ملتقى أسبار: التقرير رقم (127) مارس 2024 – التصنيع القائم على التقنية المتقدمة في المملكة العربية السعودية

 للاطلاع على التقرير وتحميله يرجى الضغط هنا


  • تمهيد:

يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر مارس 2024م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة؛ وجاءت بعنوان: التصنيع القائم على التقنية المتقدمة في المملكة العربية السعودية، وأعد ورقتها الرئيسة د. عبدالعزيز الحرقان، وعقب عليها كلاً من د. عبدالرحمن العريني، د. رجا المرزوقي وأدار الحوار حولها د. علي الوهيبي.

 

المحتويات

  • تمهيد
  • فهرس المحتويات
  • الملخص التنفيذي
  • الورقة الرئيسة: د. عبدالعزيز الحرقان
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. عبدالرحمن العريني
  • التعقيب الثاني: د. رجا المرزوقي
  • إدارة الحوار: د. علي الوهيبي
  • المداخلات حول القضية
  • معوقات نقل تقنيات التصنيع المتقدمة.
  • الصناعات الذكية وتكنولوجيا المعلومات في ضوء رؤية المملكة 2030.
  • آليات تطوير التصنيع القائم على التقنية المتقدمة في المملكة.
  • التوصيات
  • المصادر والمراجع
  • المشاركون

  

  • الملخص التنفيذي.

يتناول هذا التقرير قضية التصنيع القائم على التقنية المتقدمة في المملكة العربية السعودية. وأشار د. عبدالعزيز الحرقان في الورقة الرئيسة إلى أن سرعة التطور التكنولوجي وما تفرضه من تغيرات في طرق التصنيع المختلفة تشكل أحد أبرز التوجهات العالمية التي تساهم في تطوير الصناعات القائمة على تقنية المعلومات؛ حيث يشهد العالم تسارعاً في الانتقال من طرق التصنيع التقليدية إلى الاستعانة بطرق تصنيع مبتكرة. وسوف تساعد التقنيات الرقمية المتقدمة في التوسع في استخدام المواد المستدامة، سواء تلك المتعلقة بمواد التصنيع والوقود الصناعي وتلك الخاصة بطرق تخزين الطاقة مثل البطاريات الصديقة للبيئة، وهو ما يعزز من كفاءة الإنتاج ويخفض من تكاليفه ويزيد من عائداته الاقتصادية. وسوف تساعد أتمتة العمليات الإنتاجية الناتجة عن التطور الملحوظ في تطوير الروبوتات إلى زيادة كفاءة الأداء وتحسين مستويات الإنتاج ودعم نمو الشركات، حيث من المتوقع ان تتجاوز قيمة سوق الروبوتات الصناعية أكثر من 94 مليار دولار بحلول عام 2028. وفى ذلك السياق، تولي المملكة العربية السعودية اهتمامًا كبيرًا بدعم قطاع التصنيع القائم على تقنية المعلومات، وذلك من خلال العديد من المبادرات والبرامج التي تهدف إلى تنمية هذا القطاع وجعله أكثر قدرة على المنافسة على المستوى الدولي. وتسعي المملكة العربية السعودية لتنفيذ مبادرة تحويلية تهدف إلى دفع قطاع التصنيع نحو المستقبل. وتتماشي تلك المبادرة مع أهداف المملكة طويلة الأجل الرامية إلى تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على النفط من خلال مبادرات مثل رؤية 2030 والاستراتيجية الوطنية للصناعة، والتي تشمل خططاً وبرامجاً طموحة لتطوير قطاعات مختلفة مثل التصنيع، الابتكار، التعليم، البنية التحتية، التكنولوجيا، والسياحة.

بينما أكَّد د. عبدالرحمن العريني في التعقيب الأول على أن التقنيات الناشئة ستلعب دورًا حاسمًا في دفع عجلة التصنيع نحو المستقبل، مع التركيز على التصنيع القائم على التقنية المتقدمة والتي ستمكن المصنعين من تحسين الإنتاجية وتعزيز التنافسية. ويشكل التطور السريع في مجال التكنولوجيا والتقنيات الناشئة فرصة حاسمة لتحسين صناعة التصنيع وتعزيز التنافسية. ويزيد فرصة هذا التحسين متانة البنية التحتية التقنية بالمملكة وتبني الحكومة على اعلى مستوى دعم التصنيع والتقنيات الناشئة، ما يجعل المملكة بيئة واعدة وخصبة لاستقطاب الاستثمار في التصنيع المعتمد على التقنية المتقدمة.

في حين ذكر د. رجا المرزوقي في التعقيب الثاني أن التحول للتصنيع القائم على التقنية ليس خياراً، بل هو التوجه الذي ستتحول له الصناعة في ظل الثورة الصناعية الرابعة. فالتجارب الدولية في ظل الثورات الصناعية المتعاقبة تبين ان الدول التي استطاعت ان تكون سباقة في تحولها حققت مكاسب اقتصادية مقارنة بالدول التي تأخرت في تحولها. ولتمكين ومساعدة القطاع الصناعي للتحول للتقنيات الحديثة في الإنتاج والتي هي نتاج الثورة الصناعية الرابعة فلا بد من العمل على توفر متمكنات تحول الاقتصاد للاقتصاد الرقمي والتي تعتمد على أربع متغيرات أساسية يكمل بعضها بعضا: (1- الأنظمة والقوانين 2- البحث والابتكار 3- المستوى المعرفي للمواطنين 4- قطاع الاتصالات والمعلومات والتقنية).

وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

  • معوقات نقل تقنيات التصنيع المتقدمة.
  • الصناعات الذكية وتكنولوجيا المعلومات في ضوء رؤية المملكة 2030.
  • آليات تطوير التصنيع القائم على التقنية المتقدمة في المملكة.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • دراسة الوضع الراهن في الصناعات الحالي ودراسة مدى امكانيه تطويرها باستخدام أحدث وسائل التقنية الحالية المستخدمة.
  • توفير وسائل التصنيع المتقدم وبرمجياتها لأنها تمثل الأساس في الصناعات الآلية.
  • الدخول بقوة في صناعة التقنية وتشكيلها بما يناسب ويخدم المجتمع السعودي.
  • ضرورة وجود قنوات مباشرة ومتينة بين كل الجهات الحكومية، والتعامل مع ملف التصنيع القائم على التقنية المتقدمة كملف حيوي استراتيجي.
  • التدريب التقني والمهني وهو بيئة قريبة جدا لتبني التصنيع القائم على التقنية بالتوسع في برامج التعليم والتدريب في هذا المجال.
  • إيجاد برامج ومحفزات المصانع الكبيرة في المملكة لتسريع تحولاتها التقنية وتوظيف تقنيات الذكاء الصناعي.
  • الاهتمام بمجال تقنيات الانترنت الصناعية Industrial Internet.

 

  • الورقة الرئيسة: د. عبدالعزيز الحرقان

المقدمة

تشكل سرعة التطور التكنولوجي وما تفرضه من تغيرات في طرق التصنيع المختلفة أحد أبرز التوجهات العالمية التي تساهم في تطوير الصناعات القائمة على تقنية المعلومات. حيث يشهد العالم تسارعاً في الانتقال من طرق التصنيع التقليدية إلى الاستعانة بطرق تصنيع مبتكرة. وسوف تساعد التقنيات الرقمية المتقدمة في التوسع في استخدام المواد المستدامة، سواء تلك المتعلقة بمواد التصنيع والوقود الصناعي وتلك الخاصة بطرق تخزين الطاقة مثل البطاريات الصديقة للبيئة، وهو ما يعزز من كفاءة الإنتاج ويخفض من تكاليفه ويزيد من عائداته الاقتصادية. وسوف تساعد أتمتة العمليات الإنتاجية الناتجة عن التطور الملحوظ في تطوير الروبوتات إلى زيادة كفاءة الأداء وتحسين مستويات الإنتاج ودعم نمو الشركات، حيث من المتوقع ان تتجاوز قيمة سوق الروبوتات الصناعية أكثر من 94 مليار دولار بحلول عام 2028.

