن الجيش الكوري الجنوبي من مراقبة الشمال كل 30 دقيقة ليلًا ونهارًا، بغض النظر عن الطقس، هذا النظام في مرحلة التصميم الأولي، ومن المتوقع الانتهاء منه في عام 2023.
  • تطوير الغواصات المسيرة، التي ستُمكِّن الجيش من جمع المعلومات بالقرب من الحدود البحرية بين الكوريتين دون إرسال بحارة إلى المنطقة عالية الخطورة.
  • قامت الوكالة أيضًا بتطوير سلسلة “من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، وصاروخ “هيسونغ” المضاد للسفن، وصاروخ “تشونغونغ” أرض – جو، وهاوتزر “كي 9” ذاتي الدفع، ودبابة القتال “كي 2″، وغيرها من الأسلحة التي يتم تصدير بعضها.
  • قامت شركة كوريا للصناعات الفضائية (KAI) ببناء ستة نماذج أولية للمقاتلة الكورية KF-X، ووفقًا لوسائل الإعلام المحلية، تحتوي الطائرة على 7000 مكوِّن هيكلي، و450 كيلومترًا من الأسلاك الكهربائية، وأكثر من 220 ألف من مسامير التثبيت، ومن المتوقع أن تبدأ الرحلة الأولى في عام 2022.
  • تم تصميم نظام KTSSM، وهو نظام صاروخي أرض – أرض مداه ١٢٠ كلم، والمعروف أيضًا باسم “قاتل المدفعية” لتنفيذ ضربات دقيقة، ويمكن إطلاق أربعة صواريخ في وقت واحد تقريبًا من منصة إطلاق ثابتة.
  • تطوير أنظمة ليزر، ومن المتوقع أن يكون نظام Block-I، الذي بدأ تطويره في سبتمبر 2019، قادرًا على اكتشاف وتتبُّع المركبات الجوية الصغيرة غير المأهولة (UAVs) وتحييدها من مسافة قريبة (تصل إلى 3 كم) باستخدام ليزر 20 كيلو واط. ومن المقرر الانتهاء من تطوير النظام الثابت بحلول عام 2023، وبعد ذلك من المتوقع أن يتم اعتماده من قِبل وحدات الدفاع الجوي التابعة لجيش جمهورية كوريا الجنوبية لحماية الأصول الإستراتيجية.
  • سيتم تركيب نظام Block-II بقدرة 30 كيلوواط، والذي من المقرر أن يكتمل تطويره بحلول عام 2030، على شاحنة. تم عرض النموذج في DX Korea 2020 باستخدام نفس السيارة التي استخدمتها قاذفة الصواريخ المتعددة K239 Chunmoo.
  • عرضت كوريا الجنوبية نموذجًا أوليًّا لرادار محلي للجيل الجديد من المقاتلات متعددة الأغراض، سيكون قادرًا على مرافقة ألف هدف في نفس الوقت، الرادار الجديد من تطوير شركة Hanwha Systems ووكالة تطوير الدفاع ADD، وهما تعملان عليه منذ عام 2016.

ولأن كوريا الجنوبية على عداء دائم مع جارتها الشمالية؛ فإنها وضعت ضمن إستراتيجيتها الدفاعية هذه المسألةَ الشائكةَ منذ عقود طويلة، على الرغم من المعاهدة بينهما في ١٩٥٣م. وطوَّرت هذه التقنيات المتقدمة وغيرها للحفاظ على أمنها والدفاع عن حدودها.

جميع المنتجات التي تمَّ استعراضها في غاية الأهمية، وفي منطقة الخليج فإن الوضع مشابه إلى حد ما بل هو أكثر تعقيدًا؛ ولذلك فإن التجربة الكورية ملهمة، ويمكن استنساخها، أو التعاون الوثيق معها.

وتستطيع المملكة حاليًّا وفي ظل تداعيات جائحة فيروس كورونا على الكثير من اقتصادات دول العالم وخصوصًا في أوروبا، وحاجتها الماسة لإبرام عقود وصفقات ومشاريع استثمارية مع المملكة لانتشال اقتصادها المتضرر من هذه الأزمة، استخدام ورقة الاستثمارات المشتركة سواء داخل المملكة أو خارجها للتأثير على صانعي القرار والرأي العام في هذه الدول لتمرير احتياجات المملكة وفق ما يخدم مصالحها، ويُعزِّز المنافع المتبادلة مع هذه الدول، ومن أهمها:

  • توطين التقنية العسكرية.
  • التكنولوجيا الدفاعية المتطورة.
  • تقنيات الذكاء الاصطناعي والابتكار في المجالات العسكرية.
  • الفضاء والأقمار الصناعية.

وإذا كانت هنالك العديد من جهود البحث والتطوير منطلقة من حماس وإيمان بعض القيادات، كما أن التعاون بين المؤسسات البحثية الأكاديمية والقطاعات المدنية موجودة ولكن على استحياء وتحفُّ بعضها السرية بصفة عامة؛ لذا فهنالك بُعد ثقافي يجب أن نتجاوزه، وهو:

  • أن نفتخر بوجود أبحاث علمية عسكرية، ونبرزها في مناهجنا ومنتدياتنا دون أن نعرض تفاصيلها.
  • أن نُخصِّص ما لا يقل عن ١٠% من قيمة مشاريعنا العسكرية والأمنية لدعم البحث والتطوير الذي يصبُّ في تنمية المحتوى المحلي.
  • تشجيع المبدعين والمبتكرين من أفراد القوات العسكرية، وعقد ملتقى سنوي لإبرازهم وإبراز منتجاتهم، وتحويل المناسب منها إلى منتجات.
  • أيضًا، يمكن الاستفادة من الأسلوب المسمَّى PWI “المشاركة في التصنيع Partspate with Industry” كونه من أسرع وسائل نقل المعرفة، بحيث يشارك فنيون سعوديون في تصنيع وبناء المنظومات العسكرية في بلد الصُّنع.

ومن الممكن الاستفادة من ذوي الاختصاص العاملين في القطاعات العسكرية، ومنحهم من المزايا المادية والمعنوية ما يُمكِّنهم من العيش الرغيد حتى بعد تقاعدهم. فضلًا عن الاستفادة من العسكريين المُحالين للتقاعد والذين سبق لهم أن عملوا في مجال الصناعات العسكرية لتوفُّر الخبرات الثرية والطويلة في مجال البحث والتطوير في الصناعات العسكرية. مع ضرورة تقييم ما تمَّ خلال العقود الأربعة الماضية في مجال البحث والتطوير للقوات العسكرية، وإبراز الإيجابيات ومعالجة السلبيات.

ولا يمكن إغفال أن سر نجاح العمل في مجال البحث والتطوير والحصول على نتائج مميزة هو العمل المشترك الواضح المعالم والأهداف منذ البداية بين جميع الأطراف المعنية ابتداءً من المستفيد النهائي End-User، والذي هو مَن يُحدِّد المتطلبات الأولية ويقود عمل المراكز البحثية المتخصِّصة في عملية البحث والتطوير، والجهات المشرعة المعنية التي تُوجِد الأطر التشريعية والتنظيمية لأنشطة البحث والتطوير، وتكتمل الدائرة مع دعم الشركات المحلية التي تقودنا لصناعة المنتج النهائي بعد اختباره وتقييمه والتأكد من جاهزيته الميدانية. بجانب أن العمل يجب أن يكون كمنظومة واحدة، وروح الفريق الواحد المبني على التعاون والشفافية والتنسيق فيما بينهم. ويجب ألا نغفل الاهتمام بالركيزة الأساسية للنجاح، وهي التعليم.

وفي الإطار ذاته، يمكن التأكيد بصدد البحث والتطوير في المجال العسكري على ما يلي:

  • أهمية الاعتماد الذاتي قدر الإمكان صناعيًّا في شتى المجالات، والمملكة قادرة وتحتل مركزًا قياديًّا بين الدول الإسلامية والعربية، والقوة مهمة لمملكتنا العزيزة بما يتناسب مع حجمها ومكانتها، وبخاصة أننا في منطقة قلب بؤرة عدم الاستقرار عالميًّا، بؤرة الصراعات والتجاذبات الإقليمية والدولية.
  • إن جذب تقنيات غالبية الصناعة العسكرية، ليس بالأمر الصعب، مع وجود كثير من الدول المتقدِّمة تقنيًّا في هذا المجال.
  • إن من الأهمية لوجود أي صناعة، دراسة السوق المستهدَف للمبيعات، وتستطيع المملكة بناء التحالفات فيما تحتاجه الصناعة من تقنيات وبراءات وخبرات، وما تحتاجه من أموال وصناديق استثمارية؛ وفي الجانب الآخر بناء التحالفات التسويقية للمنتجات الصناعية.
  • أهمية تعزيز جانب الثقة بالشركات الوطنية، والمهارات والكفاءات السعودية.
  • أهمية تعزيز الشراكات الدولية لنكون مُصنِّعين مُنتِجين، لا مستهلكين فقط، وبالذات أن ميزانية المملكة والإنفاق على التسليح عالٍ.
  • أهمية الاستفادة من رواد الصناعة في المملكة – بشكل عام؛ وذلك لأن الصناعة تتطلب العديد من الخبرات التراكمية، في سبيل جلب التقنية والاتفاق مع أصحابها، ودراسة المحتوى المحلي، والتدريب والتسويق، وجميع ما تحتاجه الصناعة، بالإضافة إلى مشاركة العسكريين في خبراتهم.
  • أن تتحمل وزارة الدفاع تكاليف البحث والتطوير (R&D) عن الشركات التي تقوم بإنتاج النموذج الأولي prototype لمتطلبات القوات العسكرية من المنظومات والأسلحة الجديدة.
  • تطبيق عقود التكلفة بالإضافة إلى الرسوم (cost plus fee) على المتطلبات الحكومية التي تتطلب أبحاثًا وتطويرًا وابتكارًا وتقنياتٍ حديثةً لتشجيع الشركات على البحث والتطوير.
  • التخطيط الإستراتيجي للبحث والتطوير للقوات العسكرية يجب أن يكون مركزيًّا على المستوى القومي، وعملية مستمرة (مركزية التخطيط لا مركزية التنفيذ). وفي كلتا المرحلتين يجب التنسيق بين مختلف الجهات الحكومية في الدولة، وهذا لا يتعارض مع تطبيق أساليب التخطيط وآليات التنفيذ المختلفة والمتعارف عليها بما يناسب كل جهة حكومية مدنية أو عسكرية.

ويُلاحظ أن إيجاد البنية التحتية للتصنيع من المعارف والخبرات والمهارات والبنية التقنية ومراكز البحث والتطوير كمحتوى محلي هو الأهم، بغض النظر كانت للتصنيع العسكري أو المدني، فالتحوُّل من صناعة إلى أخرى أسهل من البدء من الصفر، والتصوُّر أن اليابان تحوَّلت إلى التصنيع التجاري بسهولة بعد الحرب العالمية الثانية؛ لأنه كان لديها بنية تحتية جيدة للصناعات العسكرية بدأت تُخطِّط لها منذ عام ١٨٦٠ بإرسال البعثات إلى أوروبا، وبعد الحرب العالمية الثانية وهزيمتها تحوَّلت بسهولة إلى الإنتاج المدني والتجاري؛ والعكس صحيح لو أرادت الآنَ التحول للتصنيع العسكري.

 

  • سادسًا – أسُس بناء إستراتيجية تطويرية عملية للقوات العسكرية في المملكة:

يعَدُّ من أهم أسُس بناء إستراتيجية تطويرية عملية للقوات العسكرية في المملكة الأسس التالية:

  • التكامل (integration):
  • تكامل الإستراتيجية الوطنية للبحث والتطوير مع الإستراتيجية العسكرية، والعكس.
  • تكامل التخصصات البحثية في كل مركز أبحاث (Overlapping).
  • تكامل بناء الإستراتيجية من خلال تكامل بناء وتطوير متطلباتها الرئيسة (التشريعات القانونية والتنظيمية، والإدارية، والمالية، والمادية).
  • التنوُّع والشمول.
  • عدم تركيز البحث على الأمور التقنية، وضرورة أن يشمل جميع ما يقبل التطوير؛ مثل التطوير الإداري، والتنظيمي… إلخ.
  • خضوع جميع القطاعات لدراسات البحث والتطوير حتى الخدمية منها، مثل: الخدمات الطبية، والإدارية، واللوجستية، والترفيهية، والمعنوية… إلخ.
  • السرية والأمن: فالبحوث في مجالات التسليح والعمليات لها خصوصيتها وحساسيتها؛ ولهذا يجب إنتاج سياج أمني وضوابط تُحقِّق الأمن، ومرنة كي لا تكون عائقًا للبحث.
  • التدرُّج: إيجاد هرمية (لأقسام، مراكز، وحدات… إلخ) البحث والتطوير، بحيث تكون على مستويات متدرِّجة من البسيط إلى المتوسط إلى المتقدم في جميع الهياكل التنظيمية الدفاعية والأمنية.
  • الربط.
  • رَبْط مخرجات البحث العلمي بقطاع الإنتاج.
  • ربط مخرجات البحث بمركز وطني مُوحَّد يُسهِّل وصول قطاع الإنتاج إليه بصلاحيات وتنظيمات منضبطة.
  • أهمية بناء علاقة قوية نظامية بين المستخدم النهائي (المُشغِّل) والباحث سواء كان من القطاع الخاص أو حتى من مراكز وأقسام البحث الحكومية بجميع مستوياتها، وتسهيل وصول أحدهما إلى الآخر بشكل سلس وسهل من خلال بناء نظام قوي يضمن للمُشغِّل حقَّه في نَقْل هواجسه وما يريد تطويره، ويضمن للمنتج والباحث نجاح أبحاثه وأفكار التطوير لديه من خلال قراءة أفكار وهموم المُشغِّل.
  • بناء مركز معلومات (لهواجس المستخدمين ورغباتهم التطويرية) في كُلِّ منظمة، تتكامل مع المنظمات الأخرى رأسيًّا وأفقيًّا من خلال تصميم استبانات للرأي على جميع المستويات؛ وذلك لدراسة وقراءة أفكار المعنيين (التغذية العكسية) (feed back)، ومن ثَمَّ تسهيل وصول الباحثين بجميع مستوياتهم إلى هذه المعلومات لمحاولة تركيز الأبحاث على الحاجات والضرورات.
  • بناء وتنمية الحاضنات البحثية وتكاملها.
  • بناء وزَرْع ثقافة البحث في المدارس والمعاهد العسكرية والأمنية، وإلزامها بحد أدنى لمخرجات البحث والتطوير؛ كإلزام الدارسين بمخرج واحد حسب مستوى الدورة ومستوى الدارس.
  • إدراج مناهج للبحث العلمي في جميع الدورات.
  • وضع ضوابط تحفيزية للباحثين والمتفوقين في مجالات البحث، مثل: (الترقيات، العلاوات، الأوسمة والأنواط، المكافآت المالية… إلخ)
  • التعاون مع الجامعات والكليات الوطنية لإنشاء كراسي بحثية في جميع المجالات (التقنية، الإدارية، التنظيمية… إلخ)؛ كأن تُموِّل وزارة الدفاع كرسيًّا بحثيًّا (إداريًّا) في كلية العلوم الإدارية في جامعة معينة، لتشجيع الأبحاث الإدارية والتنظيمية؛ أو (كرسيًّا آخر إعلاميًّا) في كلية الإعلام، لتشجيع الأبحاث في مجالات الإعلام العسكري والتوجيه المعنوي، وهكذا في بقية التخصصات، ووضع حد أدنى لمخرجاتها.

هـ. تشجيع وتسهيل ضوابط وإجراءات إنشاء المراكز البحثية الإستراتيجية غير الحكومية (NGOs)، وربط منتجاتها البحثية بالجهات الدفاعية والأمنية الحكومية المعنية؛ كإعفاء أصحاب تلك المراكز من الرسوم الحكومية، وتسهيل جلب الخبراء الأجانب بأقل ضوابط وأكثر إعفاءات من الرسوم، مثل رسوم الجوازات وغيرها من الرسوم الحكومية.

  • أن تكون البيئات البحثية بيئاتٍ مُحفِّزةً ومُشجِّعةً وغير محبطة وطاردة من خلال العديد من الإجراءات.

وثمةَ اعتباراتٌ مهمةٌ للبحث والتطوير للقوات العسكرية السعودية، يتمثَّل أهمها فيما يلي:

