تقرير رقم (126) – فبراير 2024
مرونة المدن السعودية أمام الكوارث الطبيعية معطيات الواقع وتحديات المستقبل
- الورقة الرئيسة: أ. فائزة العجروش
- التعقيب الأول: اللواء حسن المحمدي
- التعقيب الثاني: م. عبدالرحمن الصايل و م. إياد الهليس
- إدارة الحوار: د. وليد الزامل
- تمهيد:
يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر فبراير 2024م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة؛ وجاءت بعنوان: مرونة المدن السعودية أمام الكوارث الطبيعية معطيات الواقع وتحديات المستقبل، وأعد ورقتها الرئيسة أ. فائزة العجروش، وعقب عليها كلاً من اللواء حسن المحمدي، م. عبدالرحمن الصايل و م. إياد الهليس وأدار الحوار حولها د. وليد الزامل.
المحتويات
- تمهيد
- فهرس المحتويات
- الملخص التنفيذي
- الورقة الرئيسة: أ. فائزة العجروش
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: اللواء حسن المحمدي[1]
- التعقيب الثاني: م. عبدالرحمن الصايل[2]وم. إياد الهليس[3]
- إدارة الحوار: د. وليد الزامل
- المداخلات حول القضية
- عملية التخطيط للمرونة.
- مرونة المدن والتأثير المتبادل بين الإنسان والمكان.
- متطلبات التخطيط للمدن في المملكة لمواجهة الكوارث.
- مسؤولية التخطيط والتنفيذ لاستراتيجية المرونة الحضرية أثناء الكوارث.
- التوصيات
- المصادر والمراجع
- المشاركون
- الملخص التنفيذي.
يتناول هذا التقرير قضية مرونة المدن السعودية أمام الكوارث الطبيعية معطيات الواقع وتحديات المستقبل. وأشارت أ. فائزة العجروش في الورقة الرئيسة إلى أنه انطلاقًا من البُعد الدولي لمرونة المدن، الذي خصص له الهدف 11 من أهداف التنمية المستدامة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (مدن ومجتمعات محلية مستدامة) 2030؛ وتأييدًا لشعار اليوم العالمي للمدن لعام 2023 ” تمويل المستقبل الحضري المستدام ” لجعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة ومستدامة. واستمرار وجود ظروف عالمية تستلزم المتابعة والتقييم، تحسبًا لأي طوارئ وأزمات وكوارث متوقعة للحد من مخاطرها حاضرًا ومستقبلًا. وانطلاقًا من البعد المحلي لأهداف الرؤية الوطنية، أن تكون 3 مدن سعودية ضمن أفضل 100مدينـة في العالم، وفوز المملكة باستضافة معرض اكسبو العالمي 2030، ومونديال كأس العالم 2034. ومساعي دولتنا الحثيثة من أجل مُستقبل المدن السعودية ورفع مستوى استدامتها الحضرية والارتقاء بجودة العيش بها؛ كان الهدف من كتابة هذه الورقة والتي تناولت عدة محاور شملت: (الأخطار والكوارث البيئية، المقصود بالمرونة ومفهوم المدن المرنة، والمرونة الحضرية والمرونة المناخية وأهميتها للمدن السعودية، وخصائص المدن المرنة، وهيكلة المدن المرنة ومتطلبات توسيع نطاق قدرة المدن السعودية على الصمود، والأخطار والتوقعات، والتحديات والممكنات، ثم قراءة واقعية ونماذج حية).
بينما أكَّد اللواء حسن المحمدي في التعقيب الأول على أن الاستفادة من الحوادث التي وقعت وخاصة المتكررة والتي یجب العمل على معالجتھا والوصول إلى مكامن الخلل والاعتراف بوجود المشكلة ھي بدایة المسار الصحیح على سبیل المثال الحوادث المتكررة بجسر الجمرات تم معالجته بالحل الھندسي وھذا عالج المشكلة بشكل جذري وساھم في مرونة التشغیل ولم یسجل بعدھا أي حوادث؛ وھو مقیاس على العدید من المخاطر التي من الممكن إیجاد الحلول لھا ومعالجتھا جذریاً.
في حين ذكر كل من م. عبدالرحمن الصايل و م. إياد الهليس في التعقيب الثاني أنه في ظل سعي المدن للحفــاظ عــلى نمــو اقتصــادي مســتقر، من المهم أن تأخذ بالحسبان أن تحافظ عــلى الترميــم البيئــي والبنيــة التحتيــة الاجتماعية التي تمكنهــا من تقديم الخدمــات الأساســية بطريقــة مبتكــرة. ويتطلــب ذلك مســتوى عالي مــن المرونــة، والتحدي الأبرز هو أنه حتى إذا كانت مرافق المدن المادية، وبنيتها التحتية، وتقنياتها الحضرية ضرورية لعمل المدينة، فإن روحها تكمن في التفاعل البشري. كما أن الإبداع والابتكار وريادة الأعمال وتنشيط ومرونة المجتمعات الحضرية يعتمد في المقام الأول على رأس المال الاجتماعي.
وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
- عملية التخطيط للمرونة.
- مرونة المدن والتأثير المتبادل بين الإنسان والمكان.
- متطلبات التخطيط للمدن في المملكة لمواجهة الكوارث.
- مسؤولية التخطيط والتنفيذ لاستراتيجية المرونة الحضرية أثناء الكوارث.
ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:
- أن يقوم مجلس المخاطر الوطنية بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة للعمل على إعداد استراتيجية وطنية للحد من آثار وتداعيات مخاطر الكوارث، بالتوافق مع الإستراتيجية العربية والأهداف العالمية للتنمية المستدامة شاملة، تتضمن ما يلي:
- أولاً: رسم تصور استراتيجي حول التدابير المتخذة في تخطيط المدن وتحديد المخاطر والأولويات والمسؤوليات والموارد والآليات المناسبة للتخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقييم.
- ثانيًا: بناء قاعدة بيانات كمية ومكانية تتضمن بيانات شمولية ونمذجة وسيناريوهات يمكن أخذها في الاعتبار عند حدوث الكوارث، من خلال إعداد قاعدة بيانات توفر معلومات كافية عن حجم ومدى خطورة الحوادث الطبيعية المهددة للمملكة من فترة لأخرى وتوزيعها الزماني والمكاني وغيرها، وقاعدة بيانات أساسية عن الوحدات الحضرية، تبدأ من الشارع والجامع والحي، لتكون أساس لتقدير الاحتياجات وحجم المسؤوليات وتوزيع الضروريات ومتابعة المعوزين. على أن يتم ربطها بشكل مركزي وفرعي بالأوراق الرسمية كإثبات الهوية والقيادة وتسجيل العقارات بشكل تسهيلي وليس تعويقي.
- ثالثاً: تأهيل ورفع مستوى الكفاءات والخبرات البشرية العاملة في مجال الإنقاذ والإغاثة، والعمل على تطوير الأساليب القيادية التي تعزز من مرونة المدن السعودية.
- رابعًا: تأمين الحاجات الأساسية: المياه النظيفة، المواد الغذائية، مصادر طاقة آمنة، وإدارة النفايات، وتأمين البنية التحتية الحيوية: المستشفيات، المدارس، والطرق لضمان استمرارية الخدمات الأساسية أثناء الكوارث.
- خامسًا: تطوير النظم الإنذار المبكر، إعادة النظر في فاعلية أجهزة الإنذار ودقتها وقياس أثرها على القاطنين أو العاملين في سرعة الاستجابة وزمنها، من الأمثلة على عدم فاعلية بعض أجهزة الحريق: أنه يُحدث الإنذار ويتكرر كثيرا مع كل دخان سواء كان صادرًا عن سجائر أو بخور أو غيرهما، مما يؤدى إلى ضعف أثره في الاستجابة والتصديق لوجود حريق في حال حدوثه حقيقة.
- سادسًا: تضمين مبدأ المشاركة المجتمعية عند صياغة الاستراتيجية بما في ذلك أصحاب المصلحة والجمعيات المدنية والفرق التطوعية واللجان الخيرية.. مع الاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال.
- أن تتولى وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان تعزيز الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والصحية لأنسنة المدن وتعزيز صمود البنى التحتية الحيوية وإسهامها في تقديم الخدمات الأساسية، والتوعية بالتغيرات المناخية والبيئية وأثرها على التخطيط العمراني واستدامته بما يخدم أهداف رؤية 2030. وهذا يحتاج لرصـــد المخاطر وتوقعها والتنبؤ بها ومراقبتها وتقييم مخاطر كل مدينة ونقـــاط الضعف فيها، ووضع حلول وقائية للحد منها، من خلال تطوير أنظمة الإنذار المبكر، ومشاركة البيانات والمعلومات. وتنفيذ أنشطة المحاكاة والتطبيقات الفرضية لاختبار السيناريوهات المحتملة للاستعداد للطوارئ. مع العمل على تطوير مراصد حضرية ومراكز فكر عمرانية تسعى بشكل مستمر إلى قراءة وتحليل المكون الثقافي والاجتماعي والإنساني والعمراني في المدن، وتحديث المبادئ والتشريعات التخطيطية والأكواد العمرانية ضمن سياق الحالة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في العمران. وإنشاء جهاز مركزي للتخطيط والتنسيق على مستوى التنفيذ (التنفيذي) والمحلي (البلدي) لمأسسة العمل والتنسيق ببن الجهات الحكومية ذات العلاقة على مستوى التنفيذي للخطط والقرارات الحكومية الخاصة بمرونة المدن؛ بهدف تعزيـــز التخطيط الاستباقي للمخاطر والأزمات ودعم صناعة واتخاذ القرار.
- قيام مجلس المخاطر الوطنية بالتعاون مع المؤسسات التعليمية في المملكة، بما يلي:
- إدراج مقرر علمي يبدأ من المراحل الدُنيا في كافة المراحل التعليمية للتوعية بالكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية، والحث على أن يدرس المقرر في بيئة افتراضية مقاربة للكارثة ووجود تطبيق عملي؛ لتوجيه الأجيال القادمة بكيفية الاستجابة وحسن التصرف وصولًا للنجاة والسلامة من هذه الكوارث.
- دعم البحث العلمي في مجال المخاطر الطبيعية وترويج مفاهيم العمران الذكي القادر على الصمود في وجه الكوارث.
- قيام وزارة المالية ومجلس المخاطر الوطنية بدراسة الوضع الراهن للقطاع المالي المرتبط بتمويل العمل المناخي، وتشخيص أبرز التحديات المتعلقة به، واقتراح الحلول والمبادرات والمشاريع المطلوب تنفيذها، والتنسيق مع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لتنفيذ برامج اجتماعية تعوّض وتحمي المواطنين الأقل حظًا من تبعات ارتفاع الاسعار والتضخم؛ لتعزيز قدرتهم على الصمود.
- يتولى مجلس المخاطر الوطنية بمشاركة وزارة الداخلية والجهات ذات العلاقة، بإعداد خطط متكاملة قابلة للتنفيذ بعد استيعاب الدولة للنازحين واللاجئين من بعض الدول المجاورة التي تمر بقلاقل؛ حتى نستطيع تلافي أي محاذير تمس أمن الدولة والمجتمع السعودي، دون انتهاك لحقوقهم الإنسانية. إضافة إلى العمل على استثمار هؤلاء اللاجئين ليكونوا دعمًا للتنمية ومن عوامل بنائها، بدلا من كونهم عبئا على خطط الدولة وأهدافها. وهنا تتحقق ثلاث ميزات من مزايا المدن المرنة: الاستباقية، والاستعداد للمستقبل، واستغلال (استثمار) الموارد.
- استمرار وزارة السياحة بالعمل على مضاعفة جهودها لتعزيز الاستدامة واعتماد المعايير العالمية في القطاع السياحي في إطار محور الطريق نحو تحقيق الحياد المناخي، وتشجيع السياحة البيئية للمساهمة في الحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي الوطني، والتي أسفرت عن الإعلان عن إنشاء المركز العالمي للسياحة المستدامة في المملكة.
- أن تقوم وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان بتشكيل لجنة عليا للمرونة على مستوى البلاد تتولى ما يلي:
- تقييم وضع المرونة الحالي لكل مدينة، بهدف تطوير عمل إستراتيجية المرونة وتحديد أولوياتها وآليات التنفيذ حسب المستجدات.
- التأكيد على الالتزام بمواصفات الكود السعودي للمباني والمنشآت في المناطق المهددة بالزلازل والهزات الأرضية، من أجل استدامة المشاريع وإطالة عمرها للأجيال الحاضرة والمستقبلية. وتبني عملية المراقبة المستمرة للسدود والخزانات ومناطق النشاط التعديني، وإقامة مشاريع تشجير لصد زحف الرمال لحماية القرى والمزارع والطرق القريبة منها.
- العمل على تمكين الشراكات الإستراتيجية البيئية بين الشركات الكبرى والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لخلق فرص عمل والاستفادة من أفكار المواهب الشابة التي يمكنها خلق روافد دخل جديدة، وصولاً نحو تحقيق الأهداف المناخية.
- تعزيز التعاون والتنسيق وذلك من خلال بناء آليات فعالة للتعاون بين الجهات المعنية، مثل الحكومة المحلية والمؤسسات الخاصة والمجتمع المدني، لتنفيذ خطط الطوارئ والاستجابة للكوارث.
- تشجيع الجمعيات والفرق التطوعية واللجان الخيرية لتشكيل فرق طوارئ لحماية الممتلكات جنبًا إلى جنب فرق الانقاذ. وتلمس حاجة الأسر المعسرة في المجتمع وإيجاد حلول ذات ديمومة مستمرة لها عبر تدريبهم على برامج حرفية أو صناعات تقليدية وغيرها.
- عقد ورش عمل وندوات وطنية بشكل دوري تطرح فيها جميع مسائل المرونة الحضرية، ومن أهمها: إقامة تجارب افتراضية لمختلف أنواع الكوارث المتوقعة، وفتح باب التدريب والمشاركة أمام الجميع. وبالأخص المؤسسات التعليمية لرفع مستوى اهتمام الطلبة المبكر بالاستدامة في سياق أسلوب حياتهم وأعمالهم.
- تحسين التواصل بين الوكالات الحكومية والصناعات والمواطنين؛ كونه عاملاً ضروريًا لبناء مجتمعات أكثر وعيًا وجاهزية.
- تكريم الشركات والمؤسسات والأفراد الذين كان لهم الدور الفاعل في الدعم والتعاون مع الدولة في التنظيم والإغاثة والإعمار و….. إلى آخره. كذلك تكريم الشركات التي حققت مشروعاتها معايير عالية حين حدوث الأزمة بأوسمة عالية المستوى، والإعلان عن أسماء القائمين على هذه المشروعات. والتوصية هنا بأهمية أن يكون للمخططين والمهندسين والباحثين والمهتمين بتنمية المدن دور في التكريم أيضًا في مرحلة ما بعد الكارثة.
- الورقة الرئيسة: أ. فائزة العجروش
مقدمة
إعصار.. وزلزال … والنتيجة دمار
تم تصنيف عام 2023 بعام الأرقام القياسية في الكوارث الطبيعية وعدد الضحايا، حيث كان هناك ضحايا ومفقودين بالآلاف بسبب موجة من الأحداث المناخية القاسية التي طالت مناطق كثيرة في جميع أنحاء العالم. بدءًا بالزلازل المدمرة في سوريا وتركيا والمغرب وأفغانستان، والفيضانات العنيفة في الهند واليابان وليبيا، مرورًا بحرائق الغابات الواسعة في أوروبا والولايات المتحدة وكندا، وانتهاءً بالعواصف المدارية غير المسبوقة في شرق إفريقيا ونيوزيلاندا والبرازيل. وبدأ عام 2024 بزلزال قُدرت قوته ب 7,6 ريختر في اليابان. وأظهرت نتائج الاستطلاع لآراء القادة حول العالم التي رصدها مسح منتدى الاقتصاد العالمي 2024 أن أعلى المخاطر المحتمل تأثيرها بشكل طويل الآجل، أزمة مناخية قاسية بنسبة تقدر بـ (66%)
وحين تقع الكوارث، فإنها سرعان ما تترك بصمتها السوداء على وجه الحياة، وينتج عنها خسائر بشرية هائلة تتمثل في :(الوفاة والعجز والنزوح القسري)، وتأثيــرات كارثيــة تتسبب في: تدمير الهياكل الأساسية للنقل والصحة والاتصالات والطاقة وتدمير الأصول الثابتة، وإلحاق الضرر بالقدرات الإنتاجية والوصول إلى الأسواق، وتجعل عملية الانتعاش أكثر صعوبة. وهذه التداعيات بلا شك ترهــق كاهــل أي دولة علــى تحقيــق أهدافهــا التنمويــة، وتؤثر علــى رفاهيــة مواطنيهــا وتحقيــق حاجاتهــم الأساسية.
ولأننا في عالمٍ سريع الأحداث، عصيٍّ على التنبؤات، متقلب التغيُّرات المناخية، فليس من السهولة بمكان رسم رؤية مستقبلية بعيدة المدى لمدن سعودية قادرة على الصمود حين تعرضها لكوارث طبيعية إلا في حال تمتُّع المدن بالمرونة. إلا أن استمرار الدولة في تحولها الحضري يحتم علينا إيلاء اهتمام أكبر لمرونة المدن؛ باعتبارها مراكز حضرية وشريك استراتيجي تنموي هام، ولها اليد الطولى في تمكين الناس من التقدم الاجتماعي والاقتصادي. وأي كوارث تحل بها قد تحُد من عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة بشكل خاص.
لذلك انطلاقًا من البُعد الدولي لمرونة المدن، الذي خصص له الهدف 11 من أهداف التنمية المستدامة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (مدن ومجتمعات محلية مستدامة) 2030؛ وتأييدًا لشعار اليوم العالمي للمدن لعام 2023 “تمويل المستقبل الحضري المستدام” لجعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة ومستدامة. واستمرار وجود ظروف عالمية تستلزم المتابعة والتقييم، تحسبًا لأي طوارئ وأزمات وكوارث متوقعة للحد من مخاطرها حاضرًا ومستقبلًا. وانطلاقًا من البعد المحلي لأهداف الرؤية الوطنية، أن تكون 3 مدن سعودية ضمن أفضل 100مدينـة في العالم، وفوز المملكة باستضافة معرض اكسبو العالمي 2030، ومونديال كأس العالم 2034. ومساعي دولتنا الحثيثة من أجل مُستقبل المدن السعودية ورفع مستوى استدامتها الحضرية والارتقاء بجودة العيش بها؛ كان الهدف من كتابة هذه الورقة، والتي تحاول تسليط الضوء لبذل المزيد من الجهود نحو التحول لمرونة المدن السعودية وتعزيز استدامتها، وعونًا للمهتمين في دولتنا على اتخاذ التدابير والإجراءات المناسبة لحماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة. وستتناول الورقة المحاور التالية:
- المحور الأول: الأخطار والكوارث البيئية
- المحور الثاني: ماذا نقصد بالمرونة؟ وما هو مفهوم المدن المرنة؟
- المحور الثالث: المرونة الحضرية والمرونة المناخية وأهميتها للمدن السعودية
- المحور الرابع: خصائص المدن المرنة
- المحور الخامس: هيكلة المدن المرنة (الأساسيات العشر، المزايا الرئيسية) ومتطلبات توسيع نطاق قدرة المدن السعودية على الصمود
- المحور السادس: الأخطار والتوقعات
- المحور السابع: التحديات والممكنات
- المحور الثامن: قراءة واقعية.. نماذج حية.. وأولويات قصوى
- توصيات
المحور الأول: الأخطار والكوارث البيئية
- الأخطار والكوارث البيئية
توجد عدة تصنيفات للأخطار والكوارث البيئية، إلا أن التصنيف الآتي هو الأكثر شيوعًا:
الكوارث الطبيعية، وهي: الأخطار والكوارث التي تتسبب فيها الطبيعة، ويتم تصنيفها حسب المسببات، كالتالي: 1/ كوارث طبيعية، تحدث بشكل طبيعي نتيجة عوامل تعود إلى بنية وتركيب مكونات الكرة الأرضية وغلافها الجوي ولا دخل للإنسان فيها، مثل: الزلازل والبراكين والفيضانات والأعاصير 2/ كوارث طبيعية، سببها الإنسان بسبب عبثه في النظام البيئي الطبيعي، مثل: التجارب النووية تحت سطح البحر 3/ كوارث بشرية، وهي الكوارث الناتجة عن التصرفات الخاطئة للإنسان كالحروب والحرائق. (الدليمي والهيتي 2018 م)
ويمكن تلخيص أهم الخصائص المميزة للكارثة البيئية كالتالي:
1 / سرعة تتابع الأحداث 2/ درجة عالية من التوتر 3/ الضغط النفسي والعصبي 4/ نقص البيانات والمعلومات 5/ تحدي كبير للمسؤولين 6/ درجة عالية من التنبؤ 7/ توظيف أمثل للطاقات والإمكانات.
والخطر البيئي يتحول إلى كارثة بيئية في المنطقة التي تتعرض له عندما يتحول ذلك الخطر إلى حقيقة فعلية تؤدي لوفاة 10أشخاص على الأقل، وجرح 100شخص، أو تؤدي إلى إلحاق خسائر في الممتلكات تصل إلى 16 مليون دولار. (شحادة وزريقات 2028 م).
- قضاء وقدر؟ أم عوامل ومؤثرات أخرى؟
في ظل ازدياد الكوارث الطبيعية في جميع أنحاء العالم على نحو ملحوظ في السنوات الأخيرة، وفي ظل تعدد وتنوع وتقاطع أسبابها، يتبادر للذهن سؤال: هل ما تعرضت له بعض الدول وبالأخص العربية منها (سوريا، ليبيا، المغرب) من كوارث طبيعية مؤخرًا هو أمر طبيعي – بعد إرادة الله جل جلاله – يعود إلى التغيرات المناخية فقط باعتبارها ظاهرة عالمية على مختلف مناطق العالم زادت على نحو مطرد أكثر من ذي قبل؟ أم أن هناك عوامل ومؤثرات أخرى ساهمت في حدوثها؟
والمتتبع الحصيف للمناطق التي تعرضت لكوارث طبيعية وما نتج عنها من خسائر بشرية ومادية كبيرة يلاحظ، أن بعضها كان بسبب أثر نشاط بشري ساعد في حدوث الكوارث وزيادة الخسائر، إما نتيجة تجاهل الإنسان لأثر المناخ عند تخطيطه للمناطق السكنية، أو سوء اختيار مواقع بناء المنشأة والطرق والجسور والأنفاق والمزارع. فأقامها في مجاري الأودية أو قريبًا منها؛ مما أدى إلى ضيق مجرى العديد من الأودية، فحدثت فيضانات وجرف للتربة وتدمير لما في الأودية وما حولها من مباني ومزارع وطرق، وتجمع للمياه في وسط المدن والأنفاق. وهذا يشابه ما حصل في إعصار دانيال في عدة مدن ليبية، والذي نتج أيضًا بالإضافة إلى ما سبق ذكره من إهمال صيانة السدود، وسوء مراقبة المياه المختزنة التي غمرتها عاصفة ممطرة ضخمة، وإهمال لتحذيرات حاسمة وواضحة صدرت في العام الماضي بشأن تدهور حالة السدود. ووجوب إصلاحات لازمة وعاجلة لتجنب مثل هذا السيناريو؛ لكن للأسف لم يتخذ أي إجراء! (عاشور 2022).
