ملتقى أسبار: التقرير رقم (129) إبريل 2024 – التضليل في وسائل التواصل الاجتماعي

للاطلاع على التقرير وتحميله اضغط هنا


  • تمهيد:

يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر إبريل 2024م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات الذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة، وجاءت بعنوان: (التضليل في وسائل التواصل الاجتماعي)، وأعد ورقتها الرئيسة د. سعيد الغامدي، وعقب عليها كلٌّ من: د. محمد الثقفي، د. مساعد المحيا، د. سعود الغربي، وأدار الحوار حولها د. محمد الثقفي.

 

المحتويات

  • تمهيد
  • فهرس المحتويات
  • الملخص التنفيذي
  • الورقة الرئيسة: د. سعيد الغامدي
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول- د. محمد الثقفي
  • التعقيب الثاني- د. مساعد المحيا
  • التعقيب الثالث- د. سعود الغربي
  • إدارة الحوار: د. محمد الثقفي
  • المداخلات حول القضية
  • أبعاد التضليل في وسائل التواصل الاجتماعي.
  • العوامل المسببة للتضليل في وسائل التواصل الاجتماعي.
  • تأثيرات التضليل الإعلامي على الجانب الثقافي.
  • التضليل عبر وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للربح.
  • جهود المملكة لمواجهة التضليل الإعلامي في وسائل التواصل الاجتماعي.
  • آليات مواجهة التضليل في وسائل التواصل الاجتماعي.
  • التوصيات
  • المصادر، والمراجع
  • المشاركون

 

  • الملخص التنفيذي.

يتناول هذا التقرير قضية التضليل في وسائل التواصل الاجتماعي، وأشار د. سعيد الغامدي في الورقة الرئيسة إلى أن التضليل المقصود به- هنا- نقل معلومات غير صحيحة، أو مضللة على شكل أخبار مزيفة، أو تحريف للحقائق، أو تشويه للمعلومات بهدف التأثير على الرأي العام، أو تحقيق أهداف سياسية، أو اقتصادية، أو غيرها من الأهداف، كما يشمل التضليل التلاعب بالمعلومات؛ من أجل تشويه الحقائق، أو توجيه الرأي العام بطريقة مغلوطة. وفي المملكة العربية السعودية هناك جهود كبيرة، ومتواصلة لمواجهة التضليل في منصات التواصل الاجتماعي؛ لاسيما بعد أن شهدت تلك الوسائل نموًا هائلاً خلال السنوات الأخيرة؛ فقد قامت المملكة بتشكيل عدد من الهيئات المعنية، وإصدار القوانين، والتشريعات الهادفة لمعاقبة نشر المعلومات الزائفة، والتضليل عبر الإنترنت، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، مثل: قانون مكافحة جرائم المعلوماتية، وقوانين النشر الإعلامي المختلفة، وقوانين التصوير، وغيرها من القوانين التي تمس النشر بمختلف مجالاته وأنواعه. كما قامت المملكة بإنشاء المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) كمركز عالمي مهمته: تحليل البيانات، والمعلومات المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي بشكل مستمر، لمكافحة التطرف، وتحليل الفكر المتطرف، والتحذير من المحتوى المضلل، كما تم إنشاء هيئات أخرى كهيئة الحكومة الرقمية، والهيئة السعودية للبيانات، والذكاء الاصطناعي، والهيئة العامة للاتصالات، وتقنية المعلومات، والهيئة الوطنية للأمن السيبراني، وهيئة الاتصالات، والفضاء، والتقنية، وهي تعمل- بشكلٍ مترابط- لتطوير إطار تنظيمي لمنع تداول الأخبار المضللة، والكاذبة،  ونشرها.

بينما أكَّد د. محمد الثقفي- في التعقيب الأول- أن التضليل الإعلامي يعد من أبرز مهددات الأمن الوطني لأية دولة، وله تأثيراته العديدة في عدد من المقومات، والمصالح الوطنية، وقد ازداد الاهتمام به مؤخرًا لعدة عوامل، أبرزها: ازدياد تأثيراته في المجتمع المستهدف، وسهولة تنفيذه في الوقت الراهن مقارنة بالماضي، وتعدد أساليبه، والأهم أنه لم يعد يهتم بالبعد المكاني، والزماني بين الجهة التي تمارس التضليل الإعلامي، والجهة المستهدفة، وتكمن خطورته في أنه قد يستخدم العديد من نظريات التعليم، والإعلام، والتثقيف، وأساليبه بغية تغيير معارف المستهدفين، وقناعاتهم بمعلومات، وقناعات جديدة مخالفة لما تم غرسه، ويتم تعزيزه من قبل المؤسسات المختصة في الدولة، وفي هذا الإطار تم تناول عدد من المحاور التي تتمثل في أهمية مكافحة التضليل الإعلامي، ومفهوم التضليل الإعلامي، وأساليبه، وأنواعه، والآثار السلبية المترتبة على التضليل الإعلامي، وأخيرًا أساليب مواجهة التضليل الإعلامي، وتجاربه.

في حين ذكر د. مساعد المحيا- في التعقيب الثاني- أن شبكات التواصل الاجتماعي تأتي في مقدمة الوسائل الاتصالية الأكثر استخدامًا في مجال التضليل، وهي متفوقة بذلك على المواقع الإلكترونية، والاتصال الشخصي، ووسائل الإعلام التقليدية، وهذا يعني أننا نعيش في بحر متلاطم من المعلومات المضللة المتعمدة، وغير المتعمدة، وهو ما لا قبل لنا بمواجهته في الأصل؛ لذا فإن طبيعة التعامل مع هذه المعلومات تتطلب إعادة النظر في كثير من مفاهيمنا تجاه طريقة التعاطي مع هذه المعلومات، ومدى إمكانية استثمارها.

ومن ناحيته أشار د. سعود الغربي- في التعقيب الثالث- إلى أنه إذا أردنا مواجهة التضليل الإعلامي في وسائل التواصل الاجتماعي؛ فلابد من إستراتيجية استخدام المنصات نفسها، والتواجد في التطبيقات، والفضاءات التي تستخدم لهذا النوع من التضليل، وهذا يحقق القدرة الفائقة في الوصول للجمهور الذي يستخدم هذه التطبيقات، ويرتاد هذه الفضاءات الرقمية الحديثة؛ وبالتالي يتمكن القائم بالاتصال من مواجهة هذا التضليل، وتصحيح الصورة للجمهور ذاته المتضرر، أو الضحية للتضليل.

وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور الآتية:

  • أبعاد التضليل في وسائل التواصل الاجتماعي.
  • العوامل المسببة للتضليل في وسائل التواصل الاجتماعي.
  • تأثيرات التضليل الإعلامي على الجانب الثقافي.
  • التضليل عبر وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للربح.
  • جهود المملكة لمواجهة التضليل الإعلامي في وسائل التواصل الاجتماعي.
  • آليات مواجهة التضليل في وسائل التواصل الاجتماعي.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى (أسبار) حول القضية ما يأتي:

  • تنظيم حملات توعوية مستمرة لمكافحة التضليل الإعلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي تستهدف توعية الجمهور، والمجتمع المحلي، وتثقيفِهِمَا حول كيفية التعرف على الأخبار المزيفة، والمضللة، وكيفية التحقق من مصداقية المعلومات قبل نشرها، أو مشاركتها.
  • تطوير منصات آلية للإبلاغ عن الأخبار المزيفة، والمضللة، وضمان الاستجابة السريعة لهذه البلاغات، والتحقيق فيها.
  • بناء شراكات مع منظمات المجتمع المدني، والجهات الحكومية، والشركات التكنولوجية لتبادل المعلومات، وتطوير حلول تقنية لمكافحة الأخبار المزيفة.
  • تشديد القوانين المتعلقة بنشر الأخبار المزيفة، وتطبيق العقوبات على المخالفين لهذه القوانين بشكل فعال.
  • تشجيع الجهات الرسمية على ممارسة المزيد من الشفافية إلى أكبر حد ممكن؛ وذلك مع تسهيل الحصول على المعلومة الصادقة، والصحيحة دون عناء لقطع الطريق أمام مثيري الإشاعاتِ، وممارِسي التضليل الإعلامي.

 

  • الورقة الرئيسة: د. سعيد الغامدي

تشغل منصات وتطبيقات التواصل الاجتماعي، اليوم، حيزا كبيرا من حياة الناس وتعاملاتهم وتواصلهم مع بعضهم، حيث تكاد تكون ملازمة للفرد في جميع تحركاته وسكناته، فهي تقطن في جيبه طوال اليوم ، وتظهر أمام عينية في كل وقت وحين، من خلال هاتفه الذكي. فمستخدم الهواتف الذكية ، الحديثة، يتعرض في كل يوم إلى المئات من الرسائل النصية أو الصوتية أو المقاطع المصورة من منصات وتطبيقات التواصل الاجتماعي مثل منصة إكس (X) تويتر سابقا، و تك توك، والفيس بوك ، والسناب تشات، و اليوتيوب، والإنستغرام ، والوتس آب ، والتيليجرام، وغيرها من المنصات التي تتكاثر مع كل شمس يوم جديد.

ولكي نعرف حجم الاستخدام الهائل، والتأثير المتوقع، إيجابا وسلبا، لتلك الوسائل “الإعلامية” الاجتماعية، من المهم معرفة عدد مستخدمي تلك المنصات الاجتماعية عالميا ومحليا. ففي تقرير حديث لموقع داتا ريبورتال [i] صدر في نهاية شهر يناير الماضي 2024م، بين أن عدد سكان العالم بلغ 8.08 مليار ، واكثر من 57.7 % منهم يعيشون في المدن ، وبلغ عدد مستخدمي الأجهزة المحمولة أو المتنقلة 5.61 مليار، بزيادة عن العام الماضي 2.5 %، وبلغ عدد مستخدمي الإنترنت 5.35 مليار بما يعادل 66.2% من سكان العالم ، بزيادة 1.8% عن العام الماضي. كما بلغ عدد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي 5.04 مليار شخص بما يساوي 62.3 % من سكان العالم وبزيادة 5.6 % عن العام الماضي 2023م.

كما أوضح التقرير أن اشهر المنصات الاجتماعية متابعة في العالم هي الفيسبوك وله 3.049 مليار مستخدم نشط شهريًا ، ثم اليوتيوب وله 2.491 مليار مستخدم ، ثم تطبيق الواتساب بعدد 2 مليار مستخدم ، ثم إنستغرام  بواقع 2 مليار مستخدم ، يليهم التطبيق الصيني تيك توك وله 1.562 مليار مستخدم ، ثم تطبيق الدردشة الصيني، أيضا ، وي تشات بعدد 1.336 مليار مستخدم. ثم يأتي بعدهم  فيسبوك ماسنجر بعدد 979 مليون مستخدم ، ثم تيليجرام بعدد 800 مليون مستخدم ، ودوين (دويين) هو النسخة الصينية من تيك توك بعد  752 مليون مستخدم ، ويأتي في مرحلة متأخرة نوعا ما سناب تشات بعدد 750 مليون مستخدم ، يليه كوايشو (كوايشو) بعدد 685 مليون مستخدم نشط شهريًا. ثم تأتي منصة إكس (تويتر) بواقع 619 مليون مستخدم ، ثم سينا ويبو (سينا ويبو) بعدد  605 مليون مستخدم نشط شهريًا ، وكيو كيو (تنشن تين تين كيو) بعدد 558 مليون مستخدم نشط شهريًا ، وبينتيريست كآخر اشهر المنصات بعدد  482 مليون مستخدم نشط شهريًا.[ii]

وفيما يخص المملكة العربية السعودية أشار التقرير إلى وجود 36.84 مليون مستخدم للإنترنت في بداية عام 2024، حيث بلغت نسبة انتشار الإنترنت 99.0 في المئة بين السكان، كما أن هناك 35.10 مليون مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي في يناير 2024، أي ما يعادل 94.3 في المئة من إجمالي السكان. كما أن هناك 49.89 مليون اشتراك خلوي نشط في المملكة العربية السعودية، تعادل 134.1 في المئة من إجمالي السكان. ومن أكثر منصات التواصل الاجتماعي استخدامًا في المملكة العربية السعودية تيك توك بواقع 35.10 مليون مستخدم من سن 18 عامًا وما فوق، ثم يوتيوب بعدد 28.30 مليون مستخدم، وسناب تشات بعدد 22.64 مليون مستخدم، وإنستغرام بعدد 16.30 مليون مستخدم، ثم إكس (تويتر) بعدد 16.84 مليون مستخدم ، وفيسبوك 14.60 مليون مستخدم ، وماسنجر فيسبوك وصل إلى 9.60 مليون مستخدم ، ولينكد لها  8.90 مليون مشترك في المملكة.

وقبل أن نبدأ في مناقشة الجوانب السلبية لمنصات وتطبيقات التواصل الاجتماعي من المهم أن نبين ميزات تلك المنصات والتي تجعلها جاذبة للمستخدمين، حيث تشمل تلك الميزات سرعة الحصول على المعلومات، والتواصل والتفاعل الاجتماعي، ومشاركة المحتوى وسهولة البث المباشر، وسهولة الترويج والتسويق، إمكانية الانضمام للمجتمعات ذات الاهتمام الواحد، وتعميق مفاهيم الحريات الفردية وغيرها من الميزات. وعلى الرغم من هذه المميزات إلا أن منصات التواصل الاجتماعي، تشتمل أيضًا على بعض العيوب والتحديات، ومنها: إدمان مستخدميها عليها، والتأثير السلبي على الصحة البدنية والنفسية، وضياع الوقت وقلة الإنتاجية، والضغط الاجتماعي الذي يتطلب المشاركة الدائمة، والاستخدام غير الآمن للأطفال والمراهقين، والتأثير السلبي على العلاقات الإنسانية الحقيقية، وخطورة الهجمات الإلكترونية والاحتيال، وانعدام الخصوصية والأمان، وأخيرا انتشار المعلومات الزائفة أو المضللة.

