ملتقى أسبار: التقرير الشهري رقم (76) لشهر يوليو – أغسطس 2021م

للاطلاع على التقرير وتحميله إضغط هنا


 يوليو – أغسطس 2021

 

  • تمهيد:

يعرض هذا التقرير عددًا من الموضوعات المهمة التي تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهري يوليو وأغسطس 2021 م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة حول القضايا التالية:

  • تمكين جامعاتنا الأهلية من الانفتاح على الخارج.
  • وسائل التواصل الاجتماعي (Social Media) وظاهرة المشاهير.
  • حل النزاعات التجارية المحلية والدولية وانعكاسها على الاقتصاد السعودي.
  • الطلاق في المجتمع السعودي.
  • القوة الحادة Sharp Power وأهمية إدراكها والتعامل معها.
  • السعودية والأولمبياد.. والتحديات.
  • دور مراكز الفكر الوطنية في تعزيز مقومات الأمن الوطني وحمايتها من المهددات.

القضية الأولى

تمكين جامعاتنا الأهلية من الانفتاح على الخارج

(4/7/2021)

  • الملخص التنفيذي.
  • أولاً: أهمية تمكين الجامعات الأهلية من الانفتاح على الخارج.
  • ثانياً: محفزات تمكين الجامعات الأهلية لاستقطاب طلاب من خارج المملكة.
  • ثالثاً: آليات تمكين الجامعات الأهلية من الانفتاح على الخارج.
  • رابعاً: التوصيات.
  • المشاركون.

  

  • الملخص التنفيذي.

تناولت هذه القضية تمكين جامعاتنا الأهلية من الانفتاح على الخارج؛ حيث يعد تضمين البعد الدولي أحد أهداف التعليم الجامعي المعاصرة، وأحد السمات التي تحدد مكانة التعليم الجامعي السعودي وأدائه على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ويتسق مع أهداف رؤية 2030؛ ففي ظل التوجهات الحديثة للرؤية ودعم الموارد غير النفطية وتحفيز القطاع الخاص ليكون رافداً تنموياً فاعلاً سواء من حيث المساهمة في الدخل أو فتح فرص استثمارية وتجارية أو خلط فرص عمل متجددة، ثمة أهمية لأن تكون الجامعات الأهلية في طليعة الجهات المبادرة والداعمة لهذا التوجه. ويتواكب ذلك مع الانفتاح الذي تشهده البلاد على كل الأصعدة، والتعليم الأهلي ليس بمعزل عن القطاعات الأخرى كون قطاع التعليم عموماً من القطاعات الواعدة التي من الممكن أن تكون مصدراً ومورداً مالياً جديداً للمملكة إذا ما تم البدء باستقطاب الطلاب الأجانب من المناطق القريبة والبعيدة بدون استثناء.

ومما يشجع على ذلك توفر العديد من عوامل الجذب في المملكة، سواء منها العوامل الاجتماعية والدينية والتاريخية، وكذلك العوامل البيئية والطبيعية.

ولكن ثمة احتياجات محددة يجب العمل على توافرها لغرض تمكين الجامعات الأهلية من الانفتاح على الخارج. كما أن السؤال المهم الذي يجب طرحه: من هم الشرائح المستهدفة ومن أي الدول؟

ومن أبرز التوصيات التي تم الانتهاء إليها ما يلي:

  • منح تأشيرات تسمح للدراسة الجامعية بالمملكة للجامعات الأهلية التي حصلت على الاعتماد الأكاديمي لبرامجها.
  • عقد شراكات مع بعض المؤسسات والشركات للحصول على دعم مالي منها أو منح سنوية أو تقديم قروض ميسرة للطلبة يتم سدادها بعد التخرج.
  • خفض هامش الربحية وتخفيض مصاريف الدراسة الجامعية لزيادة الجذب والرفع من التنافسية مع الجامعات الإقليمية والدولية.

 

أولاً: أهمية تمكين الجامعات الأهلية من الانفتاح على الخارج.

بلا شك تضمين البعد الدولي يعد أحد أهداف التعليم الجامعي المعاصرة، وأحد السمات التي تحدد مكانة التعليم الجامعي السعودي وأدائه على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ويتسق مع أهداف رؤية 2030 .

وفي ظل تداعيات العولمة وتدويل التعليم واقتصاد المعرفة أصبحت الجامعات الأهلية في السعودية بحاجة إلى أن تكون أكثر تطورًا وتنافسية في سوق التعليم المحلي والإقليمي والعالمي، إذ أمامها تحد جديد يطالبها بتحسين نوعية أنشطتها الأكاديمية بالمقارنة مع أقرانها على المستوى المحلي والعالمي في حلبة التنافس بين الجامعات. وخاصة بعد ظهور تصنيفات الجامعات العالمية والتي فرضت على كل جامعة العمل على صياغة إستراتيجيات تنافسية لبناء واستدامة ميزة تنافسية في قطاع التعليم العالي.

وكما هو معروف فإن التعليم الجامعي والعالي في كثير من الدول المتقدمة يعتبر صناعة راقية ومورد دخل جيد ووسيلة حديثة لخلق فرص عمل وفرص تجارية للمناطق حول الجامعة، فكثير من المدن والضواحي الأمريكية على سبيل المثال قامت أصلاً على أكتاف جامعة حكومية أو أهلية أقيمت حولها، بل أن كثيراً من المصانع ومراكز الأبحاث قامت على أساس وجود مرافق أكاديمية في محيطها وتتسابق تلك الجامعات لتسويق خدماتها على مستوى العالم، ويتضح ذلك جلياً على مواقعهم الإلكترونية وقنوات التواصل الاجتماعي المتعددة لديهم، ومن تقاريرهم السنوية ومن حضورهم المكثف للمعارض الأكاديمية على مستوى العالم.

ومن بين أهم المجالات الأساسية لتدويل التعليم العالي في الجامعات الأهلية السعودية، تطوير وتفعيل العلاقات الخارجية والتعاون الدولي، وإعادة صياغة علاقات هذه الجامعات بالمنظمات والمؤسسات التعليمية الخليجية والعربية والإسلامية والدولية، وتنمية قدرتها على مواجهة متطلبات العولمة، ومد شبكات الاتصال والتفاعل لأعضاء هيئة التدريس والباحثين والطلبة فيها بنظرائهم في الجامعات والمعاهد الأجنبية والاتجاه نحو عالمية التعليم مع احترام خصوصية الثقافة السعودية. إلى جانب التوسع في نظم ونماذج التعليم فيها، باستثمار تقنيات المعلومات للوصول إلى راغبي التعلم كل بحسب قدراته، وتأكيد أهمية إدخال البعد الاقتصادي في تدويل التعليم، وإطلاق الحرية للجامعات في تنمية مصادر التمويل للوفاء باحتياجاتها التعليمية والبحثية والخدمية.

إضافة إلى ما تقدم، فثمة عوامل أخرى تعزز من أهمية تمكين الجامعات الأهلية من الانفتاح عالمياً واستقطاب طلاب من خارج المملكة ومن أهمها ما يلي:

  • سعى الجامعات العريقة إلى استقطاب طلاب من دول وثقافات مختلفة لتوفير بيئة متنوعة تسهم في إعداد الطالب للحياة العملية. وهذا التنوع كان ملحوظا في جامعاتنا في الثمانينات الميلادية وفي مختلف التخصصات.
  • انخفاض عدد طلاب المنح في الجامعات السعودية بشكل كبير من بداية التسعينات بسبب كثرة الطلاب وشح المقاعد المتاحة والتنافس عليها من قبل الطلاب السعوديين. وتراجع النظرة لأهمية وجودهم في المجتمع الطلابي وما يوفره ذلك من تنوع … الخ. كما ساهم في انخفاض العدد دخول عدة جهات في إجراءات قبول طلاب المنح وطول فترة اتخاذ القرار ما كان له تأثير على توجه وانصراف الطلاب لخيارات أخرى.
  • الجامعات تنهض بطلابها المتميزين، وجودة مخرجاتها مرتبطة بجودة المدخلات. وهناك ممارسات تسعى فيها التخصصات التي يقصدها طلاب بمستوى متدني من التأهيل إلى استقطاب طلاب متميزين عن طرق المنح أو المنح الجزئي لرفع مستوى الأسئلة والحوار والتنافس في القاعة الدراسية. وهذا خيار ينبغي أن يكون متاح في المملكة أيضا.
  • هناك حاجة للاستثمار في التسويق للجامعات السعودية في الخارج سواء الحكومية أو الأهلية. وهذا هو نوع من الاستثمار الحكومي في خلق صناعة تعود بالمنفعة على البلد في المستقبل. وهناك أمثلة مشاهدة وكثيرة على ما تقوم به العديد من الدول في هذا المجال.
  • إن استقطاب الطلاب من الخارج يعود على الجامعات وطلابها بفوائد تتعدى الجانب المادي. كما أنها تؤسس لعلاقات ومنافع مع الطلاب ومجتمعاتهم بعد تخرجهم وعودتهم لبلادهم.

ثانياً: محفزات تمكين الجامعات الأهلية لاستقطاب طلاب من خارج المملكة.

من الملاحظ أن التعليم العالي في المملكة العربية السعودية سواءً الحكومي أو الخاص قائم على أساس الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر أو على محاولة استقطاب طلاب من الداخل وعلى جهود متواضعة وخجولة بتقديم خدمات استشارية محلية، وهذا بلاشك لن يضمن لها تغطية تكاليفها التشغيلية مع مواكبة تطورها ومنافستها لمثيلاتها في العالم، بل إنه لن يضممن لها صفة الديمومة، لذا نلاحظ أن العديد منها حتى في العاصمة الرياض بدأ يصارع من أجل البقاء وهذه حالة مقلقة.

وفي ظل التوجهات الحديثة وفقاً لرؤية المملكة 2030 ودعم الموارد غير النفطية وتحفيز القطاع الخاص ليكون رافداً تنموياً فاعلاً سواء من حيث المساهمة في الدخل أو فتح فرص استثمارية وتجارية أو خلط فرص عمل متجددة، ثمة أهمية لأن تكون الجامعات الأهلية في طليعة الجهات المبادرة والداعمة لهذا التوجه.

ويتواكب ذلك مع الانفتاح الذي تشهده البلاد على كل الأصعدة وكل القطاعات والتعليم الأهلي ليس بمعزل عن القطاعات الأخرى كون قطاع التعليم عموماً من القطاعات الواعدة التي من الممكن أن تكون مصدراً ومورداً مالياً جديداً للمملكة إذا ما تم البدء باستقطاب الطلاب الأجانب من المناطق القريبة والبعيدة بدون استثناء. ولو أخذنا كمثال أستراليا فخلال العام المالي ٢٠١٨ م قدرت الأموال التي ضخها الطلاب الأجانب في أستراليا بما يقدر ب ٣١.٩ مليار دولار وهذه الأموال بلا شك تشكل مجموع ما يصرفه الطلاب على التعليم والمعيشة كونهم سيكونون جزءًا من مجتمع الدولة التي يقيمون بها طوال فترة الدراسة. وهذا يبين لنا حجم الإسهام الذي ممكن أن يجلبه هذا القطاع متى ما أصبح جاذباً للأجانب بجنسياتهم المختلفة.

وهذا يؤكد على أن الفرصة مواتية لدعم التعليم العالي الأهلي ليكون أكثر انفتاحاً على العالم وأن يستقطب شريحة واسعة – طلاب وطالبات – ممن لديهم أو لدى أسرهم القدرة على تحمل مصاريف الدراسة كاملة عن طريقهم مباشرةً كأفراد أو عن طريق أسرهم أو دولهم أو مؤسسات المجتمع المدني لديهم أو غير ذلك.

ومما يشجع على ذلك توفر العديد من عوامل الجذب في المملكة العربية السعودية، سواء منها العوامل الاجتماعية والدينية والتاريخية، وكذلك العوامل البيئية والطبيعية.

جانب آخر مهم تجب الإشارة إليه هو مستوى الأمان في المملكة، فالتصور أن كثيرين من الدول العربية والإسلامية سيأمنون على أبنائهم (وبناتهم) للدراسة هنا أكثر من أمنهم عليهم في بعض دول الغرب أو حتى في دولهم العربية نفسها. الأمان الأمني والأمان الفكري أيضا ولله الحمد، بل كذلك الأمان الأخلاقي، فلا خمور ولا دور للفسق، ولا مجال لضياع الوقت والمال.

جانب ثالث متميز هو توفر مجالات تطبيق لتدريب الطالب بإمكانيات وتجهيزات وخبرة عميقة لا تتوفر في كثير من دول إقليمنا العربي، أهلية في المجال الطبي، هذا عدا ما توفره مراكز الأبحاث المتميزة في العلوم والهندسة مثل مدينة الملك عبدالعزيز ووادي الظهران للتقنية ومركز الملك عبدالله لأبحاث الطاقة وإدارة البحث والتطوير لدى أرامكو وغيرها، وكاوست بالطبع.

فضلاً عن أن انفتاح الجامعات على استقطاب الطلاب من دول أخرى أمر إيجابي يدعم تنوع الثقافات والأهم أنه أيضاً نوع من أنواع الدبلوماسية العامة، وتغيير الصورة النمطية عن المملكة.

أيضاً فثمة اعتبارات تجذب الطلبة للدراسة في الجامعات خارج نطاق بلدانهم تتضمن:

  1. التميز في التخصص المطلوب دراسته.
  2. اسم وسمعة وتميز الجامعة.
  3. الاعتماد الأكاديمي.
  4. البيئة الآمنة.
  5. مجانية الدراسة أو مدى وجود منح دراسية.

ويعزز من تمكين الجامعات الأهلية لاستقطاب طلاب من خارج المملكة إمكانية أن تقوم كل جامعة أهلية بإعداد برامج تسويقية وتحفيزية لجذب المتقدمين وتتلائم مع ظروف وإمكانات كل من تلك الجامعات وحسب موقفها في المملكة مثل:

  • إمكانية أن يستقدم الطالب أو الطالبة مرافق له (أب أو أم أو زوج) بما يعزز من السياحة ويقوي الاقتصاد.
  • جذب الأسر الثرية المسلمة وتمكينهم من الزيارة والعمرة وزيارة المعالم الإسلامية كطلاب أو كمرافقين للطلاب.
  • تعريف واطلاع الأسر الغنية على الفرص الاستثمارية في المملكة عن كثب.
  • فتح المجال للأثرياء من العالم لدعم التعليم العالي الأهلي عن طريق التبرع أو الوقف ودعم المشاريع البحثية أسوة بما تقوم به جميع الجامعات المرموقة في العالم كهارفرد وأكسفورد وغيرها.
  • تعزيز مفهوم الانفتاح التجاري والعلمي على العالم وفقا لتوجهات رؤية المملكة 2030 وبرامج التحول الوطني وتمكين الجامعات الأهلية من تنظيم فعاليات والدخول في شراكات. وتجدر الإشارة إلى أنه من ضمن رؤية المملكة ٢٠٣٠ فيما يخص التعليم العالي، بناء شراكات استراتيجية مع الجامعات العالمية في البحوث العلمية والزيارات المتبادلة لتحقيق أهداف التواصل العلمي والتبادل المعرفي بين الجامعات السعودية وغيرها من الجامعات الرائدة في التخصصات العلمية والعلوم الإنسانية، كذلك تضمنت الرؤية إعداد مناهج تعليمية متطورة تركز على المهارات الأساسية وتطوير المواهب وبناء الشخصية مع متابعة مخرجات التعليم وتقويمها وتحسينها بشكل مستمر. وأشارت الرؤية إلى استهداف وصول خمس جامعات سعودية على الأقل لتكون من أفضل 200 جامعة عالمية.

وأشار سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في اللقاء الذي تمً مع سموه في رمضان الماضي (1442هـ) إلى أهمية ودور التعليم العالي في تحقيق رؤية المملكة 2030 التي من ضمن مستهدفاتها أن تكون جامعة الملك سعود من أهم 10 جامعات على مستوى العالم، وهذا التوجه في الاهتمام بتميز مستوى التعليم الجامعي، سيكون بلا شك فيما بعد عاملاً جاذباً لاستقطاب الطلبة من الخارج للدراسة في المملكة وعلى حسابهم الخاص.

وفي تصور البعض فإن التعليم الأهلي بعيداً عن تحفيز القطاع الخاص، مستعد لاستقبال الطلاب الأجانب في كل المراحل ويستقبلهم أصلاً منذ التأسيس خلاف التعليم الحكومي وإجراءاته الطويلة والفئات المسموح لها. وفيما يخص جودة التعليم فمستوى التعليم في القطاع الأهلي بشكل عام جيد ولا يقل عن كثير من الجامعات في بلدان غربية وبلا شك مازلنا في حاجة إلى رفع مستوى التعليم بالشراكات المهنية أكثر من الأكاديمية لتعزيز فرص الخريجين في سوق العمل الأجنبي منهم والسعودي.

وفيما يخص مقومات المدن واستخدامها للجذب، فالمدن السعودية وبناها التحتية ممتازة ومن الممكن أن تكون جاذبة كالرياض والشرقية ومناطق الجنوب والأجواء المميزة، ولكن ثمة عامل رئيسي للجذب لا يمكن إغفاله وهو المستقبل الوظيفي والفرص ما بعد التخرج، ولعل التوظيف والعمر وغيرها من فرص تتاح للخريجين أن تكون جزءًا من تسويق التعليم في المملكة.

ثالثاً: آليات تمكين الجامعات الأهلية من الانفتاح على الخارج.

من المؤكد أن التعليم العالي في المملكة سوق واعد وقابل للتطوير والمنافسة مع الجامعات الأهلية في المنطقة التي بدأت في استقطاب الوافدين والأجانب منذ زمن ليس ببعيد مثل الجامعات الإماراتية وتحديدا في الشارقة، أبو ظبي ودبي. ولكن مع هذا فثمة احتياجات محددة يجب العمل على توافرها لغرض تمكين الجامعات الأهلية من الانفتاح على الخارج ومن أبرزها ما يلي:

  • الموافقة الصريحة من الدولة ممثلة بوازرة التعليم على هذا التوجه.
  • تسهيل الحصول على تأشيرات الطلاب ومرافقيهم خلال أسبوعين من رفع الطلب لضمان عدم تأثر البرامج الأكاديمية.
  • إعطاء الجامعات الأهلية المرونة الكافية لاستقطاب الطلاب وتمكينها من التنافس لتطوير أدائها وتحسين صورتها أمام الفئات المستهدفة في الداخل والخارج.
  • توفير التسهيلات الإجرائية الحكومية كالإعفاءات والضمانات والمنح العقارية والتأجير المدعوم طويل الأمد لتسريع نشر خدمات جامعاتنا الأهلية خارج الحدود.
  • مشاركة الدولة ممثلة في وزارة التعليم في الحملات التعريفية والتسويقية للجامعات الأهلية في الداخل والخارج كمشروع وطني واعد.

وفي ذات السياق فإن السؤال المهم الذي يجب طرحه من هم الشرائح الممكن استهدافها ومن أي الدول؟ وفي تصور البعض أن الشريحة الأكثر جاهزية للاستقطاب في الوقت الحالي للدراسة في السعودية هم مواطني دول مجلس التعاون الخليجي والمقيمين من عرب وأجانب في هذه المنطقة كون القرب والثقافة المشتركة للخليجيين ومعرفة المنطقة وعاداتها والنشأة بها من قبل الأجانب ممكن أن تكون من أهم العناصر الترويجية للدراسة في المملكة.

التسويق في قطاع التعليم العالي في المملكة مميز وممكن له أن يتطور من خلال تعزيز الإمكانات الداخلية في الجامعات واستقطاب المختصين للعمل على تطوير استراتيجيات تواصل وتسويق تمكنهم من التعريف بالبرامج ومنافعها وأثرها على مستقبل الدارسين في النهاية؛ أو من خلال الاستعانة بوكالات التسويق السعودية والتي تعتبر الأكثر تميزاً في المنطقة للوصول بالجامعات إلى المناطق المراد استهدافها من خلال القنوات الرقمية والتقليدية كالإعلانات بأشكالها المتنوعة ومن خلال المعارض واللقاءات والمعارض التعليمية المباشرة. وهذا يساعد على كوننا جاهزين للبدء في أي عملية استقطاب خارج حدودنا وخاصة لمنطقة الخليج أو في دول العالم الإسلامي وتحديداً لمن لديهم الملاءة المالية.

ولا توجد إشكالية في البرامج الأكاديمية المطروحة؛ كون قطاع التعليم العالي الأهلي أستوعب سوق العمل منذ وقت مبكر وبدأ في طرح ما يحتاجه السوق مع العمل المستمر على الربط مع القطاع الخاص وشركاته الصغيرة والكبيرة لتعزيز الشراكات والعمل على بناء المهارات والجدارات المهنية للطلاب والطالبات قبل التخرج ليكونوا جاهزين لسوق العمل واحتياجاته المهنية. مع الحاجة للعمل بشكل أكبر وعلى مستويات تنسيق ضخمة لإقامة شراكات أكاديمية ومهنية مع كبرى الشركات والجامعات العالمية لإيجاد شهادات أكاديمية ومهنية محلية ودولية جاذبة.

لكن الإشكال الحقيقي هو في كيفية إقناع الشرائح الممكن استهدافها للدراسة في المملكة من الخليجيين والوافدين من سكان منطقة الخليج والسعودية أيضا.

ويمكن في هذا الإطار اقتراح عدد من النقاط التي من شأنها أن تستبقي كثير من أبناء الوافدين المقيمين في المملكة للدراسة في جامعاتها الأهلية مع إمكانية استقطاب آخرين في المنطقة مع الخليجيين بشكل عام. ومن أبرزها ما يلي:

  • إعطاء تصاريح رسمية للجامعات باستقبال الطلاب الأجانب من خارج المملكة.
  • إنشاء مكتب لإصدار التأشيرات التعليمية للطلاب ومرافقيهم على غرار مكاتب الهجرة في دول مثل أمريكا وأستراليا مرتبطة بوزارة التعليم لتسهيل وتسريع الإجراءات للطلاب المستوفين كافة الطلبات.
  • السماح للطلاب الأجانب أبناء المقيمين في المملكة والخليج العربي بإمكانية الإقامة والعمل لمدة عام على الأقل بعد التخرج ولو لم يتحصل على عقد عمل سنوي واضح. وهذا سيكون حافزاً للقدوم لمن هم خارج المملكة وللبقاء والدراسة للمقيمين رغبةً في العمل.
  • السماح للطلاب الأجانب في البدء في أعمالهم التجارية ومعاملتهم معاملة المستثمرين الأجانب.
  • السماح للطلاب الأجانب بالعمل خلال فترة الدراسة بما لا يقل عن ٣٠ ساعة في الأسبوع أثناء فترة دراسته الجامعية داخل أو خارج الجامعة.
  • تمكين الجامعات الأهلية من تطوير المناهج وتعديلها واستقطاب الكفاءات والشراكات بدون تعقيد وطول إجراءات وزارة التعليم التي عادة ما تكون مقيدة وهي بلا شك لا تخدم الانفتاح على الأسواق الخارجية.
  • دور الملحقيات الثقافية في التنسيق المستمر مع الجامعات في إقامة اللقاءات والمعارض التعليمية المستمرة بشكل جماعي أو فردي.
  • دور الملحقيات الثقافية المهم ممثلة لوزارة التعليم في التنسيق مع وزارات التربية والتعليم في دول مجلس التعاون للحصول على نسبة من البعثات الخارجية للاستفادة منها في المملكة وتحديداً في التعليم الأهلي.
  • الدعم الحكومي للمنح الجزئية والكلية للطلاب المميزين من المقيمين والخليجيين.
  • يمكن أن يكون هناك استثمار حكومي في اتفاقيات الدراسة لسنة واحدة وموجهة لدول معينة وخلق تجربة إيجابية تشجع باقي الطلاب لتكرارها وفي استقطاب المزيد من الطلاب. أيضاً يساعد على خلق تلك التجربة في السنوات الأولى إتاحة فرص التدريب العملي في عدد من الشركات الرائدة مثل أرامكو والاتصالات السعودية وسابك والبنوك الكبيرة وغيرها… فهي تزيد من تنافسية الجامعات السعودية في استقطاب الطلاب من الخارج. كذلك يمكن للجامعات الحكومية والأهلية التعاون في استقطاب الطلاب من الخارج. فالأولى لديها العراقة والبرامج والتجهيزات والثانية لديها المرونة المالية والإدارية. ويمكن لهما طرح برامج مشتركة.
  • يحسن التركيز في البداية على ما هو متميز لدينا وخلق قصة نجاح تقود إلى نجاحات أخرى.
  • اعتبار استقطاب الطلاب من الخارج هو من مؤشرات أداء وزارة التعليم والجامعات سواء لفترات قصيرة أو للمرحلة الجامعية أو الدراسات العليا.
  • من الجوانب الهامة العمل على مراجعة الإجراءات المتعلقة بقبول الطلاب من الخارج. وتسهيل ذلك أسوة بما هو متاح للقطاع التجاري الذي لا يخضع لتلك الدورة الطويلة.

وترى بعض وجهات النظر أنه لفتح الطريق أمام الجامعات الأهلية لاستقطاب الطلاب من الخارج، فسنحتاج بجانب القابلية المالية إلى ما يلي:

أولاً: أن تكون الجامعات السعودية مستقلة تماماً عن الجهاز البيروقراطي الحكومي. صحيح أنها لا تستطيع الاستمرار دون الدعم المالي الحكومي، لكن هذا قد يكون مؤقتاً ريثما تؤسس كل جامعة لأوقافها واستثماراتها الأهلية بها لكن هذا لا يمنع من منح الجامعات مساحة كافية لعمل خططها المستقبلية وما تود القيام به ومن تستقطب سواء للتدريس أو طريقة اختيار طلابها وطالباتها. والواقع أن استقلال الجامعات في قراراتها ضروري للغاية لكي تتقدم في مسألة استقدام طلاب من خارج المملكة نظير دفعهم رسوم دراسة تماماً كما تفعل الجامعات الغربية، وأن يكون لديها القرار في إصدار التأشيرات بالأعداد المطلوبة بحيث تخصص كل جامعة على سبيل المثال ما نسبته 10٪ من مقاعدها لطلبة وطالبات أجانب. يفترض منح الجامعات الناشئة (شقراء، حائل، الجوف، الخ) صلاحيات أوسع في هذا الجانب كاستثناء مؤقت بدلاً من تركز طلاب المنح والوافدين في المدن الرئيسية كالرياض وجدة ومكة والمدينة والشرقية. ويلحق بالجامعات الناشئة معاهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها بحيث تكون مرنة في عملية قبول من يود الدراسة بها، بحيث لا تشترط الإلمام باللغة العربية كشرط مسبق بل يتم استقطاب غير الملمين بالعربية ويتم تعليمهم اللغة في هذه المعاهد. أيضاً فإن هذه المعاهد قد تكون مرنة في قبول من يود الدراسة بها كالعمالة الوافدة والمقيمون في المملكة وذلك نظير رسوم مالية. وهنا نكون قد خدمنا اللغة العربية وساعدنا على نشرها وإتقان الوافدين لها، وفي ذات الوقت خلقنا مصدر دخل إضافي لكل جامعة.

ثانياً: قيام التجار ورجال الأعمال والمحسنين بتخصيص منح مدفوعة للجامعات مع منح هؤلاء التجار حرية اختيار الجنسية التي يودون، فالتجار السعوديون من أصول يمنية وحضرمية قد يقدمون هذه المنح للطلاب والطالبات من اليمن على سبيل المثال، وغيرهم قد يتخصص بتقديم منح للطلاب من إندونيسيا وآخر للطلاب من شبه القارة الهندية، وهكذا بحيث لا يكون العمل عشوائياً وإنما استناداً لمعايير واضحة حتى لا يكون التركيز على جنسية بعينها بل يفتح المجال للجميع من خلال تقسيم هذه الجنسيات على رجال الأعمال والشركات الكبيرة؛ فيقال مثلا لشركة A أنت تقدمين منح للأفارقة، وشركة B تقدم منحها للأوربيين وهكذا. ولا مانع أن تشترط هذه الجهات عمل الخريجين عندها لفترة معينة دون الإخلال بشروط السعودة والتوطين. ومن الممكن أن يتم التنسيق مع السفارات والملاحق الثقافية السعودية في الدول المستهدفة بحيث يمكن معرفة ما تقدمه الجامعات السعودية وشروط الالتحاق بها. يسبق كل ذلك حملات إعلامية وترويجية سواء على الإنترنت أو من خلال منشورات ورقية وذلك للتعريف بالجامعات السعودية.

ثالثاً: لابد من اجتذاب كوادر علمية متميزة في التخصصات التي سيتطلبها سوق العمل بعد عشرون عاما. لدى المملكة أعضاء هيئة تدريس متميزون ولكن العدد غير كاف.

ويمكن البدء بخطوات تدريجية تتمثل في البداية بتيسير المنح الدراسية الجامعية المجانية بالشراكة مع مؤسسات القطاع الخاص والأوقاف الأهلية بالتعليم مع تسليط الضوء إعلامياً على هذه الخطوة من خلال سفارات المملكة في الخارج ضمن خطة ومنظومة متكاملة مع الجامعات والجهات ذات العلاقة، بحيث يقل تدريجيا حجم المنح كلما اقتربنا من الوصول لمستهدفات الرؤية التي ستكون بحد ذاتها جاذبة للطلاب للدراسة في المملكة.

وفي سياق متصل من المهم الإشارة إلى عدد من النقاط المهمة ذات الصلة بتمكين الجامعات الأهلية من الانفتاح على الخارج على النحو التالي:

  • لائحة الجامعات الأهلية وكذلك لائحة الكليات الأهلية والقواعد التنفيذية لهم لم يرد فيهم نص واضح وصريح يمنع استقطاب طلاب من خارج المملكة للدراسة بها، وبالتالي فإن أمر السماح بقبولهم خارج عن صلاحيات وزارة التعليم المشرفة على هذه الجامعات والكليات، فالجهات المعنية هي الجهات التي تمنح تأشيرات الدخول للمملكة لغرض الدراسة الجامعية.
  • في بدايات التصريح بإنشاء الجامعات والكليات الأهلية كان يشترط أن تكون هناك مؤسسة خيرية من قبل فرد/ شخصية اعتبارية أو مجموعة أفراد يكون غرضها الأساسي تقديم خدمات تعليمية فوق المستوى الثانوي وفق لائحة تنفيذية صدرت لهذا الغرض، ولكن للأسف هذا الشرط لم يعد مطلوب، وبالتالي صُرح لشركات بإنشاء تلك الكليات ثم تم تحويلها لجامعات أهلية، وأصبح من يدير ويرأس بعض مجلس الأمناء منّ ليس لديهم التأهيل العلمي الكافي وبعيدين كل البعد عن العمل الاكاديمي إضافة إلى تجاوز وزارة التعليم العالي – قبل تعديل مسماها – عن كثير من متطلبات اللائحة.
  • يلاحظ أن التشريعات المنظمة لعمل الكليات والجامعات لم تكن كافية لضمان مخرجات قوية مع عدم وجود إشراف قوي وقادر على المتابعة من قبل وزارة التعليم العالي في ذلك الوقت. مما أوجد مخرجات ضعيفة بل وأوجد كذلك فساد إداري وأكاديمي مما أدى إلى إغلاق نهائي لإحدى الكليات الأهلية وإيقاف القبول لبعض الأقسام العلمية في بعض الكليات لفترات والبعض منها لعام وأكثر ولعل الوضع الآن أفضل.
  • بالتأكيد هناك جامعات وكليات على مستوى إداري وأكاديمي عالي كجامعة الفيصل والأمير سلطان والأمير محمد بن فهد والأمير فهد بن سلطان وغيرها من الجامعات التي تتبع لمؤسسات خيرية قوية وليس لشركات تجارية.

ويمكن دعم توجه الجامعات الأهلية نحو تحقيق متطلبات التدويل تحقيقًا للميزة التنافسية، وذلك بعد أن تتبنى الحكومة لخطط وطنية تهدف إلى تحسين جودة التعليم الجامعي ومخرجاته في الجامعات الأهلية، والعمل على إعادة هيكلة مؤسساته وتشجيع التغيير في ثقافة النظم التعليمية بما يضمن تحسين ورفع كفاءة أداء تلك الجامعات. وفقًا لعدة مستويات:

  • على مستوى المؤسسة الجامعية:

– تتبنى الجامعة إستراتيجية واضحة لتدويل التعليم من خلالها، متضمنة سياق التدويل ورسالة الجامعة وسياستها، وأهدافها، وتوفير مزيد من الحرية والاستقلالية لها في صياغة أهدافها وسياساتها الأهلية وفق رؤاها وتوجهاتها الأهلية وبما لا يتعارض مع المصلحة العامة، ويحقق التمايز والتنوع بين الجامعات السعودية.

  • تضمين البعد الدولي في هذه الجامعات من خلال الآتي: (١) حسن اختيار كوادر بشرية (أعضاء هيئة تدريس- قيادات إدارية- طلاب)؛ فالموارد البشرية تسهم في إكساب الجامعات للميزة التنافسية، إذا توافر فيها شرطان أولهما: أن تكون الموارد البشرية ذات جودة عالية وذوي توجه إيجابي ومنفتحين للثقافات الأخرى، وثانيهما: أن تتميز إدارة تلك الكوادر بالطابع الاستراتيجي. (٢) الإعداد الأفضل لخريجي هذه الجامعات بما يتناسب مع سوق العمل الدولية، بإدراج البعد الدولي في المناهج والبرامج التدريسية والبحثية والخدمية. (٣) تناول قضايا وموضوعات ذات أبعاد دولية في البرامج التدريبية المقدمة لأعضاء هيئة التدريس؛ بهدف تنمية القدرات والكفايات اللازمة للعمل في جامعات تتجه نحو الدولية.
  • حل المشاكل التي تعاني منها هذه الجامعات، بإجراء تحليلات علمية للإمكانات المتاحة بالجامعات السعودية ومصادر القوة ونقاط الضعف، ورصدها وتحليلها؛ سعيًا للمواءمة بين الإمكانات المتاحة والأهداف المراد تحقيقها.
  • اقتراح إنشاء وحدة دولية على مستوى الجامعات الأهلية تشرف عليها وزارة التعليم العالي، تتولى استقطاب الطلاب الدوليين، وفتح وتسهيل قنوات الاتصال مع الأفراد والجامعات والمنظمات الأجنبية والمهتمة بالتعليم الدولي. وتتولى المتابعة الدقيقة لعمليات التفاوض والتطبيق لاتفاقيات التعاون.
  • إنشاء قاعدة بيانات يتوافر بها بعض الممارسات الجيدة في مجال التدويل، توفر من خلالها (المعلومات حول الأنشطة الدولية للجامعات المتميزة عالميًا، كيفية تعزيز برامج التبادل الطلابي ودعمها إداريًا، مراجعة الخدمات المقدمة للطلاب الدوليين، مراجعة البرامج الدولية، التسويق الدولي لبرامج الجامعة).
  • وضع رؤية استراتيجية لتطوير البحث العلمي في الجامعات الأهلية؛ لتعزيز قدرتها التنافسية ومتطلبات تنفيذها.
  • إدارة رأس المال الفكري، كمصدر ذي قيمة في بناء مزايا تنافسية مستدامة، ومحرك أساسي لتكوين القيمة في الأجل الطويل؛ لذا على الجامعات التحول من السعي نحو تعظيم الاستفادة من الأصول الملموسة إلى الإدارة الفعالة لرأس المال الفكري لتحسين القدرة التنافسية لها من خلال ثلاث مراحل هي:
  • خلق القيمة من خلال إدارة المعرفة.
  • استخراج القيمة من إدارة الابتكار.
  • تعظيم القيمة من خلال إدارة الأصول الفكرية للجامعات.

ب- على مستوى الجامعات الإقليمية:

  • إنشاء مراكز للتميز تجمع ما بين الجامعات الأهلية السعودية ونظيراتها من الجامعات العربية، ودعم إنشاء قواعد للمعلومات لهم وتنسيق الربط الشبكي بينهم.
  • تشجيع برامج التعاون متعدد الأطراف والتحالفات بين الجامعات العربية، وبينها وبين الجامعات الأجنبية على مستوى العالم.
  • الاستفادة من خبرات العلماء السعوديين والعرب المغتربين في الخارج ودعوتهم لحضور المؤتمرات الإقليمية للاستفادة من خبراتهم وعلاقاتهم بالخارج.

ج- على المستوى العالمي:

  • على كل جامعة أن تفكر في إنشاء بنية أو آلية مناسبة لتعزيز التعاون الدولي كجزء لا يتجزأ من مهامها الرسمية.
  • مشاركة الجامعة للأطراف المستفيدة من العملية التعليمية للتكامل في تأليف المنهج؛ مما يعزز من نقاط القوة ويكسب مخرجات النظام التعليمي قوة في اكتساب المهارات التعليمية ولاسيما أن دول العالم أصبحت تركز على المهارات في التعليم.
  • تهيئة المناخ المناسب لاستبقاء أصحاب الكفاءات والحد من هجرتهم، واتخاذ الترتيبات الدولية اللازمة لتيسير عودة العلماء والباحثين المغتربين بالتعاون مع وزارة الخارجية.
  • انضمام جامعاتنا الأهلية إلى التحالفات الإستراتيجية الدولية.

رابعاً: التوصيات.