وفى ذلك السياق، تولي المملكة العربية السعودية اهتمامًا كبيرًا بدعم قطاع التصنيع القائم على تقنية المعلومات، وذلك من خلال العديد من المبادرات والبرامج التي تهدف إلى تنمية هذا القطاع وجعله أكثر قدرة على المنافسة على المستوى الدولي. وتسعي المملكة العربية السعودية لتنفيذ مبادرة تحويلية تهدف إلى دفع قطاع التصنيع نحو المستقبل. وتتماشي تلك المبادرة مع أهداف المملكة طويلة الأجل الرامية إلى تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على النفط من خلال مبادرات مثل رؤية 2030 والاستراتيجية الوطنية للصناعة، والتي تشمل خططاً وبرامجاً طموحة لتطوير قطاعات مختلفة مثل التصنيع، والابتكار، والتعليم، والبنية التحتية، والتكنولوجيا، والسياحة. وفى ذات السياق، وضعت المملكة برنامج التنمية الصناعية بهدف تطوير القطاع الصناعي وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وذلك من خلال توفير العديد من الحوافز الاستثمارية ودعم صادرات المنتجات الصناعية.  ويعد قطاع تقنية المعلومات من أهم القطاعات الاقتصادية التي تحظي باهتمام المملكة وتقدم الحوافز المختلفة له حتى تتمكن من استغلال تقنيات التصنيع الناشئة والمتقدمة لإحداث تغيرات جذرية في مختلف جوانب التصنيع المحلي.

وتستهدف المملكة بشكل خاص ست صناعات تكنولوجية متقدمة، تشمل: أشباه الموصلات، الأجهزة المنزلية الذكية، الصحة الذكية، الأجهزة الإلكترونية الذكية، المباني الذكية، وجيل جديد من البنية التحتية. تُعد هذه القطاعات قمة الابتكار التكنولوجي، وتساهم في تعزيز قدرة المملكة على الاندماج بشكل فعال في سلاسل التوريد العالمية وتطور قدراتها على تصدير المنتجات عالية التقنية بالأسواق العالمية. تعكس هذه الأهداف جزءًا من رؤية المملكة العربية السعودية لتنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على النفط، والتوجه نحو اقتصاد قائم على المعرفة والتقنية.  ويمكن وصف أهم تطبيقات تلك الصناعات على النحو التالي:

  • أشباه الموصلات: تعتبر صناعة أشباه الموصلات محركًا أساسيًا للتقدم التكنولوجي، حيث تستخدم في مجموعة واسعة من الأجهزة من الهواتف المحمولة إلى السيارات والأجهزة الطبية.
  • الأجهزة المنزلية الذكية: تشمل هذه الفئة الأجهزة التي تستخدم تقنيات الإنترنت لتوفير وظائف متقدمة وتحسين الكفاءة، مثل الثلاجات والغسالات الذكية وأنظمة التحكم في المنزل.
  • الصحة الذكية: تتضمن تطوير تقنيات للتشخيص الطبي والعلاجات وإدارة الرعاية الصحية، مثل الأجهزة القابلة للارتداء التي تتابع الحالة الصحية والتطبيقات التي تساعد في إدارة الأمراض المزمنة.
  • الأجهزة الإلكترونية الذكية: تشير إلى الأجهزة المتصلة التي توفر وظائف ذكية، مثل الساعات الذكية، والأجهزة اللوحية، وغيرها من الأجهزة التي تساعد المستهلكين على البقاء متصلين ومنتجين.
  • المباني الذكية: تحسن هذه التقنيات كفاءة استخدام الموارد في المباني، مثل إدارة الطاقة والأمن والصيانة، وتحسين تجربة المستخدمين داخل المباني.
  • جيل جديد من البنية التحتية: يشمل هذا التطوير في البنية التحتية الأساسية مثل الشبكات الذكية، الطاقة المتجددة، وتقنيات المدن الذكية التي تعزز الكفاءة وتقلل البصمة الكربونية للمدن.

بالاستثمار في هذه القطاعات، تهدف المملكة إلى تحقيق عدد من المكاسب التنموية، منها:

  • تعزيز الابتكار: من خلال الوصول إلى أحدث التقنيات وتطويرها محليًا.
  • تنويع الاقتصاد: من خلال تقليل الاعتماد على صادرات النفط وتنويع مصادر الدخل.
  • خلق فرص عمل: فتطوير الصناعات التكنولوجية يمكن أن يخلق وظائف جديدة وينمي الكفاءات المحلية.
  • تعزيز الصادرات: عن طريق بناء قدرة تنافسية لتصدير المنتجات التكنولوجية عالية القيمة.
  • التكامل في سلاسل التوريد العالمية: عن طريق تحسين موقف المملكة كشريك تجاري رئيسي في التقنيات العالية.

لتحقيق هذه الأهداف، يتطلب الأمر تبني استراتيجية شاملة للتصنيع القائم على التقنية المتقدمة، كما يتطلب الأمر مراعاة عدد من المحددات مثل تبني استراتيجيات تصنيع قطاعية قائمة على تحسين البنية التحتية التكنولوجية وتعزيز النظم الإيكولوجية التعاونية وتحفيز الشراكات والاستثمارات العالمية ووضع أولوية للبحث والتطوير والابتكار وريادة الأعمال.

الإستراتيجية الشاملة للتصنيع القائم على التقنية المتقدمة

تعتبر الاستراتيجية الشاملة للتصنيع القائم على التقنية المتقدمة خطة متكاملة ومنهجية تهدف إلى تطوير الصناعة من خلال تبني وتطبيق أحدث التقنيات والابتكارات الجديدة التي يتم تطويرها وتطبيقها في مختلف مجالات التصنيع، وهي تشمل: التحول الرقمي والتكنولوجي في جميع جوانب العمليات الصناعية بهدف رفع مستو الكفاءة، وتحسين جودة المنتجات، وتعزيز القدرة التنافسية في السوق العالمي. لا يشترط بالضرورة أن تكون الاستراتيجية الشاملة للتصنيع القائم على التقنية المتقدمة خطة جديدة كلياً منفصلة عن الاستراتيجيات القائمة، وإنما يمكن أن تكون تطويرًا تحديثًا للخطط الاستراتيجية الحالية بحيث تشمل تضميناً للتقنيات الحديثة المتقدمة.

وتوفر لنا التجربة الدولية ممارسات لعدد من الدول حول العالم اتخذت خطوات متقدمة نحو تطوير استراتيجيات شاملة للتصنيع القائم على التقنية المتقدمة والابتكار، ومن أمثلة ذلك:

  • ألمانيا: من خلال تبنيها مبادرة الصناعة 4.0، والتي تركز على الرقمنة الكاملة للقطاعات الصناعية وتكامل الأنظمة الذكية في الإنتاج.
  • اليابان: من خلال تبنيها استراتيجيات للتحول التكنولوجي في مجال التصنيع، مع تركيز قوي على الروبوتات والأتمتة.
  • الولايات المتحدة الأمريكية: من خلال تشجيع الابتكار في التصنيع ودعم مبادرات مثل الشراكات بين القطاعين العام والخاص والمراكز البحثية لتطوير التقنيات الصناعية.
  • الصين: من خلال إطلاق خطة “صنع في الصين 2025″، والتي هدفت إلى تحديث صناعتها وتحسين الابتكار، والجودة، والعلامات التجارية في القطاعات الصناعية.
  • سنغافورة: من خلال الاستثمار في الأتمتة الصناعية وتطوير المهارات الرقمية وتحسين البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات لتعزيز قطاع التصنيع لديها.
  • كوريا الجنوبية: من خلال تبنيها استراتيجيات للابتكار في التصنيع مع التركيز على تطوير تقنيات جديدة.

وللاستفادة من المكاسب المتحققة من التصنيع القائم على التقنية المتقدمة والابتكار، يمكن للمملكة أن تعزز من قدراتها التصنيعية من خلال تبني تقنيات التصنيع الرائدة، مثل الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد والروبوتات والحوسبة الكمومية وبناء وتشغيل مرافق إنتاج ذكية تكون مؤتمتة بالكامل، خاصة في القطاعات الست المتضمنة بالاستراتيجية. واستجابة لتلك المكاسب فقد عملت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) على تطوير استراتيجية الذكاء الاصطناعي للمملكة بهدف تعزيز استخدام البيانات والتحليلات لدعم اتخاذ القرارات وتحسين الخدمات المقدمة، كما ضخت المملكة استثمارات ضخمة تهدف إلى تطوير البنية التحتية الرقمية اللازمة لتحقيق التحول الرقمي في جميع القطاعات وبهدف تعزيز الخدمات الإلكترونية والحكومية.  ومن شأن تلك الاستراتيجيات والبرامج أن تعزز من قدرات المملكة نحو تحقيق زيادة في مستويات الإنتاجية الكلية وبناء جهاز إنتاجي مرن ومستدام قادر على المنافسة على المستويين الإقليمي والعالمي.

