ملتقى أسبار: التقرير الشهري رقم (79) لشهر نوفمبر 2021

للاطلاع على التقرير وتحميله إضغط هنا


 

نوفمبر 2021

تمهيد:

يعرض هذا التقرير لقضيتين مهمتين تمَّ طرحهما للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر نوفمبر 2021 م، وناقشهما نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة؛ حيث تناولت القضية الأولى: تمكين المرأة، إجراءات الدعم، وقياس المؤشرات، وأعد ورقتها الرئيسة د. هناء المسلط وعقب عليها كلاً من د. عبدالله الحمود ود. مها العيدان، وأدار الحوار حولها د. هند الخليفة. بينما تناولت القضية الثانية: ضغوط العمل عند الشباب، المصادر والآثار وإستراتيجيات التعامل، وأعد ورقتها الرئيسة د. علي الحكمي، وعقب عليها كلاً من د. وفاء طيبة و د. نوال الضبيان، وأدار الحوار حولها د. عفاف الأنسي.


القضية الأولى 

تمكين المرأة، إجراءات الدعم، وقياس المؤشرات

(10/11/2021م)

 

  • الملخص التنفيذي.
  • الورقة الرئيسة: د. هناء المسلط

التعقيبات:

  • التعقيب الأول: د. عبدالله الحمود
  • التعقيب الثاني: د. مها العيدان
  • إدارة الحوار: د. هند الخليفة
  • المداخلات حول القضية
  • مفهوم تمكين المرأة والحاجة إلى توطين المفهوم.
  • الإشكالات المرتبطة بتمكين المرأة.
  • مقاييس ومؤشرات تمكين المرأة.
  • تمكين المرأة: الإجراءات المطلوبة والرؤية المستقبلية.
  • التوصيات
  • المصادر والمراجع
  • المشاركون

 

  • الملخص التنفيذي:تناولت هذه القضية تمكين المرأة من حيث إجراءات الدعم، وقياس المؤشرات. وأشارت د. هناء المسلط في الورقة الرئيسة إلى المبادئ التي تنطلق منها عملية التمكين، ومن أهمها ‏تحسين الخدمات الأساسية للمرأة، وإتاحة مشاركتها في التخطيط والمسؤولية، وتحقيق العدالة المجتمعية لها، كما تناولت أهداف تمكين المرأة والتي ارتبطت بصنع القرار وتوافر المصادر والمعلومات، والقدرة على إدارة وتغيير أفكار الآخرين والمشاركة في عمليات التطوير والتغيير المستمر، ‏وتعزيز تصورها الذاتي لنفسها. كما تناولت التقدم والتطور الذي حدث في مكانة المرأة في المجتمع السعودي وارتباط تمكين المرأة بأهداف رؤية المملكة 2030. كما تناولت أيضاً حقوق المرأة كما جاءت في الدراسات والأبحاث العلمية، من ذلك ‏الإجراءات التي تساعد على تمكين المرأة على المستوى المؤسسي والمستوى الفردي. وانتهت الورقة إلى مجموعة من التساؤلات التي تمثل مؤشرات لا بد من قياسها قياساً علمياً؛ للتأكد من تحقيق أهداف تمكين المرأة.وركز د. عبدالله الحمود في التعقيب الأول، على المعوقات التي تحول دون استكمال تمكين المرأة عالمياً بالصورة الكاملة، بالرغم من التقدم الذي حدث على مستوى مشاركتها الاقتصادية والاجتماعية، وأكد على أن العادات والموروث الثقافي لا يزال يضع المرأة في مكانة أدنى من الرجل، كما أوضح مقاييس تمكين المرأة والمؤشرات العالمية المستخدمة لقياس تمكين المرأة، والدراسات التي تناولت هذه المقاييس لتصنيف مكانة المرأة في المجتمع.أما التعقيب الثاني والذي قدمته د. مها العيدان، فقد سلط الضوء على مفهوم تمكين المرأة من قبل المنظمات النسائية في التسعينيات من القرن العشرين، كذلك تمكين المرأة كما جاء في الدين الإسلامي، وأشارت إلى أنه بالرغم من التغير الذي حدث في دور ومكانة المرأة؛ إلا أن ذلك لا زال متأثراً بالموروث الثقافي. كما تم التطرق إلى التغير في مكانة المرأة السعودية في علاقته برؤية 2030، والذي ارتبط بالتغير في القوانين ذات العلاقة بالمرأة.وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
    • مفهوم تمكين المرأة والحاجة إلى توطين المفهوم.
    • الإشكالات المرتبطة بتمكين المرأة.
    • مؤشرات تمكين المرأة.
    • تمكين المرأة: الإجراءات المطلوبة والرؤية المستقبلية.

    ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

    • إن تمكين المرأة الاجتماعي في غاية الأهمية وهو ضرورة يبدأ من الأسرة أولاً من خلال المشاركة بين المرأة والرجل في الحياة الإنتاجية وتقاسم المسؤوليات عن رعاية الأطفال وتربيتهم وإعالتهم.

    الجهة المسؤولة عن التنفيذ: المؤسسات (الإعلامية، التربوية، الدينية).

    • اعتماد تدابير مناسبة لتحسين قدرة المرأة على كسب دخل، وتحقيق الاعتماد على الذات اقتصادياً، وضمان وصول المرأة على قدم المساواة إلى سوق العمل وأنظمة الضمان الاجتماعي.
    • القضاء على الممارسات التمييزية من قبل أرباب العمل ضد المرأة.

    الجهة المسؤولة عن التنفيذ/ وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.

    • أن العمل على تمكين المرأة واستقلاليتها وتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أمر ضروري لتحقيق الشفافية والمساءلة في الحكومة والإدارة والتنمية المستدامة في جميع مجالات الحياة، ويتطلب لتحقيق هذا الأمر استحداث وزارة بالدولة خاصة بشؤون المرأة والأسرة.
    • إعداد استراتيجية لتنظيم وتوسيع خيارات العمل للمرأة، وإعداد استراتيجية للعمل عن بعد.

    جهة التنفيذ/ وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.

    • تنفيذ دراسات ميدانية لقياس مؤشرات التوزيع المكاني للتمكين، ومعوقاته.

    جهة التنفيذ: (المرصد الوطني للمرأة، وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، مراكز الأبحاث).

    • الورقة الرئيسة: د. هناء المسلط

    يُعرَّف مفهوم تمكين المرأة بأنّه العملية التي تُشير إلى امتلاك المرأة للموارد وقدرتها على الاستفادة منها وإدارتها بهدف تحقيق مجموعة من الإنجازات، وبناءً على هذا التعريف يتبيّن أهمية توافر ثلاثة عناصر مترابطة لتستطيع المرأة ممارسة اختياراتها الفردية؛ وهي: الموارد، والإدارة، والإنجازات، ويُشير كلٌّ من تلك العناصر إلى معنى مختلف؛ فالموارد تُشير إلى التوقعات والمخصصات المادية، والاجتماعية، والبشرية، أمّا الإدارة فتُشير إلى قدرة المرأة على تحديد أهدافها الاستراتيجية التي تريد الوصول إليها في حياتها والتصرّف بناءً على تلك الأهداف واتخاذ القرارات بناءً على نتائج تلك الأهداف، أمّا الإنجازات فهي تُشير إلى مجموعة متنوعة من النتائج التي تبدأ من تحقيق مستوى عيش كريم وتحسينه إلى تحقيق مبدأ تمثيل المرأة سياسيّاً. كما تُتيح عملية التمكين للمرأة القدرة على اتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تُكسبها قوةً تُمكّنها من السيطرة على حياتها.

    تنطلق عملية التمكين من عدة مبادئ معتمدة على التداخل والترابط بين عناصرها ويمكن تحديدها في الآتي:

    • زيادة وتحسين الخدمات الأساسية للمرأة ومساعدتها على تنمية قدراتها.
    • المشاركة في التخطيط.
    • المسؤولية.
    • العدالة المجتمعية.

    تعددت وجهات النظر حول أهداف تمكين المرأة والتي يمكن عرضها فيما يلي:

    • أن تتمكن المرأة من صنع قراراتها بنفسها.
    • أن تتوافر لها المصادر والمعلومات التي تمكنها من صنع القرار المناسب.
    • أن تكون قادرة على تغيير أفكار الآخرين بالطرق الديمقراطية.
    • أن تعمل على إدماج نفسها في عمليات التطوير والتغيير المستمر، وأن تملك زمام المبادرة الذاتية.
    • أن تعمل على تعزيز تصورها الذاتي لنفسها والتغلب على الصورة التقليدية المتصورة عنها.

    شهدت المملكة خلال فترة وجيزة من الزمن تنمية شاملة عمت جميع مجالات الحياة فيها، فحققت قفزات سريعة في معدلات النمو والتقدم، وتوجَّهـت ثمار التنمية وخططها إلى المواطن والمواطنة بالدرجة الأولى انطلاقاً من أن تنمية المواطنين هي الثمرة الحقيقية والمقياس الأولى بأن يؤخذ في الحسبان عند تقويم خطط التنمية أو الحديث عن نتائجها، والمرأة لها مكانة مميزة لدورها في بناء المجتمع ودعم تماسكه ورسم صورة مشرقة لمستقبله، فهي النواة الأساسية للأسرة والمجتمع، ولهذا فإن الاستفادة من إمكاناتها للمشاركة بشكل فاعل في قيادة سياسة التغيير التي تعيشها بلادنا تعد من أهم أهداف رؤية المملكة 2030 حتى أصبح موضوع تمكين المرأة شعاراً أساسيّاً في هذه الرؤية.

    ويرتبط عمل المرأة ارتباطاً وثيقاً بما تحرص المملكة على توفيره لأبنائها من فرص التنمية، وزيادة رخاء المواطن وتوفير سبل الحياة السعيدة لهم، وتبوأت مكانة رائدة في مختلف قطاعات العمل، وصار لها حضورها، وظهر تفوقها وتميزها في ميادين التربية والتعليم والصحة والإعلام والثقافة والاقتصاد وقطاعات المال والاستثمار ومؤسسات تقديم الرعاية الاجتماعية والخدمات المختلفة، ومن هذا المنطلق لم تغفل رؤية المملكة 2030 وهي تتحدث عن مشاركة المرأة وأن توظيفها أصبح من ضروريات الحياة بالنسبة لها خاصة في ظل التغيرات الاجتماعية، والنقلات الحضارية المتلاحقة التي يعيشها مجتمعنا، فمن خلال تعزيز بيئة تعليمية للمرأة تتوافق مع متطلبات سوق العمل المتطور، ودعم مجالات تعليمية حديثة لمواكبة التطور التكنولوجي المتسارع، يمكن أن يتحقق الكثير من زيادة تمكين المرأة في المجتمع كما حددته الرؤية.

    ويرى الباحثون والمهتمون ضرورة توفر عناصر مهمة للوصول إلى تمكين المرأة نستعرض منها:

    • حق المرأة في تحديد خياراتها بنفسها.
    • حق المرأة في قدرتها على السيطرة على حياتها سواءً داخل المنزل أو خارجه.
    • شعور المرأة بقيمتها وبذاتها.
    • حق المرأة في الوصول إلى الموارد، وإتاحة الفرص لها للاستفادة منها.
    • حق المرأة في التأثير على توجهات النظام الاجتماعي والاقتصادي على المستويين الوطني والدولي والاهتمام بتدريب المرأة وتطويرها مهنيّاً.
    • تنفيذ وتطوير المشاريع وسلاسل التوريدات وسياسات التسويق التي تُمكّن المرأة.
    • إنشاء قيادة مؤسسية رفيعة المستوى تهدف إلى المساواة بين الجنسين، وتحقيق المساواة والعدل وعدم التمييز في المعاملة بين الرجال والنساء، واحترامهم جميعهم ودعم حقوقهم.
    • ضمان صحة وسلامة جميع العاملين سواءً الرجال أو النساء، وتحقيق رفاهيتهم.
    • الاهتمام بالمبادرات المجتمعية بهدف تعزيز المساواة بين الجنسين في كافة المجالات.

    كما حدد الباحثون والمهتمون العديد من الإجراءات التي تُساعد على تمكين المرأة، والتي يمكن تقسيمها إلى مجموعتين وفق الآتي:

    أولاً: إجراءات تقوم بها الدولة: يكون تمكين الدولة للمرأة من خلال اتخاذ الإجراءات الآتية:

    • إنشاء آليات تُساعد المرأة في المجتمعات على المشاركة على قدم المساواة وبشكلٍ عادلٍ في جميع مجالات الحياة العامة سواءً العملية أو السياسية، إضافةً لتمكين المرأة من التعبير عن احتياجاتها.
    • القضاء على كلٍّ من الأمية، والفقر، والمشاكل الصحية لدى النساء، ولتحقيق ذلك يتمّ تعزيز إمكانيات المرأة من خلال تنمية مهاراتها وإتاحة فرص لها في التعليم والعمالة.
    • اتباع مجموعة من الإجراءات والتدابير التي تُمكِّن المرأة من الحصول على دخل مناسب، واعتمادها على نفسها اقتصادياً، إضافةً إلى دعم المرأة من أجل وصولها إلى أنظمة الضمان الاجتماعي على قدم المساواة مع الرجل.
    • القضاء على ظاهرة العنف ضد المرأة.
    • القضاء على مجموعة من الممارسات العنصرية الممارَسة ضد النساء من قِبل أصحاب العمل.

    ثانياً: إجراءات يقوم بها الأفراد: للأفراد دور مهم في زيادة تمكين المرأة، ويكون ذلك من خلال اتّباع الإجراءات الآتية:

    • دعم الفتيات والنساء في الأزمات: يتعرّض عدد كبير من الفتيات لأشكالٍ مختلفةٍ من سوء المعاملة؛ كعمالة الأطفال، أو الزواج المبكّر، لذا من المهم حمايتهنّ بعدّة طرق؛ كالتعليم، والرعاية الطبية، وتقديم القروض التجارية، وغيرها من المساعدات.
    • مساعدة النساء على الاستثمار: يُمكن مساعدة النساء المجتهدات والطموحات على إنشاء الأعمال التجارية أو توسيعها من خلال توفير قروض بسيطة لهنّ تُساعدهنّ على تحقيق ذلك.
    • تشجيع تعليم الفتيات: عندما تتلقّى الفتيات التعليم الثانوي، فذلك يُساعدهنّ على تأمين مستقبل أفضل، بسبب زيادة قدرتهنّ على رعاية أنفسهنّ وأطفالهنّ، وزيادة قدرتهنّ على التفاعل الاجتماعي، وغيرها من الأمور.
    • إشعار النساء بالاهتمام: يُمكن تشجيع النساء وتمكينهنّ في المنزل أو العمل أو المجتمع من خلال شكرهنّ، وإظهار التقدير لهنّ، أو مكافأتهنّ.

    وقد أشارت نتائج دراسة بعنوان “اتجاهات الأكاديميات السعوديات نحو تمكين المرأة”، إلى أن العوامل الأكثر تأثيراً والتي تعيق تمكين المرأة وفق وجهة نظر الأكاديميات تتمثل في: التقاليد الاجتماعية، واهتمام الجمعيات الخيرية النسائية بالتركيز على جوانب الإحسان وعمل الخير في أنشطتها وعدم الاهتمام الكافي بالعمل على تمكين المرأة، هذا بالإضافة إلى أن التنشئة الاجتماعية لا تساهم في تشجيع المرأة وتمكينها، كذلك عدم تقبل الرجال للمرأة بالقيام بدور في الحياة العامة، كذلك وجود بعض الآراء التي ترى عدم أهمية تمكين المرأة، وبطالة المرأة.

    وهنا تتبادر عدة تساؤلات نذكر منها:

    • ما مدى وصول المرأة السعودية إلى الموارد المختلفة في المجتمع؟ وما مدى الاستفادة من هذه الموارد؟
    • التباين المكاني لمؤشرات تمكين المرأة، وما أثر العوامل الاجتماعية والاقتصادية في ذلك؟
    • ما مدى تمكن المرأة من صنع قراراتها بنفسها؟
    • ما مدى إدماج المرأة في عمليات التطوير والتغيير المستمر، وأن تملك زمام المبادرة الذاتية؟
    • ما مدى تعزيز تصورها الذاتي لنفسها والتغلب على الصورة التقليدية المتصورة عنها؟
    • ما هي نتائج التمكين وإنجازاته؟ وأي المجالات الأكثر تمكين للمرأة؟

    كل هذه مؤشرات لا بد من قياسها وفق مقاييس علمية، وهذا يعني ضرورة إجراء دراسات تقويمية مستمرة؛ للتأكد من تحقيق أهداف التمكين ويستخدم فيها مؤشرات كمية، بحيث يتم قياس وصول المرأة إلى الموارد والنتائج المتوقعة، و يتمّ قياس وصولها إلى الموارد المختلفة في مختلف مناطق المملكة، من خلال مؤشرات مثل: مستويات محو الأمية، وعدد الفتيات والنساء المتعلّمات، والقيود التي يتمّ فرضها على حركة المرأة، والقوانين الموضوعة بحيث تُراعي عدة اعتبارات، وعمالة المرأة خارج منزلها، ومستوى ثقة المرأة بنفسها، ومشاركتها في المواقع القيادية، وفي اللجان والمواقع العامة، ومشاركتها في صنع واتخاذ القرار.

    إن المرأة عنصر مهم من عناصر قوة المجتمع في المملكة، لديها إمكانات النجاح، وهي قادمة بقوة بدور تنموي ومحوري في رؤية 2030 حيث وضعتها في المقدمة، وأكدت على مشاركتها الكاملة في سوق العمل، فالتنمية والبناء الاقتصادي والاجتماعي لا يكتمل إلا بمشاركتها، وتنمية مواهبها، واستثمار طاقاتها وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبة، لبناء مستقبلها كتوجه استراتيجي، وكواحد من أهم البرامج والإصلاحات الرئيسة التي تبنتها الرؤية لتعزيز التحسينات الطموحة في وضع المرأة، وتمكينها اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وتوفير مناخ آمن وخدمات تسهل عليها القيام بواجباتها الوطنية. ومن المتوقع أن تشهد المملكة مزيداً من الإنجازات على صعيد تمكين المرأة، خاصة مع تزايد عدد الإناث في التعليم والتأهيل والتدريب، حيث تشكل المرأة السعودية رافداً مهماً من روافد نجاح الرؤية، لترتفع مشاركتها في قوة العمل إلى 30% بحلول 2030 وفقاً لما ذكرته الرؤية.

     

    التعقيبات:

    • التعقيب الأول: د. عبدالله الحمود

    على الرغم من ما نالته المرأة عالمياً من تمكين واستقلال في اتخاذ قراراتها، إلا أن هناك معوقات تعتري تمكين المرأة، يكمن ذلك في العادات الثقافية، فهناك عادات وتقاليد يعاني منها النساء تتسبب في نشوء ضغوطات لعادات لا زالت مرتبطة بموروث عفى عليه الزمن، مما يصل بهن أحياناً بمعاملتهن كمخلوق أدنى منزلة من الرجل، وهذا ينجم في بعض المجتمعات، حتى مع إدراك المشرعين والمنظمات غير الحكومية منافع تمكين المرأة، ومن أن مشاركتها في ميدان العمل تعد مشاركة داعمة للاقتصاد عامة، إلا أنه مع المؤسف له، تواجه النساء في بعض المجتمعات عرقلةً أو تهميشاً لدورهن وهن نصف المجتمع .