  • توصيات عامة تساعد الجامعات الأهلية على التمكين:
  • تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على مصدر واحد (رسوم الدراسة) بل لابد من أن تكون لها عقود شراكات وأوقاف وهبات واستثمارات أو تكون هناك مؤسسة خيرية من قبل فرد- شخصية اعتبارية- أو مجموعة أفراد يكون غرضها الأساسي تقديم خدمات تعليمية فوق المستوى الثانوي.
  • عمل ورش عمل دوريّة بين القطاعين الأكاديمي والصناعي لاستكشاف إمكانيّة مساهمة الجامعات في تطوير الصناعة والاستفادة من ذلك كدخل للجامعات.
  • توجيه وحث القطاع الحكومي والقطاعين العام والخاص على إشراك الجامعات في الدراسات والأبحاث الإدارية والعلميّة والتطبيقيّة المطلوبة في الأعمال والمشاريع.
  • الترخيص للجامعات في الاستثمار في مجال تخصصاتها مثل إقامة المستشفيات المتخصصة والمختبرات الطبية ومختبرات الكيمياء والفيزياء والأحياء ومعاهد التدريب الفنيّة والإدارية وغيرها.
  • المواءمة بين الجامعات والكليات الأهلية السعودية في البرامج الأكاديمية والجامعات السعودية وغير السعودية لكسب ثقة المستفيدين.
  • تطوير وتفعيل العلاقات الخارجية والتعاون الدولي، وإعادة صياغة علاقات هذه الجامعات بالمنظمات والمؤسسات التعليمية الخليجية والعربية والإسلامية والدولية، وعقد شراكات أكاديمية بين الجامعات السعودية الأهلية والجامعات العالمية.
  • إعادة النظر في الرسوم الحكومية على الجامعات الأهلية ومراكز البحوث العلمية وما في حكمها.
  • تشجيع إنشاء صناديق لدعم أنشطة التدويل، وتوفير تمويل تعاوني خليجي لمشروعات البحث العلمي بالجامعات الخليجية.
    • توصيات خاصة باستقطاب الطلبة الدوليين للجامعات الأهلية السعودية:
  • منح تأشيرات تسمح للدراسة الجامعية بالمملكة للجامعات التي حصلت على الاعتماد الأكاديمي لبرامجها.
  • عقد شراكات مع بعض المؤسسات والشركات للحصول على دعم مالي منها أو منح سنوية أو تقديم قروض ميسرة للطلبة يتم سدادها بعد التخرج.
  • خفض هامش الربحية وتخفيض مصاريف الدراسة الجامعية لزيادة الجذب والرفع من التنافسية مع الجامعات الإقليمية والدولية.
  • حث الشركات الكبرى والبنوك على تقديم منح لأبناء موظفيها غير السعوديين للدراسة في الجامعات الأهلية.
  • المسارعة في معالجة الانحسار الذي يشهده برنامج المنح في جامعاتنا السعودية مقارنة بالانفتاح الذي تمارسه الجامعات في دول ذات أيديولوجية معادية، باستقطاب طلاب وكفاءات أكاديمية من مختلف شعوب العالم.
  • انضمام جامعاتنا الأهلية إلى التحالفات الاستراتيجية الدولية، سواء من خلال المؤسسات الدولية أم مؤسسات المجتمع المدني العالمية أم الروابط والاتحادات الدولية؛ للاستفادة من الخبرات الدولية، والاشتراك في مشروعات التعاون الدولية وبما يخدم المصالح الوطنية.
  • التشجيع على إنشاء كليات أهلية (ليس بالضرورة جامعات) تكون متخصصة بمجالات محددة لضمان نجاحها بحيث تكون جاذبة لغير السعوديين.
  • أن تسعى وزارة التعليم إلى تشجيع إنشاء الجامعات الأهلية غير الهادفة للربح.

 

  • المشاركون.
  • الورقة الرئيسة والمعقبون: د. عبد الرحمن العريني، د. يوسف الرشيدي، د. زياد الحقيل (ضيف الملتقى)[1]
  • إدارة الحوار: د. خالد المنصور
  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • د.محمد الثقفي
  • أ د. فوزية البكر
  • د.خالد الرديعان
  • د. وفاء طيبة
  • د. فهد اليحيا
  • د. محمد الملحم
  • أ د. عائشة الأحمدي
  • د. زياد الدريس
  • د. ريم الفريان
  • د. الجازي الشبيكي
  • د. عبد العزيز الحرقان
  • د. خالد بن دهيش
  • أ فائزة العجروش
  • أ جمال ملائكة
  • د. سالم المري
  • أ عبد الرحمن باسلم
  • د. رياض نجم

 

القضية الثانية

وسائل التواصل الاجتماعي (Social Media) وظاهرة المشاهير

(11/7/2021)

  • الملخص التنفيذي.
  • أولاً: تعريف مشاهير التواصل الاجتماعي (Social Media).
  • ثانياً: نماذج من الممارسات المصاحبة لتطور ظاهرة مشاهير التواصل الاجتماعي (Social Media).
  • ثالثاً: العوامل المعززة لتنامي ظاهرة مشاهير التواصل الاجتماعي (Social Media) في الواقع السعودي.
  • رابعاً: مشاهير التواصل الاجتماعي (Social Media) هل هم الإعلاميون الجدد؟
  • خامساً: آليات تطوير محتوى وسائل التواصل الاجتماعي والإفادة الإيجابية من مشاهيرها.
  • سادساً: التوصيات.
  • المشاركون.

 

  الملخص التنفيذي.

تناولت هذه القضية وسائل التواصل الاجتماعي وظاهرة المشاهير؛ فقبل عدة سنوات لم تكن الظاهرة معروفة وخاصة قبل عام ٢٠٠٦، ولكن مع تنامي البرامج التواصلية وظهور الأجهزة الذكية ازدادت هذه الظاهرة وأصبحت ملحوظة بحيث أصبحت أداة لكل من يريد الشهرة والتأثير وذلك بتأسيس “منصة إعلامية” يبث من خلالها ما يعتقد بأهميته دون رقيب يقرر صلاحية المادة المبثوثة ومدى ملائمتها. ساعد على رواج هذه الظاهرة جمود وسائل الإعلام التقليدية، ورتابتها، وتقلص حرية التعبير فيها. ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي وتوافرها أصبح بإمكان كل شخص أن تكون له صحيفته ومنصته والمنصب الذي يريد دون شروط للكفاءة والقدرات أو السن. كما أوجدت التطورات المرتبطة بذيوع وسائل التواصل الاجتماعي عدداً كبيراً من المشاهير من الجنسين سعياً وراء المال والشهرة؛ ما دفعهم للجوء لكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لجني الأموال من خلال بث وترويج مواد بعضها يوصف بأنه تافه للغاية.

وتزداد أهمية دراسة هذه الظاهرة بالنظر إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة العربية السعودية بأنماطها المتعددة أصبحت اليوم هي الوسائل الإعلامية الأقوى والأكثر حضوراً. ومن منظور إيجابي يمكن اعتبار أن وسائل التواصل الحديثة كانت وما زالت فرصة لمن بجيد استغلالها بالطريقة الصحيحة.

ومن أبرز التوصيات التي تم الانتهاء إليها ما يلي:

  • على الجهات المعنية في الدولة ممثًلة بوزارة الإعلام ووزارة الثقافة وغيرها من الوزارات ذات العلاقة، السعي لبناء جسور من التواصل مع المشاهير المؤثًرين بعد حصرهم وتصنيف اهتماماتهم، وذلك لاستثمار تأثيرهم في المجتمع في الجوانب المتعلقة برفع الوعي المجتمعي والتعريف المتواصل بالرؤية وتشجيع الشباب على الجوانب الإيجابية والأخلاقيات المنشودة.
  • ضبط عملية معرفة دخول المشاهير ووضع رسوم وضرائب دخل مناسبة تُصرف لدعم المشاريع الشبابية.

أولاً: تعريف مشاهير التواصل الاجتماعي (Social Media).

ثمة إشكالية تكتنف مصطلح مشاهير التواصل الاجتماعي (Social Media)، كونه يشير في الغالب إلى نوع معين من المشاهير الذين ظهروا فجأة وكان لظهورهم أثر سلبي كظاهرة تستحق الدراسة، ومع أهمية مشاهير الدور الإيجابي إلا أن التركيز ينصب على الفريق الأول، والذين كان ظهورهم  من خلال الدور الاجتماعي بالدرجة الأولى، ولعل أول ظهور لهم كان على اليوتيوب، حينما قررت مجموعة شباب أن تعمل برامج فكاهية تسخر من بعض المظاهر المجتمعية، وكان اسم برنامجهم “مسامير” يقدمه مالك بن نجر وزميله، كذلك ما قدمه عبدالمجيد الكناني في برنامجه “لقيمات”، من الواضح أن هدف هؤلاء الشباب هو الشهرة الإعلامية والاستغناء عن صلف الإعلام التقليدي وربما شلليته أو وساطاته الخ، وقد نجحوا كرواد في مواجهة غريمهم كما تبين لاحقا، بيد أن انتشار  ال “سناب تشات” فيما بعد أدى إلى ظهور موجة جديدة من المشاهير، وكم هائل من المتابعين لطبيعة هذا التطبيق التي تجعلك تتابع “يوميات” الشخص، وهو ما يرضي نهمة الفضول الإنساني الغريزية، ثم اقتبس هؤلاء من مشاهير الغرب فكرة الدعاية والإعلان لتنتشر حمى المشاهير بعد ذلك ثم تعود الدعايات بأثر عكسي على بقية التطبيقات الشهيرة في السعودية كاليوتيوب والتويتر.

وحتى نفهم حالة المشاهير في التواصل الاجتماعي، يمكن أن نصنف المشاهير في عدد من التكوينات وفق (سبب الشهرة – مكان الشهرة – جمهوره المستهدف)، ويمكن توضيح ذلك فيما يلي:

أولا: بالنسبة لسبب الشهرة، سنرى هناك تباينات كبيرة في سبب شهرة بعض المؤثرين في التواصل الاجتماعي وقد تكون شهرتهم لعدة أسباب (الوسامة والجمال، موقف إنساني وتعاطف الناس معه، الطبخ، المكياج، السفر، القصص، الأرقام والحقائق، الفضول، مصادمة أعراف المجتمع والجرأة، الفحش في الثراء، السذاجة (مصطنعة أو طبيعية….) وغيرها الكثير من الأسباب التي خلقت شهرة وجاذبية لعدد كبير من المشاهير داخل وخارج المملكة، وأصبحوا يستثمرونها في الاستمرار في سرد يومياتهم التي تجد رواجا كبيرا لمن تابعهم. بعضهم كان يلهث لسنوات حتى يصبح مشهورا والبعض الآخر بين ليلة وضحاها أصبح مشهورا لسبب لم يكن في الحسبان.

ثانيا: مكان الشهرة: المنصات الأكثر شهرة في السعودية حاليا هي: (تويتر، انستقرام، سناب شات، تيك توك، برامج البث) وكل منصة تخلق مشاهير لهم جمهور بمئات الآلاف، قد يتنقل بهم من منصة إلى منصة بسبب التعلق الشديد به. مثال جمهور التيك توك يتابع جديد المشهور أو المشهورة في التيك توك، ثم ينتقل معه إلى السناب ليتابع يومياته العفوية التي بدون مونتاج أو استعداد. ثم ينتقل معه إلى انستقرام لمعطيات أخرى. أيضا هناك تواجد في تويتر لما يسمى ب (شبيحة) هذا المشهور أو المشهورة! الدفاع المستميت أو التنمر عليه ورفع الهشتاقات ضد أو مع

ثالثا: الجمهور المستهدف: مجالات الشهرة لها جمهورها المستهدف من مختلف الأعمار والفئات. فمثلا المراهقين والمراهقات لهم مشاهيرهم الذين يتابعونهم بحماس شديد عبر التيك توك والانستقرام والسناب (الجمال، الجرأة، السذاجة، الفضول…). وهكذا لكل مرحلة هناك منصاتها المفضلة والمشهور المفضل.

ثانياً: نماذج من الممارسات المصاحبة لتطور ظاهرة مشاهير التواصل الاجتماعي (Social Media).

قبل عدة سنوات لم تكن ظاهرة مشاهير التواصل الاجتماعي معروفة وخاصة قبل عام ٢٠٠٦، ولكن مع تنامي البرامج التواصلية وظهور الأجهزة الذكية ازدادت هذه الظاهرة وأصبحت ملحوظة بحيث أصبحت أداة لكل من يريد الشهرة والتأثير وذلك بتأسيس “منصة إعلامية” يبث من خلالها ما يعتقد بأهميته دون رقيب يقرر صلاحية المادة المبثوثة ومدى ملائمتها. ساعد على رواج هذه الظاهرة جمود وسائل الإعلام التقليدية، ورتابتها، وتقلص حرية التعبير فيها.

كانت المادة المبثوثة في البداية في وسائل التواصل الاجتماعي توعوية في الغالب وخاصة دينية، أو اجتماعية يقدمها بعض الدعاة أو من يصنفون ناشطون اجتماعيون يطرحون مادتهم بصورة نقد اجتماعي لا يخلو من القبول والمصداقية. هذه المرحلة لم تطل كثيراً بعد أن توسع الاستخدام مع زيادة عدد البرامج والتطبيقات التي مكنت الجميع تقريبا من استخدامها دون أية قيود تذكر.

ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي وتوافرها أصبح بإمكان كل شخص أن تكون له صحيفته ومنصته والمنصب الذي يريد دون شروط للكفاءة والقدرات أو السن كونها أيسر وأسرع الطرق للأضواء وعالم الشهرة والوصول لقلب وعقلية المتلقي، يقول فيها ما يشاء كيفما شاء وقتما شاء متى ما شاء وأينما شاء بل ويجيب على الأسئلة الخمسة المكونة للخبر الصحفي أو ما تسمى في لغة الصحافة (5Ws) ويخلطها في لحظة واحدة.

لذلك أصبح الإعلام مهنة من لا مهنة له وأصبحت صفة” إعلامي” تباع وتشترى في سوق النخاسة وعلى قارعة الطريق بأبخس الأثمان وبالمجان دون أدنى تعب أو جهد.

هناك سببان أساسيان للدخول إلى هذا العالم “مشاهير التواصل الاجتماعي ” وليس كل المشاهير:

الأول: الإعلام والبحث عن الأضواء والشهرة.

الثاني: تحقيق مداخيل مادية كبيرة تحسب بالأصفار الأربعة وربما الخمسة وأرصدتهم بالأصفار الستة والسبعة مع سفريات مجانية بعد أن كانوا محدودي الدخل.

لذلك نجد أن معظم هؤلاء فئتان وهما من أكثر الباحثين عن الذات:

الأولى: الشباب (من الجنسين (وهذه الفئة تستهويها الأضواء والحضور المجتمعي ويغرها الثناء.

الثانية: محدودي الدخل والثقافة والتأهيل الأكاديمي.

وعليه فمن الطبيعي أن يكون طرحهم وما يقدمونه بهذا المستوى وهذه النوعية.

والمشكلة التي زادت الطين بلة – كما يقولون – أن بعض الجهات الحكومية والرسمية والقطاع الخاص أصبحت تفضلهم على الإعلام الرسمي والصادق في الترويج لمشاريعها ومنتجاتها وتضعهم في الصفوف الأولى على حساب آخرين لهم قيمتهم الاجتماعية وكفاءتهم العلمية، ما جعلهم يتصدرون المشهد الإعلامي ويزداد متابعيهم ويشعرون بأنهم هم ولا غيرهم

وفي عام ٢٠١١ أصبحت برامج التواصل الاجتماعي ذات أهمية بالغة بعد أن سخرها البعض في العالم العربي للترويج والتأليب ضد حكوماتهم مما نتج عنه لاحقا ما عرف بحركات “الربيع العربي”؛ فما جرى في تونس ومصر في ذلك العام كان بتوظيف “الفيسبوك” تحديدا البرنامج ذائع الصيت الذي استخدمه المناهضون لحكوماتهم في التحشيد والتأليب ضد قادة بلدانهم. وتكرر ذات الأمر في دول عربية أخرى؛ كالبحرين وليبيا واليمن وسوريا، بل أن الأمر وصل إلى المملكة فيما عرف بثورة حنين في شهر مارس ٢٠١١ وذلك بغرض خلق توترات في المملكة تنسحب على بقية دول الخليج العربية.. كان المؤلبون من خارج المملكة وأصابع الاتهام توجهت نحو الإخوان المسلمين ومن صنفوا أنفسهم معارضون، وبعض الموالين لجهات خارجية، مع دعم إعلامي غربي واضح تحت لافتة “حرية التعبير وحقوق الإنسان” كلمة الحق التي أريد بها باطل.

وقد تم نقض كل ما خُطط له ضد المملكة وذلك بوعي الشعب السعودي بأغلبيته الصامتة بما كان يحاك للمملكة وقيادتها، إضافة إلى موقف القيادة في معالجة الكثير من الملفات التي تهم المواطن وذلك بإصدار حزمة من القرارات أعلن عنها المغفور له الملك عبدالله في ذلك العام.

بفشل حركات الربيع العربي ونتائجها الكارثية والتي نراها اليوم في سوريا واليمن وليبيا تبدل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بعض الشيء لتنحو مناحي أخرى بدلا من الدعاية السياسية الفجة، منها التجاري بعد أن تبين أنه يمكن توظيف هذه البرامج التواصلية في جني المال سواء من خلال الإعلانات أو الترويج لبعض الخدمات والسلع أو بث مادة ترفيهية أو فنية أو أدبية وغير ذلك من الموضوعات التي تجذب المتلقي.

لاحقاً فإن هذا التوجه في وسائل التواصل الاجتماعي أوجد عدداً كبيراً من المشاهير من الجنسين سعياً وراء المال والشهرة؛ ما دفعهم للجوء لكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لجني الأموال من خلال بث وترويج مواد بعضها يوصف بأنه تافه للغاية، بل أن البعض منهم استغلوا الأطفال للدخول في هذه السوق الجديدة وذلك قبل سن القوانين التي حاولت تهذيب الظاهرة والحد من تأثيراتها السلبية على الأخلاق والأمن الوطني والسلم الاجتماعي.

لا يلغي هذا أن هناك مشاهير وإن كانوا قلة قدموا ويقدمون مواد ممتازة بغرض رفع الوعي الاجتماعي، وتحسين الخدمات والرقي بها، أو نقد السلوكيات الاجتماعية التي تتعارض مع الأخلاق والقيم الدينية.

غير المقبول في وسائل التواصل الاجتماعي أن بعض المشاهير لم يقدموا المجتمع السعودي بالصورة المطلوبة، بل إنهم بالغوا في تقديم مواد سيئة ناهيك عن بث مقاطع تشي بالطائفية والعنصرية والتمييز ضد الآخرين باسم الوطنية الحجة التي يتذرعون بها للدفاع عن مواقفهم، مما سبب بعض الحرج للجهات الرسمية عندما يتعلق الأمر بالعلاقات بين الدول والمجتمعات.

والبعض لعبوا على وتر الخلافات السياسية بل وتقمصوا أدوار لا تعنيهم بحجة الدفاع عن المملكة. صحيح أنه كان هناك تقصير من الجهات الرسمية الإعلامية في الدفاع عن المملكة وشرح مواقفها، لكن اللغة التي استخدمت في وسائل التواصل الاجتماعي كانت تخرج عن الذوق العام، ولا تقدم شعب المملكة ولا قيادتها بصورة حسنة.

ولا تزال وسائل التواصل الاجتماعي ومشاهيرها تفاجئنا كل يوم بمقطع أو مادة إعلامية “غير مهنية” لتثير قضايا تصبح هي المادة المتداولة لعدة أيام وذلك بسبب انفلات المشاهير من كل عقال يضبط ويهذب المادة التي يقدمونها للجمهور.

والحديث هنا ليس عن الإعلانات التجارية التي يروج من خلالها المشاهير لسلع أو خدمات، فهذا من حقهم أي الحصول على المال طالما أن ذلك يتم بطرق مشروعة، ولكن المشكلة هي في الترويج لبعض التفاهات والتفسخ الأخلاقي الذي لا يراعي مكانة المملكة ولا سمات مجتمعها ولا سيما أنها دولة إسلامية وتحتضن الحرمين الشريفين.

ومع هذا وعلى الجانب الآخر، فقد كان لعدد من الحسابات دور في نقد بعض الظواهر الاجتماعية السلبية وكذلك إبراز بعضها الآخر لقيمته الإيجابية، كما كان لبعض الحسابات الأخرى دور في استعراض بعض المظاهر الاجتماعية السلبية بشكل صريح واضح، وهذه وإن كانت سلبية حيث قد يسقط بعض الشباب في اتباعها؛  إلا أن لها فائدة في توظيف المربي لها في تحذير الأبناء منها، سواء كان المربي الوالدين أو المعلم،  وهذا يذكرنا بموجة مسلسلات المخدرات حيث ساعدت على تشويه صورة المخدرات في نفوس الشباب الصغار لينفروا منها، بل يكفي أنهم يعرفوها ليتقوا شرها ابتداء.

وفي الدور الثقافي فقد ساعدت كثير من الحسابات على التجسير الثقافي سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي بل حتى عبر الدول والثقافات.

أما بالنسبة للدور التجاري/الاقتصادي فالدعايات المضللة كانت موجودة في الإعلام التقليدي وتابعها الإعلام الجديد، فمشكلتها ليست في الإعلان ولكن في سن قوانين تجرم التاجر الذي يدعي عن سلعته شيئا ليس فيها، وكمثال بسيط مما يرد في التواصل الاجتماعي، عندما يكتب على علبة شامبو تركيبة خاصة من مادة ال XYZ تمنع تساقط شعرك للأبد، فإن المستهلك سيصدق ويعتقد اعتقادات جازمة أن لهذا الشامبو خصوصية تبرر سعره المرتفع مما يشجعه لشرائه دون غيره.

ومن هذا المنطلق فإلى أي مدى يمكننا التأكد من صحة وجود هذه المادة، وصحة وظيفتها المزعومة، لا سيما أنها التي دعت المستهلك للاعتقاد بهذا المنتج، وهو مالا يتسنى للمستهلك ولا للمعلن عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن يتأكد منه سواء كانت العبارة مكتوبة أو منطوقة أو مشاهدة، ولكن الطريقة الوحيدة لإثباته هو تدقيق مختبرات وزارة التجارة، وقبل ذلك وجود قانون يجرم الشعارات أو الإعلانات المبالغة التي تصل في مبالغتها حدا يقترب من الكذب فقد تكون المادة المذكورة موجودة في تركيبة الشامبو ولكنها لن تمنع تساقط الشعر للأبد، وإنما ما هو مجزوم به أنها “ربما” تقلل من التساقط لا أكثر.

 

ثالثاً: العوامل المعززة لتنامي ظاهرة مشاهير التواصل الاجتماعي (Social Media) في الواقع السعودي.

على مستوى المملكة العربية السعودية فإن وسائل التواصل الاجتماعي بأنماطها المتعددة أصبحت اليوم هي الوسائل الإعلامية الأقوى والأكثر حضورا في المملكة وبيئات المجتمعات الأخرى حيث تنامى استخدامها نتيجة قدرة كثير من الجمهور على اقتناء الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وانتشارها وإمكانية الحصول على سرعات إنترنت عالية  إضافة إلى أنها أصبحت تنقل للناس الكثير من إشباعاتهم التي يتطلعون إليها ويبحثون عنها وتستجيب لرغبات كثير من الأفراد الذين يتطلعون لمعرفة نمط حياة الآخرين ونقل جوانب من خصوصياتهم.. إذ تعد مواقع التواصل الاجتماعي بيئة ترفيهية ومتنفسا لكثير من الشباب والفتيات مما أوجد الكثير من مشاهير هذه الشبكات نتيجة تنامي أعداد مستخدميها.

ولعل مما عزز من مكانة وسائل التواصل الاجتماعي هو قدرتها على إتاحة مناخ واسع من الحرية في التعبير والحديث في جوانب اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية ورياضية … في مقابل انخفاض سقف الحرية لدى وسائل الإعلام التقليدية والتي لا يتاح فيها غالبا تناول ذلك.. الأمر الذي قاد لضعف كفاءة تلك الوسائل الإعلامية التقليدية وبالتالي تراجع الثقة فيما تقدمه في كثير من الأحيان.

لذا ليس من الإنصاف النظر لهذه الوسائل على أنها أدوات سوء أو شيطنتها بسبب وجود ممارسات خاطئة من بعض مستخدميها لاسيما وهي التي يستخدمها الناس عامة اليوم بحب وبرغبة واسعة ويقضون الكثير من الساعات لاستهلاك ما تشتمل عليه من محتوى.. وبالتالي لا ينبغي أن نضع المشاهير في سلة واحدة فكثيرون منهم يقدمون محتوى جيدا أو مقبولا ويحرصون على ذلك.. ربما لا يتفق ما يقدمه هذا المشهور مع رؤية البعض أو ذائقتهم لكنه يمثل محتوى مطلوبا لدى مئات الآلاف من الجمهور.

صحيح أن كثيرا من أفراد المجتمع وبخاصة النخب يتطلعون لمحتوى يتسق وطبيعة ثقافة المجتمعات وأهدافها القيمية والتنموية لكن ذلك يبدو أصبح متعذرا بل هو من الأمنيات التي يكاد أن تكون مستحيلة التحقيق في ضوء انخفاض مستوى اهتمام العديد من الجمهور وتدني ذائقة الكثير منهم وبحثهم عن المحتوى الأقرب للتفاهة وهو ما جعل الكثير من مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي يجدون قواعد جماهيرية واسعة تنمو وتزداد كل يوم كلما أغرقوا في التفاهة وفي تقديم محتوى مبتذل لا يخلو من تهتك وعري أحيانا واستعراض لأجزاء مغرية من الجسد بالنسبة للعديد من النساء .. وكلما تمادوا في تقديم أنماط من ذلك المحتوى وجدوا أن هناك من يطلب ويتطلع للمزيد من مثل ذلك.. ليس في مجتمعاتنا فحسب وإنما في غالب المجتمعات في العالم كل ذلك رغبة في البحث عن مزيد من المتابعين وبالتالي الحصول على كعكة أكبر في سوق الإعلان الذي يمد هؤلاء بثراء واسع دون تكاليف أو إنفاق يتسق وحجم ما يحصلون عليه.

من جانب آخر وحتى لا تكون الصورة قاتمة أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها فرصة لكثير من الأفراد والمؤسسات والدول أن تستثمرها في التعليم والتدريب والتوعية ونشر المعلومات والأخبار وفي الدعايات الانتخابية حيث أصبح يتم الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي في إيصال الرسائل الانتخابية والتوعوية عبر هذه الوسائل أو من خلال توظيف عدد من المشاهير والمشهورات بوصفها الأسرع والأقرب للجمهور ويتم خلالها مناقشة الأفكار وتبادل الآراء، وفي أثناء «كورونا»، أتاحت منصات التواصل الاجتماعي تحقيق الكثير من أنماط التواصل وإيصال الرسائل للجمهور وربما عقدت لقاءات ومؤتمرات جماهيرية في بيئات افتراضية.. وأطلقت حملات توعوية أو إعلانية موجهة تستهدف نطاقًا جغرافيًّا معينًا وفئة عمرية محددة بهدف الوصول إلى أكبر عدد من الجمهور.

وقد عملت العديد من الدول وبخاصة المملكة على استثمار وسائل التواصل الاجتماعي وعلى نحو خاص تويتر لخدمة مصالحها العامة وتحسين صورتها على المُستوي الدولي والمحلي وذلك عبر مجموعة من الأنشطة والحملات التي تقوم بها، والمملكة اليوم وفقا لبعض الأنباء تعمل على إنشاء منصة إخبارية رقمية مقرها واشنطن.

رابعاً: مشاهير التواصل الاجتماعي (Social Media) هل هم الإعلاميون الجدد؟

يصنف البعض مشاهير التواصل الاجتماعي حالياً بأنهم الإعلاميون الجدد.. رغم أنف أسلافهم من التقليديين.. وما حوت جُعَبُهم من تراث عفا عليه الزمن.. غير أن التقليديين يأبون إلا أن يجعلوه صالحا لكل زمان ومكان.. متخذين في سبيل ذلك تجهيل جهابذة التواصل الاجتماعي والنيل منهم عَتادا يرمون به لعل دهماء الناس يصدقونهم فيمنحونهم فسحة من الزمن.. ولكن هيهات. وفي هذا السياق يمكن فهم حال هؤلاء الإعلاميين الجدد من عدة جوانب:

  • فجائية طغيان التواصل الاجتماعي في المجتمع الإنساني، وبخاصة المجتمعات غير ذات الدُّربة على التواصل الجمعي الناضج البناء في أصل ثقافتهم، مثل مجتمعنا.. فقد دفعت هذه “الفجائية” بثقافة جديدة لم يكن الناس إجمالا يحسنون الإرسال فيها ولا الاستقبال منها، فأتت لهم بالعجائب من كل باب: ثقافي، اجتماعي، وقانوني.
  • وسائلية مجتمعنا، بمعنى أنه من أكثر مجتمعات العالم احتواءً لتقنيات الاتصال الجديدة، مما سارع في حدوث كل محاسن وعيوب التواصل الاجتماعي عندنا، وبمتواليات هندسية عجيبة.
  • تقليدية ردود الفعل الرسمية عندنا (على مستوى التشريع والرقابة والقضاء) وعدم تكاملها مع طبيعة التغيرات الجذرية التي حدثت في “اتصال” الناس ببعضهم، فتأخرت التشريعات، وتخبط التقاضي، وتاهت الخيارات.
  • تقليدية ردود الفعل الشعبية عندنا (على مستوى نقد الممارسة، وتشكيل المواقف والاتجاهات، والسعي الدؤوب لإقصاء هؤلاء الجدد، فصار الأمر دُولة بين الناس.
  • حنق الإعلاميين التقليديين.. الذين شعروا للمرة الأولى أن ثمة من هو أحق منهم “بالاتصال” بالناس، وأكثر منهم “وجاهة” و”قبولا”، وأقدر منهم على جني الأموال.. وليس ذلك وحسب، ولكن.. أمضى في سحب بساط صناعة الإعلام.. فتجرّد التقليديون فجأة من عتادهم، وترجلوا عن مواقعهم الريادية وتأخروا كثيرا في سلم الحظوة المجتمعية.
  • ظهور جيل من الشباب لا يعرف البتّة ما الذي جرى خلال السبعينات والثمانينات ولا حتى التسعينات الميلادية الماضية عندنا فمضى كما رأى.. وهنا تمثل صراع الجيلين في أقوى صور له.

ويُعدً كلٌ من تطبيقي (سناب تشات والإنستغرام) من أكبر وأكثر التطبيقات التي ساعدت على تغير الأدوات التسويقية وإبراز اللاعبين الجدد في المجالات الإعلانية والإعلامية، حيث ساهمت الطبيعة البشرية الاجتماعية الاستشرافية الفضولية في زيادة أعداد المتابعين للمشاهير الجدد الذين يختلفون عن المشاهير التقليديين من الممثلين والمغنيين والرياضيين وغيرهم، بأنهم أقرب لطبيعة الناس وأسهل تواصلاً وأكثر معرفة باحتياجاتهم.

التحدي الكبير الذي يواجه وسائل الإعلام هو أن الجمهور لم يعد متلقياً للمعلومة، بل أصبح ينتج مادة إعلامية وينشرها عبر حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي، مما أنتج ظاهرة (المواطن الصحفي). كل مواطن لديه هاتفه النقال يصور في أي وقت ومن أي مكان وينشر ويشارك الآخرين دون رقيب. مما أنتج تفاعلا في نقل الأحداث، وحرية بالرأي والتعبير دون ضغوط رقابية.

وأصبح الجمهور يؤثر في وسائل الإعلام التي أصبحت تقدم مواد إعلامية تناسب ميول الغالبية. وهذا ما ساعد لتشكل ثقافة مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي مما جعلهم يكتسبون المزيد من الشعبية فيتشجعون للمتابعة ويتحولون إلى وسيلة للدعاية أمام تأثر الناس بما ينشرون.

ومع هذا لا يزال للمؤسسات الإعلامية الرسمية والشخصيات الإعلامية المعروفة مصداقية كبيرة برأي البعض الذين يدللون على ذلك بأنه حين يصلنا خبرًا ما من منصة تواصل اجتماعي أو من مشهور فإننا عادة نذهب للبحث عن مصداقية الخبر لمواقع المؤسسات الإعلامية الرسمية كالصحف ووكالات الأنباء والقنوات لكونه إعلاما رصينًا ومسؤولًا. وبنظر أنصار هذا الفريق فإنه يخطئ من يظن أن وسائل الإعلام التقليدية فشلت في هذا الشأن؛ فهي لم تفشل في تغطية الشأن الاجتماعي العام لكن قيود وبرتوكولات الممارسة المنضبطة لهذه المؤسسات هي التي تحكم طبيعة عملها.

من هنا يمكن القول بأن هناك مجموعة من السمات التي منحت شبكات التواصل الاجتماعية ومشاهيرها قدرات أوسع في بيئاتنا الاجتماعية العربية بما فيها البيئة السعودية ومن أبرزها ما يلي:

  • دون شك العالم يمر بتحولات كبيرة حيث أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي بديلا لوسائل التواصل التقليدية الأمر الذي قاد لتغييرات في أنماط وأدوات الخطاب المستخدم وما يرتبط به من مواد ووسائل أكثر إقناعاً مما أحدث تأثيرات واسعة على مختلف الأنظمة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لاسيما وقد أتاحت هذه الوسائل تجاوز الحدود الطبيعية وتحقيق إمكانية التفاعل على نحو مباشر وواسع دون أي رقيب وهو ما جعل هؤلاء المشاهير يمتطون سلمها ويستفيدون منها.
  • تظل وسائل التواصل الاجتماعي أحد أبرز الأدوات الأكثر فاعلية اليوم في الحملات التوعوية وعمليات الحشد الفكري والثقافي والسياسي ولذا فحري بالجهات التي تنظم حملات واسعة أو تريد أن تعمل على نشر معلومات على نطاق واسع أن تستثمر مثل هذه الوسائل ومشاهيرها وبخاصة الذين يحرصون على تقديم محتوى مقبول مع ضرورة إدراك أن استخدامها وتوظيفها يتطلب ذكاء وفطنة وفهما ولغة وخطابا يتسق وطبيعة الجمهور الذي توجه إليه هذه الرسائل ويراعي نمط التفكير لدى طبيعة أفراد المجتمع عند صناعة المحتوى وفق نظام وحوكمة متقدمة وبانتقاء مهنيين يحسنون التعبير والخطاب عن مجتمعنا وقيمنا.
  • تظل عملية التفاعل والتفاعلية من أبرز ما تتسم به وسائل التواصل الاجتماعي وهو ما منحها ومشاهيرها قوة تفوق ما تتسم به وسائل الإعلام التقليدية بل لم يتصور طبيعته وحجمه الكثير من المحللين وخبراء الإعلام والاتصال، حيث استطاعت أن تتفوق على العديد من الفضائيات في النقل المباشر للأحداث والوقائع، والتفاعل كثيرا ما يكون أحد أسباب وعوامل التأثير وهو ما يمنحها المزيد من القوة في إيصال الرسائل للجمهور وإقناعه بها لذا فقد أسهم هذا في ظهور (المجتمع الافتراضي) الذي أصبح يمتلك قدرة تأثيرية على تفاعلات المجتمع الواقعي الذي نعيش فيه سلبا أو إيجابا.
  • الجمهور لم يعد مجرد متلقي سلبي وإنما هو نشط وفاعل ويستطيع تحديد دوافع تعرضه لهذه الوسائل ولغيرها واختيار المضمون والمحتوى الملائم له، وهو ما تحققه وسائل التواصل الاجتماعي، بتعددها وتنوع مضامينها ونمطها بل أن مستخدمي هذه الوسائل وبخاصة المشاهير قادر على صناعة رسائل توازي وقد تكون أكثر كفاءة من الرسائل التي تصنعها مؤسسات محترفة ومتخصصة الأمر الذي يؤكد أهمية العناية بصياغة ولغة تلك الرسائل التي توجه إليه لتتسق وفق تطلعات رؤية المملكة ٢٠٣٠.
  • دون شك فقد أتاحت الشبكات الاجتماعية إمكانية واسعة في نقل وتبادل الآراء والمعلومات والأفكار في إطار من الشفافية والحرية إلى حد واسع، مما منحها ومشاهيرها قوة وتأثيرا واسعا الأمر الذي خلق صراعًا تنافسيًا بين الشركات الكبرى للسيطرة وتملك هذه الشبكات التفاعلية.
  • إن وسائل الإعلام التقليدية أضحت تحرص على وجود كبير لها في وسائل التواصل الاجتماعي لتصل لجمهور أوسع كما اهتمت بإنشاء مواقع خاصة بها، لمواكبة التطور والحفاظ على جمهورها، استقطب بعضها عددا من المشاهير ليقدموا برامج ومحتوى لديها ولاشك أن الجميع يعلم أن كثيرا من وسائل الإعلام التقليدية انحسر تأثيرها وضعف إقبال الجمهور عليها مما هدد مستقبل بعضها حتى أوقفت بعض الصحف نسخها الورقية المطبوعة معتمدة عل موقعها الإلكتروني فقط وربما خرجت من سوق العمل الإعلامي.
  • تتسم هذه الوسائل بقدرتها على إتاحة العديد من أساليب تغذية الجمهور بمواقف وأفكار قد يبدو بعضها عملا غير مشروع رغبة في صناعة وتزييف الرأي العام مما قد يسهم في إحداث مواقف أو فوضى أمنية أو نشر خطاب يخلق حراكا فكريا يخلخل قيم المجتمع ومبادئه، إذ من جانب آخر قد يحدث كثيرا توظيف هذه الوسائل من قبل أفراد أو مؤسسات أو بعض المشاهير في نشر الشائعات والترويج لها تحت مسميات التعبير عن الرأي العام أو لممارسة الضغط الاجتماعي أو لصناعة رموز أو نخب لهم تأثير لا ينكر على بعض الأفراد وخصوصاً الشباب والفتيات بشكل عام ولعل طبيعة تغير ديناميكية الرأي العام في مجتمعاتنا قادت لتراجع تأثير بعض المتغيرات على تشكيل الرأي العام لاسيما بعد تنامي استخدام وتوظيف هذه الشبكات الاجتماعية وما يقدمه بعض مشاهيرها.