إن تحقيق الأهداف من استراتيجيات التصنيع القائمة على التقنية المتقدمة يعتمد على العديد من العوامل واعتبارات النجاح، وهو ما يتم مناقشته في الجزء التالي.

اعتبارات نجاح استراتيجية التصنيع القائم على التقنية المتقدمة

لضمان نجاح استراتيجية التصنيع القائم على التقنية المتقدمة، يجب مراعاة الآتي:

(أ) تبنى استراتيجيات تصنيع قطاعية

يجب على المملكة العربية السعودية تطوير قدرات التصنيع ضمن استراتيجيات مصممة خصيصًا لكل من القطاعات الستة، مع التركيز على ديناميكيات السوق الخاصة، والتقنيات اللازمة، واستراتيجيات تطوير المنتجات بتلك القطاعات. ويجب أن يشمل ذلك التركيز على تحويل عمليات التصنيع بتلك القطاعات على ركائز الثورة الصناعية الرابعة، بما يعني ضرورة أن تتبنى الشركات المصنعة بتلك القطاعات نماذج أعمال قائمة على الابتكار، مثل: نماذج الأعمال الدائرية. وهذا يتطلب تحويل التصنيع التقليدي إلى نظام بيئي ذكي مترابط وقائم على البيانات.

وبشكل أكثر تحديدا، بجب الاعتماد على مبادئ الصناعة 4.0، والتي تنطوي على دمج التقنيات المتقدمة مثل إنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات لإنشاء أنظمة أكثر كفاءة ومرونة وترابطا. ويتطلب ذلك، تطوير السياسات ذات الصلة بتنمية مهارات سوق العمل لتضيق فجوة المهارات الحالية وبحيث تواكب مستوى نمو التصنيع المتقدم، مع تحسين كفاءة استخدام الطاقة وجعلها أكثر استدامة.  كذلك، ينبغي تعزيز سياسات الابتكار الصناعي بتلك القطاعات من خلال العمل على الاستثمار في البنية التحتية الذكية وجذب الاستثمارات الأجنبية بتلك القطاعات والتي تساهم في نقل المعرفة المتقدمة إليها.

ويرتبط نجاح الاستراتيجيات القطاعية السابقة بقدرة المملكة على المضي قدما في برامج التحول الرقمي الذي يهدف إلى بناء مجتمع رقمي يسهم في تحسين تطوير الصناعة ويعزز من تنافسيتها. وهو ما يستلزم معه استمرار الجهود الرامية لتطوير قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات على كافة المستويات: مستوى البنية الرقمية، وتنمية القدرات الرقمية، والمشاريع الرقمية الضخمة. كذلك، فمن المهم إطلاق المشاريع الضخمة لتطوير البنية التحتية الذكية على غرار مشروع نيوم، وهو أحد المشاريع الضخمة التي تهدف إلى إنشاء منطقة اقتصادية مستقبلية ترتكز على الابتكار وتكنولوجيا المستقبل.

ولضمان نجاح تلك الاستراتيجيات القطاعية، ينبغي الوصول إلى التقنيات المبتكرة التي تمثل حلولاً لاحتياجات الأسواق المحلية والدولية. وهو ما يتطلب من الحكومة بذل الجهود الشاملة لتحقيق ست مهام رئيسية:

  1. تأمين مستوى مقبول من القدرات التكنولوجية يعزز من القدرات التقنية التصنيعية.
  2. رعاية المواهب المبتكرة وخاصة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات STEM.
  3. بناء مجموعات صناعية متخصصة محلياً وإقليميًا.
  4. إنشاء نظام بيئي صناعي سليم مدعوم، بحيث يكون نظام متكامل يجمع في عناصره مختلف الشركاء في القطاع الصناعي لتعزيز التعاون والتنافسية والابتكار والاستدامة.
  5. الظهور كأفضل وجهة استثمارية صناعية اقليمياً وعالمياً.
  6. تعزيز القدرات التكنولوجية من خلال الشراكة مع دول العالم الرائد تكنولوجياً.

(ب) تعزيز النظم الإيكولوجية التعاونية

يعد تطوير النظم الأيكولوجية التعاونية والتي تشمل الحكومة والأكاديميين وأرباب الصناعة أمراً محورياً لدعم التطور والنمو في القطاعات المشمولة بالمبادرة. تضمن هذه المبادرات التعاونية تبادل المعرفة والموارد والخبرات والتي تساهم في دفع الابتكار الصناعي بتلك القطاعات. فمن خلال شراكة المؤسسات الاكاديمية، بشكل خاص، يمكن تطوير المعرفة اللازمة لتطوير الفنون الإنتاجية بتلك القطاعات وذلك من خلال تعزيز وصول الشركات بتلك القطاعات على الوصول إلى المرافق البحثية بالجامعات. فللشراكة مع المجتمع الجامعي دورا بالغ الأهمية في بناء مجتمع يعتمد علي اقتصاد المعرفة تكون أبرز مخرجاته: خلق المعرفة وتطوير رأس المال البشري ونقل التطبيقات التقنية إلى قطاع الصناعة.

ويتطلب تحقيق ما سبق الاسترشاد بتجارب التصنيع العالمية والتي عملت على تعزيز القدرات التصنيعية عالية التقنية من خلال دعمها للمراكز البحثية التصنيعية وتزويدها بمعدات بحثية متقدمة وجعلها مكاناً مبتكرًا يتم فيه إجراء الأبحاث والتعليم وعرض أحدث التقنيات التصنيعية المتقدمة، مثل: مثل تكنولوجيا الكم والذكاء الاصطناعي. ومن أبرز النماذج على ذلك نموذج شركة إيمك-للتكنولوجيا ببلجيكا، وهو عبارة عن معهد دولي للبحث والتطوير وتدريب القوى العاملة مصمم لصناعة أشباه الموصلات يقوم بتطوير التطبيقات متقدمة لتكنولوجيا أشباه الموصلات.

إضافة لذلك، ينبغي تبني مجموعة واسعة من التدابير لتحفيز التعاون مع القطاع الصناعي لجذب المواهب المحلية (الطلاب المتفوقين) في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وتزويدهم بفرص لتلقي برامج تدريبية في الخارج في محاولة لتعزيز المواهب الأساسية التي ستقود الابتكار التصنيعي في المستقبل.

(ج) تحفيز الشراكات والاستثمارات العالمية

يعد الاستثمار الأجنبي المباشر القناة الرئيسية لانتقال التكنولوجيا الدولية. وبالتالي، يمكن من خلال تلك الاستثمارات سد الفجوة في القدرات التكنولوجية ونقل المعرفة التصنيعية اللازمة وتأسيس القدرات التصنيعية المتقدمة بتلك القطاعات. ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال عقد الشراكات الدولية مع مبتكرو التكنولوجيات الجديدة والمتقدمة حول العالم. ويتطلب تحقيق ذلك، تبني سياسات وحوافز جاذبة لتلك الاستثمارات.

ومن أمثلة تلك الشراكات، ما تم مؤخراً من شراكة بين البرنامج الوطني لتنمية تقنية المعلومات وشركة مسا نوفو “MSA Novo” التابعة لشركة ماس كابيتال “MSA Capital” الصينية لدعم التعاون التقني بين البلدين من خلال نقل المعرفة وتبادل الخبرات والتقنيات، وتحفيز تطور القطاع في المملكة بهدف تعزيز الابتكار التقني المحلي، وتقديم منتجات وحلول تقنية مبتكرة تلبي احتياجات الصناعية الوطنية.

ومن الأمثلة الأخرى، والتي يمكن الاسترشاد بها في تطوير الشراكات مع شركات التقنية الدولية، برنامج وجهة التقنية العميقة، وهو أحد البرامج التي تبنتها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) لجذب الشركات الدولية الناشئة والمتميزة إلى المملكة العربية السعودية لتطوير بيئة الابتكار في مجالات التقنية العميقة.

وتتوافر عدة قنوات يمكن من خلالها دعم الاستثمارات في مجالات التقنيات التصنيعية المتقدمة، بما في ذلك:

  • المشاريع المشتركة في مجالات التقنيات التصنيعية.
  • اتفاقيات البحث والتطوير المشتركة واتفاقيات التطوير المشتركة، بما في ذلك التعاقد على إجراء عمليات البحث والتطوير الممولة والعمل بشكل مشترك على تطوير تقنيات إنتاجية جديدة لمنتجات جديدة. ·
  • عقود الإنتاج المشترك لتنفيذ مشروعات صناعية متقدمة، مثل مشاريع الإنتاج المشترك التي تشارك فيها كبرى شركات التكنولوجية عالمياً لخدمة أهداف تصنيع محلية.
  • اتفاقيات نقل التكنولوجية مع الشركاء الدوليين والتي تهدف إلى تعزيز التعاون وتبادل الخبرات بين مختلف قطاعات التصنيع المتقدم.
  • الترخيص للشركات التقنية والتي توفر الوصول إلى التقنيات المتقدمة مقابل رسوم.