لا شك أن صور الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وسوريا والمغرب، والخطاب الواضح الذي قدمته لنا لغة الأرقام، تؤكد على ضرورة تعزيز قدرة المدن على الصمود أمام الكوارث الطبيعية خاصة تلك المتعلقة بأسباب تعاظم الخسائر البشرية والمادية والتي تصدرتها التأثر بالتغير المناخي. وزادت من أهمية تسليط الضوء على أهمية تبني المباني الحديثة في المملكة في المناطق المعرضة للكوارث والزلازل لمعايير هندسية تجعلها مقاومة لمثل هذه الكوارث.
والاستفادة في هذا المجال من اليابان كدولة رائدة في تشييد أكثر المباني مرونة في العالم؛ لتعرضها بشكل متكرر للزلازل بسبب موقعها على طول “حزام النار. على الطريقة اليابانية.. 3 نماذج لمبان مقاومة للزلازل | سكاي نيوز عربية (skynewsarabia.com)
حيث تعتمد على 3 هياكل تصميم رئيسية في بنيتها التحتية، هي:
هيكل تايشين، يمثل الحد الأدنى من متطلبات المباني المقاومة للزلازل في اليابان، وينصح الخبراء في الهندسة بهذا النوع من هياكل البناء، للمباني ذات الارتفاع المنخفض.
هيكل سيشن، يعتبر هذا النموذج الأكثر تفضيلًا في اليابان، لقدرته الكبيرة على امتصاص قوة الزلازل. ويوصى به للمباني الشاهقة، حيث يستخدم في هذا النوع من الهياكل، طبقات ماصة للصدمات أو مطاطية أو عوازل زلزالية، تفصل هيكل البناء عن قاعدته الأساسية، وتعمل كمخمّدات تمتص الكثير من طاقة الزلزال.
هيكل مينشين، يعد الأكثر تكلفة، لكنه الأكثر أمانًا أيضًا. حيث تعتمد قاعدة المباني في هذا النوع من الهياكل على طبقات من الرصاص أو الفولاذ أو المطاط السميك، ما يسمح لأساسات المبنى بالتحرك وتقليل قوة الزلزال على الطبقات العلوية.
كما تظهر الزلازل وموجات تسونامي التي شهدتهما اليابان عام 2011، 2024، كيف أن إدارة مخاطر الكوارث يمكن أن تحد من الدمار الذي يمكن أن تنزله كارثة طبيعية مدمرة. وكيف حافظت مواصفات البناء على صمود الكثير من المباني والمنازل أمام الهزات العنيفة. وأن التدريب على إدارة الكوارث في المدارس وعلى شاشات التلفاز أدى إلى إنقاذ حياة أعداد لا تحصى من البشر.
المحور الثاني: ماذا نقصد بالمرونة؟ وما هو مفهوم المدن المرنة؟
- المرونة
هي: صفة تطلق على الأشخاص وكذلك على الأشياء، مثل: المدن، العضلات، النباتات..
وكمفهوم تعني: «القدرة على التعامل مع الظروف العصيبة وتحمّل الصدمات والتكيف المستمر والانطلاق بسرعة كافية لتجاوز الاضطرابات والأزمات التي تظهر مع مرور الزمن». وتتطلب المرونة من مؤسسات القطاعين العام والخاص وجميع الاقتصادات والمجتمعات، التحلي بالتفكير المتطور وتوقع الاضطرابات وليس الاستجابة لها فقط، فضلًا عن عملية التعلم المستمرة وتعديل الخبرات بناءً على التجارب. ( المرونة ودورها في تحقيق النمو الشامل والمستدام | McKinsey).
كما تعتبر المرونة واحدة من أهم مبادئ التخطيط لاستدامة أي مدينة على المدى الطويل؛ كي تتمكَّن من مواجهة المتغيرات المحلية والعالمية عند التنفيذ. الأمر الذي يعني قابلية التعديل، بمعنى إمكانية تغيير الأهداف المرسومة دون الإخلال بالهدف الرئيسي الذي قام من أجله التخطيط. لكن من المهم أن نفرق في هذا المقام بين المرونة كواحدة من مبادئ التخطيط، وكأمرٌ يعتبرُ فيه الكلامُ محسومًا، ومسلَّمًا، وبين المرونة الحضرية ويقصد بها مرونة المدن. فالمدن التي لا تتميز بخصائص المرونة تكون عرضة لمستوى عال من الخسائر البشرية والاقتصادية عند حدوث الكوارث.
- المدن المرنة
كان مفهوم المدن ينصرف قديمًا إلى المدينة التقليدية التي تُعرف من ناحية العمران استنادًا إلى بنيتها التحتية أو الفيزيائية فقط. في حين ظهر نموذج آخر للمدن، هو: << المدن المرنة >> كنموذج جديد لمعرفة مدى قدرة المدينة على الاستجابة للصدمات والضغوط الناجمة عن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والتكنولوجية والديمغرافية السريعة التي يمكن أن تؤثر على نظم حضرية متعددة، بما في ذلك نظم النقل وشبكات الأغذية وخدمات الرعاية الصحية وجودة الهواء وشبكات الطاقة والخدمات الحكومية.
فيما تؤكد معظم التعريفات في مجملها على أن المدينة المرنة، هي: تلك المدينة التي تكون جاهزة للتأقلم مع ما هو متوقع وغير متوقع، ويتطلب تصنيف المرونة للمدن تحقيق الاستدامة في المدن. وهذا بدوره يتطلب التوافق بين المطالب الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، وهي «الركائز الثلاث» للاستدامة التي يعزز بعضها البعض.
المحور الثالث: المرونة الحضرية والمرونة المناخية وأهميتها للمدن السعودية
- المرونة الحضرية
تشير الأبحاث إلى أن المرونة الحضرية هي عامل حيوي لنجاح أي مدينة، وأن المدن التي تتمتع بمستوى عالٍ من المرونة الحضرية تكون أكثر قدرة على التكيف مع التغييرات والتحديات، وتحقق نتائج أفضل في مجالات الاقتصاد والبيئة والصحة والسلامة.
وهناك عدة تعريفات لمفهوم المرونة الحضرية، من بينها تعريف برنامج موئل الأمم المتحدة ” أنها القدرة القابلة للقياس لأي نظام حضري مع سكانه، للحفاظ على الاستمرارية أثناء الصدمات والضغوط كافة، مع التكيف تكيفًا إيجابيًا والتحول نحو الاستدامة “.
- المرونة المناخية
تُعرف المرونة المناخية على أنها: قدرة المجتمع أو البيئة على توقع وإدارة الأحداث المناخية الخطرة والتعافي والتحول بعد الصدمة، مع الحد الأدنى من الضرر الذي يلحق بالرفاهية المجتمعية والنشاط الاقتصادي والبيئي. ومن الأمثلة عليها: زيادة بناء القدرة على مواجهة الأزمات في المجتمع، التخطيط طويل الأجل، أنظمة الإنذار المبكر، التدريب على المهارات الجديدة، تنويع مصادر دخل الأسرة، تعزيز الحلول القائمة على الطبيعة، وبناء استجابة مجتمعية قوية وقدرات التعافي. (العتيبي 2023).
- أهمية تمتع المدن السعودية بالمرونة الحضرية
كون المملكة العربية السعودية تعد من أكبر بلدان العالم تحضرًا، حيث يقطن 83 % مـن سـكان المملكة في المدن، ويعيش مالا يقـل عـن 90 % من سكان المدن على طول ثلاثة محـاور تنمويـة: المحور الأوسط، محور الساحل الشرقي، ومحور الساحل الغربي (الرياض، الدمام، جـدة) (تقرير حالة المدن السعودية 2018 Report – Excutive Summary.pdf (un.org)).
ومثل هـذا المرتكز الحضري إلى جانـب الزيادة في أحجام هـذه المدن، والتخطيط غـير الفاعل يشكل ضغوطًا هائلة على المساكن والمياه والصرف الصحي والنقـل والبنى التحتيـة الأخرى ما ينعكـس سـلبًا على سلاسة وكفـاءة أداء المدن في المملكة العربيـة السـعودية.
غير أن المسألة ليست التوسع الحضري في حد ذاته. بل إن المسألة هي الطريقة التي يتم بها التعامل مع عملية التوسع الحضري، وبالأخص الذي يفتقر إلى الإدارة الجيدة؛ حيث يمكن أن يتسبب في تفاقم المشكلات والتحديات القائمة ويجعل المدن السعودية أكثر هشاشة وأضعف حالاً عند مواجهة الكوارث الطبيعية. فكلما زاد تكدس السكان وازدحمت المباني، كلما أصبح تأثير الكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية أشد فتكًا بالأرواح البشرية وأكثر تدميرًا للمنشآت ووسائل المعيشة الاقتصادية، وخاصة الشرائح السكانية الأكثر فقرًا.
من جهة أخرى، تزداد أهمية مرونة المدن لما لها من آثار إقليمية مرتبطة بسلاسل القيمة؛ فالمدن الريفية غالبًا ما تزود المدن بالموارد فيما تعتمد هي على المناطق الحضرية للحصول على الخدمات والوصول للأسواق. عليه. من المهم تعزيز مرونة المناطق الحضرية والريفية على حد سواء، وهو أمر أساسي لضمان التنمية المستدامة ونجاح الجهود الرامية إلى الحد من الفقر في كافة أنحاء الدولة، وتعزيز كفاءة الطاقة ووسائل النقل والبنية التحتية المنخفضة الكربون وتحقيق جميع أهداف الاستدامة الوطنية، وإعداد كافة المدن السعودية لمواجهة مخاطر الكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية وتعزيز قدرتها على الصمود.
المحور الرابع: خصائص المدن المرنة
- إدارة حضرية
من المهم أن تتمتع المدن في المملكة العربيـة السـعودية بإدارة حضرية مستقلة؛ حيث لا تـزال المركزية هـي السـمة الغالبة في تخطيـط وإدارة المدن، وتتصف بالآتي:
- تكون ذات مؤسسات تكاملية لديها القدرة على التكيف بشكل إيجابي وتتحول باتجاه الاستدامة رغم الأزمات.
- لديها أنظمة قوية ومدروسة، واحتياطات تفوق الحاجة الآنية تحسبًا للطوارئ.
- لديها القدرة على التحول نحو تجويد الخدمات المقدمة في المساحات العامة؛ لتعزيز التكامل والانسجام والاندماج الاجتماعي الذي يشكل أيضًا عنصرًا مهمًا من عناصر المدينة المرنة.
كما يُفترض أن تتعامل بمرونة مع الظروف المتغيرة وتجد البدائل في استخدام مواردها، وتعمل على تحقيق ما يلي: مراعاة عناصر المخاطر التي قد تكون سببًا في حدوث الكوارث أو تفاقم آثارها. وتنمية قدراتها المالية والبشرية ( المدن المرنة (alyaum.com)). والتوسع في استخدام الأجهزة والربوتات الحديثة في عمليات الإنقاذ. إلى جانب الاستفادة من التجارب الدولية والمستجدات العالمية والفرص الرقمية في هذا المجال مع النظر في ملائمة تطبيقها محليًا. بالإضافة إلى القيام بدورها الهام في مراقبة الممارسات التي تقوم بها الشركات المنفذة للمشاريع في المدن كي لا تؤدي إلى تغيرات بيئية معقـدة قد تسهم في زيادة المخاطر، وأخذهـا بعين الاعتبار عند التخطيط للمستقبل.
وتحقيقًا لتلك الغايات المنشودة، من الضروري تحسين فعالية إدارة التنمية الحضرية، بتطبيق ما يلي:
- تمتع الإدارة بصلاحيات تمكنها من اتخاذ التدابيـر العلاجية العاجلة لبعض الحالات التي تستلزم مراجعة نطاقـات الاختصاص والمسئوليات وتخصيص الموارد المصاحبة للتعامل مع أي تحديات حالية أو مستقبلية. وهذا يعتمد على تحقيق اللامركزية الإدارية في كل منطقة على حده.
- تفعيل التعاون فيما بينها وبين مختلف مستويات الأجهزة والقطاعات الحكومية بشكل واضح، وخالي من الثغرات والتداخلات. والتشارك جميعًا في اتخاذ القرارات المتعلقة بالاستثمار المستدام بدلاً من التركيز على تحصيل الضرائب والإيرادات الأخرى فقط. )اليوم العالمي للمدن | الأمم المتحدة (un.org)
- عمل الإدارات على زيادة الوعي بأهمية المرونة في التنمية الحضرية من خلال برامج تنموية تعزز الاستدامة كمحفز للإبداع والابتكار.
- أنظمة رقابة وحوكمة
من خلال أنظمة الرقابة والحوكمة، يمكن تحقيق العدالة والشفافية والمساءلة وتحسين جودة إدارة الأراضي والمباني والخدمات العامة في كافة أرجاء المدينة. والحفاظ على البنية التحتية والموارد الطبيعية، بما يتوافق مع الرؤية الاستراتيجية للمدينة. ومن جهة أخرى، ضمان كيفية تصميم وتطبيق وتقييم السياسات والبرامج والمشاريع التي تؤثر على مرونة المدينة من حيث الوظيفة والشكل والموقع.
وحسب تقرير حالة المدن السعودية 2019، لاتزال حوكمة المدن تشكل تحديًا رئيسيًا في المملكة بناءً على نتائج معيار الحوكمة والتشريعات الحضرية لمختلف المدن السعودية التي أظهرت، أن المدن السعودية الرئيسة سجلت أداء ضعيفًا على صعيد المشاركة المجتمعية مقارنة بحالة المدن الكبرى التي تميل إلى تسجيل مستويات أعلى في مجال مشاركة المواطنين في رفع جودة الحياة العامة. فيما سجلت المدن المقدسة مستويات عالية من الكفاية في مجال القدرة المؤسسية مقارنة بالمدن الكبرى والمتوسطة الأخرى. أما المدن الصغيرة سجلت أفضل أداء يتسم بالمساءلة والشــفافية، مما يعكس وجود علاقة أوثق بين صانعي السياسات والقرار. ومع ذلك، تبقى القيم الخاصة بمعايير الحوكمة الحضريـة لمختلف المدن المسجلة متدنية طبقـًا للمؤشر العالمي لازدهار المدن.
لذلك.. من الأولوية وضع استراتيجية موحدة لأنظمة الرقابة والحوكمة من قبل مجلس المخاطر الوطنية، تتضمن الآتي:
- سن قوانين وتشريعات خاصة بمرونة المدن تكون بمثابة المظلة التي تعمل على توحيد وتكامل جهود جميع الجهات ذات العلاقة فيما يتعلق بالاستجابة للطوارئ والتعافي من الكوارث.
- إضفاء طابع مؤسسي على هياكل الحوكمة وأنظمة الرقابة، وبناء آليات التنسيق والتعاون والتكامل.
مثال على ذلك، وجود دليل عملي لتنفيذ الأجندة الحضرية لمرونة المدن، يقدم أدوات ومبادئ توجيهية للممارسين الحضريين والمسؤولين السياسيين والشركاء الحضريين، ويعمل على تعزيز البنى التحتية والإمكانات الداخلية مثل الاستشراف وتطوير سبل الإنذار المبكر بهدف الاستعداد للمخاطر بصورة أفضل.
في هذا الإطار يجدر بالذكر، أن هناك نماذج مختلفة للحوكمة على مستوى العالم، 1/ نموذج مركزي يجري خلاله تخطيط استراتيجيات الطوارئ وتنفيذها على المستوى الوطني. 2/ نموذج لا مركزي تُتخذ القرارات فيه على مستوى المدينة أو المستوى الوطني. 3/ نموذج مختلط يجري فيه تقسيم الأدوار المختلفة بين المستويين المحلي والوطني. لذا من المهم اختيار نموذج ملائم للحوكمة يختلف من مدينة لأخرى – حسب التحديات وجاهزية البنية التحتية وتنوع الثقافات المحلية وغيرها؛ بهدف تحسين التفاهم والتضامن بين مختلف المصالح والآراء، وبما يسهل تحقيق الأهداف المشتركة للمدينة.
وبناءً على ما يتوفر من أطر حوكمة وأنظمة رقابة، وإمكانات وبيانات تمويل وطرق تقديم خدمات؛ يسهل على صاحب القرار تعزيز إمكانيات مدينته المؤسسية ومدى قدرتها على سرعة الاستجابة والتعافي والتحول. فضلًا عن ذلك، يتيح هذا الإطار تحديد المجالات التي يحتاج صانع القرار إلى الانتباه إليها وتحتاج إلى تطوير. وهي تتعلق بكيفية تعزيز التعاون والتنسيق والتنظيم والمشاركة بشكل فعّال بين مختلف الجهات الفاعلة في المستوى الحضري، سواء مع البلديات المحلية والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأكاديمي على المستوى المحلي أو مع الحكومات الإقليمية والعالمية على المستوى الدولي، والتي تمكن من سرعة اتخاذ القرارات المناسبة ونجاح تنفيذها.
- مخزون معلوماتي
من أولويات التحول للمدينة المرنة، أن يتوفر لديها مخزون معلوماتي يُحلل الواقع على بساط من الشفافية والواقعية، ويطرق جرس الإنذار بضرورة وضع آليات تقييم واضحة للخطط والسياسات الحالية. كما أنه يخضع المسؤولين للمساءلة عند التقصير، ويوفر إمكانات هائلة لتحسين صناعة القرار على المستويات كافة.
ومن الأهمية بمكان التأكيد على ما يلي:
أولًا، أن جمع المعلومات ليس كافيًا في حد ذاته، وإنما يتطلب استغلال الطاقات البشرية في مجالات البحوث الاستراتيجية وتفعيل المراصد الاجتماعية وتوسيع دائرة الحوار وإحياء مؤسسات المجتمع المدني. وإشراكها في رصد البيانات وتحليل الأوضاع القائمة؛ فهي الوصفة الناجحة والأساس لصناعة تقارير وأوراق عمل وسياسات وطنية عن الأخطار والكوارث الطبيعية التي قد تهدد مدننا ورفعها إلى مراكز صناعة القرار لتمكينها من تحسين عملية اتخاذ القرار.
ثانيًا، يجب الاهتمام بتحسين إدارة المعلومات من خلال عدة طرق، منها:1/ تحديد الأولويات والتركيز على المعلومات الأكثر أهمية عن واقع ومستقبل المدن السعودية. 2/تحسين الإجراءات والعمليات المستخدمة، بما في ذلك تحديث البرامج والأنظمة المستخدمة. 3/تحسين طرق التخزين والوصول إلى المعلومات، بما في ذلك استخدام أنظمة إدارة المستودعات والتخزين السحابية. 4/تحسين أمان المعلومات، بما في ذلك استخدام التشفير والتحقق من الهوية. 5/ تحسين التدريب المستمر للعاملين على كيفية إدارة المعلومات بشكل فعال.
بالإضافة إلى استخدام إطار شامل ومتكامل للتقييم، يتضمن رصد بيانات المجالات التي تحتاج كل مدينة إلى تطويرها بشكل عاجل من حيث الاحتياجات الأساسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، مثل: الرعاية الطارئة، الإسكان، الحماية الاجتماعية. ويضمن آلية إشراك القطاع الخاص والجمعيات الأهلية والمتطوعين في تنفيذ الأولويات والسياسات والمبادرات ونماذج مشاركة المخاطر.
وما يستحق الإشارة إليه، أن القيام بحسن إدارة البيانات على النحو الصحيح قد يكون أكثر تعقيدًا وكُلفة من الجهد الذي يتطلبه جمعها، إلا أنه إذا لم نحدد ونحلل بداية وعلى النحو الصحيح البيانات المفروض جمعها، والقرارات التي من المهم تحسينها، والنقص الذي يجب إكماله؛ فنحن نخاطر مخاطرة كبيرة بتضييع وإهدار الجهد المبذول في جمع البيانات.
- تشريعات عمرانية مرنة تتماشى مع كل منطقة
نظرًا لما تمثله المنظومة التشريعية العمرانية من بيئة صلبة وداعمة لاستشراف وصنع مستقبل المدن الذي تصبو إليه الدولة على اختلاف مناطقها، وحيث أن مناطق المملكة تتنوع جغرافيًا وديموغرافياً وبيئيًا؛ كان لزامًا على الجهات الحكومية المركزية المعنية بالبيئة العمرانية السعودية التوسع في منهجيات الصناعة التشريعية لتشمل مرونة المدن والتغييرات المناخية والتشريعات الاستشرافية، التي تعطي الغطاء التنظيمي والقانوني لأي تطور قد تشهده قطاعات البناء والعمران تكنولوجيًا ومعرفيًا وتعزز من قدرة المدن السعودية على الصمود أمام الكوارث الطبيعية، ومراعاة الآتي:
- تطوير وتحديث التشريعات العمرانية اللازمة يجب أن يتماشى مع كل منطقة ويأخذ المستقبل وتحدياته في الحسبان. وهذا الأمر يستلزم سن قوانين وتطوير أنظمة تتناسب مع التغيرات المناخية والزيادة السكانية والظروف المحلية والاحتياجات المجتمعية التي تختلف من منطقة لأخرى.
- ضرورة أن تكون هذه التشريعات مرنة بما يكفل استجابتها للتغيرات المستقبلية، وتشجع على التكيف معها.
- تسريع آليات التوازن بين مجالات التنمية، ليس على مستوى الدولة فحسب بل على مستوى المدن.
- الاستمرار في تطوير وتحسين جودة أعمال البنية التحتية في المدن السعودية والارتقاء بها على مستوى مختلف الخدمات.
- أن تقوم الدولة بتوفير مباني الإيواء والخدمات الرئيسة، في عموم البلاد؛ تحسبًا لأي طارئ يحدث.
- تمويل العمل المناخي
أحد المواضيع التي تحظى باهتمام السلطات الرقابية في مختلف دول العالم، هو موضوع أثر الكوارث الطبيعية، وتحديات التغيّرات المناخية على القطاع المالي. وأصبح من الضروري على السلطات النقدية والمالية في الدولة، ومجلس المخاطر الوطنية القيام بدور محوري في تعزيز الاستعداد الأمثل والاستباقي في التدابير الدفاعية المخصصة لمواجهة الكوارث من خلال تمويل العمل المناخي، والانتقال نحو تمويل أخضر ومستدام قائم على أخذ المخاطر البيئية الناجمة عن التغيرات المناخية في الحسبان، عند صياغة الأهداف، واتخاذ القرارات المالية.
ويشير مفهوم تمويل العمل المناخي (التمويل الأخضر والمستدام)، إلى حشد الأموال بهدف دعم المشاريع المتعلقة بالمناخ. وتتمثل أبرز مجالات تركيز هذا التمويل في: رفع جودة البنية التحتية وزيادة الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة، وضمان انتقال تدفقات رأس المال إلى الشركات، والاستثمارات، والمشاريع والتقنيات المساهمة في عالم مستدام ذو انبعاثات كربونية منخفضة، وتعزز الوصول إلى الحياد المناخي.