  • إستراتيجية الأمن الوطني، هي المرجعية التي تُعطَى التوجُّه العام لأمن وسياسية المملكة، والتي أُعِدَّت وتُحدَّث وفق مكانة المملكة عالميًّا، وإسلاميًّا وعربيًّا وإقليميًّا، وما يميزها موقعها الإستراتيجي (جغرافيًّا واقتصاديًّا). وهي تحتوي على أهداف تُحدِّد مسؤوليات أفرع الدولة لتحقيق والمحافظة على تلك الأهداف وديمومتها. وهي التي تنظر وتُنظِّم التوازن الأمني والسياسي داخليًّا وخارجيًّا وفق الأرقام والحقائق (مثل: التوازن والتنوع في السلاح من جهات مختلفة مقارنةً بخطورة الاعتماد على جهة مُحدَّدة).
  • الموارد البشرية. وهي العنصر الأهم في ذلك المفهوم، والذي يستغرق فترات زمنية طويلة وجهدًا وإنفاقًا لتأهيل الكوادر بمختلف تخصصاتهم (العسكرية والمدنية)؛ لدراسة الحاجة لملء ثغرات وقدرات تكشف قدرة المملكة أمام مُهدِّدات تتفوق عليها.
  • التعليم والتدريب والتأهيل في مجال البحث والتطوير، من خلال المراكز والمؤسسات البحثية الوطنية والخارجية، وبطبيعة الحال تستدعي التواصل الدائم. علمًا أن معظم الدول المتقدمة علميًّا وصناعيًّا، تلاحظ العزوف من الدراسين في المجالات العلمية والرياضيات وعلوم الحاسب في صفوف طلبتها وشبابها أمام دراسة الفنون والعلوم النظرية.
  • المواد الخام من حيث الوفرة والنقص، وقنوات الاتصال مع الجهات المعنية لتأمينها. لدى المملكة كمثال وفرة في مواد معدنية عدة، منها (الحديد، الألمونيوم، المطاط، وبتروكيميائية)، وينقصها بعض المواد الخام التي تدخل في جوانب مهمة في التصنيع العسكري للمعدات والأسلحة الثقيلة، مثل: (التيتانيوم، الذي يدخل في الأسلحة لخفة وزنه، وجودة مقاومته للحرارة والتآكل).
  • البنى التحتية للمراكز والمؤسسات البحثية المعنية مباشرةً أو غير مباشرة بالمجهود العسكري، من وضوح الرؤية والأهداف، والتنسيق والتعاون المستمر، وأنظمة اتصالات وتقنية وقواعد المعلومات الذكية والمؤمَّنة، وغيرها.
  • التعاون مع الدول المتقدمة في مجال البحث والتطوير، وهذا جانب مهمٌّ جدًّا للتغلُّب على تحديين (التكاليف المالية، وضمان المحافظة على نوافذ لرحاب علمية وتقنية تصل لدول معينة قبل أخرى)، لطالما يواجهان عملية البحث والتطوير (والذي غالبًا يستنزف جزءًا يزيد وينقص من الميزانية لنتائج على مستوى متوسط أو بعيد). وبسياسة المملكة الوسطية والتعامل الدبلوماسي مع معظم دول العالم وخاصةً المتقدِّمة علميًّا وصناعيًّا، سيجعل ذلك قابلًا للتحقيق، وتقليص درجة المخاطرة والاستثمار في المنتج بصرف النظر عن كينونته. وكان هناك تجارب مختلفة من القوات العسكرية في المملكة مع المملكة المتحدة، وجنوب أفريقيا، وكوريا الجنوبية، وإلى حد ما مع تركيا في مجالات عدة، منها: الحرب الإلكترونية، والتسليح، والاتصالات والإلكترونيات في المنظومات العسكرية المختلفة. بالإضافة لمشاريع تعاون وربما (Joint venture) مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لأنظمة رادارات، وأنظمة غير مأهولة، وبناء قدرات تشفير وتعريف إلكترونية.
  • وامتدادًا للفقرة السابقة، تتبدى أهمية منظومة بحث وتطوير عربي أو لا يقل عن منظومة بحثية خليجية لدول المجلس (وبإمكان المملكة والإمارات أن تكونا رائدتين بدايةً) لتعزيز هذا المجال وتقليص المخاطر المترتبة، وترشيد الإنفاق بفعالية أكثر، وخاصةً لتقارُب إستراتيجيات وأهداف الأمن الوطني وتجانس التهديد ضد دول المجلس؛ في التسليح، والذكاء الاصطناعي، وتوطين القدرات الدفاعية، وتأهيل الموارد البشرية، وبناء محطة إقليمية لإسناد بعض المنظومات العسكرية المتشابهة في دول المجلس للعَمرة، للتطوير، للصيانة طويلة الأمد، وخطوط إسناد ذكي متطورة لأي مجهود عسكري محتمل.
  • أن يكون مفهوم وتطبيق البحث والتطوير للحاجة وليس للترف، وأن يكون المستخدم النهائي لتلك القدرة والأنظمة الذكية المساعدة والمعدات والأسلحة، أو تطوير الأنظمة والإجراءات والهندسة الإدارية وغير ذلك تحت مبدأ (المستفيد محور الارتكاز Customer centric S&D Concept). بذلك تُضمن الاستفادة من كل مبالغ وتكاليف مالية تُنفق. تكبدت بعض الشركات في الولايات المتحدة من تجارب بحثية سابقة خسائر لفترة معينة بسبب الإخفاق في هذا المبدأ، ومنها خسارة شركة نورثروب سابقًا مشروع في وسط الثمانينيات لطائرة مقاتلة (F-20)، وأيضًا الحكومة الأمريكية في مشروع (Avenger12) لتعزيز قدرات البحرية. ولكن تلك الخسارات بالإضافة إلى الخبرات والتجارب التي كانت في مهام ميدانية منذ التدخل في بنما وحتى العمليات في التحالف الدولي في سوريا حاليًّا، ومرورًا بالحروب في الخليج والبلقان والحرب ضد الإرهاب بعد (١١/٩) وغيرها؛ أيقظت مفهوم البحث والتطوير في الولايات المتحدة في العتاد والأجهزة الذكية من أسلحة وتوجيه واتصالات، والعمل في حروب المدن وتقليص الأضرار الجانبية من خلال تبنِّي وتعزيز الأنظمة غير المأهولة (Unmanned Air Systems) بمختلف مشاربها، بل وحتى تطوير قدرات معارك في مجالات العمل العسكري (بر، بحر، جو، فضاء وسيبرانية)، ومنها ما تقوم بها هيئة التطوير لوزارة الدفاع الأمريكية (DARPA) لحروب جوية، لتنتصر فيها الأنظمة غير المأهولة؛ للسعي لتقليص الخسائر وتحقيق الأهداف الوطنية والدفاعية بالذكاء الاصطناعي.

 “DARPA’s LongShot program، which is developing an air-launched unmanned air vehicle (UAV) with the ability to employ multiple air-to-air weapons، has awarded contracts to General Atomics، Lockheed Martin، and Northrop Grumman for preliminary Phase I design work. The objective is to develop a novel UAV that can significantly extend engagement ranges، increase mission effectiveness، and reduce the risk to manned aircraft””

 

  • أن يكون هناك أولويات لغرض البحث والتطوير، تُشكِّلها عدة عوامل رئيسة، منها إستراتيجية الأمن الوطني، وكما ذكر سابقًا الرؤية الوطنية (2030) وما تحمله من طموح لتوطين التقنية الدفاعية والأمنية للمملكة، والتي تمخض منها إعادة تنظيم الكثير من مرافق الدولة من وزارات وهيئات تبني وتعد الاحتياجات الدفاعية والأمنية للحاضر والمستقبل، ومن ذلك هيئة الصناعات العسكرية (GAMI) التي تعَدُّ الجهة الحكومية المسؤولة عن تنظيم الصناعات العسكرية وجميع ما يترتب على ذلك من تنظيم الصناعة، والاستحواذ والقيام والاستمرار في عملية البحث والتطوير، لرفع الفعالية وكفاءة التصنيع وبتوطين لا يقل عن ٥٠٪ من إجمالي الإنفاق، وبتلك الصفة النظامية هي مسؤولة عن تنظيم وتمكين وترخيص الصناعات العسكرية وما يتعلق بذلك من اللوائح والأدلة والأنظمة التي من شأنها بناء قطاع صناعات عسكرية محلي ومستدام، ينتج عنه منافع اجتماعية واقتصادية كبرى، ويسهم في تعزيز استقلالية المملكة وجاهزيتها العسكرية وأمنها الوطني. وتؤمن الهيئة في سعيها نحو تحقيق هذا الهدف بدور الشركاء الحيوي والمهم من القطاعين العام والخاص، وتتخذ من الدعم والتمكين لكافة فئات الشركاء منهجًا إستراتيجيًّا لها، بما يضمن تحقيق الغاية النهائية من العمل في هذا القطاع الحيوي والواعد. (موقع الهيئة بتصرف). مما يعني أنها محور الارتكاز لتكون حلقة الوصل بين أصحاب المصالح والمستخدمين النهائيين للصناعة العسكرية (الوزارات المعنية بالتصنيع العسكري كمستخدمين نهائيين، القطاع الخاص والدور المحوري فنيًّا ولوجستيًّا، والمؤسسات البحثية والجامعات والمعاهد في مختلف المملكة وربما خارجها). علمًا أن القوات المسلحة كانت وما زالت لها باعٌ في البحث والتطوير وفق مستجدات وفراغ في قدرات معينة، مثل إنشاء مركز الأمير سلطان لأبحاث التقنيات المتقدمة، وتمَّ بالتعاون مع جامعة الملك سعود، غير أن الفراغ التنظيمي تمَّ رَأْبُه بإنشاء الهيئة التي هي الآن تعتبر المرجعية النهائية للأولويات أمام صاحب القرار. وحتى لا يُفهم أن الأولويات معنية بالإنفاق على البحوث فقط، فإن تحديد الحاجة بسبب ثغرة دفاعية أو أمنية قائمة أو تحقيق إنجاز يختصر الجهود والإنفاق والدقة في الإنجاز، ولعل الوضع القائم في المنطقة والعالم يشرح تلك الاحتياجات، ومنها (الدقة في تأثير العمل العسكري المطلوب؛ من أجهزة كشف، وأجهزة التوجيه، والأسلحة ذات الدقة العالية، والعربات والمدرعات والأنظمة المساندة، وقدرات القتال عن بُعد، والقدرات في التشفير الوطني والمرونة في خيارات العمل مع التحالفات).

والمؤكَّد أن عملية البحث والتطوير جانبٌ مهم لمعظم الدول المتقدمة وليس بالضرورة الغرب فقط؛ فهناك سنغافورة وإندونيسيا وبعض دول شرق أوروبا؛ إدراكًا لضمان الاستدامة في جاهزية الأداة الثالثة. وأن ذلك استمرار لأمن ونماء وازدهار كل بلد، وفي المملكة سيكون له التأثير في وضعها في مصافِّ دول العالم المتقدم تنمويًّا في الداخل، وعسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، والمساهمة في التغلُّب على التحديات الوطنية.

ومن ناحية أخرى، فإن من المهم الالتفات إلى جانب آخر للبحث والتطوير في المجال العسكري، وهو ما يرتبط بالفضاء السيبراني الذي يعتبر اليوم بُعدًا خامسًا في العقيدة العسكرية لدى الكثير من الدول المتقدمة، ويحتوي على مجالين مهمين، وهما:

  • تقنيات الحرب الإلكترونية.
  • العمليات أو الحرب السيبرانية.

ولا يمكن تجاهل تأثير ‫الحرب الإلكترونية على الحرب السيبرانية، بل هناك تكامل بينهما مرتبط بحقيقة الطيف الكهرومغناطيسي (EM Spectrum)، وكلٌّ منهما جزءٌ لا يتجزأ من الفضاء السيبراني ((Cyber Space. وقد آن الأوان لتطور قدراتنا وتحقيق التكامل بينهما من خلال تطوير تلك التقنيات محليًّا، وهو السبيل الوحيد لضمان توفير الحماية الكافية لمنظومات التسليح المتطورة، والاعتماد على البرمجيات المدمجة والمتطورة محليًّا في هذين المجالين. والتركيز على أحدهما يفقدنا السيطرة والحماية الكاملة من الهجمات الإلكترونية المستمرة. البعض ما زال يسعى إلى نقل تلك التقنيات، وفي الحقيقة مهما حاولنا نقل تلك التقنيات لن ننجح في ذلك؛ نظرًا لحساسيتها، ومعظم الدول ترفض نقلها للغير، وتعتبر ذلك من الأمور التي لا يمكن المساس بها. الحل الدائم هو تطويرها محليًّا، والذي يحتاج تكامل عدة جهات، ومنها:

  • ‏المستخدم النهائي.
  • ‏الجهة المشرِّعة (الهيئات المعنية).
  • ‏الجامعات والكليات ومراكز R&D المتخصصة.
  • ‏الشركات المحلية.

‏ وهذا يتوافق تمامًا مع رؤية المملكة ٢٠٣٠ في مجال الصناعات العسكرية، وكان واضحًا من خلال إنشاء الهيئة السعودية للصناعات العسكرية والهيئة العامة للأمن السيبراني، والشركة السعودية للصناعات العسكرية. وبكل تأكيد، التعاون مع الشركات المحلية التي تعمل في تلك المجالات.

كذلك فإن منهجية التخطيط لوضع إستراتيجية للبحث والتطوير للقوات العسكرية وللدولة بصفة عامة يبدأ على المستوى الوطني أو القومي كنقطة انطلاق، وهي السياسة الدفاعية للدولة التي تشمل حماية أمنها القومي وكينونتها ومواطنيها ومواردها واستمراريتها وتطورها، والمفترض أن تُبنى على الإستراتيجية الأمنية الوطنية والإستراتيجية العسكرية المشتركة، وعلى التهديد الحالي والمحتمل؛ وهذا يقود إلى بناء وتكوين القوة العسكرية اللازمة من المنظومات والأفراد لمواجهة التهديد والأخطار  وخُطط الحرب، ثم التدرُّج إلى المستوى الإستراتيجي في التخطيط  والعملياتي والتنفيذي أو التكتيكي، بالنظر إلى أن التخطيط هو وظيفة قيادية ومركزية تبدأ من القائد إلى المُنفِّذ، ولكنها لا مركزية في التنفيذ، وهذا ما يُطلَق عليه مركزية التخطيط لا مركزية التنفيذ، والأهم أن تتوافق جميع الإستراتيجيات والخُطط لجميع الجهات في رؤيتها، وتصبُّ في تحقيق إستراتيجية التطوير والأمن القومي.

ولعل من الحنكة والدهاء أن تستغل المملكة ثقلها الاقتصادي والمشاركة الاقتصادية بينها وبين أيٍّ من دول العالم المتقدمة في المجال العسكري، وأن تحرص على استخدام أي ورقة رابحة نملكها؛ لنساوم بها لتطوير الأسلحة والأبحاث في المجال العسكري بالتعاون مع تلك الدول المُزمَع إقامة عقود وصفقات ومشاريع استثمارية مشتركة معها، لانتشال اقتصادها المتضرر بعد كورونا؛ لنقل المعرفة وتوطينها من خلال الآتي:

  • إنشاء مركز مشترك للدراسات والأبحاث العسكرية، يعمل على تطوير المجال العسكري وجميع قطاعاته بين الدول، وتوفير الحلول العسكرية والتقنيات العسكرية.
  • اشتراط تلك الاستثمارات باستقطاب محاضرين أكاديميين من جامعات دولية عريقة في المجال العسكري، ومحللين من مراكز أبحاث ودراسات إستراتيجية مرموقة في تلك الدول من مشارب واتجاهات مختلفة؛ تُعنَى بتأهيل وإعداد القيادات العسكرية والمدنية على المستوى الإستراتيجي في مجال الأمن والدفاع، وصقل قدرات منسوبيها وإطْلاعهم على مستجدات القضايا الإقليمية والدولية.
  • تطعيم الدورات العسكرية ببعض السياسيين المرتبطين بالعمل العسكري، واستضافة نُخبة من أصحاب وصُنَّاع القرار من السياسيين والاقتصاديين والقادة العسكريين والأكاديميين الذين يمتلكون خبرةً علمية وعملية، ويتمتعون بسمعة رفيعة في تلك الدول، وبلا شك ستكون آثارها على المدى البعيد لها دور فاعل في تشكيل الشخصيات القيادية العسكرية لدينا.
  • سابعًا – التوصيات:

  • المشاركون:
  • الورقة الرئيسة والمُعقِّبون: م. فاضل القرني، د. عبد الإله الصالح، د. عبد الرحمن الحارثي (ضيف الملتقى)([8])، اللواء يحي بن زاحم (ضيف الملتقى)([9]).
  • إدارة الحوار: د. محمد الثقفي.
  • المشاركون في الحوار والمناقشة:
  • د. صالحة آل شويل
  • د. خالد الرديعان
  • أ. فائزة العجروش
  • د. عبد العزيز الحرقان
  • د. عبد الرحمن العريني
  • د. حمد البريثن
  • أ. محمد الدندني
  • د. علي الطخيس
  • د. صدقة فاضل
  • د. سلطان المورقي
  • م. إبراهيم ناظر
  • د. عاصم العيسى
  • د. نجلاء الحقيل
  • أ. جمال ملائكة
  • د. حميد الشايجي
  • د. هند الخليفة
  • د. خالد بن دهيش

 


القضية الثالثة

فرص الابتكار الإعلامي

(21/3/2021م)

 

  • أولًا: الملخص التنفيذي.
  • ثانيًا: مدخل تمهيدي.
  • ثالثًا: دلالة ومضمون مفهومي الإبداع والابتكار الإعلامي.
  • رابعًا: العوامل المؤثِّرة على الابتكار الإعلامي.
  • خامسًا: نماذج من فرص الابتكار الإعلامي.
  • سادسًا: وسائل وطُرق تسريع الابتكار في المؤسسات الإعلامية.
  • المشاركون.

  

  • أولًا – الملخص التنفيذي:

تناول التقرير فرص الابتكار الإعلامي، وقد تمَّ الإشارة في هذا الصدد إلى أنه ومنذ انتشار شبكة الإنترنت في التسعينيات، متبوعة بالتطورات الأخيرة في وسائل الإعلام المحمولة؛ حدث تغييرٌ كبيرٌ في سرعة صناعة ونَقْل الخبر ثم تداوله بين الناس. من الصعب اليوم أن نتخيل حدثًا – أيًّا كان نوعه،  عامًّا أو خاصًّا – لم يتم توثيقه وبثُّه عبر الإنترنت ووسائطه المحمولة، بالإضافة إلى الصحافة والسينما وأشكال الترفيه الأخرى، إذ يتم استخدام الابتكارات الإعلامية على نطاق واسع الآنَ للتواصل بين الأفراد والجماعات، وأيضًا في مجال التربية والتعليم والعمل. كما أصبح الابتكار أكثر أهميةً عندما بدأ شاغلو الوظائف الجُدد من أصحاب البرامج الإلكترونية في جني أرباح كبيرة على حساب مجموعات وسائل الإعلام القديمة. والابتكار في أحد معانيه يعني التغيير، في المنتجات والخدمات الإعلامية، ويشمل ذلك: التغيير في عمليات إنتاج وتوزيع وسائل الإعلام، والتغيير في ملكية وتمويل وسائل الإعلام، والتغيير في أدوار المستخدمين، وكذلك التغيير في أفكارنا عن وسائل الإعلام.

ويتعلق الابتكار الإعلامي بالقدرة على الاستجابة للمتغيرات في المنتجات والعمليات والخدمات باستخدام المهارات الإبداعية التي تسمح بتحديد المشكلة، ومعالجتها من خلال حلٍّ ينتج عنه إدخال شيء جديد يضيف قيمةً للعملاء وللمنظمة الإعلامية.

وتطرَّق التقرير إلى العوامل المؤثرة على الابتكار الإعلامي، والتي تتضمن: التكنولوجيا، وفرص السوق وسلوك المستخدم، وسلوك المنافسين، والتنظيمات والتشريعات، ومعايير الصناعة، وإستراتيجية المنظمة، والقيادة والرؤية، والهيكل التنظيمي، والقدرات والموارد، والثقافة والإبداع.

وفيما يتعلق بفُرص الابتكار في المؤسسات الإعلامية، تمت الإشارة لنموذج فريد في تحويل صحيفة واشنطن بوست الأمريكية The Washington Post  التي كانت على وشك الإفلاس إلى مؤسسة إعلامية ناجحة ماليًّا وصحفيًّا.

وفي سياق متصل، تمَّ تحديد مجموعة من وسائل تسريع الابتكار في المؤسسات الإعلامية لا سيما من ناحية الابتكار في تصميم الخدمات والمنتجات الإعلامية بمنهجية التفكير التصميمي، والتي تنطلق من حاجة الجمهور الفعلية، وهي التي تبدأ بالتعاطف ثم الفهم العميق للمشكلة، ثم توليد الحلول ثم تنفيذها ثم تجريبها. وكذلك ضرورة أن تقوم كليات وأقسام الإعلام في الجامعات السعودية بمراجعة مناهجها والتي أُقِرَّت منذ زمن طويل في وقت الإعلام التقليدي، والتي تُخرِّج مجموعات من الطلاب والطالبات بنفس الأدوات التقليدية. كما يعَدُّ من المهم للغاية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في الإعلام والصحافة، لأثرها على زيادة الإنتاج الإعلامي وبدقة عالية وبتكلفة أقل؛ مما يوفِّر الوقتَ والجهدَ.

أيضًا، فمن أبرز التوصيات التي تمَّ الانتهاء إليها: ضرورة تأسيس معامل للابتكار الإعلامي، والتي تتيح استقراء المستقبل وحل المشكلات والتجريب لكل الأفكار والحلول، وتشجيع البحوث الإعلامية في مجال الإبداع والابتكار ودعمها من المؤسسات الإعلامية، وبناء إستراتيجية وطنية للتميُّز والإبداع في المجال الإعلامي، وإعادة تأهيل هيئة الإعلام المرئي والمسموع وتعديل تنظيمها وإدارتها من قِبل المهنيين المتخصصين، ومراجعة وتعديل الأنظمة التي تُنظِّم الإعلام وتُدمَج في نظام إعلامي واحد.