(د) وضع أولوية للبحث والتطوير والابتكار وريادة الأعمال

يعد الاهتمام بالبحث والتطوير والابتكار أحد أبرز ركائز التصنيع المتقدم والذي يعزز من القدرات التصنيعية والتنافسية للمملكة ويحقق لها الريادة ويعزز مكانتها الإقليمية والدولية كونها أكبر اقتصاد في المنطقة. وقد أطلقت المملكة برنامج الابتكار في الجامعات وعملت وزارة التعليم وهيئة الابتكار على إطلاق المبادرات التي تعزز من النظام البيئي للابتكار وريادة الأعمال من خلال برامج الدعم والتمويل والشراكات مع الشركات العالمية والجامعات الدولية. وعليه، فقد وضعت المملكة اهداف طموحة تستهدف زيادة مساهمة قطاع البحث والتطوير في الناتج المحلي الإجمالي ليصل لنحو 60 مليار ريال بحلول عام 2040، ومن شأن ذلك أن يعزز المكاسب من الاستثمار في التصنيع المتقدم.

ويتطلب التقدم في مجال البحث والتطوير والابتكار الاستمرار في سياسات استقطاب أفضل المواهب الوطنية والعالمية مع إعطاء الأولوية للتعاون والاستثمار المشترك مع مراكز الأبحاث الكبرى والشركات الدولية والمنظمات غير الربحية والشركات الخاصة والشركات الناشئة العاملة في مجال التقنية المتقدمة.

وينبغي كذلك توجيه البحوث العلمية المحلية نحو مجالات تطوير التقنيات المستخدمة في الصناعات المتقدمة، مثل:

  • تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والتي تستخدم لمحاكاة الذكاء البشري وتعزز من القدرات الإنتاجية التصنيعية من خلال قدراتها على جمع المعلومات. ومن أكثر تطبيقات تلك التكنولوجيا في مجال التصنيع استخداما هو مجال الخدمات اللوجستية، حيث يمكن للمصنعين استخدام الذكاء الاصطناعي للتعامل مع إدارة الشحن وجدولته. ويمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ باحتياجات السوق مثل الطلب على الإنتاج وتحسين كفاءة استخدام مواد التصنيع. كذلك، من التطبيقات الحالية للذكاء الاصطناعي هو القدرة على التشخيص الذاتي المستخدم للتنبؤ باحتياجات الصيانة لمعدات التصنيع، فيستطيع المصنعين الاستعانة بمعدات فحص تعمل بالذكاء الاصطناعي المشكلات وإخطارهم بالأعطال المحتملة وتحديد مواعيد الصيانة المطلوبة.
  • الحوسبة الكمومية، وهي أحد تكنولوجيات التصنيع والتي يمكنها تعزيز إنتاجية الصناعات التحويلية نظرا للإمكانات الهائلة لأجهزة الكمبيوتر الكمومية على حل مشكلات التصنيع المعقدة.
  • إنترنت الأشياء الصناعي، والذي له العديد من التطبيقات الصناعية نظراً لقدرة تلك التقنيات على ربط المعدات بالأنترنت والتي تستمي انترنت الأشياء الصناعي. فمن خلال تلك التكنولوجيا، يمكن لآلات الإنتاج جمع البيانات وإرسال التقارير ومن ثم تجميع بيانات المنشآت الصناعية بأكملها والمساعدة في اتخاذ قرارات الإنتاج المناسبة.
  • الطباعة ثلاثية الأبعاد، والتي يمكن استخدامها مع البلاستيك والمعادن وحتى الخرسانة في وقتنا الحالي. وتتيح الطباعة ثلاثية الأبعاد للمصنعين إنتاج نماذج أولية بشكل أسرع، وهو ما يُمكن المصنعين من تطوير منتجات جديدة بسرعة عن طريق تقليل وقت التصميم؛ كما تساعد تلك التقنيات على توفير مواد الإنتاج الوسيطة نظراً لإنتاجها نفايات أقل مقارنة بعمليات التصنيع التقليدية.
  • تقنيات الواقع المعزز، والتي يستعان بها لرؤية معلومات تفصيلية حول مكونات معدات التصنيع. فمن خلال تقنية الواقع المعزز في التصنيع، يمكن لمشغلي الآلات استخدام أجهزتهم الذكية للتحقق من كفاءة المعدات المستخدمة وعرض تقارير خاصة حول حالة المعدات المستخدمة، مثل درجة الحرارة والمشكلات الميكانيكية؛ وهو ما يفتح افاق لاستخدام تلك التطبيقات لتمكين فنيي الصيانة بتشخيص الأجهزة عن بُعد. كما يمكن للمصنعين تقليل الهدر ورفع الكفاءة عن طريق استخدام الواقع المعزز من خلال محاكاة التدريب الواقعي بهدف تدريب عمال اللحام وفنيي التدفئة والتهوية وتكييف الهواء، وغيرهم.
  • تقنية الجيل الخامس، والتي ساهمت في تسريع الاتصال بالشبكات مما أدى إلى تقليل زمن الوصول للبيانات ووقت معالجتها، وهو ما يساعد الشركات المصنعة على إنشاء “مرافق ذكية تعمل آليا” وخاصة مع تطوير قدرات المعدات على الاتصال في الوقت الفعلي دون أي تأخير.
  • الروبوتات، والتي يمكنها أتمتة المهام المتكررة، حيث تمكن المصنعين من تنفيذ المهام بكفاءة ودقة وإنتاجية أعلي. يمكن للروبوتات إجراء عمليات إنتاجية متكررة دون انقطاع وبدون أخطاء تذكر، مثل التجميع واللحام والطلاء.
  • الحوسبة السحابية، والتي يستعين بها المصنعين خلال مراحل الإنتاج المختلفة حيث يمكن من خلالها توصيل المرافق الإنتاجية عبر السحابة لتبادل البيانات في جميع المناطق الجغرافية. فمع اتصال جميع مرافق التصنيع على شبكة واحدة، أصبحت معايير الإنتاج أكثر اتساقًا وهو ما يساعد في تقليل وقت الإنتاج وتكاليفه.

الخاتمة

تسعي المملكة العربية السعودية لتنويع مصادر دخلها بعيدًا عن الاعتماد الرئيسي على النفط وذلك استجابة للتحديات الاقتصادية العالمية التي تؤثر على عائدات النفط وتضع اقتصاد المملكة عرضة لصدمات الاقتصاد الخارجية. في ضوء ذلك، أصبح من الضروري أن تستلهم المملكة من تجارب الدول الرائدة في مجال التطوير الصناعي والتحديث التكنولوجي دروساً تمكنها من تسريع وتيرة التقدم الصناعي بها.

وقد أوضحت تلك التجارب أن الدول التي تبنت استراتيجيات التصنيع القائم على التقنية المتقدمة قد حققت مستويات متفاوتة من النجاح ارتبطت بعوامل مثل فعالية التنفيذ، التزام الحكومات بتقديم الدعم الموجه للصناعة، ومدى التنسيق بين القطاعات الاقتصادية المختلفة ومستوى التعاون بين مختلف أصحاب المصلحة.  وبفضل الاستراتيجيات الفعالة وأنظمة الابتكار الكفء، فقد نجحت تلك الدول في تعزيز القدرة التنافسية من خلال تحقيق الريادة في الصناعات القائمة على التقنية، مثل: ألمانيا بتفوقها في الصناعة 4.0، اليابان مع تقدمها في الأتمتة والروبوتات، الولايات المتحدة بابتكاراتها التكنولوجية، الصين مع تحديث صناعتها، سنغافورة بتعزيز الصناعات الدقيقة، كوريا الجنوبية بقوتها في الإلكترونيات.

وللاستفادة من تلك التجارب، فعلى المملكة العربية السعودية أن تعمل على تطوير قدرات التصنيع القطاعية بالاعتماد على ركائز الثورة الصناعية الرابعة في قطاعات أشباه الموصلات، الأجهزة المنزلية الذكية، الصحة الذكية، الأجهزة الإلكترونية الذكية، المباني الذكية، وجيل جديد من البنية التحتية. ويمكن تحقيق ذلك بتحفيز الشركات على تبني تقنيات حديثة تساهم في تحقيق زيادة في الإنتاجية وخفض التكاليف وتطوير منتجات مبتكرة. ولن يتحقق ذلك مالم يعمل المصنعين على دمج تقنيات التصنيع المتقدمة مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والطباعة ثلاثية الأبعاد.