    ومع هذا كله يشاهد أن المرأة أضحت شريكاً في العديد من الميادين، وهذا ما تشهده بلادنا -ولله الحمد-من تمكين منقطع النظير في مشاركة المرأة في مجالس الشورى والبلديات وحقوق الإنسان، بل أصبحت نائبة وزير ورئيسة جامعة، ومن خلال قياس تمكين المرأة عامة والذي يوضح مدى مشاركة النساء في دولة ما في المجالات السياسية والاقتصادية، فإنه يتم حساب هذا المقياس عن طريق رصد حصة النساء من مقاعد البرلمان وحصتهن في المناصب التشريعية والمناصب الإدارية والرسمية العالية، وأعداد النساء من أصحاب المهن والعمال الفنيين، كما يحسب المقياس اختلاف الدخل المستحق بين الجنسين والذي يعكس درجة الاستقلال الاقتصادي للمرأة، ثم يُصنف المقياس الدول بناءً على هذه المعلومات، وهناك مقاييس أخرى تأخذ بعين الاعتبار أهمية المشاركة النسوية والمساواة ومن ضمنها مؤشر المساواة بين الجنسين ومؤشر التنمية المتعلقة بالجنسين، فعند مشاركة المرأة في العديد من المهام وما تقوم به من أدوار وطنية، تظهر مدى القدرة والكفاءة التي تتسم بها المرأة، بالمقابل نلاحظ أن مشاركة النساء في المشاورات والمجموعات والأعمال تزيد من فعاليتها، مما يترتب عليه الحصول على فكرة عامة عن مدى تأثير تمكين النساء على الاقتصاد، فقد أُجرِيت دراسة على الشركات المتواجدة في قائمة فورتشن 500 (وهي قائمة سنوية تصدر عن مجلة فورتشن تضع ترتيباً لأعلى 500 شركة أمريكية حسب إيراداتها) ووجد أن “الشركات التي تضم نساء أكثر في مجالس إداراتها تحقق عوائد مالية أكبر من غيرها، وتضمنت الزيادة 53% في حقوق الملكية للمساهمين و42% في المبيعات و67% في رؤوس الأموال المستثمرة”.

    هنا علينا ألا نغفل على الدوام مدى تمكين المرأة ووجوب الاهتمام بمسؤولية مشاركتها، وإعطاء الفرص لها، فالشراكة بين الجنسين يعد أنموذجاً تتحقق منه تنمية مستدامة لأي مجتمع.

     

    • التعقيب الثاني: د. مها العيدان

    التمكين لغةً تعني: “التقوية أو التعزيز” واجتماعياً. “العمليات التي ينظمها المجتمع لمساعدة الجماعة والمجتمع في تحقيق تأثير سياسي، واقتصادي واجتماعي ويكون لهم تأثير على السلطات الرسمية، لتحقيق مطالب شرعية لهم من خلال تزويد الإنسان بالوسائل وللقيام بالتغيير الاجتماعي المطلوب، باستخدام الطرق المؤدية إلى إشباع الحاجات الإنسانية”.

    ولقد بدأ استخدام مصطلح التمكين من قبل المنظمات النسائية في التسعينات من القرن الماضي، وانطلق المفهوم من خلال أن النساء لديهن القدرة على التحكم في مسار حياتهن بوجه عام.

    ويقوم التمكين على مفهوم المساواة، وحق المرأة في التنمية، والعمل، والحق في مستوى معيشي مرتفع، مع ضمان حقوقها العائلية والثقافية.

    وبالرغم من ارتباط المفهوم وتفسيراته المختلفة بالمؤتمرات النسائية؛ إلا أنه لا يمكن إغفال أن الدين الإسلامي قد منحها هذه الحقوق كحقها في الميراث والتملك وحرية الزواج والنفقة …..إلخ، ولكن الممارسات الثقافية المختلفة من عادات وتقاليد وتفسيرات مغلوطة أعاقت كثيراً من الحقوق التي ضمنها الإسلام للمرأة.

    وبالرغم مما قطعته المرأة من تطور في التعليم أو العمل؛ إلا أنه ما زال يُنظَر إليها من خلال رواسب الإهمال والتنكر لمركزها الاجتماعي وبقايا التقاليد الموروثة التي لها أبلغ الأثر في علاقة المرأة.

    وبما أن المرأة تتأثر بكافة التغيرات التي تحدث في المجتمع، ويظهر لنا ذلك من خلال النقاط التالية:

    • فتح مجالات مختلفة من مجالات العمل التي كانت مرفوضة اجتماعياً في المجتمع.
    • تغير في كثير من المفاهيم الاجتماعية المرتبطة بالعمل مثل الاختلاط، فترة العمل.
    • ظهور كثير من الموضوعات الاجتماعية للمناقشة والطرح والتي كانت في السابق من الأمور التي لا يمكن قبولها؛ لأنها من المسلمات المرفوضة اجتماعياً مثل عملها في الأسواق.

    لذا انطلقت معظم الدراسات في هذا الاتجاه في محاولة تفسير الأسباب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى ذلك مع معرفة أيضاً الأسباب التي تؤدي بالمرأة إلى الالتحاق ببعض الوظائف الخاصة بها حتى أنها أضفت عليها الطابع النسوي مثل التمريض، رعاية الأطفال، الخدمة المنزلية، الخدمات العامة.

    وهذه التخصصات من العمل لا تمثل كافة طاقات المرأة في العمل وإنما نوع من الإهدار لطاقتها دون توجيهها إلى أعمال يمكن أن تكون البداية لتغير كثير من المفاهيم الاجتماعية المرتبطة بعمل المرأة.

    وابتداءً من العقود الأخيرة بدأت النظرة إلى وضع المرأة في المجتمع العربي والإسلامي في التغير على نحو إيجابي، معززة بوعي المجتمع للتحديات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها العالم الإسلامي ومن هذا المنطلق ارتبط مفهوم التمكين بالمرأة.

    فقد حقق مؤشر زيادة مشاركة المرأة الاقتصادية في سوق العمل نسبة 25% وذلك في تقرير الربع الأول من هذا العام، مما أدى ذلك إلى زيادة مساهمة المرأة في التنمية الاقتصادية والذي يعد من أهم برامج التحول الوطني ومؤشر أداء رئيسي لرؤية المملكة 2030، وحقق انخفاض نسبة البطالة بين الإناث خلال الربع الأول من العام 2020.

    والحقيقة التي لا بد من تأكيدها أن عملية التمكين لا يمكن تحقيقها وما حققته في وقتنا الحالي لم يتم إلا من خلال تغيرات القوانين المرتبطة بالمرأة سواء كان في مجال العمل والتعليم والأسرة أو حتى نظرتها لنفسها.

     

    • المداخلات حول القضية
    • مفهوم تمكين المرأة والحاجة إلى توطين المفهوم.

    إذا كانت المرأة تمثل نصف الطاقة البشرية في المجتمع؛ فإن عدم أو ضعف تمكين المرأة يعد هدراً في الفاعلية الإنسانية ويعوق التنمية في المجتمع. وهذا يتطلب أن تكون المرأة ذاتها على وعي بضرورة تمكينها في كافة مجالات الحياة، في ظل مناخ من العدالة والإنصاف من ناحية، وبين تنمية المجتمع وتقدمه من ناحية أخرى.

    وثمة توجه عالمي لتمكين المرأة من حقوقها، بل أصبحت أجندة المرأة واحدة من أهم أولويات النظام الدولي وكذلك توجهات النظم السياسية المحلية، وتماشياً مع الاتجاهات العالمية لتمكين المرأة في المجتمع جاءت رؤية المملكة 2030 التي تهدف ضمن أحد توجهاتها إلى تمكين المرأة في المجتمع سواء على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

    وقد اعتمدت الأمم المتحدة مصطلح التمكين، وحددت سبعة مبادئ أساسية لتمكين المرأة وهي:

    المبدأ1: إنشاء قيادة مؤسسية رفيعة المستوى لتحقيق المساواة بين الجنسين.

    • المبدأ 2: معاملة جميع النساء والرجال بإنصاف في العمل – احترام ودعم حقوق الإنسان وعدم التمييز.
    • المبدأ 3: ضمان صحة وسلامة ورفاهية جميع العاملين من النساء والرجال.
    • المبدأ 4: تعزيز التعليم والتدريب والتطوير المهني للمرأة.
    • المبدأ 5: تنفيذ ممارسات تطوير المشاريع وسلسلة التوريد والتسويق التي تُمكِّن المرأة.
    • المبدأ 6: تعزيز المساواة من خلال المبادرات المجتمعية.
    • المبدأ 7: قياس التقدم المحرز في تحقيق المساواة بين الجنسين والإبلاغ عنه بشكل علني.

    والواقع أن موضوع التمكين empowerment هو حديث المجتمع في الفترة الأخيرة ويرتبط بالمرأة على وجه الخصوص كأحد حقوقها، فلم نسمع مثلاً عن تمكين الشباب من الجنسين أو كبار السن؛ بل إن الربط الذي لا يحتمل لَبْساً هو ربط التمكين بحقوق المرأة.

    والمفهوم حقيقة ليس وليد ثقافتنا المحلية بل وحتى العربية، بل وليد ثقافة غربية تتعلق بالمساواة بين الجنسين والتي جعلت منها قضية أساسية في منح المرأة المزيد من الحقوق. وأيضاً فقد شاع المصطلح تحت وطأة تأثير الحركة النسوية في العالم ومطالبها التي لم تنقطع.

    بدورنا فقد تلقفنا المفهوم دون “توطين” كافٍ، وربما لاعتبارات سياسية، وربما بسبب بعض الضغوط التي تعرضنا لها كسائر دول العالم الثالث التي وقَّع معظمها على اتفاقيات دولية لمنع التحيز ضد المرأة (سيداو 1979) وشرعة حقوق الإنسان (1948) وقرارات مؤتمر القاهرة للسكان (1994) ثم مؤتمر بكين للمرأة (1995). هذه الاتفاقيات أصبحت شبه ملزمة للدول، على أن تطبق قراراتها تدريجياً وفقاً لظروف كل دولة. صحيح أن المملكة أبدت تحفظاً على بعض المواد في مجال حقوق الإنسان واتفاقية سيداو والمرأة لكنها عموماً وقعت عليها.

    “توطين” مفهوم التمكين يقصد به مراعاة ظروف المجتمع السعودي ودرجة محافظته في تقبله وشروط تطبيقه، لكي يأتي متناغماً مع احتياجات المجتمع دون أن يحدث صدام أو هزات اجتماعية.

    وبحكم أننا كثيراً ما تحدثنا عن “الضوابط الشرعية” التي كانت ديدن خطابنا الشرعي طيلة العقود الماضية؛ فإن الفقه السائد للأسف ظل جامداً ولم يأخذ زمام المبادرة لتحرير المصطلح لتأتي محاولاته متأخرة، وبعد سلسلة من القرارات الحكومية التي سنت العديد من الأنظمة واللوائح التي تنصف المرأة وتمنحها بعض الحقوق المغيبة. كان الأولى أن يكون الفقه في المقدمة وسباقاً لكن ذلك لم يحدث، بسبب هيمنة توجه واحد على المدرسة الفقهية وعدم الأخذ في الاعتبار التنوع الفقهي والمذهبي في المسائل التي تخص المرأة، بل إن الفقه السابق كان يُفرض على الجميع دون اعتبار للتنوع المناطقي في المملكة. وبالتالي فالتمكين الذي نتحدث عنه اليوم جاء بفعل عوامل خارجية وقرار سياسي أكثر مما هو حاجة نابعة من الداخل، أو من اجتهادات فقهية تراعي ظروف الزمان والمكان.

    ما التمكين الذي جرى في المملكة؟  يمكن القول إن قيادة المرأة للسيارة كان هو الملف المؤرق للحكومة ووثيق الصلة بالتمكين؛ بسبب تسييس هذا الملف عالمياً، واستخدامه كوسيلة للنيل من المملكة والضغط عليها وتشويه سمعتها، لدرجة أن الكثير من الدول والمجتمعات وصمت المملكة بقمع المرأة فقط؛ لأنها لا تقود السيارة رغم تمكينها من الكثير من الفرص الأخرى اقتصادياً وتعليمياً وانخراطها في مهن جديدة لم يكن مسموحاً بها سابقاً. والذي تابع مطالب المرأة في المملكة يلاحظ أن جميع مطالبها في التمكين “توحدت” في مسألة قيادة السيارة وهمشت ما هو أهم أمام الإلحاح في قيادة السيارة؛ كقضايا الأحوال الشخصية، وبطالة المرأة، والتمكين من دراسة بعض التخصصات، وحقوق المطلقات والأرامل.

    ويمكن القول إن تمكين المرأة الذي نراه اليوم في المملكة هو شامل ويلامس جميع حقوق المرأة تقريباً، الأمر الذي (ربما) ترتب عليه اهتزاز في وظائف وأدوار الجنسين، بحكم أنه لم يأتِ تدريجياً ولكن دفعة واحدة وخلال فترة وجيزة. يمكن التدليل على الخلخلة الاجتماعية بمؤشرات ملموسة؛ ومنها ارتفاع معدل الطلاق (زادت النسبة من 2.6٪ عام 2016 إلى نحو 10٪ عام 2020)، وزيادة نسبة التأخر في الزواج عند الجنسين، وزيادة استقلال المرأة الذي قد يتصادم مع ثقافة المجتمع مهما قلنا غير ذلك، فنحن لا نزال مجتمعاً محافظاً وشرقياً بامتياز.

    ولكي ينجح تمكين المرأة على كافة الصُعد وبأقل خسائر اجتماعية ممكنة؛ فإننا قد نحتاج إلى عدة سنوات قادمة لاستيعاب التغير الذي أخذ مساره.

     

    • الإشكالات المرتبطة بتمكين المرأة.

    “تعتمد أنظمة المملكة العربية السعودية المستمدة من الشريعة الإسلامية مبدأ المساواة التكاملية بين الرجل والأنثى، مع مراعاة خصائص وسمات كلا الجنسين، لتحقيق العدل في نهاية المطاف، حيث تؤمن المملكة العربية السعودية بأن تكامل العلاقة بين الجنسين طريقة مثلى لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، ولتصبح معظم مجالات حقوق الإنسان تتم فيها المساواة بين الرجل والمرأة بشكلٍ مطلق، كالحق في العمل، والتعليم، والصحة، والحقوق الاقتصادية وغيرها.”

    ومع هذا يظل موضوع تمكين المرأة وإجراءات الدعم وقياس مؤشرات التمكين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، حيوياً يتطلب المزيد من التأمل والمراجعة للتحقق بأن ما يحدث من تغير في الظروف المحيطة بالمرأة، تغيراً حقيقياً يتوافق مع أهداف المشاركة الفعالة للمرأة في التنمية المستدامة وفي نهضة الوطن.

    وتفتخر المرأة السعودية اليوم في وكل يوم بالتغيرات الإيجابية الجديدة في إرجاع حقها كشريك حقيقي في المجتمع، وإثبات مكانتها وقدراتها في كل محفل ومجال من المجالات.

    لكن برأي البعض فإن تمكين المرأة ليس في حجز المقاعد لها سواء للمناصب أو في مجلس الشورى وغيرها من المناصب القيادية في الدولة، وإنما في إتاحة المجال للمنافسة؛ كي تنافس على المسؤوليات ودفع عجلة التنمية.

    والإشكالية ليست في تمكين المرأة بتقوية وجودها الاجتماعي، فكثير نساء يتمتعن بمؤهلات علمية وتطلعات وأفكار بنّاءة؛ ولكن الإشكالية في أن يكون هناك توجه واضح لدعم المرأة، وليس مجرد شعارات.

    وهذا يرجع إلى أن آلية الوثوق بقدراتها وإمكانياتها ومن ثم اختيارها، لا زالت تواجه عدة عقبات أولها وأهمها: يجب أن يكون الأولى بالتعيين رجل لعدة اعتبارات، من أهمها: العرف المجتمعي، يليه الخبرة، ثم التجربة الجيدة.. وهذا يعود لقلة خبرة المرأة، وعدم توليها لمناصب اتخاذ القرار من قبل.

    والواقع أن التغير في دور ومكانة المرأة يرتبط بدرجة أساسية بالأسرة ويؤثر عليها.. فالعلاقة متبادلة وتمكين المرأة لا يتحقق إلا من خلال دعم الأسرة ومساندتها وقبولها للتغيير. ولعل من الأسئلة التي يمكن طرحها هنا: هل التغير الذي حدث في أدوار المرأة السعودية يتواءم مع ثقافة الأسرة وتوقعاتها؟ كيف يمكن ردم الفجوة بين الأجيال، وبين فئات المجتمع المتنوعة عند التخطيط لتغير أدوار المرأة وتمكينها؟

    ويمكن القول إنه مع تعدد الدور الاجتماعي للمرأة وتشعب مهام هذه الأدوار، ألقى عليها المزيد من المسؤوليات وجعلها تواجه تحديات في كيفية عمل التوازن بين أدوارها داخل الأسرة وخارجها، وبالتالي لا يمكن أن يكون الإنجاز إيجابياً دون مساندة الأسرة لها، فالخطوة الأولى للتمكين تولد من داخل الأسرة. وكل دور جديد يتطلب مهام جديدة ويتطلب توازناً في الأداء.

    أحد جوانب التمكين هو خروج المرأة للعمل، وبالتالي يصبح لديها دخل ثابت، اضافة إلى “تحقيق الذات” علماً أن البحوث أشارت إلى أن “تحقيق الذات” يسبق الدخل في أهميته للمرأة العاملة؛ فالبعض قد لا يعمل من أجل المال فقط، بدليل وجود أسر ثرية جداً ومع ذلك نجد أفرادها يعملون في وظائف ليس بالضرورة أن تكون مرتباتها مرتفعة. وتحقيق الذات قد ينعكس إيجاباً على العلاقة الزوجية؛ فتميل إلى الاستقرار وهذه فرضية مطروحة جنباً إلى جنب مع الفرضيات الأخرى في ذات السياق.

    أما حصول المرأة على دخل مستقل، فقد يكون هذا عاملاً إضافياً في استقرار الوضع الاقتصادي للأسرة، عدا أنه قد يخلق عبئاً اقتصادياً جديداً للأسرة خاصة الأمهات اللواتي لديهن أطفال بحاجة إلى مربية أو جليسة أطفال أو عاملة منزلية؛ ما يعني دفع مبلغ لهذه المهمة وما يترتب عليه من استقدام وإيواء عاملة. كما أن توفر المرأة على دخل ثابت يزيد من مستوى الإنفاق الأسري ونزعة الاستهلاكية، ما ينعكس على نمط العيش وأسلوب الحياة (ترفيه، سفر، إلخ).