خامساً: آليات تطوير محتوى وسائل التواصل الاجتماعي والإفادة الإيجابية من مشاهيرها.

ظاهرة مشاهير التواصل الاجتماعي هي ظاهرة متسارعة ولم يكن من المتوقع أن تحظى بهذا القبول والاستمرارية؛ فمع بداياتها ظن الجميع أنها ظاهرة مؤقته ستندثر، ولكن الواقع أثبت أنه عالم جديد دخلنا فيه.. قد تتغير المنصات والبرامج ولكن يظل ما يقدم متشابه في المحتوى بدون رقابة أو قيود إلا ما يحمله صاحب الحساب الاجتماعي من قيم وأخلاقيات، وحتى المحاولات للرقابة أو المحاسبة تأثيرها محدود جدًا، لأنه عمل في فضاء كبير وواسع؛ فأكثر الحسابات تأثيرا ومتابعة أصحابها يعيشون في دول أخرى ولا يمكن محاسبتهم أو منع محتواهم وكل يوم تزيد كمية الإعلانات التي تبث من خلالهم والمعلن لا يهمه من يقدم وما يقدم الموضوع فقط عدد مشاهدات وملايين المتابعين، بما أن إعلان واحد قد يساعده في تحقيق مردود يحتاج لأشهر أو حتى سنوات حتى يصل له. فإذن نحن أمام واقع لابد من التعامل والتعايش معه، لأنه لا يبدو أن هناك بديل له أو وسيلة لإيقافه، يظل التحكم في يد الفرد نفسه في معرفة الغث من السمين والرديء من المفيد، ويبقى الدور على المؤثرين الإيجابيين في العمل على الإبداع في خلق محتوى جاذب خصوصا للمراهقين لأنهم الأكثر تأثرا بما يبث في وسائل التواصل، وإذا استطاع أن يحقق متابعة وانتشار سيسحب البساط تدريجيا من أصحاب الحسابات ذات المحتوى الفارغ.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض المشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي لا يزالون يمارسون حضورا مستمرا ليبقى وهجهم وتزداد متابعتهم ولتستمر الإعلانات تتدفق إليهم حيث يمارسون تضليل المجتمع ويقدمون للجمهور عبر إعلاناتهم الرديء والمغشوش كل ذلك مقابل ثمن قليل.. هؤلاء يحتاجون فعلا لضوابط تحدد طبيعة استخدامهم للإعلان.

إن واقع فضاء الاتصال العام الآن مقلق ويحتاج إلى ضوابط قانونية تنظمه، ومعايير أخلاقية يلتزم بها كل من يخاطب العامة بأي وسيلة كانت. الفضاء العام ليس ملكهم يعبثون به كما يحلوا لهم إنه ملك للجميع، وكما أن هناك قيود على مؤسسات الإعلام التقليدية يجب أن يكون مثلها لهؤلاء المشاهير والا فإننا في أجواء منافسة غير عادلة وأغلب الظن أنهم ربحوها، مكانةً ومالاً.

ومع أن هناك صعوبة في وضع ضوابط لوسائل التواصل الاجتماعي اليوم ولهؤلاء المشاهير لكن من حيث الواقع هناك تجارب إيجابية في تطبيق بعض الأنظمة على بعض المشاهير مما أوجد قدرا من الاهتمام لدى البقية ولعل العناية بمثل هذه الضوابط وتطبيقها بحزم وعدالة سينعكس إيجابا على حسن توظيف هذه الوسائل أو التقليل من بعض مساوئها.

كما أن من المهم العمل على توظيف وسائل التواصل الاجتماعي عبر الاهتمام بتنظيم استخدامها وتطبيق أنظمة النشر الإلكتروني على كل من يخالف ذلك وبخاصة من المشاهير الذي قد يكون لهم تأثير على الجمهور والرأي العام، ووضع أطر فكرية واضحة ومحددة يمكن لكل مستخدمي الشبكة في الداخل من ضبط مسار أنشطتهم والعمل على صناعة رواية إعلامية لكل حدث يتعلق بالمجتمع والعمل على تفسيره عاجلا حتى لا ينتشر أي تفسير يختلف عن الحقيقة  والاهتمام بإيجاد خطاب اجتماعي تتبناه مؤسسات معنية بذلك بأساليب مبتكرة لمواجهة أي خطاب مناوئ يحاول أن يقوض النسيج الاجتماعي للمجتمع لا سيما وأن المستقبل بشأن هذه الشبكات يوغل في التعمق في خصوصيات المجتمع مما يهدد أركانها وأسسها وأن من الممكن أن نشهد كيانات افتراضية تهدد استقرار المجتمعات وتؤثر في قرارات الجمهور وأفكارهم واختياراتهم.

والمؤكد أن سلم “القيم المجتمعية” يعبر حاليا مرحلة تحولات مهمة في “كينونة القيم ذاتها”، في مجتمعنا بشكل خاص. وهي تحولات، بدأت في الظهور منذ مطلع التسعينات الميلادية الماضية، حين بدأت قنوات البث التلفزيوني الفضائي تتكاثر، وهي مرحلة لم تكن يسيرة على الإطلاق، على المستويات المجتمعية كافة: الثوابت، القيم، العادات، والتقاليد. لقد أفرزت تلك الحقبة تباينات الفكر الاجتماعي بصورة لم تكن مسبوقة في تاريخ المجتمع. إن ما نشهده حاليا من تباينات مجتمعية تمس واقع التواصل الاجتماعي، والمشاهير، ليس من ذلك التاريخ ببعيد، ولكن في نهاية المطاف، سوف يعبر المجتمع مرحلته الاتصالية الانتقالية الجديدة، ثم يثبت على (حال). ومناط التفكير في (الحال) المنتظرة لفترة ما بعد مرحلة التواصل الاجتماعي والمشاهير.. ليس في (قمع) روادها.. بحجة (سلم القيم) ولا (الثوابت) ولا غير ذلك مما هو في بيئة الإعلام تحديدا. “السلم المجتمعي” وظيفة مؤسسات المجتمع كافة، وفي مقدمتها: التعليم، والأسرة، والقانون. فحتى نمتلك جيلا سليما، علينا أن نفحص هذه الثلاثة، فإذا صلحت صلح الناس، أما وهي يعتريها ما يعتريها، فسيعترى الشباب ما يعتريهم مما ينفثونه في وسائل اتصالهم.

فمشاهير وسائل التواصل هم، في الغالب، فئة اجتماعية أصبح لها فجأة نفوذ على الناس وسلوكياتهم دون أن يعدوا أنفسهم لذلك أو يتصورا لعب هذا الدور من قبل. لكن تطورات التقنية أناطت بهم أدواراً في الغالب لم يكونوا يعدون أنفسهم لها. إنهم ليسوا الصحفي أو الممثل أو الداعية أو الشاعر أو الباحث، ممن رسم لنفسه ومنذ وقت مبكر دوراً في المجتمع يروم من خلاله أن يساهم في إحداث تغيير في سلوك الناس. ببساطة، لو لم تتطور التقنية في هذا الاتجاه لما وجدت هذه الفئة المفاجئة التي تركت الناس، فاعلين ومستهلكين، حيرى تجاه الظاهرة وتفسيرها.

ومن منظور إيجابي يمكن اعتبار أن وسائل التواصل الحديثة كانت وما زالت فرصة لمن يجيد استغلالها بالطريقة الصحيحة.  لكن يجب علينا معرفة أن المسؤولية كبيرة، وتقع على الجميع.. مسؤولية نابعة من الحرص على تنمية الوعي لدى المراهقين والشباب للاشتراك في محاربة الأفكار والأفعال المنحرفة، التي يبثها مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي. وأن علينا أن نعمل على دعم مسيرة التغيير، وأن نسعى لتطعيمها بالمؤثرين فكريًا، والناجحين توعويًا، وأن نبادر لتحسينها، والسير في ركبها بدلًا من التنحي لصالح هؤلاء المشاهير.

سادساً: التوصيات.

  • على الجهات المعنية في الدولة ممثًلة بوزارة الإعلام ووزارة الثقافة وغيرها من الوزارات ذات العلاقة، السعي لبناء جسور من التواصل مع المشاهير المؤثًرين بعد حصرهم وتصنيف اهتماماتهم، وذلك لاستثمار تأثيرهم في المجتمع في الجوانب المتعلقة برفع الوعي المجتمعي والتعريف المتواصل بالرؤية وتشجيع الشباب على الجوانب الإيجابية والأخلاقيات المنشودة.
  • ضبط عملية معرفة دخول المشاهير ووضع رسوم وضرائب دخل مناسبة تُصرف لدعم المشاريع الشبابية.
  • تفعيل قوانين الذوق العام بدقة على جميع مشاهير التواصل الاجتماعي.
  • التحفيز على طرح المحتوى القيمي العالي في حسابات المشاهير ورصد جوائز سنوية على مستوى المنطقة وعلى مستوى المملكة.
  • استحداث نظام أو لائحة ذات علاقة بضبط المحتوى الرقمي لمشاهير التواصل الاجتماعي، أو إضافة مواد واضحة لأنظمة سارية كنظام الجرائم المعلوماتية أو نظام التجارة الإلكترونية لضبط سلوكيات مشاهير التواصل الاجتماعي وإعلاناتهم التجارية.
  • تمكين مؤسسات مسؤولة محوكمة من منافسة المشاهير إن لم تستوعبهم.
  • تفعيل دور اللجنة الوطنية لتقنين المحتوى التقني.
  • تحفيز الدور الرقابي للجمهور للإبلاغ عن نشاطات المشاهير ذات التأثير السلبي على نظم وقيم المجتمع.
  • تحفيز المشاهير أنفسهم على الالتزام بالأنظمة والقيم الوطنية التي تحافظ على الهوية الوطنية.
  • تطبيق نظام الجرائم المعلوماتية على المشاهير الذين يتجاوزون أنظمة الذوق العام والهوية الوطنية.
  • التشديد على تعزيز الهُوية الوطنية من خلال حسابات مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وإرشادهم لآليات تدعم المحتوى الثقافي السعودي الرقمي.
  • تعزيز المحتوى الإلكتروني التنافسي لمشاهير التواصل الاجتماعي القائم على الابتكار والوظائف الإبداعية وتعزيز المردود الاقتصادي للدولة.
  • لا يسمح لأي حسابات بتقديم إعلانات إلا بتصاريح رسمية؛ لتجنب وقوع المشاهدين ضحية لإعلانات غير آمنة، كالتداول الوهمي أو وصفات شعبية أو خلطات ووصفات قاتلة.
  • تأصيل وتوثيق الآداب في الفضاء الإلكتروني على أساس من الشرع والأعراف والنظام.
  • توعية مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي (من المشاهير وغيرهم) بالأنظمة ذات العلاقة (كنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، ونظام الذوق العام وغيرها) لضبط سلوكهم ولحمايتهم من الوقوع تحت طائلة النظام، وللحد من المخالفات والجرائم الإلكترونية.

 

  • المشاركون.
  • الورقة الرئيسة والمعقبون: د. خالد الرديعان، د. مساعد المحيا، أ. عبدالله الضويحي.
  • إدارة الحوار: د. زياد الدريس.
  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • د. عبدالله ناصر الحمود
  • د. عبدالإله الصالح
  • د. عبدالعزيز الحرقان
  • د. ريم الفريان
  • أ.د مجيدة الناجم
  • د. محمد الثقفي
  • د. هند الخليفة
  • أ. خالد الوابل
  • م. سالم المري
  • د. خالد المنصور
  • د. رياض نجم
  • د. حامد الشراري
  • د. مها العيدان
  • د. سعيد العمودي
  • د. خالد بن دهيش
  • أ. فائزة العجروش
  • د. حميد الشايجي
  • د. عبدالسلام الوايل
  • د. الجازي الشبيكي
  • د. صدقة فاضل
  • أ. سليمان العقيلي
  • د. هناء المسلط
  • د. سعود كاتب
  • أ. عبدالرحمن باسلم
  • أ. فهد الأحمري
  • د. حمزة بيت المال
  • د. محمد الملحم
  • د. فاضل القرني

القضية الثالثة

حل النزاعات التجارية المحلية والدولية وانعكاسها على الاقتصاد السعودي

(1/8/2021)

  • الملخص التنفيذي.
  • أولاً: واقع المنازعات في البيئة التجارية السعودية.
  • ثانياً: أهمية تعزيز العدالة الوقائية لحل النزاعات التجارية المحلية والدولية.
  • ثالثاً: الوساطة وأثرها في تسوية النزاع والمحافظة على العلاقات التجارية.
  • رابعاً: التطور النوعي لصناعة التحكيم وبدائل تسوية المنازعات في المملكة.
  • خامساً: تطور آليات حل المنازعات التجارية.
  • سادساً: أثر التطوير على بيئة التقاضي.
  • سابعاً: انعكاسات تطوير طرق حل المنازعات على الاقتصاد السعودي.
  • ثامناً: التحديات التي تواجه حل النزاعات التجارية المحلية والدولية.
  • تاسعاً: التوصيات.
  • المشاركون.

 

  • الملخص التنفيذي.

تناولت هذه القضية حل النزاعات التجارية المحلية والدولية وانعكاسها على الاقتصاد السعودي من منطلق أن مسألة حل النزاعات التجارية المحلية والدولية وانعكاساتها على الاقتصاد، تعتبر أحد الموضوعات الدائمة على جدول أعمال البيئة الاقتصادية والقانونية في مختلف دول العالم، وبالتالي فإنها ستكون أكثر إلحاحاً وتواجداً في المجتمع السعودي بسبب حداثة عملية التطوير والمواكبة للبيئة الاقتصادية والقانونية العالمية، خاصة في ضوء رؤية 2030 الواعدة.

وكأي بيئة تجارية فقد عرفت البيئة التجارية السعودية ما يعرف بالمنازعات التجارية، على النحو الذي يوجد في مختلف البيئات التجارية، إلا إن المنازعات في البيئة التجارية السعودية تميزت بعدة أمور من أبرزها: اختلاف مصادر النزاع، واختلاف طرق التعامل مع المنازعات، وصعوبات تنفيذ الأحكام، وعدم وجود نظام للتحكيم، مما قلل من القدرة على اللجوء إلى التحكيم.

وقد شهدت السنوات الأخيرة نقلة نوعية جعلت من المملكة العربية السعودية بيئة صديقة للتحكيم، وقد تحقق ذلك بإرادة سياسية وفرت الدعم من خلال مسارات ثلاثة رئيسة: دعم تشريعي وتنظيمي، ودعم حكومي، بجانب الدعم القضائي. وقد اتخذت الحكومة السعودية خطوات عملاقة نحو تطوير آليات حل المنازعات التجارية، لتكون مواكبة للتطورات العالمية، والتي انتهت إلى تحقيق نقلة نوعية غير مسبوقة، جعلت القضاء التجاري متقدماً ومتفوقاً على مختلف الأنظمة القضائية الإقليمية.

ومن أبرز التوصيات التي تم الانتهاء إليها ما يلي:

  • تفعيل التعويض وإقرار مبادئه، ومُساءلة مُتسببي الإضرار بالآخرين.
  • إقرار تعويضات تكاليف التقاضي والترافع، بحيث يتحملها الخاسر.
  • دراسة أسباب حالات الإفلاس والتعثر، وأسباب النزاعات التجارية وأنواعها.

أولاً: واقع المنازعات في البيئة التجارية السعودية.

إن مسألة حل النزاعات التجارية المحلية والدولية وانعكاساتها على الاقتصاد، تعتبر أحد الموضوعات الدائمة على جدول أعمال البيئة الاقتصادية والقانونية في مختلف دول العالم، وبالتالي فإنها ستكون أكثر إلحاحاً وتواجداً في المجتمع السعودي بسبب حداثة عملية التطوير والمواكبة للبيئة الاقتصادية والقانونية العالمية، خاصة في ضوء رؤية 2030 الواعدة.

إن التلازم على الدوام مُقترن بين الحركة الاقتصادية والتجارية، وما ينشأ عنها من نزاعات واختلافات، فحيث هناك تجارة وبيع وتمويل وتعامل تجاري مهما كان شكله، كان الاختلاف، وبتأمل جلسات المحاكم، نجد أن أقرب الناس لبعضهم يتخاصمون، فتجد الخصومة بين الأخوة بسبب التركة، وبين الشركاء بسبب شراكاتهم، وكذا الأزواج، الأمر الذي يُحتم عبر الزمان أهمية التقاضي وابتكار جميع الوسائل في سبيل حل الخلافات والنزاعات بأيسر وأسرع الإنجاز، وما يُساهم في الحد من تلك الخلافات، كإتقان صياغة العقود وفهم الالتزامات والتوثيق، ونحو ذلك.

لقد تعقدتْ التعاملات، وساهمت في ذلك التجارة العالمية وتشعب الوسائل الإلكترونية والتعامل عن بعد، بل والتَفنُن في ابتكار تعاملات لم تكن مُتخيلة، فها هي العُملات الرقمية، والصكوك، والمُضاربات، والاحتيالات الرقمية، والتعامل بالمارجن، وليس بعيد أن يُباع النفط بالسالب، وغيرها الكثير من التعقيدات المُستحدثة.

يضبطُ الناسَ دينٌ وخلقٌ ونظام، عن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء)، رواه الترمذي وقال حديث حسن، ويحكي تاريخنا قصصاً مضرب الأمثال في المثالية في الإيثار والصدق والتعاون وعدم الاحتكار والميسرة حين العُسرة مع المدينين، مما فرضَ لزاماً على المجتمعات أن تكون خيّرة، قليلة النزاعات، فإن ضَعُفَ ما سبق كان لزاماً تفعيل النظام وسن التشريعات وتفعيل القضاء النافذ، وإيقاع العقوبات، وهو تحدٍ كبير على الدول المعاصرة، ومنها المملكة في مسيرتها التنموية المُتسارعة لتحقيق رؤية 2030، في سبيل تحقيق (مجتمع حيوي، اقتصاد مُزدهر، وطن طموح).

تنشر وزارة العدل مؤشراتها الإحصائية وتُحدّثها باستمرار، ومن ذلك مؤشر عدد القضايا التجارية، ويُلاحظ أنه يتضاعف.

 

وكأي بيئة تجارية فقد عرفت البيئة التجارية السعودية ما يعرف بالمنازعات التجارية، على النحو الذي يوجد في مختلف البيئات التجارية، إلا إن المنازعات في البيئة التجارية السعودية تميزت بعدة أمور تتمثل فيما يلي:

  • اختلاف مصادر النزاع: ذلك أن مصادر المنازعات التجارية في مجملها، لا تدور على النحو الموجود في البيئات التجارية الأخرى بسبب الخلافات حول تفسير الاتفاقيات أو التوقف عن تنفيذها أو الاختلاف حول ذلك التنفيذ، بل إن الجزء الأكبر من مصادر المنازعات كان يعود إلى افتقاد وجود الاتفاقيات المنظمة بشكل مهني من الأساس، أو إعدادها على عجل وبصورة مبسطة لا تفي بما يكفي لحسم الخلافات عند وقوعها.
  • اختلاف طرق التعامل مع المنازعات: فعادة ما يتم الاعتماد على التوفيق الودي، أو الوساطة، كما أن دور مكاتب المحاماة التي تعمل على حل المنازعات بشكل مهني كان محدوداً، وبذات القدر محدودية دور القضاء التجاري في التصدي للكثير من المنازعات الجوهرية مثل الأوراق التجارية وقضايا التأمين والبنوك وغيرها.
  • صعوبات تنفيذ الأحكام: كذلك كان تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عن القضاء التجاري يواجه صعوبات بالغة في التنفيذ، وذلك قبل صدور نظام التنفيذ، مما كان يحد من قوة الأحكام القضائية، ويدفع التجار إلى الإحجام عن التقاضي.
  • عدم وجود نظام للتحكيم، مما قلل من القدرة على اللجوء إلى التحكيم.

ولقد كان لزاماً لجهود المملكة أن تتزامن مع حاجة التجار، وتشعب القضايا، وتفنن المُتلاعبين، في سبيل تحقيق بيئة اقتصادية مُزدهرة مُستقرة، ومن ذلك:

  • الزيادة الملحوظة في توظيف وتدريب العدد الأكبر من القُضاة، وتشكيل الدوائر التجارية المتنوعة في المحاكم التجارية والعامة.
  • تحقيق القضاء المُتخصص، بإنشاء الدوائر القضائية المُتخصصة، كما في دوائر المُساهمات العقارية، ودوائر الإفلاس، والقضاء المُتخصص لكلٍ من المنازعات المصرفية، والتمويلية، والأوراق المالية، والتأمينية، والضريبية، والجمركية، وغير ذلك، مما ولَّد خبرات مُتراكمة في التسويات المُتخصصة المُعقّدة العادلة.
  • تفعيل الوسائل البديلة للقضاء، ومن ذلك التحكيم والتوفيق والمُصالحة، وسن الأنظمة لذلك، وإنشاء دور ومراكز التحكيم والتصالح.
  • إلزام نظام المحاكم التجارية باللجوء للصلح والوساطة أولاً قبل القضاء، في العديد من الحالات، مثل منازعات الشركاء في شركات المضاربة، وغيرها.
  • الانضمام للاتفاقيات الدولية المعنية بالتسويات والوساطة، ومنها اتفاقية الأمم المُتحدة لعام 2019م (اتفاقية سنغافورة بشأن الوساطة).
  • تفعيل جميع درجات التقاضي، في سبيل تحقيق مُراجعات قضائية عادلة.
  • الاستفادة القصوى من الوسائط الإلكترونية، للتقاضي والتنفيذ والتوثيق، والمملكة تُحقق أعلى المُمارسات في الاستفادة من التقنية، حيث عقدت وزارة العدل أكثر من مليون ومائتي ألف جلسة مرئية عن بعد منذ شهر مارس 2020م حتى شهر مايو 2021م، وحتى باتَ التاجرُ وهو في سفره يستطيع أن يحضر الجلسات والترافع، ويُصدر الوكالات، ويبيع العقارات، ويصوت على الجمعيات، في مُتلازمة راقية لتسهيل جميع ما يحتاجه التاجر من إجراءات وعمليات لتجارته كانت أو لقضائه.
  • اختصار الإجراءات وتسهيلها، ومن ذلك تفعيل التقديم الإلكتروني للشكاوى والدعاوى والمخاطبات، والربط الإلكتروني بين المحاكم والذي اختصر الأيام، وإطلاق خدمة التبليغ الإلكتروني، وتقليص إجراءات التنفيذ الإلكتروني، وتفعيل التحويلات المالية الإلكترونية بين المتقاضين، وتدشين منصة تراضي، ومنصة نافذ، وناجز، وغيرها.
  • تُوجت وزارة التجارة بجائزة التميز الحكومي العربي كأفضل وزارة عربية من بين أكثر من (5000) مشاركة حكومية عربية، مع استمرار المملكة في حصد الارتقاء في المؤشرات الدولية.
  • انخفاض مدة التقاضي للقضايا، وقد ساهم التطوير الإداري لإجراءات وسير القضايا مُساهمة فاعلة في ذلك، ومن ذلك إقرار تبادل المُذكرات بين المُتخاصمين إلكترونياً بين الجلسات، وإلزام التجار المُتخاصمين بتقديم جميع ما لديهم من بيّنات ومذكرات دفعة واحدة أمام القضاء، بحسب ما نصت عليه المادة (20) من نظام المحاكم التجارية، وإلزام القضاء من الانتهاء من نظر القضايا التجارية بالسرعة المُمكنة، بحيث لا يتجاوز زمن القضية أمام المحكمة الابتدائية عن ستة أشهر، بحسب المادة (38) من لائحة ذات النظام، وهو ما تسعى الوزارة فعلياً لتحقيقه قدر الإمكان.

وفيما يلي بيان القضايا التجارية المُقيدة خلال سنة 1441هـ والمنتهية حتى الوقت الحالي بحسب الفترات (موقع وزارة العدل):

 

ثانياً: أهمية تعزيز العدالة الوقائية لحل النزاعات التجارية المحلية والدولية.

بالنظر إلى اختلاف وجهات النظر في العلاقات التجارية كأمر طبيعي، إلا أن المهم توفير أدوات وآليات للمحافظة على العقود والعلاقات التجارية عند وقوع الخلافات؛ بحيث تكون هذه المنازعات التجارية محطة في طريق العلاقة التجارية وليس نهاية الطريق. وهناك العديد من الآليات، منها على سبيل المثال:

  • الأهمية البالغة لإحكام العقود، لتعكس كامل تفاصيل التعاقد بوضوح وشفافية له دور مهم في المحافظة على العلاقة التجارية واستقرارها.
  • من أهم ما ينبغي العناية بصياغته وإحكامه في العقد هو بند تسوية المنازعات، وتزداد هذه الأهمية في ظل ما شاع في كثير من العقود والاتفاقيات من عدم العناية بهذا البند، حتى أصبح يُسمى بـ(شرط منتصف الليل)، لشدة إهمال صياغته.
  • من الأهمية بمكان اختيار آلية تسوية النزاع المناسبة، من جهة تواؤمها مع النشاط، وطبيعة النزاع وحجمه، وكذلك من جهة تكلفة الأداة المختارة لتسوية النزاع.
  • تقع على المحامي مسؤولية بالغة في معرفة أحدث المستجدات في بدائل تسوية المنازعات واختيار الملائم منها، بحيث يساعد عميله في وضع المناسب منها في العقد؛ وعليه فإن وجود المركز السعودي للتحكيم التجاري -الذي تأسس بقرار مجلس الوزراء، والذي يتحلى بالحياد والاستقلال وأخذ بأفضل الممارسات وتقديم أحدث بدائل تسوية المنازعات- يمثل فرصة كبيرة لقطاعات الأعمال للاستفادة من طيف الخدمات الواسع والمتنوع التي يقدمها لمختلف أحجام وتخصصات الشركات وقطاعات الأعمال، ومن ذلك على سبيل المثال: إذا كانت قيمة المنازعة أقل من 200 ألف ريال فإنه توجد أمام المحامي ثلاثة خيارات تتفاوت في مدة تنفيذها وكلفتها المالية بما يصل إلى الثلاثة أضعاف (التحكيم الإلكتروني الذي يجب أن يصدر حكم التحكيم فيه خلال 30 يوماً من تعيين المحكَّم، والتحكيم المعجل الذي يمتد إلى 6 أشهر والتحكيم العادي بمحكم أو حتى ثلاثة محكمين)، وهنا تأتي المسؤولية الكبيرة للمحامي في تضمين العقد الشرط الذي بموجبه يتم اختيار الوسيلة الملائمة منها عند وقوع النزاع، وكذلك في حال كون المنازعات بين 200 ألف ريال وأربعة ملايين، يكون الخيار الأمثل هو إجراءات التحكيم المعجل مع أنه بإمكان الأطراف اختيار التحكيم العادي بمحكم أو ثلاثة محكَّمين، مع كون التحكيم العادي بثلاثة محكمين خياراً مكلفاً ولا توجد الحاجة له في هذا السياق؛ وعليه فإن المحامي يمكنه في هذا السياق الاستفادة من الإرشادات والخيارات التي يتيحها المركز، مثل: الدليل الإرشادي لصياغة شروط تسوية المنازعات، وكذلك الشروط النموذجية التي تساعده وتساعد عمليه، مثل هذا الشرط الذي يوصي به المركز.
  • كما تتأكد الإشارة هنا إلى خطورة الشروط المعيبة في صياغة شرط تسوية المنازعات، وأثرها من مفاقمة النزاع.

ثالثاً: الوساطة وأثرها في تسوية النزاع، والمحافظة على العلاقات التجارية.

الوساطة هي عملية يساعد بموجبها طرف محايد أطرافَ المنازعة على التفاوض من أجل التوصل إلى تسوية طوعية مقبولة منهم لمنازعاتهم، وتتميز الوساطة بالمرونة والسرعة والسرية وتحكم الأطراف في الإجراءات ومحدودية التكاليف، كما أنها تساهم في تخفيف العبء على القضاء. ووفق تقرير مراجعة أعمال الوساطة الصادر عن مركز التسوية الفاعلة للمنازعات CEDR بالمملكة المتحدة، فإن 70% من المنازعات التي تسوى عن طريق الوساطة تسوى خلال اليوم الأول، وأن 20% يسوى خلال الأيام التالية، فيكون المعدل الإجمالي لنجاح الوساطة في الوصول لتسوية 90%. كما أن متوسط الساعات التي تجري خلالها أعمال الوساطة بدءًا من دراسة ملف الدعوى حتى انتهاء الوساطة بلغ 16.8 ساعة. أما في الولايات المتحدة، فيشير تقرير هيئة الوساطة القومية National Mediation Panel إلى أن متوسط نجاح أعمال الوساطة بلغ 85% في دعاوى المسؤولية التقصيرية، وبلغ 87% في دعاوى العقود، في حين بلغ 87% في دعاوى التعويضات العمالية ومن ناحية أخرى خلصت دراسة أجراها الاتحاد الأوروبي على جميع دول الاتحاد إلى أن متوسط الوقت الذي تستغرقه الوساطة حتى انتهائها 43 يومًا، في حين يبلغ هذا المتوسط في إجراءات التقاضي 566 يومًا.

منذ تأسيسه، وإيماناً منه بأهمية الوساطة فقد عمد المركز السعودي للتحكيم التجاري إلى صياغة وإصدار قواعد خاصة ومستقلة للوساطة، كما عمد إلى تقديم برامج تدريبية متخصصة ومع عدد من أهم الشركاء الدوليين في تأهيل الكوادر في الوساطة بأفضل الممارسات، كما أن لديه قائمة خاصة ومستقلة للوسطاء والوسيطات المؤهلين، وقد عزز ذلك بتقديم خدمات نوعية ومتخصصة في الوساطة، وبشراكة مع وزارة العدل أصبحت التسويات الناتجة عن الوساطة في المركز يتم تحويلها إلى سندات تنفيذية، وكان الأهم في ذلك أن المركز باشر إدارة عشرات النزاعات التجارية من خلال الوساطة، كانت نتيجتها الوصول في نسبة جيدة من هذه النزاعات إلى تسويات ودية، بل عدد منها تمت التسوية في الجلسة الأولى، ولله الحمد. ويحسن في هذا السياق التعريف باقتضاب بخدمتين من خدمات الوساطة التي يقدمها المركز، وهي:

  1. خدمة الوساطة الطارئة في ظل جائحة كورونا EMP

أطلق المركز هذه الخدمة للمساهمة في معالجة آثار جائحة كورونا، من خلال تقديم “الوساطة عن بعد” بشكل إلكتروني كامل، وبأعلى مستويات الموثوقية في تسوية المنازعات، وفق قواعد إجرائية تضمن الحياد التام، والكفاءة العالية، وتتيح للأطراف تداول مجريات الوساطة بشكل عملي وفعّال، بما يكفل التوصل إلى تسوية ودية عادلة تنتهي بحصول الأطراف على سند تنفيذي نهائي ونافذ، مع مراعاة تكاليف البرنامج لتكون متوائمة مع ظروف الأزمة، ويفسح المجال لتجاوز الخلاف بأسرع وقت، ومواصلة الأنشطة التجارية مجدداً، وقد أنشأ لهذا البرنامج صفحة مخصصة على موقعه الرسميWWW.SADR.ORG/EMP

  1. خدمة تيسير الوساطة

في ظل صدور نظام المحكمة التجارية الجديد في المملكة ولائحته التنفيذية وما تضمنته من دعم نوعي للوساطة والمصالحة إحدى تجلياته اشتراط محاولة تسوية المنازعة من خلال الوساطة أو المصالحة في عدد من أنواع القضايا قبل التمكن من تسجيلها في المحكمة؛ فقد أضاف المركز هذه الخدمة، لمساعدة أطراف القضايا الذين لا يوجد بينهم اتفاق مسبق على حل النزاع من خلال الوساطة وفق قواعد المركز وتحت إدارته، ليتواصل المركز معهم -بناء على طلب أحد الطرفين- ويحاول إقناع الطرف الآخر بذلك سعياً لحل النزاع بشكلٍ ودي وفاعل، كما تساعد الأطراف المتقدمة لطلب الخدمة من الحصول على مستند صادر عن المركز تظهر مدى جديتهم ورغبتهم في تسوية المنازعة من خلال الوساطة.

رابعاً: التطور النوعي لصناعة التحكيم وبدائل تسوية المنازعات في المملكة.

شهدت السنوات الأخيرة نقلة نوعية جعلت من المملكة العربية السعودية بيئة صديقة للتحكيم، وقد تحقق ذلك بإرادة سياسية وفرت الدعم من خلال مسارات ثلاثة رئيسة:

  • دعم تشريعي وتنظيمي: تمثَّل في صدور عدد من الأنظمة والأوامر السامية الداعمة لبدائل تسوية المنازعات، ويُمكن أن يُضرب لذلك مثال واحد، حيث صدر في عام 2019م وحده أكثر من 6 أنظمة ولوائح وأوامر سامية داعمة للتحكيم وبدائل تسوية المنازعات.
  • دعم حكومي: تمثل في عدد من المبادرات النوعية لدعم وتمكين التحكيم، ومن أهم ما يُمكن أن يُشار إليه في هذا السياق انعقاد عدد من المبادرات والمشروعات المشتركة بين عدد من الوزارات والجهات الحكومية، وبين المركز السعودي للتحكيم التجاري من جهة أخرى -باعتباره يمثل المملكة في مجال التحكيم محلياً ودولياً-، ومن أهم ثمراته على سبيل المثال لا الحصر:
    • إدراج التحكيم النموذجي للمركز السعودي للتحكيم التجاري في عدد من العقود النموذجية التي تنشرها وزارة التجارة.
    • حدوث نقلة نوعية كبيرة بصدور نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الجديد ولائحته التنفيذية والذي جعل الأصل في آلية فصل منازعات هذه العقود هو التحكيم بعد أن كان الأصل منعه، وازداد الأمر بصدور قرار معالي وزير المالية الذي اعتمد 14 عقداً موحداً جُعل التحكيم المؤسسي في المركز السعودي للتحكيم التجاري هو الشرط النموذجي فيها جميعا.
  • دعم قضائي، من تجلياته:
    • التنفيذ الفاعل لأحكام التحكيم الوطنية والأجنبية؛ حيث نفّذت محاكم التنفيذ 75.000 حكم تحكيم ومحضر صلح بإجمالي 7.6 مليار ريال خلال الخمس سنوات الماضية بنسبة ارتفاع تصل إلى 880% مقارنة بالفترة المماثلة السابقة.
    • دوائر متخصصة للتحكيم في التنفيذ والدعم، مع تدريب نوعي متخصص لقضاة ذوي العلاقة بشراكة مع المركز السعودي للتحكيم التجاري.
    • تأسيس مركز المصالحة ودعم كامل منظومة الوساطة والمصالحة.

خامساً: تطور آليات حل المنازعات التجارية.

لا شك أن الحكومة السعودية قد اتخذت خطوات عملاقة نحو تطوير آليات حل المنازعات التجارية، لتكون مواكبة للتطورات العالمية، والتي انتهت إلى تحقيق نقلة نوعية غير مسبوقة، جعلت القضاء التجاري متقدماً ومتفوقاً على مختلف الأنظمة القضائية الإقليمية، وذلك من خلال الإجراءات التالية:

  • إطلاق برنامج الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله لتطوير مرفق القضاء، والذي تم من خلال تدريب القضاة تدريباً متقدماً خاصة فيما يتعلق بتطبيق أنظمة المرافعات وإدارة الجلسات وصياغة الأحكام وتكوين العقيدة وتوجيه الأسئلة والاستنتاج والتحليل والتسبيب، وكذلك التدريب على الإدارة الإلكترونية للدعاوى من خلال أنظمة القضاء الإلكتروني.
  • تحديث البيئة التنظيمية بالكامل، من خلال إصدار العديد من الأنظمة التي ساهمت في توفير الحلول السريعة النهائية العادلة للمنازعات التجارية، كما أدت إلى دعم الثقة في الأنظمة القضائية التجارية، ومن أبرز الأنظمة التي تم إصدارها وتحديثها ورفدها باللوائح التنفيذية: (نظام الشركات – نظام المرافعات الشرعية – نظام المحاكم التجارية – نظام التحكيم – نظام التنفيذ – نظام الإفلاس)، مع تشكيل الدوائر التجارية المتخصصة في المنازعات التجارية المختلفة، وتفعيل مختلف وسائل التقاضي الإلكتروني.
  • تفعيل تطبيق نظام التحكيم التجاري، إضافة إلى التوسع في عرض الصلح الإلزامي قبل اللجوء للتقاضي.
  • تسهيل إجراءات التوثيق واستخراج الوكالات من خلال إسناد هذا الدور إلى مكاتب المحاماة إضافة إلى كتّاب العدل.
  • تفعيل الإجراءات التكميلية التي تسهل إجراءات الإثبات في المنازعات، مثل الإلزام بإصدار القوائم المالية في مواعيد محددة، والحث على تطبيق لوائح الحوكمة.
  • الإلزام بأن يكون رفع الدعاوى التجارية عن طريق محام مرخص، ضمانا للأداء المهني لصالح أطراف النزاع، والحيلولة دون ضياع الحقوق بسبب الضعف المهني للوكلاء.

سادساً: أثر التطوير على بيئة التقاضي.