والتضليل في وسائل التواصل الاجتماعي، يعني نقل معلومات غير صحيحة أو مضللة على شكل أخبار مزيفة أو تحريف للحقائق أو تشويه للمعلومات، بهدف التأثير على الرأي العام، أو تحقيق أهداف سياسية، أو اقتصادية أو غيرها من الأهداف، كما يشمل التضليل التلاعب بالمعلومات لتشويه الحقائق أو توجيه الرأي العام بطريقة مغلوطة. وقد أشار الباحث الفرنسي (فرانسوا جيريه) إلى أن التضليل الإعلامي قد يكون مشروع منظم ومخطط، يهدف إلى تشويش الأذهان، والتأثير على العواطف والمخيلة، كما يهدف إلى إدخال الشكوك وخلق الاضطراب، وهدم المعنويات، ويعمل ذلك التضليل على جميع المستويات، ابتداء من أصحاب القرار حتى الموظفين العاديين، كما يجعل من وسائل الإعلام أدوات نشر وتعميم رسائل تضليلية اتجاه الرأي العام. [iii]  وفي هذا الإطار أشارت دراسة (2009 ,Fallis) ، إلى أنه ، وفي العادة ، ما يتم اعتبار المعلومات المُضَلِّلة نشاطًا حكوميا عسكريًا. وذكرت أن الحكومة الأمريكية لا تكذب، لكنها تشارك في نشر معلومات مُضَلِّلة، وأن هذه المعلومات المُضَلِّلة متعمدة، ويتم ترويجها علنًا أو يتم تسريبها من قبل حكومة ما، أو من قبل وكالة استخباراتية، كما يمكن للمنظمات الأخرى أيضًا إنتاج معلومات مُضَلِّلة عن عمد، وكذلك الأفراد يمكن أن يكونوا مصدرًا للتضليل، ومن بين هؤلاء الصحفيون. [iv] ويرى موقع المنصة الوطنية الموحدة أن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بمثابة بؤر لانتشار الأخبار الزائفة والمضللة، وهي المصادر الأساسية للمعلومات في كثير من الأحيان، وقد لا يتحقق الأشخاص ما إذا كانت المعلومات صحيحة أم لا. ويعرًف الموقع “الأخبار الكاذبة” أو “المعلومات الكاذبة” على أنها أخبار أو روايات أو خدع يتم نشرها بشكل متعمد؛ لتضليل القارئ بحقائق، أو حجج، أو إشاعات، أو حقائق غير مكتملة الأركان، أو أكاذيب تزعزع وتؤثر على الرأي العام. [v]  وصنف ذلك النوع من الأخبار إلى عدة أنواع على النحو التالي: طُعم النَقرة (Clickbait) وهي محتوى غير صحيح عادةً ما يتضمن عنوان ملفت، يهدف إلى كسب المزيد من زوار الموقع لأغراض اقتصادية، والعناوين المضللة، والمحتوى الاحتيالي عند انتحال هوية مصادر حقيقية، والدعاية والترويج لوجهات نظر سياسية معينة، والمحتوى الساخر لخداع شخص معين أو مجموعات معينة في المجتمع، أو التلاعب بالمحتوى بمعلومات أو صور مخادعة. ومن هنا يمكن القول إن شيوع استخدام التضليل في وسائل الإعلام الاجتماعي يعتمد على ركيزتين، الأولى تتمحور في الدعاية السوداء التي تستهدف التأثير في عقول أفراد المجتمع وعواطفهم، والثانية ترتكز إلى ترويج الشائعات التي تبث الأخبار المغلوطة أو تعم المبالغة أو التهويل، وبالتالي لا تحمي المتلقي من التضليل والخداع.[vi]

هذه التصنيفات السابقة تتفق بشكل كبير مع نتائج دراسة حديثة للشمري والصريصري (2023 ) [vii]، مفادها أن شبكات التواصل الاجتماعي جاءت كأعلى الوسائل الاتصالية الأكثر استخداما في  مجال التضليل متفوقة على المواقع الإلكترونية والاتصال الشخصي ووسائل الإعلام التقليدية ، كالتلفزيون والإذاعة والصحافة. وعن الوسائل نفسها خرجت الدراسة بنتائج هامة تفيد بأن الواتس أب و ( X ) تويتر كانا أكثر شبكات التواصل الاجتماعي استعمالا في مجال التضليل ، وفقا لينة الدراسة،  تلاهما الإنستغرام ، واليوتيوب والفيس بوك ، و لينكد إن. وفسر الباحث ذلك بأن الواتس أب هو شبكة يتناقل الأفراد والمجموعات المعلومات من خلالها دون السيطرة على مضامينها، وبسبب تناقلها بسرعة يختفي مصدر المعلومات ضمن السلسلة ويتم تناقل المعلومات دون معرفة المصدر. أما تويتر فقد سجل المرتبة الثانية من حيث إمكانية استخدامه في التضليل، وهذا ربما يعود إلى طبيعة شبكات التواصل الاجتماعي التي يتم فيها تداول المعلومات دون التأكد من مصادرها أو دقتها وصحتها. وعن المجالات الأكثر عرضة للتضليل، جاء المجالات الدينية والاقتصادية والسياسية.

وعن أهم أساليب الأكثر استخداما في التضليل في وسائل التواصل الاجتماعي، كان استخدام الشائعات في المرتبة الأولى، ثم جاءت فبركة الصور والفيديوهات، تلتها فبركة الأخبار، ثم قرصنة مواقع الإلكترونية وتغيير محتواها ، وعرض أدلة مفبركة ، واستخدام التهويل والمبالغة ، استخدام أنصاف الحقائق ، استخدام معلومات وأحداث واقعية وإخراجها من سياقها الصحيح ، مخاطبة العواطف والمشاعر ، الربط المزيف بين حقائق أو أحداث بشكل تعسفي ، استخدام الحقائق والمعلومات الدقيقة. كما خرجت الدراسة أن هناك أسبابا ساهمت في عمليات التضليل الإعلامي تمثلت في سرعة تناقل المعلومات عبر شبكات التواصل الاجتماعيّ والتي جاءت في المرتبة الأولى، ثم عدم تحقق الجماهير من المعلومات قبل نشرها، ثم سهولة تمرير المعلومات المضللة ومشاركتها عبر هذه الشبكات، وسهولة قرصنة المواقع وتغيير محتواها. كما كان بطء التعامل مع المعلومات المُضَلِّلة ودحضها، وتباين المستويات التعليمية والثقافية لأصحاب الحسابات على الشبكات، وتنوع الأساليب التي يظهر فيها التضليل مما يصعب التنبه لها من قبل المتلقين لتلك المعلومات من بين الأسباب الهامة للمساهمة في التضليل على تلك المنصات.

وقد استشهد الباحث بعدد من الدراسات للدلالة على أنواع التضليل المنتشرة في منصات التواصل الاجتماعي، ومنها دراسة سكوت وإدي (2017)  ,Eddy & Scott” وعنوانها ” أوروبا تكافح عدوًا جديدًا للاستقرار السياسي يتمثل في الأخبار المزيفة” والتي ذكرت أن صحفا وقنوات أوروبية تسعى لأحداث عدم استقرار سياسي في أوروبا، بسبب الأخبار المزيفة والمعلومات المغلوطة والشائعات التي يطلقونها. ورصدت الدراسة 12 ألف منصة إعلامية على فيسبوك وتويتر تقوم بنشر تقارير يومية ونشرات إخبارية أسبوعية عن قصص مزيفة بالإضافة الى تقارير العنف التي تحارب اللاجئين السلمين وتصويرهم على أنهم إرهابيون. وتقول الدراسة إن هذه المعلومات ًّ التي تنتشر يوميا أثرت على الدول الأوروبية، وجعلت منها ساحة للاحتجاجات والمظاهرات والهجمات المسلحة بسبب ما يحدث من خطاب كراهية عارِ عن الصحة تجاه الأقليات، وتتحدث الدراسة عن أن هناك مخاوف تتقاسمها حكومات كثرية من احتمال تحول الأخبار المزيفة إلى أسلحة سياسية [viii]. كما أورد الباحث دراسة ساليشيا (2021)  Salecha المعنونة: دراسة تجريبية ِّلمنهج البيانات الضخمة في ضل انتشار المعلومات” والتي أكدت أن الشبكات الاجتماعية مثل تويتر وفيس بوك جعلت العالم مكانا ً أكثر ارتباطا، وأصبحت حالة لا غنى عنها في حياة الناس. ومع ذلك، فقد أصبحت هذه الشبكات بيئات مواتية لنشر الأخبار المزيقة. وأشارت الدراسة أن هذه الشبكات تعاني من الروبوتات الآلية التي تعمل كمحفزات لنشر المعلومات الخاطئة أو المضللة. وقد اقترحت الدراسة تصورا لتصفية الروبوتات من مجموعات البيانات هذه، من خلال البناء على أحدث تقنيات اكتشاف الروبوتات الحالية وآلية لاكتشاف أجهزة نشر الأخبار الوهمية.[ix]

أساليب التضليل في منصات التواصل الاجتماعي

تعددت أساليب التضليل في الوسائل الإعلامية بشكل عام وفي منصات التواصل الاجتماعي، بشكل خاص، ولكن يمكن إجمالها في الأساليب التالية:

  1. أسلوب التكتم التام

يعني هذا الأسلوب عدم نشر أي معلومات، أو تقارير، أو أخبار، أو صور، أو مقاطع حول حدث معين أو قضية معينة، حيث يتم تجاهل الموضوع المطروح بشكل تام، وكأنه لم يحدث على أرض الواقع لأسباب تخدم هدف المصدر نفسه، ولعل التجارب التي نمر بها في منطقة الشرق الأوسط من حروب ومشاكل تؤكد هذا. ويتم تطبيق هذا الأسلوب عندما تكون هناك معلومات حساسة أو موضوعات حساسة يرغب المصدر عدم نشرها لتحقيق غايات معينة نزيهة كالحفاظ على الأمن والسرية أو خصوصية الأفراد، أو لأهداف خبيثة كإلحاق الإضرار بجهة، أو دولة معينة ،أو مجتمع أو فئة معينة.

  1. أسلوب التكتم الجزئي

يقصد به الإشارة الى جزء محدد من الموضوع أو القضية بما يخدم أهداف وغايات الحساب أو مصدر الخبر أو المادة. وهنا لا يتم الكشف عن كل التفاصيل أو المعلومات المتعلقة بقصة معينة أو حدث ما، بل يتم اختيار بعض المعلومات لنشرها وعدم نشر كل التفاصيل لأسباب متعددة قد تكون سياسية، أو دينية أو اجتماعية، أو غيرها من الأسباب.

 

  1. الأسلوب الانتقائي

هو عملية اختيار وتقديم الأخبار أو المعلومات أو الصور أو المقاطع بشكل يعكس انحيازًا معينًا من قبل المصدر. في عملية يتم من خلالها اختيار المواضيع وتقديمها بطريقة تعبر عن وجهة نظر معينة أو تؤثر في تفسير القضايا والأحداث بطريقة معينة، ويتم تجاهل الأخبار التي تتعارض مع تلك المواقف، أو تعرضها بشكل سلبي. وهذا سيؤثر على فهم الجمهور للقضايا والأحداث، وقد يؤدي إلى تشويه الصورة الكاملة للوقائع أو تشويهها.

  1. أسلوب التهويل

أسلوب التهويل والتضليل يشير إلى تضخيم القضايا أو المواضيع بطريقة مبالغ فيها أو مغايرة للحقيقة، بهدف جذب انتباه الجمهور أو توجيههم نحو وجهة معينة. ويمكن أن يكون لهذا الأسلوب تأثير سلبي على فهم الجمهور للأحداث والقضايا، فريما يؤدي إلى انتشار المعلومات الخاطئة وزيادة الانقسامات بين أفراد المجتمع. يشمل هذا الأسلوب تضخيم الخطورة، وذلك بتضخيم حجم القضايا أو الأحداث لجعلها تبدو أكثر خطورة مما هي عليه في الواقع، مما يؤدي إلى إثارة الهلع والقلق بين الجمهور واستخدام مصطلحات وعبارات مبالغ فيها لوصف الأحداث بطريقة تجعلها تبدو أكثر تأثيرًا مما هي عليه في الواقع ، واختيار المعلومات بطريقة مغايرة لتشويه الحقائق وتوجيه الجمهور نحو وجهة معينة من وجهات النظر ، وتحريف الحقائق ، أو تقديمها بشكل غير دقيق لخدمة أجندا معينة.

  1. أسلوب الإغراق بالمعلومات

أسلوب الإغراق بالمعلومات يهدف الى زيادة ونشر كمية المعلومات أو الصور أو التقارير أو المقاطع المتاحة بشكل مكثف وسريع ، عن قضايا هامة أو لإخفاء المعلومات السلبية، وذلك بهدف التأثير على وجهات نظر الجمهور أو تشتيت انتباههم أو إبهارهم أو حتى إخفاء المعلومات الهامة بين الكم الهائل من المعلومات المرسلة من المصدر. ويتم ذلك من خلال تكرار المعلومات سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة، بهدف ترسيخها في أذهان الجماهير، وزيادة قبولها أو تأثيرها عليهم ، وتضخيم بعض القضايا أو الأحداث لإثارة الجدل والضجة حولها، وتقديم مجموعة كبيرة ومتنوعة من المعلومات بسرعة، مما يجعل من الصعب على الجمهور تحليلها وفهمها بشكل كامل.

  1. أسلوب التحليلات والمقالات الموجهة

وهي أنواع من الكتابات الصحفية أو الإعلامية والتي تعبر عن آراء وتوجهات معينة بدلاً من تقديم تقارير محايدة أو حقائق. هذه الأنواع من الكتابات والتحليلات غالبًا ما تكون موجهة نحو إقناع القراء بآراء معينة أو توجهات، وقد تكون “ملونة” بالرأي الشخصي والتقديرات الشخصية للكاتب أو المصدر. وتشمل مقالات الرأي، التي تعبر عن وجهة نظر شخصية أو مجموعة معينة تجاه موضوع معي، إضافة إلى تحليلات الأخبار، وتعتمد على تحليل الأحداث والمواضيع وتقديم تفسيرات وتحليلات لها وتحمل طابعًا شخصيًا للكاتب أو المصدر. وهناك ، أيضا،  التعليقات على الأخبار وتقدم آراء وتحليلات حول الأحداث الجارية أو المواضيع الهامة وتخضع لآراء وتوجهات المصدر. ثم تأتي المقالات الاستطلاعية والتي تعتمد على استطلاع آراء الجمهور حول موضوع معين، وتعكس وجهات النظر المتنوعة والمتعددة بشأنه والتي يراد إبرازها، مع إغفال ما يتعارض منها مع توجهات وسياسات المصدر.