وفي هذا الإطار، تركز المملكة على إدارة هذا الملف من خلال مجلس المخاطر الوطنية وترتيباته التنظيمية المتضمنة الآتي: 1/تخصص ميزانية سنوية مستقلة للمجلس – السنة المالية للمجلس هي السنة المالية للدولة -. 2/تتكون موارد المجلس المالية مما يأتي: أ- ما يخصص له من اعتمادات في الميزانية العامة للدولة. ب- ما يقبله من هبات وتبرعات ومنح ووصايا وريع الأوقاف وفقًا للأنظمة ذات العلاقة. ج – المقابل المالي الذي يتقاضاه مركز التميز نظير الخدمات التي يقدمها. د- أي مورد آخر يقره بما لا يخالف الأنظمة والتعليمات. وتودع أموال المجلس في حساب جاري وزارة المالية في البنك المركزي السعودي. ويفتح المجلس حسابًا له في البنك المركزي السعودي، وله فتح حسابات أخرى في أي من البنوك المرخص لها بالعمل في المملكة، ويصرف من هذه الحسابات وفق ميزانيته.3/ أن تتولى الأمانة العامة لمجلس المخاطر الوطنية: إعداد اللوائح المالية والإدارية والداخلية والفنية؛ لتسيير عملها، ورفعها للمجلس؛ لإقرارها وفقًا للإجراءات النظامية المتبعة، وإعداد مشروع ميزانية المجلس، وحسابه الختامي، وتقرير مراجع الحسابات، والتقرير السنوي ورفعها إلى المجلس؛ لإقرارها وفقاً للإجراءات النظامية المتبعة.
ويمكن تأطير أهمية هذا الموضوع بالنسبة للسياسات المالية في السعودية، في ثلاثة أبعاد:
- افتقار البلديات السعودية إلى الولاية المالية وكذلك الكوادر الفنيــة الكافية لتنمية إيراداتها، واعتمادها بشكل أساسي في موازنتهــا السنوية على الحكومة المركزية التي كشفت عنها نتائج برنامج مستقبل المدن السعودية 2019 م.
- أن العمل المناخي يواجه العديد من التحديات التمويلية، ويتطلب تغييرات في السياسات والاستثمارات الباهظة تتطلبها البنية التحتية المنخفضة الكربون والقادرة على تحمل تغير المناخ.
- احتياج القطاعات الأخرى، كالصناعة والسياحة والزراعة وغيرها إلى المزيد من التمويل. ويمكن تحقيق بعض ذلك من خلال دعم حكومي للمشروعات التنموية المجدية تجاريًّا وبيئيًا.
الأمر الذي يستدعي تعزيز القدرات المالية للبلديات وتعزيـز التوزيـع المتوازن للصلاحيـات والقـدرات والموارد، بما في ذلـك مراجعـة الأطر التشريعية والتنظيميـة والمالية المخصصة لتمويل العمل المناخي لمعالجة أوجه القصور أو المجالات التي تحتاج إلى تحسين، خاصـة فيما يتعلق بفجـوة البيانات، والمعلومات الناقصة في العديد من مؤشرات ازدهـار المدن. ويكمن جوهر التحدي في أن بعض الإجراءات التدخلية اللازمة تحتاج حاليًا لمزيد من الحوافز والقدرات اللازمة لإنفاذها، وربما تتطلب تمويلاً ميسرًا أو منحة أو كلاهما.
فالمنظور الأوسع للتمويل المستدام يتجاوز مخاطر تغيّر المناخ، وتمويل العمل المناخي، لأهميته كأداة حاسمة في الحد من آثار تغير المناخ إلى دفع عجلة التنمية المستدامة وتمكين المجتمعات الضعيفة وتعزيز مرونة المدن السعودية. المرونة ودورها في تحقيق النمو الشامل والمستدام | McKinsey
- مشاركة مجتمعية
لطالما تم الاعتراف الدولي بالمشاركة المجتمعية وفاعلية المجتمع المدني القادر على تشكيل فرق متعاونة ومتكافلة في أشد وأحلك الظروف باعتبارها عوامل رئيسـية للإدارة الناجحة لمخاطر الكوارث وتعزيز قدرة المدن على الصمود، ومن أهم الخصائص التي تميز المدن المرنة؛ فما المدينة لولا الناس!
وتنبع أهمية المشاركة المجتمعية، من كونها عملية تفاعلية تهدف إلى تمكين الأفراد والجماعات من المشاركة في اتخاذ القرارات والعمل بشأن القضايا التي تؤثر على حياتهم وبيئتهم وقت الكوارث. لذلك من المهم تنظيمها؛ كي تحقق الأثر المرجو منها وتقدم المساهمة بشكل ملحوظ في زيادة قدرة المدينة على التكيف وسرعة التعافي.
ويحتاج هذا الأمر اتباع بعض الخطوات والأساليب، مثل: 1/إجراء تحليل للوضع والاحتياجات والقدرات ومستويات الخطورة للمجتمعات المستهدفة. ومن ثم وضع خطة عمل للمشاركة المجتمعية تحدد الأنشطة والمسؤوليات والموارد والجدول الزمني، بعد تحديد أهداف وأولويات وإستراتيجيات للمشاركة المجتمعية في كل مدينة. 2/تحديد الشركاء والأطراف المعنية والقنوات والأدوات للتواصل مع المجتمعات؛ لضمان تنفيذها بطريقة شفافة وشاملة ومرنة. 3/العمل على زيادة برامج رفع الوعي التثقيفية والتدريبات الخاصة بالسكان التي ترفع من قدرتهم على المساهمة الجـادة وزيادة التأهب. بالإضافة إلى وضع مؤشرات الأداء من مراقبة وتقييم نتائج وآثار المشاركة المجتمعية، ومشاركة التعليمات والإنجازات مع المجتمعات المحلية الأخرى والشركاء.
ولا شك أن المشاركة المجتمعية المنظمة تؤدي إلى مخرجات رئيسية تتعلـق بآثار الكوارث، كونها تسهل عمل الفاعلين مـع بعضهم البعض، وتحقق الاتفاق والالتزام وتسمح باقتسام المعلومات والمعارف، وتعزز ثقافة المساعدة المتبادلة، وبناء الثقة والشفافية. عدا أنها تضمن الالتزام الواضح والمباشر حيال أولويات المجتمع في الحد مـن مخاطر الكوارث.
- شراكة مع أصحاب المصلحة
يعتبر التحول لمفهوم مرونة المدن واستدامتها والحد من مخاطر الكوارث مجهود جماعي؛ فالحكومة السعودية – ممثلة في مجلس المخاطر الوطنية – تتولى زمام القيادة وتقوم بالتنظيم والرصد، وتدعو الجهات الفاعلة الأخرى، والقطاعات المختلفة لتحقيق أهداف مشتركة تتعلق بتعزيز قدرة المدن على الصمود أثناء وقوع الكارثة وعلى سرعة التعافي وتحسين جودة الحياة والبيئة بعد انتهاءها.
ومن أنواع الشراكة المطلوبة مع أصحاب المصلحة (مكتب الأمم المتحدة للحد من المخاطر 2010-2020)، ما يلي:
أولًا: شراكة من أجل التخطيط الحضري، تهدف إلى تحسين استخدام الأراضي والحفاظ على البنية التحتية والموارد الطبيعية وحماية التراث الطبيعي والثقافي، بما يتوافق مع رؤية استراتيجية للمدينة تتضمن دليل عملي لتنفيذ الأجندة الحضرية الجديدة، وتتعلق بكيفية تصميم وتقييم المشاريع التي تؤثر على تطور المدينة الحضري، وتقديم التوجيه والتدريب والدعم للأمارات والبلديات في جميع المناطق بهدف استدامتها.
ثانيًا: شراكة من أجل الإبداع الحضري، تهدف إلى تحسين جودة التعليم والبحث والفنون، بما يسهم في التنافسية الاقتصادية والاندماج الاجتماعي للمدينة. وتتعلق بكيفية دعم وتعزيز قدرات المدينة على إنتاج المعرفة والثقافة والابتكار، من خلال تطوير رأس المال البشري والاجتماعي والثقافي. ومثال على ذلك، مشروع المدن المبدعة، الهادف لتشجيع التعاون والتنافسية بين المدن في مختلف المجالات.
ثالثًا: شراكة مع قطاعات الدولة المختلفة، كقطاعات التعليم، والصحة، والنقل، والبيئة … إلخ (بتضمين الحد من المخاطر كجزء من مناهجهم وخططهم ومسؤولياتهم، ومساهمتهم بتقديم المعلومات، وتنفيذ الأنشطة).
رابعًا: شراكة مع المؤسسات الأكاديمية، بهدف رفـع الوعـي بشـأن أهمية مرونة المدن، وتشمل مراكز البحوث التي توفر الإمكانية البحثية لتوفيـر المعلومات وتحليل البيانات ونقل المعرفة.
خامسًا: شراكة مع المواطنين والجمعيات الأهلية والتطوعية، من خلال إقامة لجان إدارة كوارث في الأحياء وتدريب السكان عليها وتحديـد الجهات التطوعية ودعمها؛ لتقوم بمشاركة المعلومات، وتقاسم المسؤوليات والمساعدة في الاشراف، والرصد وتنظيم المجتمع.
سادسًا: شراكة مع القطاع الخاص ومجتمع الأعمال: لحثهم على الامتثال للوائح الآمنة والمساهمة الفعالة في استدامة المجتمع والحفاظ على البيئة، ودعــم ثقافــة الحــد مــن مخاطر الكوارث في القطاع الخاص وضمان استمرارية العمل التجاري المستدام.
سابعًا: شراكة مع المجموعات المهنية، تشمل المعتمدين من المساحين، والمهندسين، والمعماريين، والمخططين ممن لديهم الخبرة الفنية بشأن البيئة القائمة وجمع البيانات، والأخصائيين الاجتماعين والمدرسين وغيرهم ممن يقومون بالتنظيم، ورفع الوعي.
ثامنًا: شراكة مع المجتمع المدني، ويشمل المنظمات غير الحكومية والمجتمعية، والدينية، من خلال دعم القدرات اللامركزية للموارد والسياسات والتشريعات التمكينية.
تاسعًا: شراكة مع المنظمات الدولية: لتوفير التعاون الفني، وتنمية القدرات، والموارد، والمنابر الحوارية.
المحور الخامس: هيكلة المدن المرنة (الأساسيات العشر، المزايا الرئيسية) ومتطلبات توسيع نطاق قدرة المدن السعودية على الصمود
- الأساسيات العشر لتمكين المدن من القدرة على الصمود
شكل رقم (1) الأساسيات العشر لتمكين المدن من القدرة على الصمود
المصدر: download (undrr.org) (2017م)
بحسب تعريف مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، فإن الكوارث تقع عندما يكون المجتمع المحلي «غير مزوّد بموارد كافية أو غير منظم بحيث يمكنه أن يتحمّل التأثير». ويتطلب تطوير المرونة أساسيات عشر، أهمها: استيعاب مستوى تعرض المدينة للأخطار الطبيعية والبشرية، يليه الحد من أي نقاط ضعف بنيوية قد تفاقم تأثير الكوارث، وذلك عن طريق تطوير جميع الإمكانات المؤسسية اللازمة للاستجابة والتعافي والتحول في مواجهة الكوارث. شكل (1).
ولأنه منطقيًا.. لا تستطيع أي دولة مهما أوتيت من قوة مادية أو علمية أن تمنع وقوع الكوارث الطبيعية، لكن يمكنها أن تحد من خطرها وتخفف من الخسائر الناتجة عنها.
وواقعيًا.. يعتمد أي نجاح في إدارة الكوارث والأزمات في الأساس على اتخاذ عدد من الإجراءات والتدابير الاحتياطية.
إذًا عمليًا.. لابد أن يسير تبني المرونة الحضرية في ثلاثة مراحل مترابطة:
أولًا: قبل وقوع الكارثة من خلال ثلاثة أنشطة رئيسية، هي: (التأهب والتنظيم والوقاية).
ثانيًا: أثناء وقوع الكارثة من خلال أربعة أنشطة رئيسية، هي: (الإنقاذ والتخفيف والتقييم والمتابعة).
ثالثًا: بعد وقوع الكارثة من خلال أنشطة التعافي التي تسمح بالتكيف والتحول الإيجابي لإعمار شامل؛ بحيث تتكامل هذه المراحل مع بعضها البعض ضمن سلسة واحدة تشمل (إعداد، إغاثة، تخفيف، تأهيل، إعادة، إعمار) (شكل 2)
شكل رقم (2) مراحل تبني المرونة الحضرية
المصدر: الدليمي والهيتي (2018 م)
- مزايا رئيسية يجب أن تتسم بها المدن المرنة
يتمحور مفهوم المدن المرنة حول النقاط التالية:
أولًا: الطريقة التي تستطيع من خلالها المدن التعامل مع المتغيرات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية بفكر استشرافي وقائي، والعمل على تهيئة كافة منظومات العمل بها وبناها التحتية وقدراتها البشرية بطريقة تمكنها من عدم الولوج إلى صدمة المدينة City Shock، كما سماها ويني ماس( تحدث صدمة المدن عندما تفقد المدن قدرتها على التكيف مع تغيرات سريعة أو غير متوقعة في البيئة أو السكان أو الاقتصاد أو الثقافة، وتصبح غير قادرة على تلبية احتياجات سكانها أو حماية مواردها أو الحفاظ على هويتها ويمكن أن تؤدي إلى ظهور مشكلات عمرانية واجتماعية وبيئية، مثل: التلوث والفقر والجريمة والتطرف).
ثانيًا: ارتباط مرونة المدينة وقدرتها على الصمود بالموازنة بين التنمية والاستدامة.
ثالثًا: اعتماد قدرة المدن على الصمود من ناحية الاستجابة، على وجود استراتيجية تحسين مستمرة، ترتكز على الواقعية وسرعة الاستجابة والقدرة على التكيف (مبدأ المرونة والصمود)، وقابلية التقييم والمراجعة والتطوير عن طريق توفير كافة الوسائل البشرية والتقنية والمالية اللازمة وفق إجراءات دائمة لتحقيق الأهداف المتوخاة. (بن غضبان وآخرون 2016م). وتحمل كل ميزة من هذه المزايا قائمة من الاعتبارات والممكنات التي يمكن أن تدفع المدن نحو هذا التحول.
وبين المفهوم والاستجابة هناك ثمان مزايا رئيسية يجب أن تتسم بها المدن المرنة يوضحها الشكل (3)
شكل رقم (3) الميزات الرئيسة للمدن المرنة
المصدر: time-to-future-proof_urban-resilience_gws_ar.pdf (worldgovernmentsummit.org) (2021م)
ولمزيد من الإيضاح، نضع للقارئ بطاقة قياس القدرة على الصمود في المدن شكل (4)
شكل رقم (4) بطاقة قياس القدرة على الصمود في المدن
المصدر: download (undrr.org) (2017م)
وهي: بطاقة تحتوي على مجموعة من التقييمات التي تساعد الحكومات المحلية على مراقبة ومراجعة مدى التقدم والتحديات في تنفيذ إطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث 2030، وتهدف إلى تعزيز قدرة المدن على التأقلم مع التغيرات والتحديات التي تواجهها، سواء كانت طبيعية أو بشرية أو اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية. ويلاحظ أنها تتضمن مجموعة عوامل ليست ساكنة لكن ممكن تحسينها استنادًا إلى القدرة المؤسسية والفردية على التكيــف للحد من المخاطـر وزيادة القدرة على الصمود.
- متطلبات توسيع نطاق قدرة المدن السعودية على الصمود
لعل ما يعزز أهمية الموضوع في دولتنا، هو استحضار الكوارث الطبيعية التي تعرضت لها. فهناك ما وقع قديمًا ولا زالت آثاره واضحة كالبراكين، ومنها ما وقع قديمًا ولازال يهددها أو جزء منها من فترة لأخرى، كالزلازل والهزات الأرضية في غرب وشمال غرب المملكة، والسيول في وسط وشمال غرب وجنوب المملكة. بالإضافة إلى كوارث وحوادث حدثت وينبغي عدم تجاوزها؛ لأنها ساهمت في السنوات الاخيرة بشكل كبير بعد أحداثها الأليمة في تغيير مفهوم الكوارث عن المفهوم السابق على الصعيد المحلي، منها: سيول مدينة جدة عام 2002 م وسيول مدينة ينبع واحتراق شاحنة الغاز بمدينة الرياض 2012 م، وحريقي فندق الانتركونتيننتال بمكة المكرمة وحفل زواج في مدينة بقيق 2012 م وغيرها، مما لا يتسع المجال لذكره. ( علم إدارة الكوارث (kfu.edu.sa
ولأن الكوارث الطبيعية غالبًا ما ترتبط بالتغيرات المناخية التي أصبحت أمرًا واقعًا لا مناص منه، ومن أهم المشاكل التي تؤرق المجتمعات على المستوى الدولي، الوطني والمحلي في العقود الأخيرة. ولأن التأثير الناجم عن التغير المناخي بات من المسلم به أن تأثيره يختلف من مكان لآخر؛ فقوة تأثيره تعتمد على حسب المدن التي أهملت الاستثمار في الوقاية من الكوارث والحدّ منها لصالح الشوارع الواسعة والساحات الكبيرة والمباني الشاهقة، أو بناء أحياء جديدة في المناطق المنخفضة، أو في المناطق المعرضة للكوارث الطبيعية، دون إيلاء اهتمام يُذكر لمخاطر الكوارث عند التخطيط للتوسع؛ مما يؤدي لتعاظم الخسائر بشكل كبير.
عليه.. يجب وضع الجوانب التالية في الحسبان عند وضع خطط التوسع والتصحيح والمعالجة والرقابة، بما يسهم في تحسين المشهد الحضري وتعزيز مرونة المدن السعودية:
- ربط مناقشة استدامة البيئة وإدارة المخاطر في المملكة العربية السعودية بالاستراتيجيات العمرانية، وكيفية تعزيز مرونة المدن السعودية بكافة الوسائل الممكنة، ورفع جاهزيتها لتكون على أهبة الاستعداد للتعامل مع أي مخاطر وتهديدات.
- التأكيد على أن تغير المناخ وزيادة النمو السريع في أي مدينة سعودية، دون بذل جهد مماثل لتعزيز مرونة المدينة بكافة الوسائل الممكنة، قد يكون له آثار ليست محمودة ويعرض المدينة لمخاطر كبيرة في المستقبل نحن في غنى عنها إلا إن تم دراسة أسبابها والاستعداد لها مبكرًا.
وهو ما يتطلب التحرك مبكرًا للتعامل بشكل صحيح وآمن مع المشكلات التي تعاني منها مدننا السعودية ومعرفة متطلبات النهوض بها للصمود. ونخص بالأمر العاصمة ومدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة اللتان تعجان بالزوار والمعتمرين من كافة دول العالم على مدار العام، وأهمية تطبيق وتطوير إجراءات الأمن والسلامة في كافة مرافقهما واتباع معايير الكود السعودي، ووجود خطة إخلاء سريعة وآمنة خاصة بالحرم المكي والمديني عند حدوث الكوارث، وتدريب السكان وموظفي الحرمين عليها، والتأكد من بثها بشكل متواصل للزوار عبر رسائل توعوية وتحذيرية بمختلف اللغات عبر الوسائل المختلفة.
وهنا لنا أن نسأل كيف يمكن توسيع نطاق قدرة المدن السعودية على المرونة والصمود؟ وما وسائل تعزيز ذلك في ظل التهديدات المستقبلية للتعرُّض للأنواء المناخية والزلازل؟
والإجابة النظرية، تكمن في أن تكون المدن قائمة على التخطيط الحضري المناسب من حيث التوزيع العمراني المناسب للطبيعة الجغرافية والبيئية للمدينة، وتحديد النظم البيئية باعتبارها حواجز طبيعية من ناحية. ومن ناحية أخرى تعزيز قدرة تلك المدن على إدارة الأزمات والمخاطر في حال وقوعها، وإمكانات توفير استراتيجيات إعمار وتأهيل سريعة بعد الكوارث.
والإجابة العملية، كانت عند إنشاء مجلس المخاطر الوطنية برئاسة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ومشاركة (12) وزيرًا في عضويته، وربطه تنظيميًا بمجلس الوزراء، بحيث يتولى تحديد التوجهات والرؤى والأهداف ذات الصلة بشؤون المخاطر والطوارئ والأزمات والكوارث واستمرارية الأعمال على المستوى الوطني. لاسيما فيما يتعلق بإمدادات المياه والغذاء والطاقة والمستلزمات الطبية. وتتمحور مهامه في الآتي:
- تقويم شامل للمخاطر الوطنية
- إنشاء مركز إدارة الأزمات والكوارث
- إنشاء مركز التميز لنشر ثقافة ادارة المخاطر وتأهيل خبراء إدارة المخاطر والطوارئ. ودعم الجهات المعنية، لنشر الوعي العام بالمخاطر
- دراسة واعلان رفع مستوى الجهوزية ضد المخاطر والتدريبات المنجزة ضمن المنظومة العامة
- مباشرة اختصاصات مجلس الدفاع المدني
المحور السادس: الأخطار والتوقعات
- الأخطار التي تهدد المملكة
يرى الأحيدب (2000)، أن من الأخطار التي تهدد المملكة وتتفاوت في قوتها وتكرارها وخطرها (الزلازل والهزات الأرضية، والسيول والفيضانات، والجفاف والقحط، وزحف الرمال وضربات الشمس، وشدة الحر وغزو الجراد، والعواصف الرملية). وأن ما يزيد من خطورة تلك الأحداث، هو: النشاط البشري المختلف – زراعي وعمراني – وغيرها من النشاطات التي يقوم بها الإنسان في المناطق المعرضة للخطر دون الأخذ بالاعتبار الأخطار التي تحدث في المنطقة. كما أشار إلى أن من الصعوبات التي تواجه المملكة، عدم توفر سجلات ومعلومات كافية عن حجم ومدى خطورة الحوادث الطبيعية التي تصيب المملكة من فترة لأخرى وتوزيعها الزماني والمكاني.
جدول رقم (1) النطاقات الزلزالية في المملكة العربية السعودية
المصدر: الخطط الوطنية لمواجهة الكوارث (998.gov.sa) (1406هـ)
ويوضح جدول (1)، ما يلي: أن معظم رقعة المملكة ولله الحمد مستقرة من الناحية الزلزالية إلا أن هناك احتمالية حدوث زلازل كبيرة إلى متوسطة عند حواف أطراف البلاد، وبالأخص المناطق الشمالية الغربية والمنطقة الجنوبية الغربية؛ نظرًا لوجود نشاط زلزالي في منطقة خليج العقبة وبعض المناطق الممتدة على ساحل البحر الأحمر. وهذا النشاط يرجع إلى النشاط التكتوني للبحر الأحمر نتيجة لتباعد الصفيحة الإفريقية عن الصفيحة العربية.
وحسب تصنيف الخطة الوطنية لمواجهة مخاطر الكوارث الطبيعية لكمية النشاط الزلزالي في المملكة، هي: من منخفضة ومتوسطة إلى شديدة. وهذا يعني أن احتمالية حدوث الزلازل تكون من نادرة إلى كبيرة.
لذلك؛ من الأمور المهمة بشكل حيوي في هذا السياق، قراءة التوقعات على مدى طويل لمعرفة المخاطر الطبيعية والبيئية والتغيرات والتوقعات المناخية التي قد تهدد المدن السعودية مستقبلًا.