يجب على المملكة أن تعمل على تحقيق التكامل في سلاسل التوريد للتصنيع القائم على التقنية المتقدمة باعتباره عنصر أساسيا لنمو تلك الصناعات، ويشمل ذلك ضمان تحقيق الربط بين جميع عناصر النظام الصناعي، تطوير خطط طوارئ للتعامل مع الاضطرابات في سلاسل التوريد، والتعاون مع الموردين لتطوير تقنيات جديدة وتحسين كفاءة العمليات الإنتاجية. وينبغي العمل على توفير بيئة استثمارية مواتية لجذب الاستثمارات في البنية التحتية اللازمة لدعم الصناعات الذكية وتطوير البنية التحتية الرقمية لضمان تدفق البيانات بشكل سلس وبناء شراكات بين الحكومة والشركات لتعزيز كفاءة سلاسل التوريد.

ونظراً لأن المراكز البحثية التصنيعية تلعب دورًا محوريًا في تعزيز القدرات التصنيعية عالية التقنية، فيجب العمل على تطويرها بهدف نقل نتائج الأبحاث إلى القطاع الصناعي لتطبيقها بشكل تجاري والعمل على تطوير الكوادر من القوة العاملة الماهرة والقادرة على استخدام تقنيات التصنيع الجديدة. علاوة على ذلك، يجب على المملكة العمل على تسريع وتيرة الاستثمار في التعليم والتدريب المهني لإعداد جيل قادر على استخدام وتطوير أحدث التكنولوجيات، بالإضافة إلى تعزيز البحث والتطوير لتحفيز الابتكارات المحلية. ويمكن أن تساهم تعزيز الشراكات الدولية والتعاون مع الشركات الرائدة في نقل المعرفة والتكنولوجيا المتطورة واللازمة للصناعات القائمة على التقنية.

وبتبني هذه الاستراتيجيات، يمكن للمملكة تسريع عملية التحول الاقتصادي بتقليل الاعتماد على قطاعات محدد وترسيخ مكانتها كقوة صناعية مبتكرة في المنطقة والعالم. ولترسيخ مكانتها في مجال التصنيع القائم على التقنية، يجب على المملكة مواجهة القيود الدولية التي تفرضها عدد من الدول على نقل بعض التقنيات المتقدمة إلى المملكة، وغيرها من الدول، في إطار سياسات السيطرة على تصدير التقنيات المتقدمة ذات الاستخدام المزدوج في المجالين المدني والعسكري، مثل تقنيات الرقائق الالكترونية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تقديم حوافز للشركات الأجنبية العاملة في مجالات تصنيع التقنيات المتقدمة للعمل بالمملكة والدخول في شراكات تجارية قوية مع الدول المصدرة لمنتجات التقنية المتقدمة.

 

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. عبدالرحمن العريني

يعتبر التصنيع القائم على التقنية المتقدمة في المملكة العربية السعودية قضية ذات أهمية عالمية ومحلية بحيث تصب في توجهات المملكة للمرحلة الحالية. تشهد صناعة التصنيع تحولًا هائلًا نحو الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة، والتصور أن التقنيات الناشئة ستلعب دورًا حاسمًا في دفع عجلة التصنيع نحو المستقبل، مع التركيز على التصنيع القائم على التقنية المتقدمة والتي ستمكن المصنعين من تحسين الإنتاجية وتعزيز التنافسية.

ان تبني استخدام التقنيات الناشئة يعتمد بشكل أساسي على توفر البنية التحتية المناسبة لها والتي يمكن حصر مكوناتها في المعلومات والاتمتة والحوسبة والبرمجيات والاستشعار والشبكات. وتتمتع المملكة ببنية تحتية رقمية متينة حيث نجحت المملكة في الوصول في البنية التحتية الرقمية إلى تغطية 99% من مجموع السكان حسب تصريح لوزير الاتصالات السعودي. وتعتبر هذه البنية التحتية بمثابة محفز للابتكار في شتى القطاعات بما فيها قطاع التصنيع والذي سيشهد حلول مبتكرة ونماذج أعمال جديدة لحل المشاكل القائمة.

ذكر كاتب الورقة الرئيسة عدد من الاعتبارات لضمان إنجاح استراتيجية التصنيع القائم على التقنية المتقدمة، وأهمية توجيه البحوث العلمية المحلية نحو تطوير التقنيات الناشئة والتي سيجني ثمرتها بلا شك قطاع التصنيع. الا ان هناك تحديات تواجه التطبيق الأمثل لتلك التقنيات الناشئة يمكن حصرها بما يلي:

  • تكلفة التنفيذ:

التقنيات مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعي والتحليلات المتقدمة غالبًا ما تتطلب استثمارات كبيرة في معدات وبرمجيات وتدريب. قد تجد الشركات الصغيرة والمتوسطة صعوبة في تحمل هذه التكاليف، مما يقيد قدرتها على تبني هذه التقنيات.

  • مهارات العمالة والتدريب:

الحاجة إلى قوى عاملة ماهرة قادرة على تشغيل وصيانة أنظمة التكنولوجيا المتقدمة حيث تتطلب العديد من التقنيات الناشئة مهارات متخصصة قد تكون نادرة في سوق العمل الحالي.

  • التكامل مع الأنظمة القديمة:

يعمل العديد من المصانع بأنظمة ومعدات قديمة قد لا تكون متوافقة مع التكنولوجيات الناشئة، ما يجعل التكامل بين التكنولوجيا الجديدة والبنية التحتية القائمة معقدًا ويستغرق وقتًا طويلاً.

  • أمان وخصوصية البيانات:

التقنيات الناشئة تتطلب جمع وتحليل كميات كبيرة من البيانات من مصادر متعددة ويعتبر ضمان أمان وخصوصية البيانات الحساسة أمرًا أساسيًا لحماية الملكية الفكرية والأسرار التجارية والمعلومات السرية.

  • عدم وضوح العائد من الاستثمار:

يمكن أن يكون قياس عائد الاستثمار لتبني التكنولوجيا الناشئة تحديًا بسبب عوامل مختلفة مثل خطط التنفيذ الطويلة، وظروف السوق غير المتوقعة، والتطور التكنولوجي المتسارع.

يشكل التطور السريع في مجال التكنولوجيا والتقنيات الناشئة فرصة حاسمة لتحسين صناعة التصنيع وتعزيز التنافسية. ويزيد فرصة هذا التحسين متانة البنية التحتية التقنية بالمملكة وتبني الحكومة على اعلى مستوى دعم التصنيع والتقنيات الناشئة، ما يجعل المملكة بيئة واعدة وخصبة لاستقطاب الاستثمار في التصنيع المعتمد على التقنية المتقدمة.

  • التعقيب الثاني: د. رجا المرزوقي

يعد التصنيع القائم على التقنية المتقدمة في المملكة العربية السعودية قضية حيوية في مرحلة التحول الاقتصادي التي يمر بها الاقتصاد المحلي لإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص في إدارة الاقتصاد ونموه بدلا من الوضع الحالي القائم على الانفاق الحكومي مما يجعله غير مستدام، كما ان هذا التحول الاقتصادي تزامن مع بزوغ الثورة الصناعية الرابعة والتي تحتم لنجاح هذا التحول ان يكون مبنيا على الثورة الصناعية الرابعة بما فيها من تقنيات حديثة وربط تقني.

ان التحول للتصنيع القائم على التقنية ليس خياراً، بل هو التوجه التي ستتحول له الصناعة في ظل الثورة الصناعية الرابعة. فالتجارب الدولية في ظل الثورات الصناعية المتعاقبة تبين ان الدول التي استطاعت ان تكون سباقة في تحولها حققت مكاسب اقتصادية مقارنة بالدول التي تأخرت في تحولها.