أدى التطوير المستمر تنظيمياً وإدارياً وإلكترونياً، إلى تحسين بيئة التقاضي بشكل بالغ الأهمية، وتبدو مظاهره فيما يلي:

  • تحسين طرق وآليات التقاضي خاصة فيما يتعلق بطرق رفع الدعاوى وتبادل المذكرات إلكترونياً وهي المرحلة التمهيدية قبل بدء الجلسات، والتي تمكن القاضي من رسم السبل وطرق النقاش والاستدلال وصولا لتكوين عقيدته.
  • تقليل مدد الفصل في القضايا والتي وصلت إلى معدلات لا تتجاوز ستة أشهر للفصل في الدعوى ابتدائياً وثلاثة أشهر للاستئناف وحد أقصى سنة لكامل النزاع، وهو تطور نوعي غير مسبوق، حيث أن مدة الفصل في بعض القضايا سابقاً كانت تستغرق خمس سنوات إجمالا كمعدل وسطي.
  • زيادة الثقة والمصداقية في القضاء خاصة مع تنامي المهارات الاحترافية للقضاة.
  • تنامي القدرات المهنية للمحامين، وهو ما أدى إلى نمو الاعتماد على مكاتب المحاماة، ونمو حجم الأعمال في سوق المحاماة.
  • تنامي حجم سوق الاستشارات والخدمات القانونية مثل إعداد العقود والفحص النافي للجهالة والترتيبات القانونية، بهدف تفادي المنازعات.

سابعاً: انعكاسات تطوير طرق حل المنازعات على الاقتصاد السعودي.

لا شك أن أي نظام اقتصادي يتأثر إيجاباً وسلباً بالبيئة القضائية وآليات التعامل مع المنازعات التجارية وطرق حلها، ومن المعروف أن الاستثمارات الخارجية تحديداً ومن بعدها بيئة الأعمال الداخلية تتسم بحساسية بالغة تجاه البيئة القضائية خاصة التجارية منها، ولا شك أن التحسين الذي طرأ على البيئة القضائية، قد أدى إلى نتائج هامة فيما يتعلق بعلاقة الاقتصاد السعودي بالاقتصاد العالمي ويتضح ذلك فيما يلي:

  • المساهمة في التطبيق الفعال لرؤية 2030 التي تقوم في جوهرها على تفعيل وتوطيد الروابط بين الاقتصاد المحلي والعالمي، وتنويع مصادر الناتج المحلي وتقليل الاعتماد على النفط.
  • إطلاق العديد من المشاريع العملاقة التي سوف تكون بؤرة جذب الاستثمارات العالمية، والتي تهتم دائماً بوجود البيئة القضائية الفعالة والجيدة.
  • تنويع مصادر وآليات الاستثمارات الخارجية، وجلب استثمارات جديدة تماماً، تتميز بحجم الاستثمار المرتفع وكثافة التوظيف وجودة فرص العمل، مثل أنشطة الترفيه، والأنشطة الرياضية، والخدمات المالية، وتقنية المعلومات.
  • توفير الحوافز لرؤوس الأموال المحلية للانطلاق والمشاركة في مشاريع واعدة غير تقليدية.
  • التقليل من معدلات مغادرة رؤوس الأموال للاستثمار في الخارج، وعودة الاستثمارات السعودية الخارجية للمساهمة في تنمية معدلات الناتج الوطني.
  • خفض معدلات الفساد نتيجة الإدراك لوجود أداء قضائي قوي ومهني واحترافي.

ثامناً: التحديات التي تواجه حل النزاعات التجارية المحلية والدولية.

  • تحدي العلاقة بين التجار والقضاء:

تفاعل قضاءُ التنفيذ في إيجاد نظام تنفيذ صارم، يمنح القوة التنفيذية للأحكام القضائية والأوراق التجارية، يعكس ذلك إحصائية عدد قضايا التنفيذ ومبالغ التنفيذ المُنفذة خلال عام (1441هـ) مثلاً، حيث بلغت (609.277) طلباً، وبمبلغ إجمالي قدره (135.403.409.176) ريالاً، والمُلاحظ أن غالبية التنفيذ كان للسندات لأمر، بما نسبته (64,7%) من جميع طلبات التنفيذ الواردة عام 1441هـ، ولا يخفى أن السند لأمر هي الأداة الائتمانية التي يحصل عليها التجار والبنوك والجهات التمويلية، عادةً لضمان ما قد ينشأ في الذمة من مديونيات، الأمر الذي أدى إلى زيادة المُنفذ ضدهم، وإن ترتب سجن التاجر أو إيقاف حساباته وأعماله، في سبيل حماية التاجر الدائن والجهة التمويلية، الأمر الذي ولَّدَ إشكاليات في الجانب الآخر للتجار، في كثرة عدد حالات الإفلاس والسُجناء والتعثر، مما ولَدَّ تحدياً مُستمراً في إيجاد التوازن في العلاقة بين الدائن والمدين، بحيث تُضمَن حقوق الدائنين، دون تعسف وإضرار بالتجار المدينين، الأمر الذي يواكبه القضاء والتشريعات باستمرار، ومن ذلك سن التشريعات البديلة للسجن، في سبيل إيجاد التوازن لجميع البيئة الاقتصادية، والتصور أن هذا التحدي سيستمر، في الصراع بين القوى التجارية في السوق، بين دائن ومدين، وبائع ومشتري، ومالك للمشروع ومقاول، وبخاصة مع وجود الجشع، والإقراض غير المسؤول، ونحو ذلك من تحديات في الأصل هي تجارية، بخلافات بين التجار أنفسهم، كلٌ يريد جانبه، وإن على حساب الآخر، ويريد في ذات الوقت تدخل الدولة في حماية أحادية لجانبه.

  • تحدي العلاقة بين التجارة والتشريعات:

ويظهر ذلك جلياً أيضاً في مُستجدات التخصيص وسن الضرائب، والتوازن المنشود دوماً بين رفاهية المواطن، وتخفيف الأعباء عن التجار، والعمالة، وبين العوائد المنظورة من الضرائب في سبيل تنويع الدخل ورفاهية الخدمات في الجانب الآخر، وهو ما نلمسه دوماً في سعي الجهات التشريعية للتطوير والتحسين.

 

تاسعاً: التوصيات

  • تفعيل التعويض وإقرار مبادئه، ومُساءلة مُتسببي الإضرار بالآخرين.
  • إقرار تعويضات تكاليف التقاضي والترافع، بحيث يتحملها الخاسر.
  • دراسة أسباب حالات الإفلاس والتعثر، وأسباب النزاعات التجارية وأنواعها.
  • دعم البحوث التشريعية والقضائية عن البيئة الاقتصادية وعلاقتها فيهما.
  • مُساءلة أصحاب الدعاوى الكيدية وغير المُحقة.
  • المُراجعة الدورية للعقود، لتكون مُتوازنة عادلة تحمي جميع أطرافها، وبالأخص العقود شائعة الاستخدام، مثل: عقود التمويل والإقراض، وعقود الإيجار المنتهي بالتمليك، والتأمين، وغيرها.
  • نقل ما تبقي من اختصاصات اللجان المتخصصة ذات الطابع القضائي مثل اللجان المصرفية والتأمينية إلى القضاء التجاري وتكوين دوائر متخصصة في هذه الأنشطة.
  • التوسع في تكوين دوائر متخصصة في الأنشطة التي تحتاج إلى درجة معينة من الخبرة مثل أنشطة المقاولات أو التشغيل وما في حكمها.
  • تطوير نظام الإفلاس، خاصة فيما يتعلق بمحاولات بعض التجار لاستغلاله للتهرب من سداد الديون.
  • فتح فروع للمحاكم التجارية في كافة المناطق والمحافظات ذات الفئة أ .
  • زيادة توظيف كوادر جديدة من القضاة لسد النقص الكبير من القضاة، وللتخفيف على القضاة الحاليين من أعداد القضايا المكلفين بها.
  • تأسيس أكاديميات تقدم دبلومات لا تقل عن سنة ولا تزيد عن سنتان، لتأهيل القضاة الشرعيين والقانونيين، وتأهيل محققي النيابة العامة في تخصص النزاعات التجارية.
  • إنشاء محاكم رديفة تحت اسم (المحاكم الاقتصادية) ، تختص في جرائم التفالس ، وجرائم التأمين ، وجرائم الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسؤولية المحدودة، وجرائم سوق المال ، وجرائم ضمانات وحوافز الاستثمار ، وجرائم التأجير التمويلي ، وجرائم الإيداع والقيد المركزي للأوراق المالية إن وجدت ، وجرائم التمويل العقاري ، وجرائم حماية حقوق الملكية الفكرية ، وجرائم الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال وتوظيفها لاستثمارها ، وجرائم حماية الاقتصاد القومي من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة في التجارة الدولية ، وجرائم حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية ، وجرائم حماية المستهلك ، وجرائم التوقيع الإلكتروني .

 

  • المشاركون.
  • الورقة الرئيسة والمعقبون: أ. عاصم العيسى، د. حامد ميرة (ضيف الملتقى) أ. علي بن علي.
  • إدارة الحوار: د. عبدالاله الصالح
  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • د.عبدالله صالح الحمود
  • د. خالد الرديعان
  • أ. محمد الدندني
  • د. رياض نجم
  • د. فوزية البكر
  • د. عبدالرحمن العريني
  • د. صدقة فاضل
  • د. عبدالعزيز الحرقان

 القضية الرابعة

الطلاق في المجتمع السعودي

(8/8/2021)

  • الملخص التنفيذي.
  • مقدمة.
  • أولاً: واقع حالات الطلاق في المجتمع السعودي.
  • ثانياً: العوامل المؤدية للطلاق في المجتمع السعودي.
  • ثالثاً: الآثار الفردية والمجتمعية المترتبة على الطلاق.
  • رابعاً: مقترحات للحد من مشكلة الطلاق.
  • خامساً: التوصيات.
  • المشاركون.

  

  • الملخص التنفيذي.

تناولت هذه القضية الطلاق في المجتمع السعودي باعتباره من المواضيع المهمة التي يتجدد الحوار والنقاش فيه بتجدد الحاجة إلى معرفة الحلول التي يمكن أن تخفف أو تحد منه، خاصة مع تزايد معدلاته في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية السريعة التي يشهدها المجتمع السعودي، والتي أثرت على نمط العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة.

وتتعدد العوامل المؤدية للطلاق في المجتمع السعودي، التي تتنوع ما بين عوامل تقليدية كالمشكلات المستمرة بين الزوجين، وإهمال أحد الزوجين لحقوق الآخر، وعدم التكافؤ الثقافي أو الاجتماعي بين الزوجين، وقلة دخل الزوج. كما أن ثمة عوامل أخرى تتعلق بالدور الذي لعبته التقنية في حدوث مشكلات بين الزوجين. بجانب العوامل المتعلقة بالتغير الاجتماعي والاقتصادي، والتحولات التي يشهدها المجتمع في الفترة الراهنة.

ويلاحظ فيما يخص الآثار المترتبة على الطلاق، أن الطلاق مشكلة مركبة متعددة الجوانب، تقوّض الأسرة، وتؤدي إلى انهيارها بالكامل، حيث أصبح الطلاق أحد أخطر المشكلات الاجتماعية تهديداً للأسرة، وللبناء الاجتماعي وللمجتمع بأسره، كما أنه مفجر للعديد من المشكلات النفسية، ورغم فردية القرار فيها إلا أنها تعد مشكلة مجتمعية من حيث الآثار والانعكاسات.

ومن أبرز التوصيات التي تم الانتهاء إليها ما يلي:

  • العمل على تطوير ومراجعة نظام الأحوال الشخصية فيما يتعلق بنظام الأسرة وخاصة حقوق المطلقة أو المعلقة أو الغائب عنها زوجها وفقاً لأحكام الشريعة وبما يتناسب وتغيرات العصر الحالي.
  • تطوير فحص ما قبل الزواج وإدراج فحوص تعاطي المخدرات وسلامة الصحة النفسية والعقلية اعتمادا على ما يقرره فريق شرعي طبي نفسي اجتماعي قانوني للخروج بتنظيم مقبول شرعاً وقانوناً وبدون ضرر.
  • مقدمة.

الطلاق هو انفصال الزوجين عن بعضهما البعض بطريقة شرعية، ومن خلال الإجراءات الحكومية وذلك لوجود سبب يمنع الحياة الزوجية أو استمرارها. لقد شرعه الله تعالى فقال: )الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) (سورة البقرة: الآية 229).

والطلاق ليس موضوع جديد، فقد تم تناوله في دراسات وبحوث وأوراق علمية سابقة، وتم تسليط الضوء عليه كثيراً من قبل وسائل الإعلام ووسائل التواصل. ولكنه من المواضيع التي يتجدد الحوار والنقاش فيه بتجدد الحاجة إلى معرفة الحلول التي يمكن أن تخفف أو تحد منه، خاصة مع تزايد حالاته في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية السريعة التي يشهدها المجتمع السعودي، والتي أثرت على نمط العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة.

والطلاق أحد الحلول التي أوجدها الخالق في حالة تعذر العيش بين الزوجين، ولكن بالرغم من إباحته إلا أنه أبغض الحلال. حيث شرع الإسلام الطلاق لهدف الحفاظ على المجتمع من الكثير من الأعراض الاجتماعية. فلم يشرع الإسلام الطلاق إلا للضرورة، وعند العجز عن وجود الحل، والإصلاح بين الزوجين.

ومع هذا فقد أصبح الطلاق أحد أخطر المشكلات الاجتماعية تهديداً للأسرة، وللبناء الاجتماعي وللمجتمع بأسره، فعلى الرغم من أن مشكلة الطلاق اجتماعية في المقام الأول إلا أنها تصبح الأساس المفجر للعديد من المشكلات النفسية، ورغم فردية القرار فيها إلا أنها تعد مشكلة مجتمعية من حيث الآثار والانعكاسات.  وقد يتعرض الفرد إلى بعض المتغيرات، وقد تكون هذه المتغيرات اجتماعية، أو اقتصادية، أو نفسية أو غير ذلك من المتغيرات، وتختلف درجة الاستجابة ورد الفعل، وتؤثر هذه الاستجابات على العلاقات الزوجية، ومشاكلها المختلفة. غير أنه في ظل التطورات الحديثة لم تعد الأسباب التقليدية وحدها هي المسؤولة عن الطلاق، حيث أثرت التقنية الحديثة من مشاهدة فضائيات، ومتابعة واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لفترات طويلة، وقد سهلت هذه الوسائل إقامة علاقات – افتراضية، أو حقيقية – خارج إطار الحياة الزوجية، وأدت إلى تراجع أدوار ووظائف الزوج/ الزوجة تجاه الأسرة. وتنشئة جيل يجهل البعض منه ماهية أدواره الاجتماعية ومهامه داخل الأسرة، وتراجع قدراته وعدم استطاعته تحمل المسؤولية كزوج أو زوجة مما ينتج عنه مشكلات وخلافات لم يتم تشخيصها وعلاجها وقد تتراكم لتنفجر في لحظة ويكون نهايتها الطلاق. ورغم ذلك فقد يكون الطلاق في بعض الأحيان حل لكثير من المشاكل التي يعاني الزوجان والأبناء منها، والتي يصعب التعايش معها أو حلها.

وينظر المتخصصون بالعلوم الاجتماعية إلى الطلاق كظاهرة اجتماعية بالرغم من أنه نظام اجتماعي قديم ارتبط بنظام الزواج، حيث يتم وصفه بالظاهرة في حالة ارتفاع نسبة الطلاق. وفي ضوء ذلك فإنه عندما يتم الحديث عن الطلاق، يصبح من الضروري ربطه بمفهوم الزواج وما ارتبط به من تغيرات، حيث كان الزواج يمثل علاقة بين أسرتين أما في الوقت الحالي فهو علاقة بين شخصين. كما كان الزواج قديما يقوم على مقومات اختلفت عن وقتنا الحالي حيث برز الجانب العاطفي كعامل مهم في الزواج بينما قديما تبرز أهمية توافق الزوجة مع الأسرة وأن تكون مطيعة للزوج في كافة الأمور التي تؤدي إلى رضى الزوج عنها ويدعم هذا الاتجاه الثقافة السائدة التي تحدد هذا النوع من العلاقات.

أولاً: واقع حالات الطلاق في المجتمع السعودي.

الطلاق مشكلة اجتماعية شائعة عبر الأزمنة والمجتمعات. وبانتقال المجتمع لحالة أقل بساطة وأكثر تركيبا، من حيث زيادة معدلات التحضر والتعليم والعمل وتباين مهن الناس وأطباعهم وأذواقهم وارتفاع الفردية وتهاوي أسس الثقافة الجمعية، فإنه من المنطقي ارتفاع حالات الطلاق.

ويلاحظ تزايد الطلاق أرقاما ونسبا ومعدلات في المجتمع السعودي سنة بعد أخرى. ففي العام 2010، كانت حالات الطلاق 31 ألف (مقابل 143 ألف حالة زواج لنفس السنة)، فإنها بعد عشر سنوات، أي في العام 2020، بلغت 58 ألفا (مقابل 150 ألف حالة زواج لنفس السنة). وهكذا زادت حالات الطلاق بنحو 87% خلال عشر سنوات، فيما زادت حالات الزواج بنسبة 5 % فقط خلال نفس الفترة. وإذا أخذنا التناسب بين معدل حالات الزواج لكل حالة طلاق، نجد أن المعدل شهد انخفاضاً كبيراً خلال العقد الأخير، من 4,6 حالة زواج لكل حالة طلاق إلى 2,6 حالة زواج لكل حالة طلاق. وهذا بلا شك مؤشر على تزايد حالات الطلاق أرقاماً ونسباً ومعدلات.

ووفقا لبيانات السجلات الإدارية لوزارة العدل فقد بلغ إجمالي عقود الزواج لعام (2019م) 137.918 عقدا. وبلغ إجمالي صكوك الطلاق 51.125 صك.

بينما بلغ إجمالي عقود الزواج وفقا لنفس المصدر لعام (2020م)  150.117  عقدا وبذلك يكون مرتفعاً عن عام 2019 بنسبة 8.9 % وبلغ إجمالي صكوك الطلاق  57.59 صك، مرتفعاً عن عام 2019م بنسبة 12.7 %. أن تزايد حالات الطلاق يبعث على القلق، ولاسيما أن للطلاق عواقب غير محمودة على المستويين الفردي والاجتماعي، إن مبعث القلق نابع من حقيقة أن تماسك المجتمع، وسلامته، وإمداده بأعضاء جدد يبدأ من عتبة الأسرة؛ فهي حجر الزاوية في البنية الاجتماعية، وهي الأساس الذي يقوم عليه المجتمع الكبير، وأنَّ الطلاق ومشكلات أخرى تعصف بأسرة اليوم تعد معاول هدم في جدار المجتمع، خاصة عندما يتعلق الأمر بضحايا الطلاق مثل الأطفال.

ثانياً: العوامل المؤدية للطلاق في المجتمع السعودي.

  • العوامل التقليدية للطلاق في المجتمع السعودي.

أظهرت نتائج دراسة حديثة بعنوان: (واقع الطلاق في المجتمع السعودي ) عدة عوامل أدت لحدوث الطلاق لدى مفردات عينة الدراسة والتي بلغ حجمها (618مفردة) من كلا الجنسين في المجتمع السعودي،  من هذه النتائج التي توصلت إليها الدراسة أن  تدخل أهل الزوج أو الزوجة كان سببا لحدوث الطلاق بين الزوجين، إضافة إلى  العوامل التقليدية: كالمشكلات المستمرة بين الزوجين، وإهمال أحد الزوجين لحقوق الآخر،  وسوء العشرة، والبرود العاطفي، وممارسة العنف ضد الزوجة، والخيانة الزوجية، وعدم التكافؤ الثقافي أو الاجتماعي بين الزوجين، وغياب الزوج لفترات طويلة، وقلة دخل الزوج، ومحاولة سيطرة الزوج على أموال الزوجة، والفارق الكبير في العمر بين الزوجين، ووجود زوجات أخريات في العصمة، والغيرة الزائدة، وعدم الإنجاب، والرغبة في إنجاب الذكور، وبخل الزوج، ومنع الزوجة من إكمال تعليمها تدخلات الأصدقاء، وإدمان الزوج للمخدرات، ومعاناة أحد الطرفين من أمراض نفسية أو اضطرابات سلوكية.

  • العوامل التقنية المؤدية للطلاق في المجتمع السعودي.

لعبت التقنية دوراً في حدوث مشكلات بين الزوجين نتيجة: استخدام الإنترنت لساعات طويلة والدخول في عالم افتراضي مما أدى للتقصير في الواجبات والحقوق الزوجية، والفتور العاطفي بين أفراد الأسرة الواحدة وانعدام الحوار المباشر بينهم، كما نتج عنه الهروب من تحمل المسؤولية في بعض الأحيان وإهمال تربية الأبناء والواجبات المنزلية، واكتساب سلوكيات تتنافى مع العادات والتقاليد، وزيادة متطلبات الزوجة نتيجة الإعلانات والعروض المغرية  والتأثير السلبي لمشاهير وسائل التواصل على أفراد الأسرة والدخول في مقارنة بين الواقع المعاش، والافتراضي، وتكوين علاقات عاطفية خارج الحياة الزوجية، وهذا مما يؤثر على الحياة الأسرية وفتور العلاقات الزوجية وبالتالي يضعفها.

  • جائحة كورونا وارتفاع حالات الطلاق.

يرجع بعض الباحثين والمختصين ارتفاع حالات الطلاق في المجتمع السعودي لعام 2020م إلى المشكلات الأسرية التي ظهرت خلال حظر التجول بسبب جائحة كورونا، وتعددت هذه المشكلات بين خلافات أسرية، وعنف أسري والتي أدت إلى الطلاق بعد انتهاء فترة الحظر. كذلك التغير الاقتصادي الذي عانت منه بعض الأسر خلال الجائحة، وفقدان رب الأسرة لعمله مما نتج عنه البعض من حالات طلاق.

  • العوامل المتعلقة بالتغير الاجتماعي والاقتصادي.

حاول الباحثون الربط بين التفكك الاجتماعي وبين عمليات التغير أو التحول أو التطور داخل المجتمع، على أساس أن التغير سيتبعه شيء من الاهتزاز في بعض ما هو موجود في المجتمع، مالم يكن هذا التغير محكوماً ومضبوطاً، على اعتبار أن المجتمع مبني على أسس منظمة ومتضمناً أدوات ووسائل الضبط الاجتماعي من أجل تماسكه وبقاء تنظيمه، وأي تغير في بنائه أو أحد مكونات بنائه سيؤدي إلى التفكك، ويتضمن التفكك الاجتماعي عدم كفاءة النسق الاجتماعي أو فشله في تحديد مراكز الأفراد وأدوارهم الاجتماعية المترابطة بشكل يؤدي إلى بلوغهم أهدافهم بصورة مرضية، إن عدم تحديد الأدوار الاجتماعية بكفاءة يؤدي إلى صراعات داخل الأسرة بين الزوجين وبالتالي يتفاقم الصراع لينتهي بالطلاق.

وبالرجوع إلى بعض الحالات ومن خلال نتائج مقابلتهن اتضح أن نسبة منهن فضلن الطلاق، بعد تمكنهن من الحصول على عمل والاستقلال مادياً عن الزوج، ولم تعد الزوجة معتمدة على زوجها في أمور كثيرة خاصة مع وجود خلافات سابقة بينهما بشكل متكرر يصعب حلها.

وكان من ضمن النتائج كذلك عدم تحمل المسؤولية من كلا الجنسين حديثي الزواج نتيجة جهل بطبيعة الدور الاجتماعي لكل منهما. ولعدم الرغبة بالاستمرار بعلاقة تحد من حريتهم وتعطي الحق للآخر بالتدخل بأدق التفاصيل اليومية والخاصة، وعدم الاعتراف بهذه المشكلات ومواجهتها من قبل حديثي الزواج.

وعلى الرغم من أهمية المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أيضا ودورها الرئيس في نشأة خلافات اجتماعية في أي مجتمع،  وقد تصل إلى حدود عالية مؤثرة على إنهاء العلاقة الزواجية، إلا أن هناك دور غائب خصوصا للوالدين والأخوة والأخوات ممن يكبرون سنا عن المقبلين على الزواج، وهو تقديم النصائح والإرشادات للمقبلين على الزواج، أو عقد دورات خاصة لهم، يبدو أن مشاريع التأهيل ما قبل الزواج هي ما نفقدها الآن، خصوصا وأننا نعيش مرحلة الإعلام المفتوح، والإعلام المفضوح، للأسف الشديد أن مجتمعنا غالبا منذ أن تبدأ الخطوبة ما بين المقبلين على الزواج، والكل همه الأول والأخير، أين يكون حفل الزفاف، أين يذهب العرسان لقضاء شهر العسل، والتسوق المرضي المشهود لشراء ما يحتاجه وما لا يحتاجه المقبلين على الزواج لمتطلبات الزواج.

وتجمل بعض الدارسات المتخصصة أهم العوامل الحديثة التي أدت إلى تفاقم ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي في التالي:

  • ارتفاع مستوى تعليم المرأة الذي أدى إلى اختلاف النظرة لمفهوم الزواج مع زيادة الوعي بحقوقها الدينية والاجتماعية والتي كانت تحجبها ثقافة المجتمع.
  • ارتفاع سن الزواج سواء للمرأة أو الرجل مما يخلق نظرة أكثر موضوعية في النظرة لمفهوم الزواج.
  • المتغيرات المرتبطة بمفهوم الزواج من خلال (العلاقة – إنجاب الأطفال – العوامل الاقتصادية – العوامل الاجتماعية).
  • التنشئة الأسرية حول مفهوم الزواج خاصة لدى الرجل حيث تخلق لدى الرجل مفهوم حول علاقته بالمرأة من خلال التنشئة الأسرية التي تتناقض مع الواقع الاجتماعي خاصة في السنوات الأولى من الزواج. فهي تقدم شخصية الفتاة لتقوم بتقديم ألوان الاحترام والتقدير للزوج، وهي عرضة للمحاسبة منه عند التقصير في مسؤولياتها وواجباتها، وبنفس الوقت تصنع ثقافة المجتمع شخصية قوية للابن بحيث يكون قادر على أن يطلب من الزوجة حقوقه كاملة وتمنحه حصانة تبرر تقصيره في أداء الحقوق الزوجية، مانعة الزوجة من محاسبته تجاهها.
  • فترة الخطوبة وأشهر الزواج الأولى يظهر كل من الطرفين في الجوانب الثقافية والاقتصادية والسلوكية أحسن ما لديه من خلال صفاته وسلوكه وحديثة عن نفسه، ويرى كلا الشريكين كل شيء بمنظار وردي، مع ميل كبير في هذه الفترة إلى الخيال والمثالية، لذلك نجد كثيراً من الوعود التي تبذل في هذه الفترة والتي لا يوفى بها كما أن كثير من الآمال والتوقعات لا تتحقق مما يخلق كثير من المشكلات التي تؤدي للطلاق.
  • تغير نظرة المجتمع للمرأة المطلقة حيث أنها لا تمثل عبء اقتصادي أو اجتماعي على أسرتها خاصة مع خروجها للعمل أو السكن بمفردها وذلك في حال وجود أبناء.
  • تمكين المرأة والصدمة الاجتماعية في التقاليد والأعراف تجاه المرأة دفعت بعض الرجال لمحاربة هذا التمكين واختيار الانفصال لأنه وضع صورة لا يريد تغييرها وهي أن تكون زوجته بالمنزل أو موظفه في بيئة غير مختلطة.

ويلاحظ مما تقدم أن من الأسباب المؤثرة في ارتفاع معدلات الطلاق تتعلق بالفترة التي تسبق الزواج ومنها كذلك ما يخص توجه الزوجين للعمل في السنوات الأخيرة والذي القى بتبعاته على تربية الأبناء، حيث تم الاستعانة بالعاملة المنزلية للاهتمام بإطعام وتربية الأبناء، وكذلك السائق الذي يقضي مع الأبناء أكثر مما يقضيه الأب أو الأم، وهذا العامل له أكبر الأثر في تربية جيل بعيد تماما عن الكثير من المفاهيم الصحيحة في التربية وتعليم الأبناء الكثير من القيم والعادات الحميدة. يتبع ذلك أيضاً ما نشاهده في الفترة الأخيرة من ضعف الثقافة الأسرية والمشاركة الفاعلة في أمور البيوت لدى الشباب والشابات، فهم يعيشون داخل بيوتنا، حياتهم الخاصة تماما، الحياة البعيدة عن حياة الأسرة ومرتبطين بأصدقائهم الذين يشبهونهم في كل شيء، سواء حياة العزلة التامة، أو تلك الاهتمامات المتعددة الخاصة بهم. وبذلك ينشأ هذا الشاب أو الشابة بمفاهيم بعيده جدا عن الحياة الطبيعية ولا يمكن لهما أن يعيشا حياة زوجية مستقرة فيها من الالتزام والخدمة والرعاية والتفاني الشيء الكثير.

كذلك يتعرض الشباب، من الجنسين، إلى رسائل عديدة مضللة من وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، فهناك العدد الكبير جدا من الممثلين والمذيعين والمشهورين على المنصات المختلفة ممن فشلوا في حياتهم الزوجية ولكنهم يفاخرون بنجاحاتهم في حيواتهم العملية، ويحاولون نقل رسائل مبطنه لمتابعيهم عن ذلك النعيم الذين يعيشونه في حرية تامة دون ارتباط بأشخاص آخرين يحدون من تلك الحرية (المزعومة) التي ينعمون بها.. ولعل المتابع لسناب شات أو الإنستغرام يرى كيف أن المئات من المطلقين والمطلقات يسعون إلى إيهام المتابعين أن الحياة المستقلة (الحرية المطلقة) هي الطبيعية بينما الحياة الزوجية المستقرة هي الاستثناء. نماذج للأسف الشديد تهدم قيم الأسرة والمجتمع وتدعو إلى التمرد على كل ما هو وشرعي ونقي في المجتمع.

ومن الأسباب التي ساهمت في هذه الظاهرة هو اختفاء أو اضمحلال الأسر الممتدة، والتحول إلى الأسر النوية، الصغيرة، فلم يعد هناك تأثير للجد أو الوالد أو الجدة أو الوالدة في تنشئة وتربية الأبناء والبنات أو المساهمة في حل المشكلات الأسرية التي قد يتعرض لها الأبناء في حياتهم الزوجية.

ويمكن القول إن تحمل الأسرة (في الغالب) لتكاليف الزواج بشكل كامل (مهر، حفلات، تأمين عش الزوجية، شهر العسل، سيارة) جعل من السهل على الشاب الطلاق حيث أنه لم يتعب في جمع ذلك المال. كما يتضح أن الأمراض النفسية وتعاطي المخدرات قد ساهمت بشكل واضح في هذه الظاهرة.

وبتقدير بعض المتخصصين فإن من الطبيعي جداً زيادة وتيرة المشكلات الاجتماعية في مرحلة التحولات الاجتماعية الكبرى كما هو الحال عليه في مجتمعنا؛ فنحن نمر بحالة تحول سريعة وغير مسبوقة، فما كان يفترض أن يتم من تحول تدريجي خلال ٤٠ سنة تم الدفع به تباعا وخلال خمس سنوات وهي فترة قصيرة، دون أن يسبق ذلك استعداد كافي من المجتمع لتقبل هذه التحولات وتمثلها. فمجتمعنا محافظ وتقليدي بمعنى الكلمة مهما قلنا غير ذلك، خاصة ما يتعلق بالموقف من قضايا المرأة والعلاقة بين الجنسين وكيف تتأسس.

الرجل تشغله قضية عفة المرأة واحتشامها وشرفه كرجل يراه مرتبطاً بسلوكها سواء كانت ابنته أو زوجته أو قريبته مهما كانت درجة القرابة وذلك وفقا للثقافة السائدة. الشاب والرجل عموماً لايزال مشدوداً إلى قيم المحافظة والتقاليد الراسخة في نظرته للمرأة فهو يريد زوجته مثل أمه، مهما أبدى من سلوكيات وممارسات خارجة عن التقاليد والدين؛ فهو في النهاية وحسب العرف السائد “عيبه في جيبه”. هكذا ينظر للأمر الذي لا ينطبق على المرأة حسب العرف والمنظور الذكوري الفج. هو يريدها “قديسة” حتى لو مارس عمل الشيطان.

المرأة على الضفة الأخرى تنظر للرجل على أنه متسلط، وغيور، واستحواذي، ويمنحه المجتمع نفوذاً واسعاً؛ فقرار الطلاق بيده، وقرار الإنفاق بيده، وقرار توفير المسكن وأين تسكن الزوجة بيده، وهي ترى أنه يتوقع منها أن تخدمه وتقوم بواجباته على أكمل وجه كما كانت تفعل أمه بأبيه. وهي في ذات الوقت تعتقد أن كل ذلك قيود اجتماعية تكبلها بل ولا تتماشى مع روح العصر الجديد وإيقاعه السريع ومفاهيم التمكين ووسائل التواصل الاجتماعي وحقوق المرأة التي كانت مغيبة لعدة عقود ثم ظهرت فجأة ودون مقدمات كافية.

واتصالاً بذلك فإن من المتوقع وجود تأثيرات سلبية لقرار قيادة المرأة للسيارة تتمثل في زعزعة العلاقة بين الجنسين، كما يخطئ من يعتقد أن قرار تمكين المرأة لكثير من المهن، ومنحها حرية الحركة والخروج والسكن بمفردها إن رغبت، وحرية اختيار اللباس، وكشف الوجه أمور غير مؤثرة في هز العلاقة بين الجنسين ومساءلتها في السنوات الأخيرة.

هذه التحولات الجديدة وغير المألوفة في مجتمعنا خلقت نوعاً من التناشز بين الجنسين، بل وخلقت وضعاً جديداً انعكس على نظرة كل جنس للآخر. نظرة محفوفة بالشكوك والحيرة وعدم اليقين، وهي الشكوك التي لن تتبدد قبل مضي فترة كافية على هضم واستيعاب جميع هذه التغيرات التي طرأت على مجتمعنا في الخمس سنوات الأخيرة.

وبصفة عامة فإن التغير له آثاره الجانبية. ولكن المجتمع بمجمله بين تجاذب قوتين اجتماعية تقليدية جنى ثمارها على الأقل نظرياً، بسبب التكتم (ماذا يقول الناس؟) وبين قوة التغيير المفاجئ، ويزيد ذلك قوة هو متطلبات الحياة العصرية من تعليم وزيادة الدخل والارتقاء علناً والاستقلال مضمناً. وطبيعي أن ذلك التجاذب له انعكاسات نفسية قوية تفرغ سلبياتها على الأسرة، والتي يراها الجنسين أنها عائق لذلك. كما أن سهولة التواصل بمختلف طرقه وتطوره ساعد كثير في الاطلاع على المشاكل المجتمعية كلها ومنها الزواج إيجاباً وسلباً وجعل المساهمين في التشخيص والحلول مطلقي الحرية، منها الإصلاحي وهو قليل كماً ونوعاً والآخر بطرق مباشرة أو غير مباشرة جعل الزواج والعلاقة الأسرية هو ارتباط لم يعد مقدساً.

ومع هذا تبقى الأسرة في النهاية هي الملاذ الأخير الذي يوفر للأفراد الاطمئنان والاستقرار، ولكن للوصول إلى هذا اليقين نحتاج إلى بعض الوقت ريثما تهدأ عاصفة التمكين، وتترسخ حقوق المرأة، ويدرك كل طرف أن المجتمع يقوم على مشاركة الجنسين في بناءه واستقراره.

وفي سياق متصل تذهب بعض وجهات النظر إلى أنه وبالتأمل في بنية الأسرة السعودية لمعرفة العوامل المرتبطة بالطلاق، فإنه يجدر بنا تحديد التغيرات التي مر بها المجتمع ومرت بها الأسرة. ويمكن في هذا الإطار التركيز على مفهومين يمكن لهما أن يفسر ظاهرة الطلاق. الأول هو الاستقلالية المالية للزوجة. إذ أصبح من التقليدي أن تجد الدراسات في مجتمعات مختلفة علاقة بين الاستقلالية المالية للزوجة وإقدامها على طلب الطلاق، فإحساسها بالأمان الاقتصادي يجعلها أقل ميلا لتحمل حياة غير مرغوبة من قبلها. ولعل الأمان الاقتصادي يرتبط أيضا بتصاعد الفردية (كنقيض للجمعية)، والفردية هي المفهوم الثاني. فالقيم الفردية تجعل الفرد متمحوراً أكثر حول اللذة والحق مقللاً من القيم النقيضة، كالتحمل من أجل آخرين والتضحية وما شابه. أن تصاعد الفردية لدى شخصين داخلين في علاقة زواج يجعل ميلهما لتحمل الحياة مع شريك غير مرغوب فيه أقل. وتزيد وسائل التواصل من هذه الفردية، فكل فرد قادر على تحويل وسائل التواصل للانضمام لعدة جماعات من جماعات اللعب والصداقة، مما يساهم في تعدد مصادر القيم لدى أفراد الأسرة الواحدة، ولدى الزوجين تحديداً، مما يجعل تبيانهما قيمياً أكثر، أي أن كل واحد من الزوجين ينمي منظومة قيم حول الحق والواجب في نطاق الأسرة مختلفة عن تلك التي لدى الشريك وهذا يمهد لتنامي النزوع لخوض حياة مختلفة عن تلك التي تعد بها حياة مع الشريك.