- توقعات مستقبلية
توقع فريق من الباحثين من البرنامج المشترك لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا حول علوم وسياسة التغيير العالمي ومركز الأنظمة الهندسية المعقدة في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، زيادة في درجات الحرارة بحلول منتصف القرن في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية، في 5 مواقع استراتيجية – العاصمة الرياض، ووجهات السياحة الدينية مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومدينة المستقبل <<نيوم >> في تبوك، ومدينة جدة – في شهري أغسطس ونوفمبر، وأن ارتفاع مؤشر الحرارة والرطوبة في أغسطس يهدد بشكل خاص قابلية السكن الإقليمي في جدة بسبب زيادة تواتر أيام مؤشر الحرارة الشديدة.
وشملت الدراسة توقعات أخرى تشير إلى زيادة في كثافة وتواتر أحداث هطول الأمطار في أغسطس بحلول منتصف القرن على طول الساحل الغربي الجبلي للبلاد، وإمكانية تجميع المياه – التي يمكن أن نزيد بها من مخزون المياه الجوفية المحلية وتكملة إمدادات المياه في أماكن أخرى-. وانخفاض كبير في معدلات هطول الأمطار على منطقة الربع الخالي.
وتلك التوقعات تتطلب ضرورة أخذها على محمل الجد لاسيما في طور التوسع العمراني التي تشهدها المملكة على السواحل الشرقية والغربية، واستهداف جزر البحر الأحمر ونيوم كوجهة سياحية عالمية. والتصدي لها بحلول استباقية ووقائية، والعمل على دراسة وتحليل تأثيراتها التي قد تختلف في كل مدينة من المناطق الخمس المذكورة حسب موقعها الجغرافي ومدى التطور الحضاري بها وسلامة بنيتها التحتية، خاصة مع حساسية نظام المملكة البيئي تجاه مناخها الجاف، وندرة مواردها المائية، والتوقعات بارتفاع درجات الحرارة بشكل أكبر. الأمر الذي قد تجعل أراضيها الزراعية هشة أمام التغيرات البيئية في حال عدم أخذها بعين الاعتبار.
وفي هذا السياق وجدنا من المهم كذلك أن نعرض لكم تحذيرات د. محمد الغامدي- كاتب سعودي متخصص في المياه -. ذكرها في سلسة من المقالات نشرت في جريدة اليوم وتتعلق بمرونة المدن السعودية. حيث حذر فيها، من أن الكوارث البيئية تقع بعد ظهور المؤشرات بعشرات الـسنين بعضها يتجاوز 100 عام. وأن تجاهل المؤشرات الناتجة عن غياب المدرجات الحجرية والمد الزراعي في جبال المناطق المطيرة في الجنوب الغربي من المملكة، وتجاهل رصدها منقصة، وعدم معالجة أسبابها يزيد من ضررها. حيث أكد على أن استمرار المؤشرات الناتجة عن غيابها ينبئ بقدوم كارثة مائية، وبيئية، وزراعية، وإنسانية. ويشكل عاملًا من عوامل تصحر مناطقنا الجبلية المطيرة.
وشدد على سرعة إنقاذ تلك المدرجات قبل أن تحل كارثة فقدها؛ نظرًا لوظيفتها ودورها التاريخي، المائي، والزراعي، والبيئي، والاجتماعي. والمطالبة بتعظيم دورها كواجب وطني يعزز مواجهة العطش؛ كونها الـوسيلـة الـوحيدة المتاحة في هذه المناطق لتغذية المياه الجوفية المتجددة الـتي تشكل 90% من مصدر احتياجاتنا من المياه. فوجود تلك المدرجات بمثابة أحواض تربة وأوعية حافظة تعمل لخزن ماء المطر وتغذية المياه الجوفية وتنميتها بعد هـطول الأمطار، والمطر في غياب تلك المدرجات وتربتها تصبح منفعته معدومة. كما نوه الغامدي إلى أن جميع ما تبقى من المدرجات سواء كانت مملوكة لأفراد أو غير مملوكة لأحد تواجه نفس التحديات، وتحتاج إلى مشروع وطني لإنقاذها.
وأشار كذلك لمشكلة جور التنمية في منطقة الباحة المطيرة، أولًا: بسبب غياب الفكر البيئي لمشاريع تأسست على تجريف المدرجات، كمشاريع مخططات الإسكان، منها: مشروع إسكان القمع، والشطيبة. ثانيًا: بسبب غياب حسابات سلامة البيئة، حيث أُقيمت المتنزهات السياحية على حساب تدمير وهدم المدرجات التاريخية وتجاهل وظيفتها، ونموذج لها: متنزه غابة رغدان، متنزه القمع، متنزه خيرة. وأسفرت عن المشاكل البيئية التالية: 1/تدمير المدرجات، 2/اجتثاث الغابات المتعمد بدون أدنى مسؤولـية، 3/جرف مياه الأمطار للتربة الـزراعية الـنادرة في الجبال المطيرة، 4/القضاء على النظم البيئية والمائية والزراعية التقليدية، 5/موت الغطاء النباتي في تلك المناطق،6/ضياع مياه الأمطار وتحولـها إلى فيضانات عارمة تتبخر في نهاية المطاف في وقت تنفق الدولة مليارات الريالات لأعذبة مياه الـبحار! (alyaum.com) (alyaum.com)، (alyaum.com)
بناء على ما سبق، علينا وبحكمة بالغة أن نتفاعل مع حقيقة ندرة المياه بكل إيجابية وسرعة تصرف، وأخذ التوقعات التي أشارت إلى زيادة في إمكانية تجمع المياه نتيجة كثافة هطول الأمطار؛ للقيام ببناء سدود بطرق علمية في الأماكن المشار إليها- كاستراتيجية إقليمية للتكيف مع المناخ وندرة المياه في المستقبل -، مع تحري الدقة في اختيار الأماكن المناسبة لغلق فتحات الأودية في الجبال كونها تحتاج إلى جهد أقل وتخزن مياه أكثر. والتركيز على الاستفادة من الإبداعات والابتكارات الحديثة في مجال دراسة واستشراف مستقبل مرونة المدن السعودية وليس بالاعتماد فقط على موظفين يسيرون وفق نمط تقليدي. وتبني التوقعات كمتطلب أساسي في عملية إدارة الأزمات من خلال صياغة منظومة وقائية وإدارة سبّاقة تعتمد على الفكر التنبؤي الإنذاري وتدريب العاملين عليها.
والتساؤل المطروح هنا.. هل ستكون تلك التوقعات والتحذيرات مدخلًا لتعامل صحيح وآمن مع المشكلات التي تعاني منها مدننا السعودية ومعرفة متطلبات النهوض بها والتحول لمفهوم المرونة؟ والإجابة تحتاج معرفة تحديات التخطيط العمراني في المملكة العربية السعودية لارتباطها الكبير بمرونة المدن.
المحور السابع: التحديات والممكنات
- تحديات التخطيط العمراني في مدن المملكة
تتسم ممارسة التخطيط العمراني في المملكة العربية السعودية بالعديد من الاتجاهات وتُحيط بها عدد من التحديات يوضحها الشكل (5)
الشكل رقم (5) تحديات التخطيط العمراني في مدن المملكة
المصدر: الباحثة استنادًا إلى (البطحي 2023)
أولاً: أن التخطيط الإقليمي يواجه عدة تحديات على مسارات مختلفة، منها:
1/ظاهرة الهيمنة الحضريَّة في المدن الكبرى، وهي حالة أو وضع لا يجني فيه ثمار مشاريع التنمية إلا المدن الكبرى، وحسب تقرير حالة المدن السعودية 2018، يرتكز في كل من الرياض وجدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة والدمام 55 % من السكان الحضريين و46 % مــن إجمالي السكان السعوديين، وأتى نموهـا وتطورها عـلى حسـاب المدن المتوسطة والصغـيرة الواقعـة في نطـاق تأثيرهـا. 2/المشاريع الممتدة بين عدَّة مناطق وتتطلب مخططات إقليمية تعمل على تحديد النقاط الأكثر أهمية لكل منطقة؛ من أجل استغلال مقوماتها لتعزيز التنمية والازدهار بشكل مستدام. 3/المشاريع الجديدة، مثل: نيوم والقديَّة، والمدن الصناعيَّة والاقتصاديَّة التي تستهدف مستوىً جديدًا من نمط الحياة. وفي ذات الوقت تتطلب نهج تكاملي ومستدام من أجل صناعة مشاريع متناغمة تتفادى النهج الأحادي في التخطيط وعند التنفيذ.
ثانيًا: أن صناعة الأماكن أصبح مفهومها عنصرًا جوهريَّا لا غنى عنه لتحقيق جودة الحياة في المدن السعودية، ليس فقط لتجديد الأماكن العامة في مدنها، ولكن أيضًا لإعادة اكتشاف المجاورات والأحياء السكنيَّة التي تُعاني من تدهور مستمر من فترة لأخرى ومن ضعف العلاقات الاجتماعيَّة فيها. وهو الأمر الذي يستلزم العمل على تهيئة بيئة كاملة للمناطق والأحياء المحيطة بمشاريع النقل العام في عددٍ من المدن؛ لمساعدة السكان على المشي والارتقاء بجودة المكان وتكون محفِّزًا على رفع نسبة الإركاب، وصولاً إلى تعزيز الجودة الاقتصادية لنظام النقل. بالإضافة إلى ما تستلزمه الفعاليَّات الثقافيَّة والترفيهيَّة من رفع مستوى المناطق الحضريَّة لتسهيل التواصل الاجتماعي والوصول لها والاستمتاع بها.
ثالثًا: أن من أهم مرتكزات التنمية العمرانية المستدامة، العمل على تعزيز التفاعل بين الناس والشكل العمراني لتحقيق مستوى معيشي ملائم للجميع. ويلاحظ من التحديات المرتبطة بالممارسات غير المستدامة في التنمية العمرانية لمدن المملكة والأعراض المصاحبة لها شكل (5)، أنه من المهم مراعاة التكامل بين المشاريع التي يتم تطويرها في نفس الوقت، وتطبيق سياسات خاصة بالمكان تستند على الخصائص المحلية ونقاط القوَّة الكامنة، وحل مشكلة الأراضي البيضاء التي لم يشملها أي تطوير من قِبل مُلاكها، على الرغم من مواقعها المميزة وتمتعها بالبنى التحتية اللازمة.
رابعًا: الحوكمة الحضريَّة. واستنادًا على جميع ما سبق، فإنه لا يمكن تبنِّي أو تنفيذ أيًا من قضايا التخطيط الإقليمي وصناعة الأماكن والتنمية العمرانيَّة المستدامة بدون وجود حوكمة حضريَّة سليمة.
لكن الحوكمة الحضرية في المملكة تواجه عدد من التحدِّيات التي تُضعف الأداء الحضري بكامله، وهي كالتالي:
- التحدي الأول: توزيع المهام والمسؤوليَّات الحضريَّة على عددٍ من الجهات التي لها مرجعيَّات إداريَّة مختلفة، وتكون دوافعها متضاربة، بالإضافة إلى عدم وجود منصَّة مشتركة للتنسيق فيما بينها ولا قناة مناسبة للوصول لرؤية موحَّدة.
- التحدي الثاني: محدوديَّة الموارد سواءً ما يتعلَّق بالسلطات المخوَّلة أو الميزانيَّات المخصَّصة – وفي هذا الخصوص فإنَّ تأسيس هيئات تطويرية لتوجيه وقيادة الإدارة المحليَّة على مستوى المناطق والمدن – يُمثِّل قفزة إلى الأمام لتزويد الجهات المحليَّة بالسلطات اللازمة إلى جانب تعزيز البُعد الإقليمي في التخطيط العمراني للمملكة.
- التحدي الثالث: احتياج الجهات الإدارية إلى فرق فاعلة على مستوى عالٍ من المهنيَّة تعمل على تعزيز مفهوم الحوكمة الحضريَّة، والاستجابة بمرونة للمشاكل الكبيرة والتحديات الحالية والمستقبليَّة وذلك بصورة استباقية وبقدرٍ من الشغف والحدس السليم.
- التحدي الرابع: ضرورة تطوير الإطارات القانونية والتشريعات الحضريَّة لتهيئة مسار ممهَّد لإحياء وتجديد الحوكمة الحضريَّة الذكيَّة، المستندة بقوة على أحد الأهداف الرئيسيَّة لرؤية المملكة 2030 والتي تؤكِّد على تعزيز فاعليَّة الحوكمة.
ويجب أن تُؤخذ هذه القضايا كـمجموعة متكاملة وليس كعناصر فرديَّة منفصلة. وذلك لتحقيق النتائج المرغوبة تماشياً مع الشعار السائد “فكِّر عالميَّاً، خطِّط إقليميَّاً، وتصرَّف محليَّاً”. (البطحي 2023)
- الممكِّنات الحالية لتطبيق مفهوم المرونة للمدن السعودية
في تقديرنا الخاص هناك عدد من الممكنات في اللحظة الراهنة التي تمكن الدولة من هذا الانتقال، نوضحها في الشكل (6).
الشكل رقم (6) الممكنات الحالية لتطبيق مفهوم المرونة للمدن السعودية، المصدر: كاتبة الورقة
وتتمثل في الآتي:
أولها: تعتبر المملكة العربية السعودية من الدول السباقة لتبني أهداف التنمية المستدامة والاجندة الحضرية، من خلال حرصها الواضح في البدء بالخطوات الفعلية لتحقيقها في جميع مناطق ومدن المملكة.
ثانيها: إنشاء مجلس المخاطر الوطنية، المرتبطة مرجعيته مباشرة بقائد مسيرة التغيير ومهندس الرؤية الوطنية، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله -. وما سيتحقق بعون الله بعد إنشائه من نتائج إيجابية، ونقلة نوعية في مسار تحقيق المستهدفات الوطنية الموكلة إليه ومواجهة ما قد يتعارض معها من سلبيات للحد منها تحقيقًا للمصلحة العامة. ولعل من البوادر المبشرة: 1/صدور دليل تصنيف المخاطر الذي يمكن أن يكون أحد المصادر المهمة التي تساعد المنظمات في تحديد المخاطر لمعالجتها والتعامل معها بشكل صحيح. 2/منح جائزة مجلس المخاطر الوطنية، كجائــزة سـنوية للجهـات والأفـراد المتميزيـن فـي مجالات إدارة المخاطـر والطـوارئ واســتمرارية الأعمــال وسلاسل الإمــداد؛ لتعزيــز الصمــود الوطنــي وثقافــة التميــز والريــادة والابتكار فيــه، ورفــع روح التنافســية، والارتقاء بجــودة الإعمــال ومشــاركة التـجارب المتمـيزة، والمـساهمة في تـشجيع وتحفـيز المتميزين والاحتفاء بإنجازاتـهم.
ثالثها: المطالبات الحثيثة من قبل المهندسين والمعماريين والمهتمين بتنمية المدن بتحديث نظام التخطيط وإعادة تنظيم التشريعات العمرانية المنبثقة منه شاملًا تحديث الحوكمة العمرانية؛ لتشكل إطارًا للتوجهات العامة في التخطيط والعمران والنقاش المجتمعي الموسع حول محدداته ومستهدفاته.
والممكن الرابع والمهم، هو: تغير الحالة التي عاشتها المدينة السعودية خلال السنوات الخمس الأخيرة التي اتسمت على مدى عدة عقود من الزمن بحالة (جندرية) خاصة تقوم على أساس فرض مبدأ الفصل الجنسي بين الرجل والمرأة وبشكل صارم في جميع فضاءات المدينة شكلت من خلالها شخصية (ذكورية) للفضاء العام؛ وبفضل التحولات المتسارعة على الصعيد المجتمعي والثقافي التي تشهدها المدينة السعودية اليوم تمت إعادة تشكيل وتكوين تلك الصورة الذهنية، حيث تحول الفضاء العام في المدينة السعودية من فضاء ذكوري تمنع فيه ثقافة (العيب) وجود المرأة، إلى فضاء (مختلط) تلعب فيه المرأة دوراً أساسياً في تشكيله. لذلك.. فإن الكثير من المفردات الثقافية، ومنها مثلاً (الخصوصية) التي شكلت الصورة العامة للشخصية والشكل الذي يجب أن تكون عليه المدينة السعودية خلال العقود الماضية هي أيضًا يجب أن تكون مرنة وخاضعة لإعادة التعريف والتشكيل في سياق التصميم والتخطيط العمراني. (المحمود 2023).
كذلك من الممكنات الواضحة: توجهات الحكومة بشأن تعزيز أدوار المحافظات وتمكينها، وتفعيل دور الإدارة المحلية؛ كهدف استراتيجي يحقق عدالة التنمية والنمو الحضري المتوازن، منها على سبيل المثال لا الحصر: الهيئة الملكية لمدينة الرياض، هيئة تطوير منطقة مكة المكرمة، وهيئة تطوير منطقة عسير، هيئة تطوير بوابة الدرعية.
من جهة أخرى، تعكس التطورات والإنجازات للأسس التي تتعلق بتشييد المدن الذكية (الشبكات، قاعدة البيانات، التطبيقات)، التزام المملكة بأن تصبح رائدة عالميًا في تطوير المدن الذكية، والاستفادة من التكنولوجيا لتعزيز الحياة الحضرية والنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة. حيث حافظت العاصمة الرياض على مكانتها كثالث أذكى مدينة عربية في مؤشر المدن الذكية الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية 2023. كما تحتل الرياض المرتبة 30 عالميًا من بين 141 مدينة ضمن مؤشر “IMD” للمدن الذكية. ودخلت كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة إلى المؤشر، ليصبح إجمالي المدن السعودية ضمن المؤشر هي 4. ويشير دخول هذه المدن للمؤشر إلى التزام أوسع داخل المملكة العربية السعودية بتطوير المناطق الحضرية بالتكنولوجيا الذكية والممارسات المستدامة.
وفي ظل هذا التوجه الواضح من جانب الدولة، لتحقيق الأهداف المرسومة لاستدامة المدن السعودية، والتي تعتمد على عملية التحول نحو مرونة المدن، يجب مراعاة عدد من الأمور الدقيقة التي لا تجعل من الاستدامة هدفًا نهائيًا فقط، إنما إستراتيجية مترافقة مع سلسلة من الإجراءات دائمة التحرك، أهمها وجود تعاون وتكامل بين الجهات التنفيذية المختلفة، وهو بيت القصيد للقيام بدور تنموي فاعل ومدروس في تقليل الكوارث على اختلافها والأزمات على أنواعها، وتوحيد الجهود المعرفية؛ للحدّ من خسائر الكوارث الطبيعية، وصولاً إلى تنفيذ ما يلي:
أولًا: إعداد خطة تستهدف التكامل الاقتصادي بين مناطق المملكة، وهذا يتطلب دراسة الوضع الحالي لكل منطقة بمفردها وتوضيح حاجتها من مشروعات البنية التحتية (طرق، مدارس، تعليم عالي، مستشفيات، توسعة للمطارات، وغيرها). ومن ثم ترتيبها حسب الأولوية (تنمية عمرانية، استغلال الميزة النسبية كالاستزراع السمكي أو التوجه الزراعي أو الصناعي). والعمل على تكامل هذه الخطة مع خطة وزارة النقل والخدمات اللوجستية لتطوير شبكة الطرق المختلفة ووسائل النقل، مع الأخذ بالاعتبار استغلال الميزة الديموغرافية والاقتصادية الهامة لكل مدينة وامتدادها الجغرافي وتنوُّعها التضاريسي؛ ليكون أحد عوامل اكتساب المدن لصفة المرونة وتحقيق التبادل الاقتصادي والتجاري بين مناطق المملكة.
ثانيًا: العمل على تحويل بعض مناطق المملكة، منها على سبيل المثال: القصيم، الجوف، تبوك، الباحة، التي تشتهر كل منها بجودة محاصيلها الزراعية، إلى سلة غذائية تغذي مناطق المملكة المختلفة حال حدوث أي أزمات وكوارث، وذلك من خلال تعاون وزارتي البيئة والمياه والزراعة والاقتصاد والتخطيط بهدف التركيز على (الميزة النسبية) ودراسة مخزونات المياه الجوفية، والطرق التي تربطها مع المناطق الأخرى. وتحقيق ذلك يستلزم تنفيذ ما يلي:
- قيام إمارة كل منطقة بتقدير ميزانيات وتكاليف مشروعات البنية التحتية الأساسية لها، ثم رفعها إلى (مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية)؛ لدراستها تمهيدًا لتغطيتها من ميزانيات الدولة السنوية حسب أولويتها، تزامنًا مع تعزيز الموارد اللازمة لتمويل العمل المناخي، وتحديات التغيّرات المناخية على القطاع المالي. حيث يتوجب على السلطات النقدية والمالية في الدولة، القيام بدور محوري في تعزيز الانتقال نحو تمويل أخضر ومستدام قائم وأخذ المخاطر البيئية الناجمة عن التغيرات المناخية في الحسبان عند صياغة الأهداف، واتخاذ القرارات المالية. وتتمثل أبرز مجالات تركيز هذا التمويل في: ضمان انتقال تدفقات رأس المال إلى الشركات، والاستثمارات، والمشاريع والتقنيات وأساليب الزراعة التي تساهم في عالم مستدام، وذو انبعاث كربوني منخفض، وتعزيز الوصول إلى الطاقة الموثوقة ومنخفضة التكلفة في القرى والهجر النائية التي تفتقر غالبًا إلى مصادر موثوقة من الطاقة.
- أن تقوم وزارة الاقتصاد والتخطيط ممثلة بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بإعادة تقييم للاحتياجات المقدمة من إمارات المملكة (13 إمارة) وذلك من منظور المرونة الحضرية، وإعداد (خطة وقائية شاملة) لتنمية البنية التحتية لها بناءً على إجراء الموازنة بين هذه الاحتياجات والربط بينها وبين احتياجات المناطق المجاورة لها. وهذا يستلزم قيام كل منطقة بتوفير معلومات وافية ودقيقة وتقديم تحليلات علمية شفافة بصورة دورية منتظمة لكل المؤسسات والقطاعات العاملة في مجال الإنقاذ والإغاثة، واضعة في الاعتبار توقعات النمو السكاني والنمو الحضري والمخاطر المتوقع حدوثها واستطلاعات تبين آراء مسؤولي مجلس المخاطر الوطنية وسكان المنطقة أنفسهم.
- أن تقدم كل من وزارة الاستثمار والهيئة العامة للمنشآت المتوسطة والصغيرة مبادرات تشجيعية جادة للمستثمرين بعد دراسة الفرص الاستثمارية لتعزيز مرونة المدن في كل منطقة. والعمل على تمكين رواد الأعمال وأصحاب الشركات الصغيرة من قيادة مؤسساتهم نحو النجاح، خصوصًا في سياق أهداف الحياد المناخي والمستهدفات الاجتماعية والاقتصادية الوطنية العامة؛ حيث سيمكّنهم ذلك من تقديم مساهمات قيّمة ليس من حيث الإنتاج فحسب، إنما لدعم دولتنا على التمتع باستدامة أعلى، وتمهيد الطريق نحو الأمن المناخي، وصولًا نحو تقليص الانبعاثات وتحقيق الحياد المناخي.