    يبقى أن هناك موضوعاً مسكوتاً عنه ولم يتم تناوله في مسألة التمكين وهو الاختلاط؛ فخروج المرأة للعمل في بيئة مختلطة لم يكن مألوفاً كثيراً في السابق إذا استثنينا القطاع الصحي، بل وكان يوضع عليه الكثير من المحاذير الاجتماعية والدينية؛ كاتهام العاملة في بيئة مختلطة بأنها متحللة من تقاليد المجتمع، ووصمها اجتماعياً بل والتشكيك في تدينها وأخلاقها. وهذه قضية تحتاج إلى مزيد من التوعية المجتمعية بأبعادها.

    ومن أكثر القضايا التي تُثار في وسائل التواصل الاجتماعي حول تمكين المرأة القول بأن تمكين الذكور وحصولهم على عمل أو وظيفة أهم وأولى بحكم أنهم هم الذين يتولون الإنفاق على الأسرة ودفع تكاليف الزواج وتوفير المسكن.

    ويأتي الرد دائماً أن بطالة النساء هي الأعلى وأن المرأة تشارك كذلك في الإنفاق على الأسرة، وبالتالي من الأهمية بمكان خفض نسبة البطالة النسائية بزيادة عدد المنخرطات بعمل خارج المنزل.

    وهناك جانب آخر ربما لاحظه البعض وهو أن الشبان يضعون المرتب الشهري ضمن أبرز أولوياتهم عندما يبحثون عن عمل بحثاً عن دخل مرتفع، في حين أن السيدات يقبلن برواتب يراها البعض منخفضة لاعتقاد مفاده أنهن لا يعملن من أجل المال، ولكن ربما لتحقيق الذات وللخروج من نمط الروتين المنزلي ومقولة أن أفضل عمل للزوجة هو أن تكون “ربة بيت” تعتني بزوجها وأطفالها ومنزلها.

    أيضاً يكرر البعض أن المرأة ليس مطلوباً منها الإنفاق على الأسرة، فهذه مهمة الزوج الذي يتولى هذه العملية، وأنه ملزم بالإنفاق على الزوجة حتى لو كانت ثرية أو تحصل على دخل ثابت. ويتم الاستدلال على ذلك من نصوص شرعية.

    ويتم تكرار ذلك من قبل بعض السيدات ربما للتنصل من المسؤولية المالية تجاه الأسرة، وترديد مثل هذه المقولات يشير إلى انتقائية مفرطة؛ ففي حين تطالب المرأة بالمساواة في الحصول على عمل كالرجل تماماً إلا أن البعض لا يردن الاضطلاع بمسؤولية الإنفاق ويُلقى بها على كاهل الزوج.

    مثل هذه القضايا تُثار بالصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي لا بد من وجود لوائح تنظيمية أو مدونة تتناول هذه المسائل وعلاجها، بحيث لا يكون تمكين المرأة سبباً في بروز توترات في الأسرة أو سبباً يدفع البعض عن الانصراف عن الزواج وتكوين أسرة. وغاية المجتمع هي أن يكون مستقراً وفاعلاً، والأسرة هي لبنته الأولى التي يلزم حمايتها والمحافظة عليها واستمراراها.

    ويخلط الكثير بين مبدأ تمكين المرأة وبين إعادة حقوقها والتي كفلها الإسلام وضيعها المجتمع الذكوري على مدى قرون، والأنظمة واللوائح والقرارات التي صدرت مؤخراً من الدولة -رعاها الله-كانت خطوة أولى نحو التمكين بإعادة بعض الأمور إلى نصابها وخاصة فيما يختص بحقوق المرأة المكفولة لها شرعاً كحق اختيار الزوج والطلاق والخلع وكامل التصرف بالذمة المالية وحقوقها الاجتماعية كالعضل وغيرها. لكن حقوق المرأة المسلوبة لم تتحقق كلها لها حتى الآن، ناهيك عن تمكين المرأة، فتمكين المرأة يتعلق كذلك بمشاركة الرجل في صنع القرار المؤثر والفاعل على جميع الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقضائية وغيرها، والتمكين لا يشترط بالضرورة المساواة عدداً، وإن كان الأخذ بمبدأ (الكوتا) للمرأة في المجالس الانتخابية كالشورى والمجالس البلدية والغرف التجارية الصناعية قد يساعد في البداية على أن يتعود المجتمع على وجود المرأة الفاعل في صناعة القرار وبعدها يُترَك الخيار للمجتمع بعد التأكد من أن المجتمعات أصبحت مؤهلة لانتخاب الأصلح بغض النظر عن الجنس.

    • مقاييس ومؤشرات تمكين المرأة.

    إن عملية تمكين المرأة تتخذ بُعدين أساسيين: الأول العمل على إزالة المعوقات على اختلافها: (تشريعية، إدارية، اجتماعية، اقتصادية.. إلخ)، والثاني يتمثل في تقديم التسهيلات واتخاذ الإجراءات اللازمة والبرامج التي تدعم مشاركة المرأة وزيادة فرصها على صعيد تشكيل القدرات.

    حيث أصدرت شركة (Pew Research) تقريراً يوضح أن “معدل مشاركة النساء في القوى العاملة في المملكة العربية السعودية يُعدُ المعدل الأسرع نمواً في كافة بلدان مجموعة العشرين، لا سيما وأنّ زيادة مشاركة الإناث في القوى العاملة هي هدفٌ رئيس من أهداف الرؤية السعودية 2030”.

    ويمكن الأخذ في الاعتبار عند تقييم مشاركة المرأة في التنمية تحديد درجة عليا من السلوك يمكن الوصول إليها في محيط معين. كما أن هناك خمسة مفاهيم تم اختيارها بناءً على الصندوق الدولي لدعم المرأة في هيئة الأمم المتحدة UNIFEM هي: التعليم، الصحة، المساهمة الاقتصادية، المشاركة الاقتصادية، المشاركة في القرار. وتم استخدام هذه المعايير في قياس تمكين المرأة لتقرير منتدى الاقتصاد الدولي WEF.

    ويبرز تساؤل محوري فيما يخص تجربة تمكين المرأة في المجتمع السعودي على المستوى المؤسسي؛ التشريعي والقانوني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ومفاد التساؤل هو: كيف يمكن قياس مخرجات هذه التجربة؟ ما هي المقاييس والمؤشرات التي يمكن الاستناد إليها للتحقق من الاقتراب من أهداف تمكين المرأة السعودية؟

    وفي هذا الإطار يمكن القول بأن البيانات التي استندت على تقارير دولية تقدم المملكة العربية السعودية في 4 مؤشرات دولية في إطار تمكين المرأة في عام 2020. وذكر المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة «أداء» أن المملكة وفي إطار تفعيل دور المرأة، حققت المركز الأول في تحقيق المساواة بين الجنسين في معدل الالتحاق بالتعليم العالي استناداً لنتائج مؤشر الفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، في حين حققت المملكة أكبر تحسن في مؤشر المرأة وأنشطة الأعمال والقانون منذ عام 2015، بقفزة نسبتها 150.7% عن عام 2017 وبزيادة نسبتها 13.3% عن العام السابق، وذلك وفقاً لنتائج مؤشر المرأة وأنشطة الأعمال والقانون الصادر عن البنك الدولي في شهر فبراير 2021.

    وأفاد «مركز أداء» وحسب التقرير الدولي أن المملكة سجلت نجاحات في مؤشرات تمكين المرأة في السعودية تمثلت في تسجيل ارتفاع بنسبة النساء في تولي المناصب الإدارية بما نسبته 183%؛ وذلك في مؤشر المشرعين وكبار المسؤولين والمديرين، وأشار المركز إلى أن السعودية تقدمت بـ 33 مرتبة؛ وذلك في مؤشر المساواة في الأجور بين المرأة والرجل في أعمال مماثلة حسب التقرير الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.

    ويشير ذلك إلى تقدم ملحوظ في فترة زمنية قصيرة، ومع هذا فإننا نحتاج وسائل قياس للتغيرات وأثرها الإيجابي أو السلبي على المدى القريب والبعيد، وبالطبع فإن الإحصاءات المباشرة جيدة؛ ولكنها لا تعرض التأثيرات الأخرى ومدى الأثر التتابعي على الجوانب المختلفة. كما أن ‏هنالك جوانب اجتماعية قد تبرز بشكل سلبي أو إيجابي ثم تبدأ بالاستقرار وهنالك آثار اقتصادية سواء على الدخل الخاص بالأسرة أو على المستوى الوطني، وهنالك تغيرات مصاحبة تختلف من منطقة لأخرى. والكثير من الدراسات والمؤشرات يمكن أن تُفحَص بناءً على توفر المعلومات أو القدرة على تحديد واستشراف نوعية الأثر من قبل المختصين.

    وعليه فإن التحليل النوعي المتعمق هو الذي يمكن أن يعطينا مؤشرات ودلالات أقرب إلى الواقع، بالرغم من أهمية الإحصاءات.

    إن تمكين المرأة في المجتمع السعودي تطورت بخطوات صغيرة بدأت من توحيد البلاد وصولاً إلى المرحلة الحالية. فقد “بدأت الرحلة في عام 1932 مع مؤسس البلاد، الملك عبد العزيز، واستمرت في عهد أبنائه الستة، بداية من الملك سعود ووصولاً إلى الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ حيث شهدت المملكة مجموعة من التغييرات التي أدت في النهاية إلى إيجاد رؤية 2030”.

    والمؤكد أن السنوات الأخيرة قد شهدت نهضة شاملة في المجتمع السعودي انعكست على جوانب الحياة فيه وعلى ما يخص تمكين المرأة تحديداً؛ حيث أصبحت المرأة عضواً في مجلس الشورى بنسبة 20% من الأعضاء، كما بلغت نسبة النساء السعوديات أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية ما يقارب الثلث من المجموع الكلي لأعضاء هيئة التدريس، كما شاركت المرأة في انتخابات المجالس البلدية كمرشحة وناخبة. كما أسهمت المرأة السعودية بدور فعال في نهضة مجتمعها، وحققت الكثير من الإنجازات في شتى الميادين لتكون شريكاً فاعلاً في عملية التنمية بمفهومها الشامل. وتحرص الدولة على تعزيز مكانة المرأة في مختلف المجالات، واتخاذ كافة التدابير التي تكفل لها حماية حقوقها.

    والجدير بالذكر أن تحقيق رؤية والأهداف الاستراتيجية لتمكين المرأة السعودية 2030 يتطلب العمل من خلال أربعة محاور وهي:

    • التمكين السياسي وتعزيز الأدوار القيادية للمرأة.
    • التمكين الاقتصادي.
    • التمكين الاجتماعي.
    • الحماية.

    وكل محور ينبثق تحته مؤشرات لقياس الأثر. والنسبة المستهدفة كل سنة.

    • تمكين المرأة: الإجراءات المطلوبة والرؤية المستقبلية.

    بالنسبة لمسألة تمكين المرأة؛ فهي حق، ومشاركة فعلية لكل مكونات المجتمع في تنميته الفعلية؛ لكن يجب أن لا يكون الإجراء المطبق لتحقيق التوازن في الوظائف بين الرجال والنساء، أمراً شكلياً فقط ولسد ثغرة في النسب. فالمشاهد الآن أن الهدف من توظيف النساء، أصبح من أجل تحقيق مستهدفات خطة التنمية والوصول إلى النسب المطلوب ظهورها في تقارير الإفصاح الدورية، حتى وإن كان شكلياً وبالأرقام فقط، دون الإضافة الفعلية لعملية التنمية والإنتاج. وهذا يذكرنا بما حدث سابقاً عندما طُبِّقت فكرة السعودة وفرض نطاقات على القطاع الخاص، مما جعلهم يلجؤون إلى التوظيف الشكلي للمواطن السعودي، وذلك باستخدام اسمه فقط دون أن يمارس أي عمل ويتم إعطاؤه راتباً بسيطاً مقابل ذلك. والهدف كان للوصول إلى تحقيق النطاق المطلوب، وإن هذا النوع من السعودة والذي طبقته بعض المنشآت الخاصة لم يساعد في عملية التنمية بل عطلها.

    والآن الأمر يتكرر وذلك من خلال الشروط المفروضة على القطاع الخاص بزيادة نسبة توظيف النساء في المنشأة، فيتم التوظيف بشكل صوري، دون التأكد من الكفاءة العملية وليس الشكلية. حيث لجأت بعض منشآت القطاع الخاص لبعض الحيل لزيادة نسبة التوظيف المقررة من النساء، دون إسناد أعمال حقيقية لهن، وأحياناً يلعب الشكل أو اللباس دور في التوظيف وليس الكفاءة والخبرة. مما يعني أن التاريخ يعيد نفسه ولم نستفد من التجربة السابقة في عملية السعودة.

    ولعل هذا الواقع يكون فقط في مرحلة التغيير والبدايات، إلى أن تستقر الأمور ويصبح قرار التوظيف مبنياً على الكفاءة والأداء، حتى تتحقق فعلياً مؤشرات الأداء الحقيقية لنصل إلى المستهدفات المنشودة في الرؤية.

    كما أن تمكين المرأة لا يتحقق فقط بأن تعمل أو تشارك في النشاط الاقتصادي وحده، وإنما المشاركة في مجمل العلاقات الاجتماعية والإنتاجية، التي من خلالها تسهم اقتصادياً واجتماعياً في رفاهية أسرتها وتقدم مجتمعها، إضافة إلى التقدير والاعتراف المجتمعي بقدرتها على إحداث التغيير في سلوك الآخرين، وإزالة كافة العمليات والاتجاهات السلوكية النمطية في المجتمع والمؤسسات، التي تصنف المرأة والفئات المهمشة في مراتب أدنى. وقد يتطلب ذلك تبني سياسات وإجراءات وهياكل قانونية، بهدف التغلب على أشكال عدم المساواة، وضمان الفرص المتكافئة للأفراد، في استخدام موارد المجتمع وفي المشاركة المجتمعية أيضاً. وليس القصد من التمكين المشاركة في النظم القائمة كما هي عليه؛ بل العمل على تغييرها ليحل محلها نظم إنسانية تسمح بالمشاركة إن احتاج الأمر. كما أننا بحاجة لمعرفة التباين المكاني لمؤشرات تمكين المرأة السعودية. هل المرأة في أقصى مناطق المملكة حصلت على فرصتها من التمكين كما هو حال المرأة في المدن الكبرى؟

    وبالإشارة إلى ما ورد بالورقة الرئيسة حول عناصر تمكين المرأة يمكن توضيح ما يلي:

    • حق المرأة في تحديد خياراتها: وقد مكنت القوانين التي نعمت بها النساء في المملكة بحقوق كثيرة تشمل حق اختيار التعليم والعمل والإقامة، إضافة الي ما كفله الدين الحنيف من حقها في اختيار الزوج والتصرف في مالها وغيره من الحقوق.
    • حق المرأة في قدرتها على السيطرة على حياتها سواء داخل المنزل أو خارجه: وهذا العامل مربوط إلى حدٍّ كبير بالمناخ العام في المجتمع والمناخ الخاص الذي توجد فيه المرأة، ويحتاج إلى تهيئة ذهنية واجتماعية وثقافية لا يزال مجتمعنا اليوم يتأرجح فيها قبولاً ورفضاً، ولذا نحتاج إلى برامج داعمة وخاصة للشباب من الذكور (في الثانوية والجامعة) لاستيعاب مفاهيم التمكين الجديدة التي كفلتها القوانين لها الآن.
    • حق المرأة في الوصول للموارد: والتصور أن كافة أجهزة الدولة الآن تعمل في هذا الاتجاه بحيث تمكن النساء من الوصول إلى كافة الموارد المتاحة للجنسين وقد يجد البعض غضاضة في ذلك، حيث يمكن أن تُمكَّن بعض النساء في بعض القطاعات والأعمال حتى دون وجه حق، لكن الواقع وكما أشار تقرير المؤسسة العامة للإحصاء الصادر عام 2021 بأنه لا زال هناك فجوة كبيرة بين توظيف النساء والرجال في المملكة على حدٍّ سواء بسبب الفجوة التاريخية التي تحاول الأنظمة الجديدة معالجتها.

    والقوانين التي عملت على تعديل التشريعات الخاصة بالمرأة كثيرة جداً وسريعة وهذه تثير قضايا كثيرة ذات علاقة بالتمكين مثل:

    • دور المرأة داخل الأسرة والذي سيتغير بالضرورة ليصبح الزوج والأب شريكاً فعالاً في إدارتها والقيام بشؤونها اليومية شأنه شأن أي مجتمع طبيعي.
    • العوامل الصحية للاختلاط في بيئة العمل الجديدة على كلا الجنسين.
    • تغير نمط علاقة الجنسين بعضهما ببعض نتيجة لمبادرات التمكين وكيفية إدارة ذلك بشكل صحي.

    واقعيًا من الصعب للمرأة أن تقوي من وجودها إلا بالقوانين واللوائح والأنظمة والأوامر؛ لذا يجب تواجدها في كل مجال بقوة القانون؛ حتى تتقلص الهيمنة الذكورية تدريجيًا. مع أهمية مراجعة وتعديل أي تشريعات وأعراف مكبلة للمرأة بشكل دوري، خاصة وأن الدولة حرصت على إلغاء كل ما من شأنه التمايز بين الجنسين في الحقوق والواجبات؛ ولكنها مقيدة اجتماعيًا بحكم العادات المتوارثة.

    فمن وجهة نظر البعض فإن تقوية وجود المرأة وتمكينها، لن يتم فقط عبر تصميمها الذاتي على المنافسة، وإنما أيضًا عبر كسر الهيمنة الذكورية في المجتمع. ولعل ‏هذه الآلية التي اتبعتها الدولة ‏بإعطاء الفرصة لها كواجب وكهدف، كان هو الحل – رفع نسب مشاركة المرأة (الكوتا) -كونها مهمة في البداية؛ فإتاحة الفرصة لها، يعطيها مساحة لإثبات وجودها، ويقوي مكانتها، ويرفع من قناعة المجتمع بقدراتها، ويحفز الأخريات معنوياً في المشاركة. ويمكن لاحقًا بعد تعود المجتمع على تمكين المرأة في كافة المجالات، أن يناط الأمر للتنافس بالكامل، ويكون التأهيل بعدها على أساس الكفاءة. وهناك أمران آخران ضروريان:

    • يجب إعطاء الفرصة للطلاب من الثانوية والجامعات والمعاهد من الجنسين لحضور جلسات انتخاب مجلس الشورى والمجالس البلدية، والاستماع لها، أو إنشاء مجالس شبيهة للطلاب من الجنسين لكسب الخبرة ونشر ثقافة انتخاب المرأة وتمكينها؛ للتعود على هذه الآلية.
    • بعد أن أصبحت المرأة الآن شريكة فاعلة في بناء وتقدم هذا الوطن. من المهم أن يتغير أسلوب الخطاب الاجتماعي الذي كان مذكرًا بحتًا، موجهًا إلى الرجال وتأنيث المسميات الوظيفية والمناصب القيادية؛ فلا تمكين للمرأة ما لم تكن اللغة عاملاً رئيسياً وشريكاً في مساندته.