  • ثانيًا – مدخل تمهيدي:

منذ انتشار شبكة الإنترنت في التسعينيات، متبوعة بالتطورات الأخيرة في وسائل الإعلام المحمولة؛ أدى إلى تغييرٍ كبيرٍ في سرعة صناعة ونقل الخبر ثم تداوله بين الناس. من الصعب اليوم أن نتخيل حدثا – أيًّا كان نوعه، عامًّا أو خاصًّا – لم يتم توثيقه وبثُّه عبر الإنترنت ووسائطه المحمولة، بالإضافة إلى الصحافة والسينما وأشكال الترفيه الأخرى، إذ يتم استخدام الابتكارات الإعلامية على نطاق واسع الآن للتواصل بين الأفراد والجماعات، وأيضًا في مجال التربية والتعليم والعمل (Ní Bhroin and Milan 2020). كما أصبح الابتكار أكثر أهميةً عندما بدأ شاغلو الوظائف الجُدد من أصحاب البرامج الإلكترونية في جني أرباح كبيرة على حساب مجموعات وسائل الإعلام القديمة (Nunes and Canavilhas 2020).

الابتكار في أحد معانيه يعني التغيير في المنتجات والخدمات الإعلامية، ويشمل ذلك: التغيير في عمليات إنتاج وتوزيع وسائل الإعلام، والتغيير في ملكية وتمويل وسائل الإعلام، والتغيير في أدوار المستخدمين، والتغيير في أفكارنا عن وسائل الإعلام (Storsul and Krumsvik 2013).

واليوم، فإن مزيج المعلومات الإخبارية والترفيهية والتعليمية والطبية وغيرها على الإنترنت إلى جانب سهولة الوصول إلى نَشْر المعلومات عبر مواقع التواصل المختلفة، قد أثَّر على الصحافة الورقية، والتي كانت على مدى عقود متربعةً على عرش الإعلام المقروء. إضافة إلى أن مواقع التواصل أصبحت ذات مسميات متعددة، يُطلَق عليها الإعلام الجديد أو الإعلام الفوري أو الإعلام البديل أو إعلام المواطن (المالك، 2020).

الخاصية المشتركة هي السرعة الفائقة في نقل الخبر الآني، والصورة الحية، والمتابعة المستمرة لكل ما يجري في العالم مباشرة، مدعومًا بالصوت، والنقل الحي من موقع الحدث. ما يعني أن وسائل الإعلام الجديد تقوم بما تقوم به وسائل الإعلام التقليدية مجتمعةً؛ من إذاعة وتلفزة وصحافة ورقية.

هذا الواقع أفرز تحديًا كبيرًا جدًّا، فخلال السنوات القليلة القادمة سيكون لدينا جيلٌ كاملٌ نشأ على استخدام الأجهزة الذكية، وأتقن استخدام الإنترنت والمنصات المرتبطة بها، وعاش على الثقافة الرقمية وأصبحت جزءًا مهمًّا من حياته، ولا يحمل أيَّ ولاء تاريخي أو عاطفي للصحفية الورقية ولا للتلفاز (نصر، 2019).

هذا النمط الجديد من الجمهور يتطلب قدرةً فائقةً من المؤسسات الإعلامية في الإبداع والابتكار؛ ليواكب التطلعات الاقتصادية لأصحابها، وأيضًا يضمن مواكبتها للنمو السريع لوسائل التقنية المختلفة. جوانب الابتكار الإعلامي المنشودة تشمل أيضًا الإعلاميين المحترفين، إذ يتطلب منهم إتقان مهارات جديدة سواء في جمع المعلومات والأخبار أو في تحرير وكتابة وتقديم المحتوى الإعلامي كي يتوافق عملهم مع طبيعة وسمات المستخدمين الجُدد.

وقد ركَّزت الكثير من البحوث الإعلامية على التغيير بتغيير الوسائط الإعلامية، والتي تعني الإعلام الجديد والأنواع الجديدة والطرق الجديدة لاستخدام الإعلام، أيضًا البحث في التطوُّرات الإعلامية الجديدة وسياقاتها السياسية والثقافية والاقتصادية، والأشكال الجديدة لمشاركة المستخدمين؛ هي أيضًا قضايا مهمة في البحث الإعلامي. ومع ذلك، فإن هذا القلق من وسائل الإعلام الجديدة لم يتم إلى حد كبير على أساس اعتبارات نظرية واضحة حول الإبداع والابتكار.

  • ثالثًا – دلالة ومضمون مفهومي الإبداع والابتكار الإعلامي:

هناك خلطٌ كبير بين مصطلحي الإبداع Creativity والابتكار Innovation، وكثير من الأدبيات لا تُفرِّق بينهما في التعريف؛ لذلك من المهم استعراض المفهومين وتوضيح الفرق بينهما.

(أ) الإبداع:

يؤكد (2010 ,Pappalepore) أن الإبداع مفهوم حديث نسبيًّا، يعود ظهوره إلى قرن سابقٍ من الزمان. وفي محاولة للتعرُّف إليه، يؤكد (2011 ,Pratt) أن مصطلح (الإبداع) هو واحدٌ من أكثر المصطلحات تعقيدًا في اللغة الإنجليزية؛ لذلك لا يوجد تعريف واحد متعارف عليه عالميًّا، حيث ذكر (Stenberg, 1999) أكثر من ٦٠ تعريفًا للإبداع. وعليه، فإنه من المفيد سرد عددٍ من التعريفات، يتناول كل واحدٍ منها زاويةً مختلِفة، وبالرغم من هذا الاختلاف إلا أن هذه التعريفات يجمعها عنصرٌ مشترك، ألا وهو (الإتيان بشيء جديد).

من هذه التعريفات ما ركَّز عليه (,1996Csikszentmihalyi) من أنَّ الإبداع هو عامل للتغيير أو التحوُّل، إنّه “كلُّ فعل أو فكرة أو منتج يُغيِّر مجالًا موجودًا مُسبقًا، أو يقوم بتحويل ما هو موجود مسبقًا لشيءٍ جديد”.

ويُعدُّ تعريف (Rhodes 1961) أحد أفضل تعريفات الإبداع وأشهرها، فقد ذكر أن الإبداع مُركَّب يتألف من أربعة عناصر مميَّزة، وهي: Person, Process, Product and Press، وبالعربية كالآتي: الشخص، العمليّة، المنتَج، والبيئة؛ حيث إنَّ الشخص يقوم بعملية التعرُّف وإيجاد خصائص الشخص المبدع، أما العمليَّة فتشمل مكونات الإبداع، والمنتج هو الحصيلة النهائية للعمليَّة الإبداعيَّة، والبيئة هي المكان المُحفِّز للإبداع بالاستكشاف والتجريب، وتكوين روابط جديدة تسهم في حلِّ المشكلات.

والإبداع الفني ينطوي على “الخيال والقدرة على توليد أفكار أصلية وطرق جديدة لتفسير العالم، يتم التعبير عنها في النصِّ والصوت والصورة. بينما الإبداع العلمي ينطوي على الفضول والاستعداد للتجربة وإجراء اتصالات جديدة في حلِّ المشكلات. أما الإبداع الاقتصادي فيشير إلى عملية ديناميكية تؤدي إلى الابتكار في التكنولوجيا وممارسات الأعمال والتسويق وما إلى ذلك، وترتبط ارتباطًا وثيقًا باكتساب مزايا تنافسية”.

والإبداع ومكوناته (الطلاقة والمرونة والأصالة والتفاصيل) مثل كل القدرات العقلية، ومع أن الوراثة تلعب دوراً فيها، إلا أنه يمكن التدريب عليه وتطويره والمحافظة عليه من الصغر، وعادة ما يبدأ ذلك في الروضة من حيث مؤسسات التعليم، فالطفل أكثر ما يكون أصالةً ومرونةً قبل سنِّ المدرسة، ثم يبدأ بالمدرسة والتزاماتها وقواعدها التي تُجرِّده قليلًا من إبداعه إنْ لم يتم تدريب ذلك الإبداع وقدراته في المدرسة.

 

  • (ب) الابتكار:

التحدي الذي واجهنا في تعريف الإبداع هو نفسه في توضيح مفهوم الابتكار، حيث تنوُّع التعريفات أدى بشكل عام إلى واقع بأنه لا يوجد تعريف واضح وموثوق للابتكار ( 1988 , Amabile)، والسبب أن كثيرًا من التعريفات للابتكار تتطابق بشكل كبير مع مفهوم الإبداع المشار إليه، وتختلف من تخصص إلى آخر؛ ولذلك التعريف الذي يسهل الفهم للابتكار بكافة أشكاله ما عرَّفه (Amabile 1988) بأنه “التنفيذ الناجح للأفكار الإبداعية داخل المنظمة”. بمعنى أن نقل الفكرة الإبداعية من الورق إلى السوق هو جوهر الفرق بين الإبداع والابتكار. يمكن أيضًا أن يُفهَم الابتكار بأنه الاعتماد على التقنيات الحالية والمنتجات الجاهزة، ونَقْل المعرفة الموجودة بحيث تُنفَّذ في سياقات جديدة. كذلك يؤكِّد ( 2016 , Burkus) هذا الفهم للابتكار بأنه “تطبيق الأفكار الجديدة والمفيدة”. كما حدَّدت الباحثة بوبعة عبد الوهاب بأن معادلة الابتكار هي وفق التالي: الإبداع + التطبيق= الابتكار (عبد الوهاب، 2012).

ويميل البعض إلى جَعْل الإبداع مرتبطًا بجوانب العلوم والممارسات الإنسانية، والابتكار مرتبطًا بالعلوم التطبيقية (المخترعات). فالشِّعر إبداع، أما الميكروفون الذي يُلقَى به الشعر فابتكار. وبناءً على ذلك؛ فإن تطوير الأفكار الإعلامية هو إبداع، لكن تنفيذها يتطلب وسائل مبتكرة. وأيًّا كان التعريف المنتخب، فإن إعلامنا بحاجة حقًّا إلى: إبداع وابتكار واختراع واكتشاف، وكل المرادفات كي يواكب المرحلة الجديدة التي تعيشها بلادُنا، وكي يتصدى للتحديات الجديدة أيضًا التي تستهدف النيلَ من بلادنا وإيقاف انطلاقتها نحو الرؤية المستقبلية.

في حين يجد آخرون أن الإبداع CREATIVITY مرتبطٌ دومًا بالتخصصات الإنسانية والفنية والأدبية، ولا تكاد تُطلق كلمة INNOVATION الابتكار في الأدبيات الخاصة بتلك المجالات. أما كلمة INNOVATION فهي دائمًا تُطلق في الاقتصاد وفي علوم الحاسب وفي ريادة الأعمال والإدارة، ولا تُستخدَم كلمة   CREATIVITY، وتعني العمليات التحسينية والأفكار الجديدة، هذا التفريق سيساهم كثيرًا في الوعي أكثر بأن الإبداع ينطوي على الحصول على أفكار خلَّاقة في المحتوى، والابتكار في التقنيات والأدوات التي تنقل المحتوى.

(ج) الابتكار الإعلامي:

في ضوء التعريفات السابقة للإبداع والابتكار، يمكن تعريف الابتكار الإعلامي بأنه: “القدرة على الاستجابة للمتغيرات في المنتجات والعمليات والخدمات باستخدام المهارات الإبداعية التي تسمح بتحديد المشكلة، وحلها من خلال إدخال شيء جديد يضيف قيمةً للعملاء وللمنظمة الإعلامية”(García-Avilés et al. 2018, 27).

وثمةَ آراءٌ تذهب إلى أن الابتكار وحده لا يكفي، ولكن لا بد من الإبداع فيه، فلو نظرنا إلى الكمِّ الهائل من التطبيقات الإلكترونية الاتصالية أو تطبيقات التواصل الاجتماعي، لوجدنا أن هناك آلافًا منها في كل يوم جديد، كلها ابتكارات جديدة على الساحة، ولكن التطبيقات (الإبداعية) قليلة جدًّا، ويمكن أن تُعَدَّ على أصابع اليد الواحدة، مثل: (الفيسبوك، تويتر، سناب شات، إنستغرام، تك توك). لذا، فإنه لا يكفي هنا الابتكار لوحدة للنجاح والتميُّز في أي مجال من المجالات، إنما لا بد من الإبداع في ذلك الابتكار. وعليه، يكون الإبداع مرحلةً متقدمة من الابتكار ومتلازمة لنجاحه ووجوده.

كما أن المراقب لوضع وسائل الإعلام في مختلف دول العالم يجد أن هناك طوفانًا تقنيًّا واتصاليًّا جارفًا غيَّر المعادلة الإعلامية، وقلَب المفاهيم السائدة للإعلام التقليدي، وتسيَّد حارس البوابة العتيد للمشهد، فقد أصبح المتلقي مُرسِلًا، وصاحب قرار نافذ فيما يُنشَر في معظم وسائل الإعلام في أوقات كثيرة. ولذلك، نرى أن الكثير من القضايا الإعلامية المهمة التي فسحت لها وسائل الإعلام أبوابها، كان مصدرها ذلك المواطن الذي يحمل في يده جوالات ذكية ويبثُّ من خلالها ما يريد، سواء كانت صورة التقطها وأرسلها، أو تغريدة كتبها، أو قصة ألَّفها ونشَرها في أيٍّ من المنصات الاجتماعية المشهورة، مثل فيسبوك وتويتر وسناب شات وتك توك وإنستغرام أو من خلال التطبيقات الأخرى الذي تتكاثر بين اليوم والليلة أو المواقع الإلكترونية.

هذا المشهد التقني الاتصالي الجديد أصبح يُشكِّل تحديًا قويًّا للمؤسسات الإعلامية العريقة في مختلف دول العالم، دون استثناء، وأصبح كابوسًا مخيفًا أخرج الكثيرَ منها من الساحة الإعلامية؛ نتيجة لابتعاد الناس عنها، وهجرة الإعلان بالطبع إلى المنصات الرقمية المتعددة التي تحاصر الفرد من كل اتجاه، وترك تلك الوسائل تندب حظَّها وتولول بين الليل والنهار نادمةً على عدم التأقلم مع متطلبات المرحلة الراهنة، والتي تتطلب الاستعداد المُسبَق ووضع الإستراتيجيات اللازمة للمنافسة والثبات، من خلال الابتكار والإبداع في مختلف المجالات الإعلامية تحريرًا وإعدادًا وإخراجًا ونَشْرًا.

 

  • رابعًا – العوامل المؤثِّرة على الابتكار الإعلامي:

تشير دراسة ما هو الابتكار الإعلامي لـ (Storsul and Krumsvik 2013) إلى أن ثمة عوامل عديدة تؤثر على الابتكار الإعلامي، وتشمل: التكنولوجيا، وفرص السوق وسلوك المستخدم، وسلوك المنافسين، والتنظيمات والتشريعات، ومعايير الصناعة، وإستراتيجية المنظمة، والقيادة والرؤية، والهيكل التنظيمي، والقدرات والموارد، والثقافة والإبداع.

وسيتم توضيح علاقة هذه العناصر مع الابتكار الإعلامي وفق التالي:

  • التكنولوجيا: فالابتكار يرتبط بالتكنولوجيا ارتباطًا لا ينفصم. تشير ( 2013 ,Küng) إلى أن الابتكار هو مُحرِّك التقدُّم التكنولوجي، وتلفت الانتباه إلى ضرورة ابتكار المؤسسات الإعلامية من أجل الاستجابة للتقدم التكنولوجي. على سبيل المثال، الابتكار الذي قامت به شركة Apple، بابتكار الآيبود iPod ورافقه إنشاء منصة الآي تيونز  iTunesوكانت أول من بادر تجاريًّا للتنزيل الرقمي للموسيقى (Storsul and Krumsvik 2013).
  • فرص السوق وسلوك المستخدم: الفهم العميق لفُرص السوق وسلوك المستخدم الذي يتيحه التقدُّم التكنولوجي، وهو ما تمت مقاومته وتجاهله من وسائل الإعلام التقليدية؛ مما أدى إلى ابتكارات عديدة من قِبل مستثمرين خارج سوق الإعلام. على سبيل المثال، الذكاء الاصطناعي الذي تستخدمه شركة نتفليكس Netflix – والذي يُوفِّر لها مئات الملايين من البيانات عن المستهلكين وسلوكهم واهتماماتهم في مشاهدة الأفلام – ساهم في الاستحواذ  على شريحة واسعة من سوق الترفيه والأفلام.

وتجدر الإشارة إلى أن الذكاء الاصطناعي یعمل على دعم الصحافة ووسائل الإعلام بشكل عام، فهو یساعد على توسیع التغطية، مما یُوفِّر الوقت والجھد. وأيضًا القدرة الفائقة على التفاعل الفوري مع البیانات وربطھا بمجالات المادة الإعلامية بشكل لحظي! ومن الأمثلة على ذلك:

  • تمكنت وكالة أسوشیتید برس من زیادة تغطیة التقاریر الفصلیة لأرباح الشركات إلى 4400 قصة بعدما كانت 300 فقط؛ أي بزیادة بلغت 15 مرة.
  • تستعین “واشنطن بوست” بروبوت مُراسِل یُدعى “ھلیوغراف بوت، استطاع إنتاج 800 تقریر صحفي حول الألعاب الأولمبية الصیفیة وانتخابات الرئاسة الأمريكیة عام 2016.
  • كما أن مجلة “فوربس” أوجدت نظامَ إدارة محتوى یرتكز على الذكاء الاصطناعي اسمه “بیرتي” یُوفِّر موضوعات للتغطیة وتوصیات لجَعْل العناوین تبدو جذَّابة، واقتراح صور ذات صلة.
  • صحیفة “ذا جاردیان” أوجدت كاتب مقالات كتبھا “ریبورتر میت”، روبوت یعمل على تحویل البیانات إلى تقاریر نصیة جاھزة على هيئة مقالات.
  • أيضا ثلث المحتوى الذي نشرته “بلومبرغ” یتم عبر أنظمة آلیة دون الحاجة إلى العنصر البشري.

من جانب آخر، ومن أبرز الجوانب الرائعة والإمكانيات المميزة لأدوات الذكاء الاصطناعي هو قدرتها على تصفیة الشائعات والأخبار الوھمیة والزائفة، حیث یقوم بمقارنة الأخبار التي يستحضرها من مصادر عدة بنمط الأخبار الوھمیة، وفي حال وجود تطابق یتم وضعها تحت بند الشائعات. وأيضًا القدرة على توليد المواد اعتمادًا على الذكاء الاصطناعي، الذي سیُشكِّل نقلةً نوعیةً للصحافة والإعلام عمومًا. فضلًا عن الإمكانيات المتاحة لتجميع المعلومات من مصادر عدة – وبالخوارزمیات المعقدة نسبيًا – وبشكل سريع جدًّا؛ مما يجعل تحليل المواد والمحتوى الإعلامي متاحًا، وفهم طبيعتها سهلًا أيضًا.

لكن وعلى الجانب الآخر، ثمة تخوفات من أن تعمل برامج وتطبيقات الذكاء الصناعي على قتل الإبداع وجَعْل المؤسسات الإعلامية وإدارات العلاقات العامة والتسويق تعتمد عليها، وتستبعد الكثير من الكفاءات البشرية التي يُفترض أن تتعامل مع المواد بروح إبداعية خلَّاقة.