- تعظيم دور أبناء المجتمع، بإشراك جميع أطياف المواطنين في عملية وضع الخطط وتنفيذ ورش عمل تشجع على مشاركتهم الفعالة وتوفر فرص للتفاعل مع المخططات والأفكار المقدمة منهم خاصة من القدرات الشبابية المبدعة لتأسيس مدن مرنة ومستدامة.
وحيث إنَّ الهدف الاستراتيجي الذي تصبو إليه الرؤية المستقبلية لمدن سعودية مرنة قادرة على الصمود ينشد غايات معينة لن تكتمل إلا بتحقيق المبادئ التوجيهية التالية:
- أن تكون الخطة التنموية الوقائية لكل مدينة نابعة من السياق البيئي والحضري والاجتماعي والاقتصادي الخاص بها، وجعل الحد من مخاطر الكوارث جزء أساسي وضروري من التنمية المستدامة للدولة، والتي من بين أهدافها تحقيق جودة الحياة وتعزيز وعي السكان بالكوارث الطبيعية والمشاكل البيئية.
- وضع نموذج عمل مرن ومستدام قادر على توفير الحلول التي يحتاجها سكان المدن – حلول مجدية اقتصاديًا وشاملة للجميع اجتماعيًا ومرنة بيئيًا ومستدامة -. بمعنى آخر، يجب أن تكون هذه الحلول مكتفية ذاتيًا وماليًا وقادرة على حفظ الموارد الحالية للأجيال القادمة وتضمن إمكانية حصول كافة شرائح المجتمع على المنافع والخدمات بإنصاف دون أي تمييز.
- تحقيق الدور الريادي المنتظر للمدن في إعادة تشكيل سلوك ساكنيها من نواحي الاستهلاك الرشيد والبصمة البيئية إلى نواحي التكيف مع المخاطر ودعم الاقتصادات والأنشطة الخضراء والمشاركة في تمويل العمل المناخي وتعزيز فعل الاستدامة.
- توجيه اسـتراتيجيات الحد من الأخطار توجيهًا سليمًا إلى أشد الفئات ضعفًا وتنفيذها بصورة فعالة بحيث تمثل المرأة والرجل على قدم المساواة في أنشطة التخطيط للتأهب؛ فالفـوارق في أدوار الجنسين تؤدي إلى تعرض كل من المرأة والرجل إلى أخطار الكوارث بـدرجات متباينـة. هذا بالإضافة إلى أنه كثيرًا ما تكون المرأة في مركز أفضل لإدارة المخاطر نظًرا لـدورها كمستخدمة للموارد البيئية ومديرة لها على السواء، وكمقدمة للموارد الاقتـصادية، ومانحة للرعاية، وعاملة في المجتمع المحلي، والعمل بطرق تحمي مكاسب التنمية وتعزز بيئة إيجابية تؤسس مدن مرنة ومستدامة. إطار عمل هيوغو (2008).
- أن تعكس النتائج المحققة في إطار جهود تمويل العمل المناخي التأثير الإيجابي في جميع المدن السعودية والدور الملموس في دعم الحلول المبتكرة والقابلة للتطوير والتكيف مع المناخ المتغير. ومن جهة أخرى، تحقق منافع تفوق تكلفتها بأضعاف مضاعفة، وتضمن استخدام التمويل المتاح بطريقة فعّالة وعادلة بما يتوافق مع احتياجات المجتمعات وأولوياتها.
- ربط التكنولوجيا الحديثة بما يخدم أهداف المجتمع.
وتستند النقطة الأخيرة بشكل كبير على دعم إرساء المدن الذكية الذي أصبح ضرورة ملحة للاستجابة لمبادئ التنمية المستدامة. والتي تستند بدورها على مجموعة من الأسس المرتبطة ببنية تكنولوجيا الاتصال والمعلومات.
وتتمثل هذه الأسس في: الشبكات (أولًا)، قاعدة البيانات (ثانيًا)، التطبيقات (ثالثًا). (مخلوف 2020)
المحور الثامن: قراءة واقعية.. نماذج حية.. وأولويات قصوى
علينا كبداية الاعتراف بأن مخاطر الكوارث الطبيعية وتلك التي من صنع الإنسان – هي حواجز أمام التنمية المستدامة، وتُضعف جاهزية المدن. كما أن الاستجابة الخاطئة تساهم في تفاقم تأثيرات الأزمات. وتكمن القضية الأهم في الكيفية التي يمكن من خلالها أن نقلل إلى أدنى حد ممكن من تلك التأثيرات، والكيفية التي نتعافى بها من خلال تعزيز مرونة المدن، وقراءة الواقع المحلي وتحسينه.
- قراءة واقعية
لا شك أن إنشاء مجلس المخاطر الوطنية، وضع أسسًا لإدارة المخاطر من أعلى المستويات مبنية على دراسات واقعية تعكس ثبات الخطى، ومنهجية احترافية تحقق أهداف الرؤية الوطنية. وخطوة كبيره تعزز الفكر المستقبلي للمملكة لمواجهة المخاطر الطبيعية (الزلازل والبراكين والسيول والحرائق ومصادر التلوث). سعيًا لتفعيل وتوحيد الجهود تحت مظلة واحدة، ونشر ثقافة إدارة المخاطر؛ الأمر الذي سيكون له أثر كبير في تجويد وتسارع الأعمال نحو الإنجاز والإبداع.
وأن الارتقاء بالمنظومة الوطنية الحالية لإدارة الازمات والكوارث لن يتحقق إلا من خلال عمل هذا المجلس بدوره المناط به على الوجه الاكمل، من حيث إجراء تقويم شامل للمخاطر الوطنية، وتحديد مواطن الضعف، وإعداد سجل للبنية التحتية الحيوية وشبكة معلومات الاتصال مع الجهات ذوات العلاقة. وإقرار الإستراتيجيات والخطط والسياسات والأطر والبرامج والمنهجيات والمعايير والضوابط والإرشادات ومؤشرات قياس الأداء ذات الصلة بتحديد المخاطر الوطنية، وتقييمها، والوقاية منها، والتخطيط والاستعداد للطوارئ والأزمات والكوارث، والاستجابة لها، والتعافي منها، وضمان استمرارية الأعمال، وتعزيز القدرات والثقافة والارتقاء بالأداء في هذا المجال لدى الجهات ذات العلاقة، ووضع معايير ومؤشرات قياس الجاهزية لديها، والرفع بها إلى مجلس المخاطر الوطنية لاعتمادها. ورفع مستوى الوعي بالمخاطر الوطنية، بأنواعها وآثارها. والتأكيد على أن ثقافة المخاطر هي رحلة مستمرة، والتقييم والتحسين المستمر هما المفتاح للحفاظ على إطار قوي لإدارة المخاطر.
ويشير الواقع أنه على الرغم من أننا شهدنا تقدمًا كبيرًا في البيئة الحضرية وفي المجال التقني والبيئي وفي تقنيات البناء وهندسة المدن وغيرها من الخصائص اللازمة للتحول، إلا أنه لازالت المدن السعودية في حاجة إلى مستويات عالية من الأمان والمرونة، وتحديد للمواقع التي تحتاج إلى حماية وعناية أكثر من غيرها عند التخطيط التنموي. حيث يظهر الشكل (7) كل من مدينتي (الرياض وجدة) وبعض مدن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدرجات متباينة من المرونة وتتخلف عن الاقتصادات المتقدمة في معظم المعطيات.
شكل رقم (7) نتائج تقييم مرونة المدن
المصدر: (2021) time-to-future-proof_urban-resilience_gws_ar.pdf (worldgovernmentsummit.org)
مما يستدعي إيلاء اهتمام أكبر لمدننا فيما يخص المرونة أمام الأخطار الطبيعية والبشرية، وفي المجالات التي تخص الاحتياجات الأساسية والبيئة الحضرية والاقتصاد والمجتمع وإمكانيات الاستجابة والتعافي والتحول. وجعل المرونة والاستدامة ركنًا أساسيًا في حياة الشعب عن معرفة واطلاع؛ حتى يكون النقاش والحديث عنها مبدأه المصارحة والتخطيط لها مستندًا على الواقعية ومرتكزًا على المسؤولية، لتكون الحلول بعد ذلك مبنية على رؤية أبعد بكثير من مجرد الحديث عن تخطيط وقائي أو أسلوب حياة.
- نماذج حية لجهود المملكة العربية السعودية في تعزيز مرونة مدنها
لقد كانت رعاية حكومتنا الرشيدة بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – في الفترة الفائتة متعاظمة وتعكس رؤيته في الحفاظ على البيئة والموارد الوطنية ودرء كل الأخطار والكوارث التي تحيق بالوطن، وتعزيز مرونة المدن السعودية. فكانت الرعاية شاملة، والاهتمام لافتًا؛ وهو ما يبعث على الارتياح لما يشكله ذلك من أهمية كبيرة في بقاء كافة الوزارات والأجهزة حاضرة أبدًا باعتبارها الركن الأساس في منظومة حماية الدولة من كل ما يحيط بها من أخطار، وهذا ما ظهر جليًا أثناء جائحة كورونا.
ومن الجميل هنا الاستشهاد ببعض التطبيقات الواقعية للمرونة بأشكالها المتنوعة على أرض الوطن، وذلك على النحو التالي:
- المرونة الحضرية: التي تهدف للتكيف مع التغييرات المفاجئة والتحولات طويلة الأمد في البيئة الحضرية من خلال تطوير استراتيجيات التخطيط والتصميم الحضري، بما في ذلك تطوير البنية التحتية للطاقة المستدامة، وتعزيز قدرات إدارة الكوارث، وتشجيع المشاركة المجتمعية في عملية صنع القرار. ومن الأمثلة لخلق تنمية حضرية أكثر توازنًا بين المدن السعودية: برنامج مستقبل المدن السعودية، الذي تم تطويره بالتعاون بين وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان وبرنامج الأمم المتحدة مع 17 مدينة سعودية رئيسية (الرياض، مكة المكرمة، جدة، الطائف، المدينة المنورة، تبوك، الدمام، القطيف، الأحساء، أبها، نجران، جيزان، حائل، عرعر، الباحة، بريدة، سكاكا). وهذه المدن لم يكن اختيارها عشوائيًا وإنما بناء على كثافتها السكانية، وتوزيعها الجغرافي، ومجموعة من المعايير المعتمدة على القدرات والإمكانيات الاقتصادية لكل مدينة. ومن الأمثلة كذلك: إصدار الاستراتيجية الجيومكانية الوطنية، ووضع معايير لكود البناء السعودي، والتوسع في شبكتي الرصد الزلزالي والجوي وتطويرهما باستمرار. أما من الأمثلة على مستوى المدن: إطلاق مشروع جدة الشامل للصرف الصحي والمطري والمياه المستصلحة، وقيام أمانة جدة بإنشاء خط ساخن للطوارئ، وتوفير خرائط رقمية للمدينة، وتنظيم حملات توعية للسكان حول كيفية التعامل مع الفيضانات بعد تعرضها لفيضانات مدمرة في عامي 2009 و2011.
- المرونة البيئية: التي تهدف إلى حماية وتحسين جودة البيئة والحفاظ على التنوع الحيوي والخدمات الإيكولوجية، مثال على ذلك: مصادقة المملكة العربية السعودية على العديد من المعاهدات والبروتوكولات التي تغطي الاستدامة وحماية البيئة، مبادرة السعودية الخضراء، سن واستحداث قوانين لتحسين وتطوير الإدارة البيئية، وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية، وخفض نسب التلوث وحماية التنوع البيولوجي. ومن الأمثلة على مستوى المدن: إطلاق استراتيجية استدامة الرياض التي تركز على أن النمو الاقتصادي للرياض لن يأتي على حساب البيئة والاستدامة وستكون إدارة الموارد الطبيعية بكفاءة، وتدعم أهداف مبادرة السعودية الخضراء. كذلك من الأمثلة الأخرى: مشروع تطبيق نظام إدارة جودة المياه في منطقة جازان لتحسين جودة المياه وزيادة كفاءة استخدامها وتقليل التلوث. وقيام أمانة منطقة عسير بإطلاق مشروع لإدارة الموارد الغابية، يشمل إجراء عمليات تفتيش دورية، وإزالة الأعشاب الجافة والأغصان الميتة، وإنشاء حواجز حماية من الحرائق؛ لتقليل الخطر الذي قد تتعرض له مدينة أبها كخطر حرائق الغابات بسبب تغير المناخ والأنشطة البشرية، وإجراء تدريبات لفرق الإطفاء، وتوفير معدات وآليات حديثة، وتوزيع منشورات توعوية للسكان حول كيفية الوقاية من حرائق الغابات.
- المرونة الاجتماعية: التي تهدف إلى تحسين سبل العيش والرفاهية والقدرات والصحة والتضامن، مثال على ذلك: مبادرات حكومية وخطط عمل عديدة قدمتها الدولة لتقليص نسب البطالة وتأهيل ذوي الإعاقة وتوظيفهم في القطاعين الحكومي والخاص عملًا بمبدأ تكافؤ الفرص، ودعم وتعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة والسياسية، وتطوير عمليتي التعليم والتدريب واستحداث تخصصات جديدة تتناسب مع متطلبات سوق العمل. ومن الأمثلة على مستوى المدن: مشروع تطبيق نظام إدارة جودة التعليم في منطقة حائل لتحسين جودة التعليم وزيادة فرص التعلم وتقليل التسرب والتأخر.
- المرونة التنظيمية: التي تهدف إلى تحسين كفاءة وفعالية القدرة التنافسية للمؤسسات العاملة في الدولة، من أمثلتها: إعادة هندسة إجراءات العمل في جميع الجهات الحكومية، وتحويلها إلى خدمات إلكترونية متكاملة وشاملة، من أهمها: تطبيق أبشر وتوكلنا ونفاذ. ومن الأمثلة على مستوى المدن: مشروع تطبيق نظام إدارة جودة الخدمات الحكومية في منطقة الرياض لتحسين جودة الخدمات الحكومية وزيادة رضا المتعاملين وتسهيل الإجراءات وتحسين الأداء.
- أولويات قصوى للتحول نحو مدن سعودية مرنة
أهم المعايير التي تساعد في تحديد أي المدن لها الأسبقية لتعزيز مرونتها، ستكون من حيث:
1/ درجة التعرض للكوارث الطبيعية أو البشرية. 2/ حجم المدينة وكثافتها السكانية والمرافق والأنشطة فيها. 3/ درجة التبعية لمصادر الطاقة والموارد غير المستدامة أو غير المتجددة. 4/ درجة التأثر بالتغيرات المناخية والبيئية.
وعلى الرغم من أهمية هذه المعايير إلا أنها لا تكون شيئًا في عالم التنظير مالم يتم توجيه بوصلة الاستدامة الإستراتيجية للوطن نحو تحقيق الآتي:
أولًا: تحويل الخطة الوطنية لإدارة الكوارث إلى استراتيجية شاملة تحت مظلة مجلس المخاطر الوطنية كأول خطوة نحن بحاجة إليها لتشكل المرجعيةً الأساسيةً في مجال الكوارث والأزمات؛ تجنبًا لازدواجية المهام أو تشتتها وسرعة التنفيذ ودقة الإجراءات. وتحقق كفاءة الإنفاق، والاستخدام الأمثل للإمكانيات والموارد البشرية والمالية. كسبًا للوقت والجهد وضمان السيطرة والتحكم في جميع مراحل الكوارث الطبيعية على مستوى الدولة وفق منظومة وطنية متكاملة هدفها حماية الأرواح والممتلكات. وأن يتم إدراجها كجزء لا يتجزأ ولا غنى عنه في استراتيجية التنمية الشاملة، وتتضمن خمسة محاور تشمل الآتي:
1/تحديد المخاطر بتحسين الوصول إلى بيانات وتحليلات المخاطر واستخدامها. 2/الحد من المخاطر بتمويل الاستثمارات في البنية التحتية القادرة على الصمود. 3/التأهب لمواجهة المخاطر بتعزيز القدرة على التصدي للكوارث والاستفادة من نظم الإنذار المبكر. 4/الحماية المالية عن طريق تقديم حلول تمويل مواجهة مخاطر الكوارث للبلدان من المستوى المحلي إلى المستوى الوطني. 5/إعادة الإعمار القادر على الصمود عن طريق مساندة تقييمات ما بعد الكارثة، وتمويل برامج إعادة الإعمار (خطة عمل مجموعة البنك الدولي بشأن تغير المناخ 2020-2025)
وبالنظر عن قرب إلى المحاور السابقة، والتي بُنيت بدورها على ركائز إستراتيجية، يجب التنويه عن أمرٌ مهمُّ للغاية، وهو ضرورة أن يتسم المسار التشريعي بالسرعة والمرونة في إنشاء القوانين المُيسِّرة لتنفيذ الأهداف المرجوة، وتعديل أو التخلص من القوانين المُعيقة لها وبالتوافق مع المسار المؤسسي المطلوب لتحقيق هدف مدن مرنة.
ثانيًا: تبني فكرة المرونة في العمران والتخطيط العمراني في السعودية
من الاستعراض السابق لمفهوم المرونة، وحالات الأنواء المناخية المختلفة التي تعرضت لها المملكة، وطرق التعايش التي عاصرناها مع تقلبات جائحة كورونا، وما فرضته من أنماط سلوكية ومكانية في إجراءاتها الاحترازية ساهمت في إعادة التفكير في مستقبل المدن السعودية واختيار التدخلات المناسبة للتحول بها نحو نمط المدينة المرنة من قبل صناع السياسة العمرانية.
علينا الوصول لقناعة هامة مفادها أن مفهوم وفكر المرونة في التخطيط العمراني لم يعد اختياريا؛ بل أصبح لا مفر منه. وهو بالفعل ما ركزت عليه الرؤية الوطنية 2030 الخاصة ب (التنمية المناطقية والمدن المستدامة)، لإيجاد مناطق حضرية وريفية تتميز بمرونة وقدرة عالية على التعامل مع التغيرات المناخية، وقادرة على إدارة المخاطر وفق منظور (اللامركزية) الإدارية والاقتصادية، لتؤدي دورها كشريك استراتيجي تنموي.
وحيث أن تمكين المدن السعودية وتعزيز مرونتها يرتبط بأهمية البدء العاجل بمراجعة التخطيط العمراني الذي قامت عليه هذه المدن، الأمر الذي يستدعي الاهتمام بعدة خطوات أساسية مطلوبة، من أهمها:
- إدماج احتمالية كافة أشكال المخاطر الطبيعية المهددة لكل منطقة في التخطيط العمراني لها، وحث صانع السياسة العمرانية على اختيار البدائل الأنسب لتحويلها لمدينة مرنة. والاهتمام بالدراسات المناخية التفصيلية للمدن عند إنشاء التخطيط المستقبلي لتوسعها. (حمادي 2022)
- التأكيد على أن التحول نحو المدن المرنة، لن يكتمل إلا في حال تم إدماج مفاهيم المرونة وخصائصها ومتطلباتها في أنماط التخطيط العمراني بشكل خاص، وفي السياسات العامة اللامركزية بشكل عام، وبما يتسق مع احتياجات التركيبة السكانية والحضرية والعمرانية الراهنة. وتعزيز ثقافة التكيف مع الكوارث بأنواعها والمخاطر بأشكالها الاقتصادية والطبيعية والصحية في نمط الثقافة العامة داخل المدن.
- إنشاء قاعدة بيانات داخل المدن لكافة الأنشطة الاقتصادية وإنتاجية السكان، وممارساتهم الصحية والثقافية والاستهلاكية، وكل ما يتصل بمعيشتهم وجودة حياتهم؛ لتتمكن إمارات المناطق من اختيار السياسات الملاءمة لتجويد أنماط الحياة وتحسين مستوى إنتاجية الأفراد وتعزيز مرونتهم، وبالتالي زيادة درجة تكيف ومرونة كل مدينة.
- وضع منظومة تشريعية حديثة للتخطيط العمراني، ومعايير صارمة لجودة البناء واستدامته وإدارة المخاطر، تأخذ في الاعتبار التغير المناخي كواقع معاش ومستمر. ويكون هذا من خلال: التأكيد على بناء المدن الجديدة في مناطق آمنة بعيدة عن الأودية والسواحل، ومنع البناء قطعيًا في مسارات الأودية، والحث على تبني تقنيات بناء آمنة ومستدامة تختلف وفقًا لموقع البناء ونوعه وجيولوجية المكان. وغيرها من الاستراتيجيات الوقائية التي ستساهم بلا شك في حماية مكتسبات الوطن وأبنائه.
- وضع خطط لتوزيع سكاني متوازن في المدن والقرى، تتضمن توزيع المسؤوليات لتعزيز مرونتها بشكل واضح وتنافسي، وتقسيمها على إطار مكاني حسب المستهدفات الوطنية، منها على سبيل المثال، تقليل الانبعاثات، البصمة البيئية، والمستهدفات المرتبطة بالأمراض الأكثر انتشارًا كالسكري والضغط والسمنة وغيرها. أو المستهدفات المرتبطة بالإنتاج ومضاعفته، بحيث يدفع هذا المحافظات والمدن لاستشعار أكبر للتنافسية في ابتكار الوسائل، وتنويع للممكنات الهادفة للوصول إلى المستهدف.
- قراءة المشهد الثقافي والاجتماعي ضمن السياقات العمرانية في المدينة من خلال بعد زماني ومكاني قابل لإعادة قراءة وتحليل وتفسير الظواهر الاجتماعية ضمن سياقها المتغير والمتجدد بشكل مستمر.
- استمرار تطبيق مفهوم أنسنة المدن عند التخطيط العمراني، الذي يكمن جوهره في فهم طبيعة وانعكاس حياة الناس اليومية وتقاطعها ثقافيًا واجتماعيًا مع المدينة وفضاءاتها.
ثالثًا: إدراج علم مستقل بالأزمات والكوارث في المناهج الدراسية
اليوم.. وفي هذه المرحلة، فإن توجيه الأجيال لتجاوز الكوارث الطبيعية ومواجهة التغييرات المناخية يجب أن يكون مقررًا علميًا يبدأ من المراحل الدُنيا في المراحل التعليمية. وعلى الجهات التعليمية مدارس وجامعات، ادراج أساسيات المخاطر كمنهج معرفي الزامي للدارسين والدارسات، تتضمن خطته التعليمية التعريف بأهم المخاطر المتعارف عليها دوليًا وكيفية التعامل معها وقائيًا.
ولأن علم إدارة الأزمات والكوارث علم مختلف في أساليبه وتطبيقاته كونه يعتني بالأنظمة والقواعد والطرق والتعليمات التي يجب اتباعها للتعامل مع المخاطر الكبيرة لمحاولة تجنبها وتقليل خطرها؛ علينا أن نعد له منهجًا مدروسًا بعناية نابعًا من بحث وتقصي شامل عن كافة الأخطار المهددة للمملكة في المستقبل ومن كل الجوانب.
وأن يتم تدريسه في كافة المراحل الدراسية؛ لنُغذي من خلاله العقل البشري السعودي منذ نعومة أظفاره؛ ليكون متهيئًا ومتسلحًا بالقدر الكافي من العلم والتدريب والتطبيق العملي، بما يُمكن من خلاله أن يُعظم منفعة الأجيال القادمة بالمعرفة الصحيحة، وتمكينهم لمواجهه ما يحيط بهم من أخطار ومهددات طبيعية لإنقاذ وخدمة وطنهم.