    ويجب أن يجد موضوع تمكين المرأة العناية الكافية في طريقته وتداعياته، ويجب أن نعرف أنه ضرورة حيث لا يعقل أن نجمد نصف الشعب وبالذات في دولة تتمتع -ولله الحمد- بموارد ضخمة واقتصاد كبير، وأيضاً اتساع أرض الدولة مع قلة عدد السكان السعوديين من نساء ورجال، إذاً لدينا ضرورة وهذا لا يحجب أنه حق للمرأة أن تعمل وتُمكَّن؛ كي تساهم مع الرجل في بناء مجتمع قوي ودولة قوية. هنا حينما نقول مجتمعاً قوياً، فنحن نتكلم عن عمادة” الأسرة”، لا جديد أن الأسرة لا تعتمد على الأم فقط فهي تحتاج الأب بنفس الدرجة والمسؤولية؛ لذا يجب أن لا نتخوف أو نبالغ من تمكين المرأة إذا ما أجدنا معالجة تداعيات التمكين والتي ممكن جداً تقليلها بعدة خطوات سهلة وممكنة ومنها ما يلي:

    • ليس من الضرورة أن يكون قانون العمل متشابهاً أو شمولياً للجنسين. مثلاً ليس من الضرورة أن تكون ساعات العمل متطابقة مع الرجل، وليس من المهم أن تدخل كل مجال.
    • على الرجال أن يعوا أن عليهم مسؤولية لا تقل عن مسؤولية المرأة / الأم في تربية الأولاد وتماسك الأسرة. وهنا يجب زرع هذا الأمر مبكراً لدى الأطفال الذكور والإناث. زرع الشراكة.
    • مع الحرص على تمكين المرأة، يجب الحرص مستقبلاً على عدم اعتماد سياسة النسبة ” الكوتا ” طوال الوقت في عدد النساء في الوظائف والأعمال، اعتماد الكفاءة كمقياس للرجل أو للمرأة هو الأنسب.
    • يلاحظ أن هناك قصوراً إعلامياً وارشادياً في موضوع تمكين المرأة، حيث يجب تصويره بجانبين: الأول أنه حق كفله الدين والعقل والثاني ضرورة وطنية، حيث إن عزل نصف المجتمع خلل وخلل كبير سيؤدي حتماً لفشل خطط التنمية وبناء دولة تعتمد على سواعد أبنائها وبناتها.

    إلا أنه ثمة وجهات نظر تؤكد على أنه يجب ألا يكون هناك أي نوع من الانحياز أو التفضيل حتى لو كان لتصحيح الوضع السابق وترجيح كفة المرأة على حساب الرجل، وإنما الأفضل أن يكون هناك توازن وعدالة وشفافية في عملية التوظيف واعتلاء المناصب والمهم الكفاءة والخبرة وليس العدد والشكليات، خاصة أننا نلاحظ أيضاً التوجه لتعيين الشباب في المناصب القيادية وتجاهل أصحاب الخبرة من الجنسين، كما أن التمكين ليس فقط بالمسميات وإنما الصلاحيات والقدرة على اتخاذ القرار والتنفيذ.

    أما بالنسبة للكوتا فقد اختلفت الآراء حول هذا الأسلوب؛ ولكن التجارب العالمية أثبتت أنه ضرورة في البداية خاصة في أماكن مناقشة وصنع القرار مثل البرلمانات ومجالس الإدارة؛ وفي نفس الوقت يكون الاختيار والتعيين بناءً على الكفاءة والخبرة وليس مجرد عدد. ويمكن أن تتحقق الكوتا أو لنُقل المساواة في الفرص في التعيين والمناصب القيادية بالتدريج والاستفادة من ذوي الخبرة ووضع الشباب على مسار وظيفي يؤهلهم للوصول إلى المناصب القيادية بناءً على تقييم الأداء العادل والشفاف.

    ولعل أهم ما تحقق في مجال تمكين المرأة في السنوات القليلة الماضية هو تغيير القوانين والأنظمة التي كانت تهمش المرأة وتلغي دورها وحقوقها وفرصها واستقلاليتها. ويبقى دور الأسرة والتعليم والإعلام لتغيير المفاهيم والنظرة النمطية للمرأة عبر برامج وحوارات لرفع الوعي ودعم التوجه لاحترام الرجل والمرأة لبعضهم بعضاً ودور كل منهما داخل الأسرة وفي المجتمع.

    كما أن تمكين المرأة يكون بإعدادها من خلال التدريب والتعليم لتولي المناصب والمهام الموكلة اليها، لكن ما نراه اليوم في تصور البعض هو غالباً وضع المرأة في الواجهة وتحميلها مهام وظيفية غير قادرة على تنفيذها على الوجهة المطلوبة ووضع فريق “رجالي” يقدم لها الدعم المطلوب.

    لكن تجدر الإشارة إلى أن الإعداد بالتدريب والتعليم والتدرج في المناصب ينطبق على المرأة والرجل، ووضع المرأة في الواجهة وتحميلها مهام وظيفية غير قادرة على تنفيذها، بينما يقوم فريق رجالي بالعمل والدعم المطلوب، فهذا بسبب عملية الاختيار والتعيين، وهو أيضاً للأسف ترسيخ لفكرة أن المرأة غير قادرة، بينما هناك أيضاً رجال في مناصب قيادية وغير قادرين، المشكلة في طريقة ومعايير التعيين سواء للرجال أو النساء.

    ولنجاح تمكين المرأة يجب أن لا نغفل تأهيل الشباب، فلدينا بطالة حقيقية وبطالة مقنعة مع وجود بطالة بين الفتيات تفوق الشباب، ولكن من الواضح أن معالجة بطالة الفتيات في تسارع أكثر من الشباب بغض النظر عن نوعية العمل والمرتبات… إلخ.

    وختاماً فلا شك أن التمكين أمر لا يتأتى بالعاطفة فقط ونضج المجتمع فحسب، وإنما بالتنظيمات والأنظمة والتشكيل الثقافي التي تدفع إلى ذلك.. ولكن تحتاج الأنظمة أن تكون منسجمة مع نسيج المجتمع (بكل ما تعنيه كلمة نسيج من معنى) وتجنب القفز على المراحل.

    • التوصيات
    • إن تمكين المرأة الاجتماعي في غاية الأهمية وهو ضرورة يبدأ من الأسرة أولاً من خلال المشاركة بين المرأة والرجل في الحياة الإنتاجية وتقاسم المسؤوليات عن رعاية الأطفال وتربيتهم وإعالتهم.

    الجهة المسؤولة عن التنفيذ: المؤسسات (الإعلامية، التربوية، الدينية).

    • اعتماد تدابير مناسبة لتحسين قدرة المرأة على كسب دخل، وتحقيق الاعتماد على الذات اقتصادياً، وضمان وصول المرأة على قدم المساواة إلى سوق العمل وأنظمة الضمان الاجتماعي.
    • القضاء على الممارسات التمييزية من قبل أرباب العمل ضد المرأة.

    الجهة المسؤولة عن التنفيذ/ وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.

    • إن العمل على تمكين المرأة واستقلاليتها وتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أمر ضروري لتحقيق الشفافية والمساءلة في الحكومة والإدارة والتنمية المستدامة في جميع مجالات الحياة. ويتطلب لتحقيق هذا الأمر استحداث وزارة بالدولة خاصة بشؤون المرأة والأسرة.
    • إعداد استراتيجية لتنظيم وتوسيع خيارات العمل للمرأة، وإعداد استراتيجية للعمل عن بعد.

    جهة التنفيذ/ وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.

    • تنفيذ دراسات ميدانية لقياس مؤشرات التوزيع المكاني للتمكين، ومعوقاته.

    جهة التنفيذ: (المرصد الوطني للمرأة، وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، مراكز الأبحاث).

    • العمل على أوجه الاحتياجات الخاصة بالمرأة التي لم تتمكن من اكتسابها، والسعي إلى تقنينها.
    • الاهتمام بالجانب التوعوي الإعلامي، نحو ما تستحقه المرأة من حقوق ومكتسبات، ليكن أمر متأصل لدى المجتمع.
    • تمكين المرأة اقتصادياً من خلال وضع حدٍّ للأجور التي تحمي المرأة من استغلالها في أعمال هامشية وبأجور متدنية.
    • تأهيل العاملات وخاصة في القطاع الخاص والأسواق للتعامل مع بيئة العمل من خلال دورات مكثفة وتعريف المتقدمات للعمل بهذه الخدمة.

    جهة التنفيذ/ وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.

    • إيجاد منافذ توعوية وتدريبية وخاصة للشباب من الجنسين بما يوفر مناخاً مناسباً لاستيعاب التحول التاريخي في العلاقة بينهما بحكم التغيرات الثقافية والقانونية والمهنية التي تعيشها المرأة.
    • قيام الجهات المختصة بضرورة دراسة تعزيز فرص نجاح برامج تمكين المرأة، والاستشراف المبكر للمخاطر الحرجة، من أجل الحيلولة دون وقوعها أو التخفيف منها.
    • ضرورة قيام الجهات المختصة بدراسة تعزيز فرص نجاح برامج تمكين المرأة، والاستشراف المبكر للمخاطر الحرجة، من أجل الحيلولة دون وقوعها أو التخفيف منها.

     

    • المصادر والمراجع
    • نورة عبدالرحمن اليوسف: تمكين المرأة السعودية، 2009م، متاح على الرابط الإلكتروني:

    https://faculty.ksu.edu.sa/sites/default/files/book.pdf

    • فهد لؤي آل غالب الشريف: تمكين المرأة: البرامج التعليمية والإصلاحات التي بلغت ذروتها في ظل الاقتصاد السعودي المتنوع، (في): مجلة دراسات، عدد ربيع الأول 1441هـ/ نوفمبر 2019م.
    • المنصة الوطنية الموحدة: تمكين المرأة، متاح على الموقع الإلكتروني: https://www.my.gov.sa
    • أمل عبدالرحمن سليم الحربي: تصور مقترح لإنشاء مجلس لتمكين المرأة السعودية في ضوء رؤية المملكة العربية السعودية 2030، (في): مؤتمر تعزيز دور المرأة السعودية في تنمية المجتمع في ضوء رؤية المملكة 2030، 24-25/4/2017م.
    • إيمان قحطاني: اتجاهات الأكاديميات السعوديات نحو قضية تمكين المرأة، مجلة كلية الخدمة الاجتماعية للدراسات والبحوث الاجتماعية، جامعة الفيوم، العدد الثاني، 2016م.
    • هند عقيل الميزر: المرأة السعودية من التهميش إلى التمكين في التعليم والعمل، المجلة العربية للدراسات الأمنية، المجلد (32)، العدد (68)، 2015م، ص ص 127-154.
    • كيان موليغان: كيفية تمكين النساء السعوديات في القوى العاملة؟، مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك(، 2019م.
    • تقرير التقدم المحرز والتحديات القائمة في تنفيذ منهاج عمل بيجن 2019: مجلس شؤون الأسرة: المملكة العربية السعودية، 2019م.
    • علياء عمر كامل فرج، ووداد عبدالله ناصر شرعبي: دور التعليم الجامعي في تمكين المرأة السعودية في ضوء استراتيجية التنمية 2030 من وجهة نظر طالبات جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز، مجلة الدراسات الاجتماعية، المجلد السادس والعشرون، العدد (1)، مارس 2020م، ص ص 31-53.
    • نجلاء صالح آل عوض: معوقات تمكين المرأة في حقوقها القانونية في المملكة العربية السعودية، مركز الأبحاث الواعدة في البحوث الاجتماعية ودراسات المرأة، 1435هـ.

     

    • المشاركون.
    • الورقة الرئيسة والمعقبون: د. هناء المسلط، د. عبدالله الحمود، د. مها العيدان.
    • إدارة الحوار: د. هند الخليفة
    • المشاركون بالحوار والمناقشة:
    • د. عبد الإله الصالح
    • د. محمد الثقفي
    • أ. فايزة العجروش
    • أ. محمد الدندني
    • أ. مها عقيل
    • د. خالد المنصور
    • د. عبدالعزيز الحرقان
    • د. خالد الرديعان
    • د. حميد الشايجي
    • د. وفاء طيبة
    • أ. منى أبو سليمان
    • د. فوزية البكر
    • د. عبدالله ناصر الحمود
    • د. حمد البريثن
    • أ. فهد القاسم
    • د. فهد اليحيا
    • د. سلطان المورقي
    • لواء فاضل القرني
    • د. عبير برهمين
    • أ. علاء برادة

     


    القضية الثانية 

    ضغوط العمل عند الشباب: المصادر والآثار واستراتيجيات التعامل

    (24/11/2021م)

    • الملخص التنفيذي.
    • الورقة الرئيسة: د. علي الحكمي

    التعقيبات:

    • التعقيب الأول: د. وفاء طيبة
    • التعقيب الثاني: د. نوال الضبيان
    • إدارة الحوار: د. عفاف الانسي
    • المداخلات حول القضية
    • التعريف بضغوط العمل وأبرز أنواعها.
    • مسببات ضغوط العمل المعاصرة.
    • الآثار السلبية الناجمة عن الضغوط في بيئة العمل.
    • استراتيجيات الوقاية للتعامل مع ضغوط العمل.
    • التوصيات
    • المصادر والمراجع
    • المشاركون

     

    • الملخص التنفيذي.

    تناولت هذه القضية ضغوط العمل عند الشباب، وأشار د. علي الحكمي في الورقة الرئيسة إلى أن الضغوط بحد ذاتها ليست على الدوام مؤثرًا سلبيًّا على الشخص أو على أدائه في العمل أو حياته بشكل عام، بل إن مستوى مناسبًا منها لقدرات الشخص وإمكاناته هو عامل محفز ودافع لبذل المزيد من الجهد والتميز في الأداء، بينما افتقاد الشخص للضغوط، أو ضعف شعوره بها، قد يقوده إلى عدم النشاط أو الاسترخاء، كما أن المستويات العالية من الضغوط قد تؤدي إلى الإنهاك أو القلق والغضب والانهيار عندما تصل لحدود عليا للغاية. ويطلق على العوامل التي يمكن أن تتسبب في الضغوط النفسية ذات العلاقة بالعمل مصطلح (المخاطر النفسية الاجتماعية Psycosocial Hazards).

    وتشير بعض التقارير الإحصائية إلى أن عدد الأشخاص على مستوى العالم الذين يعانون من الضغوطات النفسية والقلق والاكتئاب في تزايد مستمر. وتمثل ضغوط العمل جزءًا مهمًّا من العوامل المؤدية للاضطرابات النفسية، وبجانب آثارها الاقتصادية وعلى مستوى إنتاجية المنظمات، فإن لضغوط العمل آثارًا كبيرة منها الجسدي، والنفسي، والانفعالي، والسلوكي. والمؤكد أن الآثار السلبية للضغوط النفسية والتي تشمل الاقتصاد، والمنظمات، والموظف وأسرته تتطلب تبنِّي جميع الجهات ذات العلاقة لاستراتيجيات وتدخلات على مستويات عدة للوقاية منها والتقليل من آثارها.

    بينما ذكرت د. وفاء طيبة في التعقيب الأول أن بيئة العمل هي بيئة إنسانية أولاً وأخيراً، اللاعب المفرد فيها هو الإنسان، وأينما كان الإنسان سيلعب علم النفس دوراً كبيراً في ديناميكية التفاعل بين النفس والنفس، والنفس والبيئة المحيطة أيّاً كانت، ولكل منظمة مدخلها الخاص بها لسعادة موظفيها وصحتهم النفسية، واللعب بالخيوط النفسية للمنظمة والعاملين فيها وأنظمتها هو أساس نجاح المنظمات في الوقت الحاضر، ولكن تعتمد على 6 مبادئ أساسية وهي: بناء استراتيجية، وتحديد الموظف الذي تحتاجه المؤسسة وفي أي مجال، والاحتفاظ بالموظفين، والاستثمار في الموظف، وتشجيع التنوع والاختلاف.

    في حين تطرقت د. نوال الضبيان في التعقيب الثاني إلى أن رؤية المملكة 2030 وتوجيهات ولاة الأمر -حفظهم الله- تهدف إلى تحقيق السعادة لشعب المملكة ومن يعيش فيها. وفيما يخص بيئات العمل المثلى والتي تهدف للإيجابية على جميع الأصعدة يمكن الإشارة إلى أنموذج شركة “جوجل” من حيث بيئة العمل الداعمة والمشجعة لموظفيها، بل إن الشكل الخارجي والداخلي للمباني يتواءم مع أنماط القيادة التي تُشعر الإنسان بمكانته وحظوته، فتوفر لهم مناخاً يبعث على السعادة والتفاؤل في عالم ملئ بالفرص والتنافسية.

    وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

    • التعريف بضغوط العمل وأبرز أنواعها.
    • مسببات ضغوط العمل المعاصرة.
    • الآثار السلبية الناجمة عن الضغوط في بيئة العمل.
    • استراتيجيات الوقاية للتعامل مع ضغوط العمل.

    ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

    • إيجاد جهة ” مؤسسة مجتمع مدني أهلية ” أحد مهامها رقابة وتطوير أنظمة بيئة العمل مثل التعاقد وظروف مكان العمل وآلياته ولوائحة ذات العلاقة بما يحمي أطراف العمل وذوي العلاقة.
    • أن تتولى مؤسسات القطاع الخاص كجانب من المسؤولية الاجتماعية:
    • تصميم برامج متكاملة يمكن أن تطبقها المنظمات.
    • التطوير المهني للمسؤولين في المنظمات عن الموارد البشرية على تلك البرامج.
    • طرح جوائز للمنظمات المتميزة في مجال السعادة في مكان العمل في مختلف القطاعات.
      • الورقة الرئيسة: د. علي الحكمي

      يقضي الإنسان جزءًا كبيرًا من حياته في العمل، فإذا كان ذلك الجزء سعيدًا؛ فسيكون له أثر إيجابي على باقي جوانب حياة الإنسان الأسرية والصحية والاجتماعية وغيرها، إذ إن حياتنا خارج مكان العمل ليست منفصلة عن حياتنا في داخله، بل إن كلاًّ منها يؤثر في الآخر، وبالتالي فإن نوعية خبراتنا في مكان العمل تؤثر بشكل كبير على جودة حياتنا وسعادتنا بشكل عام. ومن ناحية أخرى، فإن سعادة الأفراد وانغماسهم في أداء مهام عملهم يرفع معدلات إنتاجيتهم، ويسهم بالتالي في تحقيق النمو والازدهار لمؤسساتهم ومجتمعاتهم وبلدانهم، وبالتأكيد يسهم في تحقيق ذلك لحياتهم الشخصية والاجتماعية. وتعتبر الضغوط النفسية في مكان العمل وكيفية التعامل معها من أهم العوامل ذات العلاقة بسعادة الموظف ورفاهيته. وتقدم هذه الورقة تعريفًا بالضغوط النفسية وخاصة في مكان العمل، وأسبابها، وآثارها واستراتيجيات التعامل معها مع الأخذ في الحسبان خصائص جيل الشباب وتوقعاتهم من العمل وبيئة العمل المتغيرة، وخاصة ما يتعلق منها بالتقدم التقني المعاصر.