جهود دولية لمواجهة التضليل الإعلامي في منصات التواصل الاجتماعي

كما اتضح لنا، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا أساسيا من حياة البشر، ومع ذلك، يشهد العصر الرقمي ظاهرة متزايدة للتضليل والتلاعب عبر هذه الوسائل، مما يثير قلقًا بشأن الآثار السلبية على الدول والمجتمعات والأفراد. واستشعارا لتلك الجوانب الخطرة، قامت عدد من الدول والمنظمات بمحاولة للسيطرة على وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي، وهذه بعض الأمثلة الواقعية من مختلف دول العالم:

فقد أصدر الاتحاد الأوروبي قانونا، تحت مسمى ، القانون الأوروبي للخدمات الرقمية،  في شهر أغسطس من عام 2023م ، والذي يلزم عمالقة الإنترنت بحماية المواطنين الأوروبيين من المعلومات الكاذبة والمضللة وخطابات الكراهية والعنف باتخاذ إجراءات صارمة ضد المنشورات التي تحتوي معلومات غير قانونية. وطلب من الشركات مزيدا من الشفافية فيما يتعلق بخدماتها والخوارزميات واختيار الإعلانات. طال القانون، ابتداء من شهر أغسطس 2023م عدد 19 منصة رقمية “كبيرة جدا” من بينها علي بابا ، إكسبرس ، وأمازون ستور،  وأبل آبستور ، وبوكينغ دوت كوم ،  وفيس بوك وإنستغرام،  المملوكتين من ميتا ، وغوغل مابز ، وبلاي ، وشوبينغ ، ولينكد إن وبينتريست ، وسناب تشات وتيك توك،  وتويتر (إكس حاليا) وويكيبيديا ، ويوتيوب،  وزالاندو ، وبينغ ومحرك بحث غوغل. وستخضع الشركات لتدقيق حسابي سنوي وستُفرض على منتهكي قانون الأسواق الرقمية غرامة تصل إلى 6 بالمئة من إيراداتها العالمية السنوية. كما تفرض القواعد الجديدة على الشركات توفير نظام سهل الاستخدام للأشخاص للإبلاغ عن المحتوى غير القانوني ومنح المستخدمين خيار إلغاء خاصية رؤية المحتوى الذي يظهر على منصاتهم الاجتماعية بناء على الملفات الشخصية التي يتم إنشاؤها من خلال مراقبة استخدامهم الشخصي للإنترنت. وسيتم تطبيق القانون التنظيمي على جميع الخدمات الرقمية اعتبارا من فبراير 2024.[x]

كما بدأت الحكومة اليابانية بمناقشة مشروع قانون لفرض قيود جديدة على منصات التواصل الاجتماعي، إذ يلزم مشغلي المنصات بحذف المحتوى المسيء إلى سمعة الأفراد والشركات، بطريقة أسرع وأكثر شفافية. وستطلب من الشركات المالكة لمنصات التواصل، خاصة «يوتيوب» و«ميتا» و«إكس»، الكشف خلال فترة زمنية محددة، لمقدمي طلبات الحذف عما إذا كانت المنشورات التي ضايقتهم، قد تمت إزالتها أو أسباب رفض طلبهم. مشروع القانون سيتضمن بنود تلزم الشركات بتوعية المستخدمين بطريقة الإبلاغ عن المنشورات المسيئة بشكل يسهل على المستخدمين تقديم طلبات حذفها، مع توضيح الجهة المسؤولة عن تلقي تلك الطلبات وكيفية التواصل معه. وتكشف الإحصائيات أن وزارة الداخلية اليابانية قد تلقت أكثر من 5700 بلاغ عن المنشورات المسيئة عبر منصات التواصل الاجتماعي خلال عام 2022، فيما حذفت منصة يوتيوب 100 ألف مقطع فيديو في اليابان خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023 بسبب انتهاكها القواعد والضوابط الخاصة.[xi]

وفي أوغندا، أقر البرلمان الأوغندي، في عام 2018، مشروع قانون يفرض ضريبة على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. ويفرض القانون الجديد مبلغ 200 شلن (5 ما يعادل بنسات) ضريبة يومية على مستخدمي تطبيقات المراسلة من أمثال فيسبوك وواتسآب وفايبر وتويتر. وحض الرئيس الأوغندي، يوري موسفني، على تبني تلك التغييرات، مشيرا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تشجع الإشاعات والنميمة. [xii]

وفي فرنسا، أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى إمكانية إغلاق الشبكات الاجتماعية إذا تدهور الوضع في البلاد في أثناء موجه الشعب والاحتجاجات العرقية، التي عمت المدن الفرنسية في شهر جولاي من الماضي 2023. وقال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، أوليفييه فيران، أنداك، بأن الحكومة الفرنسية تعتزم تشكيل مجموعة برلمانية من الأحزاب المختلفة للنظر في فرض قيود على وسائل التواصل الاجتماعي في حالة حدوث أعمال شغب جماعية. وأضاف فيران أنه خلال أعمال الشغب، يمكن تعطيل العديد من ميزات منصات التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال تحديد الموقع الجغرافي، والذي «يسمح للمستخدمين بالتجمع في مكان معين ومشاركة المواقع». وأشار إلى أنه خلال الاضطرابات تلك طلبت الحكومة من منصات وسائل التواصل الاجتماعي إزالة المنشورات التي تحرض على العنف، وعلى الفور، ومنع المستخدمين من إخفاء هويتهم عند وقوع الجرائم.[xiii]

وفي تركيا، في عام 2019 ،  طلب الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” التي أدلى بها بين أعضاء حزب العدالة والتنمية حول الحاجة إلى مراقبة وإنشاء آليات مناسبة لفرض قيود جديدة على مواقع التواصل الاجتماعية في البلاد، وقال إن “أنقرة ستضع قواعد للتحكم بمنصات التواصل الاجتماعي أو إغلاقها، جاء ذلك عقب تصريح له قال فيه إن عائلته تعرّضت للإهانة على الإنترنت”. وفي حديثه لأعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم، أكد “أردوغان” أن الحزب سيقدّم لوائح جديدة لمراقبة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، مضيفا أن زيادة “الأعمال غير الأخلاقية” على المنصات في السنوات الأخيرة ترجع إلى عدم وجود قواعد تنظيمية. كما أن “هذه المنصات لا تليق بهذه الأمة. نريد إغلاقها ومراقبتها عن طريق طرح (مشروع قانون) على البرلمان في أقرب وقت ممكن”، وقال “نريد من البرلمان أن يزيل ويسيطر على قنوات التواصل الاجتماعي بشكل كامل”. [xiv]

وفي ألمانيا، صدر في عام 2018 م،  قانونا يقضي بإنزال غرامة مالية تصل لـ 50 مليون يورو على مواقع التواصل الاجتماعي ما لم تزل الأخبار المزيفة، والمواد المحرضة على الكراهية، وتلك المخالفة للقوانين بشكل عام.  والتزاما بذلك القانون حجبت السلطات الألمانية حساب مجلة (تايتانيك) الساخرة على تويتر، بسبب تغريدة تحوي اقتباساً لتصريح منسوب لبيتريكس فون ستورج، نائبة رئيس الحزب اليميني المتطرف، البديل لألمانيا، تتهم فيه الشرطة بـ “استرضاء حشود من المسلمين المغتصبين البرابرة” – باللغة العربية.[xv]

وفي المملكة العربية السعودية هناك جهود كبيرة ومتواصلة لمواجهة التضليل في منصات التواصل الاجتماعي، حيث شهدت تلك الوسائل نمواً هائلاً خلال السنوات الأخيرة. فقد قامت بتشكيل عدد من الهيئات المعنية وإصدار القوانين والتشريعات لمعاقبة نشر المعلومات الزائفة والتضليل عبر الإنترنت وعلى وسائل التواصل الاجتماعي كقانون مكافحة جرائم المعلوماتية، وقوانين النشر الإعلامي المختلفة، وقوانين التصوير وغيرها من القوانين التي تمس النشر بمختلف مجالاته وأنواعه. كما قامت المملكة بإنشاء المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) ، كمركز عالمي مهمته تحليل البيانات والمعلومات المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي بشكل مستمر ، لمكافحة التطرف ، وتحليل الفكر المتطرف، والتحذير من المحتوى المضلل. كما تم إنشاء هيئات أخرى كهيئة الحكومة الرقمية و الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات ، والهيئة الوطنية للأمن السيبراني و هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية، تعمل وبشكلٍ مترابط لتطوير إطار تنظيمي لمنع تداول ونشر الأخبار المضللة والكاذبة ، وتلعب دورًا مهمًا في مراقبة وتنظيم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة. وفي المجال الإعلامي تحديدا، تقوم المملكة ممثلة، في وزارة الإعلام والهيئات التابعة لها ، كالهيئة العامة لتنظيم الإعلام ، بتعزيز وتطوير وتقديم الدعم المباشر وغير المباشر لوسائل الإعلام الرسمية والموثوقة، سواء كانت وسائل إعلام تقليدية أو رقمية، بهدف توفير مصادر موثوقة للمعلومات والأخبار التي تعكس الواقع بشكل دقيق وموضوعي وتقديم تحليلات موضوعية وموثوقة للأحداث والقضايا ومراقبة ومكافحة التضليل والإشاعات في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. والمتابع للشأن الإعلامي السعودي يرى أن المملكة في وزارة الإعلام تدعم القنوات السعودية بشكل متواصل، كما أن التطوير الملاحظ يشمل جميع جوانب الإنتاج والإخراج وكذلك تطوير المجال الرقمي ، حيث  كان تدشين معالي وزير الإعلام لمنصة سعودي بيديا ، في شهر فبراير الماضي 2024 ، نموذجا واضحا على ذلك الدعم للمنصات الرقمية التي يراد لها أن تقوم بدور محوري ضمن المنصات الرقمية الأخرى لمختلف الهيئات والقطاعات الحكومية السعودية.

أساليب مواجهة التضليل في منصات التواصل الاجتماعي

من الواضح أن مواجهة التضليل، في وسائل التواصل الاجتماعي، تتطلب تعاونا ، وجهودا حثيثة ، وتنسيقًا شاملاً ودائما بين الدول ، وشركات الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي ، والمجتمع المدني ، والأفراد، بما في ذلك تشجيع الشفافية وتعزيز التثقيف وتطبيق السياسات الفعّالة لمكافحة هذه الظاهرة المتنامية. وهنا يمكن تقسيم تلك الجهود الى جهود حكومية، وجهود اجتماعية وجهود فردية.

السياسات والجهود الحكومية

  • يمكن للحكومات اتخاذ تدابير قانونية لمكافحة التضليل على الإنترنت، مثل إصدار التشريعات والقوانين وملاحقة مصادر ومنصات تلك المعلومات المضللة، كتلك التي اتخذتها عدد من الدول والاتحاد الأوربي المذكورة في هذه الدراسة أو تجربة المملكة العربية السعودية في هذا المجال.
  • التعاون مع شركات التواصل الاجتماعي لتطوير سياسات وآليات لمكافحة التضليل والإشاعات على منصاتها. ويتضمن هذا التعاون تبادل المعلومات والبيانات حول الحسابات والمحتوى المشبوه والمضلل، وتنفيذ إجراءات لإزالة هذا المحتوى وتقييم نشره.
  • التعاون مع الدول المختلفة لإنشاء مراصد لمكافحة الأخبار الزائفة والتضليل الإعلامي واتباع أفضل السبل لمواجهته، وقد يستفاد من التجارب الناجحة في بعض الدول.
  • تطوير التقنيات والأدوات الرقمية لمكافحة التضليل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك استخدام الذكاء الاصطناعي ، والتحليل البياني لتحديد المعلومات المضللة ، وتقديم الحلول الفعالة واستقطاب الخبرات التقنية والفنية لمواجهة ظاهرة التضليل عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي.
  • المساهمة في محو الأمية الرقمية بين المواطنين، من خلال تعزيز التعليم ورفع الوعي بينهم بالمعلومات المضللة والمشكوك فيها.
  • تقديم إعلاما وصحافة عالية الجودة من أجل بناء ثقة الجمهور، وتصحيح الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة بشكل سريع ودقيق.
  • تطوير برامج تدريبية للعاملين في المجال الإعلامي للارتقاء بالمعايير المهنية في صناعة الإعلام.
  • إطلاق حملات إعلامية وعقد ورش عمل، وندوات توعوية وتثقيفية لتوعية مختلف شرائح المجتمع بخطورة التضليل في وسائل التواصل الاجتماعي، وتعزيز الوعي بأساليب التلاعب التقنية ، أهمية التحقق من صحة المعلومات قبل نشرها أو مشاركتها.
  • تشجع المواطنين والمقيمين على الإبلاغ عن المعلومات المضللة والإشاعات التي يتم رصدها على وسائل التواصل الاجتماعي، على أن تقدم آليات عملية للإبلاغ السريع ومعالجة البلاغات بشكل فعال. ومثال على ذلك الحملة الإعلامية ( بَلّغْ ) التي تنفذها الهيئة العامة لتنظيم الإعلام في المملكة ، هذه الأيام ، لدعوة المواطنين والمقيمين للإبلاغ عن أي محتوى إعلامي مخالف في وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي.

أدوار شركات التكنولوجيا ومنصات التواصل

  • يمكن لشركات التكنولوجيا تطوير أدوات وتقنيات للكشف عن المعلومات المضللة والتصدي لها، بما في ذلك استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات.
  • تبنى شركات التكنولوجيا معايير صارمة لمكافحة التضليل وضمان شفافية العمليات والسياسات.
  • الاستثمار في الأدوات التي تحدد الأخبار الزائفة، وزيادة الحوافز المالية لأولئك الذين يساهمون مع الشركات في التصدي والإبلاغ عن المعلومات ومصادر الأخبار المضللة.