خاتمة
تدعو هذه الورقة للتفكير خارج الصندوق ورسم توجه جديد لمرونة المدن وتخطيطها العمراني نحاكي من خلاله ظاهرة تغير المناخ، ومحاربة جشع الإنسان، واستنزافه للموارد الطبيعية، وعدم التعامل مع الكوارث وكأنها حوادث عارضة تحتاج لحلول وقتية وعاجلة فقط. فمرونة المدن تتطلب عدم الاستمرار في معركة الفعل ورد الفعل عبر معالجات لا تسمن ولا تغني من جوع.
ومن جهة أخرى، تؤكد على أن تضمين مفهوم المرونة لنظام وعملية التخطيط العمراني هو من المواضيع ذات الأهمية الكبيرة؛ نظرًا لما يواجه المملكة من تحديات كبيرة حاليًا ومستقبليًا في مجال التغيرات المناخية، وارتفاع في درجات الحرارة واحتمالية نضوب للموارد المائية، وعددًا من المشاكل البيئية الناتجة عن التحضر السريع ونمط الحياة العالي لسكان مدنها الكبرى. الأمر الذي يستدعي إيلاء اهتمام أكبر لمدننا فيما يخص المرونة أمام الأخطار الطبيعية والبشرية، وفي المجالات التي تخص الاحتياجات الأساسية والبيئة الحضرية والاقتصاد والمجتمع وإمكانيات الاستجابة والتعافي والتحول.
وتفاصيل هذا الموضوع أطول من أن تحتويها هذه الورقة وستكون من المهام المستقبلية الملقاة على عاتق مجلس المخاطر الوطنية والمخططين العمرانيين والبلديات، والباحثين المهتمين بتنمية المدن وشؤون البيئة والعمران والتخطيط العمراني وبكل جلاء، سيكون التنفيذ هو العامل الحاسم ليحوِّل الرؤى المقترحة من كلام على ورق إلى تجارب واقعية على أرض الميدان، ويعطينا مؤشرات واضحة على ما نتطلع إليه، وما نستطيع تحقيقه فعليًا.
أما عن التوصيات المقترحة والتي توصي بها كاتبة الورقة فسيتم إدراجها في نهاية التقرير.
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: اللواء حسن المحمدي
لاشك ان الورقة الرئيسة تناولت العدید من المحاور والجوانب المھمة وفیھا الكثیر من التفصیل وھي في غایة الأھمیة لأنھا تلامس أھم عنصرین سلامة الفرد وحمایة المجتمع والمحافظة على الممتلكات العامة والخاصة.
ومن واقع عملي الفعلي في الجانب المیداني والعملیاتي والمشاركة في إدارة بعض الكوارث التي وقعت خلال الفترة الماضیة والتي عایشتھا لأكثر من ثلاث عقود أستطيع القول أنه كلما كان حجم التخطیط والاستعداد للحوادث والكوارث المتوقعة مبكراً وتم اتخاذ كل التدابیر والاحترازات الأولیة كلما كانت أضرارھا وخسائرھا البشریة والمالیة أقل.
وبالتالي أوجز بعض النقاط حول ھذا الموضوع بالنقاط التالیة:-
- اھمیة تفعیل لجان الدفاع المدني المحلیة التي یرأسھا أمراء المناطق لمعالجة التھدیدات التي تواجهه بعض المدن وخاصة الكبیرة وذات الكثافة السكانیة وھنا أشیر على سبیل المثال إلى معالجة وتحویل مسار وادي بطحان أحد الأودیة الرئيسية الذي یعبر من وسط المدینة المنورة ویھدد المسجد النبوي و تم بفضل لله تحویل مساره وھذا الأمر منع من وقوع كارثة من المحتمل وقوعھا في أي وقت وفي المقابل ھناك العدید من القرى والمحافظات قریبة من الأودیة والتي ایضاً أصبحت تعاني من التعدیات إما بمزارع تسببت في خلل بمسار الوادي الطبیعي وھي كثیرة او زحف المساكن على اطراف ھذه الاودیة وأصبحت تشكل تھدیداً مباشراً على ساكنیھا، وتعتبر أودیة تھامة على طول الشریط الساحلي خاصة جنوب جده حتى منطقة جازان أكثرھا خطورة بسبب قوة اندفاع السیول بھا وقوة انحدارها وضیق مسارھا حسب الدليل الإرشادي لھیئة المساحة الجیولوجیة السعودیة في ھذا الشریط والذي یعتبر الأعلى على ٢٣ م/كم وذلك – مستوى مناطق المملكة حیث یصل متوسط الانحدار بین ١٠ بسبب قربھا من سلسلة جبال السروات الأكثر ارتفاع، ومع التغیر المناخي ووجود مؤشرات بزیادة نسبة كمیة الأمطار في السنوات الماضیة التي تعتبر أكثر من المعدل السنوي الطبیعي أصبح من الضروري اعادة تقییم تلك الأودیة ومعالجتھا بشكل جذري لضمان إزالة تلك المسببات وتفادي الكوارث مستقبلاً.
- الاستفادة من الحوادث التي وقعت وخاصة المتكررة والتي یجب العمل على معالجتھا والوصول إلى مكامن الخلل والاعتراف بوجود المشكلة ھي بدایة المسار الصحیح على سبیل المثال الحوادث المتكررة بجسر الجمرات تم معالجته بالحل الھندسي وھذا عالج المشكلة بشكل جذري وساھم في مرونة التشغیل ولم یسجل بعدھا ولله الحمد أي حوادث وھو مقیاس على العدید من المخاطر التي من الممكن إیجاد الحلول لھا ومعالجتھا جذریاً.
- الاستفادة من تجاربنا النموذجیة وتطبیقھا على باقي المدن والأحیاء الجدیدة تجربة المملكة العربیة السعودیة في إیجاد مدینتین نموذجیتین قبل اربعة عقود في كلاً من الجبیل وینبع لم یستفاد منھا في نقل التجربة لباقي المدن خاصة فیما یتعلق بالبنیة التحتیة والخدمات العامة والصرف الصحي وتصریف الأمطار وحمایتھا من السیول المنقولة وذلك قبل البناء وما یحدث في كثیر من المدن العكس اقامة المباني قبل تنفیذ البنیة التحتیة وتصریف الأمطار وھي من العوامل المساعدة في زیادة حجم الكارثة وقت الأمطار وجریان السیول إضافة على زیادة التكلفة في المعالجة وفي تنفیذ البنیة التحتیة وأن نفذت لاتكون بالصورة المثالیة واكثر المدن تضرراً في ھذا الجانب المدن الساحلیة القریبة من سطح البحر التي تحتاج لتصریف سیول وفق معاییر خاصة.
- وقت وقوع الزلزال في أي مدینة جمیع السكان یخرجون من المباني وھذا أمر طبیعي والكثیر منھم لا یرجع إلى مسكنھم تحسباً لھزات ارتدادیة وبالتالي الاغلبیة تبحث عن المناطق الامنة والمكشوفة مثل الساحات الكبیرة والحدائق العامة وھنا یجب أن یكون ھناك العدید من ھذه المواقع بالمدن الكبیرة ذات الكثافة البشریة والاعتناء بھا مع توفر الخدمات العامة التي قد تصبح مناطق تخییم لأیام عدیدة ومناطق إیواء حتى زوال الخطر.
- لاشك أن خطة الطوارئ لمواجھة الكوارث قد شملت في المواجھة ضمن عناصرھا تحویل بعض المدارس إلى مستشفیات میدانیة أولیة والصالات الریاضیة والقاعات الكبیرة مناطق للإیواء والعدید من الاحتیاجات من القطاع الحكومي والخاص لھذا یجب ان یكون ھنا تحدیث دوري وتنفیذ تجارب وھمیة لقیاس مدى الجاھزیة في تلك المدن لضمان الجاھزیة وتطویرھا وفق المتغیرات كما یجب أن تكون معلنة للجمھور بالتعریف بھا ونشر الوعي لدیھم.
- التعقيب الثاني: م. عبدالرحمن الصايل و م. إياد الهليس
سلطت الورقة الرئيسة الضوء على موضوع غاية في الأهمية وهو مرونة المدينة السعودية وعالجته من مداخل ومناحي كثيرة ومتعددة تقديما وتعريفا بمفهوم المدينة المرنة، وكذلك توصيفا لواقع المدن السعودية واقتراح نُهج نحو تحقيق درجة عالية من المرونة في وجه المتغيرات عموما والأزمات بشكل خاص ومن أبرزها الكوارث وتغير المناخ. وكتعقيب على الورقة واستلهاما من الطرح المتنوع لمحتواها، سنحاول فيما يلي توسيع بقعة الضوء وكذلك فسحة التفكير حول مرونة المدن السعودية من وجهات نظر أخرى نظرية وعملية وحتى جمالية وفلسفية. فالنظر للمدن السعودية بعمق بمنظور أنها مدن في بيئة صحراوية لها خصوصيتها وجمالياتها وخصائصها الفريدة سيؤدي إلى فهم أعمق لتحدياتها وميزاتها النسبية والتنافسية، وكل ذلك بدوره سيدل على مكامن مرونتها وقواما صادقا نحو إبراز هويتها الفريدة والأصيلة. أليس تغير المناخ إلا نتيجة حتمية لممارسات وخيارات وقرارات لم تكن في مصلحة الطبيعة وأنظمتها البيئية؟ أولم يكن العيش في الصحراء ممكنا إلا بفهم مواردها والعيش على الحد الأدنى منها؟ أولم تفجر بساطة الصحراء ونقاوتها المخيلات والفصاحة والبلاغة والروعة والتعبير عن الجمال بشكل فريد؟ ما نرمي إليه تحديدا هو أسلوب عمران وحياة ذكي ومستدام ذو مرونة يأخذ شكلا مختلفا استجابة للعصر والتقنية المتاحة وليس ضربا من الرومانسية أو دعوة لأسلوب حياة فيه شقاء السلف بل يحاكي تفاهماتهم مع بيئتهم.
تلك التفاهمات بين الإنسان وبيئته يجب أن تدرك بشكل عميق وأن تكون صادقة ومبنية على القوانين والبحوث العلمية بعيدا عن شكليات الطرز المعمارية والحضرية التي تستحضر صورا بلا مضمون، لا قيمة في “ملاقف هواء” ملصقة فوق السطوح خصوصا حين توظيفها لإخفاء أجهزة التكييف، ولا قيمة في رسومات مقاطع مباني وفراغات خارجية تشرح بأسهم حمراء وزرقاء حركة الهواء الساخن والبارد ليست مدعومة بدليل علمي وكأن الأداء الحراري يتبع الحدس والنية، وإنما يوجد قيمة عظيمة في فهم علمي للأداء الحراري للمباني الطينية وبحوث تترجم هذا الفهم على شكل مواد ونظم بناء حديثة، على سبيل المثال.
إذن فيمكن القول بأنه من وجهة نظر فلسفية، بساطة عمارة الصحراء وانسجامها مع سياقها هو سر جمالها، وهذا ليس مجرد خيار جمالي وإنما ضرورة عملية تعزز الاستدامة والمرونة، ووصفة أصيلة نحو ايسام المدن بهوية فريدة تمتاز بها. ذروة عطاء الصحراء ووفرتها من الماء والخضراء في واحات قيمتها بقدر ندرتها، وكل محاولة للتعامل مع الصحراء بخلاف قيم كهذه هو ظلم لها وإساءة لفهمها وله عواقب وكلفة لن نستطيع الإحاطة بها.
من ناحية عملية، كون المدن السعودية من الأسرع نموا له مزايا اقتصادية، ولكن مع ذلك يأتي معه امتداد سريع وقليل الكثافة. الزحف الحضري هو أحد الدوافع في تفاقم “ظاهرة الجزيرة الحرارية الحضرية” (Urban Heat Island)، ويساهم ذلك في جعل المدن أكثر سخونة. فإضافة مواد ذات سعة حرارية عالية، مثل الخرسانة والأسفلت، من شأنه أن يحبس الكثير من الحرارة خلال النهار ويؤدي إلى زيادة درجات الحرارة ليلاً. من أوضح وأبسط ما يمكن فعله للتخفيف من ذلك هو التظليل واستخدام مواد رصف نفاذة للمياه وزراعة النباتات محلية قليلة الحاجة للمياه بأفكار إبداعية وخلاقة تتخطى تقليد سياقات مدن أخرى لها مناخها وثقافتها. وهذه استراتيجيات يمكن تطويرها وترجمتها على مستوى المنطقة والحي والشارع والمباني. ولكن نشدد أيضا أن القيمة الفضلى تتأتى بالفهم الحقيقي لديناميكيات الحرارة ومفاهيم الراحة الحرارية البشرية ليس فقط داخل المباني، ولكن في الفراغات الخارجية وكذلك الخواص الفيزيائية لمواد البناء وتنسيق المواقع من امتصاص وعكس وإعادة إشعاع للحرارة. خيار بسيط صحيح قد يجعل ساحة عامة متاحة لعدة أشهر أطول خلال السنة والعكس صحيح. السعودية لها فرصة ان تكون رائدة في هذا المجال خصوصا وان التغير المناخي يزج عدد متزايد من المدن العالمية في تصنيف الصحراء، فمع ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار، من المتوقع أن يعيش أكثر من نصف البشر حول العالم في بيئات صحراوية بحلول عام 2030.
ببساطة، لقد تغير المناخ لممارسات لنا دور فيها كالاستخدام المفرط للوقود الأحفوري لتحويل حتى الصناديق الزجاجية من المباني إلى أماكن مبردة للعيش والعمل والتسوق والترفيه في أقصى درجات الحرارة، وكذلك بناء مدننا حول المركبات الخاصة والتمدد العمراني قليل الكثافة والمساحات المتزايدة من الأسفلت والاسمنت،… الخ وما اقترن بكل ذلك وأصبح واضحا لنا من عواقب وكلف اقتصادية وصحية واجتماعية، وبطبيعة الحال بيئية تجلت في تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة واختلال في أنماط الأمطار وتزايد في مستوى سطح البحر والسيول الحضرية. فالخطوة الأولى المنطقية الواضحة هي تطبيق ما صرنا نعرفه من الممارسات الحميدة والعزوف عن الممارسات الخاطئة في التخطيط والتصميم. ومن ناحية أخرى فصياغة تشريعات تخطيطية يتطلب تصور متكامل وفهم عميق لمفاهيم وآليات وأدوات تخطيطية تليق بالقرن الحادي والعشرين، فتلزم بعمل خطط رسمية بمستويات مختلفة أساسها مجتمعي ومتوائمة عموديا وأفقيا وتـؤطر للسياسيات الحضرية، وهذه بدورها تقود إلى بناء مجتمعات متكاملة، وتعنى بقيم ومبادئ عصرية مثل الاستدامة، الشمولية، والعدالة الاجتماعية، التشاركية في التخطيط والقرار، النمو الذكي، والكثافة الفعالة، الحفاظ على البيئة والتراث، الصحة، جودة الحياة، الاقتصاد والازدهار، التخطيط القائم على البيانات والأدلة، النقل العام الجاذب ذو الجودة العالية، وبطبيعة الحال المنعة، وما إلى ذلك من القيم والمحددات التخطيطية. وببساطة أيضا، هي مسألة حزمة لا تتجزأ من ممارسات فضلى تقدمية كما نفهمها اليوم.
المحور الثاني في الورقة وعنوانه مفهوم المرونة والمدن المرنة فقدم أكثر من مرجعية لتعريف المرونة وفرق بين مرونة الخطط ومرونة المدن. ولنا هنا وقفتان: الأولى حول مصطلح المرونة بحد ذاته ودائما ما تكون الترجمة مهمة صعبة خصوصا عنده ترجمة المفردات الاصطلاحية والملغومة بالمعاني. فندعو لنقاش حول استخدام مصطلح بديل مثل ‘المنعة ‘كترجمة لكلمة (resilience) ولتجنب الخلط بينه وبين مفهوم المرونة بالمعنى الآخر (flexibility). الوقفة الثانية هي حول تعريف المرونة بما يشمل ولكن يتعدى الأخطار، فالتركيز على ادارة الأزمات كرد فعل آني (نوعا ما) يخالف مفهوم التخطيط كشيء استباقي وبعيد المدى. ترتبط المنعة والمرونة ارتباطًا وثيقًا عندما يتعلق الأمر بالتخطيط، خاصة في البيئات المتغيرة وغير المتوقعة. تشير “المنعة” إلى القدرة على التعافي من النكسات، والتكيف مع التغيير، والارتداد من التحديات. ومن ناحية أخرى، تنطوي المرونة (flexibility) على القدرة على تعديل الخطط استجابة للظروف المتغيرة. يمكن فهم العلاقة (والمفارقة!) بين المنعة والمرونة في التخطيط من خلال استحضار صورتين، صورة المدينة او المجتمع كما نعرفه اليوم، وصورة مستقبلية (تصور) تتأتى من خلال التخطيط الذي تقوده الرؤى المستقبلية. ولنتخيل ان المدينة او المجتمع تعرض لأزمة أو لكارثة، فهنا يتجلى الفارق بين التخطيط بعيد المدى ورسوخ صورة مستقبلية (رؤية) وبين رد الفعل وإدارة الأزمات، فيعمل على تدخلات من شأنها ليس فقط التعامل مع الأزمة والكارثة وإعادة الأمور إلى سابق عهدها، بل استغلالها كمنحة وفرصة ولبنة بناء نحو الصورة المستقبلية (الرؤية). بغياب التخطيط والرؤى، سيتعامل مع الأزمات بردة فعل مبلغ طموحها هي استعادة الصورة الحالية او الحياة كما كانت عليه قبل الكارثة. فالمقصود من المنعة ليس فقط تخطي الأزمات، بل تحويلها إلى فرص للعودة بحال أقوى وأفضل وتحقيق لمستقبل مقصود متفق عليه جمعيا.
ونشدد مع كاتبة الورقة الرئيسة على اللامركزية كنهج نحو المنعة وكاستراتيجية محورية لتعزيز قدرة المدن على التكيف، ونهجا تحويليا للتنمية الحضرية. من خلال توزيع السلطة والموارد وصنع القرار وتمكين الجهة “الأكثر محلية” يمكن للمدن التكيف بشكل أكثر فعالية مع التحديات والصدمات. فالنظم اللامركزية تشجع على توفير بنية تحتية متنوعة وموزعة، مما يقلل من أوجه سرعة التأثر بالمخاطر. ويعزز هذا النهج قدرة المجتمعات المحلية على الاستجابة السريعة والمحلية للأحداث غير المتوقعة، مثل الكوارث الطبيعية أو الاضطرابات الاجتماعية – الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، تعزز اللامركزية الابتكار والمشاركة المجتمعية والتكيف، وكلها تساهم في نسيج حضري أكثر مرونة. ومن خلال تمكين الكيانات المحلية وتعزيز الاكتفاء الذاتي، لا تؤدي اللامركزية إلى تحصين المدن ضد الصدمات فحسب، بل تؤدي أيضا إلى تهيئة بيئة حضرية أكثر استدامة واستجابة. والحديث عن بنى تحتية يقترن بخطط رسمية وبنهج لامركزي. نرى ان الغرض من البنى التحتية هو تحقيق رؤى وتصور متفق عليه حول مستقبل المكان، والواقع ان المملكة بدأت بالتحول نحو الخطط الرسمية على المستوى الوطني والإقليمي والمحلي. الخطط الرسمية الشمولية هي القاطرة “وعدة” التخطيط والمخططين.
اللامركزية كمفهوم ليس محصورا في الحوكمة واتخاذ القرار، وانما يشمل أيضا الأمن الغذائي والمائي، ونستحضر هنا الفكرة القديمة الجديدة والتي عادت بقوة بعد وباء كوفيد-١٩ وهي فكرة الأحياء المتكاملة والتي يستطيع السكان فيها الوصول إلى احتياجاتهم اليومية محليا. ويقترن بذلك الزراعة الحضرية والتفكير بتخضير المدينة كوسيلة لتعزيز النظم الغذائية والاقتصاد الأسري، فزراعة الأسطح تظللها وتساهم في تجميل المدينة والتخفيف من جريان ماء المطر خارج حدود مواقع المباني.
ختاما، نقول إن الورقة نجحت كما وعدت بتسليط الضوء على موضوع هام جدا، وقراءتها تثري وتثير أهمية الموضوع وتستثير المهتمين به. وفي ظل سعي المدن للحفــاظ عــلى نمــو اقتصــادي مســتقر، من المهم أن تأخذ بالحسبان أن تحافظ عــلى الترميــم البيئــي والبنيــة التحتيــة الاجتماعية التي تمكنهــا من تقديم الخدمــات الأساســية بطريقــة مبتكــرة. ويتطلــب ذلك مســتوى عاليًا مــن المرونــة، ولهذا يصف جودسشــيك (٢٠٠٣) المــدن المرنــة، بأنها المــدن القـادرة عـلى تحمـل الصدمـات الشـديدة، والتوتـر، دون أن ينتـج عـن ذلـك فوضى أو ضرر فوري، أو اختلال دائم أو تمزق لشكل المدينة. وبالعودة لموضوع مرونة المدن، فإننا نستنتج أنه حتى لو ساعدتنا المدن في أن نصبح أكثر ثراءً وذكاءً وصحة وسعادة، كما ادعى إدوارد جلاسر (٢٠١١)، فإن تطورها لم يكن خاليًا من التحديات والتناقضات.
والتحدي الأبرز هو أنه حتى إذا كانت مرافق المدن المادية، وبنيتها التحتية، وتقنياتها الحضرية ضرورية لعمل المدينة، فإن روحها تكمن في التفاعل البشري. كما أن الإبداع والابتكار وريادة الأعمال وتنشيط ومرونة المجتمعات الحضرية يعتمد في المقام الأول على رأس المال الاجتماعي. وقد تكون نتيجة سيناريو تنمية المكان دون بناء الانسان مليء بالتحديات والمخاطر الناتجة عن التطور التكنولوجي والتلوث البيئي المحلي والتهديدات الصحية وعدم الاستقرار بسبب التفاوت الاجتماعي والاقتصادي. فالمرونة تأتي من الإنسان والمكان معا.
- المداخلات حول القضية
- عملية التخطيط للمرونة.
التخطيط للمرونة وكما جاء في الورقة الرئيسة مسألة معمول فيها وهناك نهج موصوفة، ولكن فيما يخص وصف العملية ذاتها، يجب التأكيد ان هناك دور هام جدا للمجتمع ككل من سكان واصحاب اختصاص ويجب مشاركتهم في العملية التخطيطية عموما ومن أجل المرونة على وجه الخصوص.
يمكن تقسيم العملية التخطيطية إلى قسمين:
أولا: تقييم المخاطر
ثانيا: خطط العمل
تقييم المخاطر يشمل حصر المخاطر، وجرد الأصول التي ستتأثر: بشرية ومادية وغير مادية (كالسمعة مثلا) … الخ، ويشمل ايضا تقييم لأثر هذه المخاطر وتقييم لمدى حساسية الأصول لهذه المخاطر، فليست كل الأصول ولا كل المخاطر على نفس الدرجة من الاهمية، والمسألة قيمية بحتة في النهاية وتعكس منظومة قيم الدولة ككل والمجتمع المعني (المدينة او الحي…).