قد يساعدنا هذين المفهومين لاستيعاب الأرقام المشار إليها حول ارتفاع صكوك الطلاق في العام 2020 بنسبة أكبر من ارتفاع صكوك الزواج، (12.7% ارتفاع في حالات الطلاق مقابل 8.9% ارتفاع في حالات الزواج)، إن كان تحييد تأثير الجائحة ممكنا في هذا الصدد. لكن ألا يعد هذا تهديداً لمؤسسة الأسرة، خاصة أن الاستقلالية المالية للزوجة والفردية عاملان سيزيدان مع الزمن وعبر العالم، إنهما ظاهرتين عالميتين وإلى هذا تتجه مختلف المجتمعات وإن بخطى متفاوتة من حيث السرعة يبدو أن العالم كله يمر، وجراء الثورة الاتصالية، بحالة انتقالية، نظامه الاجتماعي وقيمه ومؤسساته الراسخة، كمؤسسة الأسرة. ويخبرنا التاريخ أن المجتمعات والثقافات لا تستمر في حالاتها الانتقالية، بل إن النظام يعود للتوازن بعد اختلاله، جراء متغيرات مفاجئة طرأت عليه، مبتلعا ما أصابه من هزات.

وفيما يخص المجتمع السعودي، فإنه مثلما يعيش تغيرات ناتجة عن العولمة والثورة الاتصالية، مثله مثل جل مجتمعات الأرض، فإنه أيضا يعيش تغيراته الخاصة التي تمثل “العدالة النوعية” أحد أوجهها، كما هو متمثل في تغيير كثير من الأنظمة التي تجسر الفجوة بين الجنسين في مظاهر العمل والثقافة والأحوال الشخصية. من شأن هذه التغيرات أن تجعل “توقعات” طرفي الزواج مختلفة ومتباعدة مما سيزيد من الحاجة لحوار جذري يفهم من خلاله طرفي الزواج أن الشريك، كنوع، لم يعد منتج الثقافة المتوارثة وأن له متطلبات وتطلعات وحقوق اختلفت عما قبل. هذا الحوار، أيّا كانت وسيلته، سيغير من التوقعات وربما يقود إما إلى قبول نتائج الفردية أو الاقتناع بالتخفيف منها من أجل الحفاظ على المؤسسة التي تمثل ركيزة النظام الاجتماعي عبر العصور.

ثالثاً: الآثار الفردية والمجتمعية المترتبة على الطلاق.

الطلاق مشكلة مركبة متعددة الجوانب، تقوّض الأسرة، وتؤدي إلى انهيارها بالكامل، ولا يمكن لأي إنسان أن يحمّل آثار الطلاق على الزوجة فحسب، بل كذلك على الزوج، وعلى الأبناء، وعلى أهل كل منهما، بل على المجتمع بأكمله، وفيما يلي بعض من تلك الآثار:

  • آثار الطلاق على المطلق- المطلقة
  1. نظرة المجتمع غير المنصفة (الوصمة الاجتماعية عند البعض للمطلق أو المطلقة).
  2. الخوف من تكرار تجربة الزواج مرة أخرى.
  3. الارتباك نتيجة عدم الاستقرار.
  4. عدم اليقين بشأن المستقبل.
  5. فقدان الدعم العائلي.
  6. فقدان بعض الصديقات/الأصدقاء، والتأثير السلبي على الوضع الاجتماعي.
  7. الهروب من الواقع واللجوء إلى إدمان المخدرات أو المسكرات.
  8. فقدان الثقة بالجنس الآخر.
  9. الشعور بالاكتئاب.
  10. زيادة الضغوط الاجتماعية (في حال وجود الأبناء).
  11. كثرة تبعات الطلاق المالية مثل: المؤخر والنفقة والحضانة.
  12. تدهور الوضع الاقتصادي للمطلقة في حال اعتمادها مادياً على الزوج سابقاً.
  13. صعوبة تربية الأبناء من طرف واحد.
  14. عدم القدرة على مواجهة مشكلات الأبناء من الأم بمفردها.
  15. ظهور مشكلات أسرية جديدة مع أهل المطلق، أو المطلقة.
  • آثار الطلاق على الأبناء:
  1. يصاب الأطفال بأمراض نفسية مثل: (الحزن- الاكتئاب- العزلة).
  2. فقدان الحياة الأبوية مما يؤدي للحرمان الاجتماعي والعاطفي.
  3. فقدان الجو الأسري.
  4. فقدان الثقة بالذات والشعور بالنقص أمام الآخرين.
  5. عدم رؤية أحد الزوجين لأبنائهم لفترات طويلة.
  6. يعاني الأبناء من الغموض بشأن المستقبل.
  7. تعرض الطفل للانحراف نتيجة ضعف المتابعة من الوالدين.
  8. استخدام أحد الزوجين الأبناء لإيذاء الطرف الآخر.
  9. عدم الإنفاق على الأبناء.
  10. تعرض الأبناء للتعنيف.
  11. ضعف مستوى التحصيل الدراسي للأبناء.
  12. الشعور بالكراهية للوالدين أو أحدهما وانعدام الثقة بهما.
  13. عدم الرغبة في الزواج مستقبلاً.
  14. فقدان القدوة الحسنة وظهور مشكلات تتعلق بالتوجيه والرعاية.
  • آثار الطلاق على المجتمع:
  1. زيادة المشكلات الاجتماعية في المجتمع.
  2. زيادة الانحرافات بين الأبناء وجرائم الأحداث.
  3. ضعف أداء الزوجين في العمل نتيجة الانشغال بمشكلات الطلاق وتبعاته.
  4. قلة الإقبال على الزواج مرة أخرى نتيجة الخبرات السابقة.
  5. حدوث شرخ في بناء الأسرة ونمطها.

رابعاً: مقترحات للحد من مشكلة الطلاق.

فيما يلي مجموعة من المقترحات التي من الممكن أن تسهم في الحد من مشكلة الطلاق:

  • تنفيذ برامج الإرشاد الأسري للمقبلين على الزواج، والمتزوجين حديثاً، والأزواج الذين يواجهون مشكلات أسرية. ويتم تنفيذه في المناطق المختلفة في المملكة العربية السعودية من خلال (مراكز التنمية ومراكز إرشاد أسري والجمعيات الأهلية).
  • إنشاء وتفعيل مراكز ووحدات التوجيه والاستشارات الأسرية على مستوى الأحياء، والتركيز على بناء قدرات كافة الكوادر العاملين فيها.
  • إنشاء عيادات أسرية تضم متخصصين في علم النفس، والاجتماع، والتربية؛ للتعامل مع المشكلات الأسرية.
  • التوعية المكثفة من خلال وسائل الإعلام بأهمية الأسرة ككيان أساسي في المجتمع والدور الاجتماعي ومهامه لكل فرد فيها. وضرورة الاهتمام بالإرشاد الزواجي، واللجوء إلى المتخصصين في حال مواجهة مشكلات تتعلق بسوء التواصل بين الأزواج.
  • التوعية بأسباب الطلاق، وطبيعة العلاقات الزوجية، والحقوق والواجبات الزوجية، ومخاطر الطلاق على الفرد والمجتمع، وخاصة على الأبناء. وذلك من خلال: مؤسسات التعليم والمناهج الدراسية لكافة المراحل التعليمية، والمؤتمرات والندوات، ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، والمؤسسات الدينية.
  • إنشاء صندوق خاص للمطلقات من أسر الدخل المحدود، والعمل على وضع خطط لتدريبهن وتحويلهن لعنصر منتج في المجتمع.
  • الاهتمام بالتنشئة الاجتماعية من قبل الوالدين، وتعويد أبنائهم على الاستقلالية وتحمل المسؤولية، وتأصيل قيمة الطرف الآخر وفهمه واحترامه واحترام الاختلاف معه، وتدريبهم على فن التعامل مع الآخرين، وتهيئتهم للحياة الاجتماعية المستقلة.
  • على المؤسسات التعليمية إعداد وتنفيذ برامج توعوية عن الاستقرار الأسري، والتوعية بالآثار السلبية المترتبة على الطلاق، وتوضيح أهمية الاستقرار الأسري في بناء المجتمع، وطرح موضوعات التربية النفسية في المقررات الدراسية في المراحل التعليمية بما يتناسب مع المرحلة العمرية لكل مرحلة تعليمية.
  • تمديد فترة الخطوبة وبعد الملكة كي يتم التمحيص والتأكد من انسجام الطرفين.
  • توعية الفتيات بتجنب المفردات الاستفزازية “طلقني” وخلافها.
  • النأي عن شراكات الأصول بين الأزواج وإن لزم الأمر فالتوثيق مسألة مهمة.
  • تجنب مزاولة التجارة بأنواعها بين الأنساب خصوصًا من الدرجة الأولى.
  • عقد دورات من قبل مكاتب الإرشاد الأسري ومكاتب الرعاية الاجتماعية وغيرها، وإنشاء هيئة للإرشاد الزوجي داخل المحاكم لترشيد المقبلين على الزواج أو الطلاق إلى حقوق الزوجين أو المطلقين في الإسلام.
  • إنشاء جمعية لحقوق المطلقات تتبنى فيها التوعية والتوجيه ورعاية المطلقات والسعي في تحصيل حقوقهن.
  • معالجة ظاهرة الطلاق عبر برنامج وطني شامل تشترك فيه (الجامعات، وزارة العدل، وزارة الإعلام، وغيرها من الجهات ذات العلاقة) لمعرفة أفضل الحلول لمواجهة هذه الظاهرة تشريعيا وإعلامياً. على أن يشمل البرنامج دراسات وبحوث ودورات تنفيذية وبرامج إعلامية ومبادرات لمواجهة هذه الظاهرة المدمرة للمجتمع.
  • تنظيم مؤتمر محلّي لمناقشة ظاهرة الطلاق بشكل علمي، والوقوف على أهم الأسباب والوصول لأفضل الحلول والمقترحات من خلال المختصّين في المجالات المختلفة.
  • تكثيف تواجد عدد كافي من النساء في الدوائر الحكومية المختصة بقضايا الطلاق.

كما أن قرار الطلاق يأتي في المرحلة التاسعة من مراحل حل المشاكل الزوجية، وللأسف كثير من الأزواج والزوجات يجهلون هذه المراحل أو لا يأخذون بها، ويقفزون رأساً من مرحله (١) إلى مرحله (٩). وهذه المراحل التسع تأتي في ثلاث مستويات اجتماعية. وهذه المراحل هي:

أولا – المستوى الأسري:

وهنا تكون المعالجة بين الزوجين دون تدخل العائلة (سواء عائلة الزوج أو الزوجة). ويحتوي هذا المستوى على ثلاث مراحل:

  • الحوار بالموعظة الحسنة (فعظوهن).
  • الهجر ويكون في المضاجع (واهجروهن في المضاجع).
  • الضرب غير المبرح (فاضربوهن) وفيه تفصيل لكي لا يُساء تفسير واستخدام هذا المفهوم.

ثانيا- المستوى العائلي:

  • الناصح العائلي (اختيار وانتقاء مصلح من أفراد العائلة يهمه أمر الطرفين ويحاول التدخل والإصلاح بينهما).
  • التحكيم العائلي (حكما من أهله وحكما من أهلها يريدان الإصلاح).

ثالثا- المستوى المجتمعي:

  • اللجوء لمراكز الاستشارات الأسرية (الربحية وغير الربحية).
  • الإصلاح الرسمي عن طريق اللجوء لمكاتب الإصلاح التابعة للمحاكم.
  • التحكيم الرسمي من قبل القاضي بوجود حكم من أهله وحكم من أهلها، وبشكل رسمي.

يضاف إلى ما تقدم الحلول الوقائية والعلاجية التالية لظاهرة الطلاق:

  • (أ)- الحلول الوقائية:

من أهم الحلول الوقائية لظاهرة الطلاق اضطلاع الوالدين بدورهم الهام جدًا؛ حيث يقع عليهما العبء الأكبر في توضيح ما يلي لأبنائهم وبناتهم المقبلين على الزواج:

  • معرفة كيفيّة الاختيار السليم للشريك المناسب، والتأني والتفكير المكثف والمنطقي من أجل ذلك؛ فنجد كثيراً من الشباب لا يكترثون لمعايير اختيار الزوج أو الزوجة، وللأسف تلهيهم المظاهر الشكليّة أكثر من الجوهرية.
  • التثقف حول معاملة الزوجين بالقدوة وضرب الأمثلة؛ فالجهل بكيفيّة التعامل بين الأزواج، غالباً ما يُفضي إلى العديد من المشكلات أبرزها عدم فهم متطلبات الزوجة أو الزوج، والإصرار على التمسك بالرأي مقابل إذعان الطرف الآخر، ومن ثم الطلاق السريع!
  • تعوديهم على تحمل المسؤولية مبكرًا وتأهليهم لها عمليًا؛ فمعظم حالات الطلاق التي نسمع عنها بسبب عدم تحمل الزوج والزوجة واستهتارهما بأهم شروط بناء الأسرة الناجحة.
  • عدم اعتبار الحياة الزوجيّة مجالاً مفتوحاً للشروط؛ كأن تشترط الزوجة على زوجها شرط معين، فيوافق الزوج مقابل فرضه شرطًا جديدًا عليها؛ وهذا ما لا يقبله الدين ولا المنطق؛ فالحياة الزوجية قائمة على أساس الود والتفاهم وليس الشرط والتفاوض.
  • معرفة الحدود وإعطاء مساحة مناسبة من الحرية لكلا الزوجين: فعلى الأزواج تفهم أن الطرف الآخر ليس مُلكاً له ويحق فرض السيطرة عليه بكلّ تفاصيل حياته الشخصيّة.
  • الحلول العلاجيّة:
  • إن حل المشكلات الزوجيّة يكون بالتفاهم المستمر، وعدم ترك المشكلات من البداية دون نقاش أو حل كي لا تتراكم إلى الحد الذي تؤدي فيه إلى الطلاق.
  • اللجوء للهدنة الزوجية للزوجين الموشكين على الطلاق؛ والغرض من الهدنة، مراجعة النفس، وعودة المشاعر الطيبة بينهما، وقد تُرجع تلك الفترة الأمور إلى مجراها الطبيعي.
  • على الزوجين التأكد من صحة قرار الانفصال؛ وعدم اللجوء إليه من باب الرد أو إثبات الذات أمام الطرف الآخر، دون الأخذ بعين الاعتبار العواقب الوخيمة بعد الإقبال على هذه الخطوة.
  • تحذير الزوج من التفوه بلفظة الطلاق؛ فهي تُنهي الحياة الزوجيّة، لا سيما إذا كانت الثالثة، وعلى الزوجين الاستعاذة من الشيطان الرجيم، والجلوس للنقاش بهدوء وحل الخلافات دون أن تصل الأمور إلى الطلاق.
  • الاحتكام إلى العقلاء من الأهل وكبار العائلة أو الأُخوة، لاصلاح المشكلة عند حدوثها بينهم؛ لتقديم النصائح اللازمة لتجنب حدوث المزيد من المشاكل لاحقاً وكيفيّة التعامل معها.

وعليه فإن الحاجة باتت ملحة للنظر في:

  • البدء بإجراء أبحاث في علم الاجتماع – مدعمة بإحصائيات موثوقة- بخصوص دراسة تداعيات التغيرات وتأثيرها على المجتمع وارتفاع نسب الطلاق فيه، ومحاولة وضع حلول تناسب المتغيرات المستجدة.
  • تكثيف الرسائل الموجهة لكل المقدمين على الزواج بكل صورها المناسبة لهذا الجيل كطرف رئيسي لزيادة فهم وتقبل ونجاح تكوين أسرة مستقرة.
  • حث الآباء والأمهات لتواجدهم الدائم والمستمر على قمة البناء الأسري، لتوجيه الأبناء التوجيه الصحيح لاختيار شريك العمر، ومساعدتهم في أول سنين الزواج بالنصح والدعم الكافي.

والأهم من ذلك وضع سياسة وطنية متكاملة تكفل في معالجة الأسباب والدوافع المؤدية إلى الطلاق في المجتمع. وأن تساندها بعض الحلول التشريعية والقانونية، منها الوقائية والعلاجية، وعلى سبيل المثال:

  • الوقائية: وضع شروط تصعب من الطلاق، كضمان حق الزوجة والأولاد حال الطلاق في البقاء في المنزل…، وعدم زواج الرجل المطلق والمرأة المطلقة إلا بعد فترة معينة- تطول أو تقصر حسب حالة الطلاق -، وإلزام المرأة برد كافة ما دفعه الرجل من مبالغ وهدايا حال طلبها للطلاق دون سبب وجيه يستلزم الطلاق. وهذا سيكون سبب في تفكير الزوج والزوجة كثيرًا قبل الإقدام على الطلاق.
  • العلاجية: وجود نص قانوني واضح وصريح يبعدنا عن الآراء والأهواء الشخصية للحكم في قضايا الطلاق والخلع، والتي تختلف باختلاف القاضي وتعتمد على خلفيته الدينية والثقافية والتعليمية.. الخ، بما يحقق مصلحة الجميع.. وكذلك متى ما كانت الإجراءات إلكترونية يقل فيها التزوير والإهمال ويسهل متابعة المخالفين قانونيًا وخاصة عند تحديد النفقة المستحقة للأطفال بعد الطلاق حيث يتم استحقاقها من حساب الأب وإيداعها شهريًا للأم حال كانت هي الحاضنة.. وربما يكون هذا سبب في عودة المياه لمجاريها بين الزوجين.

خامساً: التوصيات

  • العمل على تطوير ومراجعة نظام الأحوال الشخصية فيما يتعلق بنظام الأسرة وخاصة حقوق المطلقة أو المعلقة أو الغائب عنها زوجها وفقاً لأحكام الشريعة وبما يتناسب وتغيرات العصر الحالي.
  • تطوير فحص ما قبل الزواج وإدراج فحوص تعاطي المخدرات وسلامة الصحة النفسية والعقلية اعتماداً على ما يقرره فريق شرعي طبي نفسي اجتماعي قانوني للخروج بتنظيم مقبول شرعا وقانونا وبدون ضرر.
  • إنشاء (إدارة أو هيئة أو مركز) في وزارة العدل تعني بدارسة مشكلة الطلاق واستقطاب العلماء والمختصين لوضع الحلول المناسبة للحد منها ومواجهة ضررها على الأسرة والمجتمع.
  • إصدار نظام يجرم تزويج المرضى النفسيين ومدمني المخدرات بدون معرفة الأطراف الأخرى بذلك. وذلك للحد من هذا الأمر.
  • بناء برنامج تثقيفي إلزامي للمقبلين على الزواج حول الحياة الزوجية والصعوبات المتوقعة وأساليب معالجتها وجعل اجتيازه شرطا لإتمام عقد الزواج.
  • العمل على زيادة الوعي والتثقيف المجتمعي بأهمية العلاقة الزوجية في بناء أسرة مستقرة منتجة والآثار المترتبة على الطلاق على الفرد والمجتمع. على أن تتولى وزارة الإعلام والمؤسسات الإعلامية تبني البرامج والأعمال الفنية التي توعّي بذلك وتعزز القيم الأسرية الإيجابية.
  • ضرورة الحصول على إحصاءات دقيقة عن أبعاد ومتغيرات كثيرة في مسألة الطلاق والزواج تبنى عليها الحلول العملية.

 

  • المراجع.
  • سارة فواز ماجد (2017): إدمان الإنترنت ودوره في حدوث الطلاق لدى الأسر السعودية بمدينة الرياض، مجلة عالم التربية، المؤسسة العربية للاستشارات العلمية وتنمية الموارد البشرية.
  • سلمان محمد العامري (2009): ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي. دراسة تشخيصية. طبيعة الظاهرة- حجمها- اتجاهاتها- عواملها – آثارها وعلاجها.
  • سلوى عبد الحميد الخطيب (2009): التغيرات الاجتماعية وأثرها على ارتفاع معدلات الطلاق، مجلة كلية الآداب، جامعة الملك عبد العزيز.
  • عبد الرحمن السيف (1433ﻫ): الطلاق في المجتمع السعودي، دار أشبيليا، الرياض، السعودية.
  • محمد بن ناصر السويد، وآخرون (2015): قضايا ومشكلات اجتماعية معاصرة، دار الزهراء- الرياض.
  • نوره بنت إبراهيم الصويان، هناء بنت عبد العزيز المسلط (2020): واقع الطلاق في المجتمع السعودي، مجلة البحوث والدراسات الاجتماعية، المركز الوطني للدراسات والبحوث الاجتماعية.
  • المشاركون.
  • الورقة الرئيسة والمعقبون: د. هناء المسلط، د. عبدالسلام الوايل، د. مها العيدان.
  • إدارة الحوار: د. عبير برهيمن.
  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • أ. عبدالرحمن باسلم
  • أ. فائزة العجروش
  • أ. فهد الأحمري
  • أ. لاحم الناصر
  • أ. محمد الدندني
  • أ. منى أبو سليمان
  • أ. مها عقيل
  • د. حميد الشايجي
  • د. خالد الرديعان
  • د. سعيد الغامدي
  • د. صالحة آل شويل
  • د. صدقة فاضل
  • د. عائشة الأحمدي
  • د. عبدالإله الصالح
  • د. عبدالرحمن العريني
  • د. عبدالسلام الوايل
  • د. عبدالعزيز الحرقان
  • د. عبدالله بن صالح الحمود
  • د. عبدالله بن ناصر الحمود
  • د. علي الطخيس
  • د. فهد اليحيا
  • د. فواز بن كاسب
  • د. فوزية البكر
  • د. محمد الثقفي
  • د. مساعد المحيا
  • د. مسفر الموسى
  • د. نجاح القرعاوي
  • د. وفاء طيبة
  • م. خالد العثمان
  • م. فاضل القرني 

القضية الخامسة

القوة الحادة  Sharp Power  وأهمية إدراكها والتعامل معها

(15/8/2021)

  • الملخص التنفيذي
  • أولاً: التعريف بمفهوم القوة الحادة
  • ثانياً: أهمية إدراك القوة الحادة ومعاييرها
  • ثالثاً: الآليات الملائمة للتعامل مع القوة الحادة
  • رابعاً: التوصيات
  • المشاركون

  

  • الملخص التنفيذي

تناولت هذه القضية القوة الحادة Sharp Power وأهمية إدراكها والتعامل معها وقد تم استخدام مصطلح القوة الحادة لأول مرة من قبل Christopher Walker  و Jessica Ludwig عام 2017، في إشارة إلى “قيام دولة دكتاتورية باستخدام القوة الناعمة بهدف التأثير والتحكم في النظام السياسي والمعلوماتي لدولة أخرى”. وكان القصد من ذلك تحديدا توغل الصين في العديد من دول العالم عبر استثمارات ناعمة تجاوزت قيمتها إجمالي ما أنفقته مجتمعة حكومات كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان على برامج دبلوماسيتها العامة. والقوة الحادة وفقا لهذا المفهوم تمثل تهديدا لطبيعة وخصائص مصطلح القوة الناعمة.

والقوة الحادة ليست قوة صلبة كما يرى جوزيف ناي، وليست قوة غير ذكية كما ترى Xin، وليست مرتبطة بطبيعة النظام السياسي الذي يمارسها كما يرى Walker، بل هي قوة ناعمة غير أخلاقية في وسائلها وفي الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، وفي النتائج المترتبة عليها، وذلك بغض النظر عن طبيعة الدول التي تقوم بها.

وفي تصور البعض فإننا قد نفهم القوة الحادة باعتبارها المقابل للقوتين الناعمة والخشنة بأبعادهما المتعددة، وقد نفهمها باعتبارها الضلع الثالث لمثلث القوة: قوة الإكراه، وقوة المكافأة، وقوة الإقناع؛ وبهذا فإن مفهوم القوة الحادة مفهوماً مراوغ.

والحقيقة أن الصين تسير بخطى واثقة ومخططة لفرض نفسها على دول العالم، ‏وتستخدم أحدث الأساليب المبتكرة وهو حقها كدولة عظمى، وحق مشروع لكل دولة ‏تتوق للتقدم والتنمية في مؤشرات التنمية العالمية.‏

ومع أن المملكة توظف اليوم مختلف أشكال القوة الناعمة، مثل الدبلوماسية الرياضية والثقافية والبرلمانية والفنية، وغيرها. وهذا مطلوب بكل تأكيد؛ إلا أنه غير كافي. فالواقع أن هناك حاجة لا غنى عنها لوجود استراتيجية تحدد لنا الأولويات وتضمن عدم التعارض في الرسائل والهدر في الموارد.

ومن أبرز التوصيات التي تم الانتهاء إليها ما يلي:

  • ضرورة إنشاء هيئة وطنية عليا للدبلوماسية العامة في المملكة العربية السعودية للإشراف على العمل الدبلوماسي وتقييم أداء كافة الجهات المعنية وضمان عدم الازدواجية والتعارض بينها.
  • بناء استراتيجية وطنية للقوة الناعمة السعودية تحدد الأولويات الوطنية وترصد الميزانيات المناسبة لها وتكلف المختصين ذو الكفاءة والخبرة لتنفيذها.

أولاً: التعريف بمفهوم القوة الحادة.

مصطلح القوة الحادة تم استخدامه لأول مرة من قبل Christopher Walker  و Jessica Ludwig عام 2017، في إشارة إلى “قيام دولة دكتاتورية باستخدام القوة الناعمة بهدف التأثير والتحكم في النظام السياسي والمعلوماتي لدولة أخرى”. وكان القصد من ذلك تحديدا توغل الصين في العديد من دول العالم عبر استثمارات ناعمة تجاوزت قيمتها إجمالي ما أنفقته مجتمعة حكومات كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان على برامج دبلوماسيتها العامة. والقوة الحادة وفقا لهذا المفهوم تمثل تهديدا لطبيعة وخصائص مصطلح القوة الناعمة.

الملفت هو أن هذا التعريف للقوة الحادة لا يتردد في القول بأنه يعتمد على “من قام بالفعل” بدلا من اعتماده على “كيفية القيام بالفعل”، ففي حال قيام دولة مثل الصين أو روسيا مثلا بممارسة أنشطة دبلوماسية عامة مماثلة تماما لتلك التي تقوم بها دول غربية، فإن هذه الأنشطة يتم وسمها بأنها أنشطة خبيثة ومعادية، لمجرد أن من قام بها هو دول محددة توصف بأنها “دكتاتورية”.

هذا التعريف رد عليه جوزيف ناي عام 2018 بمقال له بعنوان “كيف تهدد القوة الحادة القوة الناعمة”، وصف فيه القوة الحادة بأنها “أحد أشكال القوة الصلبة التي تقوم على الاستخدام الخادع للمعلومات، لأهداف عدائية”. وهو بذلك يرى أن الفرق بين القوة الناعمة والقوة الحادة يندرج في “كيف” و”لماذا”: فإذا استخدمت القوة بهذا الشكل ولتحقيق هذا الهدف، فإنها تعتبر قوة حادة. ووفقا لذلك فإن استخدام الصين لقوة ناعمة مثل “معهد كونفوشيوس” لا يعتبر قوة حادة لمجرد كونه مدعوم من قبل الحكومة الصينية. ولكنه يصبح كذلك عندما يسعى لانتهاك الحريات الأكاديمية.

وترى Xin Liu بأنه إذا كانت القوة الذكية هي المزيج المناسب للإرغام بالقوة الصلبة، والجاذبية والإقناع بالقوة الناعمة، فإن القوة الحادة يمكن النظر إليها على أنها المزيج غير المناسب لكليهما، وهي بذلك لا تعتبر قوة ناعمة ولا قوة صلبة، بل هي مزيج غير ناجح لكليهما، أو بعبارة أخرى هي “قوة غير ذكية”. بمعنى آخر فإن Xin ترى أن العبرة هي في “كيف” وليس “من” أو “لماذا”.

ثانياً: أهمية إدراك القوة الحادة ومعاييرها

ألِف الناس كثيراً استخدام مصطلح “القوة الناعمة” منذ أن صاغه جوزيف ناي عام ١٩٩٠م، حتى إنهم من شدة ألفتهم معه أصبحوا يستخدمونه داخل بيوتهم، في المطابخ وفي غرف النوم.

بعد مرور ٣٠ عاماً على ولادة “القوة الناعمة Soft power ” سيفاجأ الناس بولادة مفاهيم أخرى قد لا يسهل لهم التآلف معها، مثل: القوة الصلبة Hard power والقوة الحادة Sharp power ليس لأنه لا يمكن توظيفها كما الأول، ولكن لأن توظيفها بغير دقة قد يورّث عواقب وخيمة.

هذه المفاهيم الحديثة في الخطاب السياسي ليست مجرد عبارات إنشائية كما يتداولها الإعلاميون العرب في تعليقاتهم على سبيل التجمّل بها؛ بل هي عند الذين صاغوها أدوات جديدة للحروب ضد الدول المنافسة أو المستهدَفة.

وكما أن المختصين في العلوم العسكرية يدركون أنواع المعارك الحربية فإن المختصين في العلوم السياسية والدبلوماسية يدركون أنواع المعارك السِّلمية التي هي خيار آخر عصري للحرب.

وبالنظر إلى هذه الآراء المختلفة حول القوة الحادة، فإن ربطها بـ “من” قام بالفعل هو أمر غير مناسب لكونه يفتقد للموضوعية ويندرج ضمن لعبة التصنيفات ذات الأهداف السياسية، من قبيل “دول خير” و”دول شر”، و”معنا” أو “ضدنا”. وهي تفتح المجال للتشكيك والحكم الشخصي غير الموضوعي، الذي يجرد القوة الناعمة من تأثيرها وأهميتها. فعلى أي أساس مثلا يمكن اعتبار أنشطة المجلس الثقافي البريطاني قوة ناعمة مشروعة، في حين تعتبر أنشطة معهد كونفوشيوس الصيني قوة حادة غير أخلاقية؟ ووفق أي منطق يتم تسمية استضافة دول معينة للفعاليات الدولية الرياضية أو الثقافية عمليات “غسيل سمعة”، في حين تتم تسمية الاجتياح الغربي لهويات الشعوب وانتهاك أدق خصوصياتها الثقافية “قوة ناعمة” لمجرد أن من قام بها هي دول غربية؟

معيار “كيف” و”لماذا” من ناحية أخرى، يمكن أن يقدم لنا مؤشرات لمدى أخلاقية الممارسات. فإذا تضمنت الكيفية التي تنفذ بها الأنشطة على أمور غير أخلاقية، مثل التفرقة العنصرية أو انتهاك الحريات فهي قوة حادة، وإذا كانت تلك الممارسات تهدف إلى تحقيق نتيجة غير أخلاقية مثل الإضرار بالغير ثقافيا أو اجتماعيا أو سياسيا، فهي قوة حادة. فبالنسبة لي، فإن أي ممارسات ناعمة يتم تنفيذها بوسائل غير أخلاقية، أو تهدف إلى تحقيق نتائج غير أخلاقية، فإنها تعتبر قوة حادة.

ويرى جوزيف ناي في كتابه الصادر عام 2020 بعنوان “هل الأخلاق مهمة؟” والذي يناقش فيه المواقف الأخلاقية لرؤساء الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1945، بأن أي تقييم منطقي للممارسات الأخلاقية ينبغي أن يتضمن ثلاثة أبعاد هي:

  • القصد من الفعل.
  • الوسائل المستخدمة.
  • النتائج المترتبة عليه.

ووفقا لذلك فإننا لو نظرنا إلى أكاديمية التغيير القطرية على سبيل المثال، سنجد أنها تستخدم كافة أشكال القوة الناعمة لاستقطاب الشباب من دول محددة مستهدفة، وذلك لتدريبهم على إشعال الثورات في دولهم وإسقاط أنظمة الحكم بها. هذه الثورات نتج عنها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، ودمار تام لدول وخسائر اقتصادية يصعب حصرها.

بناء على كل ما سبق، فإن القوة الحادة ليست قوة صلبة كما يرى جوزيف ناي، وليست قوة غير ذكية كما ترى Xin، وليست مرتبطة بطبيعة النظام السياسي الذي يمارسها كما يرى Walker، بل هي قوة ناعمة غير أخلاقية في وسائلها وفي الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، وفي النتائج المترتبة عليها، وذلك بغض النظر عن طبيعة الدول التي تقوم بها.

وفي تصور البعض فإننا قد نفهم القوة الحادة باعتبارها المقابل للقوتين الناعمة والخشنة بأبعادهما المتعددة، وقد نفهمها باعتبارها الضلع الثالث لمثلث القوة: قوة الإكراه، وقوة المكافأة، وقوة الإقناع؛ وبهذا فإن مفهوم القوة الحادة مفهوماً مراوغا.

ويعيدنا حال الغرب مع استخدام مفهوم القوة الحادة لتذكر بيت أحمد شوقي:” أحرام على بلابله الدوح، حلال -للغرب -من كل جنس.، فالغرب يرى أن ما يقوم به من أعمال مختلفة للسيطرة على الشعوب، والتحكم بمصائرها ومقدراتها، صواب لا يرتقي إليه الخطأ، وما يقوم به خصومها، (الصين- روسيا تحديداً) خطأ لا يحتمل الصواب، ولا يقبل المغفرة.

القوة الحادة مفهوم حديث نسبياً صاغه أحد مراكز التفكير المُعتمدة والممولة من الكونجرس الأمريكي، إدراكاً منه لأهمية الكلمات ذات التركيبات الخاصة التي تحمل تعريفا خاصاً أيضاً بمن يصنعها؛ فالحرب ضد الإرهاب التي قادتها الولايات المتحدة غرست مفاهيم معينة لدى الشعوب الغربية، مثل: (لماذا يكرهوننا) دون أن تشير هذه المفاهيم إلى أن العالم يكره سياسة الولايات المتحدة وليس القيم الأمريكية.

فقد تعامل الساسة الأمريكيون ببراعة فائقة مع تحديد المفاهيم التي أرادوا لها أن تسود العالم، مثل تعريفهم للإرهاب والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والحرية والتسامح، بالمعاني التي يقصدونها وبالطريقة التي تخدم أهدافهم في الهيمنة على العالم، مترجمين على الواقع ما قاله جوبلز: “نحقق عن طريق الإعلام مالا نحققه عن طريق الحرب” وقد لخص وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد ذلك كله في مقولته الشهيرة: (انتهت الحرب العسكرية وبدأت حرب الأفكار)، التي تسعى من خلالها واشنطن إلى الهيمنة على الثقافات والشعوب، ولم تكن لتحدث أثرها لو لم تكن هناك وسائل إعلام تنقلها للجماهير، ولغة إعلامية روجت لهذه الأيديولوجيات التي شغلت عقل العالم وفكره ولا تزال، وهو ما يؤكد على أن اللغة الإعلامية هي أداة التعبير السياسي عن الأيديولوجيا.

وليس جديداً تحيَّز الخطاب الغربي، خصوصاً، عند تعريفه “الإرهاب” وعند تسميته أعضاء “محور الشر”. المؤسسات الغربية، السياسية والإعلامية والعلمية، لا تنظر إلى تلك المحدِّدات “الوصميّة” بمعزل عن “مَنْ” توصف به، بل هي تختار من تشاء تصنيفه ثم تضعه تحت طائلة التعريف الموجَّه. ولا عجب أن تفعل ذلك فهي في حقيقة الأمر تمارس حرباً “ناعمة” أو حادة ضد أعدائها، وإن تلبّس فعلُها لباسَ الدبلوماسية الوديعة.

ووفق تعريف القوة الحادة المشار إليه فإنه يمكن وصف ما يقوم به المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي عبر التغريدات والمقاطع المتداولة في تويتر بأنه في حقيقته ليس قوة ناعمة كما يصفها كثيرٌ منا، بل هي قوة حادة لأنها تستخدم وسائل أخلاقية لتحقيق أهداف غير أخلاقية (خدمة الاحتلال). وبالمثل أيضاً ما عملته الماكينة الإعلامية الأمريكية لتجريم العراق بهدف احتلاله لاحقاً في العام ٢٠٠٣م.

أما أوضح مثال على تحيز استخدام تلك المفاهيم، فهو الموقف من التحركات التي تقوم بها الصين في العديد من دول العالم لمواجهة كورونا، ففي حين يصف المعلق البريطاني سايمون تيسدال فيروس كوفيد19 بأنه أصبح إحدى أدوات القوة الصينية الناعمة لتجاوز القوة العظمى المنافسة لها؛ الولايات المتحدة الأمريكية، يصف معلقون أمريكيون وغير أمريكيين على أساس أن الصين هي المسؤولة عن انتشار الفيروس في العالم فإن ما تقدمه من مساعدات الآن هو ليس قوة ناعمة بل قوة حادة. بينما يراها آخرون قوة صلبة باعتبارها حرباً جرثومية سافرة.

ولمواجهة الصعود الصيني تحديدا والذي لم تستطيع واشنطن مجاراته، طريق الحزام والطريق، والذي يعده بعض خبراء الاقتصاد والسياسة، الطلقة الأولى بين الشرق والغرب، (مشروع طريق الحزام والحرير) سيكتمل في عام 2049 متزامناً مع المئوية الأولى لجمهورية الصين الشعبية، ستجني الصين استثمارات بقيمة 4- 8 تريلون دولار، السيطرة على موانئ وطرق عالمية استراتيجية) وهو ما لم تحصل عليه أمريكا، ولذا سعت المراكز الاستراتيجية الأمريكية المختلفة لمقابلته، بقوة الأفكار، ذات المدلولات الشيطانية،  للتنفير منه، ولبيان خطورة تمدد القوة الحادة الصينية الروسية في مفاصل صنع القرار في مختلف دول العالم، مستشهدين بعملية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية 2016، كما زعم أنداك،  متناسين تدخل أمريكا في انتخابات الدول ؛مبرزين السيطرة الصينية على الحزبيين الرئيسين في أستراليا، ومطالبة بعض البرلمانيين الأستراليين باحترام دولتهم لحق الصين في بحر الصين الجنوبي، وكذلك نفاذ قوة الصين الحادة في مفاصل صنع القرار السياسي الماليزي.