الدور الاجتماعي

  • تبني مؤسسات المجتمع المدني أدورا فاعلة والمساهمة في مكافحة التضليل عن طريق التبليغ عن المعلومات المضللة وتعزيز الوعي بالتحقق من الأخبار والمعلومات قبل نشرها.
  • قيام المؤسسات الإعلامية والتعليمية والاجتماعية، كجزء من أدوارها الوطنية والاجتماعية، بالتثقيف الجماهيري وتعزيز المقاومة ضد التضليل وتمكين الأفراد من اتخاذ قرارات مستنيرة استنادًا إلى معلومات دقيقة وموثوقة، من خلال عقد المؤتمرات والندوات واللقاءات والدورات وورش العمل والفعاليات الأخرى.
  • وأخيرًا يبقى الدور الحاسم والمهم للأفراد، والذي يتمثل في متابعة المصادر الموثوقة للأخبار والمعلومات، والتعامل بحذر مع ما يقرؤونه ويشاهدونه وينشرونه.

 

المراجع

[1] موقع ديتا ريبورتال ، تقرير يناير ، 2024 ،  https://datareportal.com/reports/digital-2024-global-overview-report

[1] موقع ديتا ريبورتال ، تقرير يناير ، 2024 ،  https://datareportal.com/reports/digital-2024-global-overview-report

[1]  فتاح، أيوب رمضان، و صالح، محمد صبري. (2022). تقنية القناع وآلية التضليل الإعلامي في وسائل التواصل الاجتماعي. مجلة الدراسات المستدامة، مج,4 ع4 ، ص 1307 ، https://search-mandumah-com.sdl.idm.oclc.org/Record/1336633

[1] الشمري، خالد ، و الصرايرة، محمد ، 2023، اتجاهات الأكاديميين والصحفيين القطريين نحو أساليب التضليل الإعلامي ووسائله: دراسة مسحية. مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية، مج,14 ع،1 43 – .60 مسترجع من  https://search.mandumah.com/Record/1408979

[1] المنصة الوطنية الموحدة، 2024،  الإبلاغ عن الأخبار الكاذبة https://www.my.gov.sa/wps/portal/snp/careaboutyou/report- fake-news/!ut/p/z1/jZDLDoIwEEW_hi0zRajorj4gQbGKitiNQYOVBKgBlN_XqBuNr7ubyTnJzQUBEYgiPqcyrlNVxNn1Xgu6MYjvugQNjiGnSA0nmAwHFrEcE1Y3wJvaJmFIOG9ZPZz1_TZn85AgWiD-8fFDGP72xQtCww7OFsE8GFDfG42NB_Ct4g340sEDITO1ve_Bim3LliDKZJ-USamfyuv7UNfHqquhhk3T6FIpmSX6TuUavlMOqqoheibhmC8jTKf5yq7YBaSkYLE!/dz/d5/L0lDUmlTUSEhL3dHa0FKRnNBLzROV3FpQSEhL2Fy/

[1] كريغ سيفرمان ،1441،  دليل التحقيق من عمليات التضليل والتلاعب الإعلامي – آليات التحقيق على المنصات الرقمية والتحري عن حسابات التواصل الاجتماعي للكشف عن الأنشطة الموجهة وعمليات التلاعب بالمحتوى ، ترجمة: محمد زيدان ،ط1 ، معهد الجزيرة ، 4141 ، ص.4

[1] الشمري، خالد ، و الصرايرة، محمد، 2023، اتجاهات الأكاديميين والصحفيين القطريين نحو أساليب التضليل الإعلامي ووسائله: دراسة مسحية. مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية، مج,14 ع،1 43 – .60 مسترجع من  https://search.mandumah.com/Record/1408979

[1] الشمري، خالد ، و الصرايرة، محمد، 2023، اتجاهات الأكاديميين والصحفيين القطريين نحو أساليب التضليل الإعلامي ووسائله: دراسة مسحية. مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية، مج,14 ع،1 43 – 60. (الاستشهاد بصفحة 46 ) مسترجع من  https://search.mandumah.com/Record/1408979

[1] الشمري، خالد ، و الصرايرة، محمد ، 2023، اتجاهات الأكاديميين والصحفيين القطريين نحو أساليب التضليل الإعلامي ووسائله: دراسة مسحية. مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية، مج,14 ع،1 43 – 60 (الاستشهاد بصفحة 48 )  مسترجع من  https://search.mandumah.com/Record/1408979

[1] فرنسا 24 ، 2023،  قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي يدخل حيز التنفيذ  https://www.france24.com/ar/%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7/20230825-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%AF%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%82%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A-%D9%8A%D8%AF%D8%AE%D9%84-%D8%AD%D9%8A%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%81%D9%8A%D8%B0

 

[1] صحيفة الخليج ، 2024، اليابان تستعد لفرض قيود جديدة على منصات التواصل الاجتماعي، https://www.alkhaleej.ae/2024-01-15/%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%AF-%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%B6-%D9%82%D9%8A%D9%88%D8%AF-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%B5%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A/%D9%85%D8%AD%D8%B7%D8%A7%D8%AA/%D9%85%D9%86%D9%88%D8%B9%D8%A7%D8%AA

 

[1] بي بي سي نيوز ، 2018م ، أوغندا تفرض ضريبة على استخدام فيسبوك وواتسآب “لوقف النميمة والشائعات”

https://www.bbc.com/arabic/business-44325994

[1] صحيفة الوطن ، 2023، الحكومة الفرنسية تبحث فرض قيود على وسائل التواصل https://www.alwatan.com.sa/article/1129703

[1] موقع الوقت الإلكتروني ،1441، إمكانية فرض قيود جديدة على مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا https://alwaght.net/ar/News/179177/%D8%A5%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D8%B1%D8%B6-%D9%82%D9%8A%D9%88%D8%AF-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%B5%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7

[1] بي بي سي نيوز ، 2018، هل باتت مواقع التواصل الاجتماعي مرتعا للعنف ، https://www.bbc.com/arabic/interactivity-42572409

 

 

 

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول د. محمد الثقفي

مقدمة

يعد التضليل الإعلامي من أبرز مهددات الأمن الوطني لأية دولة، وله تأثيراته العديدة في عدد من المقومات، والمصالح الوطنية، وقد ازداد الاهتمام به مؤخرا لعدة عوامل، أبرزها: ازدياد تأثيراته في المجتمع المستهدف، وسهولة تنفيذه في الوقت الراهن مقارنة بالماضي، وتعدد أساليبه، والأهم أنه لم يعد يهتم بالبعد المكاني، والزماني بين الجهة التي تمارس التضليل الإعلامي، والجهة المستهدفة، وتكمن خطورته في أنه قد يستخدم العديد من نظريات التعليم، والإعلام، والتثقيف، وأساليبه بغية تغيير معارف المستهدفين، وقناعاتهم بمعلومات، وقناعات جديدة مخالفةٍ لما تم غرسه، ويتم تعزيزه من قبل المؤسسات المختصة في الدولة.

ويُعد التضليل الإعلامي سلوكًا مُجَرَّمًا على مستوى العالم؛ وفْقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم: (227/76)، وله منظماته المختصة، الدولية، والإقليمية والوطنية، والأهم أنه برزت جهود منظمات المجتمع المدني دولِيًّا في مواجهة هذه السلوكيات، والحيلولة دون تحقيق تأثيراتها العديدة، كما أن نظام الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية (مثلاً)، ونظام المطبوعات، والنشر، ونظام الإعلام المرئي، والمسموع الصادر حديثًا؛ فجميعها تحدد العقوبات التي يمكن تطبيقها على من يمارس هذه السلوكيات.

وفي هذا الإطار سيتم تناول عدد من المحاور التي تتمثل في أهمية مكافحة التضليل الإعلامي، وبعدئذٍ تناول مفهوم التضليل الإعلامي، وأساليبه، وأنواعه، وبعد ذلك سيتم تناول الآثار السلبية المترتبة على التضليل الإعلامي، وفي الأخير سيتم تناول أساليب مواجهة التضليل الإعلامي، وتجاربه.

١- أهمية مكافحة التضليل الإعلامي:

لمكافحة التضليل الإعلامي أهمية قصوى؛ سواء على مستوى الأفراد، أو المجتمعات، والأهم على مستوى المنظمات الحكومية، والخاصة، المعنية بالحماية من الآثار السلبية الناجمة عن التضليل الإعلامي، وبشكل مباشر تكمن أهميته فيما يأتي:

1- الحيلولة دون زيادة الانقسام الاجتماعي؛ وذلك خلال نشر الكراهية، أو إثارة التوترات بين مختلف المجموعات.

2- الحيلولة دون اتخاذ أفراد المجتمع قرارات خاطئة، مثل: التأثر بما يطرحه المضللون في الانتماء، والمواطنة.

3- الحيلولة دون تحقيق فرص التحريض على العنف، من خلال نشر المعلومات التي تدعو إلى العنف، أو الكراهية.

٢- مفهوم التضليل الإعلامي، وأدواته، وأساليبه:

يُقصد بالتضليل الإعلامي- عادةً- النشر المقصود بالمعلومات غير الصحيحة، أو المبالغ فيها، أو جُزْءٌ منها، والموجهة لفئة، أو مجتمع خاص، أو مستهدف؛ وذلك بهدف تحقيق مكاسب سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، وعادة يكون له آثار سلبية كبيرة على مستوى المجتمع، وعلى مستوى أفراده؛ بل على مستوى مؤسسات المجتمع.

وقد أصبح التضليل الإعلامي في الآونة الأخيرة، وبالذات مع بروز عصر الثورة الصناعية الرابعة مشكلة متزايدة بسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، والقنوات التلفزيونية العالمية؛ حيث يمكن للمنظمات المختصة، وحتى للأفراد نشر المعلومات بسرعة، وسهولة دون الحاجة إلى التحقق من صحتها؛ مما يجعل من الصعب على الجمهور التمييز بين المعلومات الصحيحة، والخاطئة.

وتقوم به منظمات مختصةٌ، ومحترفة في الدول، ويستهدف أفرادًا داخل الدولة، أو دولاً خارجها، ويعد أحد أهم القوى الوطنية الهجومية، والمؤثرة في الدولة، ويرتبط بعدد من المفاهيم، من أبرزها: الحرب النفسية، وبث الشائعات، والاستهداف المعنوي، وأخيرًا الدعاية السياسية، وأحيانًا يكون التضليل الإعلامي مرتبطًا ببعضها، وفي الوقت ذاته يكون مختلفًا عنها.

وتُعَدُّ الوحدةُ (8200) التابعة للجيش الإسرائيلي؛ وفقًا لـــ (اندبندنت) عربية إحدى أبرز نماذج التضليل الإعلامي التي تمارسها الدول لمهاجمة خصومها من الدول، والمنظمات، والأفراد، وتعتمد على التقنيات الحديثة في بث التضليل، وتغيير اتجاهات الجماهير المستهدفة نحو توجهاتها المخططة.

2/1- أدوات التضليل الإعلامي:

بالبحث التاريخي، والوصفي، والاستشرافِي عن أساليب التضليل يمكن رصد تطورها المستمر؛ وذلك تبعًا لتطور تقنيات الاتصالات، والمعلومات، ويمكن تصنيفها؛ وفقًا لما يأتي:

1- الأدوات القديمة:

استخدمت الوشايةُ المباشرة ضد الأشخاص عبر التاريخ التي تتضمن نقل معلومات مضللة عن الأشخاص المستهدفين، ولعل قصة الإفك التي وجهت إلى أم المؤمنين، وزوجة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عائشة بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- خير مثال، كما استخدمت الرسائل المكتوبة بين الناس التي تحوي معلومات مضللة في القيام بهذه المهام.

2- الأدوات التقليدية:

مع تطور وسائل الإعلام في العصر الحديث أُتِيحَ للمنظمات المختصةِ، والدول استخدام عددٍ من الأساليب عبر هذه الوسائل، ومن أبرزها:

1- الرسائل المكتوبة التي كان الناس يتناقلونها فيما بينهم.

2- الأخبار التي كانت تذاع عبر الإذاعات.

3- الأخبار التي تنشرها وكالات الأنباء الدولية، والإقليمية، والمحلية.

4- الأعمال الفنية: السينما، المسرح، المسلسلات التمثيلية.

5- الأخبار التي كانت تُذَاعُ، ولا تزال عبر قنوات التلفزة.

6- المعلوماتُ التي تعدها، وتنشرها بعض مراكز الدراسات، والبحوث.

7- المعلومات التي تبثها مخابرات الدول المعادية، وجيوشها إلى المجتمعات، والدول المستهدفة.

8- المعلومات المضللة التي يبثها الأفراد اجتهادًا، و قصدًا.

3- الأدوات الحديثة، والمستجدة:

وفقًا لمركزِ المعارف للدراسات المستقبلية، وإبراهيم بعزيز يمكن رصد عدد من الأدوات المستخدمة حديثًا، ومن أبرزها:

1- ما تنشره الجهات المشار إليها سابقًا، وعبر الوسائل التقليدية.

2- الإنشاء، والبث عبر منصات التواصل الاجتماعي.

3- المواقع الحقيقية، والمزيفة للمنظمات.

4- الحسابات المزيفة.

5- الرسائل التي تولدها برامج الذكاء الاصطناعي.

6- برامج التزييف العميق للصور، والأصوات للأشخاص المستهدفين.

ومن المتوقع أن تزداد أدوات التضليل الإعلامي ضراوة مع الاستخدام السلبي للذكاء الاصطناعي التوليدي.

2/3- أساليب التضليل الإعلامي:

هناك عدد كبير من أساليب التضليل الإعلامي وفقًا للبيرق الربيعي، وبدر الإبراهيم، من أبرزها:

1- نشر معلومات كاذبة، أو مضللة حول حدث، أو قضية.

2- استخدام المغالطات المنطقية، أو التلاعب النفسي لتغيير وجهات النظر.

3- حجب المعلومات، أو وجهات النظر المهمة.

4- نشر أخبار كاذبة حول القضايا الوطنية، أو السياسية.

5- نشر معلومات مضللة حول صحة، أو سلامة المنتجات، أو الخدمات.

6- نشر دعاية تروج لأفكار، أو أهداف معينة.