ويجب في هذا الإطار كذلك التركيز بشكل أهم على تفهُّم سلوك الفئات المستهدفة – فهم الأساس في العملية التواصلية- وذلك بمعرفة فئاتهم واهتماماتهم ورغباتهم واحتياجاتهم، وضمن سياق اجتماعي مناسب؛ من أجل صنع الرسائل الإعلامية المناسبة وعبر المنصة الإعلامية المناسبة، فمثلًا: أصبح هناك تركيز متزايد للمستهدفين نحو الجوانب البصرية، وميلًا أكثر نحو القصص الإنسانية، وحاجة أكبر للمحتوى المختصر؛ لذا من المهم التواكب مع هذا السلوك.

  • سلوك المنافسين: قد يدفع سلوك المنافسين المؤسسات الإعلامية إلى الابتكار في كلٍّ من المنتجات والخدمات، وطريقة إنتاجها وتوزيعها. على سبيل المثال: تغيير الصحف من الطبعات الورقية إلى الرقمية هو مثال على الابتكارات المعدية. ومن أشهر الأمثلة على ذلك سلوك شركة Google، حيث تقوم بدراسة سلوك الشركات المنافسة، ثم تقوم بابتكارات مشابهة، مثلGmail, google play, google wallet
  • التنظيمات والتشريعات: يُشكِّل الإطار القانوني في بعض الدول حاجزًا رئيسًا أمام الابتكار أو مُشجِّعًا له. أحد الأمثلة على التأثير الإيجابي للسياسات على الابتكار الإعلامي: ما تقوم به حكومة كوريا الجنوبية من إعفاء مبرمجي الألعاب الإلكترونية من الخدمة العسكرية (Storsul and Krumsvik 2013).
  • ومن المهم إضافة ضوابط الملكية الفكرية باعتبار أن نجاح الابتكارات الإعلامية يعتمد على المحتوى كركيزة أساس؛ لذلك من أهم العوامل لتعزيز استمرارها هو وجود هذه الضوابط في إطار قانوني يضبط العملية بشكل كامل.
  • معايير الصناعة: قد تُحدِّد معايير الصناعة نطاق الابتكارات في الصناعات الإعلامية. كذلك مدى الحرية بين الدولة والتجارة والصحافة له تأثير مهم في تطوير المنتجات والخدمات الجديدة. أيضًا اختيار الموظفين له دور كبير عمليات الابتكار.
  • إستراتيجية المنظمة: إستراتيجية المنظمة الإعلامية ينعكس بشكل كبير على الابتكار. عندما تكون المنظمة لديها أهداف واضحة تُحفِّز وتُشجِّع الابتكار المؤسسي أو العكس؛ فإن هذا سيوثر كثيرًا على قدرتها في الابتكار.
  • القيادة والرؤية: تنطوي القيادة والرؤية على قوة المسؤول التنفيذي الأعلى ورؤيته للمنظمة، والتي قد تتجاوز الإستراتيجية الرسمية المعتمدة من قِبل مجلس الإدارة.
  • الهيكل التنظيمي: يرتبط الهيكل التنظيمي بكيفية تنظيم المنظمة الإعلامية، وما إذا كانت تعمل كشركة متكاملة أو ضمن وحدات أعمال مستقلة منفصلة.
  • القدرات والموارد: تؤثر قدرة وموارد عمليات التحرير والإنتاج والتوزيع في المنظمة الإعلامية من حيث قدرتها على الابتكار.
  • الثقافة والإبداع: أظهرت دراسات على مؤسسات البثِّ الكبرى، مثل CNN وBBC كيف تلعب ثقافة الشركة دورًا مهمًّا، حيث منتجاتها الأساسية ونقاط القوة التنافسية لها، كذلك هناك جذور عميقة للإبداع في المعتقدات الداخلية الشائعة لدى العاملين هناك (Krumsvik 2008). وفي المقابل، المنظمات التي يغلب عليها الطابع التقليدي يستحيل أن تكون لديها ثقافة الابتكار، بل قد تكون مقاومةً له بشكل كبير.
  • خامسًا – نماذج من فرص الابتكار الإعلامي:

يشمل الابتكار الإعلامي التغيير في العديد من جوانب المشهد الإعلامي؛ تمتد من تطوير منصات وسائط جديدة، إلى نماذج أعمال جديدة، إلى طرق جديدة لإنتاج النصوص الإعلامية.  وتعمل عدة قوى على إعادة تشكيل المشهد الإعلامي، وهي بشكل أساسي الاتجاهات الديموغرافية والاستهلاكية والتقنية. فكلما زاد عدد كبار السن، ارتفع الطلب على محتوى يتناول خدمات الصحة والترفيه والتعليم المُصمَّمة لكبار السن. كما أدت الزيادة في انتشار استخدام الهاتف المحمول والإنترنت إلى جَعْل الاتصال منهجَ حياة للأجيال الشابة من المستهلكين.

والبيانات الكبيرة هي وسيلة لبناء المحتوى، وللتواصل مع المستخدم. وتعمل شركات وحكومات على تطوير وسائل لتحليل البيانات لبناء أنظمة ذكية. البيانات الكبيرة حاليًّا تنمو بشكل مطرد.  وستتضاعف وتتعقد مع انتشار إنترنت الأشياء التي ما زالت في خطواتها الأولى، وهي شبكة من الأجهزة المتصلة التي تُقدِّم خدمات ذكية، والتي ستُوفِّر لصناعة الإعلام مجموعةً كاملةً من الفُرص لإنشاء محتوى غني وشخصي.

ومن المتوقع أن تشهد المجالات التالية منتجات وخدمات مبتكرة:

  • محتوى مُخصَّص: بناء محتوى خاص للمستخدم بناءً على البيانات التاريخية له. يستخدم 67٪ من مديري التسويق في أوروبا والولايات المتحدة بيانات المستخدم القائمة لإنشاء محتوى وزيادة الإيرادات. ويعَدُّ المحتوى المخصَّص أحد أكثر مجالات الابتكار الواعدة في صناعة الإعلام.
  • تأليف النصوص الطبيعية: حقل فرعي من معالجة اللغة الطبيعية، يتعامل مع ترجمة البيانات إلى لغة بشرية طبيعية، بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي. ويتم حاليًّا إنشاء تقارير الطقس والرياضة البسيطة.
  • نموذج العمل: اعتمدت الصناعات الإعلامية مثل الأفلام والموسيقى والنشر تقليديًّا على ثلاثة نماذج لتوليد الإيرادات: الدفع من قِبل المستخدمين مقابل ملكية (أو الوصول إلى) المحتوى، ورسوم الإعلان، والجمع بين هذه النماذج. لفترة طويلة، كانت النماذج مستدامةً إلى حد كبير، ولكن في العقود الأخيرة كان التقدُّم في تقنية المعلومات والاتصالات والتغيرات في سلوك المستهلك كبيرًا، لدرجة أنها فرضت تحديات غير مسبوقة على هذه النماذج، وأصبح لزامًا على هذه الصناعات أن تستجيب للتغيرات في السوق والعثور على نماذج أعمال جديدة ومستدامة.

وحين العودة لبداية انطلاق ما يُعرف اليوم بالإعلام قبل مئات السنين، نجد أنه كان محصورًا في نَقْل الأخبار خاصة السياسية منها ثم المحلية حسب النطاق الذي ينتشر فيه، مستخدمًا وسائل مقروءة ثم مسموعة ثم مرئية. اتسع بعد ذلك مفهوم الإعلام مع اتساع استخدامه لنقل المعلومات؛ فالترفيه والتسلية لكافة فئات المجتمع وعلى مدار أوقات متعددة – تسمح للمتلقي أن يطلع على تلك المعلومة أو الخبر، أو أن يتسلى وعائلته في مشاهدة برامج ترفيهية أو أفلام ومسلسلات أو وثائقيات.

مع بدء عصر الإنترنت، اتسع دور الإعلام وتعدَّدت أشكاله خاصة مع محركات البحث العالمية والمواقع الخاصة بالمؤسسات الإعلامية التجارية أو الحكومية، فصارت المعلومة لا تصل للمتلقي وحسب؛ بل إنه يستطيع الذهاب إليها بنفسه عن طريق البحث، ثم استطاع المشاركة في التعليق على الخبر أو المعلومة أو إبداء الرأي الذي كان – على سبيل المثال – في الوثائقيات السياسية أو الأعمال الفنية والأدبية محصورًا على المختصين من النقاد والمشتغلين بالأدب أو الفن أو السياسة.

لهذا، من مطلع الألفية الأخيرة اتسم دور المتلقي بالمشاركة في صياغة ونَشْر وتحليل الخبر/النص/المعلومة، خاصةً مع تطوُّر التطبيقات الرقمية وتنوُّع وسائل التواصل الاجتماعية التي تجعل الإعلام ممارسةً فردية إلى حد ما أكثر من كونها جماعية؛ فكل فرد يتلقَّى الخبر أو يتابع وسائط التسلية عبر جهازه الخاص، ويتفاعل معه بشكل فردي مباشر بطريقته الخاصة.

هذه التلقائية والسهولة في تلقِّي المعلومة والخبر التي هي لُبُّ الإعلام جعَل الوسائل الإعلامية التقليدية تعاني من الهجر والتغييب (الورقية على وجه الخصوص)؛ بسبب مقاومة التغييرات التي تحدث في الفضاء الرقمي المسيطر على نمط الحياة الحالية، أو ضعف روح التجديد والمواكبة للجديد إعلاميًّا؛ وهذا ما يجعل من الابتكار الإعلامي ضرورةً لا بد منها لإنعاش ما تبقَّى منه.

هنا، قد تطرأ للمهتمين بالإعلام بعض الأسئلة الجديرة بالبحث، مثل: هل علينا التخلص من القديم حتى نُواكب الجديد؟

هذه دعوة حقيقية نقرأها ونسمعها من حين لآخر حول ضرورة التخلص من الصحف الورقية –مثلًا – لأنها لا تواكب التغيير الرقمي الحالي. فهل تستوجب ضرورة التحديث والتطوُّر أن نتخلص فعلًا من الصحافة الورقية بالمجمل، أم أن نُطوِّر في أدائها لتُواكب التجديدَ المستمر في العالم الإعلامي الرقمي الحديث؟

وثمةَ تساؤل جوهري آخر مهم عمَّن هو المستهدف من الإعلام اليوم؟ بمعرفتنا للمستهدف إعلاميًّا سواء كان إعلامًا إخباريًّا أو معلوماتيًّا أو ترفيهيًّا؛ فإن الابتكار في الإعلام ينبغي أن يقوم على أساس من التفكير التصميمي الذي يجعل القائم بالصنعة الإعلامية – أيًّا كان مستواه – يضع نفسه في محل المتلقي ثم يُصمِّم مادته الإعلامية بناءً على احتياجاته من المعرفة والمعلومة أو الترفيه، التي تُقدِّمها له وسائطه الإعلامية، وبمستوى الجودة والوفرة والبساطة والتفاعل الذي يريده. فيصبح المحتوى وكذلك المتلقي في الإعلام هو المهم حينما نبتكر إعلامًا جديدًا، وليس الوسيلة والأداة فحسب.

بقدر كون الإبداع مهمًّا لتحقيق ابتكار في الإعلام، فإن تجديد الفهم للإعلام وطريقة تعلُّمه مهمان أيضًا، فدور الفرد العادي هذه الأيام صغيرًا كان أو كبيرًا تعدَّى كونه متلقيًا للمعلومة فقط؛ بل أصبح يسهم في صناعتها وتحليلها ونقدها ومشاركتها بنفسه بعد أن يبتكرها. لذا، التغيير يبدأ بالتعليم في المؤسسات التعليمية المختصة بالإعلام، ليتفق دور خريجيها مع تطور التعاطي الإعلامي العالمي. ثم ينتقل الدور بعد ذلك للمؤسسات الإعلامية التي عليها أن تُطوِّر أدواتها وتُجدِّد من أساليبها التي تسمح بأن يؤدي المتلقي دورَه عبرَها الذي يعيشه بالفعل في حساباته الخاصة.

الإعلام بكافة جوانبه وخدماته ضرورة حتمية يمارسها الإنسان في حياته، الفرق أنه الآنَ أصبح يملك أدواته الخاصة لإشباع هذه الضرورة، فهل تستطيع المؤسسات الإعلامية مواكبة هذه الفردانية في التعاطي الإعلامي وتُشبعها؟

وعند الحديث عن فرص الابتكار في المؤسسات الإعلامية، تجدر الإشارة لنموذج فريد في تحويل صحيفة واشنطن بوست الأمريكية The Washington Post  التي كانت على وشك الإفلاس إلى مؤسسة إعلامية ناجحة ماليًّا وصحفيًّا. حدث هذا التحوُّل الكبير بعد استحواذ جيف بيزوس مُؤسِّس شركة أمازون على واشنطن بوست في عام.2013  قام بيزوس بتطبيق أسلوبه الخاص بالتحوُّل الرقمي على صحيفة واشنطن بوست من خلال تحليل كيفية جذب القراء باستخدام القيمة والمحتوى. وقد حدَّد (2017 , Rosoff) أبرز عناصر نجاح قيادة الابتكار التي طوَّرها بيزوس في صحيفة الواشنطن بوست في النقاط التالية:

  • التركز على القرَّاء أولًا وليس الُمعلِنين: بنفس الأسلوب الذي نجح فيه بيزوس في أمازون استخدمه في البوست، وهو التمحور حول العملاء ومن خلالهم سيأتي المُعلنون.
  • تطوير الطريق إلى الربحية بدلًا من تقليص الطريق إلى الربحية: بالإضافة للفريق المحترف في الصحيفة من المحررين والتقنيين، أضافت الصحيفة 140 مراسلًا ووسعت فريق التكنولوجيا بشكل كبير؛ وذلك لإضافة تجارب جديدة في المحتوى لزيادة جذب القُرَّاء.
  • عدم البحث عن رعاة أو صدقات: كان بيزوس مُصمِّمًا على أهمية تشغيل البوست كنشاط تجاري يُحقِّق الربحية، وعدم الاعتماد على التبرعات والإعانات. وذلك شجَّع الإبداع وعدم التركيز على القيود.
  • استخدِم التكنولوجيا، لكن لا تكُن عبدًا لها: قامت البوست بإنشاء منصة نَشْر بيانات تُسمَّى Arc، ومن خلالها تنتج محتوى للصحيفة وأيضًا تبيعها لصحف أخرى منافسة. إضافةً إلى ذلك، تستفيد الصحيفة من البيانات لفهم مدى تفاعُل القُرَّاء مع قصص معينة. يُركِّز بيزوس على أهمية الإبداع وعدم الاعتماد الكلي على البيانات خاصة بعد فقدانها لقيمتها الآنية.
  • الإعلان وحده لن يدعمَ الصحافة الاستقصائية. يعتقد بيزوس أن المشهد الحالي للإعلان عبر الإنترنت غير متوافق مع نوع الصحافة التي يريد من البوست التميُّز بها؛ لذلك يؤكد أن الصحيفة يجب أن تملك نموذجها الخاص للصحافة الاستقصائية والتقارير وإعادة كتابة أعمال الآخرين بذكاء، وبذلك سيدفع الناس بسخاء مقابل ذلك. ويؤكد أنَّ الصحافة الرقمية أمضت 20 عامًا في تعليم الجميع في العالم أن الأخبار يجب أن تكون مجانيةً. الحقيقة هي أن القرَّاء أذكى من ذلك. إنهم يعرفون أن إنتاج صحافة عالية الجودة مُكلِّف، وهم على استعداد لدفع ثمنها.

والمنظمات الإعلامية حتى تستطيع الابتكار، يجب أن يكون على سُدتها قادة مبدعون يستطيعون أن يردموا الفجوةَ الهائلة بين أهمية الابتكار وقدرة مؤسساتهم على الانخراط فيه. عندما تدعم المنظمات القادة على جميع المستويات، وتساعد الموظفين على تطوير المعرفة والخبرة وتمكينهم من الأدوات التي يحتاجونها؛ فإن ثقافة القيادة التي تدعم الابتكار سوف تترسخ. وسيكون هناك قدرة للمؤسسات الإعلامية باختلاف مجالاتها أن تكتشف الفرص الجديدة بدلًا من التكيُّف مع الابتكارات التي تأتي من الشركات التقنية.

ومن المهم الإشارة إلى أن ثمة وجهة نظر أخرى ترى أن تجربة صحيفة واشنطن بوست الأمريكية هي نموذج فريد في التحوُّل، لكن ربط تجربة النجاح بشركة أمازون من خلال “التمحور حول العملاء” هو رَبْط قد لا يكون صحيحًا على هذا الأسلوب، بالتأكيد ينجح في أمازون بشكل واضح لأن العملية في أساسها ربحية -بشكل صرف – مع العملاء لشركة ضخمة جدًّا، رأس مالها يصل لـ 1.7 تريليون دولار؛ لكن الواقع مختلف تمامًا مع المنصات الإعلامية التي يعتمد نجاحها على إيصال المحتوى الإعلامي، وتعتمد منصاتها على الإعلان والتسويق.

وفي سياق متصل، لعلَّ من الملاحظ في السنوات الأخيرة أن وسائل الإعلام الرقمية ومئات الآلاف من المشروعات الإبداعية التي تحقَّقت بفضل التكنولوجيا الرقمية، بطبيعة الحال، جديدة في أسلوبها، وإبداعية في محتواها الابتكاري، وستبقى متطورة باستمرار. وفي هذه الحالة يوجد مِن الناس مَن يتميَّزون بسعة الخيال والموهبة الحقيقية للقيام بتلك الأعمال وصناعتها، كما سيكون هناك مَن هو على استعداد لدعمهم وتمويلهم للقيام بتلك الأنشطة الإبداعية في مختلف المجالات الإعلامية.