لنفرض مثلا ان الخطة الرسمية حددت ان المرونة هي اولوية ويجب عمل شيء بشأنها، وقد يأتي هذا التوجيه من السياسات الوطنية العليا، فيكون ذلك أساس ومشروعية التخطيط من أجلها وفي تحقيق للأهداف الوطنية والعالمية.
وأما خطط العمل فتشمل وضع سيناريوهات وبدائل لما يلزم القيام به من أجل إما الحد من المخاطر، أو عند الحدث، أو ما بعده للتعافي عنه. وما ان تم تقييم واختيار الأعمال التي يجب القيام بها، توضع خطة عمل واضحة وشاملة، وهنا نتذكر ان كثيرا من ما يجب القيام به سيكون جاهزا، فكل منشأة صناعية عندها اجراءاتها وجاهزيتها، ولكن خطة المخاطر الشاملة ستستحضر الصورة الأكبر وفيها تحديد للأدوار.
وهنا يمكن الربط مع فكرة ان التخطيط له مستويات ستنعكس على خطة المرونة، لنأخذ مثال خزان مياه عالي وخطر ان يتدفق منه الماء، فستكون سلطة المياه مسؤولة عن المنشأة وصيانتها ولكن ما للحادثة من تأثير سيتطلب وعي الأهالي وما يجب القيام به في الحي.
بالتأكيد فإن المشاركة المجتمعية تعني ان المجتمع سيتملك هذه الخطة وسيحرص على إبقاء نسخة منها بفخر لأنها تعكس شيء من قيمه ومنظوره وآرائه، الخطط من المجتمع وللمجتمع، هذه روح القرن الحالي.
- مرونة المدن والتأثير المتبادل بين الإنسان والمكان.
إن محاولة معرفة مدى تأثير المكان في الإنسان، وكذلك مدى تأثير الإنسان في المكان. سيكون المدخل الصحيح والبداية السليمة لتوضيح أهمية التفاهمات بين الإنسان وبيئته. فالأماكن لها تأثيرها البالغ في سلوك الإنسان وشخصيته؛ كونها مرتبطة بالمشاعر والعواطف والانتماء والهوية، وغيرها من العوامل المؤثرة. ورغم أن المكان إما يكون جاذب أو طارد للإنسان؛ نجد أن الإنسان الذي يعتبر أكثر الأجناس الحية التي تعيش على سطح الأرض مرونة، نجده نجح في التعايش مع أي تغيرات واجهته في مناخ المكان الذي يقيم به؛ بفضل مهارته العالية في تغيير محيطه بما يتناسب مع حاجاته. وأثبت للعالم أن الحاجة أم الاختراع.
وكما أن الإنسان يتأثر بالبيئة، هو يؤثر بها أيضًا. ويتضح ذلك في كثير من التغيرات الإيجابية والسلبية على البيئة والمكان الذي يسكنه. لذلك على المدى البعيد، ستتمحور مرونة المدن، ليس فقط حول قدرة المنازل والمباني والبنية التحتية للمدن على الصمود في وجه التغيرات المناخية. بل حول مرونة البشر في مواجهة هذه التغييرات المتوقعة.
والتغيير المقصود، في أنماط السلوك وتعزيز ثقافة المجتمع، سيكون هو عامل حاسم في التحوُّل الناجح لمرونة المدن وتعزيز قدرتها على الصمود؛ لأن الأفراد هم قلب عملية التحول، وهم أنفسهم أداتها. وهذه مناسبة لتوجيه رسالة للجميع بأهمية التخلي عن الممارسات غير المسؤولة التي تضر بالبيئة والمناخ والمكان. والدعوة لتدبر آية عظيمة أرساها الله عز وجل في كتابه العزيز ”إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم”ٍ (سورة الرعد، آية 11).
وفي سياق متصل فإن أهمية قضية مرونة المدن تأتي في سياق استيعاب الدور الشمولي للمدن باعتبارها ليست مجرد أماكن لاستيعاب السكان؛ بل كمصادر تساهم في تنمية الإنسان وقادرة على التكيف والاستجابة للتحولات المستقبلية. ولا شك أن الاتجاهات المستقبلية في تنمية المدن سوف تعتمد على وسائل الإنتاج الحديث والتماهي مع الظروف والمتغيرات الطبيعية أصبح غاية لاستدامة المدن.
إن التخطيط لمدن مرنة يقتضي رسم استراتيجيات مستقبلية ترتقي بأساليب المعيشة للسكان لتضمن حياة أفضل؛ ويشمل ذلك استغلال الموارد الكامنة في المدن لخلق الوظائف، وتطوير تشريعات عمرانية تدعم الاقتصاد المحلي، وتحسين المرافق العامة للتماهي مع متطلبات المستقبل والظروف والمتغيرات الطبيعية والكوارث الدولية بما في ذلك المرونة والاستجابة للصناعات التي لا تضر بالبيئة. إن مرونة المدن لا تقتضي استجابة المدينة للازمات والطوارئ فحسب؛ بل القدرة على الاستجابة للاحتياجات المستقبلية للسكان التي لا تخلق كوارث مستقبلية بما في ذلك النمو السكاني، أنظمة المياه، والطاقة، والقدرة على التكيف مع المخاطر الطبيعية، والأزمات الاقتصادية.
وثمة اوجه عديدة مرونة المدن التي يمكن التطرق إليها في هذا الصدد:
١- المرونة الفيزيائية: المباني والمنشآت عموما (الأصول المادية).
٢- المرونة الاجتماعية: قدرة المجتمعات على التماسك ومساندة بعضها في الظروف الحالكة وهنا تأتي المساواة والعدالة الاجتماعية كتحصين.
٣- المرونة البيئة: قدرة تعافي الأنظمة البيئية والتنوع الحيوي بحمايتها بالدرجة الأولى والقدرة على استعادتها مثل الكشف عن مجاري البيئة التي تم تغطيتها.
٤- المرونة الاقتصادية أي قدرة المدن على التعافي من الهزات الاقتصادية والجاهزية بتنوع الاقتصاد ومصادر الطاقة.
٥- البنى التحتية بشكلها الصلب والناعمة كمنشآت الصحة والتعليم والطرق وانظمة الصحة والتعليم ناحية أخرى على سبيل المثال (تتقاطع مع نقاط أخرى ولكن كوجهة نظر تصنيفية.
٦- المرونة في وجه الأوبئة قد تكون حرية كنوع مستقل.
٧- المرونة الثقافية والمتعلقة بقدرة المدن على حماية موروثها الثقافي وحتى القيام المجتمعية في وجه المؤثرات الخارجية والمشاريع السياحية على سبيل المثال التي قد تدور حول قيم منافية للقيم المحلية.
وعندما يكون الحديث عن الاستدامة وارتباطها بالمكان والإنسان سنجد أن حقوق الإنسان ترتبط ارتباطًا وثيقا بالتغييرات المناخية. فالإنسان له:
- الحق في الحياة والعيش بسلام وأمان.
- الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والنفسية.
- الحق في مستوى معيشة لائق وسكن آمن (سلامة موقع أرضه وصلاحية السكن في هذا الموقع).
- الحق في وجود الاحتياجات الأساسية من (توفر مياه نظيفة وكهرباء وصرف صحي وأمن غذائي وصحي).
وهذه الحقوق قد تنتهك إذا ما حدثت كوارث طبيعية؛ كونها تؤثر بشكل سلبي على كل من البيئة ورفاهية الإنسان وحقوق الأجيال القادمة.
ولعل أفضل طريقة لمعالجة حقيقية لأي توقعات مستقبلية ناتجة من التغيّر المناخي وتعرقل عملية تحول المدن السعودية لمدن مرنة، هي: جعل معيار النجاح يتمحور حول سلامة واستمرار البشرية، ووضع الإنسان في الأولوية قبل الممتلكات والبنى التحتية ورأس المال. وهذا، سيسهل علينا أن نخرج بحلول رابحة على جميع الصعد، حلول تجمع بين التخطيط الاستباقي والتكيّف والتخفيف وسرعة التعافي. والحلول الناجعة، هي الحلول المستندة على دراسات واقعية، والقابلة للتنفيذ وتأخذ بعين الاعتبار الزيادة السكانية المتوقعة، وطبوغرافية كل مدينة وسلامة بنيتها التحتية. وملائمة التشريعات والأنظمة المعمول بها حاليًا وعلاج أي قصور بها. وتعتمد كذلك على حسب قدرة مجتمعها المحلي.
وتلك الحلول لن تكون واضحة حتى تكتمل الرؤية بعد تحليل الوضع الراهن الحقيقي دون تزييف للحقائق، وفي نفس الوقت دون تهويل أو تضخيم. مع التأكيد على أن حسابات تمويل العمل المناخي والأثر الاقتصادي المترتب على المدن السعودية عقب وقوع الكوارث لا قدر الله، تزداد حساسيتها ويصعب قياس أثرها إذا تعلق الأمر بأرواح البشر؛ لذا علينا موازنة مصلحة العموم وصحتهم مقابل المصلحة الاقتصادية.
- متطلبات التخطيط للمدن في المملكة لمواجهة الكوارث.
من الناحية العملية، لابد أن تمر عملية تحول المدن للمرونة الحضرية بثلاث مراحل قبل وأثناء وبعد الكارثة، والمضي بالتكيّف أو سرعة الاستجابة فقط دون المرور بتلك المراحل لن يجدي نفعًا!
والمرونة الحضرية بمفهومها الشامل لن تكتمل إلا بـ (الصمود) الذي يركز على تعزيز قدرة المدن على الصمود وسرعتها في الاستجابة والتشافي.
وفيما يخص مدى استعداد المدن السعودية وقدرتها على تلبية احتياجات السكان في حال حدوث الكوارث، من القراءة الواقعية يمكن القول إن الارتقاء بالمنظومة الوطنية الحالية لإدارة الأزمات لن يتحقق إلا من خلال قيام مجلس إدارة المخاطر بدوره المناط به. كما كشفت نتائج تقرير للقمة العالمية للحكومات 2021 لتقييم مرونة المدن أن هناك مدينتين في الدولة (جدة والرياض) تشهدان درجات متفاوتة من حيث المجالات التي تحتاج إلى تطوير على الرغم من تسجليها لمعدلات جيدة في قدرتها على الاستجابة إلا أنها تفتقر لإمكانيات التعافي وقدرتها على التحول. وأنها تحتاج للاهتمام بشكل أكبر فيما يخص مرونة المدن أمام الكوارث الطبيعية وبالأخص في الاحتياجات الأساسية والاقتصاد والمجتمع والبيئة الحضرية.
إن معطيات الواقع تُظهر أن المملكة بذلت جهوداً كبيرة في تحديث الأنظمة والهياكل البنيوية وتطوير خطط الطوارئ لمواجهة الكوارث الطبيعية. هذا يشمل إنشاء الأجهزة المختصة مثل الدفاع المدني الذي يعمل على التنبيه والإخلاء والإنقاذ عند الحاجة، بالإضافة إلى تطوير البُنى التحتية لتقوم بتحمل الظروف القاسية، وكذلك تطبيق معايير صارمة في التخطيط العمراني.
أما تحديات المستقبل، فترتبط بالتوسع السريع للمدن، والحاجة المستمرة للمحافظة على جودة البنية التحتية، وتحسين الأنظمة الإنذار المبكر للكوارث. كما يجب الأخذ بعين الاعتبار الزيادة المتوقعة في تواتر وشدة الكوارث الطبيعية نتيجة تغيرات المناخ العالمي.
ولتعزيز مرونة المدن السعودية، ينبغي عمل استثمارات في بحوث وتكنولوجيا الحد من الكوارث، وتدريب المجتمعات المحلية، وإشراكهم أكثر في عمليات التخطيط والاستجابة للطوارئ. كما أن تطوير الوعي العام حول أهمية الاستعداد للكوارث وكيفية الوقاية منها، يُعد من العوامل الأساسية لبناء مدن أكثر مرونة وقابلية للتكيف مع التحديات المستقبلية.
في هذا السياق، تواجه المملكة العربية السعودية تحديات تتمثل في تحسين أنظمة الرصد الجيولوجي والأرصاد الجوية، وضمان قدرة البلديات والمدن على التنسيق الفعّال خلال الأزمات، بالإضافة إلى تأمين البنية التحتية الحيوية مثل المستشفيات، المدارس، والطرق لضمان استمرارية الخدمات الأساسية أثناء الكوارث.
من المهم كذلك تطوير القوانين والتشريعات المتعلقة بإدارة الكوارث، وتفعيل الخطط الموضوعة على أرض الواقع، بحيث تتضمن تدابير استباقية للمخاطر وليس فقط الاستجابة للحوادث بعد وقوعها. وضمن هذا الإطار، يجب أيضًا دعم البحث العلمي في مجال المخاطر الطبيعية وترويج مفاهيم العمران الذكي القادر على الصمود في وجه الكوارث.
إضافةً إلى ذلك، يعتبر تحسين التواصل بين الوكالات الحكومية والصناعات والمواطنين عاملاً ضروريًا لبناء مجتمعات أكثر وعيًا وجاهزية. أيضاً فإن تقوية نظم الإنذار المبكر وحملات التوعية المجتمعية يمكن أن تسهم في تقليل الخسائر في الأرواح والممتلكات. كما يجب على الجهات الحكومية العمل على تطوير استراتيجيات شاملة لتعزيز القدرة على التعافي بعد الكوارث وتسريع وتيرة الإنعاش وإعادة البناء.
ويبرز في هذا الإطار العمل على ايجاد آليات وتنظيمات وديناميكيات احصائية للوحدات الحضرية، التي تبدأ من الشارع والمسجد والحي بحيث يكون معلوم كل من في الشارع ومن في الحي وإعدادهم وبعض المعلومات الأساسية، لتكون اساس لتقدير الاحتياجات وحجم المسؤوليات كما ان لها منافع اخرى ليس أولها توزيع الضروريات ومتابعة المعوزين، وربط ذلك بشكل مركزي وفرعي وربطها بإثباتات الهوية والقيادة وتسجيل العقارات والسيارات بشكل تسهيلي وليس تعويقي.
كما أنه ثمة حاجة ماسة لتقييم الواقع الفعلي لمستوى اكتمال وجودة البنية التحتية لمعظم المدن في المملكة، التي تعزز من مرونتها وقدرتها على الصمود. فكثير من الخطط الموضوعة تصطدم بالكثير من المعوقات والعراقيل عند البدء في تنفيذها، وبالتالي تنحرف عن مسارها الصحيح؛ لوجود أولويات ينبغي معالجتها بشكل عاجل. لذلك لابد من التأكيد الدائم على أن حل المشاكل لا يكون بالحلول الفورية العاجلة أو الحلول التجميلية فقط، بل لابد من ربطها بالحلول الدائمة والالتزام بمعايير الاستدامة الحقيقية.
أيضاً هناك ضرورة لقيام المسؤولين- وخاصة الوزراء ووكلاء الوزارات- بجولات تفقدية على أرض الميدان بشكل مستمر؛ للوقوف على مدى تمتع كل مدينة بالمرونة المطلوبة لصمودها حال وقوع أزمات أو كوارث طبيعية، والالتقاء المُباشر بالسكان وقادة الدفاع المدني وأصحاب الأعمال والمستثمرين، من باب الاستماع لهم والتَّعرف على تحدياتهم، فمثل هذا الإجراء سيقطع مسافات طويلة كانت تفصل بين المنتفعين (السكان، أصحاب الأعمال المستثمرين، السياح) والمسؤول.
لذلك تكلل اهتمام المملكة المستمر بالمساهمة في تسريع تنفيذ مشاريع البنية التحتية التي تعد عاملًا أساسيًا لتحقيق أهداف المملكة في تنويع الاقتصاد ونمو دور القطاع الخاص وتمكينه، بما يسهم في تحقيق مستهدفات الرؤية الوطنية. وجاء دعم الدولة لتعزيز كفاءة وفعالية مؤسسات التنمية الوطنية، واستدامة ممارساتها التمويلية والاستثمارية، بخبر الموافقة على نظام صندوق البنية التحتية الوطني. وتعيين وزير الاقتصاد والتخطيط رئيسًا لمجلس إدارته.
وفي تصور البعض فإنه إذا أردنا أن نصل للمرونة ينبغي علينا تحديد الحدود الفاصلة وتعزيز التكامل بين جميع الأطراف تحت قائد استراتيجي لهذا الملف. وقد ركزت الورقة الرئيسة على أن القطاع البلدي هو ذلك القائد؛ والتساؤل هنا عن قدرة القطاع البلدي وجاهزيته على تولي هذا الملف بدلا من كونه شريك تنفيذي. وأن تتولى هذه المهمة الدفاع المدني أو هيئات التطوير أو مركز وطني يتم استحداثه يضم عضوية كل هذه القطاعات. وتملك المملكة تجربة غنية في مجابهة المخاطر وتحديدا فيما يتعلق بمواجهة وباء وجائحة كورونا.
وتجدر الإشارة إلى أنه ثمة تجارب نموذجية في مجال تخطيط وتطوير البنية التحتية للأحياء السكنية، حيث تم تنفيذها بنجاح في مدن مثل ينبع الصناعية والجبيل الصناعية. تشترك هاتان المدينتان في التضاريس الساحلية التي تجعل تصريف الأمطار أمرًا يتطلب دراسة وتخطيط دقيقًا. ومن خلال هذه التجارب الناجحة، يمكن استخلاص دروس قيمة، خاصةً فيما يتعلق بالتخطيط الاستراتيجي المُسبق الذي يوفر الجهد والوقت والموارد المالية. كما أنه لا بد من وضع تصور استراتيجي للمدن وان يرتبط النمو السكاني بالموارد الموجودة في كل مدينة
كما أنه ثمة ضرورة لوضع خطط مستقبلية متكاملة لمعالجة الازدحام المروري، تُطبق على مراحل مقرونةً بسرعة التنفيذ واتخاذ القرار. من خلال إجراء المزيد من الدراسات التي تركز على أبعاد تلك الظاهرة، وتسلط الضوء على التحديات التي تواجهها المدن الكبري للتصدي لمشاكل الازدحام المروري، سواء في المجالات التشريعية والقانونية (القوانين، اللوائح والقرارات)، أو في المجال التخطيطي والهندسي، إضافة للمجال المالي والاقتصادي. وتبحث في أسبابها، وتقترح الحلول الإبداعية. وتعمل على وضع البدائل والتوصيات المستندة على البيانات الموثوقة من (دراسات، بحوث، تقارير، لجان عمل، نتائج أعمال مراكز الفكر وبيوت الخبرة، صور جوية لمناطق الازدحام المروري). مع مراعاة التالي:
- 1. القرارات المرتجلة ليست حلاً لظاهرة الازدحام المروري، وتطوير الطرق والقوانين وتعزيز الثقافة المرورية مفاتيح الانفراجة.
- 2. تتطلب شبكة الطرق حلولاً عاجلة وليس مسكنات مؤقتة كتطبيق “الدوام المرن” الذي لا يخدم الكل ولن يكون الحل الأمثل، كما هو الحال مع شاحنات النقل؛ حيث إن تخصيص أوقات محددة يتسبب في تأخير وصول السلع إلى وجهاتها، لا سيما تلك المرتبطة بالموانئ أو سلع غذائية سريعة التلف.
- 3. أنّ مما يزيد من ارتباك حركة المرور تنفيذ مشاريع البناء دون الاهتمام بتعديل مسارات المرور، ومن ثم السماح بمرور الشاحنات داخل الطرق لنقل الأتربة ومستلزمات البناء دون انتباه لمواعيد كثافة الحركة المرورية في تلك الطرق.
- 4. الحاجة مستمرة لمزيد من الجهود المرورية لضبط الحركة وفرض رقابة صارمة على مرتكبي مخالفات دخول الطريق بصورة غير منتظمة مما بسبب عرقلة السير بالأخص في الطرق الرئيسية.
- 5. أن يخصص مسار خاص طوال الوقت لسيارات الإسعاف والدفاع المدني ورجال المرور فقط في كافة الطرق الرئيسية، على أن يكون مراقب على مدار الساعة؛ لتغريم المخالفين.
- 6. يُراعى عند التخطيط والتنفيذ للطرق الجديدة، ترك حرم كاف بالطريق لأي توسعة مستقبلية، في إطار التخطيط طويل الأمد، بإضافة حارات في كل مسار.
- 7. زيادة مواقف الطوارئ لما لها دور في تقليل الازدحام بسبب الحوادث أو تعطل المركبات على الطريق، علاوة على ضرورة استحداث مخارج للحد من الازدحام والوقوف المتكرر.
ومن ناحية أخرى فإن التخطيط المستدام يضمن حماية الاودية وتفرعاتها ويتمحور حول التحليل البيئي (ميول الارض لتسهيل صرف الصحي والسيول وايجاد بيئة مشي طبيعية يستلطفها الانسان ويستمتع بالحي قبل (تخريطه) إلى شبكة من الشوارع الصماء بعد مسح هوية الارض (قبل ان نبحث عن هويات المدن في الواجهات والالوان). الاستدامة تتطلب: ١- الكفاءة الاقتصادية : المخطط يحب يحقق اكبر توفير في البنية التحتية والتشغيلية، ٢- المجتمع : اعتبار احتياجات المجتمع وحقوقهم وحماية ملكيات العقارات في عمليات التخطيط وتغيير استعمالات الأراضي وضوابط التطوير، ٣- البيئة أولا، تخطيط الارض في احترام للميول والأودية، وفي تسهيل تطبيقات المدن الخضراء وتقليل استهلاك الطاقة.
ويمكن تبني العديد من السياسات والتدابير لتعزيز مرونة المدن خلال الكوارث، بما في ذلك:
١. تطوير البنية التحتية المقاومة للكوارث وذلك من خلال تصميم البنية التحتية بما يتيح الاستجابة الفعالة للكوارث، مثل نظم الصرف الصحي وشبكات توزيع المياه المتطورة، وبناء المباني بأساليب تجعلها أكثر مقاومة للزلازل والأعاصير والفيضانات.
٢. التخطيط الحضري المستدام الذي يأخذ بعين الاعتبار الأمان البيئي والكوارث المحتملة، مثل تخصيص المساحات الخضراء وتنظيم استخدام الأراضي للحد من التعرض للكوارث.
٣. تعزيز الوعي والتحسين من خلال تشجيع السكان على التحضير للكوارث وتوفير فرص في حالات الطوارئ.
٤. تعزيز التعاون والتنسيق وذلك من خلال بناء آليات فعالة للتعاون بين الجهات المعنية، مثل الحكومة المحلية والمؤسسات الخاصة والمجتمع المدني، لتنفيذ خطط الطوارئ والاستجابة للكوارث.
٥. تطوير نظم الإنذار المبكر وذلك من خلال استخدام التكنولوجيا لتطوير نظم إنذار مبكر للكوارث، مما يمكن السلطات المحلية والسكان من التحضير والتصرف في الوقت المناسب.
- مسؤولية التخطيط والتنفيذ لاستراتيجية المرونة الحضرية أثناء الكوارث.