7- استمرار طرح المعلومة المظللة بغزارة، وفي أوقات مستمرة، أو متقطعة.

٣-الآثار المترتبة على التضليل الإعلامي.

للتضليل الإعلامي عدد من الآثار السلبية التي يمكن رصدها في عدد من المجالات؛ وفقًا لحنان كيلاني، وآخرين، من أبرزها:

3/1-الآثار الاجتماعية:

1- نشر الكراهية، والعنف ضد مجموعة معينة من المجتمع.

2- زيادة الانقسام الاجتماعي؛ وذلك من خلال نشر المعلومات التي تثير التوترات بين مختلف المجموعات الاجتماعية.

3- تقويض الثقة في المؤسسات الاجتماعية.

4- تعميق التصنيف السلبي، والتعصب ضد الآخر من فئات المجتمع.

5- تقليل مشاركة أفراد المجتمع، ومؤسساته في البرامج الاجتماعية.

6- تقليل إحساس أفراد المجتمع بانتمائِهم لمجتمعهم.

7- الشعور بالاغتراب عن قيم المجتمع.

3/2-الآثار السياسية:

1- تقويض الثقة في المؤسسات السياسية.

2- زعزعة النظام الاجتماعي، والسياسي؛ مما قد يؤدي إلى العنف، أو التمرد.

3- تغيير مواقف الجمهور تجاه بعض الدول الخارجية.

4- التحريض على العنف السياسي، والكراهية ضد مجموعة معينة من المجتمع.

5- الاستهداف، والاغتيال المعنوي لبعض القيادات السياسية، ورموز الدولة.

3/3-الآثار الاقتصادية:

1- انخفاض الثقة في الأسواق المالية، والتشكيك في الاستقرار الاقتصادي.

2- زيادة التقلبات في أسعار السلع، والخدمات؛ وذلك من خلال نشر المعلومات التي تثير الذعر، أو تؤدي إلى تغييرات في الطلب.

3- فقدان الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتشويه سمعة الاقتصاد، أو تجعل الاستثمار فيه يبدو غير آمن.

3/4- الآثار النفسية:

  1. الشعور بالقلق، والتوتر نتيجة نشر المعلومات التي تثير الذعر، أو تثير المخاوف.
  2. الشعور بالخوف، والاكتئاب نتيجة نشر المعلومات التي تثير المشاعر السلبية.
  3. انخفاض الثقة في الذات؛ وذلك من خلال نشر المعلومات التي تشكك في قدرات الفرد، أو قيمِهِ.

3/5- الآثار الصحية:

  1. اتخاذ الناس لقراراتٍ صحية خاطئة، مثل: رفض التطعيم، أو تناول الأدوية العشبية غير الآمنة.
  2. زيادة انتشار الأمراض نتيجة نشر المعلومات المضللة حول الأمراض، أَو العلاجات.
  3. انخفاض الثقة في المهنيين الصحيين نتيجة نشر المعلومات المضللة حول سلامة، أو فعاليةِ الرعاية الصحية.
  4. زيادة انتشار الأمراض نتيجة نشر المعلومات التي تشجع الناس على السلوكيات غير الصحية.
  5. انخفاض معدلات التطعيم؛ وذلك من خلال نشر المعلومات التي تشكك في سلامة، أو فعالية اللقاحات.
  6. زيادة الوفيات نتيجة نشر المعلومات التي تؤدي إلى اتخاذ الناس لقراراتٍ صحية غير سليمة.

4-أساليب، وتجارب مواجهة التضليل الإعلامي:

وفقًا لمركز القرار للدراسات الإعلامية، وإلهام مرسي يمكن تحديد أساليب مواجهة التضليل الإعلامي بالأساليب الآتية:

  1. إصدار، أو تطوير التشريعات التي تبرز أشكال التضليل الإعلامي، وأساليبه، والعقوبات التي تجرم ارتكابه.
  2. تطبيق العقوبات، ونشرها على ناشري المعلومات المضللة.
  3. توعية أفراد المجتمع بكيفية التثبت من المعلومات المغلوطة، والمضللة.
  4. إبراز المخاطر التي تترتب على تقبل المعلومات المضللة؛ سيما الصادرة من جهات خارجية.
  5. اختيار مختصين في التواصل المؤسسي، وتأهيلهم، والرد على أية معلومات غير حقيقية، أو لها أهداف ضارة بالدولة.
  6. التواصل المباشر، والشفاف مع الجمهور في حال الأزمات.
  7. الاستفادة من مراكز الدراسات، ومراكز الفكر في الوقاية من أساليب التضليل الإعلامي، والتقليل من تأثيراته.
  8. تضمين المناهج العلمية مخاطر التضليل الإعلامي، وكيفية التعرف عليه.

5-مقترحات الحد من التضليل الإعلامي:

من أهم المقترحات التي يمكن أن تحول ضد الآثار السلبية للتضليل الإعلامي ما يأتي:

  1. الدراسة العميقة الوصفية، والاستشرافيةُ لمدى قوة تأثيرات التضليل الإعلامي في المجتمع، والعمل المحكم على تخفيفها.
  2. تحصين المجتمع ضد أساليب التضليل الإعلامي، وصورِهِ.
  3. الاستفادة من التقنيات الحديثة في كشف أساليب التضليل الإعلامي، والرد الاحترافي عليها.
  4. توعية المجتمعات بالأهداف غير السوية التي يستخدمها المضللون ضد الكيان الاجتماعي، والوطني.

 

التعقيب الثاني د. مساعد المحيا

هنا جانبان أحسب أن الحديث حولهما مهمًّا، الأول- طبيعة التضليل وأساليبه، والثاني – ما يتعلق بمواجهة هذا التضليل …

أما الأول طبيعة التضليل:

فمن الطبيعي أن نواجه الكثير من أساليب التضليل؛ فهي جزء من مدافعة الحق والباطل … وهي قديمة قدم البشرية، لكن يبدو أننا نشعر بتضخم هذه الأساليب، وتعددها، وتنامِيها، ولعل أحد أسباب شعورنا الكبير تجاه ارتفاع حجم أساليب التضليل هو طبيعة مفهومنا، أو تعريفنا لها، أو تحسسنا المبالغ فيه في بعض الأحيان.

خاصة وأن كثيرًا من محتوى هذا التضليل يعد مادة مشرعنة لدى عدد من الدول، والورقة الرئيسة أشارت إلى أن المعلومات المُضَلِّلة قد تكون نشاطًا حكوميًّا عسكريًّا، أو استخباراتيًّا، كما أن بعض الحكومات، أو المنظمات قد تشارك في نشر معلومات مُضَلِّلة، ومثلهم المؤسسات الإعلامية، وبعض الصحفيين، والأفراد؛ إذ قد يكونون مصدرًا للتضليل؛ بل البعض من وسائل الإعلام، ومشاهير السوشيل ميديا عادةً ما يستخدمون عناوين لا فتة، أو صورًا مثيرة؛ وذلك بهدف كسب المزيد من زوار الموقع، وزيادة المشاهدات، والمتابعين.

وبما أن شبكات التواصل الاجتماعي تأتي في مقدمة الوسائل الاتصالية الأكثر استخدامًا في مجال التضليل متفوقة على المواقع الإلكترونية، والاتصال الشخصي، ووسائل الإعلام التقليدية؛ فإن ذلك يعني أننا نعيش في بحر متلاطم من المعلومات المضللة المتعمدة، وغير المتعمدة… وهو ما لا قبل لنا بمواجهته في الأصل؛ لذا فإن طبيعة التعامل مع هذه المعلومات تتطلب إعادة النظر في كثير من مفاهيمنا تجاه طريقة التعاطي مع هذه المعلومات، ومدى إمكانية استثمارها على الأقل على طريقة فن إدارة، واستثمار النفايات، وتدويرها.

ولعل ما يدعو لقدر من التأمل في جانب هذه البيانات التي تشتمل على معلومات خاطئة، ومضللة هو أن مستقبل المحتوى الذي يقدمه الذكاء الاصطناعي سيتأثر بذلك كثيرًا؛ وبالتالي قد تكون الأفكار التي يقدمها الذكاء الاصطناعي؛ وذلك وفقًا للبيانات التي يتحرك في ضوئها مضللة فعلاً.

وفيما يتعلق بالجانب الثاني مواجهة هذا التضليل:

فأظن أن ما أشرت إليه من أهمية تحديد أولوياتنا تجاه مواجهة المعلومات المضللة جدير بالاهتمام؛ لاسيما أن الورقة أشارت لبعض الجهود الدولية المتعلقة بمواجهة التضليل الإعلامي في منصات التواصل الاجتماعي، وفي غيرها، ويبدو لي أن تلك الإجراءات المستخدمة حاليًّا تظل تتسق والمصالح الدولية للدول نفسها؛ ولذا الورقة الرئيسة أشارت لجانب مهم يتعلق بأن عددًا من دول العالم لا تزال تمارس الكذب، والتضليل؛ مما يتعذر معه تصور وجود أساليب تضبط مسار تلك الوسائل، والمنصات حين تتدفق منها معلومات تنسجم، والمصالح الغربية… لاحِظْ كيف تتباين المعايير في شأن أحداث غزة، والتعاطي معها؛ سواء إعلاميًّا، أو المواقف من قبل الدول الغربية.

كذلك الورقة الرئيسة أشارت إلى أن هناك جهودًا كبيرة، ومتواصلة في المملكة لمواجهة التضليل في منصات التواصل الاجتماعي، وقد شملت تشكيل عدد من الهيئات المعنية، وإصدار القوانين، والتشريعات لمعاقبة ناشري المعلومات الزائفة، والتضليل عبر الإنترنت، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي؛ وذلك كقانونِ مكافحة جرائم المعلوماتية، وقوانين النشر الإعلامي المختلفة، وقوانين التصوير، وغيرها.

ومع أهمية كل ذلك لا يزال الواقع يغص بكثير من المحتوى المعلوماتي الكاذب، والمربكِ في عدد من المجالات الرياضية، والاقتصادية، والاجتماعية؛ مما يشير إلى صعوبة منع ذلك، ومواجهته؛ مما قد يترتب عليه تغييرات مهمة في كيفية التعاطي مع تلك المعلومات؛ سواء من حيث تركها تمر، وتعبر، أو من حيث تفهم صعوبة مواجهة كل محتوى على الأقل من باب: (لو كل كلب عوى ألقمته حجرًا لأصبح الصخر مثقالاً بدينار)، وهو ما قد يقود لرفع سقف المناخ المتاح لتداولِ بعض المعلومات، والتركيز على ما يتعلق بالجوانب الشرعية غير القابلة لتباين وجهات النظر، وما يتعلق بالأمن العام، والمصالح العليا للوطن، وفيما سوى ذلك تظل جوانب يمكن التغافل عنها.

وفيما يتعلق بأساليب مواجهة التضليل في منصات التواصل الاجتماعي أشارت الورقة الرئيسة إلى أهمية التعاون لمواجهة التضليل في وسائل التواصل الاجتماعي، والحاجة لجهود حثيثة، وتنسيق شامل، ودائم بين الدول، وشركات الإنترنت، ومنصات التواصل الاجتماعي، والمجتمع المدني، والأفراد، ومع أهمية ذلك يبدو أن البعد الأمني هو الذي يمكن أن يحقق نجاحًا في هذا السياق، وما سواه سيكون مرتبطًا بالمصالح العليا لكل دولة، وبمفهوم كل منها لمدى كون هذه المعلومات قد لا تندرج تحت إطار التضليل لدى كثيرين في هذا العالم.

وفي ضوء ذلك أرى أن:

  1. من الضروري العناية بأن يكون التعامل، أو مواجهة أساليب التضليل بطرق مهنية تقوم على الاهتمام بالمحتوى العقلاني المهني الموضوعي الذي يركز على الجوانب التي تخاطب العقل، والتي يتوقع أن تكون أكثر إقناعًا، وتأثيرًا، والابتعاد عن الجوانب العاطفية التي لا تتسق وطبيعة التفكير في المجتمعات الأخرى، وبخاصة الغربية، والشرقية؛ بل قد يكون الصمت، والتغافل في كثير من الأوقات من أبرز الوسائل الناجعة في التعاطي معها.
  2. مواجهة المحتوى المضلل حري بها أن تتسم بخطاب واضح، وغير متشنج، وبعيد عن الشخصنة في الرد، وعدم الدخول في تفاصيل تفقده التركيز؛ إذ التفاصيل قد تكمن فيها جوانب لا تحقق وضوح الرسالة، وربما يكون لذلك جوانب سلبية، وهذا فن إعلامي ينبغي الاهتمام به على نحو كبير.
  3. صناعة مؤشرات الخطاب الإعلامي، وأهدافه يتجاوز مرحلة رد الفعل، ويتسقُ مع معطيات المرحلة، وما تشتمل عليه من مستجدات كثيرة؛ لا سيما ونحن نلحظ تغير أساليب التضليل التي تثار ضد المملكة، وتعددها؛ حتى نكون مدركين لطبيعة الآفاق التي ينبغي أن يهتم بها الخطاب لمواجهة تلك الأساليب، وبخاصة ما يناسب الجمهور في الغرب، والشرق؛ بحيث يكون لهذا الخطاب قدرة على الوصول للجمهور، والوقوف ضد كثير من أساليب التضليل التي توجه ضد المملكة عبر وسائل الإعلام التقليدية، ومن خلال منصات التواصل الاجتماعي، وباللغات التي توصل الرسالة، واستثمار الشخصيات ذات التأثير، والشهرة؛ وذلك وفْقَ منظومة خطاب إعلامي يسير في سياق متقارب، ومتجانس.
  4. كذلك ضرورة أن تتجاوز مواجهتنا لهذه الأساليب المضللة الأبعاد الفردية، والشخصية؛ بحيث تكون جهودًا مؤسسيةً ترعاها مؤسسات محترفة في صناعة سياق عام متقارب، وقادر على مواجهة كثير من المحتوى المضلل؛ وذلك لتسهم في العمل على ضبط كثير من مساراته، ويجب أن تكون متسقة، وغير متناقضة؛ إذ الاتساق في هذا الجانب يضع الخطاب في سياقاته المتجانسةِـ والمتناغمةِ؛ مما يجعله لا يتضمن تناقضات بداخله، وهذا الأمر ينبغي أن يكون واضحًا لدى كل المهتمين بالخطاب الإعلامي السعودي الذي يواجه مختلف أساليب التضليل؛ لا سيما وأن هذه المواقف من الأعداء باقية، ومستمرة، وربما تتجدد.
  5. للأسف لا يزال الضعف يسيطر على كثير من وسائلنا الإعلامية التقليدية، وبخاصة في الجوانب الإخبارية، وفي رواية القصص الإخبارية بطريقة مهنية تتسق وحجم المنجزات، وبما يحفز الجمهور خارج المملكة للتفاعل مع ذلك، والاهتمام به … وهو ما يتيح كثيرًا من الفرص للمضللين لصناعة قصص مفبركة، أو محتوى معلوماتي غير صحيح.. ودون شك؛ فقد أتاح هذا الفراغ الوظيفي لعدد من الإعلاميين ممارسة أداء نمط إعلامي غير فاعل؛ مما أتاح للشبكات الاجتماعية الاستمرار في تسيّد الموقف، وفي صناعة مشاهير امتلكوا زمام قيادة المشهد الإعلامي، وفي تقديم محتويات على الرغم من جماهيريتها إلا أنها لا تسهم في مواجهة هذا التضليل.. هؤلاء جميل أن تستوعبهم بعض البرامج التدريبية، والتأهيلية ليكونوا جزءًا من القوة الإعلامية للمملكة تجاه ما يوجه لها من حملات مضللة.