والساحة الإعلامية الدولية مليئة بالنماذج الناجحة التي جعلت من الإبداع الإعلامي صفةً ملازمةً لها، فهناك – على سبيل المثال لا الحصر – برنامج بانوراما الوثائقي في تلفزيون البي بي سي، ومُقدِّمه الأسطوري ديفيد آتينبارا (David Attenborough) وعمره الآن 95 عامًا، وهو صانع وثائقيات ومُذيع تليفزيوني وكاتب وبيئيٌّ بريطاني من لندن ([10])، والذي بدأ العمل معهم عام 1950م، أعماله تأخذ المُشاهِد في عوالم مختلفة من الإبداع، من حَبْك القصة والسيناريو والتصوير والإضاءة والإخراج والصوت الذي يجعل المشاهد يعيش تجربةً غنيةً ورائعةً لا نجدها في قنوات وبرامج أخرى. كذلك الصحفي والمذيع وصانع الأفلام والبرامج الوثائقية الأسترالي جون بيلجر (John Pilger)، وعمره 82 عامًا، ويعيش في بريطانيا، والذي عمِل في عدة صحف وقنوات تلفزيونية أشهرها ITV البريطانية، يعَدُّ من أشدِّ المنتقدين للسياسة الخارجية الأمريكية والأسترالية والبريطانية، حيث يعتبرها مدفوعةً بأجندة إمبريالية واستعمارية. بيلجر يعَدُّ نموذجًا عالميًّا آخر في روعة وجمال الوثائقيات، والدفاع عن دول العالم الثالث أمام تغوُّل الدول الغربية([11]). كذلك وثائقيات قناة ناشيونال جيوغرافيك المميزة عن مختلف القضايا ومختلف البيئات، تُنبئ عن وجود عمل إبداعي رائع لفريق كبير ومحترف في مختلف فنون الإنتاج والبث الإعلامي. وهناك نماذج أخرى من برامج الترفيه مثل ستار أكاديمي Star Academy  والإكس فاكتر The x-factor وAmerica’s got talent ، وهي من البرامج الترفيهية ذات الجماهيرية العالية، والتي طافت أغلب دول العالم، وتَمَّ إنتاجها محليًّا في عدد من دول العالم، ومنها دول الشرق الأوسط، على الرغم من أن أصلها غربيٌّ بحت. ولا يمكن هنا أن نمرَّ دون ذِكْر أسماء ارتبطت بالإبداع في الفضاءات الإعلامية، ففي البرامج الحوارية نرى أوبرا وينفري والمذيع فيل ماكجرو الشهير بدكتور فيل، ولاري كينغ سابقًا، وولف بلتزر في CNN، وفي المجال الترفيهي نجد كلًّا من ستيف هارفى وديفيد ليترمان مُقدِّم برنامج late Night show، السابق، وجون سيتورات، وغيرهم الكثير.

كلُّ هذه النماذج احتضنتها مؤسسات إعلامية عريقة لعقود طويلة، تجاوزت سبعة عقود، كما هو حال ديفيد آتينبارا وديفيد ليترمان ولاري كينغ وغيرهم، قدَّمت لهم الدعمَ الكبير سواء المادي، حيث إنَّهم من أكثر الإعلاميين دخلًا في العالم، أو من حيث تهيئة البيئة العملية المتكاملة من حيث احترافية فِرَق التحرير والإعداد والإنتاج والإخراج والبث وغيرها، حتى أصبحوا على ما هم عليه من لمعان وتوهُّج. هم في واقع الحال لم يبدؤوا نجومًا في سماء الإعلام؛ إنما كان لتلك المؤسسات الإعلامية الدورُ الكبير في رعايتهم ودعمهم وتبنِّي ابتكاراتهم وحَصْد إبداعاتهم وتميُّزهم.

والواقع أن العديد من مجالات الإعلام تدخل ضمن الإبداع الإنساني، ويُنظر لها في مختلف دول العالم على أنها صناعة مهمة جدًّا، ويمكن أن تسهم بشكل كبير فيما يُسمَّى حديثًا “الاقتصاد الإبداعي”.  ففي دراسة عن الاقتصاد الإبداعي في المملكة العربية السعودية([12])، اتضح أن مصطلح “الاقتصاد الإبداعي” وشروط “الصناعات الإبداعية” حديثة جدًّا، ولم تكن موجودةً قبل عشرين عامًا. وذكر دليل “الاقتصاد الإبداعي” الذي أعدَّه المجلس الثقافي البريطاني في عام 2010م، أن الدائرة الحكومية التي أُنشئت في وزارة الثقافة والإعلام، والرياضة البريطانية حدَّدت مجموعةً من 13 قطاعًا يمكن أن تُصبح اقتصادًا إبداعيًّا. تلك القطاعات هي: الإعلان، وصناعة الأفلام، والترفيه التفاعلي (ألعاب الفيديو)، والموسيقى، والفنون الأدائية، والنَّشْر، والبرمجيات، والبحث والتطوير في مجال الإنتاج التلفزيوني والإذاعي، ثم الهندسة المعمارية، والتُّحف الفنية النادرة، والحِرف اليدوية، والتصميم، وتصميم الأزياء. ويمكن لنا ملاحظة أن هذه القطاعات قطاعات أصيلة في الإعلام والنشر. ومن هنا، فإن الدليل يؤكِّد على أنه عندما تمتزج التقاليد العريقة للعمل الثقافي مع صناعة العمل (تصميم وصناعة وتزيين وأداء وغيرها من الفنون)، ويتم نسجها جنبًا إلى جنب مع مجموعة واسعة من الأنشطة الاقتصادية الحديثة (الإعلان، والتصميم، وصناعة الأزياء، والصور المتحركة في وسائل الإعلام)؛ تتشكَّل لدينا بيئة إبداعية، ولكن الأهم من ذلك هو الوصول إلى شريحة كبيرة من المستهدفين من خلال التكنولوجيا الرقمية؛ عندها فقط تكتمل ولادة “الاقتصاد الإبداعي”.

 

  • سادسًا – وسائل وطُرق تسريع الابتكار في المؤسسات الإعلامية:

المؤكَّد أن السنوات الأخيرة قد شهدت تحوُّلًا جذريًّا في صناعة الإعلام وتطوُّره كنتاج طبيعي للابتكار الذي أصبح ركيزةً أساس في بناء هذا القطاع وتطويره. هذا التحوُّل وضع القائمين على الصحافة التقليدية والإعلام التقليدي في عمومه أمامَ الأمر الواقع بين فكر تقليدي ومسايرة العصر. معظم هؤلاء – ونستطيع التعميم – إلى وقت قريب دخلوا الإعلام من باب الهواية، ونجحوا في ذلك عندما كان المتلقي مرغمًا على المحتوى المطروح قراءةً أو استماعًا أو مشاهدةً، أما وقد أصبح المتلقي هو الذي يُحدِّد ما يريد من محتوى في الوقت الذي يريد، وبالكيفية التي يريد؛ كان لزامًا عليهم التماشي مع الوضع ومواكبته أو التخلُّف عن الركب! لا يزال هؤلاء – خاصة القائمين على الإعلام المقروء – يعتقدون أن القارئ لا يدفع مقابل القراءة من خلال المواقع الإلكترونية (الأون لاين). والحقيقة أن هناك قارئًا لديه الاستعداد للدفع إذا ما وجَد المحتوى الذي يستحق ذلك. من هنا تأتي أهمية التركيز على المحتوى والتحقيقات، والصحافة الاستقصائية، وصحافة ما بعد الخبر. الملاحظ أن المؤسسات الإعلامية التي تعجز عن جذب المال من خلال مواقعها الإلكترونية تلجأ إلى الإعلان للوصول إلى جماعات صغيرة لضمان الحد الأدنى من استمراريتها، وهنا لا بد من التفكير في أن يكون التغيير من الداخل. لقد كان المتلقي يبحث عن الوسيلة، أما الآن فقد أصبحت الوسيلة تبحث عن المتلقي.

وفي سياق متصل، فإن الصدمة التي أحدثتها أدوات الإعلام الجديد سبَّبت للكثير من المؤسسات الإعلامية حول العالم الفشلَ والإفلاسَ والتلاشي وعدم القدرة على مقاومة التغيير؛ لذلك يعَدُّ الابتكار الآنَ عنصرًا رئيسًا لكافة المؤسسات الإعلامية بكافة أشكالها، إذ يجب أن يحتل مكانًا مركزيًّا في النظام البيئي والتِّقني لتلك المؤسسات وقادتها والعاملين عليها.

المؤسسات الإعلامية التقليدية – سواء أكانت صحفية أو تلفازية أو إذاعية – تمَّ مصادرة عدد كبير من جمهورها لصالح شركات تقنية أصبحت لهم هي الصحافة والترفيه ومصدر الأخبار من الناس وإليهم، وليس من الصحفيين المحترفين والمتخصصين. ومن المهم العودة من جديد لتلك المؤسسات الإعلامية من خلال الابتكار الذي يشمل التقنية والمنتجات والأفراد المبدعين والبيئة الإبداعية المُشجِّعة للابتكار.

ويمكن تسريع الابتكار في المؤسسات الإعلامية في ضوء ما يلي:

  • الابتكار في تصميم الخدمات والمنتجات الإعلامية بمنهجية التفكير التصميمي، والتي تنطلق من حاجة الجمهور الفعلية، وهي التي تبدأ بالتعاطف ثم الفهم العميق للمشكلة، ثم توليد الحلول ثم تنفيذها ثم تجريبها.
  • أن يكون هناك توأمة بين كليات الإعلام والاتصال مع المؤسسات الإعلامية، لتكون المناهج والتطبيق والتطوير والابتكار بالشراكة بين الكليات والمؤسسات الإعلامية بأشكالها المختلفة، وتضمن بذلك زيادة الجودة والتنافسية لمخرجات كليات وأقسام الإعلام، وتحقيق التميُّز في سوق العمل، وضمان أن يمارس الإعلامي الريادة في التقنية ويبتكر فيها وفق حاجة الجمهور بشكل مطرد.
  • تحفيز مشاركة أعضاء التدريس في البحوث العلمية مع زملائهم في التخصصات الأخرى لعمل دراسات عن مجالات ونشاطات مستقبلية للإعلام.
  • ضرورة تأسيس معامل للابتكار الإعلامي، والتي تتيح استقراء المستقبل وحل المشكلات والتجريب لكلِّ الأفكار والحلول.
  • تشجيع البحوث الإعلامية في مجال الإبداع والابتكار، ودعمها من المؤسسات الإعلامية.
  • بناء إستراتيجية وطنية للتميُّز والإبداع في المجال الإعلامي.
  • ضرورة وجود حاضنات للمبدعين من الجنسين (البحث عنهم وتبنيهم)، سواء في المؤسسات التعليمية أو الحكومية أو في القطاع الخاص.
  • مَنْح فرص أكبر لابتعاث الطلاب والطالبات في المجالات الإعلامية الإبداعية المختلفة، وخاصة تلك التي لم تنل نصيبها في السنوات الماضية، مثل: التصوير، والإخراج، والإعداد، والمونتاج، والإضاءة، وغيرها من الفنون الحديثة.
  • إعادة هيكلة الهيئات الإعلامية القائمة بما يتناسب مع إيقاع العصر الاحترافي السريع.
  • الدعم المالي الكبير لهذا القطاع، سواء من القطاعات الحكومية أو المؤسسات التعليمية أو القطاع الخاص.
  • تبادل الأساتذة الزائرين والطلاب بين أقسام وكليات الإعلام في المملكة مع نظرائهم في مختلف دول العالم المتقدِّمة في مجال الإعلام؛ للاستفادة من تجربتهم في مجالات التميُّز والإبداع الإعلامي.
  • تكثيف التدريب الإعلامي في جميع تخصصات الإعلام؛ من خلال تضمين مسارات التدريب في الخُطط الدراسية في جميع الفصول الدراسية، وليس الفصول النهائية كما هو حاصل الآن.
  • بناء شراكات تعاون وتدريب وتبادل الخبرات بين أقسام وكليات الإعلام والمؤسسات الإعلامية الدولية الرائدة والمعروفة بتميُّزها وإبداعها في العمل الإعلامي.
  • إنشاء برنامج لدعوة المميَّزين في المجالات الإعلامية من مختلف دول؛ لتقديم دورات داخل المملكة للأجيال الشابة.
  • بناء شراكة بين كليات وأقسام الإعلام مع القطاع الخاص، وإيضاح مجالات العمل الإعلامي التي يمكن للقطاع المساهمة فيها وتطويرها؛ وبالتالي تحقيق الأرباح منها.

ويمكن أن يُضاف إلى مسألة الشراكة بين الكليات والمؤسسات الإعلامية بأشكالها المختلفة طرف ثالث يتعاظم دوره؛ لأن متطلبات المرحلة التقنية بتطوراتها الهائلة في عصرنا الحاضر تتطلَّب ضرورة تلك الشراكة مع المؤسسات الابتكارية التقنية الرقمية الحديثة، سواء الحكومية أو غير الحكومية. وأقرب مثال يمكن إيراده في هذا الشأن مؤخرًا هو إطلاق منصة (إحسان) الخيرية الرقمية، والتي جمعت بين قوة البيانات الرقمية والتقنية التي وفَّرتها (سدايا) ممثَّلةً في بنك البيانات الوطني؛ مما يُعزِّز التكامل بين الجهات الحكومية والخيرية، ويرفع مستوى الموثوقية والشفافية في العمل الخيري، وأساس هذا العمل كان بفكرة ابتكارية من عقل سعودي متخصِّص مهتم بنَشْر الوعي الرقمي وصناعة المحتوى المعرفي في مجالات التقنية. والمقصود أن الشراكة الفاعلة والمرتكزة على أسسٍ سليمة وخططٍ قوية واضحة بين المؤسسات (الإعلامية والتعليمية والتقنية) بدعمٍ واحتواءٍ وتيسير مهام من الدولة وتشجيع للمبادرات الشبابية المتخصِّصة وذات التوجه الابتكاري في تصميم وتطوير المنتجات والخدمات الإعلامية؛ سيكون له بكل تأكيد الأثر الكبير في تطوير منظومة الإبداع في المجال الإعلامي.

  • فتح المجال للمبادرات الفردية وتشجيعها. ومن المهم التركيز على مسألة احتضان المبتكرين، وكذلك توفير بيئة مُحفِّزة لمجالات البحث العلمي والابتكار في كافة الجهات والمؤسسات الحكومية والخاصة، وحتمية التفكير خارج الصندوق بضرورة تحسين المحتوى الإعلامي، والاهتمام بصناعة رسائل إعلامية هادفة ذات قيمة تجذب المتلقي، بدلًا من تنفيره بمواد لا ترتقي إلى مستوى تفكيره والوقت الذي خصَّصه للمتابعة؛ من خلال مواكبة المتغيرات السريعة في تقنيات نَقْل الأخبار والمعلومات، وضرورة تسهيل وصول المعلومة إلى المتلقي بالسرعة المطلوبة. وكما نرى الجميع يلجأ لتوتير وسناب تشات لمعرفة الأخبار قبل صدورها من الجهة الرسمية، والآن لبرنامج club house؛ لذا من الضروري أن يكون المحتوى الإعلامي الرسمي معاصرًا للمتغيرات السريعة في مجال التقنية؛ وهذا يساعد على بناء جيل مُثقَّف يستطيع التمييز بين الأخبار الصحيحة والإشاعة.
  • ضرورة عمل عصف ذهني تفاعلي بإشراك أكثر من تخصص وأكثر من فئة عمرية، يطرح زوايا ووجهات نظر مختلفة، وقد تكون شرارة الانطلاق بخصوص الابتكار الإعلامي.
  • ضرورة وجود دراسة تحليلية لوجهة نظر المتلقي العادي، ما الذي يجعل بعض (التافهين) نجومًا وهم الأكثر متابعةً ومشاهدةً وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة.
  • ضرورة إشراك أصحاب رؤوس الأموال؛ للاستفادة من معرفة عوامل الجذب التي يمكن أن تقنعهم بالاستثمار ودعم الأفكار التطويرية في مجال الإعلام.
  • إعادة تأهيل هيئة الإعلام المرئي والمسموع، وتعديل تنظيمها وإدارتها من قِبل المهنيين المتخصصين.
  • مراجعة وتعديل الأنظمة التي تُنظِّم الإعلام، ودمجها في نظام إعلامي واحد.
  • حث الجهات المسؤولة عن الإعلام على عمل رصد يومي لما يُنشَر في الإعلام الخارجي عن أو من المملكة، وعمل تحليل موضوعي لمدى مواكبة وتأثير ذلك على تعزيز مكانة المملكة، والتصدي للتحديات التي قد تواجهها.

 

  • المراجع:
  • Amabile, Teresa M. 1988. “A Model of Creativity and Innovation in Organizations.” Research in Organizational Behavior 10(1): 67-123.
  • Burkus, David. 2016. Under New Management: How Leading Organizations Are Upending Business as Usual. edited by H. M. Harcourt.
  • Csikszentmihalyi, M. 1996. Creativity Flow and the Psychology of Discovery and Invention. London: HarperCollins.
  • García-Avilés, José A., Miguel Carvajal-Prieto, Alicia De Lara-González, and Félix Arias-Robles. 2018. “Developing an Index of Media Innovation in a National Market.” Journalism Studies 19(1):25–42.
  • Krumsvik, A. H. 2008. “The Online News Factory: A Multi-Lens Investigation of the Strategy, Structure, and Process of Online News Production at CNN and NRK.” University of Oslo.
  • Küng, Lucy. 2013. Innovation, Technology and Organisational Change. Nordicom.
  • Ní Bhroin, Niahmh and Stefania Milan. 2020. “Media Innovation and Social Change: Introduction to the Special Issue.” The Journal of Media Innovations 6(1):1–8.
  • Nunes, Ana Cecília B. and João Canavilhas. 2020. “Journalism Innovation and Its Influences in the Future of News: A European Perspective Around Google DNI Fund Initiatives.” Pp. 1–213 in Journalistic Metamorphosis: Media Transformation in the Digital Age. Vol. 70. Springer International Publishing.
  • Pappalepore, Ilaria. 2010. “Tourism and the Development of ‘creative’ Urban Areas: Evidence from Four Non-Central Areas in London.” University Westminster.
  • Pratt, Andy C. 2011. “The Cultural Contradictions of the Creative City.” City, Culture and Society 2(3):30 -123.
  • Rhodes, M. 1961. “An Analysis of Creativity.” The Phi Delta Kappan 42: 10-305.
  • Rosoff, Matt. 2017. “Jeff Bezos Has Advice for the News Business: ‘Ask People to Pay. They Will Pay.’” CNBC. Retrieved July 5, 2020 (https://www.cnbc.com/2017/06/21/jeff-bezos-lessons-from-washington-post-for-news-industry.html).
  • Stenberg, R. J. 1999. Handbook of Creativity. New York: Cambridge University Press.
  • Storsul, Tanja and Arne H. Krumsvik. 2013. “What Is Media Innovation?” Pp. 13–26 in What is Media Innovation? Nordicom.
  • 2010. The Creative Economy Report. Creative Economy, A Feasible Development Option. Geneva-New York.
  • المالك، خالد. 2020. “مستقبل الإعلام من الصحافة الورقية إلى الصحافة الرقمية.” Al-Jazirah, February 3.
  • عبد الوهاب، بوبعة. 2012. “دور الابتكار في دعم الميزة التنافسية للمؤسسة الاقتصادية”. جامعة منتوري.
  • نصر، حسني. 2019. “تحـــديـات وفـرص إعلام المستقبل”. Oman Daily, February 10

 

  • المشاركون:
  • الورقة الرئيسة والمُعقِّبون: د. سعيد العمودي، د. سعيد الغامدي، أ. عبير العلي (ضيف الملتقى)([13])، م. هاني الغفيلي (ضيف الملتقى)([14]).
  • إدارة الحوار: أ. مها العقيل
  • المشاركون في الحوار والمناقشة:
  • د. محمد الثقفي
  • د. عبد العزيز الحرقان
  • د. وفاء طيبة
  • د. ناصر القعود
  • د. عبد الإله الصالح
  • د. زياد الدريس
  • د. حمد البريثن
  • أ. لاحم الناصر
  • م. فاصل القرني
  • أ. عبد الله الضويحي
  • د. الجازي الشبيكي
  • د. عبير برهيمن
  • د. رياض نجم
  • د. عبد الله ناصر الحمود
  • د. مساعد المحيا
  • أ. فائزة العجروش
  • د. عبد الرحمن العريني

 


 

القضية الرابعة

غَسْل الأموال: واقع الحال وطُرق المكافحة في النظام المالي السعودي

(28/3/2021م)

 

  • أولًا: الملخص التنفيذي.
  • ثانيًا: التعريف بجريمة غَسْل الأموال وأبعادها الأساسية.
  • ثالثًا: الآثار المترتبة على عمليات غَسْل الأموال.
  • رابعًا: حجم مشكلة غَسْل الأموال.
  • خامسًا: تطوُّر الاهتمام الدولي بمكافحة غَسْل الأموال.
  • سادسًا: جهود المملكة العربية السعودية للتصدي لعمليات غَسْل الأموال.
  • سابعًا: التوصيات.
  • المشاركون.