والحقيقة أن مفهوم “القوة” في حد ذاته يشكل أهمية قصوى، بل ويرتبط بممكنات ‏الأفراد والمنظمات والدول، ويزداد بطبيعة الحال الاهتمام به عند الحديث عن ‏الدول‎.‎

والحديث عن عناصر القوة وتطوراتها، ابتداء من القوة الصلبة التي تتمثل في ‏القوات العسكرية في الدول التي تستخدمها للدفاع أو الهجوم، وما يكلفه استخدامه ‏من آثار سلبية ومدمرة جعل الباحثين ومراكز الفكر تبحث عن أساليب أخرى تحقق ‏الأهداف الاستراتيجية وبتكلفة وآثار أقل، الأمر الذي أفرز لنا الحديث عن القوة ‏الناعمة، وما تلاها من تصنيفات وتطورات، كالقوة الذكية، والمصطلح الجديد الذي ‏نحن بصدده “القوة الحادة”.‏

والمؤكد أن الصين تسير بخطى واثقة ومخططة لفرض نفسها على دول العالم، ‏وتستخدم أحدث الأساليب المبتكرة وهو حقها كدولة عظمى، وحق مشروع لكل دولة ‏تتوق للتقدم والتنمية في مؤشرات التنمية العالمية.‏

ثالثاً: الآليات الملائمة للتعامل مع القوة الحادة

إن المطلوب على المستوى الأكاديمي هو مزيد من الاهتمام بقضايا الدبلوماسية العامة ومصطلحاتها، ونقاش ذلك في المحافل والمجلات العلمية، وذلك حتى لا تترسخ مفاهيم منحازة يمكن أن تكون مسيئة لدول محددة وتخدم مصالح دول أخرى.

وعلى المستوى المهني فإن نفس هذا الفهم والإدراك والتعامل مطلوب أيضا من قبل أقسام ووكالات الدبلوماسية العامة ومراكز التفكير على المستوى العربي، فترسخ مصطلح مثل “الدبلوماسية الحادة” بشكله الحالي يتيح استخدامه وتوظيفه بشكل منحاز كما تم ذكره، ومثال ذلك حملة الانتقادات التي تم توجيهها لاستضافة المملكة لبعض الفعاليات الرياضية الدولية من باب القوة الناعمة، ووصف تلك الاستضافة بأنها عمليات “غسيل سمعة” ينبغي رفضها دوليا.

وثمة تساؤل يطرح نفسه في هذا الصدد: هل لدى الدبلوماسي السعودي والإعلامي السعودي الجاهزية لخوض هذه الحروب التي تسيل فيها دماء بيضاء قد لا يُفطن لها حتى يكتمل النزيف القاتل؛ ويبقى السؤال الأهم: ما عناصر القوة الحادة التي نمتلكها؟

القوة الحادة ليست مرتبطة فقط بالإعلام ولكن بكافة أشكال القوة الناعمة الممكنة مثل الثقافة والتبادل المهني والتبادل العسكري، واستقطاب القيادات المستقبلية من الشباب، والمنح المقدمة للفتيات المراهقات.كل هذه أمثلة لقوة ناعمة جميلة وجذابة تقوم بها أمريكا.. ولكن هل هي دائما ذات أهداف بريئة؟ قطعا لا، فكثير منها وباعتراف المسؤولين الأمريكيين أنفسهم يتم لأهداف تتعلق بمصلحة أمريكا وقد تلحق الضرر بالدول التي ينتمي إليها أولئك الشباب والشابات.

نحتاج أولا فهم جميع تلك الأنواع من القوة، وتوظيفها أخلاقياً.. والواقع هو أن القوة الناعمة وحدها لا تكفي، وكذلك القوة الصلبة وحدها لا تكفي. لا بد أن تكون لدينا المهارة والقدرة على المزج بينهما، وهذا هو ما يسمى القوة الذكية. المزيج المناسب يختلف باختلاف الظروف والأهداف بطبيعة الحال. بالنسبة للقوة الحادة، فكما سبق الإشارة هي قوة غير أخلاقية ليس من الملائم استخدامها.

المملكة توظف اليوم مختلف أشكال القوة الناعمة، مثل الدبلوماسية الرياضية والثقافية والبرلمانية والفنية، وغيرها. وهذا مطلوب بكل تأكيد. لكن هل هذا يكفي؟ الواقع أننا بحاجة  لوجود استراتيجية لا غنى عنها تحدد لنا الأولويات وتضمن عدم التعارض في الرسائل والهدر في الموارد. ولعل هناك ضرورة لإنشاء هيئة وطنية للدبلوماسية العامة السعودية معنية بوضع الإستراتيجيات وتقييم الأداء لكافة الجهات وضمان عدم الازدواجية والتعارض.

وعليه فإن القوة الحادة قد لا تكون مطلبا لنا كاستراتيجية عمل نقوم بها لتحقيق أهدافنا الوطنية، ولكن من المهم معرفة أساليبها للتصدي لها وتفنيدها كقوة معادية.

وبالحديث عن أنواع ممكنات القوى التي تستخدمها الدول لتعزيز مقومات أمنها الوطني وحمايته من المهددات والمخاطر شبه متعارف عليها، سيما القوة الصلبة والقوى الناعمة. لكن المفاهيم الجديدة وتحديداً القوة الذكية والحادة تتطلب صقلا وتشذيبا موضوعيا يوضح بشكل جلي ماهيتها والفوارق بينهما، لأن حداثة المفهوم “القوة الحادة” في حد ذاته قد يتداخل مع القوة الذكية، وفي ذات الوقت آلياته وآليات القوة الناعمة تكاد تتطابق.

رابعاً: التوصيات

  • ضرورة إنشاء هيئة وطنية عليا للدبلوماسية العامة في المملكة العربية السعودية للإشراف على العمل الدبلوماسي وتقييم أداء كافة الجهات المعنية وضمان عدم الازدواجية والتعارض بينها.
  • بناء استراتيجية وطنية للقوة الناعمة السعودية تحدد الأولويات الوطنية وترصد الميزانيات المناسبة لها وتكلف المختصين ذو الكفاءة والخبرة لتنفيذها.
  • العمل على رفع وعي المتلقين من خلال التركيز الإعلامي، عبر البرامج التلفزيونية والإذاعية والصحف الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، على مصطلحات ومفاهيم وأهداف القوى الصلبة والناعمة، والذكية، والحادة والسبل الأمثل لتطبيقها لتعزيز مقوماتنا الوطنية، وحمايتها من المهددات ‏والمخاطر.
  • زيادة التعاون العلمي بين الأقسام العلمية في الجامعات والمعهد الدبلوماسي لدراسة التأثيرات الدولية التي تحققها القوى المختلفة وكيفية التعامل معها.
  • تنشيط الأدوار التي تقوم بها السفارات السعودية والملحقيات الثقافية في الخارج لتفعيل مضامين القوى الناعمة والذكية بما يخدم المصالح العليا للمملكة.
  • التوسع في إقامة الدورات وورش العمل التخصصية في العمل الدبلوماسي لمنتسبي الجهات الحكومية ذات العلاقة بتمثيل المملكة في الخارج، بشكل دائم أو للأعمال والمهام ذات الطبيعة المؤقتة.
  • تبني وزارة التعليم وبالتنسيق مع وزارة الخارجية خطة تنفيذية للإفادة من الطلبة المبتعثين السعوديين للخارج بحيث يقدمون صورة مميزة للمملكة العربية السعودية في مختلف الدول التي يدرسون بها.
  • حث السائح السعودي في الخارج على الانضباط، واحترام قوانين الدول المضيفة؛ لتقديم صورة حسنة ومشرفة للمملكة العربية السعودية، ومعاقبة من يعمد إلى إتيان عمل مسيء أو مشين يضر بصورة المملكة أو شعبها.
  • إعادة النظر في الدعم المالي الذي يقدم إلى بعض الدول؛ بحيث يكون مشروطاً بما يخدم المملكة وسياستها الخارجية. وتعطى الشركات السعودية الأولوية في تنفيذ المشاريع التنموية السعودية في مختلف الدول.
  • ضرورة إدراج المفاهيم الحديثة الناتجة عن الثورة المعلوماتية ضمن خطط وإستراتيجيات مختلف الجهات المعنية بالأمن الوطني (الدفاع والأمن، والإعلام، والتعليم ما بعد الأساسي، والاستخبارات العامة، ومجلس ومركز الأمن الوطني)، لتوظيفها بما يحقق المصالح الوطنية.
  • حث مراكز البحوث في المؤسسات العسكرية والأمنية والدبلوماسية والإعلامية ومراكز الفكر الوطنية على القيام بالدراسات المعنية بفعالية وتأثير القوى الوطنية للمملكة والسبل المثلى للإفادة منها.
  • حث جمعيات المجتمع المدني السعودية على التواصل مع مثيلاتها في العالم بما يخدم مكانة وسمعة المملكة.
  • دعوة وزارة السياحة لتبني برنامجا تعريفيا موجه للسائحين الأجانب عن الأدوار والأعمال الإنسانية والتنموية التي تقوم بها المملكة في المجتمع الدولي.

 

  • المشاركون.
  • الورقة الرئيسة والمعقبون: د. سعود كاتب، د. زياد الدريس، د. عبدالله العساف.
  • إدارة الحوار: د. سعيد الغامدي
  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • د. محمد الثقفي
  • د. خالد الرديعان
  • أ. عبدالرحمن باسلم
  • د. خالد المنصور
  • لواء فاضل القرني
  • أ. محمد الدندني
  • أ. مها العقيل

القضية السادسة

السعودية والأولمبياد.. والتحديات

(22/8/2021)

  • الملخص التنفيذي
  • أولاً: تاريخ الألعاب الأولمبية
  • ثانياً: الشعار الأولمبي
  • ثالثاً: اللجنة الأولمبية الدولية
  • رابعاً: السعودية والمشاركة الأولمبية
  • خامساً: أسباب المشاركة السعودية المتواضعة في الأولمبياد

1 – افتقاد العمل المؤسسي.

2 – عدم ملائمة الدعم المادي لإعداد البطل الأولمبي.

3 – التركيز على الكم وليس الكيف.

4- قصور دور القطاع الخاص.

5- افتقاد الخطط بعيدة المدى.

6 – وجود رموز إدارية غير مؤهلة.

  • سادساً: رؤية استشرافية.
  • سابعاً: التوصيات.
  • المراجع.
  • المشاركون.

  

  • الملخص التنفيذي

تناولت هذه القضية المشاركات السعودية في الأولمبياد وأبعاد هذه المشاركة من حيث أسباب تواضعها وآليات تطويرها. وتجدر الإشارة إلى أن تاريخ الألعاب الأولمبية يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد حيث كانت تقام كل أربع سنوات في مدينة أولمبيا اليونانية ومنها جاءت التسمية. وكانت الألعاب حكراً على الرياضيين الهواة كما أرادها مؤسسها كوبرتان؛ إلا أنه مع تطور الرياضة واقتصادياتها وتحولها إلى صناعة سمح للمحترفين ودخل التسويق عالمها وزاد تنافس المدن على الفوز بتنظيمها.

وعلى المستوى المحلي فقد تأسست اللجنة الأولمبية العربية السعودية عام 1964 م وحصلت على اعتراف اللجنة الأولمبية الدولية عام 1965م. إلا أنه خلال 17 مشاركة على مدى نصف قرن لم تفز المملكة إلا بـ 4 ميداليات فقط.

ومن أبرز أسباب المشاركة السعودية المتواضعة في الأولمبياد: افتقاد العمل المؤسسي، وعدم ملائمة الدعم المادي لإعداد البطل الأولمبي، والتركيز على الكم وليس الكيف، فضلاً عن قصور دور القطاع الخاص في رعايته للأبطال السعوديين خاصة الشركات الكبرى كما الأبطال العالميين، بجانب عدم وجود خطط بعيدة المدى أو بنى تحتية تتوازى مع إعداد أبطال أولمبيين ولا إعداد للنشء أو اكتشافهم، وكذلك وجود رموز إدارية غير مؤهلة في مختلف الاتحادات الأولمبية ممن ليسوا مؤهلين وغير متفرغين لذلك.

ومن أبرز التوصيات التي تم الانتهاء إليها ما يلي:

  • مراعاة طبيعة كل منطقة من مناطق المملكة وتكوينها وانعكاس ذلك على أبنائها، وعلى الرياضات المناسبة لهم، وتنمية الاهتمام بالرياضة لدى المجتمع.
  • التركيز على الألعاب الفردية غير المكلفة مادياً والتي ثبت نجاحها في تخريج أبطال في هذا النوع من الرياضات.

أولاً: تاريخ الألعاب الأولمبية.

يعود تاريخ الألعاب الأولمبية إلى القرن الثامن قبل الميلاد حيث كانت تقام كل أربع سنوات في مدينة أولمبيا اليونانية ومنها جاءت التسمية.

أقيمت أول دورة عام 776 ق.م واستمرت حتى نهاية القرن الرابع.

وفي القرن التاسع عشر بدأ الاهتمام اليوناني بإعادة إحياء هذه الألعاب حيث اقترح الشاعر والمحرر باناجيوتيس سوتسوس إعادة عقدها وذلك في قصيدته “حوار الموتى”.

أعجبت الفكرة البارون الفرنسي البيير دي كوبرتان فتبناها وأسس اللجنة الأولمبية الدولية عام 1894 وعقدت أول اجتماع لها (المؤتمر الأولمبي) في جامعة باريس في الفترة من 16-23 يونيو 1894 وفيه تقرر إقامة أول دورة ألعاب أولمبية في أثينا عام 1896 تحت رعاية اللجنة الأولمبية الدولية وانتخب الكاتب اليوناني ديمتروبوس فيكيلاس أول رئيس للجنة الأولمبية الدولية.

شارك في الدورة الأولى 14 دولة و241  رياضيًا شاركوا في 43 لعبة، واقتصرت على الرجال وفي الدورة الثانية “باريس 1900” بدأت مشاركة المرأة في بعض الألعاب.

كانت الألعاب حكراً على الرياضيين الهواة كما أرادها مؤسسها كوبرتان؛ إلا أنه مع تطور الرياضة واقتصادياتها وتحولها إلى صناعة سمح للمحترفين ودخل التسويق عالمها وزاد تنافس المدن على الفوز بتنظيمها.

ثانياً: الشعار الأولمبي.

صممه البارون دي كوبرتان وهو عبارة عن خمس حلقات متشابكة بأحجام متساوية وبألوان مختلفة (الأزرق، الأصفر، الأسود، الأخضر ثم الأحمر) ترمز للاستمرارية وأن جميع الناس في العالم مرحب بهم من دون النظر إلى التفرقة العنصرية.

أما “العلم الأولمبي” فهو علم ذو خلفية بيضاء متموجة يُرفع حاملا شعار الحلقات الخمس في الملاعب والملتقيات والمؤتمرات الأولمبية.

ويرتكز الشعار الأولمبي على الكلمات الثلاث “الأسرع، الأعلى، الأقوى” ويشكل مع الحلقات الأولمبية ما يعرف بـ”الرمز الأولمبي”.

ثالثاً: اللجنة الأولمبية الدولية.

  • مقرها لوزان في سويسرا وهي الجهة المشرفة على الألعاب الأولمبية ووضع تشريعاتها وانتخاب المدينة المستضيفة للألعاب.
  • عدد أعضائها 106 أعضاء منهم 39 سيدة يتم انتخاب كل عضو بواسطة جلسة اللجنة الأولمبية الدولية (الجمعية العمومية) عن طريق أغلبية الأصوات لمدة 8 سنوات قابلة للتجديد.
  • العضو يمثل اللجنة الأولمبية الدولية في دولته وليس العكس حيث يقوم بالترويج لمصالح اللجنة وللحركة الأولمبية (الميثاق الأولمبي 2013 المادة 16).
  • ثلاثة سعوديون وصلوا لعضوية اللجنة الأولمبية الدولية:
  • الأمير فيصل بن فهد 1984) حتى وفاته 1999)
  • الأمير نواف بن فيصل بن فهد 2002)حتى (2014
  • الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان(2020)

رابعاً: السعودية والمشاركة الأولمبية

تأسست اللجنة الأولمبية العربية السعودية عام 1964 م وحصلت على اعتراف اللجنة الأولمبية الدولية عام 1965م.

وشاركت في أولمبياد مكسيكو 1968م بوفد إداري، ثم بفريق ألعاب قوى في أولمبياد ميونخ 1972، ومنذ ذلك التاريخ وهي تشارك في الأولمبياد عدا (موسكو1980) والتي قاطعتها أيضاً الدول الغربية احتجاجاً على الغزو السوفيتي لأفغانستان.

خلال 17 مشاركة على مدى نصف قرن لم تفز المملكة إلا بـ 4 ميداليات فقط:

  • سيدني2000م: (1 فضية في ألعاب القوى، 1 برونزية في الفروسية).
  • لندن 2012م: (برونزية في الفروسية).
  • طوكيو :2020(فضية الكاراتيه).

مشاركة متواضعة لا تتناسب مع تاريخنا وما نملكه من إمكانات.

فزنا بميداليات ذهبية وفضية وبرونزية قارية وعربية وفي كأس العالم لألعاب القوى ما يعني أننا نملك إمكانات التفوق.

المملكة بثقلها السياسي والاقتصادي والديني تستحق أن تكون مشاركاتها الأولمبية مشاركات فاعلة وإيجابية، وأن تحصد عددا من الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية على نحو يعكس الجهود التاريخية التي يفترض أن تكون قد عملت في المؤسسة الرياضية, منذ أول مشاركة وحتى اليوم.

المؤسف حقا أننا كل ما مضت الأيام وكل ما أنفقنا الكثير كلما زاد الإخفاق وهذا يعني أننا لا نحقق سوى نتائج سلبية عكسية تدل على أن الجهود المبذولة لا تسير باتجاه يحقق الآمال والطموحات.

وكم هو مؤسف جدا أن تكون حصيلة مشاركاتنا الطويلة أربع ميداليات فقط وهو ما لا يتناسب مع ثقل المملكة وأهميتها واتساع رقعتها جغرافيا وارتفاع حجم سكانها مقارنة بدول هي أقل في كل ذلك. برغم وجود عناصر وكفاءات رياضية في مختلف مدن المملكة تمتلك مهارات جيدة لكنها تحتاج للمزيد من التأهيل والصقل… في ضوء استراتيجية طويلة المدى وهو ما نفتقده.. وفي ظل وجود أعداد كبيرة من المهتمين في مختلف الرياضات، ولكن لا يوجد لدينا عناصر قادرة على المنافسة فضلا عن الفوز في مثل هذه الألعاب.

خامساً: أسباب المشاركة السعودية المتواضعة في الأولمبياد.

1 – افتقاد العمل المؤسسي.

العمل في المنظومة الرياضية لدينا يفتقد للعمل المؤسسي شأنه شأن كثير من القطاعات إن لم يكن جميعها، يؤكد ذلك ثلاث حقائق:

  • التباعد في الفوز بالميداليات وندرته يدل على أنه نتيجة اجتهاد شخصي من اللاعب واهتمام مباشر وفردي من المسؤول عن اللعبة إذ كان المفروض تكوين قاعدة من الممارسين وتتبعهم وإعدادهم.
  • برامج “الصقر الأولمبي” و”رياضيي النخبة” و”مهد”.
  • خمس اتفاقات وورش عمل تفاهم مع جهاز التعليم.
  • الصقر الأولمبي:

في يوم 7/6/2009 دشن الرئيس العام لرعاية الشباب رئيس اللجنة الأولمبية السعودية الأمير سلطان بن فهد برنامج الصقر الأولمبي الذي يهدف لوضع خطط مستقبلية لكافة الألعاب الأولمبية لمساعدتها للتأهل لأولمبياد لندن 2012م والتركيز على الألعاب الفردية والألعاب متعددة الأوزان، ومحو الصور السابقة لمشاركاتنا الأولمبية وسيكون معياراً ومؤشراً هاماً لتوقع النتائج والبطولات المستقبلية، خصوصاً أولمبياد 2016 م.

ويخدم البرنامج صغار السن من الموهوبين في جميع الألعاب.

وأشار البرنامج إلى دور هام وحيوي للقطاع الخاص في دعمه وتمويله مادياً وإعلامياً، ويتضمن جولة لعدد من الدول الأوروبية والأمريكيتين لاطلاعهم على التفاصيل وعقد شراكات معهم.

حضر الحفل رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الدكتور جاك روج وأشاد في كلمته بالعمل الكبير الذي قدمته اللجنة الأولمبية السعودية خلال السنوات الماضية. (انظر الرابط في المراجع).

  • رياضيو النخبة:

في يوم 27 مارس2017 م تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع دشن الأمير عبدالله بن مساعد بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للرياضة رئيس اللجنة الأولمبية العربية السعودية برنامج رياضيي النخبة (ذهب2022) والهوية الجديدة للجنة الأولمبية العربية السعودية.

تم التوقيع مع 321 لاعباً من أصل 400 لاعب في هذه المرحلة والتقطوا صوراً تذكارية مع سمو ولي ولي العهد، والرقم المستهدف إلى 2022 م هو 1800 لاعب نخبة.

الأمير عبدالله بن مساعد أشاد بدعم مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، مشيراً إلى أنهم سيحققون متطلبات المجلس خلال سنة واحدة.

م. لؤي هشام ناظر نائب رئيس اللجنة الأولمبية العربية السعودية استعرض إنجازات اللجنة الأولمبية التي تحققت خلال عامين من إعادة هيكلة اللجنة والاتحادات وإعداد البرامج المستقبلية الضخمة التي حظيت بدعم حكومي كبير، وقال: الهدف الحصول على المركز الثالث في دورة الألعاب الأسيوية 2022م بتحقيق 100 ميدالية ذهبية. وأضاف: أنهم في اللجنة الأولمبية في طور إنشاء 4 قرى أولمبية في أربع مناطق رئيسة بالمملكة، تشمل ميادين للفروسية ومضامير الدراجات والرماية وصالات للألعاب والتمارين وغيرها من مختلف الرياضات الأولمبية (لم يحدث شيء). وتم في الحفل توقيع عدد من الاتفاقيات المهمة مع وزارة التعليم ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية وجامعة الملك سعود. (انظر الرابط في المراجع).

أما المفاجأة الكبرى، بعد نهاية الحفل فقد تمثلت في تأكيد لؤي ناظر أنه لم يسمع ببرنامج الصقر الأولمبي وليس له ذكر في اللجنة الأولمبية. (انظر الرابط في المراجع).

  • برنامجمهد:

في 27 يوليو 2020 م دشن الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل وزير الرياضة، مشروع أكاديمية “مهد” الرياضية، أحد أكبر المشاريع الوطنية التي تهدف إلى اكتشاف وتطوير المواهب الرياضية في المملكة. (انظر الرابط في المراجع).

  • الرياضة والتعليم:

في بداية أو منتصف الثمانينيات أرسل الأمير فيصل بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب خطاباً لمعالي وزير المعارف د. عبدالعزيز الخويطر واضعاً منشآت الرئاسة تحت تصرف الوزارة للاستفادة منها في تطوير الرياضة المدرسية.

وعلى مدى 20 عاماً الماضية وقعت الجهة الرياضية خمس مذكرات تفاهم مع التعليم بالإضافة لورش عمل مشتركة لم نشهد منها شيء على أرض الواقع على النحو التالي:

  • عام 1998م: الأمير فيصل بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب ومعالي د. محمد الرشيد رحمهما الله وزير التربية والتعليم.
  • عام 2007 : الأمير نواف بن فيصل بن فهد بن عبدالعزيز نائب الرئيس العام لرعاية الشباب ود. سعيد المليص نائب وزير التربية والتعليم – مشروع تطوير كرة السلة في مراحل التعليم العام.
  • عام 2011م: الأمير سلطان بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب والأمير فيصل بن محمد بن عبدالله وزير التربية والتعليم.
  • عام 2012 : ورشة عمل متخصصة حول أهمية التربية البدينة في المدارس، تحت عنوان “الإستراتيجية الوطنية لتطوير الرياضة المدرسية” افتتحها الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد وزير التربية والتعليم بمشاركة الأمير نواف بن فيصل بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب، د. عبدالله الربيعة وزير الصحة، م. عادل فقيه وزير العمل و60 من قيادات العمل التربوي والرياضي تهدف إلى تعزيز الإستراتيجية الوطنية لتطوير الرياضة المدرسية.
  • وتتشارك في الخطة وزارة المالية ووزارة التعليم العالي والرئاسة العامة لرعاية الشباب ووزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة الصحة، ووزارة الثقافة والإعلام، والقطاع الخاص. (انظر الرابط في المراجع).
  • عام 2013: الأمير نواف بن فيصل الرئيس العام لرعاية الشباب رئيس اللجنة الأولمبية العربية السعودية مع رئيس شركة تطوير للخدمات التعليمية د. علي بن صديق الحكمي لتطوير الرياضة المدرسية والإشراف على البرامج الأولمبية ونشر الثقافة الأولمبية في أوساط طلاب التعليم العام.
  • عام 2017 م: الأمير عبدالله بن مساعد رئيس هيئة الرياضة مع معالي وزير التعليم د. أحمد العيسى.

2- عدم ملائمة الدعم المادي لإعداد البطل الأولمبي.

إن الدعم المادي لا يتوازى وإعداد بطل أولمبي وإن وجد فهو مبعثر. وميزانية الاتحادات الرياضية يذهب معظمها مصاريف إدارية أكثر من كونها فنية وإعداد للأبطال. كما أنه يوجد لدينا 47 اتحاداً و11 لجنة تشرف على عدد من الألعاب الرياضية بعضها لم نسمع بمسمياتها أو نشاطاتها.

  • 3 – التركيز على الكم وليس الكيف.

ليس شرطاً أن تشارك في كل الألعاب ولا أن تفوز بها ناهيك من ممارستها فهناك ألعاب غير مكلفة مادياً والحافز الفردي فيها أكبر من الجماعي مثل الجري والمسافات الطويلة و”الفنون القتالية”، وهناك دول لا تراها بالمجهر على الخريطة تفوز وأخرى لا نعرفها إلا إذا ذكر اسمها مقروناً بميدالية فالعبرة بالكيف لا بالكم.

وهناك لغة تستخدم أحيانا في نهاية مثل هذه المشاركات التي لم تحقق أي منجزات في المناسبات الأولمبية تتحدث عن أن هذه المشاركة هي للحصول على الخبرة والتجربة؛ في حين أن مشاركاتنا هذه لا تضيف لنا الكثير بل إنها تشوه الصورة كثيرا لأنك حين تشارك وتُهزم وتخرج من المنافسات في الأدوار الأولى فأنت تصنع صورة سلبية وتسهم في تعزيز تكرار الفشل, علما أن تاريخ مشاركاتنا الأولمبية ينبغي أن يتجاوز فكرة التجربة والتأهيل وصناعة الخبرات فنحن يفترض أن نشارك لننافس وللحصول على ميداليات في هذه المنافسات.. وإلا فالمشاركة فقط بحد ذاتها لا تحتاج إلى كثير جهد ولا إلى هذا الإنفاق.

  • 4- قصور دور القطاع الخاص.

تقصير القطاع الخاص في رعايته للأبطال السعوديين خاصة الشركات الكبرى كما الأبطال العالميين (يحصل أسطورة العدو السريع الجامايكي يوسين بولت، الحائز على 8 ميداليات ذهبية أولمبية، على أكثر من 30 مليون دولار سنوياً من الرعاة).

  • 5- افتقاد الخطط بعيدة المدى

لا يوجد لدينا خطط بعيدة المدى أو بنى تحتية تتوازى مع إعداد أبطال أولمبيين ولا إعداد للنشء أو اكتشافهم فمعظم اللاعبين يتم إعدادهم وتجهيزهم في مرحلة متقدمة من العمر وقبل البطولة بفترة وجيزة. كما أن المملكة قارة ولكل منطقة طبيعتها وتكوينها وانعكاس ذلك على أبنائها وبالتالي الرياضة التي تتناسب وقدراتهم. (انظر الرابط في المراجع).

وللتأكيد على ذلك فقد تصدرت المملكة قائمة الميداليات للذكور في الدورة المدرسية التي أقيمت في بيروت عام 2010 بـ 16 ميدالية (ذهبيتان، و6 فضية و8 برونزية) وتأهل اثنان من الطلاب إلى بطولة العالم للناشئين في ألعاب القوى. أين هؤلاء الأبطال الـ 16؟

  • 6- وجود رموز إدارية غير مؤهلة.

لابد وأن ندرك أن أحد أهم الأسباب التي أسهمت في مثل هذه الإخفاقات هو وجود رموز إدارية في مختلف الاتحادات الأولمبية ممن ليسوا مؤهلين وغير متفرغين لذلك؛ ما يعد سبباً أساسياً في الوصول للعديد من ‏الإخفاقات لاسيما وأن عدم إدراك المسؤولين عن هذه القطاعات ذات الاهتمام الأولمبي لطبيعة النتائج في مقابل حجم الإنفاق على كياناتهم المتاحة لهم يشير إلى أن الذين تولوا هذه الملفات ربما لم يحسنوا إدارة عملهم مما يتطلب تغييرات جذرية تخرجنا من بيئة الهواة في الإدارة إلى الاحتراف والتفرغ. إذ المفترض في تلك الإدارات أن يكون إنفاقها المالي وجهودها العملية تذهب لتحقيق نتائج كبيرة في حين أن ذلك ذهب كله دون تحقيق أي شيء يذكر.

ولعل من المستغرب أن يذهب المسؤول ومعه مجموعة من اللاعبين إلى هذه المناسبات الرياضية وهو يدرك أن المشاركين من دول العالم أو من آسيا أكثر قدرة وعلى نحو كبير جدا وأكثر تأهيلا من هؤلاء اللاعبين دون أن يكترث بذلك, إذ هذا يدل على أننا ندفع بهؤلاء المشاركين وهم أقل خبرة وأقل مهارة وأضعف في تحقيق النتائج.

سادساً: رؤية استشرافية.

لقد حدثت تحولات كبرى وكثيرة في الرياضة من خلال رؤية2030  التي أولتها اهتماماً كبيراً من أبرزها فيما يتعلق بالمشاركة الأولمبية  إنشاء وزارة للرياضة وزيادة عدد الممارسين الرياضيين وزيادة عدد الاتحادات الرياضية بهدف صناعة أبطال في مختلف الرياضات، حيث تمت زيادة عدد الاتحادات الرياضية من 32 اتحاداً في عام 2016 إلى 64 اتحاداً في 2020 ومن المتوقع أن تصل في 2021 إلى 92 اتحاداً (الرقم لم يتغير ونحن نقترب من الثلث الأخير من العام ( وتم تدشين برنامج “مهد” الذي تم الإشارة إليه سابقاً.

‏وفي سياق متصل فإن المملكة تحتاج فعلا إلى العمل المؤسسي وهو مالم يتم الاهتمام به وفق برنامج متكامل على مدى زمني معين بحيث تتم محاسبة من يتولون هذا المشروع على نحو دوري كل عام وذلك بغية الوصول لأهداف محددة ولمنصات التتويج. وحتى لا تكون مشاركاتنا في الأولمبياد لغرض الحضور والمشاركة أو لإيجاد برامج غايتها تحقيق بعض الحراك والاهتمام الإعلامي ودعوة المسؤولين في المنظمات الأولمبية الآسيوية والدولية وللحصول على كلمات تصف برامجنا ومشروعاتنا بالتميز في حين أن ذلك لا يتجاوز كونه جعجعة لا طحن فيه، وبدون أي منجز يذكر.

‏لذا يظل العمل المؤسسي الذي يقوم على برامج دورية وسنوية وجهود محاسبية وتقويم دقيق وفق معايير تعمل في ضوئها أبرز الدول وتحاول أن تستفيد من تجاربها على المستوى المؤسسي والفردي وحتى يظل العمل قائما حتى مع تغير الأشخاص وليواصل المسؤول متابعة المشروعات لإنجاز الأهداف المطلوبة.

أيضاً فإننا نحتاج كثيرا إلى مشروعات طموحة تتجاوز الدعاية والصخب الإعلامي الذي لا يحقق نتائج تذكر. فإذا كان طموحنا قبل سنوات هو الوصول لـ18,000 ألف ممارس للمشاركة بأفضلهم في الأولمبياد فإن السؤال اليوم أين ذهب هذا المشروع ولماذا أخفقنا ولماذا لا نعيد إنتاج برامج ومنافسات محلية دورية وسنوية وذات جوائز مغرية توصلنا لأكثر من 50000 ألف ممارس يمكن الذهاب بأفضلهم للألعاب الأولمبية والعمل على تأهيلهم على نحو مميز.

وربما نحن بحاجة فعلا لوجود ثقافة مجتمعية تنشر الاهتمام بمختلف الألعاب وبخاصة للأكثر قدرة وكفاءة وبالتالي وجود مراكز رياضية احترافية مهنية متخصصة تستقطب كفاءات تدريبية عالية المستوى وتستقطب أيضا كفاءات من الشباب المؤهلين لذلك وتمنحهم المكافآت المجزية الشهرية التي تجعلهم يتفرغون لتأهيل أنفسهم لتحقيق هذه المنجزات.

ومن المقترحات التي يمكن النظر فيها العمل على تخصص بعض أندية المملكة في بعض الألعاب الأولمبية وجلب مدربين أكثر احترافا ومهنية وبخاصة ممن حصلوا على ميداليات ذهبية دولية ولعدة سنوات والإنفاق على متطلبات أولئك على نحو يتيح وجود قواعد من الكفاءات التي تتنافس من أجل الوصول لأبرز المنافسات.

وأحد الأسئلة المهمة الآن ماذا سنصنع وما خطة المؤسسة الرياضية وبخاصة في شأن كل الاتحادات ذات الاهتمام في المستقبل في ضوء الإخفاقات التي تعرضنا لها وبخاصة في هذه السنة (2021). للأسف حتى الآن لا تسمع شيئا يتعلق بذلك. وليس المقصود هنا الدعوة إلى اهتمام إعلامي غايته تفريغ شحنة الغضب لدى الجمهور وإنما إلى دراسة الواقع والعمل على تحقيق منجزات إدارية قادرة على إدارة المرحلة المقبلة بمسؤولية وطنية تتسم بالإخلاص واستشعار المسؤولية, وأن ندرك أن كل منجزاتنا الأولمبية القليلة هي نتاج اهتمامات فردية رياضية خاصة لا تعكس اهتمام الاتحاد الرياضي المعنى, ولذا نجد أن المجال الذي أنجزنا فيه هذه الميدالية لا يوجد فيه سوى فرد واحد حيث لا يوجد مجموعة متسلسلة تعكس تفوق هذا الاتحاد أو ذاك. وبالتالي نحن أمام منجز فردي لم تنتجه الاتحادات الرياضية حيث يوجد شخص يمتلك مهارة فردية عالية.

الأمر الذي يعزز أهمية وجود برامج تأهيلية يومية وأسبوعية وشهريه وسنوية تقوم على التخطيط العملي للمشاركة في المناسبات والمنافسات الرياضية.

‏وبالتأكيد فنحن نحتاج فعلا لجهد تصحيحي عاجل بعد هذا الإخفاق والفشل الأولمبي الذي تكرر في اليابان حيث لم نحصل سوى على فضية واحدة.وعلاج ذلك إن أردنا أن نضع أنفسنا على منصات التتويج يبدأ بالعمل على (تصفية) وإعادة تشكيل جميع الاتحادات الرياضية الأولمبية وإعادة اختيار مسؤوليها ممن يتحملون المسؤولية ويعملون لتحقيق منجزات مهمة, لاسيما وأننا ننفق الكثير على هذه الاتحادات ونمتلك العديد من القدرات وأن يتم ذلك في إطار يبتعد عن المجاملات والشللية التي لا تنتج سوى خطط فاشلة وبدون منجزات تذكر.

كما أن علينا أن ندرك أن ثمة تباينا بين المناطق لدينا في وجود الكفاءات وهو يعني أن نعمل على اختيار المميزين منها ومنهم وبالتالي رعايتهم رغبة في التركيز على العمل في بيئة منتجة ومغرية بدلا من العمل في بيئات غير صالحة للاستزراع وغير مثمرة ومنتجة.

ومن المهم التركيز على دور المؤسسات التعليمية والأكاديمية في تهيئة جيل من أبناء الوطن يمتلك المهارات والقدرات الرياضية الأولمبية من خلال تطوير وتفعيل دور وزارة التعليم نحو الرياضة المدرسية التي تُعد من أهم الأنشطة الرياضية الصحية لبناء جيل قوي بدنياً ومتمكن من مهارات ممارسة الألعاب الرياضية الأولمبية منذ سن الطفولة والشباب، فالرياضة المدرسية تعزز نمو الأطفال والشباب بنين وبنات من الناحية البدنية والذهنية والنفسية، وتزيد الثقة بالنفس وتقدير الذات والشعور بالإنجاز والسيطرة والتناغم في بناء الجسم بين العمر وبنيته ووزنه والتغذية التي يتناولها وفقاً لعمره، بجانب كون الرياضة المدرسية ركيزة مهمة لاكتشاف المواهب ورعايتها والعناية بها خاصة إذا تم ذلك في عمر مبكر يمكّن من تبني تلك المواهب ورعايتها منذ نعومة أظافرها ورسم المسار الرياضي المناسب لموهبتهم لتهيئتهم للمشاركات الأولمبية المناسبة لميولهم الذي يبدعون فيه.