وترتبط هذه القضية بقضية الاقتصاد الرقمي والتي تركز بشكل كلي على ما يسمى بالاقتصاد الجديد والذي سيسود في المرحلة القادمة نتيجة للثورة الصناعية الرابعة. وتحول القطاع الصناعي للتقنيات الحديثة يجب ان ينظر له من خلال الصورة الكلية في علاقته بالاقتصاد الرقمي. ولتمكين ومساعدة القطاع الصناعي للتحول للتقنيات الحديثة في الإنتاج والتي هي نتاج الثورة الصناعية الرابعة فلا بد من العمل على توفر متمكنات تحول الاقتصاد للاقتصاد الرقمي والتي تعتمد على أربع متغيرات أساسية يكمل بعضها بعضا:

  • الأنظمة والقوانين
  • البحث والابتكار
  • المستوى المعرفي للمواطنين
  • قطاع الاتصالات والمعلومات والتقنية

ولذا فان مرحلة التحول للتقنيات الحديثة في قطاع التصنيع تبنى على تحول الاقتصاد للاقتصاد الجديد والتي تعتمد على المتغيرات أعلاه مما يساهم في تحسين القدرات التنافسية للاقتصاد المحلي وتوفر الممكنات والبنية التحتية التي تعتبر شرطا ضروريا لتحول التصنيع للتقنيات الحديثة. وتنافسية الاقتصاد عملية مستمرة تعتمد في الأساس على متغيرات كثر من أهمها الأنظمة والقوانين والسياسات الاقتصادية بما فيها السياسات المالية والنقدية وكفاءة القطاع الحكومي. حيث تساهم تنافسية الاقتصاد المحلي في رفع كفاءة وانتاجية القطاع الخاص وقدرته للتحول للتقنيات الحديثة لما توفره رفع تنافسية الاقتصاد المحلي من تخفيض للتكاليف وتقليل لدرجة عدم اليقين والمخاطر المرتبطة بشكل كبير بالسياسات الاقتصادية والأنظمة والقوانين. كما ان وجود البنية التحتية وخاصة في قطاع الاتصالات والتقنية والمعلومات وتوفر خدماتها بأسعار تنافسية واستقرار تقديم الخدمات وبدون انقطاع أو ضعف يؤثر على العملية الإنتاجية شرطا لابد من توفره قبل ان نرى التحول في القطاع الصناعي.  في هذا السياق من المهم التركيز على التوجه نحو التحول للاقتصاد الرقمي (المعرفي)، ومن الضروري تحليل كيفية تعزيز الاقتصاد المعرفي في ظل التحول للصناعات التكنولوجية المتقدمة، وإضافة تصور لكيفية تحقيق التكامل الفعال بين الصناعة، البحث العلمي ورأس المال المعرفي.

التوجه نحو الاقتصاد المعرفي يعتمد بشكل أساسي على الابتكار، والبحث العلمي، وتطوير المهارات، وإدارة المعرفة كمحركات رئيسية للنمو والتنافسية. في سياق التصنيع باستخدام التقنيات المتقدمة، تتطلب الصناعات الحديثة مستوى عالٍ من المعرفة والخبرة التقنية التي يمكن أن تؤدي إلى تطورات كبيرة في الإنتاجية والكفاءة. وهذا يشمل تطوير المناهج الدراسية والبرامج التعليمية والتدريبية لتعكس متطلبات الصناعات التكنولوجية المتقدمة وسوق العمل المستقبلي وتضمين الدورات التدريبية التي تمكن الطلاب من اكتساب مهارات تطبيقية، يمكن تلخيص هذا الدور في بناء قاعدة المعرفة.

والانفاق على البحث والتطوير يمثل اهم المتغيرات التي تساهم في التحول وتحقق التنمية المستدامة كما اشارت لذلك نظريات النمو الاقتصادي الداخلي والتي اعتبرته من اهم المتغيرات المستهدفة لتحقيق نمو مستدام.  والانفاق على البحث والتطوير يحتاج لوجود منظومة متكاملة في الاقتصاد تساهم في ربطه بالاقتصاد من خلال البيئة التشريعية والمحفزات بما فيه الضريبية وإنفاق الحكومة على البحث والتطوير والذي يشكل الاساس بالإضافة لدور القطاع المالي في ربط الابتكارات بالاقتصاد المحلي.

إن بناء قاعدة المعرفة يتطلب تطوير أنظمة تراكمية لجمع المعلومات وتحليلها مما يعزز الابتكار والتطوير في مختلف القطاعات الصناعية والخدمية. يتضمن ذلك الاستثمار في البحث والتطوير، وتعزيز وتبادل الخبرات بين المؤسسات التعليمية والشركات. هذه العملية تشمل كذلك توفير الموارد للتعليم المستمر والتدريب المتخصص، وتحفيز روح المبادرة لخلق بيئة تشجع على الابتكار. الهدف الأساسي هو أن تكون هذه المعرفة قاعدة داعمة للتطور الاقتصادي والتقني المستدام. بالرغم من أن الاستثمارات الخارجية ونقل التكنولوجيا أمور جوهرية، إلا أن تشجيع الابتكار المحلي يمكن أن يساعد في تنمية الصناعة على المدى الطويل. ولذلك يلزم التركيز على تطوير الموارد البشرية والتأكيد على برامج التعليم والتدريب التي تواكب التطورات التكنولوجية المتسارعة، وقد يكون من المفيد التوسع في شرح البرامج التعليمية والمهنية التي يتم تنفيذها والمخطط لها في المملكة.

  

  • المداخلات حول القضية
  • معوقات نقل تقنيات التصنيع المتقدمة.

إن بناء القدرات الوطنية تعد قضية هامة جدا، كونها تشمل الموارد البشرية، والبنية التحتية خاصة التقنية، وكذلك المنظومة الصناعية، والقوانين والأنظمة والمؤسسات التشريعية، ومؤسسات البحث العلمي والتطوير التقني، بجانب مؤسسات وصناديق تمويل المشاريع التقنية.

ويجب أن نكون حذرين في جذب الاستثمارات خاصة في قطاعات التقنية المتقدمة. كما أن من المهم مراعاة أن نقل التقنية يتطلب وجود مهارات بشرية وطنية قادرة على تعلم التقنيات الحديثة. ولكن المنظومة التعليمية السعودية لا تستطيع تقديم الموارد البشرية التي تستطيع التعامل مع هذه التقنيات مما سيؤدي إلى مزيد من العمالة الأجنبية.

ولا يمكن التغاضي أن لدينا بالفعل ضعف في قدراتنا على تحويل الأبحاث والمعرفة العلمية والتقنيات من مكان تطويرها، مثل الجامعات ومختبرات البحث، إلى السوق العملية حيث يمكن تطبيقها لإنتاج منتجات وخدمات جديدة.  وهذه العملية تشمل تحويل الاختراعات والابتكارات والمعرفة التقنية من المبتكر إلى المستخدم النهائي والشركة التي ستستغل هذه التقنية تجاريًا.

كذلك فإن إحدى أهم العقبات تتمثل في القضايا المتعلقة بالملكية الفكرية، حيث يجب تحديد الحقوق والالتزامات لجميع الأطراف من مؤسسات وافراد بشكل واضح من خلال سياسات الملكية الفكرية وقوانينها.

كما يمثل الفارق بين البحث الأكاديمي والتطبيقات العملية تحديًا كبيرًا، إذ غالبًا ما يفتقر الباحثون إلى الخبرة التجارية اللازمة لتسويق ابتكاراتهم لأنهم لا يكونون على دراية كافية بمتطلبات السوق.

ومن المهم مراعاة أن التقنية المتقدمة بعضها مصمم لخدمة جهات واغراض محددة؛ فالتقنية المتقدمة والذكاء الصناعي جيوش مستقبلية وليست ترفا حياتياً؛ ولهذا فإن استقبال تلك التقنيات دون المشاركة في صناعتها يعتبر خطرا مستقبليا على بلدنا وأجيالنا القادمة.

لدى شبابنا القدرة على ابتكار وصناعة التقنيات بشرط أن يكون لهم اعداد علمي ومهني يواكب تلك المستجدات المتسارعة. فلازال التعليم العام والمهني والجامعي في المملكة دون الطموح، وربما اساليبنا التربوية داخل الاسرة بعيدة عن استشراف المستقبل بين الملعقة الذهبية والخوف من انحراف ابنائنا وتركهم للأسرة والانعزال الاجتماعي لأفراد الاسرة وإضاعة قدرات ابنائنا في الالعاب الالكترونية.  ولعله لا يوجد خيارا اخر غير الدخول بقوة في صناعة التقنية وتشكيلها بما يناسب ويخدم مجتمعنا.

والواقع أن تطوير الموارد البشرية في الجوانب التقنية قضية معقدة؛ فهي اولا تتغير باستمرار لذلك فمن الواجب البدء بتأهيل المراكز التعليمية التدريبية، يلي ذلك إعداد موارد بشرية لوظائف ستنشأ بعد تخرجهم، وكمثال على ذلك الطلاب الذين درسوا تخصصات في الطاقة الذرية بناء على ما أعلن من برامج مشاريع نورية. هؤلاء لم يجدوا الوظائف التي يحلمون بها بسبب عدم تنفيذ هذه المشاريع.