  

  • أولًا – الملخص التنفيذي:

تناولت هذه القضية غَسْل الأموال من ناحية الواقع وطُرق المكافحة في النظام المالي السعودي، وفي هذا السياق تمَّ التطرق إلى التعريف بجريمة غَسْل الأموال وأبعادها الأساسية بالتركيز على أصل عملية غسل الأموال وخطواتها وأطرافها وطُرقها، وذلك انطلاقًا من تعريف جريمة غسل الأموال كعملية يلجأ إليها مَن يعمل بأنشطة غير مشروعة لإخفاء المصدر الحقيقي للمورد غير المشروع، والقيام بأعمال أخرى للتمويه كي يبدو الدخل أو المتحصلات وكأنها تُحصِّلت من مصدر مشروع.

وعرض التقرير للآثار المترتبة على عمليات غسل الأموال على المستويين الاقتصادي والاجتماعي؛ فعلى المستوى الاقتصادي نجد أن نزاهة المؤسسات المالية تعتمد بشكل كبير على التزامها بالأنظمة وقواعد الأخلاق العالية وبمستوى مهنيتها، وتعَدُّ هذه النزاهة من أهمِّ الأصول التي تمتلكها هذه المؤسسات، وتحرص على المحافظة عليها في جميع الأوقات. لذلك، فإن عمليات غسل الأموال تُفقِد هذه المؤسسات جزءًا من نزاهتها مما يُضعِف الثقةَ في النظام المالي ككل، كما يترتب على عمليات غسل الأموال حدوث استقطاعات من الدخل القومي للبلد وذهابه إلى جهات واقتصادات خارجية. أما على المستوى الاجتماعي، فإن ثمة آثارًا منها ظهور جماعات الجريمة المنظَّمة التي تهدف إلى تحقيق أعلى الأرباح من أنشطة غير مشروعة تُحدِث أضرارًا جسيمة لبعض فئات المجتمع، وتراجع قيم الثقافة والتعليم لما تعنيه جرائم غسل الأموال من كسب سريع لا يحتاج إلى مؤهلات علمية، وانتشار الفساد والرشاوى في بعض أجهزة الدولة.

أيضًا، فقد عرض التقرير كذلك لحجم مشكلة غَسْل الأموال. بالنظر إلى أن تقريرًا لصندوق النقد الدولي أظهر أن حجم تجارة غسل الأموال يتراوح ما بين 950 مليار دولار إلى 1.5 تريليون دولار سنويًّا، وهو ما يعادل 2-5%من الناتج الإجمالي المحلي العالمي، فإننا سندرك مدى تغلغل عصابات غسيل الأموال وتهديدها لاقتصادات العالم.

وفيما يخصُّ تطوُّر الاهتمام الدولي بمكافحة غسل الأموال، تمَّ الإشارة إلى أنه استشعارًا بما يُشكِّله غسل الأموال من مخاطرَ على النظام المصرفي والمؤسسات المالية والاقتصاد الكلي؛ أنشأت قمة مجموعة الدول السبع الكبرى، في اجتماعها الذي عُقِد في باريس في يوليو ١٩٨٩م، مجموعة العمل المالي لمكافحة غسل الأموال. وفي هذا الإطار، فقد بدأت مكافحة غسل الأموال بهدف الحد من آثاره السلبية على النظام المصرفي والمالي، والحد من التهرُّب من الضرائب ومكافحة الجرائم والأعمال غير المشروعة، وتضاعف عمل المجموعة بعد تزايُد ظاهرة الإرهاب. ومكافحة كلتا الآفتين محل اهتمام منظمة الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها وكذلك محل اهتمام البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إضافةً إلى فاتف، فضلًا عن جهود الدول منفردةً ومجتمعةً.

وسلَّط التقريرُ الضوءَ على جهود المملكة العربية السعودية للتصدي لعمليات غسل الأموال، حيث قامت المملكة خلال العقدين الماضيين بتبنِّي العديد من المبادرات والإجراءات وإصدار عدة قوانين خاصة بمكافحة عمليات غسل الأموال، وكانت في مُقدِّمة الدول المشاركة في الحد من عمليات غسل الأموال والأنشطة المتعلقة بها. وتستمد المملكة هذا الموقف المتشدد إزاء هذه الممارسات غير الشرعية -والتي تعَدُّ شكلًا من أشكال الفساد – من التزامها بنصوص الشريعة الإسلامية وبالنُّظُم المحلية والتوصيات الدولية على حد سواء.

ومن أبرز التوصيات التي تمَّ الانتهاء إليها حول القضية ما يلي:

  • هناك حاجة مُلِحَّة لمزيد من التوعية والتثقيف للأفراد وكيانات الأعمال الصغيرة والمتوسطة بمخاطر غَسْل الأموال على الاقتصاد والمجتمع، وبدورهم في مكافحة غَسْل الأموال والتعريف بما يترتب على المتورطين في اقتراف هذه الجريمة من عقوبات.
  • محاربة شتى أنواع الجرائم وكل أنشطة الاقتصاد الخفي ولا سيما ما له علاقة بغَسْل الأموال، مثل التستر التجاري والجرائم الإلكترونية والفساد، والتي تُشكِّل رافدًا لعمليات غَسْل الأموال.
  • تكثيف تدريب العاملين في المؤسسات الأمنية والمالية ومؤسسات الأعمال والمهن غير المالية على مختلف أساليب غَسْل الأموال المستجدة والاحتيالات والتحويلات الإلكترونية، بما يُمكِّنهم من مراقبة واكتشاف عمليات غَسْل الأموال بكفاءة.
  • ثانيًا – التعريف بجريمة غسل الأموال وأبعادها الأساسية:
  • أصل عملية غَسْل الأموال:

بدأ هذا المصطلح في الظهور بعد انتشار المخدرات ورواج أسواقها وتضخم أرباحها، وأصبح لها أسواقٌ خاصة يجري فيها بيعها يوميًّا وعلى شكل قطع متفرقة تتناولها أيدي الباعة والمشترين، وتكون لها روائح معينة تلتصق بأيدي المتعاملين وتلتصق تلقائيًّا بالأموال المدفوعة ثمنًا لها؛ وكنتيجة لذلك لا يستطيع أصحاب هذه الأموال إرسالها للبنوك وهي على هذه الحال، فيقومون بغَسْلها وتنظيفها بوسائل معروفة لديهم لا تؤثر على هذه الأوراق النقدية وتحميهم من انكشاف سرها. وبذلك يكون غسل الأموال هو غَسْل حقيقي لأموال تُحصِّل عليها بطُرق مشبوهة، ثم تطوَّر هذا المفهوم ليُصبح دلالةً على استعمال وسائل مالية وحيل خادعة لإضفاء الشرعية والقانونية على هذه الأموال المكتسبة من مصادر غير مشروعة.

  • تعريف غَسْل الأموال:

تُعرَف جريمة غَسْل الأموال بأنها: أي عملية يلجأ إليها مَن يعمل بأنشطة غير مشروعة لإخفاء المصدر الحقيقي للمورد غير المشروع، والقيام بأعمال أخرى للتمويه كي يبدو الدخل أو المتحصلات وكأنها تُحصِّلت من مصدر مشروع.

وقد نصَّت المادة الثانية من قانون مكافحة غَسْل الأموال الذي أصدرته “ساما” في 2017 م على أنه يعَدُّ مرتكبًا لجريمة غَسْل الأموال كلُّ مَن قام بأيٍّ من الأفعال التالية:

  • تحويل أموال أو نَقْلها أو إجراء أي عملية بها مع علمه بأنها من متحصلات جريمة؛ لأجل إخفاء المصدر غير المشروع لتلك الأموال أو تمويهه، أو لأجل مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية التي تُحصِّلت منها تلك الأموال للإفلات من عواقب ارتكابها.
  • اكتساب الأموال أو حيازتها أو استخدامها مع علمه بأنها من متحصلات جريمة أو مصدر غير مشروع.
  • إخفاء أو تمويه طبيعة أموال أو مصدرها أو حركتها أو ملكيتها أو مكانها أو طريقة التصرف فيها أو الحقوق المرتبطة بها مع علمه بأنها متحصلات جريمة.
  • الشروع في ارتكاب أيٍّ من الأفعال المنصوص عليها في الفقرات 3،2،1 من هذه المادة، أو الاشتراك في ارتكابها بطريقة الاتفاق أو تأمين المساعدة أو التحريض أو تقديم المشورة أو النصح أو التسهيل أو التواطؤ أو التآمر.

كما قامت مجموعة العمل المالي ((FATF بتعريف غَسْل الأموال بأنه: الهدف لعدد كبير من الأفعال الإجرامية؛ وذلك من أجل الحصول على الأرباح للأفراد والمجموعات التي قامت بتلك الأفعال، وبعبارة أبسط: هو التصرفات بمتحصلات تلك الأفعال الإجرامية لإخفاء مصادرها غير الشرعية.

  • مَن يقوم بعمليات غَسْل الأموال؟
  • تجار المخدرات.
  • الإرهابيون وتُجَّار السلاح.
  • المختلسون.
  • المتهربون من الضرائب.
  • بعض المخادعين ممَّن يمتهنون الفنَّ كغطاء لأعمالهم.
  • بعض الموظفين العامين المرتشين.

كذلك، فمن المهم التطرُّق إلى أن كثيرًا من جرائم غَسْل الأموال تتم عن طريق الأفراد وليس بالضرورة عصابات منظَّمة، دافعهم في ذلك الطمع وتحقيق المكاسب السريعة، وبعضها قد يتم بدون عِلْم مرتكبها بأنها جريمة يُعاقب عليها القانون، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات البنكية الحديثة وسهولة ممارستها ساهمت في تورُّط البعض في عمليات احتيال قد يُوصف بعضها ببعض صفات غسيل الأموال. كما أنَّ بعض التحويلات الهاتفية أو غير التقليدية تمرُّ أيضًا تحت الرقابة؛ مثلًا بعض الدول لا تعتبر وسترن يونيون نظامًا بنكيًّا، فتمر تحويلاته خارج رقابة البنك المركزي، بينما السعودية تعتبره ضمن النُّظُم البنكية وتحت رقابتها، وتمر عملياته ضمن بنك محلي. وتتم تحويلات لبعض هذه الدول خارج النظام المصرفي نتيجة عمليات غسيل أموال، وكذلك نتيجة لعمليات شرعية وبسبب فقدان هذه الدول لبعض مكونات أو مقننات التحويل بالنظُم البنكية؛ فمثلًا نظام الآيبان تراقبه الولايات المتحدة، وتمنع بعض الدول من التعامل معه.

وهناك مسألة مهمة تدعم محترفي غَسْل الأموال، ومنها أن أحد أسباب ظهور مؤسسات مصرفية تؤدي أنشطتها عبر الإنترنت وخدمات الدفع المجهولة والتحويلات المالية الحديثة التي تتم عبر استخدام الهواتف المحمولة للعملات الافتراضية الجديدة (كالبيتكوين مثلًا) إلى زيادة صعوبة اكتشاف التحويلات غير القانونية للأموال لاسيما في ظل استخدام الخوادم الوكيلة وبرامج إخفاء الهوية؛ الأمر الذي يجعل غَسْل الأموال متكاملًا، ويكاد يكون من المستحيل اكتشافه، حيث حال أن تتم عملية التحويل الأموال أو سحبها دون ترك أثر لعنوان آي بي (ip address).

  • خطوات غَسْل الأموال:

تتم عمليات غسل الأموال من خلال ثلاث مراحل:

  • مرحلة الإيداع: وهي مرحلة توظيف أو إحلال كميات كبيرة من النقود غير الشرعية؛ إما بإيداعها في أحد البنوك أو المؤسسات المالية، أو عن طريق تحويل هذه النقود إلى عملات أجنبية، أو عن طريق شراء سيارات فارهة ويخوت وعقارات يسهل فيما بعدُ بيعُها أو التصرُّف فيها، وتعتبر هذه المرحلة من أصعب المراحل لأن فرصة اكتشافها تكون عاليةً؛ لأنها تتضمن نقودًا سائلةً، ويكون التعرف على مَن قام بإيداعها سهلًا في معظم الأحيان.
  • مرحلة التمويه: وهي مرحلة التجميع أو التعتيم، حيث تبدأ بعد دخول الأموال في قنوات النظام المصرفي الشرعي، ويقوم غاسل الأموال باتخاذ الخطوة التالية والتي تتمثَّل في التفريق بين الأموال المراد غسلها وبين مصدرها غير الشرعي؛ وذلك من خلال عمليات مصرفية مشروعة ومعقدة، ويكون الهدف جَعْل تتبُّع مصادر تلك الأموال غير المشروعة أمرًا صعبًا، وتتلخص أهم تلك الوسائل في تكرار عملية تحويل تلك الأموال من بنك لآخر والتحويل الإلكتروني لتلك الأموال.
  • مرحلة الإدماج: وهي المرحلة الختامية في غَسْل الأموال، ويترتب عليها إضفاء طابع الشرعية على تلك الأموال؛ لذلك يُطلق عليها مرحلة “التجفيف”، وفيها يتم دمج الأموال المغسولة في الوحدة الاقتصادية والنظام المصرفي لكي تبدو وكأنها عوائد صفقات تجارية عادية، ومن أمثلتها إنشاء الشركات الوهمية والفواتير المزورة في مجال الاستيراد والتصدير، وعند الوصول إلى هذه المرحلة يغدو من الصعب التمييز بين الأموال غير المشروعة وتلك المشروعة إلا من خلال أعمال البحث السري وزرع المختصين بمكافحة غسل الأموال بين عصابات غَسْل الأموال.
  • طُرق غَسْل الأموال:
  • التحزيز أو هيكلة العمليات المصرفية لمبالغ كبيرة من الأموال في معاملات صغيرة متعددة مُوزَّعة على عدد كبير من الحسابات البنكية المختلفة.
  • الاستثمار في سلع متنقلة، مثل الأحجار الكريمة والذهب.
  • الاستثمار في الأصول ذات القيمة، مثل العقارات.
  • التزوير والقمار.
  • المزادات والمبيعات عبر الإنترنت.
  • إنشاء الشركات الوهمية.
  • استخدام أساليب الدفع المجهولة عبر الإنترنت.
  • استخدام العملات الافتراضية.
  • استخدام مواقع الألعاب الافتراضية حيث يتم تحويل الأموال غير المشروعة إلى عملة ألعاب، ثم تحويلها مرة أخرى إلى أموال نظيفة قابلة للاستخدام ويصعب تعقُّبها.
  • أنواع غسل الأموال:

يتم غسل الأموال بأسلوبين متعاكسين:

  • إعادة تدوير الأموال الناتجة عن الأعمال غير المشروعة في قنوات استثمار شرعية لإخفاء مصدرها الحقيقي، ولتبدو كما لو أنها نتجت عن مصدر مشروع، ومن أمثلتها – كما تمت الإشارة – تلك الأموال المتولِّدة عن تجارة المخدرات والأسلحة.
  • غسيل الأموال العكسي، ويعني أن هناك أموالًا من مصدر مشروع ويتم إنفاقها في مصدر غير مشروع، مثل تمويل العمليات الإرهابية أو شراء الأسلحة.
  • أركان جريمة غسل الأموال:
  • الركن المفترض: هو محل جريمة غسل الأموال، وهو المال غير المشروع أو غير النظامي؛ على سبيل المثال: (تجارة المخدرات، الأسلحة، استغلال النفوذ، جرائم الفساد المالي والإداري، التستُّر التجاري، تزييف النقود، تزييف بطاقات الائتمان).
  • الركن المادي: يتحدَّد الركن المادي من الوقائع المادية المطابقة للنص التجريمي الذي حدَّد أفعالًا وسلوكيات مُحدَّدة تعتبر من الأفعال المُجرَّمة، وهي المكوِّنة لجريمة غَسْل الأموال.
  • الركن المعنوي: هو القصد الجنائي، وهو العلم والإرادة لجريمة غَسْل الأموال، وأنها ناتجة أو متحصَّلة من نشاط إجرامي أو غير مشروع أو غير نظامي.
  • ثالثًا – الآثار المترتبة على عمليات غَسْل الأموال:

يترتب على عمليات غَسْل الأموال عددٌ من الآثار السلبية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي؛ فعلى المستوى الاقتصادي نجد أن:

  • نزاهة المؤسسات المالية تعتمد بشكل كبير على التزامها بالأنظمة وقواعد الأخلاق العالية وبمستوى مهنيتها، وتعَدُّ هذه النزاهة من أهم الأصول التي تمتلكها هذه المؤسسات وتحرص على المحافظة عليها في جميع الأوقات. لذلك، فإن عمليات غَسْل الأموال تُفقِد هذه المؤسسات جزءًا من نزاهتها؛ مما يضعف الثقة في النظام المالي ككل.
  • عادة ما تستهدف عمليات غَسْل الأموال النظُم المصرفية الضعيفة أو التي يوجد بها ثغرات، وبالتالي تقوم هذه الأنظمة بجذب بعض العمليات المشبوهة لضعف قدرتها على التمييز بينها وبين الأنشطة المشروعة؛ مما يضعف هذه الأنظمة أكثر، ويقلل من فرصها في جذب الاستثمارات الجيدة.
  • يترتب على عمليات غَسْل الأموال حدوث استقطاعات من الدخل القومي للبلد وذهابه إلى جهات واقتصادات خارجية.
  • تؤدي عمليات غسيل الأموال في بعض الأحيان إلى زيادة مستويات السيولة في البلد، وبشكل لا يتناسب مع الزيادة في حجم إنتاج السلع والخدمات؛ مما يؤدي إلى زيادة الأسعار وارتفاع معدلات التضخم بسبب وجود هذه السيولة في أيدي فئات تميل إلى نمط عشوائي وغير رشيد للاستهلاك.
  • يؤدي غسل الأموال إلى إفساد مناخ الاستثمار وظهور أشكال من المنافسة غير الشريفة.
  • قد يؤدي غَسْل الأموال إلى تدهور قيمة العملة الوطنية وحدوث تشوهات في الأسواق المالية.
  • يؤدي غَسْل الأموال إلى التهرُّب الضريبي ونقص إيرادات الدولة من هذه الضرائب.
  • انتشار اقتصاد الظل أو التستُّر التجاري، وتراجُع معدلات النمو الاقتصادي.