وبالتوازي مع دور وزارة التعليم تستطيع وزارة الرياضة والاتحادات الرياضية النهوض بالموهوبين من هؤلاء الشباب بالمجالات الأولمبية من خلال وضع الأهداف والخطط للمتابعة والرعاية والتحفيز المادي والمعنوي من ذوي الأعمار بين ١٠-١٥ سنة، وبهذا التعاون والتكاتف بين هذه الجهات سيكون لدينا -بإذن الله- شباب وشابات مبدعين وقادرين على المشاركات الرياضية الإقليمية والعربية والدولية.  فالبرامج المشار إليها (الصقر الذهبي ورياضيي النخبة وأكاديمية مهد) أثرها يبدوا محدود على أرض الواقع ونتائجها واضحة وآخرها للأسف مشاركة المملكة في طوكيو خلال هذا العام2021.

إلى جانب أن الأنشطة الرياضية المدرسية لم تنل الاهتمام والأولوية الكافيين من قبل وزارتي التعليم والرياضة على الرغم من وجود عدة مذكرات تفاهم تنص على آليات ومجالات التعاون بين الوزارتين فالتعاون جداً محدود لم نرى له أثر على أرض الواقع، وكذلك فإن دور الاتحادات الرياضية والأندية الرياضية ناقص وغير واضح نحو تهيئة الشباب والمساهمة في توفير الملاعب والتجهيزات للشباب لصقل مواهبهم ولتحقيق تطلعات الوطن وقيادته في تكوين شباب قادر على المشاركات الرياضية الأولمبية فأربع ميداليات خلال خمسة عقود أمر مخجل.

إضافةً إلى أن أغلب المدارس وبكافة مراحلها التعليمية بنين وبنات غير مهيئة لتنفيذ الأنشطة الرياضية المدرسية وفقاً لمقررات الرياضة المدرسية حيث تواجه المدارس صعوبات جمة في تنفيذها، لعدم توفر الملاعب والساحات اللازمة خاصةً في المباني المستأجرة وعدم توفر التجهيزات اللازمة بالمباني الحكومية وعدم الإلمام الكافي من معلمي التربية البدنية بمتطلبات المشاركات الخارجية لشبابنا وهذا مما صعبها، بجانب عدم اقتناع أولياء الأمور في توفير ما يلزم لأبنائهم لممارسة الأنشطة الرياضية المتنوعة وتمكينهم من حضور التدريب اللازم وعدم تشجيعهم، ومن الصعوبات أيضاً النظرة الدونية من بعض المعلمين والإداريين للرياضة بشكل عام.

ولعل من المفيد في هذا الإطار العودة إلى نظام التربية البدنية القديم الذي كان شائعا في مدارسنا ويتمثل في العناية بألعاب الجمباز والجري وتنس الطاولة والرياضات الفردية البسيطة غير المكلفة وكلها تبدأ من المدرسة، وذلك عوضاً عن التركيز على اللعبات الجماعية ككرة القدم والطائرة والسلة. ويفترض كذلك أن تزود المدارس بمسابح حديثة لتعليم السباحة والعوم لأهمية هذه الرياضة للجميع. ولا بأس أن يتم فتح مسابح المدارس لغير التلاميذ في الأوقات خارج الدوام مقابل رسوم بسيطة تدر دخل مناسب على المدرسة وعلى صيانة المسابح ودفع أجور العاملين عليها. ولا بأس من الدمج بين الأسلوبيين أي الألعاب الجماعية والفردية في المدارس. ويستلزم ذلك إعادة تهيئة معلم التربية الرياضية وتثقيفه بدورات مستمرة حول السبل المناسبة في نشر الوعي الرياضي عند تلاميذه، فذلك مما يساعد كذلك على صرفهم عن الانحرافات السلوكية، بل وزيادة تحصيلهم الدراسي ونجاحهم؛ انطلاقا من مقولة أن العقل السليم في الجسم السليم.

وينبغي أن يؤخذ في الاعتبار إنشاء وتهيئة أماكن عامة لممارسة الرياضات المختلفة في الأحياء لتشجيع أفراد المجتمع على ممارستها ونشر ثقافة ممارسة الرياضة بين أفراد المجتمع وتخصيص بنود في ميزانية وزارة الرياضة لدعم ممارسة الرياضة في الأحياء وبشكل واسع. وعدم انتشار ممارسة الرياضة سوف يكلف الاقتصاد الوطني تكاليف مباشرة وغير مباشرة تتمثل في زيادة فاتورة القطاع الصحي بسبب المشاكل الصحية الناجمة عن عدم ممارسة الرياضة وتأثر إنتاجية الأفراد. كما أن دعم الرياضة والاهتمام بها يجب أن يكون أشمل من المشاركات في الأولمبياد ليشمل جميع فئات المجتمع. وأن ينظر للأمر بشمولية لأهميتها الحيوية للمجتمع والاقتصاد.

وختاماً فإن ماورد في رؤية المملكة 2030 يجعلنا نتفاءل ولكن بحذر المهم عدم استعجال النتائج أو تكرار أخطاء الماضي.

وبالإشارة إلى أكاديميات “البنات والبنين” والتي أطلقتها هيئة الرياضة للفئات السنية من عمر 6-11، في جميع الرياضات الجماعية والفردية، -والتي استهدفت 24 مدينة – تحقيقاً لرؤية الهيئة العامة للرياضة للنهوض بالرياضة السعودية في مختلف مجالاتها، بدءًا بتوفير بيئة لاكتشاف المواهب وصقلها؛ وصولًا لمصانع لإنتاج الاحتراف الرياضي. وكانت بالفعل يترقبها كخطوة مهمة وداعمة لصناعة الاحتراف الرياضي في المملكة ضمن خطط التطوير الرياضي وتتماشى مع ما حظيت به الرياضة من تركيز كبير في رؤية 2030، لتحقيق ما يلي:

أولًا: البدء باكتشاف المواهب، ثم العمل على بنائهم وتطويرهم كرويا في سن مبكرة، في بيئة نظيفة وجاذبة ومطمئنة لأولياء الأمور، وصولًا لصناعة رياضية تنتج جيل من اللاعبين المميزين على قدر كبير من النضج الرياضي والاحترافية.

ثانيًا: أن تصبح الرياضة الاحترافية مساهمة بشكل كبير في الاقتصاد المحلي وتكون رافد مهم من روافده، بتخريج جيل حقيقي من اللاعبين ليكونوا نواة لمنتخب السعودية في المستقبل. وتشغيل العناصر المحفزة لاقتصاد الرياضة، المؤدية لتنشيط القطاع السياحي وما يعقب ذلك من سلسلة مشاريع خدمية تلبي الطلب المتزايد على هذا القطاع.

ثالثًا: تشجيع التعاون مع عدة قطاعات لإدخال استثمارات رياضية في مجال الأكاديميات الرياضية، الأمر الذي يساعد على النمو الاقتصادي للقطاع الرياضي برمته؛ ليعد داعمًا كبيرًا للناتج الإجمالي المحلي، حيث من المتوقع حسب الخطة المعدة له إذا سارت بحسب المخطط لها أن يصل إلى 8 % من الناتج الإجمالي المحلي في 2030.

رابعًا: العمل على تعويد النشء على ممارسة الرياضة منذ نعومة أظفارهم وتوفر لهم تعلمًا مستمرًا مدى الحياة من خلال البعد التعليمي للرياضة؛ حيث سيكتسبون تلقائيًا مهارات أساسية تعدهم للمشاركة المستقبلية في الأنشطة الجماعية والحياة المهنية، من خلال حرصهم على التقيد بالقيم الرئيسية للرياضة، التي من أهمها: روح الفريق الواحد والتعاون، واحترام القواعد والآخرين، واللعب النظيف، والانضباط والمثابرة، وتقبل الخسارة بروح رياضية والحرص على التحسين المستمر لمستواهم.

خامسًا: كان يمكن لهذه الأكاديميات أن تعمل على تحقيق تغيير اجتماعي، وأن تصبح عاملًا يدفع نحو التطوير حول العالم، باستغلال الشغف الهائل لجماهير رياضة معينة ككرة القدم على سبيل المثال، لأداء دورًا هامًا في المسؤولية المجتمعية، وتشجيع ثقافات معينة تصب في مصلحة تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتوعية المجتمع بتغيير بعض السلوكيات غير الصحية؛ ليكون مجتمعًا نشطًا ومتحركًا لتحقيق أهداف برنامج “جودة الحياة”.

سادسًا: تأكيد أهمية استخدام الرياضة كقوة ناعمة سعودية تحقق منافع معنوية وسمعة دولية تحلق باسم المملكة عاليًا.

لكن على أثر ضعف نتائج هذه الأكاديميات، وبعد تتبع سلسلة من الإخفاقات الرياضية في معظم مشاركاتنا في الأولمبياد، والتي كان آخرها ميدالية وحيدة في طوكيو؛ تتضح الحاجة إلى أهمية وجود إستراتيجية فعالة لتلك الأكاديميات تدعم الترابط والتعاون بين جميع الجهات الحكومية والقطاع الثالث لضمان تنفيذ الاستراتيجية الرياضية والأهداف المرجوة أعلاه، ومن خلال تنفيذ ما يلي:

أولًا: الاتجاه إلى صناعة النجم الأولمبي من قبل الدولة وبأكاديميات الدولة – بعيدًا عن أكاديميات الأندية وتركها لهمومها ومشاكلها وصعوباتها – وبمشاركة القطاع الخاص؛ لتخريج نجوم في السباحة أو ألعاب القوى أو التايكوندو أو الكاراتيه، وهي الألعاب الفردية الأكثر ميداليات في الأولمبياد.

ثانيًا: رفع كفاءة أداء الأكاديميات الرياضية في مجالات التسويق والاستثمار الرياضي، بإنشاء إدارات مسؤولة عن وضع المعايير وقياس الجودة، وأن تكون تحت إدارة اللجنة الأولمبية السعودية، وهي من يضع أهدافها وآليات عملها ولوائحها بشكل دقيق ومحدد ووفق رؤية رياضية شاملة وكاملة لمستقبل الحضور السعودي في الأولمبياد العالمي.

ثالثًا: تنمية وتطوير الأكاديميات الرياضية الحالية لضعف أثرها، وتلبية حاجة ملتحقيها والمجتمع الرياضي، بتطوير المسارات والفرص وجذب المستثمرين الرياضيين وأصحاب رؤوس الأموال للتطوير والاستثمار في كافة المحافظات والمدن الكبرى.

رابعًا: تنظيم لقاءات سنوية لاكتشاف المواهب الرياضية في مختلف مناطق المملكة، ورعايتها وصنع الأبطال من الجنسين في المجالات الرياضية المختلفة كركيزة أساسية في استراتيجية عالمية التوجه. ويتم اختيار أفضل الناشئين بين هؤلاء، ودعمهم بحصولهم على منح للدراسة في الأكاديميات الرياضية.

خامسًا: أن نكون مباشرين وواضحين في دراسة كفاءة ومدى تأهل ممثلينا الرياضيين للخوض في منافسات دولية، وظروفنا الرياضية وحاجاتنا؛ فالأحلام والخيالات والمعلومات الناقصة أو المغلوطة لن تفيدنا بل وتعيق نجاح الخطة الموضوعة لاصطدامها وقت التنفيذ في الحقيقة أن الوضع القائم مختلف.

سابعاً: التوصيات

  • مراعاة طبيعة كل منطقة من مناطق المملكة وتكوينها وانعكاس ذلك على أبنائها، وعلى الرياضات المناسبة لهم، وتنمية الاهتمام بالرياضة لدى المجتمع.
  • التركيز على الألعاب الفردية غير المكلفة مادياً والتي ثبت نجاحها في تخريج أبطال في هذه النوع من الرياضات.
  • في ظل تزايد أمراض السمنة لدى الصغار من المهم التركيز على الرياضة المدرسية للمحافظة على صحتهم وكونها المصدر الرئيس لرياضيي الغد.
  • إعادة تأهيل الجهة المنوطة باكتشاف المواهب الرياضية، والاهتمام بالمواهب المكتشفة ورعايتهم على المدى الطويل.
  • وضع خطط استراتيجي طويلة المدى وقصيرة المدى يعاد النظر فيها لتأهيل الأبطال الأولمبيين.
  • تشجيع الطلاب بعمل تخفيض أو دخول خاص لهم في الأندية الرسمية والخاصة لممارسة الألعاب الرياضية المختلفة.
  • الاستثمار في الرياضيين الذين يُعتقد أنهم مشاريع ناجحة لأبطال أولمبيين، وتطويرهم، ومنحهم مكافآت شهرية مجزية، وحث الشركات الكبرى المعروفة على تبني عدد من الرياضيين الأولمبيين ورعايتهم (شركة لكل رياضي) كما هو معمول به عالمياً.
  • طرح أفكار تحفيزية لقطاع الجامعات لتفعيلهم لدور طلابهم الموهوبين وانضمامهم للأولمبياد السعودية، واستثمارهم في البنية التحتية اللازمة لتوفير البيئة المناسبة لصقل مهاراتهم وتكثيف تدريبهم.
  • تطوير أسلوبنا الإعلامي الرياضي ليكون محفزا وجذابا للرياضيين والمتابعين.
  • إنشاء نوادي عامة باشتراك سنوي معقول للأسرة تتوفر فيها صالات رياضة ومسابح ومسارات للمشي ومطاعم تقدم طعام صحي. وفيها يمكن أن تقام مسابقات وأنشطة رياضية مختلفة.
  • وضع مؤشرات يمكن التحقق منها لمتابعة التقدم في الألعاب الأولمبية، ومنها: عدد الألعاب الرياضية في كل نادي، عدد الإنجازات الرياضية لكل اتحاد، عدد المشاركات الدولية لكل اتحاد، نسبة نمو القيد في الأندية الرياضية، دور المدن والمحافظات في تنظيم المارثونات، تنظيم المنافسات الفردية في المهرجانات، عدد الرياضيين المكرمين على مستوى المناطق.
  • دعم الرياضة المدرسية ببرنامج خاص من برامج الرؤية يُخصص له ميزانية مستقلة لبناء الملاعب والساحات في المدارس والجامعات والأحياء والمدن والقرى وتجهيزها بالأجهزة والأدوات الرياضية والمسابح ومضامير الجري وألعاب القوى للبنين والبنات وإعادة تأهيل معلمي التربية البدنية بالتدريب المطلوب للألعاب الأولمبية.
  • بحث إسناد الإشراف الفني (وليس التربوي) على حصص الرياضة البدنية بالمدارس لوزارة الرياضة بمشاركة الاتحادات الرياضية.
  • دعم الاتحادات الرياضية بالمال والأراضي حتى تقوم بتوفير الملاعب الرياضية والساحات المغلقة لكل رياضة مسؤول عنها الاتحاد الرياضي وجلب أفضل المدربين والمدربات، مع البدء بالمدن الكبرى والتنسيق في ذلك مع وزارتي التعليم والرياضة والجامعات.
  • صرف مكافآت تحفيزية وتشجيعية للشباب الذين حققوا أرقاما متميزة في الألعاب والمشاركات الخارجية ومنها الألعاب الأولمبية.
  • سرعة إنشاء القرية الأولمبية والأكاديمية الأولمبية (مهد) التي تبناها الوزير الأمير عبد العزيز بن تركي، وجلب أفضل المدربين العالميين لتهيئة المبدعين للمشاركات الأولمبية.
  • ضرورة إعداد خطة استراتيجية وتنفيذية محكمة على الأقل للفترة (2022-2030) تضمن تحليل للواقع ورسم توجه استراتيجي وتحديد مبادرات محوكمة ذات مؤشرات محددة.
  • المراجع.
  1. برنامج الصقر الأولمبي:
  2. برنامج رياضيي النخبة: https://bit.ly/3fUiJuJ
  3. برنامج “مهد”:
  4. لؤي ناظر لم نسمع ببرنامج الصقر:
  5. مازن الياسين بطل الجري: تأخر إعدادي جعلني عاجزاً عن مجاراة نجوم العالم: https://t.co/uZjwkRKLkJ
  6. رئيس اتحاد السباحة وتصريح عن البنى التحتية والإعداد: https://bit.ly/3iDtJhZ
  7. استراتيجية تطوير الرياضة المدرسية: https://bit.ly/3ABedt2
  • المشاركون.
  • الورقة الرئيسة والمعقبون: أ. عبد الله الضويحي، د. خالد بن دهيش، د. مساعد المحيا.
  • إدارة الحوار: أ. وليد الحارثي.
  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • أ. فايزة العجروش
  • د. خالد المنصور
  • د. خالد الرديعان
  • د. زياد الدريس
  • د. حميد الشايجي
  • أ. عبدالرحمن باسلم
  • د. نجاح القرعاوي
  • أ. مها عقيل
  • د. عبير برهمين
  • د. محمد الثقفي

 

القضية السابعة

دور مراكز الفكر الوطنية في تعزيز مقومات الأمن الوطني وحمايتها من المهددات

(29/8/2021)

 

  • الملخص التنفيذي.
  • الورقة الرئيسة: د. محمد الثقفي
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. رياض نجم
  • التعقيب الثاني: د. عفاف الأنسي
  • التعقيب الثالث: لواء. فاضل القرني
  • إدارة الحوار: د. عادل القصادي
  • المداخلات حول القضية
  • التوصيات

 

  • الملخص التنفيذي.

تناولت هذه القضية دور مراكز الفكر الوطنية في تعزيز مقومات الأمن الوطني وحمايتها من المهددات. وقد تم التطرق لأهمية مراكز الفكر الوطنية بوصفها منظمات متخصصة بتقديم حلول منهجية، وصفية، واستشرافية، لصناع القرار في الدولة، سواء للحكومة، أو للمنظمات الخاصة، أو غير الربحية، أو حتى للأفراد، وتشكل أهمية قصوى فيما تقدم من حلول لمشكلات آنية أو مستقبلية، وليس لها تنظيم واضح في كثير من الدول، ومن ضمنها المملكة.

ويمكن لمراكز الفكر الوطني أن تسهم بدور مؤثر في تعزيز مقومات الأمن الوطني وحمايتها من المهددات، ما يتطلب تحفيز هذه المراكز للاضطلاع بهذا الدور.

إلا أنه ثمة تحديات تواجه تفعيل دور مراكز الفكر في المملكة واضطلاعها بدورها المنوط يتعلق أهمها بعدم وجود بنية تشريعية وإطار تنظيمي يضمن لها الحيادية والاستقلال في مخرجاتها، فهي إما ربحية بتراخيص تجارية أو حكومية تابعة (مباشرة لجهات حكومية وبتمويل حكومي) أو بأوامر سامية أو تحت جمعيات خيرية ووقفية التي لا يحق لها إلا مجال الدراسات والبحوث الاجتماعية. فضلاً عن صعوبة وضعف التمويل، وكذلك صعوبة توفر البيانات والمعلومات المحدثة والمصنفة وهي الأساس في البحوث والدراسات.

ومن أبرز التوصيات التي تم الانتهاء إليها ما يلي:

  • أن تقوم الجهة المختصة (وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وهيئة البحث والتطوير والابتكار ووزارة الثقافة) بوضع التشريعات والأنظمة والممكنات اللازمة للتوسع في إنشاء وتسجيل وتفعيل وحوكمة واستدامة مراكز الفكر المستقلة وغير الربحية وتوحيد مظلتها والتأكيد على تنويع مجالاتها وبناء قدراتها وتمكينها من المساهمة في صناعة القرار الاستراتيجي في المملكة وخصوصاً ما يتعلق بقضايا الأمن الوطني بكامل مقوماته.
  • تشجيع المؤسسات الحكومية والمراكز الحكومية المتخصصة كمركز الأمن الوطني ومركز دعم اتخاذ القرار – وتفعيل ما يؤيد ذلك في تنظيماتها- للاستعانة بمؤسسات الفكر المحلية في التحليلات وتقييمات المخاطر ودعم عملية اتخاذ القرار وإجراء الدراسات وتقديم التوصيات حول السياسات العامة المتعلقة بقضايا الأمن الوطني -بمفهومة الأعم- وتمكين هذه المراكز من التوسع في أعمالها وبناء المعرفة المحلية وبنوك المعلومات وتمكين الكوادر الوطنية العاملة بها.
  • الورقة الرئيسة: د. محمد الثقفي

مدخل.

ستتناول الورقة عدداً من المحاور المرتبطة بالموضوع، من حيث أهمية تناول مراكز الفكر الوطنية، ومعلومات عن مراكز الفكر، تشمل مفهومها، وأنواع ونماذج لمراكز الفكر في المملكة العربية السعودية، واخيرا واقع هذه المراكز.

ثم سيتم تناول الأمن الوطني، من حيث: مفهومه، ومقوماته، وآليات تعزيز مقوماته، وحمايتها من المهددات والمخاطر، وأخيرا كيفية إبداع مراكز الفكر في تعزيز المقومات الوطنية وحمايتها من المهددات، ثم كيفية تحفيز مراكز الفكر الوطنية لتعزيز مقومات الأمن الوطني ومهدداته، وفي النهاية سيتم مناقشة ماذا لو تم تعزيز مراكز الفكر الوطنية لتعزيز وحماية مقومات الأمن الوطني، والخاتمة.

أولا: أهمية تناول مراكز الفكر الوطنية.

تكمن أهمية مراكز الفكر الوطنية في عدد من الخصائص، من أبرزها:

  • تناولها الشامل للمشكلات والقضايا المرتبطة بصناعة السياسات العامة في المملكة.
  • امتلاكها لخبرات ميدانية وتأهيل علمي عالي جدير بدراسة القضايا والمشكلات بمنظور شامل.
  • لديها أفق واسع لدراسة القضايا والمشكلات بعمق تاريخي ومعاصر، وقدرة على التصورات المستقبلية.
  • لديها إلمام بالبيئة الداخلية والجيوسياسية والإقليمية والدولية، وتصدير توصياتها من هذا المنطلق.
  • لديها القدرة على المرونة في قراءة الأحداث وتطوراتها المستقبلية وإيصالها للقيادات بجرأة أكثر من الموظفين الحكوميين.
  • المساهمة في صناعة القرار من خلال الدراسات والإحصاءات التي تمتلكها.
  • لديها القدرة على توجيه الرأي العام بما يخدم سياسات الدولة ورؤاها وتطلعاتها.

ولعل هذه الأسباب تبرز أهمية اختيار الموضوع ومناقشته، وتؤسس للوصول لمقترحات إجرائية تسهم في تحقيق الاستفادة القصوى من هذه المراكز الموجودة، بل وتدعم إنشاء مراكز جديدة متخصصة.

ثانيا: معلومات عن مراكز الفكر بصفة عامة، وفي المملكة.

وهنا سيتم عرض ونقاش مفهوم مراكز الفكر، وأنواعها وعرض بعض من نماذجها في المملكة، وتحليل واقعها، وفقا لما سيأتي.

1/2-مفهوم مراكز الفكر.

توصف بأنها منظمات متخصصة بتقديم حلول منهجية، وصفية، واستشرافية، لصناع القرار في الدولة، سواء للحكومة، أو للمنظمات الخاصة، أو غير الربحية، أو حتى للأفراد، وتشكل أهمية قصوى فيما تقدم من حلول لمشكلات آنية أو مستقبلية، وليس لها تنظيم واضح في كثير من الدول، ومن ضمنها المملكة.

وتصنف في الغرب، بحكم النظام الديمقراطي والاقتصاد الرأسمالي من منظمات المجتمع المدني، ويمكن أن تكون منظمات غير ربحية وبالذات في الدول الغربية، وتستفيد من دعم الشركات، من أبرز نقاط ضعفها في المملكة وفي كثير من الدول قضية التمويل، وتتطلب الاستقلالية، والحرية، والوصول الحر للمعلومات، تشبه خدماتها في المملكة والعالم: الاستشارات، والدراسات التي تقدمها الجهات المختصة، ولدى مراكز الدراسات ومراكز الفكر نقاط قوة، وأمامها فرص كبيرة جدا، ويمكن توظيفها لتطوير السياسات الوطنية، كما أن لديها فرص ثمينة جدا في المملكة، في إطار التحول الوطني، وبرامج الرؤية 2030.

ويعد التنظيم الخاص ببعض مراكز الفكر في المملكة والتابعة والمدعومة من الديوان الملكي مصدرا لتمويل بعض مشاريع هذه المراكز، وتعد المنافسات الحكومية مصدرا لتمويل بعض مشاريع هذه المراكز، إضافة إلى أن نظام المسؤولية المجتمعية للشركات والمنظمات غير الربحية مصدرا محتملا لتمويل بعض مشاريع هذه المراكز، وفي ذات الإطار يمكنها الاستفادة من تنظيم هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار الصادر قرارها قريبا، ومع كل ما أشير حول التمويل فإن المصادر السابقة لا تعدّ مصدرا كافيا للتمويل وتحقيق التنافسية العالمية لمراكز الفكر الوطنية.

وما يجد الإشارة إليه أنه يمكن اضطلاعها بدور كبير في الدفاع عن المملكة خارجيا، ومواجهة العديد من الجهات المعادية، كما تفعل الدول الأخرى، إيران وإسرائيل (نموذجا).

2/2-أنواع ونماذج لمراكز الفكر في المملكة.

هناك عدد من التصنيفات لمراكز الفكر عالمياً، ومن أبرزها:

  • وفقاً للتمويل: مراكز بحثية حكومية، مراكز أكاديمية، مراكز القطاع الخاص، مراكز القطاع الثالث.
  • وفقاً للتخصص العلمي والتوجه الفلسفي: سياسي، عقدي، إعلامي، اجتماعي، اقتصادي، أمني، عسكري، بيئي، تقني، أكاديمي.
  • وفقاً للاستقلالية: مستقلة، شبه مستقل، مرتبطة بجامعات، جماعات ضاغطة، شركات.

وتعد المراكز الحكومية، أو المدعومة حكوميا هي الأكثر تأثيرا، والأغزر إنتاجا، والأهم أن أبرز مراكز الفكر العالمية مدعومة من مؤسسات حكومية، مثل: معهد راند.

2/3- نماذج لأبرز مراكز الدراسات والاستشارات في المملكة العربية السعودية.

من أجل التوصيف السريع، فإنه سيتم تناول بعض من أبرز مراكز الفكر في المملكة، بيد أنه توجد العديد مما يمكن توصيفه من مراكز الدراسات وأنه أيضاً من مراكز الفكر في المملكة، ومنها:

  • مراكز البحث والتطوير بالشركات الكبرى: مثل: مركز سابك للبحث والتطوير، مركز البحث والتطوير بشركة أرامكو، ومركز سابرك المختص في الدراسات البترولية.
  • مراكز الدراسات والاستشارات غير الربحية مثل: معهد الدراسات الإيرانية (رصانة)، مركز الملك فيصل للدراسات الاسلامية، المركز الدولي للأبحاث والدراسات والاستشارات (مداد)، مركز رؤية للدراسات الاجتماعية، وكذلك مركز شركة رشد.
  • مراكز الدراسات والاستشارات الخاصة، مثل: مركز وملتقى أسبار، مركز الخليج للبحوث، مركز الخبرة العالمية للدراسات والاستشارات، مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية، مركز الفكر العالمي عن السعودية (فكر).

2/4 -مفهوم الأمن الوطني.

ويقصد به: توفير وتنمية المقومات الوطنية وحمايتها من المهددات والمخاطر، الداخلية والخارجية، ويراه آخرون جميع ما تتخذه الدولة من استراتيجيات وسياسات وبرامج لتسخير كافة الامكانات والموارد المتاحة لتحقيق التنمية المستدامة، بما يحقق الرفاهية والأمن للوطن والمواطن، ويلاحظ أن جميع الأهداف الاستراتيجية والمبادرات لرؤية المملكة 2030، تعمل من أجل تحقيق مقومات الأمن الوطني وحمايتها من المهددات.

وتتسق مقومات الأمن الوطني مع الأهداف الرئيسة ال (16) للتنمية المستدامة، والمعتمدة من الأمم المتحدة 2015، وتعمل على تحقيقها، إضافة إلى الأبعاد الرئيسة المتعارف عليها دوليا للأمن الوطني، وهي: الأبعاد: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية.

ويرتكز الأمن الوطني على قوى متميزة لحمايته، وهي في مفهومها الأولى عسكرية وأمنية، إلا أنه من الممكن أن تكون بأساليب أخرى ذات أثر عال وتكلفة أقل، وهي دبلوماسية أو اقتصادية أو إعلامية، كما أنه يختلف عن الأمن القومي، بأن الوطني يختص بحدود الدولة الوطنية، بينما القومي يشمل القوميات؛ كقولنا الأمن القومي العربي، والمهم أنه يجب أن تبنى آليات تعزيز مقومات الأمن الوطني وحمايته من المهددات على تخطيط محكم، لسياسات وأهداف، مع السعي الحثيث والاحترافي لتنفيذها.

5/2-مقومات الأمن الوطني.

هناك عدد من التصنيفات لمجالات أو مقومات الأمن الوطني، وفي هذا العرض سيتم تناولها وفقا لما في الجدول التالي:

مسلسل المقوم مسلسل المقوم
1 المقوم السياسي 8 المقوم الصحي والدوائي
2 المقوم الأمني 9 المقوم الغذائي والمائي
3 المقوم الاقتصادي 10 المقوم الجيوسياسي
4 المقوم الدفاعي والعسكري 11 المقوم الاجتماعي
5  المقوم المعلوماتي والتقني 12 المقوم الحقوقي
6 المقوم الديني والعقدي 13 المقوم الإعلامي
7 المقوم الثقافي والتربوي 14 المقوم البيئي

6/2- اليات تعزيز مقومات الأمن الوطني وحمايتها من المهددات والمخاطر.

يتطلب تعزيز مقومات الأمن الوطني في المملكة العربية السعودية عدد من الآليات، ومن أبرزها:

  • إعداد الخطط الاستراتيجية المحكمة والخطط التشغيلية الكفيلة بتحقيق الأهداف الاستراتيجية المخططة.
  • تحديد المبادرات التنفيذية والمشاريع المرتبطة بتحقيق الأهداف الاستراتيجية.
  • إعداد مؤشرات الأداء التي ترصد حجم واتجاه الإنجازات.
  • تحديد آليات التنسيق والمتابعة بين كافة مؤسسات الدولة، والمؤسسات الخاصة والإقليمية والدولية التي تتكامل معها.
  • تفعيل نقاط القوة، واقتناص الفرص لتعزيز مقومات الأمن الوطني.
  • الرصد المستمر للمهددات والمخاطر، والتعامل المبكر معها.
  • توفير الموازنات المالية اللازمة لتنفيذ البرامج.
  • استصدار الأنظمة القانونية التي تضمن صحة الإجراءات الأمنية التي سيتم اتخاذها.
  • توفير وتأهيل الكوادر البشرية القادرة والراغبة على تنفيذ المهام المختصة بتوفير وحماية مقومات الأمن الوطني.
  • توفير أحدث التقنيات التي تساهم في تيسير المهام الميدانية والإدارية.
  • الإبداع في استخدام القوى الذكية في توفير وحماية مقومات الأمن الوطني.

وهنا يلاحظ أن مراكز الفكر الوطنية جديرة بتصميم واستشراف عدد من آليات تعزيز مقومات الأمن الوطني وحمايتها من المهددات والمخاطر، كما يمكنها مساعدة المؤسسات المختصة بتقديم التقييم الرشيد لمخرجات السياسات العامة والبرامج والمبادرات التنفيذية، وربما بما يفوق مراكز الدراسات والاستشارات الدولية، ذات السمعة، لعدد من الأسباب، ومن أبرزها: الفهم الحقيقي للبيئة الداخلية، وارتقاء المفكرين السعوديين، وكثرة اطلاعهم على العديد من التجارب الدولية في هذه المجالات.

ويتضح جليا أن التحليل الوصفي للواقع البيئي الداخلي أو الخارجي لكل مقوم من مقومات الأمن الوطني واستشراف مستقبلها يتطلب بيوت خبرة مؤهلة وصانعة للأفكار والآليات الحكيمة لتعزيز فرص نجاح المقومات وحمايتها من المهددات والمخاطر المحتملة، لكل مؤسسة من مؤسسات الدولة.

ثالثا: كيف يمكن مساهمة مراكز الفكر الوطني في تعزيز مقومات الأمن الوطني وحمايتها من المهددات.

ويتطلب تحليل ومناقشة كيفية إبداع مراكز الفكر في تعزيز المقومات الوطنية وحمايتها من المهددات، إضافة إلى كيفية تحفيز مراكز الفكر الوطنية لتعزيز مقومات الأمن الوطني ومهدداته، وفقا لما يلي:

3/1-كيفية إبداع مراكز الفكر في تعزيز المقومات الوطنية وحمايتها من المهددات.

ويمكن تحقيق ذلك من خلال القيام بالمهام الاحترافية المتعارف عليها عالميا، ومنها ما يلي:

  • إعداد وعرض تقارير مركزة ومختصرة لصناع القرار والقيادات العليا حول قضايا معينة.
  • مراجعة وتنقيح التقارير الخاصة أو الداخلية التي يتم إعدادها للقيادات العليا، تتعلق بالدول التي سيقومون بزيارتها والقضايا موضع البحث والنقاش.
  • استشراف مسار التهديدات والمخاطر قبل استفحالها.
  • تقييم قضايا حساسة أو موضع جدل ونقاش، والتحليل المبكر لدرجة التهديدات والمخاطر.
  • ممارسة الدبلوماسية الأكاديمية، بالمشاركة مع وزارة الخارجية أو المؤسسات أمنية أو غيرها، إما لمعرفة آفاق تسوية، أو المشاركة في وساطة أو مفاوضات حول أزمة معينة.
  • اختيار وتكليف بعض الخبراء للعمل في مناصب حكومية عليا مثل وزراء أو مستشارين للقيادة السياسية أو سفراء ودبلوماسيين وغير ذلك. وكذلك العكس.
  • الظهور الإعلامي بدلا عن الحكومة لإرسال أو التعبير عن رسائل سياسية، أو إشارات دبلوماسية غير مباشرة، أو التعبير عن مواقف استباقية معينة حول قضايا جدلية أو أزمات سياسية.
  • متابعة أحدث الدراسات وترجمة المنشورات والمؤلفات التي تصدر عن المؤسسات والمراكز البحثية في الدول الأخرى خاصة الدول التي تكون موضع اهتمام خاص.
  • إجراء الدراسات المستقبلية لاستشراف الأحداث قبل وقوعها.
  • النشر العلمي سواء في قضايا ساخنة أو قضايا موضع اهتمام الرأي العام العربي.

وبتحليل هذه المهام وتطبيقها على أرض الواقع يمكن القول بفاعليتها في الإبداع المنشود، في تعزيز مقومات الأمن الوطني في المملكة، والحماية الفاعلة من المهددات والمخاطر المحتملة.

3/2-كيفية تحفيز مراكز الفكر الوطنية لتعزيز مقومات الأمن الوطن ومهدداته:

ويمكن تحقيق ذلك من خلال القيام بالإجراءات التالية:

  • الدعم الحكومي المالي والمعلوماتي للمراكز الحكومية والخاصة.
  • استحواذ الجهات الحكومية لمراكز دراسات خاصة، ودفعها للحصول على التميز والتنافسية العالمية.
  • تيسير الحصول على دعم من المؤسسات الكبرى.
  • بناء الشراكات مع المنظمات الإقليمية والدولية المقيمة في المملكة وخارجها.
  • تسويق المراكز لخبراتها إقليميا وعالميا.
  • استثمار ودعم طلاب الدراسات العليا.
  • عمل تحالفات بين مراكز الدراسات والاستشارات الحكومية والخاصة.
  • توعية القيادات العليا بأهمية الاستعانة بالخبراء الوطنيين في صناعة القرارات المصيرية.
  • تحفيز القطاع الخاص والخيري على دعم الدراسات، كجزء من مسؤولياتها الاجتماعية، وتنمية استثماراتها.

وهنا يتضح كيف يمكن مساهمة مراكز الفكر الوطني في تعزيز مقومات الأمن الوطني وحمايتها من المهددات، سواء من حيث كيفية إبداع مراكز الفكر في تعزيز المقومات الوطنية وحمايتها من المهددات، أو كيفية تحفيز مراكز الفكر الوطنية.

رابعا: ماذا لو تم تعزيز مراكز الفكر الوطنية لتعزيز وحماية مقومات الأمن الوطني في المملكة؟!

في هذا الجانب، يكمن السؤال الأهم في: (ماذا لو) تم الاستثمار في هذه المراكز ودعمها، وماهي القيمة المضافة التي يمكن تحقيقها، لكل مقوم من مقومات الأمن الوطني في المملكة العربية السعودية!!

الخاتمة.

نظرا لأهمية مراكز الفكر على مستوى العالم وفي المملكة العربية السعودية، وماذا يمكن أن تضطلع به من مسؤوليات جسيمة في مجال تعزيز مقومات الأمن الوطني وحمايتها من المهددات، ولأنه من الممكن تطوير مهامها، ودعمها، فما المتوقع من مخرجاتها وأثرها المستدام على كافة المقومات، سيما أن كثيرا من الدول، سواء الدول الكبرى أو دول إقليمية تهتم بهذه الصناعة، وتعمل على الاستفادة من جميع جوانب رأس المال الفكري لهذه المنظومة.