       

      • عالم عمل متغير

      نحن نعيش في بيئة عمل متغيرة باستمرار، فما كان من المسلمات في عقود مضت أصبح غير مناسبٍ للعصر الحاضر وخاصة لجيل الشباب. فالتغيرات التقنية، وتوقعات جيل “الألفية” وما طرأ فيها، والأزمات (مثل جائحة كورونا كمثال قريب وحاضر في الذهن) قد غيرت من علاقتنا بالعمل، وكيف نؤديه، وإدارة المؤسسات، والعلاقات الاجتماعية داخلها. ولذلك، فإن هذه الأوضاع الجديدة تتطلب إعادة النظر في تلك المسلمات وما نتج عنها من أنظمة عمل وسياسات وإجراءات.

       

      • توقعات جيل “الألفية”

      يطلق على جيل الشباب المولود في التسعينيات من القرن الماضي وما بعد ذلك بأنهم جيل الألفية، وهذا الجيل يبحث في الوظيفة عن خصائص محددة تختلف في بعض جوانبها عن الأجيال التي سبقته.  ومن أهم هذه الخصائص أن يتسم العمل بما يأتي:(From: 1. Alexis Grant 2011 US News Money. 2. The Herman Group)

      • المرونة وعدم الرسمية في بيئة العمل، وأوقاته، ومكانه، وأسلوب أدائه.
      • فرصة تأسيس أعمال ومبادرات شخصية، ومبادرات أعمال.
      • التوازن بين العمل والحياة، والتعامل مع الضغوط، والسعادة في الحياة.
      • صناعة “الماركة” أو الهوية الشخصية، تسويق الذات وليس المنظمة التي يعمل فيها.
      • فرص التحدي وتحقيق الإنجازات، والسماح بالنمو الشخصي، وبتعلِّم مهارات جديدة.

      هذه الخصائص التي يبحث عنها هذا الجيل في مكان العمل وظروفه ومتطلباته، فرضت تحديات جديدة أمام المنظمات، مما يتطلب ــ وكإجراء ضروري لإدارة المواهب فيها والمحافظة عليها ووقايتها من ضغوط العمل وما ينتج عنها من أضرار جسدية ونفسية ــ أن تعيد المنظمات تصميم بيئة العمل وسياساته وأنظمته وإجراءاته بما يحقق ذلك.

       

      • مفهوم الضغوط النفسية

      يُعرِّف (Lazarus and Folkman, 1984) في كتابهما(Stress, Appraisal, and Coping)   الضغوط النفسية على أنها “العلاقة المحددة بين الشخص وبيئته، والتي  ــ وفق تقويمه ونظرته الشخصية ــ  ترهق أو تفوق قدراته وإمكاناته وتشكل خطرًا على صحته ورفاهيته”. ويجدر التوضيح هنا أن القدرات والإمكانات الواردة في التعريف أعلاه تتعدى القدرات المادية لتشمل القدرات النفسية مثل قوة التحمل والتعامل الفعال مع الضغوط.

      والضغوط بحد ذاتها ليست على الدوام مؤثرًا سلبيًّا على الشخص أو على أدائه في العمل أو حياته بشكل عام، بل إن مستوىً مناسبًا منها لقدرات الشخص وإمكاناته هو عامل محفز ودافع لبذل المزيد من الجهد والتميز في الأداء، بينما افتقاد الشخص للضغوط، أو ضعف شعوره بها، قد يقوده إلى عدم النشاط أو الاسترخاء، كما أن المستويات العالية من الضغوط قد تؤدي إلى الإنهاك أو القلق والغضب والانهيار عندما تصل لحدود عليا للغاية، وفقًا لمنحنى العلاقة بين الأداء ومستوى الضغوط والذي طور النسخة الأولى منه عالما النفس (Robert Yerkes and John Dodson) عام 1908.

       

      • أسباب ضغوط العمل

      يطلق على العوامل التي يمكن أن تتسبب في الضغوط النفسية ذات العلاقة بالعمل مصطلح (المخاطر النفسية الاجتماعية Psycosocial Hazards)، وتُعرِّف منظمة العمل الدولية (ILO) في تقرير لها بعنوان: “ضغوط مكان العمل: تحدٍّ شامل” والذي صدر عام 2016 المخاطر النفسية الاجتماعية على “أنها التفاعلات بين بيئة العمل، ومحتوى العمل الذي يقوم به الموظف، والوضع التنظيمي لمكان العمل، واحتياجات الموظف وثقافته، وغيرها من العوامل التي يمكن، من خلال مدركات الموظف وخبراته، أن تؤثر على صحته، وأدائه ورضاه عن العمل” وهذا التعريف يؤكد على أن تلك المخاطر التي تؤدي للضغوط النفسية هي نتاج للتفاعل بين العوامل ذات العلاقة بالعمل، ومجموعة من العوامل الشخصية للموظف. فعندما يكون ذلك التفاعل سلبيًّا، فإنه قد يؤدي إلى اضطرابات انفعالية، ومشكلات سلوكية وتغيرات كيمائية حيوية أو عصبية لدى الفرد، مما ينتج عنه أمراض نفسية أو جسدية. والعكس صحيح، فعندما تكون ظروف العمل، والعوامل الشخصية لدى الموظف في توازن، فإن العمل يخلق شعورًا بالإتقان، والثقة بالنفس، وزيادة الدافعية، والقدرة على أداء العمل والرضا عنه، وبالتالي يحسِّن الصحة بشكل عام (ILO, 2016).

      ويقدم تقرير منظمة العمل الدولية المشار إليه أعلاه سمات العمل ذات العلاقة بمحتوى العمل التي تسبب الضغوط (المخاطر النفسية الاجتماعية) وهي على النحو الآتي:

      • بيئة العمل ومعداته، مثل المشكلات ذات العلاقة بتوفر واعتمادية ومناسَبَة وصيانة المعدات والأدوات التي يحتاجها الموظف، وكذلك مناسبة البيئة الطبيعية لمكان العمل.
      • تصميم العمل، مثل قلة تنوع العمل، والعمل المجزأ والذي لا معنى أو قيمة له لدى الموظف، وقلة توظيف مهارات الموظف، وحالة عدم اليقين لدى الموظف فيما يتعلق بعمله.
      • أعباء العمل ونمط سرعته، مثل عدم مناسبة أعباء العمل (قلة أو كثرة) وجدول العمل غير المرن، وساعات العمل غير المنتظمة، أو الطويلة أو التي لا يوجد بها تفاعل اجتماعي.

      أما العوامل ذات العلاقة بظروف العمل (work Context) وفقًا لتقرير المنظمة، فمنها:

      • ثقافة المنظمة ووظيفتها، مثل سوء التواصل داخل المنظمة، وضعف مساندة الموظف لحل المشكلات التي تواجهه، وقلة التطوير الذاتي، والافتقار للوضوح الكامل لأهداف المنظمة.
      • دور الموظف في المنظمة، ومن ذلك غموض دور الموظف، أو الصراع حوله، بالإضافة إلى كون الموظف مسؤولاً عن موظفين آخرين.
      • التطور المهني للموظف، مثل الركود الوظيفي (الشعور بعدم الانغماس في العمل أو المهام التي يقوم بها)، وعدم توفر الحوافز والترقيات، أو الترقيات غير المستحقة، أو ضعف المرتب وعدم شعور الموظف بالأمان الوظيفي، والقيمة الاجتماعية المنخفضة للعمل.
      • مجال اتخاذ القرار والتحكم، كقلة المشاركة في اتخاذ القرار، وعدم قدرة الموظف على التحكم بالعمل الذي يقوم به (ووجود مؤثرات أخرى تقلل من قدرته على أداء العمل بالصورة المطلوبة).
      • العلاقات الاجتماعية في العمل، مثل العزلة الاجتماعية أو المكانية، والعلاقات السيئة مع رؤساء الموظف، والصراعات الشخصية، وعدم وجود المساندة الاجتماعية.
      • العلاقة بين العمل والمنزل، كالصراع بين متطلبات الوظيفة والمنزل، وقلة الدعم في المنزل، والمشكلات الناتجة عن كون الزوجين موظفين.

      وتجدر الإشارة كذلك إلى أن التنمر والتحرش وسوء المعاملة هي من أهم المخاطر داخل مكان العمل ذات العلاقة بالضغوط النفسية للموظف. وقد أظهرت دراسات عدة ــ قدم مراجعة لها كلٌّ من: Susmita Suggala, Sujo Thomas, and Sonal Kureshi في كتاب The Palgrave Handbook of Workplace Well-Being (2021) ــ أنها من مسببات الضغوط النفسية والاضطرابات النفسية، وأن تأثيراتها السلبية تمتد لشعور الموظف بقيمته الذاتية وقد تصل للانتحار.

       

      • التقنية وضغوطات العمل

      على الرغم من الإيجابيات الكبيرة للتقدم التقني المتسارع في العمل والحياة بشكل عام، إلا أنه أدى لآثار جانبية سلبية على صحة الموظف الجسدية والنفسية، وأثَّر على سعادته وخاصة ما يتعلق بها من مشاعر الاكتئاب والقلق، وقد أطلق عالم النفس الأمريكي (Craig Broad) في عام 1984، ومع بداية انتشار الحاسبات الشخصية، مصطلح (Technostress) والذي يعني الاستجابة النفسية للخبرات السلبية الناتجة عن استخدام الحاسب الآلي.  وفيما يأتي بعض الأمثلة لعلاقة التقنية بضغوطات العمل: (Dragano and Lunau 2020, Giorgia Bondanini and others 2020)

      • تدفق المعلومات المستمر للموظف عن طريق البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة ذلك الذي يستمر ويتواصل في جميع الأوقات، حتى خارج وقت العمل الرسمي، قد تسبب زيادة الأعباء على الموظف، وبالتالي الشعور بالضغوط النفسية وما ينتج عنها من حالات انفعالية سلبية.
      • أزالت وسائل التواصل الاجتماعي الحاجز بين حياة الموظف العملية والشخصية، فأصبحت الاهتمامات والشؤون ذات العلاقة بحياته بشكل عام تصله بشكل مستمر لمكان العمل، مما يؤدي إلى زيادة الصراع بين العمل والحياة (work-life conflict) وبالتالي شعور الموظف بالإرهاق والاحتراق (Burnout)، مما قد يقود إلى قلة إنتاجيته وتعرضه لإشكالات نتيجة لذلك.
      • مع التقدم التقني السريع يشعر بعض الموظفين بعدم القدرة على مواكبة ذلك التقدم والتعلم المستمر بصورة سريعة. وبينما يمثل ذلك فرصًا للبعض من ذوي القدرات والدافعية العالية لاكتساب مهارات جديدة، إلا أنه يشكل ضغوطًا نفسية على فئات أخرى من الموظفين.

       

      • إحصاءات ذات علاقة

      تشير بعض التقارير الإحصائية إلى أن عدد الأشخاص على مستوى العالم الذين يعانون من الضغوطات النفسية والقلق والاكتئاب في تزايد مستمر. وتمثل ضغوط العمل جزءًا مهمًّا من العوامل المؤدية للاضطرابات النفسية. وفيما يأتي ــ على سبيل المثال ــ بعض الإحصاءات ذات العلاقة قدَّمها المعهد الأمريكي للضغوط (American Institute of Stress):

      • 83% من العاملين في أمريكا يعانون من الضغوط النفسية ذات العلاقة بالعمل.
      • قطاعات الأعمال تخسر سنويًّا 300 مليار دولار نتيجة للضغوطات النفسية التي يعاني منها الموظفون.
      • الضغوط النفسية تسبب غياب مليون موظف وعامل عن العمل كل يوم.
      • 43% من الموظفين فقط يعتقدون أن أصحاب العمل يهتمون بالتوازن بين حياة موظفيهم داخل العمل وخارجه (مثل الحياة الأسرية).
      • الاكتئاب يؤدي سنويًّا إلى 51 مليار دولار من الفاقد نتيجة لغياب الموظف، وإلى 26 مليار دولار من تكلفة العلاج.
      • الضغوط ذات العلاقة بالعمل تتسبب في 120 ألف وفاة وإلى 190 بليون دولار في تكلفة الرعاية الصحية.

      وهذه الإحصاءات، وبالرغم من أنها استُقِيت من استفتاءات ودراسات في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي لا يمكن تعميمها على مجتمعات أخرى، إلا أنها مؤشر إلى انتشار الضغوط النفسية في مكان العمل عالميًّا بنسب أعلى أو أقل، وأن هناك حاجة لدراسات محلية عن ذلك.

       

      • آثار ضغوط العمل

      وبجانب آثارها الاقتصادية وعلى مستوى إنتاجية المنظمات، والتي ذكر بعضها في الإحصاءات أعلاه، فإن لضغوط العمل آثارًا كبيرة منها الجسدي، والنفسي، والانفعالي، والسلوكي. حيث تشمل الآثار الجسدية الصداع، وعسر الهضم، والشعور بالتعب، واضطرابات النوم، وقصور التنفس، والغثيان. أما الآثار النفسية فمنها صعوبة اتخاذ القرار، والنسيان، وصعوبة التركيز ومشكلات التذكر. ومن الآثار الانفعالية سهولة الاستثارة، والقلق المفرط، وتقلبات المزاج. أما الآثار السلوكية فتشمل ضعف الأداء، والانسحاب من العمل وعدم الانغماس فيه، والسلوك الاندفاعي، وقد تمتد لسوء استخدام العقاقير أو تعاطي المخدرات. (worksafe.vic.gov 2021).  ومن جانب آخر فإن ضغوط العمل قد تقود لصعوبات في الحياة الاجتماعية للموظف، مثل صعوبة تحقيق التوازن المطلوب بين حياة الإنسان العملية من جهة، وحياته الأسرية وخارج العمل. فالضغوط تنتقل مع الشخص خارج مكان العمل، وتزيد الأضرار عند استخدام الموظف التقنيةَ للعمل من المنزل لإنجازه وهو خارج أوقات العمل الرسمية.

       

      • استراتيجيات الوقاية والتعامل مع ضغوط العمل

      إن الآثار السلبية للضغوط النفسية والتي تشمل الاقتصاد، والمنظمات، والموظف وأسرته تتطلب تبنِّي جميع الجهات ذات العلاقة لاستراتيجيات وتدخلات على مستويات عدة للوقاية منها والتقليل من آثارها، وذلك على النحو الآتي:

      على المستوى الوطني:

      • إجراء الدراسات والاستطلاعات بشأن ضغوط العمل والصحة النفسية للعاملين على المستوى الوطني بشكل عام، وكذلك على القطاعات مثل القطاع العام أو الخاص…إلخ، وأن يؤخذ في الحسبان في تلك الدراسات والاستطلاعات المتغيرات الديموغرافية مثل العمر، الجنس (ذكر أو أنثى) والمستوى الاجتماعي والاقتصادي والمستوى التعليمي والموقع الجغرافي.
      • إجراء أبحاث علمية عن العوامل ذات العلاقة بسعادة الموظفين في مكان العمل، وسبل تعزيزها، وإتاحة استفادة المنظمات والعاملين فيها من أحدث الممارسات العالمية في هذا المجال.
      • دعم الجهات المسؤولة عن الموارد البشرية للمنظمات في جميع القطاعات من خلال التشريعات التي تساعد المنظمات على جعل السعادة في مكان العمل واقعًا ملموسًا لموظفيها، وعلى التعامل مع الضغوط النفسية للموظفين بصورة إيجابية.
      • ضمان تطبيق المنظمات للسياسات ذات العلاقة بالتعامل الفوري والنظامي والسري مع حالات التنمر والتحرش وإساءة المعاملة، وتعزيز ثقافة إبلاغ الموظف والموظفة عن الممارسات الخاطئة ضده للجهات المعنية وشعوره بالأمان وهو يقوم بذلك.

       

      على مستوى المنظمات:

      • ضمان أن سياسات وإجراءات العمل تأخذ في الحسبان احتياجات الموظف النفسية والاجتماعية والجسدية، وتوفر أجواءً نفسية آمنة تساعده على التعامل مع الضغوط وتوفر الوقاية اللازمة من مشكلات التنمر والتحرش، والتعامل الفعال معها عند وقوعها، وعدم التسامح أو التغاضي عنها لأي سبب كان.
      • تبنِّي سياسات عمل تسهم في تقليل الصراع بين العمل والأسرة، من خلال تطبيق إجراءات عمل أكثر مرونة وإيجابية، وتقنين التواصل مع الموظف خارج وقت عمله الرسمي؛ لكي يصبح ذلك قاصرًا على الضرورات القصوى فقط.
      • العدالة فيما يتعلق بأعباء العمل وتقويم الموظف واتخاذ القرارات بشأن ترقيته وتطويره، مع وضوح مساره المهني وتوفير الفرص للتعلم المستمر بما يعود بالفائدة على كفايات الموظف وأدائه وشعوره بالرضا الوظيفي.
      • توفير الدعم النفسي والاجتماعي للموظف، وذلك بالتعرف على المشكلات التي قد يعاني منها، وتوفير التدخلات الإرشادية والعلاجية المتخصصة لمساعدته، وتوظيف التقنية لتحقيق ذلك بفاعلية.
      • بناء ثقافة مؤسسية تعزز العلاقات الإيجابية، والتعاون والمشاركة في اتخاذ القرار، والاحتفاء بالإنجازات، وتشجع التعلم المستمر.
      • تحسين بيئة العمل الطبيعية أو إعادة تصميمها، وجعلها مريحة للموظف وتلبي احتياجاته الجسدية والنفسية والاجتماعية. والاهتمام بشكل خاص باحتياجات المرأة في بيئة العمل، خاصة أن الكثير من منشآت الأعمال لم يتم تصميمها لتراعي المشاركة المتزايدة للمرأة في مختلف قطاعات الأعمال. ومن المهم في هذا المجال مشاركة الموظف أو الموظفة في تصميم بيئة العمل الخاصة به وبالمنظمة بشكل عام.
      • التقويم المنتظم لمستويات السعادة والرضا الوظيفي لمنسوبي المنظمة، وتقديم تقارير تحدد جوانب القوة وتعزِّزها، وجوانب الضعف وتضع الحلول لمعالجتها.

       

      وعلى المستوى الشخصي:

      • تبنّي الموظف لنمط حياة صحي يشمل التغذية الصحية وممارسة الرياضة، والنوم الكافي، والبعد عن استخدام المؤثرات السلبية على الصحة الجسدية والنفسية.
      • التطوير المستمر لمهارات التعامل مع الضغوط، وخاصة التأمل والاسترخاء، التفكير الإيجابي، والتفاؤل، والإصرار والمثابرة والتعامل مع الفشل كفرصة للتعلّم، وإعادة المحاولة.
      • الاستفادة من الإجازات الأسبوعية وإجازات العمل الأخرى للترويح عن النفس وأداء المهام الأسرية والاجتماعية، والبعد عن أجواء العمل وما يصاحبها من ضغوط.
      • تعلم مهارات الفصل بين الحياة العملية والأسرية بما يضمن أن يُعطي كلاً منهما حقه من التركيز والاهتمام، وعدم السماح لأحدهما أن يؤثر على جودة الآخر.
      • البحث عن المساندة التي قد يحتاجها في حياته العملية والأسرية، والاستفادة من البرامج الإرشادية والدعم الاجتماعي الذي يساعد الشخص على تحمل أعباء الحياة.