أما على المستوى الاجتماعي، فإن هذه الآثار تتمثَّل في:

  • ظهور جماعات الجريمة المنظَّمة التي تهدف إلى تحقيق أعلى الأرباح من أنشطة غير مشروعة تُحدِث أضرارًا جسيمة لبعض فئات المجتمع.
  • تراجع قيم الثقافة والتعليم؛ لما تعنيه جرائم غسل الأموال من كسب سريع لا يحتاج إلى مؤهلات علمية.
  • انتشار الفساد والرشاوى في بعض أجهزة الدولة.
  • سيطرة عصابات غَسْل الأموال على النظام المالي في بلد ما يؤدي إلى خلق حالة من الفوضى وإضعاف للقيم الأخلاقية.

أيضًا، فمن الآثار السلبية التي قد تُسبِّبها عمليات غَسْل الأموال وتترك بالغ الأثر في الاقتصاد الكلي وقوى وآليات السوق:

  • ما تُسبِّبه من عرقلة لشركات القطاع الخاص ومؤسساته ذات المصادر المشروعة على المنافسة الشريفة، وعن مواصلة العمل في السوق؛ نظرًا لقيام غاسلي الأموال وتعمدُّهم توفير منتجات ذات أسعار أقل من تكلفتها الحقيقية في شركاتهم الوهمية؛ الأمر الذي يؤثِّر سلبًا في قدرة واستمرارية شركات القطاع الخاص، إذ قد تضطر إلى الخروج من السوق أو تغيير نشاطها.
  • ما يحدثه غَسْل الأموال من احتكار لبعض الأنشطة التجارية والصناعية؛ كونها تُقدِّم المنتج أو السلعة بأسعار أقل من قيمتها أو تكلفتها الحقيقية، والتي لا تقدر المؤسسات والشركات التي تعمل بأموال مشروعة على تقديمها بنفس المواصفات والجودة والسعر.
  • قد تطال الآثار السلبية لتلك العمليات المشبوهة – التي تقترن عادةً بهروب رؤوس الأموال إلى الخارج من خلال التحويلات المصرفية التي تتم آليًّا بين بنوك محلية وبنوك خارجية – معدلات الادخار المحلي وما يترتب عليها من زيادة الفجوة التمويلية بين الادخار المحلي والاستثمار؛ حيث تعجز المدخرات المحلية عن الوفاء بمتطلبات الاستثمار اللازمة لزيادة معدلات النمو الاقتصادي.
  • قد يتردد بعض مسؤولي العمل المصرفي في اتخاذ الإجراءات المشدَّدة لمكافحة مثل هذه الجرائم خوفًا من تأثُّر المودعين من القيام بعمليات الإيداع؛ كونها المصدر الرئيس الذي يعتمد عليه المصرف في ممارسة نشاطه.

لذلك، يمكن التأكيد على أهمية التوازن بين الرقابة وتطبيق القوانين من جهة، وضمان عدم تأثر عمل المصارف والبيئة الاستثمارية من جهة أخرى.

أما عن آثار عمليات غَسْل الأموال على المستوى الاجتماعي؛ فقد تؤدي إلى زيادة معدلات الفقر وإحداث نوع من الخلل في توزيع الدخول في المجتمع؛ كنتيجة لتحويل الدخول من بعض الفئات الاجتماعية المنتجة إلى فئات أخرى غير منتجة، وما يترتب على ذلك من زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

  • رابعًا – حجم مشكلة غَسْل الأموال:

أظهر تقرير لصندوق النقد الدولي أن حجم تجارة غَسْل الأموال يتراوح بين 950 مليار دولار إلى 1،5 تريليون دولار سنويًّا، وهو ما يعادل 2-5%من الناتج الإجمالي المحلي العالمي، ومن ذلك نُدرك مدى تغلغل عصابات غسيل الأموال وتهديدها لاقتصادات العالم. وفيما يلي بعض الإحصاءات التي تُوضِّح هذه الحقائق الخطيرة.

  • مؤشر بازل لمكافحة غسيل الأموال:

وهو مؤشر يُرتِّب 125 بلدًا حول العالم في ظلِّ مؤشر مكوَّن من 10 درجات من المخاطر، حيث يشير الرقم 10 إلى أعلى درجات المخاطر، والرقم 1 إلى أقلها. وبحسب هذا المؤشر للعام 2019، نجد أن الدول التالية كانت هي الأعلى مخاطر:

الترتيب الدولة الدرجة على مؤشر بازل لمكافحة غَسْل الأموال
1 موزمبيق 8.22
2 لاوس 8.21
3 مانيمار 7.93
4 أفغانستان 7.76
5 ليبيريا 7.35
6 هايتي 7.34
7 كينيا 7.33
8 فيتنام 7.30
9 بنين 7.27
10 سيراليون 7.20

وفي ضوء المؤشر نفسه احتلت الدول التالية المراتب العشر الأولى في قلة المخاطر:

الترتيب الدولة الدرجة على مؤشر بازل لمكافحة غَسْل الأموال
125 إستونيا 2.68
224 فنلندا 3.17
123 نيوزيلندا 3.18
122 مقدونيا 3.22
121 السويد 3.51
120 بلغاريا 3.51
119 ليتوانيا 3.55
118 الأوروجواي 3.58
117 سلوفينيا 3.70
116 إسرائيل 3.76

أما الدول العربية التي ظهرت في هذا التقرير ومن بينها السعودية، فقد تفاوتت درجات المخاطر فيها على النحو التالي:

الترتيب الدولة الدرجة على مؤشر بازل لمكافحة غَسْل الأموال
15 اليمن 6.74
27 الجزائر 6.28
36 المغرب 6.12
52 الإمارات 5.6
53 البحرين 5.64
55 لبنان 5.46
67 السعودية 5.26
77 قطر 4.97
86 الأردن 4.77
98 مصر 4.55

وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية احتلت المرتبة 72 في هذا المؤشر، وبدرجة خطر تُقدَّر بـ 5.03، حيث تُقدَّر قيمة عمليات غَسْل الأموال فيها بـ 300 مليار دولار سنويًّا، منها 100 مليار دولار عمليات احتيال في القطاع الصحي، وهذه الأموال بإمكانها شراء معلم تاج محل (المُقدَّر بـ 916 مليون دولار) 327 مرة، أو شراء ناطحة السحاب الإمباير ستيت (المُقدَّرة بـ 1،89 مليار دولار) 158 مرة.

  • أكبر حالات غسيل الأموال حول العالم:
السنة اسم البنك قيمة غَسْل الأموال
1990 بنك الائتمان والتجارة الدولي 23 مليار دولار
2002 بنك ناورو 70 مليار دولار
2004-2007 بنك واشوفيا 380 مليار دولار
2004-2012 بنك ستاندرد تشارتر 250 مليار دولار
2015 بنك دانسك 229 مليار دولار

 

  • حالات غسيل الأموال في المملكة:

ليس هناك إحصاءات متوفرة عن حجم وعدد حالات غسيل الأموال في المملكة، ولكن هناك بعض الأخبار التي تُنشَر في الصحف المحلية عن بعض الحالات التي تمَّ ضبطها بين الحين والآخر؛ فعلى سبيل المثال: صحيفة الأعمال العربية في عددها الصادر في 20 نوفمبر 2016 جاء فيها أن السعودية تُحقِّق في 7 حالات غسيل أموال بلغت قيمتها 4 مليارات دولار، حيث تم توقيف 30 شخصًا متورطًا في هذه العمليات من جنسيات مختلفة، وبينهم مواطنون سعوديون. كما ذكرت صحيفة مراقب الشرق الأوسط في عددها الصادر 19 يونيو2020 أن السعودية أودعت 28 شخصًا السجن في قضايا غَسْل أموال بلغت قيمتها 4.26 مليارات دولار.

  • خامسًا – تطوُّر الاهتمام الدولي بمكافحة غَسْل الأموال.

استشعارًا بما يُشكِّله غَسْل الأموال من مخاطر على النظام المصرفي والمؤسسات المالية والاقتصاد الكلي؛ أنشأت قمة مجموعة الدول السبع الكبرى، في اجتماعها الذي عُقِد في باريس في يوليو ١٩٨٩م، مجموعة العمل المالي لمكافحة غَسْل الأموال

Financial Action Task Force) FATF)؛ وذلك بهدف وضع الأسس والقواعد اللازمة لمكافحة غَسْل الأموال، وبالفعل أعدَّت المجموعة في أبريل ١٩٩٠م تقريرًا تضمَّن أربعين توصيةً بالأساليب والأنظمة والوسائل العملية لمكافحة غَسْل الأموال، اعتُمدت وبُدِئ بتنفيذها من قِبل الدول الأعضاء.

وفي قمة هيوستن لمجموعة الدول السبع الكبرى التي عُقِدت في يوليو١٩٩٠م، قرَّرت الدول الأعضاء في المجموعة توسعة عضويتها لتشمل جميعَ دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والدول التي تُمثِّل مراكز مالية عالمية، والمنظمات الإقليمية التي تضمُّ في عضويتها دولًا تُمثِّل مراكز مالية مؤثرة، ومنها مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ وذلك بهدف زيادة قبول توصيات مجموعة العمل المالي (فاتف) الأربعين على المستوى الدولي، والالتزام بتنفيذ ما جاء فيها من قِبل أكبر عدد من الدول، وأصبح من ذلك التاريخ مجلس التعاون عضوًا عاملًا في المجموعة، وتُشارك الأمانة العامة لدول مجلس التعاون في اجتماعات المجموعة ومعها مُمثِّلون من دول المجلس وفِي مقدمتهم ممثلو المملكة، التي أصبحت لاحقًا عضوًا  عاملًا.

ونتيجة لأحداث ١١سبتمبر ٢٠٠١م؛ اتفقت الدول الأعضاء في المجموعة على توسيع مهامها لتشمل مكافحة تمويل الإرهاب، وأصدرت تسع توصيات خاصة بذلك أُضيفت إلى التوصيات الأربعين.

وفِي بداية هذا العقد، أضافت المجموعة إلى مهامها موضوع مكافحة تمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الفساد؛ مما أدى إلى مراجعة التوصيات بحيث تمَّ دمج التوصيات التسع الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب مع التوصيات الأربعين، وتمت إضافة توصيات جديدة حول مكافحة تمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل، وتمَّ تعديل بعض التوصيات السابقة وإعادة صياغتها لتستجيب للمخاطر الجديدة، واعتُمدت التوصيات الـ ٤٩ المُعدَّلة في عام ٢٠١٢م.

ومقر مجموعة العمل المالي في باريس. ومجموعة العمل المالي عبارة عن محفل دولي لوضع التوصيات والسياسات بشأن هذه المواضيع؛ تمهيدًا لاعتمادها من الدول الأعضاء.

ومن مهامها الأساسية إجراء عملية تقييم مشترك لكافة الدول الأعضاء وغير الأعضاء؛ بهدف التحقُّق من التزامها بالمعايير الدولية والتوصيات الصادرة بشأن مكافحة غَسْل الأموال وتمويل الإرهاب. وقد خضعت دول مجلس التعاون لعمليات التقييم المشترك خلال الفترة من ٢٠٠١م إلى ٢٠٠٤م، ثم تمَّ تقييمها مرة أخرى بمشاركة مينافاتف خلال الفترة ٢٠٠٨ – ٢٠١٠م.

وفِي عام ٢٠٠٤م، أُنشئت مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENAFATF)، ومقرها البحرين، ودول مجلس التعاون الست أعضاء مؤسِّسون فيها، والأمانة العامة لمجلس التعاون عضو مراقب، ومن الأعضاء المراقبين فيها فاتف، والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا.

ومينافاتف إحدى ثماني مجموعات إقليمية على مستوى العالم، وتقوم بدور مشابه ومساند لمجموعة العمل المالي الدولية فيما يتعلق بمتابعة التزام دول المنطقة بالتوصيات الـ ٤٩.

ومن الجدير بالذكر أن المملكة وبقية دول المجلس أعضاء في مجموعة إيجمونت لوحدات المعلومات والتحريات المالية، وهي المنظمة الدولية المُشكَّلة من الوحدات المعنية بتلقِّي وتحليل وتوزيع البلاغات الخاصة بقضايا غَسْل الأموال وتمويل الإرهاب.

وختامًا، يمكن القول إن مكافحة غَسْل الأموال بدأت بهدف الحدِّ من آثاره السلبية على النظام المصرفي والمالي، والحد من التهرُّب من الضرائب ومكافحة الجرائم والأعمال غير المشروعة، وتضاعَف عمل المجموعة بعد تزايُد ظاهرة الإرهاب. ومكافحة كلتا الآفتين محل اهتمام منظمة الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها، وكذلك محل اهتمام البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إضافةً إلى فاتف، فضلًا عن جهود الدول منفردةً ومجتمعةً.

  • سادسًا – جهود المملكة العربية السعودية للتصدي لعمليات غَسْل الأموال:

تخوض المملكة العربية السعودية – كما العديد من دول العالم – حربًا شعواء على كلِّ الممارسات المالية غير الشرعية، والتي تُمثِّل شكلًا من أشكال الفساد الذي يُهدِّد الأمن الوطني، ويعبث بمقدرات البلد، ويُعرِّض الاقتصاد لهزات عنيفة تُولِّد خسائر فادحة وحالةً من عدم الثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء.

وقد قامت المملكة العربية السعودية خلال العقدين الماضيين بتبنِّي العديد من المبادرات والإجراءات وإصدار عدة قوانين خاصة بمكافحة عمليات غسل الأموال، وكانت في مُقدِّمة الدول المشاركة في الحدِّ من عمليات غسل الأموال والأنشطة المتعلقة بها. وتستمد المملكة هذا الموقف المتشدد إزاء هذه الممارسات غير الشرعية – والتي تعَدُّ شكلًا من أشكال الفساد – من التزامها بنصوص الشريعة الإسلامية وبالنظُم المحلية والتوصيات الدولية على حد سواء.

  • السياسات والمنظمات التي أثَّرت على توجُّه المملكة في مكافحة عمليات غَسْل الأموال.
  • منظمة فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية (FATF)، وهي منظمة شكَّلتها دول مجموعة السبع G7، وقد حصلت المملكة على العضوية الكاملة في هذه المنظمة في شهر يونيو من عام 2019؛ وبذلك تكون أول دولة عربية تحصل على ذلك حيث كانت قبل ذلك عضوًا مراقبًا، وحصول المملكة على هذه العضوية جاء نتيجةَ جهود ومبادرات مستمرة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي لمحاربة تمويل الإرهاب وغَسْل الأموال على مدى السنوات الماضية.
  • EU AML Directive  حيث تبنَّى الاتحاد الأوروبي أول سياسة لمحاربة غسل الأموال في العام 1990، وآخر سياسة تمَّ تبنِّيها كانت في 10/1/2020.
  • العقوبات الدولية على ممارسات غَسْل الأموال، والتي تصدر من عدة جهات، مثل: مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ( (OFACفي الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي EU))، والأمم المتحدة (UN).
  • WOLFSBERG PRINCIPLES من مجموعة بازل، وهو تجمُّع لـ 13 بنكًا عالميًّا، ويهدف إلى تطوير إطار ودليل لإدارة مخاطر الجرائم المالية، وتشكَّل في سويسرا في العام 2000، وتمَّ إصدار مبادئ مكافحة غَسْل الأموال في شهر أكتوبر من عام 2000، وتمَّت مراجعتها في شهر مايو من عام 2002، وآخر مراجعة كانت في شهر يونيو من عام 2012.
  • القوانين الصادرة في أنحاء شتى من العالم لمكافحة غَسْل الأموال.
  • تاريخ قانون مكافحة غَسْل الأموال في المملكة:
  • 1989، أشار دليل مراقبة البنوك الداخلي إلى عمليات غَسْل الأموال.
  • 1996، الدليل الإرشادي للبنوك العاملة في المملكة – والذي يُنظِّم عمل لجان المراجعة – أشار إلى عمليات غَسْل الأموال.
  • 1999، تشكيل اللجنة الدائمة لمكافحة غسل الأموال التي ترأسها “ساما”، وتضمُّ ممثلين عن وزارة الداخلية، وزارة الخارجية، وزارة العدل، وزارة التجارة، وزارة المالية، وزارة الموارد البشرية (العمل سابقًا)، وزارة الشؤون الإسلامية، رئاسة أمن الدولة، النيابة العامة، رئاسة الاستخبارات العامة، وهيئة السوق المالية. وقد تمَّ تشكيلها في العام 1999م بقرار من مجلس الوزراء لتطبيق التوصيات الأربعين الصادرة عن مجموعة العمل المالي(1)، ووفقًا للأنظمة المعمول بها في المملكة، ومن مهامها: وَضْع الخطوات اللازمة لتنفيذ التوصيات المذكورة، ودراسة جميع المواضيع المتعلقة بمكافحة غَسْل الأموال في المملكة.
  • 2003، إصدار قانون مكافحة غَسْل الأموال مع الإشارة إلى تمويل الإرهاب.
  • 2005، إصدار قوانين تطبيق مكافحة غَسْل الأموال.
  • 2008، أشار التحديث الرابع للقواعد المنظِّمة لفتح الحسابات لدى البنوك ودليل مكافحة الاختلاس والتلاعب من قِبل إدارة مراقبة البنوك في “ساما” إلى عمليات غَسْل الأموال.
  • 2010، أشارت أنظمة الخدمات الإلكترونية للبنوك إلى عمليات غَسْل الأموال.
  • 2011، أشارت إجراءات وإطار سياسة المخاطر في مواقع العمل الصادرة عن “ساما” إلى عمليات غَسْل الأموال.
  • 2019، قامت “ساما” بمراجعة قوانين مكافحة غَسْل الأموال، كما قامت هيئة سوق المال بإصدار قوانين مكافحة غَسْل الأموال وتمويل الإرهاب.

وتوجد عدة وسائل لغَسْل الأموال في السعودية؛ منها ما تقوم به العمالة نتيجة ممارسة أعمال تجارية تحت غطاء التستُّر التجاري. وهؤلاء يحوِّلون أموالهم عن طريق مؤسسات تجارية سعودية مقابل نسبة عالية. وقد حاربت المملكة هذا النوع بعدة وسائل مباشرة، مثل نظام مكافحة التستُّر، ولكن آخرها كان تطبيق ضريبة الاستقطاع على أموال التجار المُحوَّلة للخارج، وعلى متابعة تحصيل الجمارك ومقارنة فواتير الاستيراد التي يُقدِّمها التجار بقيمة الأموال المُحوَّلة للخارج في حساباتهم. وقد أدى هذا إلى الحدِّ من عمليات غسيل الأموال للخارج بشكل كبير جدًّا، وأدى إلى زيادة كفاءة تحصيل رسوم الجمارك أيضًا؛ مما دعا الحكومة إلى ضمِّ الهيئة العامة للزكاة مع الجمارك. ولعل طريقة غسيل أموال السعوديين تكاد تكون مقفلة أو محدودة، حيث يخضع حساب كل مسؤول إلى مراقبة البنك المركزي، وتوجد أنظمة تُحلِّل سلوك المسؤول الإداري. ويوجد أيضًا مجال آخر لغَسْل الأموال، وهو الأموال التي يتحصَّل عليها المتعاملون في سوق المال والمخالفون لأنظمته، مثل التداول بناء على معلومات داخلية. وتراقب هيئة سوق المال التصرفات المشبوهة وتحويل الأموال بين الأطراف المتعاملة في ذلك. ولكن ما زالت تجري كثير من العمليات بدون ضبطها بسبب طبيعة وتنوُّع الأعمال التجارية للمتعاملين في هذا المجال.