 

  • الصناعات الذكية وتكنولوجيا المعلومات في ضوء رؤية المملكة 2030.

الصناعات الذكية التي تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كركيزة أساسية في عملياتها هي جزء من رؤية المملكة 2030، والتي تهدف إلى تحويل الاقتصاد السعودي وتقليل الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل وتطوير قطاعات جديدة بما في ذلك الصناعة المتقدمة والخدمات اللوجستية والرقمنة، ولعل أبرز المجالات والتي شهدت حراكًا في الفترة الأخيرة هي:

  • جذب الاستثمارات الأجنبية: من خلال توفير حوافز للشركات التكنولوجية والصناعية لإنشاء أعمالها داخل المملكة.
  • تطوير الموارد البشرية: وتتضمن التركيز على تعليم وتدريب الكوادر الوطنية لتكون مؤهلة للعمل في صناعات المستقبل من خلال برامج التعليم العالي والتدريب المهني التي تركز على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM).
  • تطوير البنية التحتية التكنولوجية: وينطوي ذلك على بناء وتطوير البنية التحتية التكنولوجية مثل شبكات الاتصالات فائقة السرعة، ومراكز البيانات، والمدن الذكية.
  • تعزيز البيئة التنظيمية: من خلال وضع القوانين والتشريعات التي تدعم الابتكار والاستثمار في التكنولوجيا، وكذلك حماية الملكية الفكرية.
  • تشجيع البحوث والتطوير: وذلك بالاستثمار في البحوث والتطوير وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير تقنيات ومنتجات جديدة.
  • توفير التمويل: عن طريق إنشاء صناديق ومنظمات لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير التمويل اللازم لمبادرات الابتكار والتحول الرقمي.
  • آليات تطوير التصنيع القائم على التقنية المتقدمة في المملكة.

تتزايد أهمية التصنيع القائم على التقنية المتقدمة في المملكة العربية السعودية في ظل التوجه نحو تنويع مصادر الدخل انطلاقاً من رؤية المملكة ٢٠٣٠؛ والملاحظ أن هناك توجه قوي لدعم التصنيع عموما والتصنيع القائم على التقنية بكل مجال على وجه الخصوص.

وثمة حاجة ملحة في الوقت الراهن لتكييف التطور والتحول الرقمي في قطاع التصنيع، وان يصبح اسلوب حياة لكل الشركات القائمة قبل الجديدة لضمان الاستدامة. بالنظر إلى التقنية على انها امر حتمي وبذلك قد يكون هناك حاجه للآتي:

  • دراسة الوضع الراهن في الصناعات الحالية.
  • دراسة مدى امكانيه تطويرها باستخدام أحدث وسائل التقنية الحالية المستخدمة بالتدرج حسب مستهدفات محدده وواضحة وفي الإطار هويه محدده لكل مدينه من مدن المملكة.
  • ومن ثم يأتي الابتكار كمرحله لتحقيق التميز الصناعي في قطاع أو أكثر، على سبيل المثال الصناعة الزراعية؛ فكيف لنا ان نتكلم عن الابتكار ونحن مازلنا نفرز التمر بطريقه يدوية تقليدية دون تكييف لأحدث ما وصلت له الصناعات الزراعية القائمة بتفعيل الذكاء الاصطناعي ومن ثم يأتي دور الابتكار في التميز بصناعات مبتكره باستخدام مكونات النخيل المختلفة في مجالات الحياة المتعددة مثل زيوت النخيل وكربون النخيل والمركبات الطبية الكيميائية المبتكرة من النخيل.

ويجب في هذا الإطار العمل على ايجاد حلول تقنية وتمويلية تيسر تبني تقنيات التصنيع المتقدم من قبل المصانع القائمة لضمان استمرارية تلك المصانع وقدرتها على المنافسة مستقبلاً.

ومن الجيد ان نبني قدرات على بناء نفس التقنيات المستخدمة في الصناعة بحيث يكون لدينا قدرة على توفير وسائل التصنيع المتقدم وبرمجياتها لأنها تمثل الاساس في الصناعات الالية. كذلك بالإمكان ان يكون لدينا قدرة على تصدير تلك الصناعة للخارج، وخير مثال على التوجه لذلك النوع من التصنيع شركة “آلات” والتي ينضوي تحتها عدة صناعات رصدت لها ميزانية كبيرة ومخطط اكتمالها في ٢٠٣٠.

ويجب الاستمرار في التركيز على تطوير الموارد البشرية من خلال التركيز على تعليم وتدريب الكوادر الوطنية لتكون مؤهلة للتصنيع الحديث.  كما تبرز ضرورة الاهتمام بتضمين المناهج الدراسية بالمواد العلمية اللازمة والتي تساهم في تمكين الطلاب من فهم ودراسة ومن ثم المساهمة والعمل في القطاعات التي تستخدم التقنية المتقدمة وخاصةً في القطاع الصناعي .كما توجد حاجة لأن تقوم المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بإنشاء منهاج كامل ومتخصص في هذا المجال والذي يلتحق به الطلاب بعد المرحلة الثانوية مباشرةً ليكون لدينا جيلاً متخصصاً في هذا المجال الحيوي وليس فقط في المناهج الجامعية مما يُسَرِّع من تخريج هذه الكوادر في وقتٍ أقل وتكون جرعات التدريب مُرَكَزَّة وهادفة في نفس الوقت .

ويعد التدريب التقني والمهني بيئة قريبه جدا لتبني التصنيع القائم على التقنية لعدة عوامل منها:

  • الانتشار الكبير والتوسع، حيث يوجد ما يقارب من ٢٥٠ منشأة كليات تقنيه ومعاهد مهنيه وكليات تميز / شراكات استراتيجية.
  • هناك كليات متخصصة في تأهيل الكوادر في مجال التخصصات الرقمية فقط.، كما أنها مجهزة بتجهيزات ضخمة جدا، ربما نحتاج فقط الي ادخال التقنية في بعض الكليات كي تصبح بيئة صالحة لتبني هذا الصناعة.

ومن أنجح التجارب العالمية في مجال التصنيع والتصنيع القائم على التقنية دولة ألمانيا، والسبب يعود إليّ مؤسسات التعليم المهني كجزء هاماً من نظام التعليم في الدولة، فحسب الاحصاءات أكثر من 80% من الشباب الألماني يختارون التعليم المهني في المدارس والمعاهد المتوسطة، بينما يلتحق حوالي 15% فقط بالجامعات؛ لان نظام التعليم المهني والتقني يتميز بالجمع بين التعليم النظري والتدريب العملي التطبيقي. كما ان هناك تجارب جدا ناجحة ومميزه في التدريب التقني والمهني فيما يتعلق بالشراكات الاستراتيجية مع القطاع الخاص وفي قطاعات مختلفة، مثل الطيران والتعدين والطاقة والصناعات الغذائية.

ونظرًا لأن الملف الاستراتيجي المرتبط بالتصنيع القائم على التقنية المتقدمة لا يخص جهة واحدة فقط، بل يخص الحكومة بالكامل؛ فمن المهم تحقيق التالي:

  • أولًا: العمل المنهجي والمؤسساتي، بحيث يتم تبني مفهوم هذه الصناعة من خلال جميع مؤسسات الدولة المختصة. مع أهمية تعيين جهة تكون بمثابة ((المحرك)) والقائد الاستراتيجي؛ لتستوعب حيثيات وتحديات ومداخل ومخارج هذه الصناعات المتقدمة بإشراف مباشر ودعم كامل من مجلس الوزراء الموقر. تعمل على توزيع المهام والمسؤوليات لكل جهة حسب اختصاصاتها الإشرافية والتشريعية والتنفيذية والمقيمة وفق خطة زمنية واضحة ومحددة. وفي نفس الوقت تتعامل مع الملفات المتداخلة لهذه الصناعات مع بقية القطاعات، وتلتزم بتعزيز ودعم كل ما من شأنه أن يُسهم في تنميتها وازدهارها.
  • ثانيًا: التكاملية، بتطبيق مفهوم العمل كفريق عمل واحد؛ الأمر الذي يستلزم مزيد من التنسيق والتكامل والانسجام بين كافة الجهات الحكومية، من خلال حصر التعاملات المتشابكة، والتنسيق والانسجام والتكامل بين القرارات الحكومية. وفهم دور كل جهة بشكل أعمق، وتحمل المسؤولية الجماعية من كافة الوزارات. وعلى كل جهة حكومية دون استثناء، أن تبحث عن الثغرات أينما وجدت، أمام التحول للاقتصاد الرقمي (المعرفي)؛ ليكون هو الأساس والقاعدة لهذه الصناعات.  والعمل فيما بينهم كفريق عمل لديه عين شمولية يزيل كل الثغرات والعراقيل ويحولها إلى ممكنات وفرص يستفيد منها الجميع.
  • ثالثًا: التمكين، لأن ملف قطاع التصنيع القائم على التقنيات المتقدمة يعتبر متشعب وتنافسي، ويواجه عدد من التحديات الهامة؛ لابد للقائمين عليه أن يعملوا على توفير العوامل الهامة التالية:
  1. المرونة، في الاشتراطات وإشراك الأطراف ذات العلاقة وتسريع الإجراءات لتحقيق التأثير المطلوب في هذه الصناعات وصولًا لتغيير هيكلة الاقتصاد.
  2. الموارد المالية اللازمة، بتسهيل حصول المستثمرين عليها بشروط ميسرة ومحفزة وجاذبة.
  3. كوادر بشرية وطنية، بمعنى إعداد وتجهيز كفاءات مؤهلة ومتخصصة تواكب التطورات المتسارعة والمتغيرات والظروف المستجدة، ومؤمنة بأهمية هذا الملف الحيوي. وتجعله أولويةً ورافدًا للاقتصاد الوطني.
  4. فرق فنية، تعمل على مواكبة التطورات العالمية المتسارعة للتقنيات المتقدمة وتطبيقاتها، وتستطيع مراقبة الأسواق المنافسة، وتتبنى أفضل الممارسات العالمية؛ لتوظيف التقنيات الحديثة في صناعتنا المنشودة. وتعمل على تطبيق أفضل الطرق للتسويق المحلي والعالمي لها.
  5. فرق تشريعية، تتكفل بالإسراع في إعداد التشريعات الضرورية التي ستسهم في جعل هذه التقنيات من أهم الممكنات والمحفزات الأساسية للقطاع الصناعي. وتعمل على تطويرها بشكل مستمر بعد معرفة تحديات التنفيذ والتسويق حسب المستجدات التكنولوجية العالمية المتسارعة.؛ ومن أهمها القضايا المتعلقة بالملكية الفكرية. وتعمل كذلك على محاسبة كل معرقلي تنمية هذه الصناعات.
  6. فرق تعليمية، تهتم بكل ما من شأنه التوجه للتعليم العصري القائم على استبدال أنماط من الممارسات البالية بممارسات ابتكارية خلاقة مبهرة وفعالة؛ تسهم في توفير جيل قادم مؤهل يستطيع تحويل الأهداف المنشودة لهذه الصناعات إلى نتائج ملموسة في المستقبل القريب.
  7. مؤشر يقيس المحتوى المعرفي والتشابكات القطاعية، يعمل على رَصْد وتسمية بعض التحديات الجوهرية الواضحة والمتوقعة. وهو مؤشر في غاية الأهمية للمستثمرين في هذه الصناعة؛ حيث يمكن من خلاله إعادة هيكلة نظام الإنتاج لتحسين استغلال الموارد المتاحة نحو تعظيم القيمة المضافة للاقتصاد الوطني؛ فلكل صناعة متطلبات خاصة بها. ويمكن من خلاله أيضًا تحديد أولويات وصناعات محددة أكثر جاهزية من غيرها، والتوصل إلى قائمة سلع محددة من الممكن مستقبلًا التوسع في إنتاجها محليًا وتصديرها.

ولأن الملف الاقتصادي لهذه الصناعات مُعقد ومُتشابك، لوجود تجاذبات مستمرة بين الحكومة والقطاع الخاص من جهة، والحكومة والمواطن من جهة أخرى، والحكومة والمنظمات والاتفاقيات الدولية في أحيان كثيرة؛ فما تراه الحكومة أولوية، يراه القطاع الخاص والمواطن غير ذلك تماما، والعكس بالعكس.

وفي هذا الصدد يجب التأكيد على ضرورة وجود قنوات مباشرة ومتينة بين كل الجهات الحكومية، والتعامل مع هذا الملف الحيوي الاستراتيجي على أنه ملف يحمل شعار “هام للغاية “، وعلى مُتخذي القرار والمشرِّعين  ومقرِّري السياسات أن يستوعبوا احتياجات كل مرحلة والتي قد تختلف تمامًا عن ما قبلها، وأن يتم التعامل مع المرحلة الحالية “مرحلة التأسيس” ومع أحداث كل مرحلة قادمة بعد قراءة المشهد بتجرد ودقة وواقعية، واتخاذ قرارات استثنائية تتناسب مع أي ظروف استثنائية؛ وإلا فإن التقدم في هذا الملف سوف يكون بطيئًا ومبنيًا على مبادرات فردية وارتجالية، والتي سيكون أثرها ضعيفا وغير فعال وغير مجدٍ اقتصاديًا وصناعيًا.

 

 

  • التوصيات
  • دراسة الوضع الراهن في الصناعات الحالي ودراسة مدى امكانيه تطويرها باستخدام أحدث وسائل التقنية الحالية المستخدمة.
  • توفير وسائل التصنيع المتقدم وبرمجياتها لأنها تمثل الأساس في الصناعات الآلية.
  • الدخول بقوة في صناعة التقنية وتشكيلها بما يناسب ويخدم المجتمع السعودي.
  • ضرورة وجود قنوات مباشرة ومتينة بين كل الجهات الحكومية، والتعامل مع ملف التصنيع القائم على التقنية المتقدمة كملف حيوي استراتيجي.
  • التدريب التقني والمهني وهو بيئة قريبة جدا لتبني التصنيع القائم على التقنية بالتوسع في برامج التعليم والتدريب في هذا المجال.
  • إيجاد برامج ومحفزات المصانع الكبيرة في المملكة لتسريع تحولاتها التقنية وتوظيف تقنيات الذكاء الصناعي.
  • الاهتمام بمجال تقنيات الانترنت الصناعية Industrial Internet.
  • المصادر والمراجع
  • سالم، عزة أحمد طه. (2018). أثر تقنيات إدارة التكلفة في ظل بيئة التصنيع الحديثة على تحسين الأداء بالشركات الصناعية السعودية: دراسة ميدانية على الشركات الصناعية بالقصيم. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة أم درمان الإسلامية، أم درمان.
  • عبدالسلام، دعاء محمد. (2022). دور تقنيات الإنتاج الحديثة في تحسين أداء المنظمات الصناعية: دراسة تطبيقية. المجلة العلمية للاقتصاد والتجارة، ع 4، 707 – 752 .
  • مجاهد، سمير مرتضى محمد. (2007). مدخل مقترح لتطوير نظام التكاليف بغرض دعم وتخطيط تكاليف المنتجات المتعددة للشركات الصناعية في ظل تقنيات الانتاج الحديثة: دراسة نظرية تطبيقية. مجلة البحوث التجارية، مج 29، ع 2، 233-300.
  • سدايا (2023). التقنيات الحديثة المعتمدة على البيانات والذكاء الاصطناعي، الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، المملكة العربية السعودية.
  • Martinsuo, Miia, and Toni Luomaranta. “Adopting additive manufacturing in SMEs: exploring the challenges and solutions.” Journal of Manufacturing Technology Management 29.6 (2018): 937-957.
  • Liu, Wen, et al. “Unpacking Additive Manufacturing Challenges and Opportunities in Moving towards Sustainability: An Exploratory Study.” Sustainability 15.4 (2023): 3827.
  • Gibson, Ian, et al. Additive manufacturing technologies. Vol. 17. Cham, Switzerland: Springer, 2021.

 

  • المشاركون.
  • الورقة الرئيسة: د. عبدالعزيز الحرقان
  • التعقيب الأول: د. عبدالرحمن العريني
  • التعقيب الثاني: د. رجا المرزوقي
  • إدارة الحوار: د. علي الوهيبي
  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • د. أماني البريكان
  • د. خالد المنصور
  • د. حمد البريثن
  • أ. جمال ملائكة
  • د. عبدالعزيز الحرقان
  • د. عبدالعزيز العثمان
  • أ. فائزة العجروش
  • د. محمد الزهراني
  • د. عبدالرحمن العريني

 

 

وقت البيانات لتقنية المعلومات شركة برمجة في الرياض www.datattime4it.com الحلول الواقعية شركة برمجة في الرياض www.rs4it.sa