       

      • التعقيبات:
      • التعقيب الأول: د. وفاء طيبة

      بيئة العمل هي بيئة إنسانية أولاً وأخيراً، اللاعب المفرد فيها هو الإنسان، وأينما كان الإنسان سيلعب علم النفس دوراً كبيراً في ديناميكية التفاعل بين النفس والنفس، والنفس والبيئة المحيطة أيًّا كانت.

      وإن كنت لم أجد فيما أعرفه أو ما حاولت أن أعرفه مصطلحاً يشير إلى شيء اسمه (الثقافة النفسية) كمصطلح علمي، وقد يكون المقصود منه: (وعي الفرد بالنفس البشرية – الذات والآخر – حاجاتها وقدراتها وتقلباتها في مراحلها العمرية المختلفة، بالقدر اللازم لكي نعيش معاً في بيئة نفسية صحية في عصر من العصور) سواء داخل العمل أو خارجه بالنظر لترابط البيئتين. ومن المصطلحات المستخدمة حديثاً علم نفس الرفاهية أو الصحة النفسية psychological wellbeing

      ولذا فإننا هنا نتحدث عن الاستخدام الإنساني السليم لعلم النفس في البيئات التي يعيش فيها الإنسان، والتأخر في هذا المجال ارتبط بوصمة (ستجما) المرض النفسي، وكان أحد الأسباب للإحجام عن استخدام هذا العلم النافع في الحياة العادية، وإن كان لا بد أن نعترف بوجوده وأهميته ونحرره والمرض النفسي من ثقافة العيب، ولكن علم النفس أوسع من ذلك بكثير واستخداماته لا يمكن التخلي عنها.

      ركزت الورقة الرئيسة كثيراً على ضغوط العمل وآثارها على الفرد وبيئة العمل وأشارت في النهاية لبعض الأسس التي يجب أن تُتَّخذ في مجال (1) الفرد (2) والمنظمة (3) وعلى المستوى الوطني.

      وفي تعقيبي هذا سوف أحاول التركيز على دور المنظمة، وإن كانت جميع الأدوار مهمة، وأن أُعطِي بعض الأمثلة على ما تقوم به بعض المنظمات باختصار شديد، ثم أستعرض بعض الأسس التي تُبنى عليها استراتيجية سليمة لدينامية الصحة النفسية والإنتاجية في العمل، ثم أعّرج على أثر كوفيد – 19 كوباء على بيئة العمل.

      تاريخياً، أحد أهم أوائل المهتمين بالإنسان في محيط العمل كان رجل أعمال إنجليزي (ويلش) اسمه روبرت اوين Robert Owen 1771، وكان بل جيتس عصره، نجح نجاحاً باهراً قبل أن يصل للثلاثين من عمره، وكان أول من رفض من رجال الأعمال استخدام الأطفال للعمل 13 ساعة في مصانعه، بل إنه وفَّر لهم – بعد أن أخرجهم من مصنعه- التعليم، ووفر روضات وحضانات لصغارهم، ووفر مساكن نظيفة لعماله، وتعليماً مستمراً لهم، حاول أوين أن يقنع رجال الأعمال الآخرين أن: الاستثمار في الإنسان  يقدم عائداً مالياً أعلى من الاستثمار في الماكينة، ولكن العالم كان في حاجة إلى ما يزيد عن 150 سنة لاستيعاب تلك المعلومة، وفي نهايات القرن العشرين بدأت قناعة رجال الأعمال بأن الاستثمار في الإنسان هو مفتاح للنجاح المالي.(Bolman & Deal, 2008).

      وكمثال قريب: مايكرو سوفت Microsoft: اعتمدت على اختيار الأذكياء أصحاب المهارات العالية الذين يتميزون بحب الاستطلاع والقدرة على التعلم والنمو المستمرين، وتجربة الأشياء الجديدة باستمرار.

      ذكرت الشركة في الموقع أنهم كمنظمة يتميزون بأربع صفات:

      • الاهتمام الشديد بما يهم الزبون.
      • التنوع والدمج في كل ما يعملون لِيَمسَّ عملهم كل من على الأرض.
      • العمل كشركة واحدة بتكامل بين العاملين فيها بدلاً من أجزاء منعزلة.
      • لا بد أن يصل أثرهم إلى حياة موظفيهم بعضهم بعضاً، وكذا حياة الزبون في كل العالم.

      وأشاروا إلى احترامهم لحقوق الإنسان ومواثيقها، وتقديمهم أجوراً ومكافآت تستطيع جذب أفضل العقول والمحافظة عليها؛ ليقدموا أفضل ما لديهم من إنتاجية، ويهتمون بالتدريب المستمر والنمو بوسائل عدة: داخل قاعة الصف، وأثناء العمل، وبملاحظة المدربين (الكوتشنج) أثناء ممارسة العمل وغير ذلك من الوسائل، كما اهتموا بالصحة العامة، والصحة النفسية للموظفين، ومتابعة مكاتب العمل ومدى ما توفر الأمان والراحة النفسية بها والتي ترفع مستوى الدافعية للعمل.

      وتفوقت شركة ستاربكس Starbucks كما ذكر موقعها في العناية بالصحة النفسية للموظفين، وذكروا أنهم يعملون على تطوير حزمة مفصلة من الخدمات والأنظمة التي ينعكس العمل بها على الصحة النفسية لموظفيها، ومن خططهم تشجيع الموظفين بتقسيم وقت العمل لديهم بين ستاربكس وجهة أخرى غير ربحية لتنمية شعورهم بتحقيق الذات والسعادة! كما أن 12000 مدير وقائد من ستاربكس في أمريكا وكندا يتلقون تدريباً لتفهم ومساعدة موظفيهم في ما يخص الصحة النفسية؛ بل إنهم يهدفون من وراء ذلك كله أيضاً إلى كسر حاجز وصمة المرض النفسي، والاعتراف بوجوده، وعمل ما يمكن عمله لمن يحتاج المساعدة.

      هذه بعض الأمثلة المختصرة لما تقوم به بعض الشركات في الجانب النفسي لموظفيها والذي بلا شك ينعكس على إنتاجية المؤسسة.

       

      • المبادئ الأساسية لاستراتيجية الصحة النفسية والاجتماعية في أي مؤسسة:

      لكل منظمة مدخلها الخاص بها لسعادة موظفيها وصحتهم النفسية، واللعب بالخيوط النفسية للمنظمة والعاملين فيها وأنظمتها هو أساس نجاح المنظمات في الوقت الحاضر، ولكن تعتمد على 6 مبادئ أساسية:

      أولاً: بناء استراتيجية: أي أن تهتم المنظمة بهذا الجانب المهم في نجاح المؤسسة ويكون ضمن اعتباراتها، هذه الاستراتيجية يشارك في بنائها العاملين فيها، ولم تفرض عليهم، بمعنى أنهم يمتلكونها (Own the strategy) مما يجعلهم أكثر قناعة بها، ثم توضع كل أنظمة المؤسسة الفرعية آخذة هذا الجانب في الاعتبار.

      ثانياً: من هو الموظف الذي تحتاجه المؤسسة وفي أي مجال؟: بحيث تُوْضَع أسس للاختيار تلائم رؤية ورسالة المؤسسة، وليس المقصود شهادات أو قدرات الموظفين العقلية فقط، وإنما المهارات النفسية والشخصية بل والسلوكيات والاهتمامات. وتتوفر الآن مقاييس نفسية لاختيار الأفراد لمهمة ما ولتكوين المجموعات للعمل داخل المؤسسة، تعتمد على التعرف على سلوك الفرد واحتياجاته وسلوكه تحت الضغط واهتمامه ومهاراته النفسية المختلفة، مثل مقياس بيركمان Birkman، ومقياس sixth sence، وغيرها من مقاييس الذكاء العاطفي. وقد شاع حديثاً استخدام مثل هذه المقاييس في المملكة.

      وعُرفت شركة الخطوط الأمريكية Southwest  بالشخصية المميزة للعاملين بها (طيارون – مضيفون ومضيفات -وخدمة أرضية) شخصيات تتميز بالإيجابية وخفة الدم ومهارات التعامل الشخصي الفائقة، فكثيراً ما يمازح الطيار الركاب على سبيل المثال، ويغني لك حامل الأمتعة!!

      وبينما -وكما ذُكِر سابقاً – أصرَّ بل جيتس على اختيار الأذكياء والمبتكرين كمميز أساس في موظفي مايكرو سوفت، واختارت جوجل الأذكياء أيضاً؛ ولكن أضافت لها أهمية القدرة على العمل الجماعي (Team work). وهكذا يكون اختيار العاملين يحقق الرؤية والرسالة ويتسق معها، وبالتالي شعورهم أنهم جزءاً من تحقيق الرسالة وبالتالي يُشعر الموظف بالثقة ويشحنه بالدافعية للعمل، هذا بالطبع، بالإضافة إلى كل المبادئ التالية.

      ثالثاً: الاحتفاظ بالموظفين: الشركات السابقة الذكر لم تحصل على الموظفين المناسبين لها إلا برواتب ومكافآت مجزية، واضعين في الحسبان حماية الموظف، فتسرب الموظفين ليس من صالحها لا مادياً ولا معنوياً، فالموظف ذو تكلفة عالية جداً كما أنه خبرة تُفقد، الموظف الجديد لا يمتلك هذه الخبرة ويفتح المجال للأخطاء وضعف الإنتاج، ويحتاج إلى عدة سنوات ليصل إلى نفس المستوى السابق، والخبرة تُبْنَى على الخبرة والإنتاج الجديد والابتكار يأتي مع تراكم الخبرة، وبالتالي يحظى موظفوها بالترقيات، مما يؤدى إلى ثقة العاملين والمدراء بالمؤسسة والولاء لها، واستثمار مزيد من الوقت والجهد في العمل، كما يوفرون البيئة المادية والنفسية للمحافظة على الموظف الناجح، فالرواتب والمكافآت المادية لا تكفي للمحافظة على الموظف، بل لا بد من توفير الراحة النفسية بجوانب أخرى مختلفة مثل: توفير الحضانات لأطفال الأمهات العاملات، التأمين الصحي الجيد، المرونة في ساعات العمل … كلها أمثلة جيدة على طرق للحفاظ على الموظف وإسعاده وارتفاع الإنتاجية.

      رابعاً: الاستثمار في الموظف: قد تتردد بعض المنظمات في تكثيف التدريب لموظفيها لما له من تكاليف باهظة على المؤسسة بينما لا يُلمس الأثر إلا متأخراً، إلا أنه ثبت بالدراسة (كما في الأمثلة السابقة) المردود العالي لكل دولار يُصرف على التعليم والتدريب، وفي هذه الأيام والتي فيها تحول سريع نحو التكنولوجيا المعقدة فلا محالة من استمرارية تدريب وتعليم الموظفين.

      إن تمكين الموظف يشمل تشجيعه على التطور والنمو وتوصيل كل المعلومات التي يحتاج لها لذلك وإشراكه في اتخاذ القرارات، وفي مجموعات العمل، وفي إعادة تنظيم العمل كلما كان ضرورياً، أي أن يكون الموظف – ويشعر بالفعل – أنه جزءاً مهماً من المنظمة التي يعمل فيها، وللعمل مردود عالٍ على دافعيته وثقته بالنفس وبالمؤسسة، ويعطيه معنىً وإشباعاً داخلياً، مما يجعله يشعر أنه مالك لهذه المنظمة، ويفكر على هذا الأساس.

      ويحضرني هنا مثال قديم قرأته لعامل نظافة في ناسا، قابله زائراً للمكان وسأله عن دوره في المؤسسة فقال: (نحن نرسل الأفراد للقمر we send people to the moon).

      خامساً: تشجيع التنوع والاختلاف: من الأهمية بمكان التعامل مع كل من في المنظمة  أيًّا كان تعاملاً جيداً محترماً، وقبول التنوع فيها وتقديره، مدير أو عامل نظافة، رجل أو امرأة، سعودي أو غير سعودي، وهذا من حقوق العامل التي يجب أن يحصل عليها،  ولكلٍّ من هؤلاء حاجاتهم وخلفياتهم التي يجب أن تُحترم ما لم تتعارض مع أسس وثقافة المنظمة والبلاد، الآن في المملكة – كمثال- وبالتوسع الكبير في عمل المرأة يجب أن يُحترم هذا التنوع، فللمرأة خصوصيتها وحاجاتها في مكان العمل وفي أنظمته؛ حتى تستطيع أن تكون منتجة وفي نفس الوقت ترعى أطفالها وبيتها بالقدر الكافي (Bolman& Deal, 2008) بتصرف وإضافات.

       

      • كوفيد -19 والعمل

      في تقرير للـ بي بي سي BBC ذكر أنه لم يشهد العالم اعتماداً على التقنية مثل ما شهده في هذه الحقبة من الوباء، حتى إننا سنشهد مزيداً من الاعتماد على العمل من المنزل كأساس بدلاً من الاعتماد على المكتب كأساس، وقد تحدث كاتب الورقة الرئيسة عن بعض الآثار الجانبية لاستخدام التقنية والذي تضخم بوضوح وبشكل لا رجعة فيه بعد وباء كورونا.

      أضيف هنا رأياً ذكره متخصص في علم النفس التجريبي في التقرير عن التحول من العمل في المكتب للعمل من المنزل: ثلاث نقاط مهمة:

      • مكان العمل والمكتب هو مكان للحياة الاجتماعية والعمل هو أيضاً حياة اجتماعية، وبدون اللقاء وجهاً لوجه في الاجتماعات وفي الممرات سنخسر التدفق والانسيابية في العمل وسرعة إنجازه، كما نخسر شيئاً من الشعور بالانتماء والولاء للمؤسسة نحو أهدافها والتزاماتها.
      • ستشكل الوحدة بعد هذا الوباء مشكلة خاصة للموظفين حديثي التخرج والذين لا يعرفون أجواء العمل وليست لهم صداقات ولا علاقات في العمل، حيث إن الإنسان يشكل كثيراً من صداقاته في محيط العمل.
      • ولا يعتبر المتحدث أن (زووم) واجتماعاتها تعتبر بديلاً كلياً للاجتماعات وجهاً لوجه، فغالباً لا تسع هذه الاجتماعات عبر (زووم) لأكثر من 4 أشخاص، وإن كانت أكثر من ذلك فالأغلبية تظل صامتة.

      كبرنا ونشأنا على أن العمل = الراتب أو المال، ولكن الحقيقة أن جزءاً كبيراً من حياتنا الاجتماعية ونمونا الاجتماعي والنفسي في الرشد يتم في بيئة العمل، كيف ستؤثر بيئة العمل الجديدة على نمو الإنسان؟ سؤال ما زال يحتاج إلى مزيد من البحث والدراسات، وإلى أي مدى يُفترض أن نعتمد على التكنولوجيا، سؤال أهم!! وذلك في نظري قد يكون له دور في تغيير إنسانية الإنسان ونقله إلى مرحلة أخرى من إنسانيته!؟

       

      • التعقيب الثاني: د. نوال الضبيان

      لعل من أهم ما ذُكِر في الورقة الرئيسة العلاقة الوثيقة بين العمل وتأثيره على الإنسان إما بالسعادة أو التعاسة ومهارات جيل الألفية المفترضة. في حين أن التعقيب الأول ركز على إنسانية الإنسان في منظمات العمل ما له وما عليه لتحقيق السعادة والصحة النفسية السوية للموظفين، وأبرز التعقيب الأول تجربة شركة الخطوط الأمريكية والتي تحرص على انتقاء الموظفين ذي الشخصيات الإيجابية والتي تتميز بروح الفكاهة والدعابة لإثارة المرح والبهجة أثناء ممارسة العمل.

      وبالرغم من اتساع حقل الدورات المعرفية والمهنية والتخصيصية الدقيق للغاية، إلا أني لم أسمع بدورة على حدٍّ علمي بعنوان: كيف تصبح مرحاً أو خفيف الظل؟ ” لما له من أثر بالغ في تحسين نفسية الفرد ونجاحاته في حياته النفسية والاجتماعية والوظيفية.

      والرسول عليه أفضل الصلاة والسلام كان من أكثر الناس تبسماً وداعياً للبشاشة والتفاؤل.

      وإني أذكر أثناء دراساتي في أمريكا ” كانت من عادة الأساتذة الابتداء بالنكت والفكاهة قبل الانخراط في المحاضرة، مما يغلب الطاقة الإيجابية ويثير الحماس والبهجة في النفس، مع إعطاء اهتمام بالنظرات والعبارات والتي تتفقد بها حال كل طالب موجود في القاعة.

      وأصبحنا نجد اليوم -وفي عالمنا المعاصر-وزارات خاصة للسعادة ووحدات في العديد من الوزارات والمؤسسات يطلق عليها صراحة اسم وحدة السعادة، إيماناً بأهميتها لاستثمار وتوظيف الموارد البشرية لأقصى الدرجات الممكنة. لحظات السعادة التي نعيشها في العمل ترفع مستوى الإنتاجية والانتماء وتجدد الطاقات. ويمكن تقسيم حياتنا اليومية إلى ثلاثة أقسام: وقت العمل، ووقت الفراغ، ووقت النوم. يستغرق العمل نصف، أو أكثر من نصف، وقت استيقاظنا، ولذا فإن بيئة العمل الإيجابية يمكن أن تكون مصدرًا للمشاعر الإيجابية الممتعة.

      وقد جاءت رؤية المملكة 2030 وتوجيهات ولاة الأمر -حفظهم الله-هادفة إلى تحقيق السعادة لشعب المملكة ومن يعيش فيها.

      وبما أن الحديث في مضمونه عن بيئات العمل المثلى والتي تهدف للإيجابية على جميع الأصعدة، سوف أطرح لكم أنموذج شركة “جوجل” من حيث بيئة العمل الداعمة وصورها كثيرة بالشبكة العنكبوتية.

      وتوجد العديد من المقالات التي تتحدث عن موظفي شركة “جوجل” العالمية وحياتهم المرفهة داخل بيئات العمل وكأنها ضرب من الخيال أو كأنك في مكان ينتمي لعالم” ديزني لاند” والتي تكسر فيها الشكل التقليدي لتصميم بيئة العمل لتستبدلها ببيئة محفزة على البهجة والمرح والإبداع.

      وليس هذا فحسب، بل إن الشكل الخارجي والداخلي للمباني يتواءم مع أنماط القيادة التي تُشْعِر الإنسان بمكانته وحظوته.

      فتوفر لهم مناخاً يبعث على السعادة والتفاؤل في عالم ملئ بالفرص والتنافسية.