أيضًا، وضعت السعودية حدودًا لقيمة النقد المنقول مع المسافرين من والى السعودية بـ ٦٠ ألف ريال؛ مما حدَّ من استغلال بعض الثغرات في أنظمة الدول المجاورة التي تسمح بإيداع مبالغ نقدية عالية بدون تدقيق.

والمشكلة الكبرى في مسألة غَسْل الأموال أنها تعتبر من أصعب الجرائم التي يتم كشفها؛ نظرًا لصعوبة إثبات أركان الجريمة على المتهم. لكن ما يهمُّنا هنا هو معرفة الأنشطة التي يكثر فيها غَسْل الأموال. وثمةَ أمثلةٌ عديدة على نحو ما تمت الإشارة إليه سلفًا، يُضاف إليها محلات الصرافة وتبادُل العملات، فهي تعتبر من أهم المَلاذات الآمنة التي تُستخدَم لغَسْل الأموال عن طريق العمالة الوافدة أو عن طريق انتشار السياح. وبالنظر إلى أنَّ من ضمن رؤية ٢٠٣٠ تعزيز السياحة، فهذا يعني أن خطر انتشار غَسْل الأموال في المملكة سيكون أكبر، سواء من ناحية تنوُّع الأنشطة السياحية التي قد يتم ابتداع طرق لاستبدال الكاش عن طريقها أو أنشطة تساعد على دمج الأموال النظيفة مع الأموال غير النظيفة. لذلك، يجب التركيز على أنواع الأنشطة السياحية، وعلى الأنظمة التي تُنظِّمها، وعلى تشديد الرقابة على محلات الصرافة. وبالتأكيد، فإن ساما لديها قواعد تُنظِّم عمل أعمال الصرافة، ولكن يجب مراجعتها بصفة دورية؛ إذ إن تقنية غَسْل الأموال تتطور بشكل كبير.

ومن المقترحات لمكافحة غَسْل الأموال: التوسُّع في البيع الإلكتروني، والتشديد على ذلك للخروج من مشكلة “النقد” أو الكاش الذي يصعب تحديد مصادره.

وفي سياق متصل، تجدر الإشارة إلى أن نظام مكافحة الأموال قدَّر الواجبات النظامية على الأعمال المهنية، ومنها أعمال المحاماة كمثال في مكافحة غسل الأموال بما يلي:

  • اتباع الإجراءات اللازمة عند إنشاء علاقة مهنية مع الغير؛ من خلال:
  • تطبيق مبدأ “اعرف عميلك”.
  • التحقُّق من هوية المتعاملين معه سواء كان شخصًا طبيعيًّا أو اعتباريًّا.
  • بذل العناية الواجبة، واتخاذ الإجراءات وفق النظام؛ على سبيل المثال: شراء العقارات وبيعها، إدارة الأموال أو الأوراق المالية أو الأصول التي يمتلكها العميل، إدارة الحسابات المصرفية أو حسابات التوفير أو الأوراق المالية، إنشاء الشخصيات الاعتبارية أو الترتيبات القانونية أو تشغيلها أو إدارتها، شراء الكيانات التجارية وبيعها.
  • اتخاذ الإجراءات اللازمة لحفظ السجلات والأوراق المتبادلة لأي عملية مهنية.
  • إيجاد آلية لحفظ السجلات والمستندات عبر الطريق الآمن.
  • حفظ ملفات الحسابات والمراسلات التجارية والمهنية والوثائق.
  • أَخذ الإجراءات الاحترازية والرقابية الداخلية.
  • وضع ضوابط مكتوبة وفعَّالة تحول دون استغلال تلك المؤسسات في عملية غَسْل الأموال.
  • القيام بالمتابعة والرقابة للتحقُّق من تطبيق العمليات، والتأكد من سلامة الإجراءات.
  • تحديث تلك الضوابط دوريًّا بما يُساير تطوُّرات غَسْل الأموال.
  • اتباع الإجراءات الفعَّالة للتبليغ.
  • حالة الاشتباه أو وجود أسباب معقولة من الأموال أو بعضها تُمثِّل متحصلات لنشاط إجرامي، أو في ارتباطها أو علاقتها بعمليات غسل الأموال.
  • وَضْع آلية تضبط المعاملات لمعرفة المؤشرات التي تُظهر احتمالية وجود غَسْل أموال أو شبهة غسل أموال.
  • لا يجوز الاعتذار بمبدأ السرية أمام النصوص النظامية فيما يُسعَى إليه من حفظ الحقوق من الاعتداء عليها أو استغلالها بطُرق غير مشروعة.
  • وضع برنامج لمكافحة غسل الأموال.
  • وضع سياسات وإجراءات وضوابط داخلية لمكافحة غَسْل الأموال، وإبلاغ موظفيه بها.
  • بذل العناية الواجبة على حفظ السجلات وآلية الكشف عن العمليات المشبوهة.
  • وضع ترتيبات ملائمة لإدارة مكتبه.
  • تعيين مسؤول الالتزام بصلاحيات مستقلة عن الإدارة.
  • إنشاء وحدة تدقيق ومراجعة مستقلة وفقًا لمعيار معدل المخاطر وتقييمها.
  • إعداد برامج تدريبية ضمن مهام العاملين؛ لإحاطتهم بالأنظمة والتعليمات ذات العلاقة بمكافحة غَسْل الأموال والمستجدات في هذا الشأن.
  • تطبيق إجراءات الفحص لضمان وجود معايير ذات كفاءة عالية عند اختيار العاملين تحت إشراف المحامي، ورقابة أعمالهم خلال ممارستهم المهنية.
  • عقوبة غسل الأموال في المملكة:

سنَّت المملكة عقوبات شديدة على مرتكبي غَسْل الأموال حيث إنَّ الإدانة بهذه الجريمة تُعرِّض مرتكبها لغرامة مالية تصل إلى 7 ملايين ريال، والسجن لمدة تصل إلى 15 سنة، أو بكلتا العقوبتين وبالمنع من السفر لمدة مماثلة.

  • كيف يواجه النظام المصرفي السعودي عمليات غَسْل الأموال؟
  • استخدام الطريقة المعتمدة على تقييم المخاطر:

إن أول توصية لمجموعة العمل المالي هي تقييم مخاطر غسل الأموال، ومن ثَمَّ استخدام طريقة مكافحة معتمدة على مستوى هذه المخاطر؛ لأن استخدام هذه الطريقة يعني أن المعايير المُتخَذة للمكافحة تتناسب مع مستويات الخطر، ولن يكون هناك أيُّ هدر للموارد المخصَّصة، وتقييم المخاطر يعني رصدها وفهمها بشكل كامل، وتحديد أي نوع من المخاطر قد ينشأ مستقبلًا.

ويتضمن تحليل المخاطر في الأنظمة البنكية تحديد المخاطر المتعلقة بكلٍّ من:

  • المنتجات والخدمات؛ وذلك بتطبيق معايير الرقابة على هذه المنتجات والخدمات، وعلى أي عمليات تتم عليها، وعلى أي إنهاء للعلاقات فيها.
  • العملاء، ويتضمن أيضًا الرقابة على العمليات المُنفَّذة من قِبلهم، وتدريب موظفي البنك على اكتشاف أي حركات غير طبيعية في حساباتهم.
  • البلد، ويتضمن مراقبة كافة العمليات البنكية التي تتم داخل البلد بما فيها العمليات الملغاة أو العلاقات المنتهية.
  • تصميم السياسات والإجراءات والأنظمة لمكافحة عمليات غسل الأموال:

عند تصميم هذه السياسات والإجراءات والأنظمة، يجب الحرص على أن تكون واضحةً ومكتوبةً ومتوافقةً مع الأنظمة المعمول بها، ويُسنَد تصميمها إلى أحد مسؤولي الإدارة العليا، وهو يتولى فيما بعدُ متابعتها وتحديثها وتدريب الموظفين على تطبيقها. كما أنه يجب مراجعتها من وقت لآخر؛ لضمان صلاحيتها وقدرتها على تغطية كافة الجوانب.

يجب أن يكون لدى هذه الأنظمة القدرة على لفت أنظار المراقبين (Red flag) إلى أي عمليات نقدية كبيرة، أو أي عمليات مُنفَّذة من أشخاص يُشتبه في علاقتهم بغسل الأموال أو أي حركات غير طبيعية في الأنشطة أو الكميات. وتعتبر عمليات التأكُّد المبدئية مهمة جدًّا في رصد أي اشتباه قبل أن يتحول إلى خطر حقيقي.

  • نموذج خطوط الدفاع الثلاثة لمكافحة غسل الأموال:

يقوم خط الدفاع الأول بالتأكُّد من أن جميع وحدات الأعمال تقوم بعملها ضمن الخطط والإجراءات والسياسات المقررة سلفًا. بينما يقوم خط الدفاع الثاني بالتأكُّد من أن مخاطر جميع وحدات الأعمال تمَّ رصدها ومتابعتها ومراقبتها بحرص. خط الدفاع الثالث وهو المراجع الداخلي يقوم بإعطاء تأكيد مستقل بأن جميع الإجراءات والسياسات يتم تطبيقها بكفاءة عالية.

  • الابتكار في مكافحة عمليات غسل الأموال:
  • أتمتة العمليات اليدوية مثل تأكيد هوية العميل، البحث عن العلاقات السابقة للعميل مما يتيح لمُحللي الالتزام التركيز على تحليل البيانات بدلًا من إدخالها يدويًّا.
  • استعمال الذكاء الاصطناعي يُقلِّل من احتمالات القرارات والاستنتاجات الخاطئة.
  • يساعد تحليل البيانات موظفي الالتزام في دراسة العمليات الضخمة؛ ومن ثَمَّ اتخاذ الإجراء المناسب لتقليل المخاطر.
  • يساعد الذكاء الاصطناعي في توفير أدوات فعَّالة لتحديد الاتجاهات في البيانات الضخمة، وخاصة تلك التطبيقات المتعلقة بمعرفة العملاء.
  • تُمثِّل تقنية سلسلة السجلاتblockchain) ) تحديًا حقيقيًّا لعمليات غَسْل الأموال؛ لأنها عبارة عن قائمة أو سلسلة من السجلات، حيث يتمُّ تسجيل عملية في كل سجل، ويحتاج المتعاملون إلى استخدام مفاتيح تؤهِّلهم للانتقال من سجل إلى آخر؛ مما يخلق تحديًا كبيرًا لغاسلي الأموال في الدخول إلى هذه السلاسل دون الحصول على هذه المفاتيح الشرعية.
  • تُقدِّم التكنولوجيا المالية (Fintech) خدمات تجميع الأنظمة واللوائح المتغيرة في مختلف المناطق الجغرافية، وتُستخدَم البيانات الضخمة وتحليل البيانات المتشعبة لحل مسائل تتعلق بمكافحة غَسْل الأموال والاحتيال والجرائم الإلكترونية.

وتُمثِّل جرائم غَسْل الأموال تهديدًا كبيرًا لاقتصادات الدول، وبالرغم من الجهود والتكاليف التي تبذلها الحكومات لمكافحة هذه الجرائم إلا أنها لا تزال تُمثِّل خطرًا كبيرًا يُهدِّد الأمنَ الاقتصاديَّ ويُعرِّض سمعة ونزاهة الأنظمة المصرفية للكثير من التراجع والانحدار. تقوم الأنظمة المالية والحكومات بجهد كبير لمكافحة هذه الممارسات غير المشروعة، والتي تُكلِّف ميزانياتها الكثيرَ من الأموال، ويبقى علينا كأفراد التنبُّه للأساليب المتنوعة التي يلجأ لها مَن يرتكب هذه الممارسات الإجرامية، مِن فَتْح حسابات وهمية أو إشراك الأبرياء في عملياتهم عن طريق تحويل الأموال لحساباتهم أو غير ذلك من الحيل الأخرى؛ لأن أمن بلادنا وازدهار اقتصادنا هو واجب وطني يحتمه الدين والولاء لهذا الوطن المعطاء وولاة الأمور الذين لم يدخروا وسعًا في حمايتنا ورعاية كافة أمورنا بحكمة وروية وبُعد نظر.

وإجمالًا، يتضح مما تقدَّم ويظهر جليًّا خطورة جريمة غَسْل الأموال على الدول والمجتمعات، وامتدادًا للجهود المحلية والإقليمية والدولية التي تبذلها السعودية في مجال مكافحة غَسْل الأموال؛ تتحتم ضرورة دعم ومساندة تلك الجهود بما يلي:

  • تضافُر الجهود على إيجاد كافة السُّبل المتطورة والطرق المهنية لمكافحة غَسْل الأموال.
  • العمل وبشكل مستمر بهدف تطوير وتقوية آلية العمل لدى الجهات المعنية في المملكة.
  • تطوير المنظومة التشريعية والمهنية المرتبطة بمكافحة غَسْل الأموال وفق المعايير والمتطلبات الدولية، وأفضل الممارسات المعمول بها في هذا الشأن.

ومن المهم الوضع في الاعتبار أن مكافحة غسيل الأموال والأنظمة والقوانين التي تتصدى لها قد تُبطِّئ من ديناميكية الحركة الاقتصادية والاستثمارية وتعقيد بعض جوانبها؛ مما قد ينتج عنه تأثير على جاذبية البيئة الاستثمارية، وهذا التوازن بين الرقابة وتطبيق القوانين من جهة، وجاذبية البيئة الاستثمارية من جهة تفشل فيه كثير من الدول، وبالتالي يتم الاهتمام بجانب على حساب الجانب الآخر، وهذا الموضوع مهمٌّ وجوهريٌّ، ويحتاج إلى حلول إبداعية قد لا يمكن الوصول إليها أو الاقتناع بها بسهولة.

  • سابعًا – التوصيات:
  • هناك حاجة مُلِحَّة لمزيد من التوعية والتثقيف للأفراد وكيانات الأعمال الصغيرة والمتوسطة بمخاطر غَسْل الأموال على الاقتصاد والمجتمع، وبدورهم في مكافحة غَسْل الأموال والتعريف بما يترتب على المتورطين في اقتراف هذه الجريمة من عقوبات.
  • محاربة شتى أنواع الجرائم وكل أنشطة الاقتصاد الخفي ولا سيما ما له علاقة بغسل الأموال، مثل التستُّر التجاري والجرائم الإلكترونية والفساد، والتي تُشكِّل رافدًا لعمليات غَسْل الأموال.
  • تكثيف تدريب العاملين في المؤسسات الأمنية والمالية ومؤسسات الأعمال والمهن غير المالية على مختلف أساليب غَسْل الأموال المستجدة والاحتيالات والتحويلات الإلكترونية؛ بما يُمكِّنهم من مراقبة واكتشاف عمليات غَسْل الأموال بكفاءة.
  • تعزيز الجهود وتضافرها من قِبل القطاعين العام والخاص والمنظمات غير الهادفة للربح، للاستفادة من أحدث الآليات والأساليب المُستجَدَّة والمتطورة والطرق المهنية لمكافحة غسل الأموال وفق أفضل الممارسات في هذا المجال. واتباع سياسة وقائية استباقية متطورة في وسائلها تستجيب لمكافحة الأساليب الجديدة لهذه الجريمة والمتطورة مع تطوُّر التقنية.
  • تشجيع المجتمع على استخدام وسائل الدفع الإلكترونية مهما صغر المبلغ، والحد من التعامل بالنقد (الكاش)؛ وذلك بإلزام جميع المحلات بتوفيرها، وجَعْل الدفع الإلكتروني مُلزمًا عند التعامل في السلع والخدمات ذات الأثمان الكبيرة ولا سيما في المجالات التي قد تكون بيئةً خِصبةً لغَسْل الأموال.
  • تشديد الرقابة على المجالات التي قد تكون بيئةً خصبة لغسل الأموال، مثل المزادات ومحلات الصرافة وقطاع المقاولات والتطوير العقاري، حيث يتم فيها التعامل بالنقد لدفع نفقات المشاريع الإنشائية خصوصًا مشاريع الأفراد والمنشآت الصغيرة، وكذلك محلات التجزئة لبيع البضائع المخفَّضة.
  • توفير المزيد من الإحصاءات وتحديثها عن عمليات غَسْل الأموال؛ بما يُمكِّن من إيجاد قاعدة بيانات تساعد الباحثين في دراسة جرائم غسل الأموال ومسبباتها وكيفية تحصين المجتمع من آثارها.
  • القيام بمزيد من الأبحاث والدراسات الاستشرافية لجرائم غَسْل الأموال: أسبابها، وآثارها، وكيفية الوقاية منها، ومكافحتها.
  • المراجع:
  • دليل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ساما، ربيع الأول 1441 هـ.
  • المعايير الدولية لمكافحة غَسْل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، توصيات مجموعة العمل المالي FATF))، فبراير 2012 م.
  • Money Laundering and the finance of terrorism, the United Nation response.
  • FATF annual report 2019-2020.
  • Basil AML Index 2019.

 

  • المشاركون:
  • الورقة الرئيسة والمُعقِّبون: د. بسمة التويجري، د. فهد الرفاعي، أ. فهد القاسم.
  • إدارة الحوار: د. ناصر القعود
  • المشاركون في الحوار والمناقشة:

₋  د. عبد العزيز الحرقان

₋  م. خالد العثمان

₋  أ. عاصم العيسى

₋  د. محمد الثقفي

₋  د. خالد الرديعان

₋  د. صالحة آل شويل

₋  د. عبد الله صالح الحمود

₋  أ. فائزة العجروش

₋   د. عبد الرحمن الهدلق

₋   د. نجلاء الحقيل

₋   أ. عبد الله الضويحي


([1]) المؤسسة للتدريب التقني https://www.tvtc.gov.sa/Arabic/TrainingUnits/CollegesOfTechnology/mct/AboutUs/Pages/TVTC_Goals.aspx

([2]) Ranks Frank Technology Transfer 2006

([3](Sullivan Phyllis Technology Transfer 2006

([4]) راضي حسن: آفاق إستراتيجية، موقع اكتساب التكنولوجيا في مشروع قانون الاستثمار 2006.

([5]) مصطفى عماد: نحو إقامة مجتمع المعرفة في البلدان العربية، تقرير التنمية الإنسانية في البلدان العربية 2003.

([6]) عضو مجلس الشورى.

([7]) عضو مجلس الشورى.

([8]) عميد (متقاعد)، ومستشار في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية (2016 – الآن)، ومستشار  في المؤسسة العامة للصناعات العسكرية (2012م -2016).

([9]) لواء ركن (متقاعد) بخبرة واسعة ممتدة لأكثر من 33 عامًا في الإستراتيجيات، والقيادة، وإدارة القتال، والتعليم، والتدريب، وبناء الوحدات وإدارة التغيير في بيئة متعددة.

([10] (https://www.imdb.com/name/nm0041003/

[11] http://johnpilger.com/

([12])  الاقتصاد الإبداعي في المملكة العربية السعودية  https://crik.sa/2018/11/29/2018-11-29-10-51-09

([13]) مشرفة تربوية، مدربة معتمدة من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني.

([14]) مستشار إعلامي ومتخصِّص في الجوانب الرقمية.

(1) للاطلاع على هذه التوصيات:

www.fatf-gafi.org/media/fatf/documents/recommendations/pdfs/FATF-40-Rec-2012-Arabic.pdf

تحميل المرفقات