 

التعقيب الثالث د. سعود الغربي

من خلال المتابعة والتحليل؛ فإنه إذا أردنا مواجهة التضليل الإعلامي في وسائل التواصل الاجتماعي؛ فلابد من بلورة إستراتيجية لاستخدامِ المنصات نفسها، والتواجد في التطبيقات، والفضاءات التي تُستخدم لهذا النوع من التضليل، وهذا يحقق القدرة الفائقة في الوصول للجمهور الذي يستخدم هذه التطبيقات، ويرتاد هذه الفضاءات الرقمية الحديثة؛ وبالتالي يتمكن القائم بالاتصال لمواجهة هذا التضليل من الوصول بشكل مباشر، ومكثف؛ وذلك لتصحيح المعلومات المغلوطة للجمهور ذاته المتضرر، أو الضحية للتضليل.

وبلا شك يُعتبر التضليل الإعلامي في منصات الإعلام الجديد موضوعًا مهمًّا ومعقدًا؛ حيث يمكن أن تؤدي المعلومات المضللة إلى سوء فهم، وتأثيرات سلبية على الرأي العام، وفي هذا السياق خلص تقرير مكافحة التضليل الإعلامي الصادر عن منظمة الأمم المتحدة إلى بعض التوصيات على جانبين مهمين جِدًّا: الأول – خاص بالدول، والثاني – خاص بالمؤسسات التقنية:

أولاً ماذا يجب على الدول؟

  1. صون حرية التعبير، وضمان الحصول على المعلومات، واحترامها، وتعزيزها، وتعزيز التعددية الإعلامية.
  2. تجنب سن اللوائح التنظيمية استنادًا إلى تعريفات غامضة، أو فرض عقوبات غير مناسبة، وتتجنب تجنبًا كُليًّا تجريم المحتوى المشروع.
  3. الامتناع عن إغلاق المواقع، والمنافذ الإلكترونية، أو حجبها.
  4. ضمان دقة المعلومات التي يقدمها المسؤولون، ومحاسبة السلطات التي تنشر معلومات كاذبة.
  5. إشراك المجتمع المدني في صياغة السياسات العامة، وغيرها من الجهود الرامية إلى مكافحة التضليل الإعلامي.

ثانيًا ماذا يجب على المؤسسات التقنية:

  1. ضمان ألا تتسبب أنشطتها في آثار سلبية على حقوق الإنسان، و[في حالة وقوع ذلك] يجب معالجة تلك الآثار السلبية.
  2. الشفافية في عرض السياسات، والممارسات ذات الصلة بالتضليل الإعلامي.
  3. مراجعة نماذج أعمالها للتأكد من تماشيها مع مبادئ حقوق الإنسان.
  4. ضمان قدر أكبر من الشفافية، وتيسير الحصول على المعلومات، والبيانات ذات الصلة.
  5. التأكد من اتساق كل ممارساتها في تعديل المحتوى، ودعم القائمين على تلك المهمة بموارد كافية في كل المواقع الشبكية التي تعمل فيها، وبجميع اللغات ذات الصلة.

وتضمن التقرير وجهة نظر الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غُوتيريش) التي جاء فيها: “تتطلب مكافحة التضليل الإعلامي استثمارًا دائمًا في بناء القدرة المجتمعية على الصمود، وعلى اكتساب الدراية الإعلامية، والمعلوماتية”.

وعلى مستوى المملكة العربية السعودية، ومن خلال المتابعة الإعلامية، والبحثية نلحظ أن هناك نظامًا صارمًا يكافح هذا التضليل، وهو “نظام مكافحة جرائم المعلوماتية”، كما أن كل الجهات الحكومية، وأيضًا الخاصة لديها حسابات على منصات التواصل، وخاصة منصة (X)، وتنشر أخبارها، ومعلوماتها الموجهة للجمهور أولاً بأول، وتتفاعل لصد أية حملات مغلوطة، أو مغرضة، أو مضللة، وهذه الحسابات أصبحت مصدرًا للجمهور، ومرجعًا معلوماتيًّا، وتُعتبر جُزْءًا من إستراتيجية حكومية لمواجهة التضليل الإعلامي، أو استغلال الجمهور من خلال نشر معلومات مضللة، أو مغلوطة.

 

 

المراجع:

  1. مكافحة التضليل الإعلامي | الأمم المتحدة (un.org)
  2. التصدي للتضليل في بيئة الإعلام الجديد – مركز القرار للدراسات الإعلامية (alqarar.sa)
  3. دليل التحقق من عمليات التضليل والتلاعب الإعلامي، إصدار لمعهد الجزيرة للإعلام بالتعاون مع مركز الصحافة الأوروبي، 2020م
  • المداخلات حول القضية
  • أبعاد التضليل في وسائل التواصل الاجتماعي:

التضليل عبر وسائل التواصل الاجتماعي له عدة أوجه:

  1. التضليل الإعلامي (Media Misinformation): يشير إلى الأخبار، أو المعلومات التي تكون غير دقيقة، أو مزيفة؛ سواء كان ذلك بنية متعمدة للتضليل، أو نتيجة للأخطاء غير المقصودة.
  2. الأخبار الكاذبة (Fake News): يُستخدم هذه المصطلح لوصف الأخبار التي تكون مختلقة بالكامل، أو المضللة بشكل كبير، وتُنشر عادةً للتأثير على الرأي العام، أو للحصول على المكاسب المادية.
  3. البروباغندا (Propaganda): تُستخدم لوصف نوع من الاتصال الذي يهدف إلى نشر أفكار، أو معلومات معينة؛ وذلك لتعزيز، أو تحقير سبب، أو وجهة نظر معينة، وغالبًا ما تكون محملة بالتحيزات، وتستخدم للتأثير السياسي.
  4. التشويه (Distortion): يتم استخدام هذا المصطلح لوصف الحالات التي يتم فيها تغيير، أو تحريف المعلومات لتقديم صورة غير دقيقة عن الواقع.
  5. المعلومات المضللة (Misinformation): تشير إلى المعلومات التي تكون خاطئة، أو مضللة، ولكن دون نية متعمدة للتضليل.
  6. المعلومات المغلوطة (Disinformation): تشير إلى المعلومات المضللة التي يتم نشرها؛ وذلك بنية الخداع، أو التضليل.

والواقع أن التضليل في وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها مرتبط ارتباطًا وثيقًا بكلمة “التأثير” على الآخر؛ سواء كان فردًا، أو طائفة، أو طبقة اجتماعية؛ وذلك من خلال نشر معلومات خاطئة، وزائفة بهدف تحقيق أهداف معينة، أو مصالح خاصة، وقد تسبب ضررًا محددًا في المجتمعات، ومما يؤسف له أن بعض الناشرين لبعض المعلومات المضللة ينشرونها بحسن نية، ولا يعلمون تبعات نشرها، ومثال على ذلك: ما ينشر من معلومات مضللة حول نجاعة بعض الأعشاب الطبية الشعبية التي لم يتم إثباتها علميًّا، والتي قد تؤدي- أحيانًا- إلى الوفاة؛ ما يثير مسألة مدى قانونية تداول معلومات غير مثبتة علميًّا، ومدى إمكانية تصنيفها كجريمة معلوماتية.

والمشكلة لا تقتصر على من ينشر المعلومات، وإنما تشمل، وربما بدرجة أكبر من يستقبلها، ويثق في مصدرها، ويستخدمها دون العودة للمتخصصين في المجالات الطبية، أو غيرها من الجهات ذات العلاقة بالموضوع.

ويرتبط التضليل في وسائل التواصل الاجتماعي بتطور التقنية الحديثة ذات العلاقة بالذكاء الاصطناعي، وتحديدًا ما يسمى بالتزييف العميق (Deep Faking) الذي لا شك أنه سيجعل مهمة مكافحةِ التضليل الإعلامي على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها-حاليًّا، ومستقبلاً- أكثر صعوبة، خاصة إذا سَهُـلَ استخدامه، وزاد انتشاره، وتعددت برامجه، وأصبحت متاحة لغالبية أفراد المجتمع، وهو محور مهم جدًّا؛ حتى أن رئيس المخابرات الداخلية البريطانية (إم أَى 5) حذر بقوة من مخاطره، وامكانية إحداثه أضرارًا كبيرة في المجتمعات.

وللأسف أن الناس يصدقون بعض الإشاعاتِ، والتضليل الإعلامي “المكتوب” على وسائل التواصل الاجتماعي، ويتناقلونَهُ فيما بينهم، وكأنه حقيقة؛ فما بالنا لو كان هذا التضليل الإعلامي وصل لنا بالصوت، والصورة الزائفة التي يصعب على الإنسان العادي معرفة أنها مزيفة، وتم تنفيذها من خلال برامج الذكاء الاصطناعي (التزييف العميق)؛ وحتى لو تم اكتشاف أنها مزيفة فيما بعد؛ فسيكون أثرُها، وأضرارها المترتبة عليها قد حصلت.

ولنا أن نتخيل سيناريوهات لمقاطع مزيفة بالصوت، والصورة هدفها: التضليل، أو اثارة النعرات القبلية، والطائفية، والجهوية في مجتمعنا السعودي المتماسك… فلا شك- لديَّ- أن إمكانية شقها للمجتمع، وتقسيمه كبيرة؛ مما قد يهز استقراره، وأمنه؛ وعليه فهي من أخطر التقنيات الحديثة ذات الأبعاد المستقبلية التي يجب أن تُتخذ القرارات الصائبة نحو التعامل معها؛ وذلك دون أي انتظار، أو تأجيل لأهمية الموضوع، وآثاره الخطيرة على اللحمة الوطنية، وأمننا الوطني.

  • العوامل المسببة للتضليل في وسائل التواصل الاجتماعي

ثمة العديد من العوامل التي يمكن أن تقود إلى الوقوع في شراك التضليل عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وغيرها قديمًا، وحديثًا، من أبرزها:

أولاً – ضعف الوعي الأسري؛ فبعض الأسر ما زالت تعتقد أن وجود المراهق، أو المراهقة في المنزل يكفي لحمايته من الآفات، والشرور الفكرية، وربما كان هذا المفهوم صحيحًا في الماضي القريب، أما اليوم؛ فالشارع ربما يكون أكثر أمانًا لبعض الشباب من غرف نومهم، حيث صار كثير من الناس في يومنا هذا صغارًا، وكبارًا، رجالاً، ونساءً عرضة للتواصل عبر الفضاءات المفتوحة؛ فلا تدري بيد من يكون طفلك، هل يتلقفه أحد أرباب الجماعات الإرهابية، وبسبب معلومات مضللة يُصيره خصمًا لأقرب الناس إليه، وربما تقرب إلى الله بإراقة دم أحد والديه، وهذا ليس من نسج الخيال، أو يقع بيد من يضلله، ويقنعه بأن الناس تتوهم وجود رَبٍّ، وخالقٍ لهذا الكون، وبسبب جهله، وإهمال ذويه يعتنق فكرة إلحادية، ويبدأ ينافح عنها.

ثانيًا – التلقي غير المنضبط؛ حيث يظن بعض المراهقين، وحتى غيرهم بأن لديهم الحصانة الكافية لحماية أنفسهم مما يتلقفونه من القراءة، والاستماع، والمشاهدة، مع أن الأفكار ربما أثرت على بعض المفكرين، والمتكلمين؛ فقلبت حياتهم رأسًا على عقب؛ فما بالنا بمراهق ليس لديه من المعرفة ما يكفي لحماية نفسه من آفات المعلومات المضللة.

ولفهم حال الأفراد، والمجتمعات بين التلقي، والتضليل الإعلامي لابد من بحث فلسفة الفهم كأداة فكرية تعين الإنسان على التعاطي مع ما يتلقاه من معارف؛ بحيث تكون المعلومة في بطون الأوعية المعرفية، ثم يأتي الفهم؛ فيرتبُ تلك المعارف بطريقة تلائم الفكر الإنساني، وتجعلها مستساغة قبل أن تصل إلى مرحلة الوعي، والإحاطة بكافة جوانب المعرفة، أو المفهوم الجديد، ومع تكريس الوعي تنتقل تلك المعارف إلى الإدراك؛ فتكون في أعماق الوجدان الإنساني، ويتعامل معها على أنها حقائق مطلقة لا تقبل التشكيك؛ ولهذا فالمعرفة knowledge، ونظرية المعرفة epistemology، وهي القابلة للتحليل، والنقد، والقبول، والرفض، كل ذلك يحدده وعي الإنسان؛ بحيث يعي أن هذه الأفكار تكون مقبولة لديه، أو مرفوضة.

ولا يتأتى الوعي والتفريق بين المعلومة الحقيقية، والمعلومة المضللة إلا من خلال تكثيف جرعات التدريب على التفكير النقدي الذي يعنى بتقييم المعرفة قبل قبولها، وهذا هو الأمر الثالث.