      وسوف أستعرض لكم بعضاً من المميزات التي تقدمها “جوجل” لموظفيها وتستحق الإشارة إليها:

      • توفر لموظفيها بيئة منفتحة عن طريق لقاءات أسبوعية مع “لاري وسيرجي” مدراء جوجل مع جميع موظفيهم في العالم، لإطلاق الأسئلة والاستفسارات التي يكون بعضها صعبًا، بأجواء تتسم بالدعابة والشفافية.
      • توفر للموظفين تقييماً لقياداتهم في العمل مرتين سنوياً.
      • توفر الشركة وجبات طعام صحية وفاخرة مجانية للموظفين.
      • توفر خدمات الكي والغسيل مجاناً للموظفين.
      • توفر أطباء في بيئات العمل.
      • توفر خصومات متنوعة للموظفين.
      • توفر المساج والتدليك المجاني للموظفين.
      • توفر المسابح والصالات الرياضية والقاعات ذات التصميم العصري والأنيق.
      • تتيح “جوجل” فترة حرة كل أسبوع للموظفين للعمل بشكل حر، وكان من ثمارها مشروع (جوجل ماب).
      • توفر برامج التنمية الشخصية والمهنية بأشكال متنوعة مثل تعليم زميل لزميل في موضوعات متنوعة تتدرج ما بين اليوجا إلى التشفير.
      • تتحمل “جوجل” تكاليف الدراسة لموظفيها في جامعة ستانفورد.

      كما أرفق لكم أدناه ترتيب الشركات العالمية لعام 2021 كأفضل بيئات العمل نقلاً عن موقع :Great place to work

       

      • المداخلات حول القضية
      • التعريف بضغوط العمل وأبرز أنواعها.

      تعددت التعاريف للضغوط ولم يتفق الباحثون على تعريف واحد لها، ويعود السبب في ذلك لاختلاف نظرة كل باحث إلى ضغوط العمل. ويمكن القول إن ضغوط العمل تشير في المجمل إلى الفعل أو الموقف الذي يكون فيه عدم الملاءمة بين الفرد ومهنته أو بيئته وبين متطلباته؛ مما يُحدِث تأثيراً داخلياً يخلق في العادة حالة من عدم التوازن النفسي والاجتماعي داخل الفرد وتدني الجودة، كما أن ضغوط العمل هي عبارة عن “التّفاعلات التي تحدث بين بيئة العمل والأفراد، وتؤدّي إلى ظهور حالةٍ وجدانيّة سيِّئة، مثل: القلق والتوتُّر، وتُعرَّف ضغوط العمل بأنّها مجموعة من التجارب التي تُؤثّر على الأفراد؛ بسبب عوامل شخصيّة أو بيئيّة ترتبط مع عملهم في المُنشَأة؛ حيث ينتج عن هذه العوامل ظهور آثار جسميّة، أو سلوكيّة، أو نفسيّة على الأفراد”.

      إن نجاح المنظمات في تحقيق أهدافها يقاس بمجموعة من المتغيرات، وتعتبر ضغوط العمل جزءاً مهماً من هذه المتغيرات كما تمثل أحد التحديات التي تواجه المنظمات المعاصرة في تحقيق أهدافها خاصة مع زيادة حدة المنافسة التي تواجهها.

      إن ضغط العمل له طبيعة خاصة، فهو ضغط ممتد الجوانب، ذو تأثير مختلف وليس كله ضار، بل قد يكون بعضه ضرورياً ومطلوباً، ثم يمكن “تقسيم ضغوط العمل وفقاً لهذا الأساس إلى نوعين هما: النوع الأول وهو ضغط عمل ضروري؛ وهو ضغط لازم تتطلبه طبيعة العمل؛ فكثير من الأعمال تحتاج إلى ضـغط يمارسـه القائد على العاملين معه للاحتفاظ بحيويتهم، ودافعيتهم وقهر أي تكاسل أو تخاذل مـنهم، ولا بد أن يكون هذا الضغط في حدود ما يتطلبه العمل فعلاً، وإلا أصبح ضـاراً مؤذيـاً، مرهقاً للعاملين. أما النوع الثاني فهو ضغط العمل الضار، ويشمل باقي أنواع الضغوط التي تؤثر على سلوك العاملين بشكل سيئ وضار، تولّد معه مجموعة من الأضرار والأعراض كفقدان الرغبة في العمل والعزوف عنه وتنـامي الإحساس بالإحباط والاكتئاب والقلق وعدم التوافق”.

      ومن أبرز أنواع ضغوط العمل التي تواجه الشباب في الوقت الراهن:

      • النظرة الاجتماعية للعمل؛ فالعمل ليس نشاطاً نؤديه لكي نكسب ونعيش فحسب، ولكنه أكثر من ذلك؛ فهو أيضاً يحدد مكانتنا الاجتماعية وموقعنا في السلم الاجتماعي، وكيف ينظر إلينا الآخرون، وماذا يتوقعون منا. للأسف فإن ثقافتنا أحياناً تُصنِّف العمل على أسس غير عملية بل وتلبسه رداء غير رداءه؛ فهناك ما هو مفضل من الأعمال ويحظى بقبول عالٍ، ومنها ما هو غير ذلك رغم أنه عمل شريف ومدر للدخل. هذا التصنيف هو أحد أسباب إغراق أسواقنا بالعدد الكبير من العمالة الوافدة التي تمارس جميع المهن دون استثناء ودون أية حساسية من طبيعة العمل طالما أنه مشروع ومصدر دخل، وبعض هذه الأعمال بسيطة ولا تحتاج تدريب ولا شهادات؛ لكن السعودي ينصرف عنها بسبب “وصمها” كمهن دونية ارتبطت بالعامل الوافد وبجنسيات محددة وهذه مشكلة أخرى تتعلق كذلك بنظرتنا للوافد.

      وبسبب تفشي البطالة في السنوات الأخيرة فإن الشباب أقبلوا على عدد كبير من هذه المهن التي لم تكن مقبولة أو مألوفة سابقاً؛ وبسبب تشبع القطاع الحكومي الذي لم يعد قادراً على استيعاب جميع الخريجين من الجنسين، ما دفعهم للتوجه نحو القطاع الخاص أو العمل الحر الذي يوفر عدداً كبيراً من المهن البسيطة التي لا تتطلب شهادات عليا.

      وقد ترتب على هذا الإقبال بروز درجة من التذمر بين الشباب والقفز من مهنة إلى أخرى ومن شركة إلى شركة أخرى؛ لأن البعض منهم لا يزال مكبلاً بالمعايير الاجتماعية التي ارتبطت بممارسة تلك المهن، رغم أن الوضع الاقتصادي الجديد يفرض معايير مختلفة. وترتب على ذلك غياب الاستقرار الوظيفي عند الشباب، وخسائر للقطاع الخاص بفقد موظفين وفَّر لهم تدريباً لاعتقاده أنهم سيبقون معه.

      ولعل توجه الشباب نحو المهن أو الأعمال البسيطة التي لا تستوجب شهادات عليا يعود إلى سببين:

      أولاً: عدم الحصول على شهادة جامعية، وفي هذه الحالة يحتاج الشباب للتدريب وبعض المعلومات النهمة ليستمر ويواصل وينجح في هذا العمل وهو دوره ودور بعض مؤسسات الدولة التي يمكن أن تساعده في ذلك، ويجب تحسين النظرة الاجتماعية تجاه هذه الأعمال.

      ثانياً: عدم حصول الشباب ممن يحملون شهادات جامعية على وظيفة تتناسب ومؤهلاتهم الجامعية، والشباب ضمن هذه الفئة كثُر، وقد يتعرضون للمشاكل النفسية بسبب الشعور بأن الكفاءات التي لديهم لا تناسب العمل الذي يقومون به  they are overqualified، وقد يكون السبب هو انشغال هذه الوظائف بغير السعوديين.

      • الضاغط الثاني يأتي من شروط العمل في القطاع الخاص، فمع الرسملة المتسارعة والنمو الملحوظ في القطاع الخاص والعمل الحر أصبح الأمان الوظيفي للشباب على المحك.

      وفي مقارنة بين العمل في القطاع الخاص والقطاع الحكومي؛ فإن الأخير يمتاز بالأمان الوظيفي وقلة ساعات العمل، والإجازات، والمرونة، وعدم القلق من ضعف الإنجاز؛ فالكل في النهاية سيحصلون على العلاوة والترقية والكل آمنون في وظائفهم في ظل التساهل في إعداد تقارير الإنجاز السنوية وحصول الموظف على تقرير “ممتاز” حتى لو كان إنجازه صفراً.

      أما في القطاع الخاص فالوضع مختلف تماماً؛ فسيف التسريح من العمل مسلط على رأس الموظف؛ فالقطاع الخاص قطاع ربحي بالدرجة الأولى ويعتمد على الإنجاز الذي يقدمه الموظف وما يضيفه للمنشأة وماذا كان وجوده مجدياً اقتصادياً أم غير ذلك.

      فالسعوديون عموماً اعتادوا على الوظيفة الحكومية وشروطها المرنة مع استثناء من عملوا في أرامكو بالطبع، وهم لا يشكلون نسبة كبيرة من قوة العمل سابقاً ولاحقاً.

      الموظف السعودي ينظر للعمل على أنه حق تقدمه الدولة للمواطن وبالتالي فالدولة هي الضامنة لمستقبل الفرد، إنها رب الأسرة المسؤول عن أفراد أسرته والذي لا يغضب عندما يتقاعس البعض عن أداء عمله، بل إنه يمنحه الفرصة تلو الفرصة لكي يستمر في عمله مهما كان أداؤه سيئاً، بدليل أن من يدخلون السجن لفترات طويلة يتم غالباً إعادتهم لأعمالهم وربما تعويضهم وهو ما لا يفعله القطاع الخاص الذي يتخلص من موظفه المتقاعس.

      والخلاصة أن معظم فرص العمل المتاحة اليوم للشباب هي في القطاع الخاص وليس في القطاع الحكومي، الأمر الذي يستوجب على طالبي العمل التخلص من النظرة المقولبة للعمل كمنطقة راحة وأمان وظيفي ودخل شهري ثابت حتى بلوغ سن التقاعد.

      والقطاع الخاص له شروطه التي يطبقها والتي تختلف عن شروط القطاع الحكومي الذي يتسم بدرجة ملحوظة من التسيب، وربما الفساد الإداري.

      • يمكن إضافة ضاغط آخر وهو العمل في بيئة العمل المختلطة بين القطاع الخاص والحكومي، خاصة عندما يكون في التسلسل الهرمي النوعان، حينما يكون مديرك قطاع خاص وأنت حكومي والعكس.

      ولا شك أن مستوى ضغط العمل يختلف باختلاف طبيعة العمل، فالعاملون في مجال الأسواق المالية والاستثمار على سبيل المثال يعانون من ضغوطات عالية نتيجة درجة المخاطر التي يتعاملون معها في قراراتهم اليومية، ولأن أي خطأ صغير قد يكون ذا تكلفة مرتفعة لذلك ينصح هؤلاء بأخذ إجازات قصيرة متقطعة يجددون فيها نشاطهم ويستعيدون مستويات تركيزهم.

      • مسببات ضغوط العمل المعاصرة.

      تتسم بيئة العمل في المنظمات المعاصرة وبشكل عام بسمات ومعالم فرضت على الإنسان العامل أن ينتج أكثر وأن يعمل أطول وأن ينافس أشد للبقاء في الوظيفة. ومن مسببات ضغوط العمل غموض الدور وهو “الموقـف الـذي يكـون فيـه لـدى القائـم بالـدور المعلومـات الكافيـة لأداء دوره بشـكل مناسـب، أو حيـن تكـون المعلومـات التـي تلقاهـا قابلـة لأكثر مـن تفسـير. وقـد تحـدث المواقـف الغامضـة فـي الوظائـف التـي تتسـم بوجــود فاصـل زمنـي بيـن تنفيـذ الإجـراء ونتائجـه المرئيـة أو حينمـا يكـون القائـم بالـدور عاجـزاً عن رؤيـة نتائـج تصــرفاته وأعمالـه”، وقد تنجم ضغوط العمل عن صراع الدور الناتج عن تعدد أدوار الفرد، عندما يكون للفرد أكثر من دور واحد؛ حيث تتعارض هذه الأدوار مع بعضها بعضاً، فضلًا عن زيادة أعباء الدور من واجبات ومهام منوطة بالفرد.

      وثمة سيناريو يشتكي منه عدد معتبر من الشباب أثناء العمل وهو ” كيف أستطيع أن أظهر وأنا أعمل كترس في نظام كبير لا أستطيع فيه أن أخرج عن مساري؟؟”، ربما لا يحالف الشباب العمل في مستوى التخطيط والقيادة الذي يمكنه من إظهار أفضل ما عنده لترك بصمته، حيث أغلب الشباب لديه هذا الطموح والرغبة الشديد في ترك الأثر والتغيير، وقد يصطدم بالواقع في مجال العمل؛ ففي القطاع الحكومي وأغلب الجهات الكبرى في القطاع الخاص الاستراتيجيات في الغالب مرسومة ولا مجال حقيقي للموظف العادي الذي لا ينتمي للإدارة العليا بالمشاركة، بل بالأحرى هناك توجه كبير في المنظمات ذات الحجم الكبير في القطاع الحكومي وغير الحكومي للعمل المؤسسي المنظم المبني على استراتيجيات وسياسات وإجراءات معدة مسبقاً، وهو أمر جيد للمنظمات؛ لأنها تركز على أهدافها وتنزلها على مستوى الأدوار الوظيفية التنفيذية بحيث يساهم كل موظف بدوره لتحقيقها من خلال مستهدف محدد(target)، هذا الخط المرسوم لكل موظف وبالأخص للموظفين في المستوى التشغيلي قد يشكل ضغطاً نفسياً كبيراً على الموظف الشباب، أولاً من ناحية ذوبان الذات في المهام الروتينية المتكررة التي تقيد تميز الشخص،  ثانياً من ناحية الهوس بالمستهدفات ومؤشرات قياس الأداء. والذي يبدو لهم المخرج الوحيد لإثبات الذات والذي قد يشكل ضغطاً نفسياً كبيراً في الاستمرارية في المنافسة حوله. ويبرز هنا التساؤل المهم: كيف يستطيع الموظف الشاب الموازنة بين حاجته للتميز وحماسه وبين الأدوار الوظيفية التي يؤديها خاصة في مقتبل مساره الوظيفي؟

      وبنظر البعض فإن الدور الأساس يقع على المؤسسة أو الشركة أو المنظمة، وهذا التوجه لم يعد خفياً على هذه المنظمات ولكنه لم يُدرَس من قبلهم بشكل كافٍ للتأكد من مبدأ أن الاستثمار في الإنسان (الموظف الكفؤ) هو أفضل استثمار للعائد المادي الذي تنشده المنظمة. أما الفرد الموظف فالأرجح أنه كلما وجد ظروف عمل أفضل (مع اعتبار المرتب أيضاً) فسوف ينتقل من عمل إلى عمل وهذا ليس مفيداً على المستوى الشخصي لما تشكله الخبرة من أهمية ولا بالنسبة للمنظمة أيضاً. قد يكون لبعض الموظفين الواعين بأهمية هذه الحقوق دورٌ في دفع المنظمة لتبني ظروف أفضل لموظفيها بالمطالبة بهذه الحقوق مثلاً؛ ولكن التصور أن الدور الأساس يقع على المنظمة.

      ويمكن أن يكون الإجهاد الذي يعاني منه العاملون الشباب مختلفًا تمامًا عن الإجهاد الذي يعاني منه الكبار بسبب التطورات النفسية والاجتماعية المختلفة؛ فالشباب ليس لديهم الخبرة والمعرفة للتوافق مع متطلبات العمل، فضلاً عن صعوبة التعلم والعمل في نفس الوقت. كذلك صغر شبكة تواصلهم الاجتماعي مع زملاء المهنة وعدم وجود شبكة دعم معنوي ومهني لذا ينظر العمال الشباب إلى متطلبات العمل على أنها مهام صعبة.

      ومن وجهة نظر البعض فإن القدرة والمهارات الاجتماعية التي تمكن الفرد من العمل ضمن فريق بكل ما يحتاجه ذلك من قناعة بالمهمة وثقة في النفس وحسن ظن بالآخرين، أحد الأسباب المهمة للنجاح أو الفشل.

      والتساؤل الذي يفرض نفسه في هذا السياق: هل تنتهي معاناة الموظف الشاب مع الوقت وبعد تكيفه وتحقيقه للإنجازات؟ الواقع أن الأمر يعتمد على:

      • سمات الفرد الشخصية، فالبعض لديهم قدرة على التكيف السريع وآخرون يتأقلمون متأخرين عن ذلك، والبعض قد لا يتكيف على الإطلاق؛ إذ إن الأشخاص الذين يفكرون بصورة إيجابية وتفاؤل ومثابرة وتعامل مع الفشل على أنه فرصة للتعلم والذين لديهم المرونة النفسية والنهوض السريع من العثرات (Residence) والمثابرة والمنظومة العقلية المتطورة(Growth Mindset) وغيرها من السمات الإيجابية يستطيعون التكيف السريع نسبياً.
      • السمات الشخصية لا تكفي لوحدها، بل تتفاعل مع بيئة العمل للفرد وظروفه الاجتماعية، فهي ضرورية للتكيف وتمكين الموظف من التعامل مع ضغوط العمل بمختلف مصادرها.
      • من هنا تأتي أهمية تدريب الشباب، منذ مراحل تعليمهم المختلفة، لاكتساب المهارات التي تساعدهم على التكيف ومقاومة الضغوط، وخاصة ما يتعلق بالمثابرة والتركيز والصبر.

      ولا شك أن على المجتمع مسؤولية كبيرة في دعم الشباب من خلال النظرة الإيجابية للمهن بمختلف أنواعها ومستوياتها. ودعم الشاب عند تعرضه للفشل والابتعاد عن الوصمة، وكذلك منحه الفرص مرة أخرى.

      ومن أهم القضايا التي برزت في السنوات الأخيرة وتتعلق بالعمل وسرعة إنجازه قضية “الرقمنة” وتنفيذ معظم مهام العمل عن بعد ومن خلال الكمبيوتر وشبكة الإنترنت.  وقد ترتب على هذه الظاهرة بروز مشكلة أخرى تتعلق بتسرب البيانات أحياناً ثم ضرورة حمايتها من القرصنة والاختراق. قد لا تبدو هذه المشكلة خاصة بالعاملين وإنما بنظام العمل بأكمله بحكم أن القضية تقنية، الأمر الذي يكشف عن ضعف برامج الحماية. ومع ذلك يظل العنصر البشري مهماً في هذا الجانب مما يُلقِي بمسؤولية على العاملين في حماية البيانات التي بين أيديهم، واتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع تسربها أو الوصول إليها من أطراف قد تريد الضرر بالمنشأة كما حصل قبل عدة سنوات مع شركة أرامكو السعودية وبعض البنوك الدولية. والحقيقة أننا نتفاجأ يومياً بقصص اختراق حواسيب وسطو على بيانات هنا وهناك، وهي مشكلات لها جانب يتعلق بالعنصر البشري فهو مَنْ يُسيِّر الآلة ويلقمها بالبيانات. وتبدو المشكلة أكثر أهمية فيما يتعلق بالبنوك التي تدير ملايين الريالات، وكذلك الجهات ذات الصبغة الأمنية كوزارات الدفاع والداخلية، والمطارات، وسجلات المواطنين، والتي يترتب على تسرب بياناتها أضراراً فادحة فيما لو تم اختراقها من جهات معادية. المهم أن حماية البيانات والخوف من تسربها قد تبدو أحد مصادر القلق عند الموظفين الشباب لم يكن موجوداً في السابق، وقد وصف “أولريخ بك” في كتابه مجتمع المخاطرة هذا النوع من العيش في قلق بسبب نوع جديد من المخاطر، وهي المخاطر الناتجة عن تطوير تقنيات جديدة والسعي للنمو المستمر في كافي مناحي الحياة.