المراجع:

  • أمين، مباركية (2018م). دور مراكز الفكر الاستراتيجي “Think Tank” في صنع القرار في السياسة الخارجية الإسرائيلية _المركز المتعدد الاتجاهات بهرتسيليا أنموذجاً_ الجزائر: جامعة محمد بوضياف_ المسيلة.
  • بولهام، أميرة، وبوزاعة، نهاد (2018م). صنع السياسة العامة في إسرائيل ودور مراكز الفكر فيها. ط1، برلين: المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية.
  • بورباح، سلمة (د.ت). مراكز الأبحاث وآليات تأثيرها على صنع السياسات العامة. الجزائر: جامعة امحمد بوقرة_بومرداس_
  • الثقفي، محمد حميد (2020) الأمن الوطني في المملكة العربية السعودية، الرياض، كلية نايف للأمن الوطني.
  • =========== (2020) تشخيص مراكز الفكر الوطنية في المملكة العربية السعودية والتحديات المصاحبة، وكيفية تطويرها، الرياض، المعهد الدولي للدراسات الايرانية.
  •  ==========(2012) الأمن الوطني السعودي في عصر العولمة، الرياض: مركز الخبرة العالمية.
  • الجندي، كريم (2011م). صناعة القرار الإسرائيلي: الآليات والعناصر المؤثرة، ط1، بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.
  • رانجة، زكية(2015م). دور مؤسسات البحث العلمي ومراكز الفكر في ترشيد السياسات العامة في الدول العربية. ورقة علمية مقدمة لأعمال المؤتمر الدولي التاسع/ الجزائر18_19 أغسطس.
  • فتاح، ئوميد(2016م). مراكز الفكر وتأثيراتها في صنع السياسة العامة في إقليم كوردستان. السليمانية: جامعة التنمية البشرية. مجلة جامعة التنمية البشرية، العدد 3/آب.
  • الميزر، هند(2017م). مراكز البحوث في المملكة العربية السعودية: الواقع والمأمول. مسقط: جامعة السلطان قابوس. مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية.

 

  • التعقيبات:

التعقيب الأول: د. رياض نجم

أود في البداية أن أعلق على مراكز البحث والتطوير في الشركات السعودية الكبرى، حيث لا يمكن تصنيفها على أنها مراكز فكر، فهي معنية بتطوير منتجات تلك الشركات. من جانب آخر فإنني أشيد بمهنية مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك KAPSARC) الذي ترأس العام الماضي مع مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية مجموعة الفكر T20 التابعة لمجموعة العشرين. ونتيجة لنشاطات وفعاليات كابسارك التي يقيمها ويشارك فيها والمنتجات التي تصدر عنه في مجالات بحوث الطاقة، اكتسب هذا المركز مكانة وسمعة دولية كبيرة في سنوات قليلة. وحبذا لو تنشأ مراكز فكر ودراسات مشابهة له في مجالات أخرى اقتصادية وسياسية.

تعاني مراكز الفكر العربية من عدة تحديات تم التعرض لها في ورشة العمل التي أقامتها جامعة الدول العربية عام 2019. وقد تم إيجاز هذه التحديات في التقرير الذي أصدرته الجامعة في النقاط التالية:

  • التمويل ونقص الموارد المالية.
  • الافتقار إلى الموضوعية والاستقلالية في العمل.
  • انخفاض المستوى المهني والفني للموارد البشرية.
  • انعدام العمل المؤسساتي المستقل والمناخ الديموقراطي.
  • ضعف المعلومات والبيانات المتوفرة.
  • بيئة المراكز غير مولدة للأفكار المتجددة والإبداع.
  • تسييس عمل المراكز وتدخل الجهات الممولة لها في عملها.
  • غياب المقاييس والأدوات لتقييم مراكز الفكر العربية.

ويمكننا القول أن جزء كبيرا من هذه التحديات ينطبق على مراكز الفكر في المملكة. إلا أنني أرى أن التحدي الأكبر لنمو وتطور مراكز الفكر في المملكة هو عدم وجود البيئة التشريعية المحفزة لإنشاء هذه المراكز وعدم اتضاح الصورة عن كيفية الحصول على تراخيص لها. ويمكن الرجوع بهذا الخصوص للتقرير الذي صدر قبل أشهر من مركز أسبار بعنوان “مستقبل مراكز الفكر في المملكة العربية السعودية”. وقد شارك في إعداد هذا التقرير مجموعة من المختصين في مراكز الفكر السعودية.

ومع أن البعض يعتقد أن حماية الأمن الوطني هي وظيفة تقليدية لأجهزة المخابرات والأمن الداخلي، وأن تلك الوظيفة تعتمد على جمع وتحليل وعرض البيانات التي قد تسبب ضررا مباشرا أو غير مباشر لأمن الدولة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية. إلا أن هذا المفهوم المحدود للأمن الوطني لا يعد كافيا لتوفير وحماية أمن الدولة بالمفهوم المعاصر للأمن الوطني الشامل. وليس من مثال أكبر للتدليل على ذلك من سقوط الاتحاد السوفيتي وانهياره بالرغم من الترسانة العسكرية والأسلحة النووية التي كان يمتلكها وأجهزة الأمن والمخابرات التي كانت تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في البلاد.

وإذا اتفقنا أن هناك مقومات للأمن الوطني لا بد أن تشمل مجموعة من المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والأمنية وغيرها، وإن أردنا أن تكون هذه المراكز داعمة ومؤثرة في الأمن الوطني، فإنه من الضروري أن تشمل نشاطات واختصاصات مراكز الفكر المحلية كل هذه المجالات، لكي تعطى المشورة المناسبة والدقيقة لأصحاب القرار.

من الممكن الاستفادة من خبرات مراكز الفكر الدولية من خلال الشراكة معها في عمل الدراسات في القضايا التي تهم العالم بأسره أو منطقة معينة منه. إلا أنه من غير المفيد أن نستخدم مراكز فكر دولية أو إقليمية لدراسة أي جانب يخص الأمن الداخلي المحلي، حتى لو كان في مجال مدني مثل الصحة أو الاقتصاد أو الغذاء. وهنا يبرز الفرق بين الدراسات الاستشارية التي يمكن أن يقوم بها بيت خبرة أجنبي وبين الدراسات التي يقوم بها مركز فكر محلي قادر على ربط العوامل المحلية المختلفة مع موضوع الدراسة، والتي يمكن أن تغيب عن الخبير الأجنبي.

ختاما …. لا شك أن عدد ونوع مراكز الفكر في المملكة لا يتناسب مع مكانتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على مستوى العالم. كما أن عدم وجود مراكز فكر سعودية قوية وفعالة لا يساعد على حماية الأمن الوطني من المهددات على المدى المتوسط والبعيد. وقد تم في الفترة الأخيرة وضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030 إنشاء الجهازين الحكوميين:

  • المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي
  • هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار

وقد شملت أهداف الجهاز الأول “إنشاء حاضنات ومسرعات الأعمال الاجتماعية والحاويات الفكرية لمنظمات القطاع غير الربحي وتنظيمها، وتحفيز القطاعين غير الربحي والخاص لإنشائها”. ولعل هذين الجهازين هما الأقدر على أخذ زمام المبادرة لتحفيز إنشاء مراكز فكر في المملكة بالشكل المهني السليم وخلق البيئة التنظيمية المناسبة لذلك. ولضمان استمرارية مراكز الفكر المتخصصة في المملكة لا بد من النظر في تشجيع تمويلها من قبل مؤسسات القطاع الخاص والأفراد من خلال إعطاء ميزات ضريبية لمن يدعمها، بشرط أن لا يتدخل الممول في مخرجات هذه المراكز وما تقوم به من نشاطات. وإذا تم تمويل بعض من هذه المراكز من الدولة، فمن المهم أن يتم ذلك بطريقة ذكية وغير مباشرة مثل إعطائها منح مقطوعة أو أوقاف وما شابهها. وهذا لإعطاء هذه المراكز المصداقية والاستقلالية في الداخل والخارج على حد سواء، بالإضافة لمنحها الحرية في أداء عملها بشكل مهني. ودون هذا التطوير الشامل لمراكز الفكر السعودية، فإنها لن تكون قادرة على التأثير في حماية الأمن الوطني في مجالاته المتعددة.

التعقيب الثاني: د. عفاف الانسي

تختلف مراكز الفكر اختلافًا كبيرًا في حجمها وهيكلتها ومواردها المالية وموظفيها ومجالات تخصصها، وأهميتها السياسية، وفي أجندتها البحثية؛ فحين نتفحص أشهر مراكز الفكر في العالم نجد هذه التباينات الكبيرة حاضرةً مما يجعل من الصعوبة تحديد سمة عامة يمكن الاتفاق عليها لتمييز ما تقوم به هذه المنظمات. لذا أصبح تمييز “مراكز الفكر” وبشكل متزايد مرتكزاً على وظيفتها في تقديم الأبحاث الموجهة نحو السياسات، ومجموعة الممارسات التحليلية والاستشارية المتعلقة بالسياسات.

وقد ارتبط مصطلح مراكز الفكر بالمجال الأمني خاصةً خلال الحرب العالمية الثانية، حيث كانت الإشارة للمصطلح كدلالة على القضايا المرتبطة بالأمن والدفاع وكانت تعني مساحة مغلقة ومحمية يلتقي فيها خبراء مدنيون وعسكريون لوضع استراتيجيات وإيجاد حلول لقضايا الدفاع والأمن الوطني.

ولم يقتصر دور مراكز الفكر بعد ذلك على قضايا الأمن الخارجي بل ركزت أيضاً على القضايا الأمنية الداخلية. ففي الولايات المتحدة اكتسب دور مراكز الفكر أهمية كبرى في مواجهة التحديات الأمنية الخارجية كالحرب الباردة وتهديد الأسلحة النووية والذي شجع إنشاء مراكز أبحاث تركز على مجال الدفاع والأمن مثل مؤسسة راند، ومعهد هدسون، ومركز التحليلات البحرية، ومؤسسة ميتري، وقد   تأسست كل هذه المنظمات على يد عسكريين ورجال أعمال بهدف العمل مع العلماء والخبراء والمهندسين المختصين، وركزوا فيها على البحث والابتكار في قضايا الدفاع فاكتسبت المراكز الفكرية آنذاك أهميتها عند تصميم الاستراتيجيات العسكرية، كما حدث أثناء الحروب في العراق وأفغانستان ، أو عند تصميم خطط الحرب على الإرهاب والدفاع عن مصالح الولايات المتحدة الخارجية ، وأيضا القضايا التي تمس أمنها الداخلي مثل سياسة عدم التسامح، وسياسات الرعاية الاجتماعية التي  عمل عليها خبراء من معهد بروكينقز، ومعهد هوفر، ومعهد مانهاتن، ومؤسسة التراث، وأخرج تقريرًا أطلق عليه (الإجماع الجديد) والذي ألقى الضوء على  مشاكل نظام الرعاية.

من هذا المنطلق، تعد مراكز الفكر أداةً استراتيجية لإدارة المعرفة وإتاحتها لصانعي القرار السياسي. وقد تنامى الاعتماد على مراكز الفكر في جميع أنحاء العالم خاصةً في ظل التحديات الأمنية في القرن الحادي والعشرين، سواءً منها المهددات الخارجية المتعلقة بالسياسة والاقتصاد أو العمليات العسكرية الدفاعية الهجومية، أو المهددات الأمنية الداخلية المتعلقة بتطبيق القوانين ومكافحة الجريمة والفساد والفقر والاضطرابات الداخلية بمختلف أنواعها. ويتضح تنامى الاعتماد على مراكز الفكر في آخر مسح أجرته جامعة بنسلفانيا عام 2020م، حيث يوجد 11,175 مؤسسة فكرية في العالم مقارنة بـ 6.846 في نتائج تقرير 2016م بما يظهر تضاعف عددها والتي يتركز أغلبها في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا، حيث يوجد 2397 مركزاً في أمريكا الشمالية، و2932 في أوروبا و3389 مركزاً في آسيا، بينما تضم منطقة الشرق الأوسط أقل عدد منها بواقع 599 مركزاً خلف أفريقيا بـ 679 مركزاً.

في المملكة العربية السعودية تم تصنيف 13 مركزاً في مسح بنسلفانيا 2020 لمراكز الفكر في العالم، وتتباين نماذج مراكز الفكر في المملكة من مراكز تابعة للحكومة أو ممولة من قبلها، إلى مراكز مستقلة تنظيمياً عنها، مراكز تابعة لجامعات أو شركات وتكون ربحية أو غير ربحية.

وكنت أود أن يتم توضيح المقصود بـ  “مراكز الفكر الوطنية”   في ورقة د. محمد،  حيث أن ما بدا لي من الطرح هو مراكز الفكر المحلية غير التابعة للقطاعات الحكومية والتي تعد حديثة بالنسبة للمراكز العالمية وتواجه تحدٍّ كبير لإثبات جدواها وفاعليتها وقدرة منتجها على المنافسة أمام مراكز الفكر العالمية التي  قد يلجأ لها صانع القرار، أو مراكز الفكر  المحلية الحكومية  وشبه الحكومية خاصةً التي انشئت  لغرض دعم صنع القرار  والتي بطبيعة الحال لديها ميزة الوصول للبيانات ولديها الدعم المادي واللوجستي .

وبشكل عام إن الدور المتوقع من مراكز الفكر الوطنية سواء كانت تابعة للحكومة أو مستقلة عنها يتمثل في التحليلات وتقييمات المخاطر للسيناريوهات المحتملة وأيضاًّ في إنشاء بنك بيانات للمجالات المتعلقة بأمن الدولة لدعم المواقف والقضايا التي تمس الأمن الوطني على المستويين الداخلي والخارجي.

إن أهمية الدور الذي يمكن لمراكز الفكر الوطنية أن تقدمه لصانع القرار لتحقيق الأمن الوطني يتمثل في قيمة وجودة ما تنتجه من تحليلات وتقييمات بالاعتماد على ما لديها من محللين وما يتمتعون به من خبرات في مجال الاستخبارات الاستراتيجية وقدرات في استكشاف أفضل السيناريوهات للتخطيط الاستراتيجي الأمثل والاستعداد لاقتناص الفرص وإدارة المخاطر، وهذه القدرات ترتكز على مدى تمكن المراكز  من الوصول إلى مصادر البيانات، وخبرتها المعرفية في استخدام منهجيات وأدوات التحليل المختلفة، مع وجود باحثين متخصصين ومتمكنين ومطلعين على ما يدور في مطبخ صنع القرار.

يعد الاستقراء المبني على البصيرة والاستراتيجية المبنية على فهم الحاضر من منظور الماضي وتقديم رؤى مستقبلية وما يطلق عليه” الذكاء الاستباقي” من أهم ما يمكن للمراكز الوطنية تقديمه في تقاريرها المختلفة لتجنب المخاطر والتهديدات الناشئة. وتعتمد كثير من مراكز الفكر في الدول المتقدمة على مفهوم (STRATINT) وهو مصطلح يعنى بجمع ومعالجة وتحليل ونشر المعلومات الاستخبارية المطلوبة لتشكيل السياسات، وهو شكل راسخ من الاستخبارات الاستراتيجية التي تستعين بمصادر المعلومات المفتوحة (OSINT) ويوفر صورة شاملة لتقييم البيئة الأمنية.

مما سبق، يتجلى لنا أهمية الدور الذي يمكن أن تضطلع به مراكز الفكر لتعزيز الأمن الوطني، وأختم تعقيبي بتساؤل مشروع وسأحاول أن أجيب عليه و هو: في ظل كون مراكز الفكر الوطنية الأقرب والأكثر قدرة على فهم البيئة المحلية من الناحية التنظيمية والتشريعية والثقافية، و كون القائمين عليها أكثر حرصاً على مصلحة الوطن وأمنه، وبما لديها من كفاءات محلية ومن خبراء وتقنيات حديثة، هل مراكز الفكر الوطنية قادرة على الاضطلاع بهذا الدور؟

يتضح لي أن كثير من مراكز الفكر لا تزال تعتمد على الدراسات والأبحاث التقليدية والتي يمكن الحصول عليها من الأكاديميين في الجامعات، كما أن عدد المراكز المتخصصة في المجالات الأمنية (فكري- غذائي – بيئي- صحي.. الخ) قليل بالمقارنة مع الدول المتقدمة، وقليل منها من يرصد بؤر التوتر حول العالم ضمن دراساتها الاستراتيجية، فهي تعمل في الأغلب بمعزل عن العالم الخارجي.

وعلى الرغم من ذلك يوجد عدد من نماذج مراكز الفكر استطاع بمخرجاتها وفي فترة وجيزة أن تثبت قدرةً في هذا الدور وحصلت بها على ثقة صانع القرار ، وهناك أكثر من مؤشر يدعونا للتفاؤل في قدرة المراكز الوطنية على أداء الدور الأمني المنشود، ومن ذلك الاهتمام الحكومي بإنشاء مراكز الفكر ودعمها مؤخراً بعد إطلاق رؤية 2030، إضافةً إلى تزايد الكوادر البشرية المؤهلة خاصة من هم نتاج برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، ومن المؤشرات كذلك، تنامي الوعي بأهمية الدراسات الاستراتيجية والاستشرافية لتفادي الأزمات وتحقيق الأمن ويظهر ذلك من تركيز اهتمام عدد من المراكز  بهذا النطاق وكمثال قريب ما يقوم به مركز أسبار من خلال منتداه الفكري من التركيز على هذه الأدوات الحديثة.

ختاماً أود التأكيد على ما ذكره د. محمد في ورقته من ضرورة دعم هذه المراكز وتحديد آلية منظمة للدعم والتمويل لضمان استدامتها.

التعقيب الثالث: لواء فاضل القرني

لابد أن يكون هناك مرتكزات تبني عليها الدراسات الفكرية المطلوبة لتوحيد الجهود في الاتجاه العام لمصالح الوطن من قبل مراكز الفكر. وهي كالتالي:

(أولاً)- إستراتيجية الأمن الوطني السعودي.

إستراتيجية الأمن الوطني للمملكة العربية السعودية، والتي ترسم وبأطر عامة مكانة المملكة وما وصلت إليه وما تسعى له من غايات. وذلك يتطلب حمايتها وبدمج وتكامل عناصــر القــوى الوطنيــة، والتي غالباً تكون بتصنيف شامل تحت أربع عناصر رئيسة يتمخض منها أدوات متفرعة أخرى وفق المستوى والمجال المراد دراسته وتقييم تحدياته لتقديم الحلول.  وتلك الأدوات الرئيسة هي (الدبلوماســية، المعلوماتيــة، العســكرية والاقتصادية). إن إستراتيجية الأمن الوطني (والتي هي تقر وتعتمد من القيادة السياسية) توضح الغاية الوطنية الدائمة للمحافظة على السيادة والوحدة وأمن الحرمين الشريفين ومكتسباتها الاقتصادية.  دول قليلة التي تعلن وتنشر وثيقة استراتيجيتها للأمن الوطني منها (الولايات المتحدة)، ودول مؤثرة في المنطقة لا تنشرها (إيران وإسرائيل) إلا أن ذلك يتضح بعدة طرق ومنها الخلفية التاريخية لتأسيس المملكة على يد المؤسس الملك عبد العزيز والملوك حتى عهد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، وما تتضمنه من توجهات وتوجيهات ثابته عن الغاية والأهداف للدولة. بالإضافة إلى التصريحات السياسية العليا في المناسبات العامة داخلياً وعالمياً تضميناً.

 

(ثانياً)- الإلمام التام والدقيق للمصالح الوطنية.

وهذا بديهي بطبيعة الحال، إلا أنه وربما بزخم أحداث ومتغيرات لها تأثير على الدراسات، يجعل هناك تخفيف مصلحة على أخرى. المصالح الوطنية كما ذكر أعلاه والمعنية بالدراسة وتقييمها وتحديد تحدياتها تشمل السيادة الوطنية بما فيها القيادة السياسية، أمن وسلامة الحرمين الشريفين، العقيدة الإسلامية، وموارد المملكة ومقدراتها الاقتصادية، أمن وسلامة الشعب السعودي (محور التنمية) بما فيه الفكرية والمعرفية. تلك مناطق الاهتمام العليا لمراكز الفكر الوطنية لدراستها وتقديم وجهات النظر والمرئيات لضمان ديمومتها. ضد تهديدات مستقبلية على المستوى المنظور والبعيد، أو تهديد حالي يتنامى بصور مختلفة، مثل التوجهات العقدية المنافية للعقيدة الإسلامية (من اتجاهات إلحادية، علمانية باستبعاد الدين عن الدولة، أفكار متطرفة تدعو إلى عدم الشرعية للقيادة السياسية، أعمال إرهابية، وترويج المخدرات وهدم النسيج المجتمعي. والتي غالباً يكون لها الدعم المعنوي والمالي من جهات خارجية). ومراكز الفكر والدراسات الوطنية، معنية بذلك استباقاً لتشريح تلك المخاطر وتقديم الحلول الممكنة من خلال الخبرة والتخصصات المختلفة. ومن ذلك كله سيكون لدى تلك المؤسسات الفكرية الوضوح في القادم لتقديم مرئيات وحلول ممكن أن تترجم في سياسيات وربما إجراءات من جهات الاختصاص الرسمية لكيفية التعامل معها بالقوة الصلبة، الناعمة، الإعلام والاقتصاد. وهنا يتضح كمثال ما تم مع الجانب اللبناني، باستخدام الأداة الإعلامية والاقتصادية ضد تهريب المخدرات.

(ثالثاً)- البيئة الاستراتيجية ومكانة المملكة إقليمياً ودولياً.

تقع المملكة في (جيوستراتيجي) مميز، يدعم مكانتها الدولية والإسلامية والعربية، وثمن ذلك هو حساسية ذلك العمق الاستراتيجي للصرعات السياسية والدولية والإقليمية، اقتصادياً، سياسياً وعقدياً. مدفوعاً بـ (تقلب السياسة للدول الكبرى، التهديدات الإيرانية المباشرة ضد المملكة، وغير المباشرة من دعم لجهات متطرفة وإرهابية، مضيق هرمز، اعتداءات على موارد الطاقة بالعتاد أو بالحرب السيبرانية، حساسية النفط وتدفقه وفق ما يستجد، بالإضافة إلى ما يتعلق بالممرات المائية الدولية والتي لها أثر على الملاحة والاقتصاد والتجارة ليس على المملكة فقط ولكن هي أكبر متأثر في الإقليم ابتداء. وهنا يأتي دور مراكز الفكر الوطنية كرديف للجانب الرسمي للدولة للدراسة المستمرة لبلورة التهديدات والمخاطر على المصالح الوطنية والحلول على مستويات الممكن حالياً وحلول غير تقليدية (خارج الصندوق)، مثل بدائل لنقل الطاقة وطرق التجارة وهل ممكن تخفيف الاعتماد على مضيق هرمز وباب المندب وفق أولويات منطقية، من وسائل نقل داخلية وتعاونية مع دول أخرى.

واستمرار للبيئة الاستراتيجية، مكانة المملكة العالمية والإسلامية يكسبها المصداقية والتأثير في السياسات الدولية بما يحقق مصالحها، في صور مختلفة (عضوية في المنظمات والهيئات الدولية، مجموعة العشرين، أوبك، ومنظمة التعاون الإسلامي وغيره) يمكنها من صنع تحالفات سياسية واقتصادية ودفاعية أمنية ومعلوماتية. ومراكز الفكر الوطنية تدرس مكامن الفراغ في مناطق أخرى في العالم لشغله والاستفادة منه وتحويل ذلك الإقليم إلى تعاوني مثل (أمريكا اللاتينية، والدول المؤثرة في أفريقيا وغيره).

مستويات مراكز الفكر الوطنية

في رأي أن هناك مستويين عامين:

  • المستوى الاستراتيجي: وهي المراكز التي تعنى دراسة الأمن الوطني بشموليته، وهي ببساطة منتجها بالتركيز على الرفع من جودة ومتانة أدوات القوة الوطنية (الدبلوماسية، المعلوماتية، العسكرية والاقتصادية) بتقديم التوصيات العامة بدون تفاصيل فنية مطولة، عدا إحصاءات ودروس مستفادة من أحداث، ونقلات إستراتيجية مرت بها المملكة مثل (أزمة الطاقة منذ ١٩٧٣ وحتى الآن، أزمة كورونا، أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تحديات الأمن الغذائي والمائي، التهديدات غير المتوازنة وغير النظامية، التطور وسباق التسلح في المنطقة، مكامن الانكشاف المحتملة جغرافياً واقتصادياً وسياسياً). ويربط ذلك كله وفق الوضع الراهن في المنطقة والذي يتسم بعدم الاستقرار ويزداد في ذلك. ومن الأهمية بمكان أن يدرس مفهوم الأمن الوطني كجزء من الأمن القومي العربي، وربما ذلك ليس خياراً، إذا ما أخذ في الاعتبار الوضع الراهن في المنطقة (القلاقل المدعومة إيرانياً، الربيع العربي وغيره) وما سيكون عليه إذا استمرت عوامل عدم استقراره، مثل (العراق، اليمن ومكامن التهديدات العابرة للحدود، والتهريب للسلاح والمخدرات والبشر، الحرب المائية بين مصر والسودان من جهة وأثيوبيا من جهة أخرى). والمؤكد أن الأمن العربي ينعكس على الأمن الوطني على الأقل العربي الإقليمي، لذا تخفيف تلك الانعكاسات هي تحديد الأولويات، تستشرفها مراكز الفكر الوطنية، وفق الاطلاع ومتابعة المجريات.
  • المستوى التخصصي (التفصيلي): حيث التفاصيل أكثر دقة، والإنجاز أكثر سرعة واستمرارية، لأن منتوج ذلك مستمد من المستوى الاستراتيجي ويؤثر فيه. وفي هذا المستوى يكون نطاق البحث والدراسة عريض وعميق لما له من النصيب الأكبر في الجوانب التنموية بتضاريسها (الطاقة، الصحة، التعليم، الاقتصاد الأدنى، البطالة، الركود، الإعلام والمعلوماتية، السياحة مقوماتها الحالية والمستقبلية ونمائها،.. الخ).

إن التمازج والبينية بين المستويين في ديناميكية مستمرة في التغذية العكسية، بسبب سرعة المتغيرات وسهولة إدراكها والتفاعل معها في عصر التقنية الذكية.

علماً بأنه في القطاعات المختلفة، يوجد بها مراكز البحث والتطوير، عسكرية ومدنية وقطاعات خاصة. ذات أهداف وارتباطات وتمويل مختلفة.

ممكنات مراكز الفكر الوطنية

  • الإحصاءات الأقرب للدقة ومصادرها، ليبنى عليها دراسة تحمل معلومات حديثة (Live) وحيوية (Vital)، لتعكس تقدير الموقف السياسي، الاقتصادي وغيره. وكلما كانت تلك المصادر وطنية (وفق تلك المعايير) كلما كانت الدراسة أقرب للحقيقة والسيناريوهات والحلول المقترحة. وإلا ستكون المصادر المفتوحة هي البديل والتي يغلب عليها الظن والتضليل. وكمثال هذه معلومات مختلفة بين هيئة الإحصاء ووكالة الاستخبارات الأمريكية.

 

 

https://www.stats.gov.sa      https://www.cia.gov/the-world-factbook/countries/saudi-arabia

  • التواصل الداخلي والخارجي بين مراكز الفكر، وسلاسة ذلك سيجعل الدراسات الفكرية الوطنية متكاملة الجوانب وليس من وجهة نظر أحادية من مجموعة محددة معنية بمجال ومنطقة اهتمام معينة. ويندرج في هذا السياق التواصل والاطلاع على المؤسسات الوطنية الرسمية المعنية بالأمن الوطني حسب سياسة الإفصاح والعمل المعتمدة لديهم مثل (مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ومركز الأمن الوطني) https://www.al-jazirah.com/2011/20110514/ar4.htm
  • منح الحرية المسؤولة والشفافية اللازمة في دراسات مراكز الفكر فيما يخص الأمن الوطني، بصرف النظر عن قرب أو بعد المخاطر الكامنة والقائمة والتي تمس ذلك، سواء من دول شقيقة، صديقة أو بعيدة لإعداد الحلول الناجعة وفق وجهة نظر تلك المراكز. ولعل بعض السياقات التي حدثت في المنطقة حملت أمثلة في هذا الجانب.
  • الدعم المالي، فهو ضمان لتحديث واستمرارية الدراسات الفكرية ومنجزاتها.

ومن الاعتبارات المهمة التي يجب التأكيد عليها:

  • التزامن مع مجريات التطورات الداخلية والخارجية بفعالية (Timely Efficient effective). ومن الأمثلة هنا (التوجه لجعل السياحة رافد اقتصادي والمشاريع الطموحة في الجزر المختلفة، والتي تتطلب دراسات استثمارية، إنشائية، وأمنية لضمان الاستدامة. حروب الاستنزاف، الصناعة الذكية العسكرية والمدنية، القدرة الوطنية على التشفير لزيادة الذكاء الاصطناعي.. وغيره).
  • المرونة في إعادة الدراسات الفكرية وفق متغيرات تفرضها الظروف، تظل دائماً وأبداً المصالح الوطنية هي الكيان الثابت. سواءً في مستجدات داخلية أو خارجية، (ولعل قضية نسبة الطلاق مثال اجتماعي مناسب. وأيضاً تطور العلاقات مع العراق، التقارب الحذر مع إيران).

وأخيراً، وكما ورد إن مراكز الفكر الوطنية هي الكيانات التي تستشرف المستقبل وتقدم النصح والرأي في أفضل الطرق والوسائل لدفع تنمية واستدامة الوطن للوصول إلى غاياته وتحقيق الرؤية الوطنية 2030 في تزاحم عالمي يتطور باضطراد.

 

  • المداخلات حول القضية

يعد من أهم المعضلات التي تعاني منها مراكز الفكر بالمملكة رغم محدوديتها ما يلي:

  • عدم وجود بنية تشريعية وإطار تنظيمي يضمن لها الحيادية والاستقلال في مخرجاتها؛ فهي إما ربحية بتراخيص تجارية أو حكومية تابعة (مباشرة لجهات حكومية وبتمويل حكومي) أو بأوامر سامية أو تحت جمعيات خيرية ووقفية التي لا يحق لها إلا مجال الدراسات والبحوث الاجتماعية.
  • صعوبة وضعف التمويل.
  • صعوبة توفر البيانات والمعلومات المحدثة والمصنفة وهي الأساس في البحوث والدراسات.

أيضاً فإن مراكز الفكر لكي تقوم بدورها على أكمل وجه فإنها بحاجة إلى عدة متطلبات من أهمها:

  • أن يتوفر لهذه المراكز تمويل مستدام وأموال كافية لكي تقوم بدورها، فهي تستقطب خبراء ومتخصصين لا يعملون مجاناً وإنما بمقابل، خاصة عندما يتطلب العمل تفرغا لعدة أيام أو شهور. وهي كذلك تحتاج للإنفاق على مقراتها الثابتة وموظفيها الذين يقومون بالعمل الورقي والإداري. وهنا يمكن الإشارة إلى ضرورة وجود دعم حكومي كوجود “وزارة بحث علمي” لدعم المراكز الجادة، رغم أن الدعم الحكومي قد يؤثر على نتائج بعض الدراسات ولا يوفر استقلالية كافية للمراكز. القطاع الخاص يمكنه أيضا تقديم بعض الدعم تحت باب “المسؤولية الاجتماعية” إضافة إلى ما يقدمه رجال الأعمال والمهتمين. يفترض كذلك بهذه المراكز أن تنشئ لها وقفاً خاصا بها لكي تستمر وذلك في حال توقف الدعم عنها؛ فمن دون تمويل كافي وجيد فإن هذه المراكز لا تستطيع الاستمرار في عملها، بل إنها قد تلجأ إلى مصادر خارجية تضعها في موقف الشبهة وهذا ما لا يراد لها، فهي وطنية ويفترض أن تبقي كذلك وأن يكون دعمها من الداخل وبطرق شفافة لا غبار عليها.
  • لكي ينجح أي مركز تفكير فإنه يفترض بل يلزم أن يكون لديه إمكانية الوصول للمعلومات والبيانات الحكومية، مهما كانت هذه المعلومات، مع رفع السرية عن بعض البيانات التي توصف بالسرية في حين أنها غير ذلك. مراكز الفكر لا تستطيع أن تُعد دراسات ومسوح مفيدة في ظل غياب المعلومة الصحيحة والدقيقة. مراكز الفكر شريك في الأمن الوطني ويجب أن تعامل هكذا خاصة عندما يتم تكليفها مباشرة ومن قبل جهاز حكومي بالدراسة أو البحث، أو تقديم المشورة العلمية.
  • لابد من توفر الثقة الكافية بين مراكز التفكير والجهاز الحكومي وبما تقدمه هذه المراكز من دراسات ومرئيات؛ بحيث تكون هذه الدراسات هي الأساس الذي تُبنى عليه القرارات أو على الأقل يُسترشد بها. ليس من المعقول أن يُتخذ قرار يمس قطاع عريض من السكان بالملايين دون دراسة تبعاته، وبعضها تبعات تمس أمن المجتمع والسلم الاجتماعي. وهنا تكمن خطورة تهميش دور مراكز الفكر عندما يتم تجاهل دورها وعدم الإفادة منها. كثير من البحوث لا يُستفاد منها، ومن ثم تقبع في رفوف مكتبة الوزارة أو الجهة الحكومية فقط للقول أنهم قاموا بدراسات، ثم تنتهي بعض هذه الجهات بصعوبات في تنفيذ قراراتها التي لم تُبنَ على دراسات كافية.
  • إعطاء الأولوية للمراكز الوطنية في تقديم المشورة والدراسات بدلاً من الاعتقاد السائد أن الجهات الاستشارية الخارجية أفضل ولديها الكفاءة للقيام بالمهمة. يترتب على إعطاء العمل لجهات خارجية سوء تقدير فهم أي المراكز الخارجية قد لا يفهمون المجتمع كما يفهمه أهله، بل إن هذه الجهات تلجأ أحيانا إلى استقطاب كفاءات محلية لسد النقص في المعرفة.

 

  • التوصيات
  • أن تقوم الجهة المختصة (وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وهيئة البحث والتطوير والابتكار ووزارة الثقافة) بوضع التشريعات والأنظمة والممكنات اللازمة للتوسع في إنشاء وتسجيل وتفعيل وحوكمة واستدامة مراكز الفكر المستقلة وغير الربحية وتوحيد مظلتها والتأكيد على تنويع مجالاتها وبناء قدراتها وتمكينها من المساهمة في صناعة القرار الاستراتيجي في المملكة وخصوصاً ما يتعلق بقضايا الأمن الوطني بكامل مقوماته.
  • تشجيع المؤسسات الحكومية والمراكز الحكومية المتخصصة كمركز الأمن الوطني ومركز دعم اتخاذ القرار – وتفعيل ما يؤيد ذلك في تنظيماتها- للاستعانة بمؤسسات الفكر المحلية في التحليلات وتقييمات المخاطر ودعم عملية اتخاذ القرار وإجراء الدراسات وتقديم التوصيات حول السياسات العامة المتعلقة بقضايا الأمن الوطني – بمفهومة الأعم- وتمكين هذه المراكز من التوسع في أعمالها وبناء المعرفة المحلية وبنوك المعلومات وتمكين الكوادر الوطنية العاملة بها.
  • تقديم التسهيلات اللازمة لمراكز الفكر لإمدادها بالإحصاءات الدقيقة من المصادر الوطنية لتشجيعها على تناول القضايا الوطنية والتنموية الملحة، والتوسع في تقديم النصح الاستراتيجي فيما يتعلق بالتنمية المحلية على مستوى المناطق الإدارية، ومنح مراكز الفكر حرية الوصول إلى المعلومات والبيانات والتقارير اللازمة لعملها من خلال الشراكة الوثيقة مع الهيئة العامة للإحصاء والجهات الإحصائية والمعلوماتية في الجهات الحكومية الأخرى وإعطاء مراكز الفكر المساحة والحرية والمرونة لممارسة دورها وفقاً لضوابط محددة وبما يتواءم مع اختصاص كل مركز.
  • تقديم الدعم اللازم لمراكز الفكر والنظر في تقديم نماذج مستدامة وغير مباشرة من الدعم للحفاظ على حياديتها كالمنح المقطوعة والأوقاف وتحديد آليات الدعم ووضع الشروط اللازمة لاستحقاقه، وتشجيع القطاع الخاص والأفراد على المساهمة بها من خلال حوافز وامتيازات وإعفاءات محددة، وندب الخبراء من الجامعات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية للعمل بها، وأن تقوم الجهات الحكومية المعنية – كلُ فيما يخصه – بالمساهمة في ذلك.
  • تشجيع القطاع الخاص والجامعات والمؤسسات البحثية المستقلة ومراكز الدراسات على الشراكة وإقامة ورش العمل والإفادة من الأكاديميين ورجال الأعمال والتعاون في ذلك مع مراكز الفكر لتفعيل دورها ودفعها للتميز وتبني المعايير الدولية.
  • إشراك مراكز الفكر في المشاركات الحكومية الرسمية في الخارج وتسويقها والاستفادة من مخرجاتها في تعزيز مكانة المملكة وصورتها، وتشجيع هذه المراكز على المنافسة الدولية وبناء الشراكات والتكامل مع مراكز الفكر النظيرة حول العالم.
  • تشجيع القطاع غير الربحي من خلال المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي على تعزيز الشراكة مع مؤسسات الفكر الحكومية وحشد الموارد المشتركة، والاستفادة من تجربة الشراكة بين مركز الملك عبدالله للدراسات البترولية ومركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية في رئاسة مجموعة الفكر T20 لمجموعة العشرين.
  • دعوة مراكز الفكر السعودية الرئيسة إلى فتح فروع لها خارج المملكة في دول مختارة والتعاون في ذلك مع مراكز الفكر في تلك الدول بما يخدم أولويات الأمن الوطني للمملكة.

 

  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • أ.د. صدقة فاضل
  • أ. ابراهيم ناظر
  • أ. عبدالرحمن باسلم
  • د. خالد الرديعان
  • د. خالد المنصور
  • د. عبدالله بن ناصر الحمود
  • أ. مها عقيل

[1] – رئيس وعضو عدد من مجالس إدارات الشركات المدرجة والأهلية والجهات غير الربحية.

تحميل المرفقات