ثالثًا – غياب مهارات التفكير النقدي: حيث يعد التفكير النقدي critical Thinking أحد الأدوات الفكرية التي تهتم بالتشكيك في أية معلومة، وتعريضها للتمحيص عبر مراحل قبل قبولها، والتسليم بها؛ بحيث تمكن الفرد من حماية نفسه من التسلط عليه في تحديد ما يعتقده، وما لا يعتقده، ومن ثم الاستناد إلى تلك المعلومات، أو الرسائل الإعلامية في اتخاذ بعض القرارات الفردية، أو الجماعية تجاه أمر ما؛ سواء بالتعاطف، أو المشاركة المباشرة.

ومما يثير الاستغراب أن المدرسة، وهي المكان الذي يفترض أن تنمى فيه مهارة التفكير النقدي تجدها تقدم العكس؛ حيث تشير دراسة أجريت عام 2011م إلى أن مشكلة المدرسة تتمثل في أنها أصبحت تركز على تعليم الطلاب كيفية اجتياز الاختبارات، ولا تهتم بمهارات التفكير النقدي؛ مما ترتب عليه الإضرار بقدراتهم في التعامل مع كثير من التحديات التي تواجههم في حياتهم اليومية.

وأهميةُ تعليم مهارات التفكير النقدي تكمن في أنها تمكن الشباب من التفكير بطريقة مستقلة، وتجردهم من أن يتمسكوا بأية آراء يتعاملون معها كمسلمات، وفي هذا السياق يمكن التطرق لمثالينِ: الأول – يتعلق بالحرب الأهلية في رواندا بين قبيلتي: الهوتو، والتوتسي التي راح ضحيتها أكثر من مليون إنسان من القبيلتين؛ حيث إن الأبحاث التي أجريت على مجموعة من الشباب الروانديين الذين كانت لهم مواقف، وآراء مؤيدة للمذابح التي كانت تحصل في بلادهم من باب التعصب للقبيلة أشارت إلى أن تعليم هؤلاء الطلاب مهارات التفكير النقدي غيرت طريقة نظرتهم إلى ما يحدث في بلادهم، وأصبحوا يعترضون على تلك المذابح الجماعية، أما المثال الآخر؛ فيبين أن من المفاهيم المغلوطة الرئيسية التي يتصدى لها القرآن الكريم التعصب القبلي، والتمسك بإرث الآباء، والأجداد، وعده مسلمات لا تقبل النقاش؛ حيث يقول الله- سبحانه وتعالى- في الآية رقم 21 من سورة لقمان: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ)، ويُلاحظ- هنا- أن القرآن الكريم يدعو إلى التفكير، والتحليل، والنقد؛ فهو في مواضع كثيرة ينقد الفكرة، ويترك للمتلقي حرية الاختيار، وكذلك حين لاحظ مشركو مكة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يجلس إلى غلام رومي نصراني يقال له (جَبْر)؛ فقالوا من باب التضليل الإعلامي: والله ما يعلِّمُ محمدًا كثيرًا مما يأتي به إلا جَبْرٌ النصرانيُّ؛ فأنـزل الله تعالى الآية رقم 103 من سورة النحل: ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)، والقرآن الكريم- هنا- يحتج عليهم بأن الغلام رومي، ولا يجيد اللغة العربية؛ فكيف يمكنه أن يأتي بمثل هذا القرآن العربي المبين، والشواهد القرآنية كثيرة.

وعلى الرغم من أهمية التفكير النقدي في القرآن الكريم، والسنة المطهرة إلا أن إحدى الدراسات التي أجريت عام 2017م تشير إلى أن مستويات التفكير النقدي لدى الطلاب السعوديين أقل من المستويات المطلوبة؛ فبينما تبدأ المستويات المطلوبة لمستوى التفكير النقدي من 80%؛ فإن متوسط مستوى التفكير النقدي لدى طلاب المرحلة المتوسطة في المملكة العربية السعودية لا يتجاوز 62%، والتحدي الأكبر أن المدرسة لا تساعد في زيادة مستويات التفكير النقدي؛ بل العكس حيث لاحظت الدراسة نفسها أن طلاب المرحلة الأدنى كانوا أفضل من نظرائهم في المرحلة الأعلى، وهكذا فبينما سجل طلاب المرحلة الأولى المتوسطة 63%؛ فإن مستويات التفكير النقدي لدى طلاب المرحلة الثانية المتوسطة سجلت 61%، ثم انخفضت هذه النسبة لتصل إلى 60% في المرحلة الثالثة المتوسطة.

وهذه النتائج تعد مخيبة للآمال بالنسبة لوزارة التعليم في المملكة؛ فبحسب دراسة أخرى أجريت عام 2015م؛ فإن الوزارة تعاقدت مع مجموعة من المؤسسات الأجنبية التعليمية؛ وذلك بغرض رفع مستويات المناهج، ومن أبرز هذه المؤسسات كانت شركة (مَاك غيو هيل) التعليمية، ودار نشر جامعة (كامبريدج)، ومؤسسة (بيل) التعليمية إلا أن المخرجات ما تزال دون المستويات المطلوبة فيما يتعلق بمستويات التفكير النقدي.

ولهذا يمكن ملاحظة أنه على الرغم من أهمية التفكير النقدي في تمكين الشباب من تحليل المعلومات، والرسائل الإعلامية أيًّا كان مصدرها قبل قبولها، أو رفضها إلا أن ما يمكن ملاحظته يتمثل في وجود ضعف في مستويات التفكير النقدي في المجتمع السعودي؛ وذلك بسبب مخرجات التعليم، وأن لدى المدرسة بعض القصور في الإسهام في مواجهة هذا التحدي؛ بل يميل دورها إلى السلبية بحسب الدراسات العلمية.

ونتيجة لضعف المخرجات التعليمية فيما يتعلق بمستويات التفكير النقدي؛ فإنه يمكن فهم لماذا يمكن تجنيد شاب؛ فيهدم، ويفجر، ويسفك الدماء بغرض البناء، وإقامة شعائر الدين، وكيف يقوم شاب بقتل والدته في سبيل الله، وبأي مبرر يتآمر شاب مع أعداء بلاده بزعم تنميتها، وازدهارها، والرقي بها، وما هي القناعات التي أوصلت شابًّا ليحول آلاف الريالات إلى مجهول في أدغال أفريقيا بانتظار الحصول على عوائد مالية مجزية، وما الذي يدفع بفتاة معززة مكرمة في بلادها؛ لتهرب، فتصبح أسيرة للابتزاز، والذل، والعبودية، والغربة في بحثها عن الانفتاح، والحرية، والراحة، وماذا عن زوجة ناضجة تعيش حياة هانئة؛ فتهجر شريك عمرها، وتتخلى عن فلذات كبدها هربًا من عبودية الزواج، والمسؤوليات الأسرية.

رابعًا – الفنون، والسينما، والمسرح؛ بوصفها أداة تقليدية في التضليل؛ فكثيرًا ما تستلهِمُ الأعمال الفنية حكاياتها من الواقع المحيط، وقد تتأثر بالمعلومات المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ قد يستخدم الفنانون، والمخرجون، وكتاب السيناريو الأحداث الراهنة، والقضايا الشعبية التي تُناقش عبر هذه المنصات كمصدر إلهام لأعمالهم، ومع ذلك قد يُسهم التضليل في تشكيل قصص، ورؤى قد لا تعكس الواقع بدقة؛ مما يؤدي إلى تصورات مشوهة، أو ميسرة لقضايا معقدة.

من ناحية أخرى تملكُ الأعمال الفنية القدرة على التأثير في الرأي العام، وتشكيل الوعي الجمعي؛ فالأفلامُ، والمسلسلات التي تتناول مواضيع متأصلة في التضليل يمكن أن تعزز الأفكار المضللة، أو تصححها؛ فعندما تقدم الأعمال الفنية تصورات متعمقة، وموثقة قد تساعد في محاربة التضليل، وعلى العكس من ذلك إذا استندت تلك الأعمال لمعلومات خاطئة؛ فإنها تساهم في تعزيز الأفكار المغلوطة؛ إذ تقع على عاتق صُنّاع الفن مسؤولية كبيرة في التحقق من صحة المعلومات التي يستخدمونها كأساس لأعمالهم؛ وذلك من خلال البحث الدقيق، والتعاون مع الخبراء

والخطورة- هنا- تكمن في تزييف التاريخ بأدوات أكثر تقدمًا؛ مما يعزز من قوة الفكرة الخاطئة لمئات السنوات القادمة، وهذا يعود بشكل سلبي على البشرية جمعاء، وليس فقط على عصر محدد بعينه؛ ولذلك فإن تراكم المعرفة البشرية يجب أن يستخدم في محاربة التزييف الحديث من خلال تاريخ موثق تعارفت البشرية لآلاف السنوات على أساليب نقله؛ بمعنى: أننا بحالٍ من الأحوال لا يمكننا الاستغناء عن التأكد من مصداقية الكلمة، والمعلومة إلا بتعزيز الوسائل التقليدية.

خامسًا – تغول سلطات بعض الدول: ثمة جانب آخر للتضليل الإعلامي يرتبط بتغول سلطات بعض الدول، وأجهزتها، وأفرادها في وسائل التواصل الاجتماعي؛ وذلك من خلال ممارسة التضليل الإعلامي ضد من تختلف معهم بهدف التأثير على الرأي العام المحلي، أو الدولي ضاربة بحقوق الإنسان عرض الحائط، وحقه المشروع في التعبير عن نفسه.

ولهذا أكدت الأمم المتحدة في إحدى وثائقها رقم (76/227) التي حذرت فيها أعضاء الأسرة الدولية من انتهاك حقوق الآخر عند الولوج في الممارسات الإعلامية للتأثير على الآخرين، أو مكافحة التضليل الإعلامي، مثل: ما حذرت سابقًا، وفي عدة وثائق من خطورة انتهاك حقوق الإنسان عند مكافحة الإرهاب.

وهذا التغول يكون أكثر خطورة عندما تمارسه بعض الدول، ومنها: الكثير من الدول الغربية المتقدمة التي يوجد لديها أجهزة رسمية متخصصة في عالم التضليلِ التي تمتلك مقدرات ذات تقنيات متقدمة لا يملكها الكثير من دول العالم الثالث؛ مما يجعل تأثيرها عالميًّا في مجال التضليل الإعلامي، ويصبح أقوى، وأكثر فاعلية من غيرها.

إن الظاهرة المتزايدة للتضليل في وسائل التواصل الاجتماعي تشكل تحديًّا كبيرًا للمجتمعات الحديثة؛ فهي تؤثر على الرأي العام، وتشوه الحقائق، وتزيف الأحداث؛ مما يؤدي إلى انتشار الأخبار الزائفة، والمعلومات التضليلية.

  • تأثيرات التضليل الإعلامي على الجانب الثقافي:
  1. تشويه الحقائق: التضليل يمكن أن يؤدي إلى تقديم صورة مغلوطة عن الحضارات، والتقاليد؛ مما يعزز الصور النمطية، ويشوه الفهم الحقيقي للثقافات المختلفة.
  2. التأثير على القيم: المعلومات المضللة قد تؤثر على القيم، والأخلاقيات التي تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من النسيج الثقافي في المجتمع مسببةً تغيرات قد تكون سلبية.
  3. انتشار الشائعات: في كثير من الأحيان يُسهم التضليل في انتشار شائعات تساهم في خلق فجوات ثقافية، واجتماعية بين الأفراد، والجماعات.
  4. التأثير على الهوية الثقافية: التضليل قد يحرف الفهم الجماعي للتاريخ، والتراث؛ مما يؤدي إلى الانبهار بثقافات أخرى، وتقليل الاعتزاز بالهوية الثقافية الأصلية.
  5. تغير السلوكيات: الأفكار، والمعتقدات المضللة يمكن أن تؤثر على السلوك الاجتماعي، وتغير من العادات، والتقاليد الراسخة.
  • التضليل عبر وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للربح:

يعد انتشار الأخبار المزيفة من أجل الربح قضية مهمة؛ لأنها يمكن أن تضلل الجمهور، وتضر بالثقة في السمعة في مصادر الأخبار المشروعة، وحتى التأثير على السياسة العامة، ومصالح الناس، ولكنها تعتبر (بزنس) ومصدر دخل كبير جدًّا تدر الكثير من الأموال.

فقد وصل الأمر في التلاعب، والاحتيال، والتزييف في الاخبار والمعلومات إلَى شكل احترافي كـــ (بزنس)، وشركاتٍ تدر من خلفه الكثير من الأموال؛ فعلى سبيل المثال هناك ثلاث شركات في أمريكا نموذجُ عملِهَا قائم على التزييف، والتلاعب بالمعلومات، والاحتيال، هذا بخلاف أن هناك شركات أخبار نموذجُ عملِهَا يقوم على فبركة الأخبار، وتزييفها (بزنس) ‏AlibiNetwork.com، وCareerExcuse.com، وFakeNameGenerator.com.

  1. شبكة الأعذار (com):

هذا الموقع يقدم خدمات تتضمن إنشاء أعذار مزيفة لأسباب شخصية مختلفة قد تشمل الخدمات تقديم أعذار، أو تلفيق قصص لتغطية أماكن تواجد الشخص في وقت محدد.

  1. أعذار العمل (com):

يوفر أعذار العمل خدمات تساعد الأفراد في تزوير المراجع المهنية، وتاريخ العمل، ويمكن أن يشمل ذلك إنشاء شركات، ومديرين وهميين سيشهدون لتاريخ عمل العميل، ومهاراته؛ فعلى سبيل المثال إذا كنت بحاجة إلى عذر، أو إذا كنت بحاجة إلى صاحب عمل مزيف لدعم سيرتك الذاتية، CareerExcuse.com. يساعدونك في ارتكاب عمليات الاحتيال؛ وذلك مقابل رسوم؛ فلنفترض أن لديك فجوة في سيرتك الذاتية يمكنك كتابة سيرتك الذاتية: “كنت أستاذًا للمحاسبة الجنائية، والقانون في جامعة هيوستن “، وتذهب إلى موقع CareerExcuse.com، وسوف يعطونك اسمًا، ورقم هاتف، وتضع ذلك في سيرتك الذاتية؛ فإذا اتصلَ صاحب العمل المحتمل (شركة، أو جامعة) بهذا الاسم، ورقم الهاتف؛ فسيقول: نعم، أنا عميد جامعة كذا، ويقوم بالتأكيد أن المحتال عمل- هنا- من هذه الفترة إلى تلك الفترة؛ فلقد كان موظفًا ممتازًا،،. وهذا كله باطل.