      كذلك قد يكون من مسببات القلق وضغوط العمل لدى الشباب، عدم وضوح الصورة والهدف على مستوى شامل وعلى مستوى فردي، والمقصود بالمستوى الشامل هيكل الإدارة ومرجعياتها وأسلوب القرار فيها فضلاً عن مهمتها في الهيكل العام. أما على المستوى الفردي فإن مهام الشاب أو الشابة في بيئة العمل ليست واضحة. فمثل هذه الظروف تتفاعل منكشفة نتائجها في صور من المتاعب النفسية وفشل في الإبداع وروح المبادرة بل وانسحاب وسلبية قد تُنْسَب لضعف في قدرات الشاب أو الشابة وهي في الأصل فشل من القيادة.

      أيضاً من مسببات القلق، الانشغال بمتابعة الأمور الإدارية المتعلقة بالموارد البشرية كالتسجيل في التأمينات والتأمين الصحي وأمور النقل وحقوق الانتداب وآليات طلب الإجازة وتوزيعها بين الفريق وأخيراً وليس آخر تقدير وصرف الحقوق المالية.

       

      • الآثار السلبية الناجمة عن الضغوط في بيئة العمل.

      توجد آثار عديدة لضغط العمل، وأغلب هذه الآثـار تكـون نتائجهـا سلبية، إلا أن هناك بعض الآثار ذات نتائج إيجابية، وهذا الأمر يتوقف على مقدار الضـغوط التي يتعرض لها الفرد في عمله. وتختلف آثار ضغوط العمل من فرد لآخر؛ لكن يلاحظ أنها كثيراً ما تؤثر على أداء العاملين على نحو ما يتجلَّى في تدني مستوى إنتاجيتهم وأدائهم المهني.

      ومن شأن بعض بيئات العمل السيئة أن تولد ضغوطاً متزايدة على الشباب، تلك التي تطالب الموظف بالعمل في أي وقت مع عدم تقدير لا للجهد المبذول أو للظروف العائلية أو الطارئة، مع عدم وجود أي مزايا ومحفزات. أو تلك البيئة السلبية المحبطة لطموحات الشباب والمُهمِّشة لقدراتهم والطاردة لخبراتهم؛ فهذه البيئات بلا شك تساهم في انعدام الفرصة للموظف الزوج بأخذ الوقت اللازم لنفسه واللازم لزوجته وأسرته، وعدم تعبيره الكافي لحبه لهم. وقد تؤدي لعدم مقدرة المرأة الموظفة على الوفاء باحتياجات منزلها وأطفالها، وإهمال لأنوثتها بسبب مشقة ‪العمل وانعدام التقدير لظروف الزوجة والأم العاملة. وقد تؤدي كذلك ببعض الموظفين من الشباب والشابات لعدم القيام بمسؤولياتهم على الوجه الأكمل في حياتهم العائلية، وقد ‏تصيب البعض الآخر باللامبالاة سواء أثناء حياتهم مع الوالدين، أو أثناء حياتهم الزوجية.

      كما أنه بسبب ‪ضغوطاتبيئة العمل من جهة، وقلة فرص‪العمل من الجهة الأخرى، يضطر هؤلاء الشباب للبقاء في هذه البيئة المحبطة؛ الأمر الذي قد يساعد في ظهور تشوهات تصيب حياتهم الأسرية، وتهدد استقرار زواجهم، وتهدد بناء طفولة آمنة لأبنائهم بسبب انشغالهم بالعمل لتأمين مستقبلهم الاقتصادي ومستقبل أطفالهم .

      وبالفعل فإن التغير في بيئة العمل الحالي هو تغير ثقافي واجتماعي لم نشهده من قبل صاحبه أنواع جديدة من الضغوطات:

      • ساعات العمل الطويلة للفتيات وهو ما ينتج عنه ضغوط خاصة بالمرأة منها اللحاق بسن الزواج والأمومة وتربية الأطفال.
      • الاختلاط في العمل وكيفية تعامل الجنسين في بيئة مختلطة لم يعدوا لها في تنشئتهم الاجتماعية.
      • تغيير في بناء العلاقات الأسرية بناءً على تغيير مواعيد اجتماعاتها اليومية.

      هذه التغييرات جميعها لم يصاحبها تغيير في الأنظمة والسياسات لنظام الموارد البشرية في الخدمة المدنية أو التأمينات.

      وفي المجمل يواجه الشباب تحديات وتغيرات كبيرة ومتسارعة إدارياً وتقنياً واجتماعياً، وقد يشعر أنه متخلف عن الركب أو مؤسسته متخلفة عن الركب مما يضع ضغوطاً عليه.

      ومع أن قضية ضغوط العمل ترتبط في جانب كبير منها بالشباب بوصفهم شريحة كبيرة من المجتمع؛ إلا أنها ليست هي فقط المعنية أو المتأثرة. فالمجتمع عموماً يمر بحالة قلق وترقب مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، والإنسان يسعى دائماً للأمان بأنواعه والاستقرار، وأيضاً ثمة تغيرات عالمية من العمل على بدائل للطاقة وغيرها من الثورات العلمية وتطبيقاتها.

       

      • استراتيجيات الوقاية للتعامل مع ضغوط العمل.

      التصور أن مآلات أهداف رؤية المملكة 2030 الاستراتيجية، لا سيما الهدف الثاني المتعلق بتمكين حياة ‏عامرة وصحية، والثالث المتعلق بتنمية الاقتصاد، والثالث المتعلق بزيادة التوظيف ‏ستحُول -بإذن الله تعالى-دون بروز هذه الضغوط كمشكلة وطنية، رغم تأثيراتها الكبيرة في أدنى ‏صورها. ‏

      ومع هذا فمن المهم جدًا التعامل بجدية مع قضية ضغوط العمل للتغلب عليها والتخفيف من آثارها، سواء على المستوى الوطني أو على مستوى المنظمة، أو على الصعيد الشخصي. ويتماشى ذلك مع تزايد الاهتمام في السنوات الأخيرة بالصحة النفسية للعاملين؛ نظراً لما تمتلكه من تأثيرات كبيرة على أداء العاملين والمنظمات، وكيفية إيجاد الحلول المناسبة لتوفير الجو الملائم للمحافظة على الصحة والسلامة النفسية وحمايتهم من ضغوط العمل وإدارتها بشكل مناسب.

      وتبرز ضرورة وجود إعلان لتصنيف وترتيبات بيئات العمل في السعودية والخليج لتشجيع التنافسية بين الشركات والمؤسسات وعلى توجيه الأنظار لأهمية علم النفس التنظيمي.

      أيضاً فإن من متطلبات المسؤولية الاجتماعية للشركات علمياً وفق المناظير العالمية ‏الجديدة، تجاه منسوبيها تخفيف مصادر الضغوط، وهو ما تناولته وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في ‏استراتيجيتها التي أعتدتها بداية العام الحالي. ويمكن في إطار المسؤولية الاجتماعية دعم بعض البرامج لتحقيق السعادة في مكان العمل، بما يلي:

      • تصميم برامج متكاملة يمكن أن تطبقها المنظمات.
      • التطوير المهني للمسؤولين في المنظمات عن الموارد البشرية على تلك البرامج.
      • طرح جوائز للمنظمات المتميزة في مجال السعادة في مكان العمل في مختلف القطاعات.

      ومن الأولويات التي يجب مراعاتها في مكان العمل الوضوح التام والمستمر لمهام الإدارة وهيكلها وأسلوب القرار فيها! هذا على مستوى الإدارة. أما على مستوى الخلية داخل الإدارة فإن من الأولويات وضوح مهام الخلية وأعضائها فرداً فرداً، وربطها بوضوح وشفافية بمهام الإدارة بشكل عام وشامل، ثم وضوح المهام وتوصيف الأهداف، وما الذي يعتبر إنجازاً أو نجاحاً وما يعتبر فشلاً على مستوى الخلية وعلى مستوى الفرد.

      والمؤكد أنه ثمة مسؤولية تقع على عاتق مؤسسات التنشئة الاجتماعية وأولها الأسرة والمدرسة، وبالتالي الجهات المعنية بدعم الأسرة والمدرسة توفير البيئة الصحية والأدوات اللازمة لمواجهة الضغوط والتحديات من تدريب وتأهيل وعلاج وكذلك الإعلام ودوره التوعوي.

      ويجدر الالتفات إلى التأثيرات المتوقعة لزيادة دخول المرأة في القوة العاملة، في ظل احتمالات تأثر استقرار الأسرة أو حتى تكوين الأسرة ابتداءً، ومن مظاهر ذلك: تأخر تكوين الأسرة وتأخر الإنجاب وانخفاض معدل الإنجاب للمرأة الواحدة، وضعف إشرافها على الأطفال وعلى الأسرة، لذا لا بد من مراعاة هذه الجوانب في عمل المرأة وتشريع حزمة من الأنظمة التي تساهم في تسهيل العمل للمرأة والمحافظة على كيان الأسرة.

      وثمة ضرورة لتفعيل قانون التحرش في بيئات العمل؛ لأن تعرض العاملين للتحرش والتنمر اللفظي أو الفعلي يشكل ضغطاً نفسيا ً كبيراً وقد لا يفصح المتعرضون له عنه إما بدافع الخوف أو عدم الرغبة في “الشوشرة” على أنفسهم.

      وهناك أهمية كذلك لدور التوجيه والإرشاد النفسي والذي يعد في تصور البعض من أهم المجالات التي تهدف إلى تحقيق الصحة النفسية وبدروها يأتي موعد الإبداع والابتكار، في أي مجال يسلك به الموظف أو الطالب أو الأبناء بداية من الأسرة والمرور بالمدرسة والجامعة ثم يوجهه حسب ميوله أو موهبته التي تم الكشف عنها من خلال المراحل الماضية ثم يستمر التوجيه والإرشاد في جانب حيوي من حياة الشاب   وهو المهني الذي يستمر مع الموظف لمساعدته من خلال ما اكتسب من مهارات فكرية للتعامل مع البيئة بشكل إيجابي، وتوفير البيئة التي تساعده لإشباع حاجات النفسية، مع توفر مقومات النجاح من قيادات فعالة تخلق بيئة التنافس الشريف وتحقق المساواة والعدالة ليبقى أحد العناصر الفعالة في الإنتاج والتكيف مع التغيير والتغير في جميع المجالات، وتحقق جودة الحياة في العمل. وعليه لا بد من تفعيل دور الإرشاد بدءًا من اختيار المهنة المناسبة لكل فرد حسب قدراته الشخصية والنفسية.

      وهناك جانب آخر يمكن الاشارة إليه وهو حقيقة أن آباء وأجداد العاملين من الشباب وهم يتقدمون إلى مرحلة الشيخوخة مع تمتعهم بكافة التسهيلات والخدمات الصحية التي تساعد في إطالة أعمارهم؛ لكنهم أيضاً سيكونون بحاجة إلى الرعاية المنزلية من بعض أعضاء الأسرة في وقت ما من حياتهم، وإذا كان الشباب مشغولين جداً في أعمالهم وفي محاولات التنافس للبقاء في المكان بحكم عوامل التنافس الهائلة الموجودة في السوق حالياً فمن سيرعي هذه الفئة لاحقاً؟

      لذا تبرز أهمية أن تكون هناك حزمة خدمات مؤكدة للموظف في حال تقاعده أو الحاجة أثناء مرض مثلاً، ليس تقليلاً من قيمة بر الوالدين، وإنما فقط مساعدة حتى لا يكون الموضوع مستحيلاً على الأبناء، مع دوام التوعية بهذه القيمة المهمة شرعاً واجتماعياً (بر الوالدين) والتسابق في تحقيقها.

      وفي سياق متصل تجدر الإشارة إلى تجربة يمكن الإفادة منها للتخفيف من ضغوط العمل، حيث أُعْلِن في البرتغال حديثاً عدم السماح لجهات العمل التواصل مع الموظف بعد ساعات العمل، وهذا الأمر يجب النظر فيه لدينا وخصوصاً بعد الجائحة، لأنه ولكون الموظف سهل المنال والاجتماعات يمكن أن تتم عن طريق التواصل الافتراضي أو غيره فقد أصبح الموظف قابلاً للعمل في أي وقت من اليوم والليلة، وهذه ظروف عمل ضاغطة وخاصة لو كان الموظف امرأة.

      وفي الإطار ذاته تجدر الإشارة إلى أن معظم الشركات التي تقدم درجة عالية من وسائل الرفاهية في مقرات العمل تجد منسوبيها أقرب للرضا؛ خصوصاً إذا كانت الشركة تهتم بمتطلبات الأسرة في المنزل وتوفيرها بالكامل. هذا الأمر يؤدي بالتأكيد بدرجة كبيرة إلى استقرار الأسرة التي تجد كل متطلباتها متوفرة ليتفرغ الشاب للعمل. فدرجة انتماء الموظف يتم تعزيزها من قبل الأسرة كلما شعر بالتعب؛ لأنهم يعلمون القيمة الحقيقية التي يحصلون عليها من الوظيفة. والموظف المبتسم السعيد لا يشعر بضغط العمل؛ لكن ينتظر اليوم التالي ليعود إلى مكتبه. فالانتماء للمنظمة مرتبط بمعرفة الهدف والعمل على تحقيقه من قبل جميع الأطراف، والتصور أن العملية تبدأ بالأساس من اختبار الموظف الصحيح ومن اليوم الأول؛ لذلك يمكن اقتراح أن يكون في كل جهة رسمية وغير رسمية جواز معتمد من قبل الدولة يسمى جواز أو وثيقة السعادة تترجم درجة الاهتمام بكل موظف في رحلة التوظيف من اليوم الأول يستلم الموظف هذا الجواز ويبقى معه باستمرار حتى يتقاعد أو يستقيل ويتم إبرازه كوثيقة رسمية عن درجة سعادته ويختم الجواز في كل مرحلة تترجم المنظمة عملها إلى إنجاز سعادة حقيقي.

      • التوصيات
      • إيجاد جهة ” مؤسسة مجتمع مدني أهلية ” أحد مهامها رقابة وتطوير أنظمة بيئة العمل مثل التعاقد وظروف مكان العمل وآلياته ولوائحة ذات العلاقة بما يحمي أطراف العمل وذوي العلاقة.
      • أن تتولى مؤسسات القطاع الخاص كجانب من المسؤولية الاجتماعية:
      • تصميم برامج متكاملة يمكن أن تطبقها المنظمات.
      • التطوير المهني للمسؤولين في المنظمات عن الموارد البشرية على تلك البرامج.
      • طرح جوائز للمنظمات المتميزة في مجال السعادة في مكان العمل في مختلف القطاعات.
      • مراجعة الأنظمة التشريعية للتأكد من مواءمتها مع احتياجات الموظف/ة الشاب خاصة مع التغييرات الجارية في بيئة العمل ومراجعة أنظمة الإجازات وسد أي ثغرة أو قصور بالنظام (مثل إجازة وفاة الزوجة للزوج -إجازة مرافقة الوالدين في حال مرضهم -إجازة أبوة-إجازات مرتبطة بطبيعة العمل عالي التوتر).
      • أن تتكفل وزارة الموارد بالتعاون مع وزارة الصحة بحملة توعوية للتعريف بالآثار النفسية لضغوطات العمل وطرق مواجهتها (نظام غذاء صحي-رياضة – تأمل.. إلخ).
      • التأكيد على ضرورة التزام أصحاب العمل بالوصف الوظيفي وساعات العمل المقررة في عقود الموظفين وعدم تجاوزها إلا في حال موافقة الموظف كساعات عمل إضافية محددة تحسب كأجر مستقل خارج الدوام.
      • المصادر والمراجع
      • The American Institute of Stress: https://www.stress.org/42-worrying-workplace-stress-statistics-2
      • Dragano, Nico; Lunau, Thorsten 2020: https://journals.lww.com/co-psychiatry/fulltext/2020/07000/technostress_at_work_and_mental_health__concepts.16.aspx
      • Bolman & Deal, 2008. Reframing Organizations. Jossey – Bass, USA.
      • https://hrretail.wbresearch.com/starbucks-strategy-putting-employee-wellbeing-first-ty-u
      • https://www.microsoft.com/en-us/corporate-responsibility/empowering-employees
      • https://www.bbc.com/worklife/article/20201023-coronavirus-how-will-the-pandemic-change-the-way-we-work
      • المعشر، عيسى إبراهيم: أثر ضغوط العمل على أداء العاملين في الفنادق الأردنية: دراسة ميدانية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية العلوم الإدارية والمالية، جامعة الشرق الأوسط،2009.
      • حسين، سحراء أنور: قياس تأثير ضغوط العمل في مستوى الأداء الوظيفي (في): مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية، العدد السادس والثلاثون، 2013.
      • خير الدين، ابن خرور: علاقة ضغوط العمل بالرضا الوظيفي للمدرسين في المؤسسة التربوية الجزائرية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة محمد خيضر – بسكرة، 2011م.
      • العانس، عدة وليلي، وناس: أثر ضغوط العمل على الأداء الوظيفي، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة أكلي محند أولحاج، البويرة، الجزائر، 2018م.
      • عبدالعزيز، خالد إبراهيم: مصادر ضغوط العمل لدى القائم بالاتصال في العلاقات العامة، (في): مجلة الباحث الإعلامي، العدد (42).
      • هناء، كلاش: أثر ضغوط العمل على الأداء الوظيفي، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية العلوم الاقتصادية والتجارية، جامعة محمد خيضر – بسكرة، 2020م.
      • العبادي، كفاية: ضغوط العمل، متاح على الموقع الإلكتروني: https://com
      • محمد، سلوى سالم إبراهيم: ضغط العمل وعلاقته بالعوامل الشخصية والوظيفية: دراسة ميدانية على بعض المنظمات الصناعية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الاقتصاد، جامعة بنغازي، 2021.
      • بسمة، غناي: أثر ضغوط العمل على الولاء التنظيمي، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية العلوم الاقتصادية والتجارية، جامعة محمد خيضر – بسكرة، 2016م.
      • عقامنة، سيف ناصر وعبدالغني، دنيا أحمد: أثر ضغوط العمل على الالتزام الوظيفي، (في): المجلة العربية للإدارة، المجلد (42)، العدد (1)، مارس 2022م.

       

      • المشاركون.
      • الورقة الرئيسة والمعقبون: د. علي الحكمي، التعقيب الأول: د. وفاء طيبة، التعقيب الثاني: د. نوال الضبيان
      • إدارة الحوار: د. عفاف الانسي
      • المشاركون بالحوار والمناقشة:
      • د. فوزية البكر
      • د. عبد الإله الصالح
      • د. خالد الرديعان
      • د. عبدالعزيز الحرقان
      • ا. فايزة العجروش
      • ا. مها عقيل
      • ا. محمد الدندني
      • د. فواز العنزي
      • ا. بسمة التويجري
      • د. محمد الثقفي
      • ا. لاحم الناصر
      • ا. علاء براده
      • د. زياد الدريس

تحميل المرفقات