لعل القائد الاستراتيجي لهذا الملف المتعلق بالتخطيط والتنفيذ لاستراتيجية المرونة الحضرية لمواجهة الكوارث سيكون متمثل في مجلس إدارة المخاطر الوطنية بالتعاون مع القطاع البلدي كشريك تنفيذي؛ فالمجلس سيتولى تحديد التوجهات والرؤى والأهداف ذات الصلة بشؤون المخاطر والطوارئ والأزمات والكوارث، واستمرارية الأعمال على المستوى الوطني لاسيما فيما يتعلق بإمدادات المياه والغذاء والطاقة والمستلزمات الطبية، وتتمحور مهامه في الآتي:
- تقويم شامل للمخاطر الوطنية.
- إنشاء مركز إدارة الأزمات والكوارث.
- إنشاء مركز التميز لنشر ثقافة ادارة المخاطر وتأهيل خبراء إدارة المخاطر والطوارئ ودعم الجهات المعنية، لنشر الوعي العام بالمخاطر.
- دراسة واعلان رفع مستوى الجهوزية ضد المخاطر والتدريبات المنجزة ضمن المنظومة العامة.
- مباشرة اختصاصات مجلس الدفاع المدني.
أما ما يخص تمويل العمل المناخي، فالمملكة تركز على إدارة هذا الملف من خلال الترتيبات التنظيمية لمجلس إدارة المخاطر.
والمملكة تسير في الاتجاه الصحيح من ناحية التحول إلى الخطط الرسمية على مستوى الأقاليم والمدن والبلديات. وليس جديدا ان تسبق الممارسات التخطيطية الجيدة التشريعات، ولكن التشريع مهم جدا لإعطاء الخطط وزن قانوني يلزم بتنفيذها والعمل بمحتواها. والواقع أن الخطط الرسمية الشمولية هي عدة المخطط وهي السبيل للتفكير المتكامل عبر القطاعات والاحتياجات والأولويات والفرص والتحديات، والقيم أيضا لصياغة رؤى متفق عليها.
وفي ذات الإطار، يشير بعض المختصين إلى أنه يتقاسم المسؤولية عن التخطيط والإعداد والتنفيذ في سياق المرونة الحضرية جهات متعددة على مختلف مستويات الحكومة، وكذلك بين منظمات المجتمع المدني والشركات والأوساط الأكاديمية والسكان. ويمكن حصر الأدوار المختلفة المسؤولة عن المرونة الحضرية من ناحية عملية فيما يلي:
١- الحكومة المحلية (البلدية) وتلعب دورًا مركزيًا في قيادة وتنسيق الجهود الرامية إلى بناء المرونة الحضرية. فهي مسؤولة بالدرجة الأولى عن تحديد الأولويات والاحتياجات في المدينة وعن تطوير وتنفيذ سياسات التخطيط الحضري وترجمتها على أرض الواقع على شكل لوائح تنظيمية واستراتيجيات وبرامج ومشاريع ومبادرات تعطي الأولوية للمرونة كمبدأ وغاية. تشرف الحكومات المحلية أيضًا على الوظائف الحيوية مثل إدارة الطوارئ وتخطيط البنية التحتية والصحة العامة وخدمات المجتمع. وهي الأقرب للمجتمعات المحلية للأفراد القياديين والنشطاء والمنتديات الفاعلة.
٢- الحكومات (السلطات) الإقليمية والوطنية: تقدم الحكومات الإقليمية والوطنية الدعم والموارد والتوجيه للحكومات المحلية في بناء القدرات على المرونة. وهي في موضع إنشاء أطر للسياسات وآليات تمويل وأطر تشريعية لتعزيز القدرة على المرونة على المستوى الإقليمي أو الوطني. بالإضافة إلى ذلك، فهي في موضع تنسيق التعاون الحكومي الدولي بشأن القضايا التي تتجاوز الحدود البلدية، مثل النقل وإدارة المياه والاستجابة للكوارث.
٣- المنظمات المجتمعية: تلعب المنظمات المجتمعية والمنظمات غير الربحية والمبادرات الشعبية دورًا مفتاحياً في بناء التماسك الاجتماعي وتعزيز المشاركة المجتمعية وتلبية احتياجات الفئات السكانية الأكثر تأثرا بالمخاطر. وتتعاون مع الحكومات المحلية وأصحاب المصلحة الفاعلين لتطوير وتنفيذ مشاريع وبرامج بناء القدرات على الصمود المصممة خصيصًا لتلبية الاحتياجات المحددة للمجتمعات ضمن سياقاتها.
٤- القطاع الخاص: نعيش لحظة يتنامى فيها دور الشراكات مع القطاع الخاص، فتساهم الشركات والمطورون والنقابات المهنية في تعزيز المرونة الحضرية من خلال الاستثمارات في البنية التحتية المرنة وممارسات التنمية المستدامة والابتكار. وقد يقدم القطاع الخاص أيضًا الخبرة والتكنولوجيا والموارد لدعم مبادرات المرونة والتعاون مع الحكومة والشركاء المجتمعيين لتحقيق الأهداف المجتمعية والوطنية المتفق عليها.
٥- الأوساط الأكاديمية والمؤسسات البحثية: تساهم المؤسسات الأكاديمية والمنظمات البحثية في تعزيز المرونة الحضرية من خلال البحث وتحليل البيانات وسد الفجوات المعرفية، وهي تفهم تماما أهمية العمل المبني على الأدلة واستحضار أفضل الممارسات والخبرة الفنية لإرشاد جهود صنع السياسات والتخطيط والتنفيذ. تعمل الشراكات التعاونية بين الأوساط الأكاديمية والحكومية وأصحاب المصلحة الآخرين على تسهيل ترجمة الأبحاث إلى استراتيجيات قابلة للتنفيذ لبناء القدرة على الصمود. نحن مقصرون جدا في بحوث عمارة الصحراء ونحن أهلها ونتاج بيئتها للأسف.
٦- السكان والمجتمع المدني عموما: السكان معنيين ببناء المرونة الحضرية بطبيعة الحال، حيث يتأثرون بشكل مباشر بجودة التخطيط الحضري والبنية التحتية والخدمات. تعد التشاركية النشطة الحقيقية والفعالة وتمكين السكان في عمليات صنع القرار التخطيطي والمبادرات المجتمعية وجهود بناء المرونة أمرًا بالغ الأهمية لضمان أن تعكس استراتيجيات المرونة الاحتياجات والأولويات والقيم المحلية.
ولا يزال التخطيط الحضري الاستباقي للمدن يحتاج لعناصر مترابطة لإدارة المدن بالشكل الأمثل، تتمثل في: التخطيط، التنظيم، التوجيه، التوظيف، الرقابة، الهدف، الكفاية والفاعلية. والعناصر الثلاثة الأخيرة تعتبر من عناصر الإدارة الحديثة للمدن. لكن للأسف، لازال البعد البيئي يعتبر الغائب الأكبر في الخطط الإستراتيجية للمدن. ومن جهة أخرى، تجاهل بعد آخر مهم وعدم وضعه في حساباتهم، وهو: طبوغرافية المدن، والتعامل معها كما لو كانت طبوغرافيتها جميعها وكأنها سطح مستوي. أو وجودها كجزء من تلك الخطط كحبر على ورق، وغائبة عن التطبيق. وهذا بلا شك يعتبر خللاً جوهريًا، ونتائجه ستكون مدمرة حال وقوع الكوارث الطبيعية لا قدر الله.
ونظرًا لأن أحد أهم التحديات التي تواجه إدارة المدن، تضارب المصالح بين القطاعات والصلاحيات المتاحة لكل قطاع، وضعت مرتكزات تمثل أعمدة للخصائص التي يجب أن تتميز بها المدن المرنة في الدولة العصرية؛ فلا يمكن تحقيق تقدم في التنمية المحلية دون منظومة إدارية تضمن للأمير والمحافظ استقلالية القرار، وتعمل على ترسيخ الممارسات الإدارية الرشيدة، القائمة على مفاهيم الحوكمة واللامركزية.
فعلاوة على أنَّ تطبيق اللامركزية يعكس الثقة السامية الكبيرة في المسؤولين المحليين، والإيمان بقدراتهم التخطيطية والتنفيذية، لم يعد الأمير أو المحافظ يقوم بمهام إدارية بروتوكولية أو شرفية، ولا حتى إشرافية.
بل بات مسؤولًا فاعلًا في صياغة الأهداف الوطنية والعمل على تنفيذها وفق رؤية مدروسة بعناية تعتمد على قربه المباشر من أبناء المحافظة والمناطق التابعة لها، وبذلك يكون القرار المحلي قائمًا على الرؤية الواقعية وتشريعات عمرانية متناسبة مع المدينة. وتلبي احتياجات المجتمع المحلي والمواطن والزائر والمستثمر.
- التوصيات
- أن يقوم مجلس المخاطر الوطنية بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة للعمل على إعداد استراتيجية وطنية للحد من آثار وتداعيات مخاطر الكوارث، بالتوافق مع الإستراتيجية العربية والأهداف العالمية للتنمية المستدامة شاملة، تتضمن ما يلي:
- أولاً: رسم تصور استراتيجي حول التدابير المتخذة في تخطيط المدن وتحديد المخاطر والأولويات والمسؤوليات والموارد والآليات المناسبة للتخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقييم.
- ثانيًا: بناء قاعدة بيانات كمية ومكانية تتضمن بيانات شمولية ونمذجة وسيناريوهات يمكن أخذها في الاعتبار عند حدوث الكوارث، من خلال إعداد قاعدة بيانات توفر معلومات كافية عن حجم ومدى خطورة الحوادث الطبيعية المهددة للمملكة من فترة لأخرى وتوزيعها الزماني والمكاني وغيرها، وقاعدة بيانات أساسية عن الوحدات الحضرية، تبدأ من الشارع والجامع والحي، لتكون أساس لتقدير الاحتياجات وحجم المسؤوليات وتوزيع الضروريات ومتابعة المعوزين. على أن يتم ربطها بشكل مركزي وفرعي بالأوراق الرسمية كإثبات الهوية والقيادة وتسجيل العقارات بشكل تسهيلي وليس تعويقي.
- ثالثاً: تأهيل ورفع مستوى الكفاءات والخبرات البشرية العاملة في مجال الإنقاذ والإغاثة، والعمل على تطوير الأساليب القيادية التي تعزز من مرونة المدن السعودية.
- رابعًا: تأمين الحاجات الأساسية: المياه النظيفة، المواد الغذائية، مصادر طاقة آمنة، وإدارة النفايات، وتأمين البنية التحتية الحيوية: المستشفيات، المدارس، والطرق لضمان استمرارية الخدمات الأساسية أثناء الكوارث.
- خامسًا: تطوير النظم الإنذار المبكر، إعادة النظر في فاعلية أجهزة الإنذار ودقتها وقياس أثرها على القاطنين أو العاملين في سرعة الاستجابة وزمنها، من الأمثلة على عدم فاعلية بعض أجهزة الحريق: أنه يُحدث الإنذار ويتكرر كثيرا مع كل دخان سواء كان صادرًا عن سجائر أو بخور أو غيرهما، مما يؤدى إلى ضعف أثره في الاستجابة والتصديق لوجود حريق في حال حدوثه حقيقة.
- سادسًا: تضمين مبدأ المشاركة المجتمعية عند صياغة الاستراتيجية بما في ذلك أصحاب المصلحة والجمعيات المدنية والفرق التطوعية واللجان الخيرية.. مع الاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال.
- أن تتولى وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان تعزيز الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والصحية لأنسنة المدن وتعزيز صمود البنى التحتية الحيوية وإسهامها في تقديم الخدمات الأساسية، والتوعية بالتغيرات المناخية والبيئية وأثرها على التخطيط العمراني واستدامته بما يخدم أهداف رؤية 2030. وهذا يحتاج لرصـــد المخاطر وتوقعها والتنبؤ بها ومراقبتها وتقييم مخاطر كل مدينة ونقـــاط الضعف فيها، ووضع حلول وقائية للحد منها، من خلال تطوير أنظمة الإنذار المبكر، ومشاركة البيانات والمعلومات. وتنفيذ أنشطة المحاكاة والتطبيقات الفرضية لاختبار السيناريوهات المحتملة للاستعداد للطوارئ. مع العمل على تطوير مراصد حضرية ومراكز فكر عمرانية تسعى بشكل مستمر إلى قراءة وتحليل المكون الثقافي والاجتماعي والإنساني والعمراني في المدن، وتحديث المبادئ والتشريعات التخطيطية والأكواد العمرانية ضمن سياق الحالة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في العمران. وإنشاء جهاز مركزي للتخطيط والتنسيق على مستوى التنفيذ (التنفيذي) والمحلي (البلدي) لمأسسة العمل والتنسيق ببن الجهات الحكومية ذات العلاقة على مستوى التنفيذي للخطط والقرارات الحكومية الخاصة بمرونة المدن؛ بهدف تعزيـــز التخطيط الاستباقي للمخاطر والأزمات ودعم صناعة واتخاذ القرار.
- قيام مجلس المخاطر الوطنية بالتعاون مع المؤسسات التعليمية في المملكة، بما يلي:
- إدراج مقرر علمي يبدأ من المراحل الدُنيا في كافة المراحل التعليمية للتوعية بالكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية، والحث على أن يدرس المقرر في بيئة افتراضية مقاربة للكارثة ووجود تطبيق عملي؛ لتوجيه الأجيال القادمة بكيفية الاستجابة وحسن التصرف وصولًا للنجاة والسلامة من هذه الكوارث.
- دعم البحث العلمي في مجال المخاطر الطبيعية وترويج مفاهيم العمران الذكي القادر على الصمود في وجه الكوارث.
- قيام وزارة المالية ومجلس المخاطر الوطنية بدراسة الوضع الراهن للقطاع المالي المرتبط بتمويل العمل المناخي، وتشخيص أبرز التحديات المتعلقة به، واقتراح الحلول والمبادرات والمشاريع المطلوب تنفيذها، والتنسيق مع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لتنفيذ برامج اجتماعية تعوّض وتحمي المواطنين الأقل حظًا من تبعات ارتفاع الاسعار والتضخم؛ لتعزيز قدرتهم على الصمود.
- يتولى مجلس المخاطر الوطنية بمشاركة وزارة الداخلية والجهات ذات العلاقة، بإعداد خطط متكاملة قابلة للتنفيذ بعد استيعاب الدولة للنازحين واللاجئين من بعض الدول المجاورة التي تمر بقلاقل؛ حتى نستطيع تلافي أي محاذير تمس أمن الدولة والمجتمع السعودي، دون انتهاك لحقوقهم الإنسانية. إضافة إلى العمل على استثمار هؤلاء اللاجئين ليكونوا دعمًا للتنمية ومن عوامل بنائها، بدلا من كونهم عبئا على خطط الدولة وأهدافها. وهنا تتحقق ثلاث ميزات من مزايا المدن المرنة: الاستباقية، والاستعداد للمستقبل، واستغلال (استثمار) الموارد.
- استمرار وزارة السياحة بالعمل على مضاعفة جهودها لتعزيز الاستدامة واعتماد المعايير العالمية في القطاع السياحي في إطار محور الطريق نحو تحقيق الحياد المناخي، وتشجيع السياحة البيئية للمساهمة في الحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي الوطني، والتي أسفرت عن الإعلان عن إنشاء المركز العالمي للسياحة المستدامة في المملكة.
- أن تقوم وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان بتشكيل لجنة عليا للمرونة على مستوى البلاد تتولى ما يلي:
- تقييم وضع المرونة الحالي لكل مدينة، بهدف تطوير عمل إستراتيجية المرونة وتحديد أولوياتها وآليات التنفيذ حسب المستجدات.
- التأكيد على الالتزام بمواصفات الكود السعودي للمباني والمنشآت في المناطق المهددة بالزلازل والهزات الأرضية، من أجل استدامة المشاريع وإطالة عمرها للأجيال الحاضرة والمستقبلية. وتبني عملية المراقبة المستمرة للسدود والخزانات ومناطق النشاط التعديني، وإقامة مشاريع تشجير لصد زحف الرمال لحماية القرى والمزارع والطرق القريبة منها.
- العمل على تمكين الشراكات الإستراتيجية البيئية بين الشركات الكبرى والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لخلق فرص عمل والاستفادة من أفكار المواهب الشابة التي يمكنها خلق روافد دخل جديدة، وصولاً نحو تحقيق الأهداف المناخية.
- تعزيز التعاون والتنسيق وذلك من خلال بناء آليات فعالة للتعاون بين الجهات المعنية، مثل الحكومة المحلية والمؤسسات الخاصة والمجتمع المدني، لتنفيذ خطط الطوارئ والاستجابة للكوارث.
- تشجيع الجمعيات والفرق التطوعية واللجان الخيرية لتشكيل فرق طوارئ لحماية الممتلكات جنبًا إلى جنب فرق الانقاذ. وتلمس حاجة الأسر المعسرة في المجتمع وإيجاد حلول ذات ديمومة مستمرة لها عبر تدريبهم على برامج حرفية أو صناعات تقليدية وغيرها.
- عقد ورش عمل وندوات وطنية بشكل دوري تطرح فيها جميع مسائل المرونة الحضرية، ومن أهمها: إقامة تجارب افتراضية لمختلف أنواع الكوارث المتوقعة، وفتح باب التدريب والمشاركة أمام الجميع. وبالأخص المؤسسات التعليمية لرفع مستوى اهتمام الطلبة المبكر بالاستدامة في سياق أسلوب حياتهم وأعمالهم.
- تحسين التواصل بين الوكالات الحكومية والصناعات والمواطنين؛ كونه عاملاً ضروريًا لبناء مجتمعات أكثر وعيًا وجاهزية.
- تكريم الشركات والمؤسسات والأفراد الذين كان لهم الدور الفاعل في الدعم والتعاون مع الدولة في التنظيم والإغاثة والإعمار و….. إلى آخره. كذلك تكريم الشركات التي حققت مشروعاتها معايير عالية حين حدوث الأزمة بأوسمة عالية المستوى، والإعلان عن أسماء القائمين على هذه المشروعات. والتوصية هنا بأهمية أن يكون للمخططين والمهندسين والباحثين والمهتمين بتنمية المدن دور في التكريم أيضًا في مرحلة ما بعد الكارثة.
- المصادر والمراجع
المراجع العربية
- الأحيدب، إبراهيم بن سليمان. (2000م). المخاطر الطبيعية في المملكة العربية السعودية وكيفية مواجهتها: دراسة جغرافية، كلية العلوم الاجتماعية، جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، الطبعة الثانية.
- الدليمي، خلف حسين والهيتي، ثامر شاكر. (2018م). استراتيجيات الإدارة الحضرية، جامعة الأنبار، العراق، الطبعة الأولى.
- بن غضبان، فؤاد وبركاني، فاطمة الزهراء. (2016م). المشروع الحضري: أدلة جديدة للتخطيط الحضري، الدار المنهجية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى.
- حمادي، زينب حميد عبد. (2022م). المناخ وعلاقته بالتخطيط العمراني لمدينة الفلوجة في محافظة الأنبار، مجلس كلية التربية للعلوم الإنسانية، جامعة الأنبار.
- شحادة نعمان، زريقات دلال، الأخطار الطبيعية والكوارث البيئية، الجامعة الأردنية / قسم الجغرافيا، دار صفاء للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2018 م – 1439 هـ
- عاشور، عبد الونيس عبد العزيز. (2022). تقدير عمق الجريان السطحي لحوض وادي درنة بالتكامل مع تقنيات نظم المعلومات الجغرافية ونموذج SCS-CN، كلية الهندسة، جامعة عمر المختار، ليبيا
- مخلوف، عمر. (2020م). الحاجة إلى المدن الذكية لتحقيق التنمية المستدامة: الفرص والتحديات، مجلة التعمير والبناء، مج 4، ع 1.
المواقع الإلكترونية
- اتجاهات وتحدِّيات التخطيط العمراني في مدن المملكة» سليمان بن حمد البطحي (albuthi.com)
- إدارة مخاطر الكوارث (albankaldawli.org)
- إطار عمل هيوغو -2005 :2015 بناء قدرة الأمم والمجتمعات على مواجهة الكوارث Microsoft Word – 0860924Arabic.doc (unisdr.org)
- الخطط الوطنية لمواجهة الكوارث (998.gov.sa)
- المحمود، محمد بن عبد الرحمن. (2023م). أنسنة المدن وبناء المحتوى المحلي العمراني، المجلة العربية: ملف العدد (arabicmagazine.net) ،ع 564.
- المدن الذكية المستدامة والحلول الرقمية الذكية لتعزيز المرونة الحضرية في المنطقة العربية: دروس من الجائحة (unescwa.org).
- المدن المرنة (com).
- المرونة ودورها في تحقيق النمو الشامل والمستدام | McKinsey.
- المسند، عبدالله on X: ” +… https://t.co/HtmkiaMEzH” / X (twitter.com)
- الوقت الأمثل للاستعداد للمستقبل خارطة طريق لتعزيز مرونة المدن | القمة العالمية للحكومات (worldgovernmentsummit.org)
- اليوم العالمي للمدن | الأمم المتحدة (un.org)
- برنامج مستقبل المدن السعودية 2018، الأمم المتحدة Report – Excutive Summary.pdf (un.org)
- برنامج مستقبل المدن السعودية 2019، الأمم المتحدة Saudi Cities Report 2019 Arabic(1)_0.pdf (un.org)
- تمكين المدن من القدرة على الصمود دليل قيادات الحكومات المحلية مساهمة في الحملة العالمية 2020-2010، <<مدينتي تستعد>>، مكتب الأمم المتحدة للحد من المخاطر download (undrr.org)
- تهدم المدرجات الجبلية المطيرة مؤشر كارثة بيئية قادمة (alyaum.com)
- جنون إهمال وتجاهل زوال مدرجات مناطقنا الجبلية المطيرة (alyaum.com)
- سيف العتيبي على LinkedIn: دليل مصطلحات التغير المناخي |
- علم إدارة الكوارث، (kfu.edu.sa).
- مركز المرونة الحضرية لموئل الامم المتحدة (Urban Resilience Hub)
- منظومة الحجر والمدر والمطر في جبالنا المطيرة (alyaum.com)
- mham-wmswwlyat-wzart-alshwwn-albldyt-walqrwyt-fy-alkwarth-1_1.pdf. (momrah.gov.sa)
- Microsoft Word – 0860924Arabic.doc (unisdr.org)
- Saudi Arabia faces increased heat, humidity, precipitation extremes by mid-century | MIT News | Massachusetts Institute of Technology
- المشاركون.
- الورقة الرئيسة: أ. فائزة العجروش
- التعقيب الأول: اللواء حسن المحمدي
- التعقيب الثاني: م. عبدالرحمن الصايل و م. إياد الهليس
- إدارة الحوار: د. وليد الزامل
- المشاركون بالحوار والمناقشة:
- د. خالد المنصور
- الفريق الركن د. عبدالإله الصالح
- أ. إبراهيم ناظر
- د. عبير برهمين
- أ. علاء برادة
- د. عبدالرحمن العريني
- م. أسامة كردي
- د. زياد الدريس
- د. صالحة آل شويل
- د. أماني البريكان
- د. مساعد المحيا
- د. حميد الشايجي
- د. حمد البريثن
- د. نوال الثنيان
[1] – لواء متقاعد في المديرية العامة للدفاع المدني
[2] – خبير في مجال البحث والتعليم والممارسة والتخطيط الحضري والاقليمي الشمولي والمستدام.
[3] – خبير في مجال التخطيط والتصميم الحضري.