  1. مولد الأسماء المزيفة (com):

يولد هذا الموقع هويات عشوائية تشمل: الاسم، العنوان، الرقم ID، بطاقة الائتمان، وغيرها التي يمكن استخدامها لأغراض مختلفة من تجربة قواعد البيانات إلى تأمين الهوية على الإنترنت، وتُستخدم هذه الهويات المولدة لأغراض احتيالية في الغالب، ومن المهم الإشارة إلى أن الآثار الأخلاقية، والقانونية لاستخدام هذه الخدمات يمكن أن تكون معقدة اعتمادًا على طريقة الاستخدام.

  1. إيرادات الإعلانات:

يمكن لمواقع الويب التي تنشر أخبارًا مثيرة، أو ملفقة بالكامل أن تجتذب زائرين؛ لكي تحصل على مرور كبير على الويب؛ وذلك من خلال المشاركة على منصات التواصل الاجتماعية، والقنوات الأخرى؛ فغالبًا ما تكسب مواقع الويب هذه الأموال من خلال نماذج إعلانية، مثل: الدفع بالنقرة؛ حيث تجني إيرادات في كل مرة ينقر فيها الزائر على إعلان معروض على الموقع، والأخبار الملفقة، والكاذبة تجذب الناس على زيارة المواقع؛ وبذلك يكون هناك حركة أكبر على الموقع، وإمكانية الاطلاع على الإعلانات أكبر، وأيضًا تقوم بعض الكيانات بإنشاء أخبار مزيفة، ونشرها لتعزيز التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي؛ فيمكن أن تترجم هذه المشاركة إلى مكاسب مالية من خلال المشاركات الدعائية، أو الترويج المباشر للمنتجات والخدمات.

  1. الأجندات السياسية، والمالية:

في بعض الحالات يتم استخدام الأخبار المزيفة كأداة للتأثير السياسي، أو للتلاعبِ بالأسواق؛ فعلى سبيل المثال من المحتمل أن يتم استخدام نشر معلومات كاذبة حول شركة ما للتأثير على سعر سهمها بشكل مؤقت؛ مما يسمح للمستثمرين (الذين ليس لديهم أخلاق) بالاستفادة من ذلك الخبر المضلل، وهذا يُعتبر مُجَرَّمًا حسب لائحة الأسواق الأسهم؛ بما فيها السوق السعودي حسب المادة (٤٩)، و(٥٠) من نظام هيئة سوق المال.

الخلاصة: يعد انتشار الأخبار المزيفة من أجل الربح قضية مهمة؛ لأنها يمكن أن تضلل الجمهور، وتضر بالثقة في السمعة في مصادر الأخبار المشروعة، وحتى التأثير على السياسة العامة.

  • جهود المملكة لمواجهة التضليل الإعلامي في وسائل التواصل الاجتماعي:

تجدر الإشارة إلى أن نظام مكافحة جرائم المعلوماتية الذي صدر بالمرسوم الملكي رقم م/17 بتاريخ 8 / 3 / 1428 عمد إلى التصدي للتضليل في وسائل التواصل الاجتماعي، وهناك عدد من المواد الصريحة في هذا الإطار، مثل:

المادة الثالثة:

يُعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كلُّ شخصٍ يرتكب أيًّا من الجرائم المعلوماتية الآتية:

  • المساس بالحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا، أو ما في حكمها.
  • التشهير بالآخرين، وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة.

المادة السادسة:

يُعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كلُّ شخصٍ يرتكب أيًّا من الجرائم المعلوماتية الآتية:

  • إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي.

كما أن من الإجراءات المهمة في الرد على الأكاذيب، والمعلومات المضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجود متحدث رسمي في كل جهة؛ وذلك تمشيًا مع قرار مجلس الوزراء رقم 209 وتاريخ 29 / 9 / 1434 هـ الذي فرض على كافة الوزارات، والهيئات والمؤسسات العامة، والأجهزة الحكومية أن يكون لها متحدث رسمي مهمته الرئيسة: إحاطة وسائل الإعلام بما لدى جهته، والجهات المرتبطة بها من أخبار، وبيانات، وإيضاحات، واطلاع الرأي العام على المعلومات الصحيحة لبناء الشفافية، والثقة بين الجهة الحكومية والمواطن، وهذا المطلوب من جميع الجهات الحكومية، والخاصة لقطع دابر المشككين، والمضللين، خاصة في منصات التواصل التي تعج بكل غثٍّ، وليس سمينًا.

  • آليات مواجهة التضليل في وسائل التواصل الاجتماعي:

من المهم تسليط الضوء على ظاهرة التضليل في وسائل التواصل الاجتماعي؛ كونه يساهم في توعية أفراد المجتمع، وتمكينهم من اتخاذ قرارات معرفية صحيحة، كما أن فهم طبيعة التضليل الإعلامي، وتحليله يمكن أن يمنحنا أدوات للتفكير النقدي، والتمييز بين المعلومات الموثوقة، والأخبار الملفقة، بالإضافة إلى ذلك يجب أن يكون هناك تشريعات، وضوابط أكثر صرامة لمكافحة التضليل الإعلامي، وتنظيم النشاطات على وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث توجد حاجة ماسة، وضرورية لوضع الأنظمة، والقوانين التي تحمي المجتمع من تبعات الاستخدام السيء لأية وسيلة جديدة مهما كانت، وهذا معمول به، وقائم بالفعل في أعتى دول العالم (ديموقراطية).

وفي عصر الإعلام الرقمي؛ حيث يمثل التضليل الإعلامي تحديًّا كبيرًا لمصداقية الصحافة، والرأي العام يُناط بالمراكز البحثية، ومؤسسات المجتمع المدني أن تُؤدي دورًا حيويًّا في مكافحة هذه الظاهرة؛ وذلك من خلال التحقق من الحقائق، وتصحيح المعلومات المغلوطة؛ مما يسهم في تعزيز ثقة الجمهور في وسائل الإعلام، كما يُفترض أن توفر هذه المؤسسات دراسات، وتحليلات معمقة تعزز الاعتماد على مصادر موثوقة، وتعمل على توعية الإعلاميين، والجمهور جنبًا إلى جنب حول كيفية التعرف عليها، هذا بالإضافة إلى الاستفادة من التقنيات الحديثة، مثل: الذكاء الاصطناعي لرصد التضليل الإعلامي بكفاءة؛ مما يسهم في خلق بيئة إعلامية صحية، وشفافة.

وتذهب بعض وجهات النظر إلى أن المجتمع السعودي بحاجة إلى مشروع وطني للتوجيه، والإرشاد النفسي السيبراني يواكب الاندفاع السيبراني المعاصر بما فيه من الاستخدام المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث يعد علم التوجيه، والإرشاد النفسي السيبراني أحد العلوم المطلوبة أمام الاندماج في استخدام محركات تقنية المعلومات، والاتصالات، وهذا العلم يساعد في التعرف على الشخصيات، وكيفية التعامل معها من خلال تأكيد الهوية بجميع أبعادها الذاتية، والاجتماعية، والدينية، والوطنية لحماية المستخدم من الاندماج السيبراني، وتكوين الشخصية التأكيدية في مواجهة ما يُنشر من رسائل، وشائعاتٍ، ودعايات مخطط لها.

كذلك فإن التعامل مع المعلومات الخاطئة، والمضللة يتطلب إعادة النظر في كثير من مفاهيمنا تجاه طريقة التعاطي مع هذه المعلومات؛ إذ إن مواجهة المعلومات المضللة يحتاج أولاً لتحديد أولوياتنا تجاهها، وينبغي التركيز أولاً على ما يتعلق بالمعلومات المضللة المرتبطة بالجوانب الشرعية غير القابلة لتباين وجهات النظر، وبالأمنِ العام، والمصالح العليا للوطن، وما سوى ذلك تظل جوانب يمكن التعاطي معها؛ وفقًا لأهميتها، وجماهيريتها، وغير ذلك يمكن التغافل عنه نتيجة صعوبة منعه من جهة، وصعوبة مواجهتِهِ من جهة أخرى.

كما أن المتحدث الرسمي، أو الوزير ونائبه في كل جهة ينبغي أن يتصدوا لكل المعلومات المغلوطة، وبخاصة ما يتعلق بصورة المملكة، وقيادتها، وشعبها؛ إذ تمارس صحف غربية، وحسابات عربية التضليل في نشر أخبار مزيفة الهدف منها: تشويه صورة المملكة.

وبالنظر إلى أن من أشكال التضليل ما يمارسه عدد من المغردين لغرض التشويه، أو الانتقام، أو إرباك الجمهور في مختلف المجالات؛ لذا قد يكون من أهم الأساليب في مواجهة التضليل هو أن تقوم كل جهة بنشر المعلومات الصحيحة المتعلقة بما يُتداول بين الناس والجمهور من معلومات خاطئة، أو مضللة.

وعلى الرغم من أن التدفق الهائل للمعلومات المضللة، والزائفة بما فيها إنتاج الذكاء الاصطناعي كلها تجعل من الصعب مواجهة ما تحمله على نحو مفصل، كذلك تبدو الحاجة ملحة للتحذير من خطورة تقنيات (التزييف العميق) المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، والتضليل الإعلامي على المجتمع السعودي، وأهميةِ الانخراط فيها، وإيجاد الآليات التقنية المتقدمة، والحديثة للتعامل معها دون تهويل، أو تهوين، أو مبالغة، وهذا الذي بإمكانه التخفيف من مخاطر استخدام الخصوم لهذه التقنية للإضرار بالوطن، وولاته، ومسؤوليهِ، ومقدراته، واستقراره.

  • التوصيات:

إضافة للتوصيات المتضمنة في الورقة الرئيسة، والتعقيبات عليها تبرز أهمية التوصيات الآتية:

  • تنظيم حملات توعوية مستمرة لمكافحة التضليل الإعلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه الحملات تستهدف توعية الجمهور، والمجتمع المحلي، وتثقيفِهِمَا حول كيفية التعرف على الأخبار المزيفة، والمضللة، وحول كيفية التحقق من مصداقية المعلومات قبل نشرها، أو مشاركتها.
  • تطوير منصات آلية للإبلاغ عن الأخبار المزيفة، والمضللة؛ مما يضمن الاستجابة السريعة لهذه البلاغات، والتحقيق فيها.
  • بناء شراكات مع منظمات المجتمع المدني، والجهات الحكومية، والشركات التكنولوجية لتبادل المعلومات، وتطوير حلول تقنية لمكافحة الأخبار المزيفة.
  • تشديد القوانين المتعلقة بنشر الأخبار المزيفة، وتطبيق العقوبات على المخالفين لهذه القوانين بشكل فعال.
  • تقديم دورات تدريبية، وورش عمل للصحفيين، والإعلاميين حول أساليب التحقق من الأخبار، والمعلومات، وضمان دقتها قبل نشرها.
  • تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الأخبار المضللة، وتبادل المعلومات، والخبرات بين الدول.
  • إنشاء مركز مختص بمكافحة التضليل الإعلامي يكون تابعًا لأحد الجامعات، أو إحدى الجهات ذات العلاقة.
  • تشجيع المنتجين، والمؤثرين الثقافيين على إعادة تقييم المحتوى الذي يتم تقديمه عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتأكد من أنه يعكس بشكل دقيق، وموضوعي الثقافة المحلية، والعالمية.
  • تنظيم مسابقات، ومعارض فنية، وأدبية تعكس قيم، وهوية المجتمعات الثقافية، وتوفر منبرًا للنقاش الهادف حول القضايا المتعلقة بالتضليل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
  • إنشاء منتديات، ومجموعات نقاش يديرها خبراء ثقافيون، وأكاديميون تقوم بتعزيز الحوار، والنقد البناء حول استهلاك المحتوى الثقافي، وإعلاناته في وسائل التواصل الاجتماعي.
  • تشجيع المكتبات العامة، والمدارس، والجامعات على إجراء جلسات إرشادية حول كيفية التعرف على التضليل، والمعلومات المغلوطة، وتعزيز الثقافة البحثية.
  • استخدام طرق ابتكارية، وتكنولوجيا حديثة، مثل: الواقع الافتراضي، وتطبيقات الواقع المعزز لتجسيد التجارب الثقافية، وجعلها أكثر جذبًا، ومصداقية.
  • تشجيع الجهات الرسمية على ممارسة المزيد من الشفافية إلى أكبر حد ممكن مع تسهيل الحصول على المعلومة الصادقة، والصحيحة دون عناء لقطع الطريق أمام مثيري الإشاعاتِ، وممارسِي التضليل الإعلامي.

 

 

  • المشاركون.
  • الورقة الرئيسة: د. سعيد الغامدي

التعقيب الأول – د. محمد الثقفي

التعقيب الثاني – د. مساعد المحيا

التعقيب الثالث – د. سعود الغربي

  • إدارة الحوار: د. محمد الثقفي
  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • د. فهد الغفيلي
  • د. أماني البريكان
  • د. علي ضميان العنزي
  • أ. أحمد المحيميد
  • د. فواز كاسب العنزي
  • الفريق د. عبدالإله الصالح
  • د. عبدالرحمن الهدلق
  • د. عبدالعزيز الحرقان
  • د. فايزة الحربي
  • د. حمزة بيت المال
  • د. فوزية البكر
  • د. زياد الحقيل
  • د. محمد الملحم
  • أ. عبدالرحمن باسلم
  • د. حميد الشايجي
  • د. عبير برهمين
  • د. عبدالرحمن العريني
  • د. خالد المنصور
  • د. فايزة الحربي
  • أ. علاء برَّادة
  • د. علي الوهيبي
  • د. محمد الغامدي
  • د. عبدالعزيز العثمان
  • م. عبدالله الرخيص
  • د. وفاء طيبة
  • د. محمد الزهراني
  • د. صالحة آل شويل

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *