للاطلاع على التقرير وتحميله يرجى الضغط هنا
يونيو 2024
- تمهيد:
يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر يونيو 2024م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة؛ وجاءت بعنوان: التسمم وتأثيره على سمعة القطاع الغذائي: مقاربة تكاملية، وأعد ورقتها الرئيسة أ.د. مها المنيف، أ. علاء الدين برادة، وعقب عليها كلاً من د. سكينة الشيخ، د. مرام الحربي، وأدار الحوار حولها د. عبير برهمين.
المحتويات
- تمهيد
- فهرس المحتويات
- الملخص التنفيذي
- الورقة الرئيسة: أ.د. مها المنيف، أ. علاء الدين برادة
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: د. سكينة الشيخ
- التعقيب الثاني: د. مرام الحربي
- إدارة الحوار: د. عبير برهمين
- المداخلات حول القضية
- العوامل المؤثرة على سلامة الغذاء قبل وصوله إلى المستهلك.
- الأسباب الشائعة لحدوث التسمم الغذائي.
- واقع ومسببات التسمم الغذائي في المملكة.
- التأثيرات الناجمة عن التسمم الغذائي.
- التسمم الغذائي في المملكة من الناحية القانونية.
- المنتجات المستوردة وعلاقتها بالتسمم الغذائي في المملكة.
- آليات مواجهة التسمم في القطاع الغذائي في المملكة.
- تقنية البلوك تشين (Blockchain) والحد من التسمم الغذائي.
- الإعلام ودوره في التوعية بمخاطر التسمم الغذائي ومسبباته.
- التوصيات
- المصادر والمراجع
- المشاركون
- الملخص التنفيذي.
يتناول هذا التقرير قضية التسمم وتأثيره على سمعة القطاع الغذائي، وتطرقت أ.د. مها المنيف، و أ. علاء الدين برادة في الورقة الرئيسة إلى عدد من المحاور التي تلقي الضوء على العديد من الأبعاد المرتبطة بالتسمم الغذائي، والتي شملت: التعريف بالتسمم وقراءة في مؤشراته، الاسباب وأنواع التسمم الغذائي، تحديات السيطرة على التسمم الغذائي لاسيما ما يخص التسمم الغذائي كمشكلة متعددة الأطراف، وكذلك صعوبة عمليه الاستقصاء، بجانب قلة موارد مراكز الصحة والحماية الغذائية، كما عرضت الورقة لأمثلة من الواقع بالإشارة إلى حمى مالطا وما سببته من خسائر ماديه في المملكة، وإصابة الدواجن بالسالمونيلا، أيضاً فقد اهتمت الورقة بتوضيح تأثير التسمم الغذائي على الإنتاجية والاقتصاد الوطني بصفة عامة.
بينما أكَّدت د. سكينة الشيخ في التعقيب الأول على أن سلامة الغذاء من القضايا المركزية التي تؤثر على الصحة العامة والاقتصاد في المملكة، وفي هذا الإطار فقد بذلت الجهات الرسمية في المملكة جهوداً حثيثة في تنفيذ البرامج التوعوية والمراقبة الميدانية من خلال وزارة الصحة، فضلاً عن دور هيئة الغذاء والدواء في تطبيق معايير صارمة لضمان جودة المنتجات الغذائية، كما يقوم المعهد الوطني لأبحاث الصحة بإجراء دراسات مستمرة لتحليل المخاطر، إضافة لاضطلاع وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان بمراقبة التزام المنشئات بتطبيق معايير الجودة. وتطرق التعقيب لأهمية بناء نموذج عمل متكامل ضمن استراتيجية وطنية بأهداف واضحة ومبادرات فاعلة يتم مراقبتها ومتابعتها من خلال مؤشرات قياس أداء تضمن سلامة المواد الغذائية التي تصل للمستهلك.
في حين ركزت د. مرام الحربي في التعقيب الثاني على تأثير السموم على المجتمع والتنمية المستدامة، من خلال تسليط الضوء على التأثير الاقتصادي في ضوء ما يرتبط بالتسمم الغذائي من تكاليف للرعاية الصحية وزيادة نفقاتها، بجانب تأثيره في انخفاض الإنتاجية، أيضاً فقد اهتم التعقيب بالتأثيرات الاجتماعية الناجمة عن التسمم الغذائي في تعميق التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية ما يؤثر على أهداف التنمية المستدامة، فضلاً عن تأثيراته على الحياة الأسرية والضغوط العاطفية والنفسية على الأسرة بأكملها، وأخيراً اشتمل التعقيب على عدد من السياسات والإجراءات الفعالة التي من شأنها مواجهة التحديات المرتبطة بالتسمم الغذائي.
وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
- العوامل المؤثرة على سلامة الغذاء قبل وصوله إلى المستهلك.
- الأسباب الشائعة لحدوث التسمم الغذائي.
- واقع ومسببات التسمم الغذائي في المملكة.
- التأثيرات الناجمة عن التسمم الغذائي.
- التسمم الغذائي في المملكة من الناحية القانونية.
- المنتجات المستوردة وعلاقتها بالتسمم الغذائي في المملكة.
- آليات مواجهة التسمم في القطاع الغذائي في المملكة.
- تقنية البلوك تشين (Blockchain) والحد من التسمم الغذائي.
- الإعلام ودوره في التوعية بمخاطر التسمم الغذائي ومسبباته.
ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:
- تعزيز نظم السلامة الغذائية: من خلال تبني نظم إدارة سلامة الغذاء (HACCP) والاعتماد على المعايير المعترف بها عالميًا، مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO).
- التعليم والتثقيف: من خلال تنظيم دورات تدريبية مستمرة للعاملين في قطاع الأغذية حول ممارسات سلامة الغذاء وتوعية المستهلكين بإطلاق حملات توعوية مستمرة عبر وسائل الإعلام المختلفة.
- التفتيش والرقابة: من خلال مراجعة اللوائح والاشتراطات وجعلها تفصيلية قابلة للتطبيق ويسهل التعامل معها. وكذلك تشجيع استخدام التكنولوجيا الحديثة لتطبيق تقنيات الرقابة مثل البلوك تشين (Blockchain). وتوظيف الذكاء الاصطناعي لمراقبة سلامة الغذاء في كل مراحله.
- البحث والتطوير: من خلال دعم الأبحاث والدراسات العلمية المتعلقة بسلامة الغذاء وتطوير تقنيات جديدة للكشف عن الملوثات الغذائية وتشجيع الابتكار في مجالات التعبئة والتغليف الذكي لتقليل التلوث وضمان سلامة الغذاء.
- الاستجابة السريعة للطوارئ: وخاصة لحالات التسمم الغذائي للحد من تداعيات المشكلة الصحية والاقتصادية والأمنية.
- التوصية بضرورة إدخال صناعة التأمين في مجال الانتاج والتوزيع والنقل لضمان استقرار سلامة الغذاء وتقليل حالات التسمم الغذائي.
- ضرورة قيام وزارة السياحة بدورها في مراقبة المطاعم وأماكن تقديم الطعام بشكل آمن وتقوم بإعطاء تقييمات على الجودة على غرار نظام نجوم ميشلين.
- ضرورة ادراج التثقيف بسلامة الغذاء والوقاية من التسمم وطرق التعامل مع حالات التسمم الغذائي من الصفوف الأولية في التعليم الالزامي، وكذا الحقوق القانونية والقضائية المترتبة عليه.
- الورقة الرئيسة: أ.د. مها المنيف، أ. علاء الدين برادة
تمهيد
في الوقت الذي نكتب فيه قضيتنا عن التسمم الغذائي الشائكة والتي تمس فئة كبيرة من المجتمع، تطالعنا الصحف بأخبار مفادها أن دولة الدنمارك تسحب منتجات (معكرونة كورية شهيرة من الأسواق كونها تتسبب في التسمم. هذا الخبر وإن كان بسيطا في شكله إلا أنه يحمل خلفه الكثير من الاعتبارات وبالتالي نجد أنفسنا كمختصين في القطاع الصحي نحمل على عاتقنا مسؤولية أكبر في البحث عن حلول جذرية لهذه الإشكالية.
التسمم الغذائي يعتبر من اهم المشكلات في علم الصحة العامة والأكثر تحدياً في العصر الحديث حيث تساهم حركة النقل العالمية والعولمة في تسريع انتشار المرض من بلد إلى آخر وهو ما يتطلب استراتيجيات عالمية للوقاية والسيطرة على التسمم الغذائي.
إن التسمم الغذائي يسبب ضغط ليس فقط على المنظومة الصحية فحسب بل على اقتصاديات الدولة وسمعتها، خاصه انه لا تستبعد اي دولة من حدوث تسمم جماعيّ فيها بسبب الغذاء مع العلم انه هناك تباين في نسبه الحدوث بناء على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للبلدان المختلفة. فوفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية، يسجل سنوياً أكثر من (٦٠٠ مليون حالة تسمم غذائي في جميع أنحاء العالم)، مع حوالي 420(ألف حالة وفاة مرتبطة بهذه المشكلة). ومن الجدير بالذكر أن ثلث هذه الحالات تصيب الأطفال الذين تقل أعمارهم عن عام خمسه أعوام. وحسب تقديرات منظمه الصحة العالمية فإنه ١ من كل ١٠ اشخاص بالعالم معرض لاستهلاك طعام ملوث وسوف يصاب بتسمم الغذائي كل عام وهذا التسمم قد يسبب امراض واعراض حاده (مثل حرارة واسهال وآلام في البطن) وقد تتفاقم الاعراض لتصبح امراض مزمنة لدى الشخص المصاب (قد يسبب فشل كلوي أو التهاب كبدي أو حتى شلل كامل للجسم كما حدث في التسمم الأخير في مدينه الرياض). في اجتماع الجمعية العمومية لمنظمه الصحة العالمية الثالث والسبعين (٧٣) في مايو ٢٠٢٣ صدر بيان بإلزامية جميع الدول الاعضاء بإرسال تقارير عن التسمم الغذائي وامن الغذاء في بلدانهم وعلى المنظمة أن تنتج اول تقرير عن الامن الغذائي في العالم في عام ٢٠٢٥. والتقرير يجب أن يحتوي على نسبة الحدوث ونسبه الوفيات والمرضى من التسمم الغذائي في كل دوله ومنطقه في العالم. هذا البيان إن دل هذا على شيء فيدل على أن المشكلة لم تأخذ حقها في التبليغ ونشر الاحصائيات بدقه من بلدان العالم وكذلك لم تأخذ حقها بإيجاد أساليب الحماية والوقاية المبنية على البراهين والمعلومات. أضف انه لا يوجد الدعم الاقتصادي لإيجاد حلول جذرية على مستوى البلدان وخاصه النامية منها كون مؤشرات التنمية المستدامة السبعة عشر لم تتطرق إلى المشكلة كمؤشر خاص ولكنه أضيف جزافا إلى بعض المؤشرات الرئيسية. لذلك فإن قرار الجمعية العمومية جاء إلزاما لجميع الدول للتبليغ وجمع المعلومات من اجل ايجاد حلول عالميه جذريه عن التسمم الغذائي وامن الغذاء لأهمية هذه القضية لصحه الانسان والمجتمع وبسبب كثرة حدوثها.
قراءة في مؤشرات التسمم
أعلنت المملكة عن نظام الغذاء عام 1436 هـ، والذي ينص على التنسيق مع جهات مثل وزارة الشؤون البلدية والقروية وهيئة الغذاء والدواء. اليوم، تشارك هيئة الصحة العامة بخبرتها في التقصي الوبائي، وكذلك هيئة الغذاء والدواء عبر منصة “تيقظ”.
في المملكة تهتم هيئة الغذاء والدواء ووزارة الشؤون البلدية والقروية بهذا الأمر منذ سنوات، حيث شكلت الدولة لجانًا مشتركة بين عدة جهات وأصدر مجلس الوزراء منذ سنوات قرارًا بتشكيل لجان التسمم الغذائي ولجان الاستقصاء الوبائي، وتشكلت اللجان من وزارة الداخلية ووزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة الصحة، وما زال التطوير والتغيير مستمرًا ومازالت هذه اللجان تعمل.
ومع كل هذه الجهود الرامية إلى اجتثاث مشكلة التسمم الغذائي من جذورها في المملكة والانخفاض في عدد حالات التسمم؛ إلا أننا نؤمن بأن مضاعفة جهود التواصل بين الجهات بالإضافة إلى التوعية بسبل الوقاية هي أطلب أساس، لا سيما مع تطور المطاعم.
يعزز من ذلك أيضاً نمط الحياة السريع الذي يجعل الاستفادة من التقنيات الحديثة في الأتمتة جزء من منظومة الحل والتمكين لتسريع عملية اتخاذ القرار وسرعة الحصول على المعلومة.
كما يظهر من الرسم البياني المرفق أعلاه فإن عدد الحالات المرتبط بعمر المرضى يعطي مؤشرات بأن فئات عمرية معرضة للإصابة بشكل أكبر بسبب نمط الحياة. ورغم أن الحالات المنزلية تشكل نصف حالات العدوى مقارنة بالمصادر العامة إلا أن عدد الحالات لا يزال مرتفع نسبيا إذا ما أخذنا بالاعتبار درجة الاهتمام بشكل أكبر بسلامة الغذاء في المنزل.
مدخل وتعريف
التسمم الغذائي هو حالة مرضية تنجم عن تناول أطعمة فاسدة أو ملوثة بفعل الأحياء الدقيقة الضارة، كالبكتيريا أو الفطريات (العفن) أو الميكروبات والفيروسات، أو المواد الكيماوية.
البكتيريا:
من أشهر أنواع البكتيريا المسببة للتسمم الغذائي الكامبيلوباكتر والإي كولاي والليستريا والسالمونيلا
الفيروسات:
أغلب حالات التسمم الغذائي الفيروسي من فيروس نوروفيروس، وغالباً ما تكون الإصابة به نتيجة إهمال النظافة، بما في ذلك النظافة الشخصية، أثناء إعداد الطعام.
الطفيليات:
تعد الدودة الشريطية والدودة الحلقية والكائنات المجهرية الأولية وحيدة الخلية (البروتوزوا) من أكثر الطفيليات التي تنتقل عن طريق الطعام. ومن بين الكائنات الدقيقة المجهرية الأولية، تسبب التوكسوبلازما، أو المقوسة الغوندية، أشد حالات التسمم الغذائي وأكثرها خطورة
الأسباب وأنواع التسمم الغذائي:
- التسمم الغذائي المرتبط بالمنتجات الحيوانية: بصفه عامه يرتبط التسمم الغذائي غالباً بالمنتجات الغذائية المشتقة من الحيوانات، وتعزى الغالبية العظمى من الحالات إلى تناول الأطعمة الملوثة بالبكتيريا مثل (الإيكولاي والسالمونيلا). مثل اكل خضروات ملوثه ببقايا وفضلات الحيوانات أو عن طريق الألبان أو لحوم الحيوانات. هذا النوع الأكثر انتشارا عاده يأتي بشكل فاشيه outbreak.
بمعنى انه يصيب مجموعه من الناس وليس بشكل فردي، قد تكون المجموعة صغيره وبالإمكان حصرها أو كبيره وتنتشر في عده بلدان فمثلا في هذا العام حصل تسمم من بكتيريا الايكولاي التي تسبب الام معويه واستفراغ وفشل كلوي في المانيا بسبب لحم ملوث وانتقل هذا التسمم إلى ١٤ دوله في اوروبا تستخدم نفس المنتج ولأن البكتيريا التي تظهر في المنتجات الحيوانية ضعيفة نوعا ما وتحتاج إلى ظروف معيشيه معينه للانتشار لذلك النظافة وطبخ المنتجات الحيوانية جيدا يقضي عليها. في المملكة التسمم الغذائي الأكثر انتشارا هو تسمم من بكتيريا السالمونيلا الموجودة في الدواجن وتجد طريقها إلى الخضروات أو لحم الدجاج الغير مطبوخ جيدا (الشاورما).
- التسمم الغذائي المرتبط بالمعلبات: النوع الاخر من التسمم الغذائي الذي لا يرتبط بالمنتجات الحيوانية ويكون ناجم عن بكتيريا غير مألوفة مثل البكتيريا التي تظهر في المعلبات أو الأغذية.
واللحوم المجففة إذا لم يحسن تعليبها هذه البكتيريا تستطيع أن تعيش في ظروف قاسيه لذلك لا ترتبط بالنظافة أو الطبخ الجيد وانما بآليه تعليب وحفظ الأطعمة. على الرغم من أن هذه الحالات نادرة نسبياً، إلا أنها تحدث عندما تتهيأ الظروف المناسبة لنمو تلك البكتيريا. ومثال على ذلك ما حصل من تسمم غذائي في الرياض بسبب تعليب المايونيز (التسمم الوشيقي botulism.) الذي يسبب شلل لعضلات معينه قد ينتهي الامر لتوقف التنفس بسبب ضعف عضلات الصدر.
- التسمم الغذائي الفيروسي: وهناك نوع آخر من التسمم الغذائي مرتبط بالفيروسات يحصل في اماكن معينه في العالم وبصفه عامه هذا النوع ليس واسع الانتشار ومرتبط بأطعمة محددة.
تحديات السيطرة على التسمم الغذائي
- التسمم الغذائي مشكله متعددة الأطراف: التحكم والسيطرة على أنواع التسمم الغذائي تعد مهمة معقدة وصعبة للغاية نظراً للحاجة إلى تدخل ومشاركة عدد كبير من الجهات في هذه العملية. تتضمن هذه الجهات مختلف مراحل خط الإنتاج بدءاً من المزارع والمنتجين وصولاً إلى الموزعين بالإضافة إلى وزارات مختلفة مثل وزارة الصحة ووزارة الزراعة وجهات أخرى. كل واحدة من هذه الجهات تلعب دورًا أساسياً في ضمان سلامة المنتجات الغذائية قبل وصولها للمستهلك النهائي.
وفي أي مرحلة من هذه المراحل الإنتاجية يمكن أن يحدث خطأ معين يؤدي إلى تسمم غذائي. وعلى سبيل المثال يمكن أن يحدث تلوث في المزارع أثناء الزراعة أو في مراحل تجهيز وتصنيع المنتجات أو أثناء النقل والتوزيع، وحتى في نقاط البيع أو التخزين النهائي. كل هذه المراحل تتطلب مراقبة دقيقة وتنسيق متواصل بين الجهات المختلفة.
وبسبب تعقيد وتداخل هذه العوامل، يصبح التحكم والسيطرة على التسمم الغذائي عملية تحتاج إلى تعاون فاعل وتنسيق مستمر بين جميع الأطراف المعنية لضمان سلامة المنتجات الغذائية وحماية صحة المستهلكين
- صعوبة عمليه الاستقصاء : الإشكالية الأخرى التي تواجهنا في السيطرة على التسمم الغذائي هي أن أعراض المرض غالباً ما تكون واسعة الانتشار بين عدد كبير من الأشخاص، مما يجعل التحدي أكبر في تحديد المسببات وعزل الحالات المصابة، كما أن عملية الاستقصاء والبحث في حالات التسمم الغذائي ليست سهلة أبداً، فهي تتطلب تدقيقًا شاملاً وفحصًا دقيقًا لسلسلة طويلة من الإجراءات والعيّنات لمعرفه نوع البكتيريا وطرق انتشارها حيث يتعين على الجهات المختصة تتبع مصدر التلوث عبر كل مراحل الإنتاج والتوزيع وهذا يستغرق وقتاً طويلاً ويحتاج إلى جهود كبيرة من الفرق المختصة لضمان تحديد السبب ومكان حدوث الخطأ بدقة. لذلك فإن الوقاية من التسمم الغذائي يحتاج إلى تنسيق الجهود بين عده قطاعات والعديد من الأطراف المعنية بما في ذلك وزارات الزراعة والصحة والمياه والبيئة والمزارعين والمنتجين، والموزعين والمستهلكين… الخ.
- قلة موارد مراكز الصحة والحماية الغذائية: لا يخفى علينا بأن كل دولة تمتلك مركزاً للصحة والحماية الغذائية، إلا أن الميزانيات المخصصة لهذه المراكز غالباً ما تكون محدودة للغاية. يعود السبب في ذلك إلى أن هذه المراكز لا تحظى بالقدر الكافي من الاهتمام على الصعيد الدولي فقلما تعتبر مؤشراتها معياراً أساسياً لتقييم أداء الدول. فضلاً عن ذلك، فإن نجاح هذه المراكز يتطلب تعاوناً وثيقاً وتنسيقاً فعالاً بين مجموعة متنوعة من الجهات المعنية، بما في ذلك وزارات الصحة والزراعة والصناعة مما يجعل من عملية تحسين الحماية الغذائية مهمة معقدة تتطلب جهوداً متعددة الأبعاد.
والوضع الحالي يعزز من التحديات المرتبطة بضمان سلامة الغذاء، حيث أن قضايا التسمم الغذائي لا تزال بحاجة إلى زيادة التركيز والاهتمام. أن عدم توفير الموارد الكافية أو الاهتمام اللازم يقوض الجهود الرامية إلى حماية الصحة العامة وضمان معايير سلامة الغذاء. ولذا فإنه من الضروري أن يتم إعادة تقييم الأولويات والاستثمار بشكل أكبر في هذه المراكز من خلال تخصيص ميزانيات كافية وتعزيز التعاون بين مختلف الجهات المعنية لضمان تحسين فعالية برامج الحماية الغذائية والحفاظ على صحة وسلامة المستهلكين.
أمثلة من الواقع
- حمى مالطا وما سببته من خسائر ماديه في المملكة: حمى مالطا المعروفة علمياً بمرض brucellosis هي مرض بكتيري ينتقل من خلال تناول حليب الأغنام أو الأبقار غير المغلي. هذا السلوك يعد جزءاً من تقاليد وثقافات بعض المجتمعات، لكن المشكلة تكمن في أن الحيوانات الحاملة للبكتيريا قد تأتي من دول متعددة، ما يجعل من الصعب تتبع المصدر الأصلي للعدوى ووقف الاستيراد من تلك الدول بشكل فعال.
في التسعينيات عانت المملكة من تفشي كبير لهذا المرض، وكان من أبرز الإجراءات التي اتخذت لمكافحة هذه المشكلة هي وقف استيراد الحيوانات من العديد من الدول. بالإضافة إلى ذلك، تم تطبيق بروتوكولات صارمة للفحص المسبق في الدول المصدرة، لضمان عدم تصدير الحيوانات المصابة بالبكتيريا.
هذه الإجراءات كانت فعالة في السيطرة على المرض، إلا أنها أثرت سلباً على العديد من المزارع وقطاع الثروة الحيوانية. لقد تكبد العديد من المزارعين خسائر مالية كبيرة نتيجة وقف الاستيراد وتقييدات الفحص، مما أثر بشكل كبير على الاقتصاد المحلي والإنتاج الزراعي.
- انتشار اصابه الدواجن بالسالمونيلا بالمملكة: أيضاً فإن تسمم الدواجن يعد من أبرز المشكلات الصحية التي يمكن أن تنتج عن تناول الدجاج أو منتجاته المحملة بالبكتيريا، مثل (السالمونيلا). هذه البكتيريا يمكن أن تنتقل بسهولة خلال عمليات التقطيع والتحضير للطعام إذا لم تتم بطرق صحية ومعايير سلامة غذائية صارمة.
عند تحضير الدواجن في المنزل أو في المطاعم، يجب الحرص على غسل الأيدي والأدوات جيداً بعد التعامل مع اللحوم النيئة. من الضروري كذلك استخدام ألواح تقطيع وأواني مختلفة للحوم النيئة والخضروات أو الأطعمة الأخرى لمنع التلوث.
الإهمال في تلك الجوانب قد يؤدي إلى حالات تسمم غذائي خطيرة، تظهر أعراضها على شكل إسهال وآلام في البطن وغثيان، وقيء. هذه الحالات لا تؤثر فقط على الصحة الفردية بل تحمل أيضاً تداعيات اجتماعية واقتصادية. فعلى الصعيد الصحي تحتاج الحالات المصابة إلى رعاية طبية قد تكون مكلفة وقد تؤدي في بعض الأحيان إلى مضاعفات خطيرة تؤثر على جودة الحياة.
أما من الناحية الاقتصادية فإن وجود حالات تسمم واسعة النطاق يمكن أن يؤدي إلى تراجع ثقة المستهلكين في سلامة المنتجات المحلية من الدواجن مما يؤثر على قطاع الزراعة والدواجن ويؤدي إلى خسارة مالية كبيرة للمنتجين. أضف إلى أن اصحاب الدواجن قد يلجؤون لاستخدام المضادات الحيوية بكثره في الدواجن مما قد يؤثر على مدى صحة المنتج للاستهلاك الادمي بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تتعرض الشركات والمطاعم التي تتسبب في هذه الحالات إلى مقاضاة قانونية وغرامات مالية وكلفة تعويضات للمتضررين.
للتخفيف من هذه التأثيرات، يجب تشديد الرقابة على سلامة الغذاء عبر سلسلة الإنتاج كلها بدءاً من المزرعة وانتهاءً بالمائدة، بالإضافة إلى تعزيز التوعية بين المستهلكين والمطاعم بأهمية اتباع الممارسات الصحية السليمة عند تخزين وتحضير وطهي الدواجن.
تأثير التسمم الغذائي على الإنتاجية والاقتصاد الوطني
يشكل التسمم الغذائي تحدياً كبيراً للصحة العامة وله تأثيرات سلبية مُباشرة على الإنتاجية والاقتصاد الوطني. أبسط هذه التأثيرات تتضح في كلفة العلاج على النظام الصحي الوطني، بما في ذلك تكاليف الفحوصات الطبية والعلاج والرعاية الصحية المستعجلة. كما يمكن أن يؤدي تكرار حالات التسمم الغذائي إلى تراجع ثقة المستهلكين في جودة وسلامة الأغذية المحلية، مما يؤثر سلباً على تجارة وتصنيع الأغذية. في المجمل، يتسبب التسمم الغذائي في خسائر اقتصادية كبيرة تتمثل في تراجع الإنتاجية وزيادة الإنفاق الصحي والتأثير السلبي على سمعة وصادرات الأغذية الوطنية.
أما الأبعاد الاجتماعية للتسمم الغذائي فتشمل مجموعة من الآثار التي تمتد إلى ما وراء الصحة الفردية لتؤثر على المجتمع بأسره. عندما تتفشى حالات التسمم الغذائي، تتأثر الثقة المتبادلة بين المجتمعات المحلية والأسر والمؤسسات الغذائية. يقل الإحساس بالأمان فيما يتعلق بالطعام والشراب، مما يؤدي إلى قلق عام حول سلامة المنتجات الغذائية المتاحة.
كما يمكن أن تؤدي مثل هذه الأحداث إلى تراجع الثقة في الجهات التنظيمية المسؤولة عن مراقبة جودة وسلامة الأغذية، مع شعور الجمهور بأن الإجراءات الرقابية غير كافية لضمان سلامتهم. بالنسبة للعلامات التجارية والشركات الغذائية يمكن أن تكون العواقب وخيمة؛ تلوث غذائي واحد يمكن أن يدمر سمعة الشركة لعقود مما يؤدي إلى خسارة العملاء والإيرادات. علاوة على ذلك، قد تتعرض مجتمعات بأكملها للوصم إذا كانت من منطقة ما معروف عنها إنتاج أزمة غذائية معروفة بالتلوث. هذه الأبعاد الاجتماعية تنعكس في النهاية على الترابط الاجتماعي والثقة في أنظمة الغذاء المحلية، مما يشعر المجتمع بعدم الاستقرار والقلق المستمر حول سلامة الغذاء اليومي.
التوصيات
- تحسين التواصل الفعال بين الجهات من خلال إنشاء منصة إلكترونية مشتركة لتبادل المعلومات والبيانات، أو من خلال تنظيم اجتماعات دورية بين المسؤولين في مختلف الجهات.
- وضع برامج بحثية محددة تدعم البحث والتطوير والابتكار في قطاع التغذية والصحة العامة، وتحديد الجهات الممولة لهذه البرامج.
- وضع آليات لتطوير معايير بيئية جديدة للكشف عن الملوثات ومتابعتها، وتحديد أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال، وتقديم أدلة وبراهين تثبت الحاجة إلى هذه المعايير.
- تشارك البيانات والمعلومات بين مختلف الجهات يمكن أن يكون له دور كبير في التعرف على مصادر التلوث والمشكلات المرتبطة بها.
- وضع معايير موحدة لجودة وسلامة الغذاء يمكن أن يضمن تطبيق نفس المستويات العالية من الأمان في جميع النقاط بما فيها الإنتاج والنقل والتوزيع.
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: د. سكينة الشيخ
سلامة الغذاء من القضايا المركزية التي تؤثر على الصحة العامة والاقتصاد في المملكة، والجدير بالذكر أن هناك جهود جبارة مبذولة من قبل الجهات الرسمية في المملكة متمثلة بوزارة الصحة، ودورها في تنفيذ البرامج التوعوية والمراقبة الميدانية. هيئة الغذاء والدواء تعمل على تطبيق معايير صارمة لضمان جودة المنتجات الغذائية، بينما يقوم المعهد الوطني لأبحاث الصحة بإجراء دراسات مستمرة لتحليل المخاطر. كذلك وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان التي تعمل على مراقبة التزام المنشئات بتطبيق معايير الجودة. إضافة لذلك يعتبر البحث العلمي المستمر لعينات الغذاء محورًا رئيسيًا في استراتيجية سلامة الغذاء. ويمكن تحقيق ذلك من خلال شراكات مع الجامعات والمراكز البحثية لإجراء دراسات ميدانية وتحليلية شاملة.
في هذا التعقيب سأتطرق لأهمية بناء نموذج عمل متكامل ضمن استراتيجية وطنية بأهداف واضحة ومبادرات فاعلة يتم مراقبتها ومتابعتها من خلال مؤشرات قياس أداء تضمن سلامة المواد الغذائية التي تصل ليد المستهلك.
أهم ركائز هذا النموذج هي:
- الإنسان
- الأرض (تشمل الماء والهواء والتربة)
- الاقتصاد
أهم محاور هذا النموذج هي:
- البحث العلمي.
- حوكمة إجراءات تصنيع، إنتاج، ونقل وتخزين المواد الغذائية.
- الرقابة على تسويق هذه المنتجات للحد من غش المستفيد بمعلومات أو تجارب مغلوطة.
- تجربة المستفيد.
- الأثر الاقتصادي.
- البحث العلمي
يعتبر البحث العلمي المستمر لعينات الغذاء محورًا رئيسيًا في استراتيجية سلامة الغذاء. ويمكن تحقيق ذلك من خلال شراكات مع الجامعات والمراكز البحثية لإجراء دراسات ميدانية وتحليلية شاملة تتضمن الأطعمة الأكثر استهلاكا ضمن المجموعات الغذائية الخمسة المتوفرة في السوق السعودي من أكبر وأهم مصادرها كـ:
- الحبوب (كالدقيق، الشعير، القهوة …إلخ)
- الخضروات
- الفاكهة
- الحليب ومشتقاته
- اللحوم الحمراء والدواجن والأسماك
ومن هنا سيتم الكشف عن أهم مسببات التسمم بالمعادن الثقيلة والأطعمة الفاسدة. حيث أن الاستقصاء في حالات التسمم بالمعادن الثقيلة على وجه الخصوص قد يكون أصعب ويحتاج مدد أطول وذلك لارتباطه بتلوث المناخ والمياه والتربة ولظهور أعراضه بعد مدة زمنية طويلة. هنا تكمن أهمية الاستعانة بالبحث العلمي المستمر لجميع عينات الغذاء المتوفرة للاستهلاك الآدمي والحيواني وكذلك الأسمدة والمبيدات حيث أنهم مرتبطين ارتباط وثيق بسلامة الغذاء. ودراستها بشكل دقيق وتقصي وجود البكتيريا والملوثات إلى جانب نسب المعادن وتأثيرها التراكمي على المدى البعيد على صحة الفرد والمجتمع وماله من أثر على الاقتصاد المحلي في الحاضر والمستقبل. في حين أن الاستفادة من مخرجات البحث العلمي سيكون أساسيا في التنبؤ بالمشكلة والحد منها أو الحلول دون حدوثها.
- حوكمة إجراءات تصنيع، وإنتاج، ونقل وتخزين المواد الغذائية
تشترك فيها جهات عدة تشمل وزارة الزراعة والمياه، وزارة الصناعة، وزارة النقل، وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، هيئة الغذاء والدواء إلى جانب جمعية حماية المستهلك والعديد من الجهات التي لها دور مباشر أو غير مباشر في تصنيع ونقل وتخزين المنتج الغذائي.
أهم مخرجات هذا المحور تطوير التقنيات والممارسات الصناعية والزراعية إلى جانب تثقيف وتوجيه ومراقبة عمليات انتاج ونقل وتخزين المواد الغذائية والأسمدة والمبيدات. إضافة لذلك توعية المجتمع بأهمية سلامة المنتج الغذائي قبل الاستهلاك.
- الرقابة على تسويق هذه المنتجات للحد من غش المستفيد بمعلومات أو تجارب مغلوطة.
تعنى به وزارة الصحة، وزارة التجارة ووزارة الإعلام بجميع أذرعهم وفروعهم ذات العلاقة لضمان عدم انتشار المعلومات المغلوطة التي يترتب عليها زيادة استهلاك الفرد في المجتمع لمنتجات غير مناسبة إلى جانب زيادة الوعي للمستهلك بالممارسات السليمة لاستهلاك المواد الغذائية المتاحة والمعلن عنها في الأسواق. على سبيل المثال لا الحصر سن تشريعات وضوابط للحد من التسويق لمنتجات عالية بالمعادن الثقيلة بدون الإفصاح عن ذلك وتشجيع المستهلك على استهلاكه بكميات أكثر من الاحتياج ما يترتب عليه تسمم بالمعادن الثقيلة في المستقبل.
- تجربة المستفيد.
تتضافر فيه جهود وزارة التجارة والصحة والشؤون البلدية والقروية وجميع من لهم علاقة لصياغة خارطة سير المنتج الغذائي لضمان سلامة وصوله للمستفيد وسهولة الحصول عليه وتوفره بالأسواق.
- الأثر الاقتصادي
أحد أهم المحاور حيث تعنى به وزارة الاستثمار، وزارة المالية، ووزارة الصحة بكل أذرعهم الاقتصادية لمراقبة تأثير تطبيق هذا النموذج على صحة الفرد وإنتاجيته على المدى القريب والبعيد.
وفي الختام، لا يمكن تحقيق سلامة الغذاء إلا من خلال تعاون وتضافر جهود جميع الجهات المعنية.
إن استثمارنا في البحث العلمي وتطبيق معايير صارمة سيسهم في حماية صحة المجتمع وتعزيز اقتصادنا الوطني.
التوصيات:
إن تطبيق هذا النموذج قد يحقق نتائج فعالة أهمها:
- تعزيز البحوث في مجال صناعة وإنتاج الأغذية.
- بناء استراتيجية وطنية محكمة تعنى بتطوير صناعة الغذاء والأمن الغذائي بالمملكة.
- التحديث المستمر للضوابط والتشريعات المعمول بها في صناعة الغذاء كنتيجة لمخرجات الدراسات والبحوث العلمية وذلك لضمان سلامة الغذاء والأمن الغذائي.
- توفير أفضل الممارسات المبنية على البراهين في تصنيع ونقل وتخزين واستهلاك المنتج الغذائي.
- تطوير تقنيات جديدة في صناعة الغذاء وتحسين الاستفادة من الموارد الزراعية والحيوانية والثروة السمكية.
- رفع ثقة المستهلك بالغذاء المتوفر في المملكة وقد ينعكس ذلك على الاقتصاد المحلي ويجعل المملكة في مقدمة الدول التي تصدر الغذاء النظيف للعالم.
- التعقيب الثاني: د. مرام الحربي
ما سوف اتطرق له في هذه القضية التركيز على تأثير السموم على المجتمع والتنمية المستدامة.
للتسمم الغذائي بمفهومه الواسع تأثير على الأمن الغذائي وبالتالي على التنمية المستدامة، فانتشار السموم له تأثيرات عميقة ومتعددة الأبعاد على المجتمع والتنمية وفيما يلي سأتناول عدد من تلك الابعاد:
التأثير الاقتصادي:
أن الزيادة في حالات التسمم الغذائي تؤدي إلى زيادة النفقات الصحية العامة والخاصة. وبدورها فإن تكاليف العلاج، المستشفيات، الأدوية، والرعاية الطبية الإضافية تضع عبئًا كبيرًا على الأنظمة الصحية. وقد ذكرت منظمة الصحة العالمية ” تسجَّل خسائر سنوية قدرها 110 مليارات دولار أمريكي من حيث الإنتاجية والنفقات الطبية بسبب الأغذية غير المأمونة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
كذلك له تأثير في انخفاض الإنتاجية من خلال الموظفين المتعرضين للتسمم قد يضطرون للتغيب عن العمل أو الدراسة لفترات تمتد من أيام إلى أسابيع، مما يؤثر سلبًا على الإنتاجية الاقتصادية. في بعض الحالات، قد يعاني المرضى من عجز طويل الأمد يؤثر على قدرتهم على العمل مستقبلاً أو حتى الوفاة. كما يتضح تأثيرها أيضاً على الصناعات الغذائية: الشركات المنتجة للأغذية قد تواجه خسائر مالية كبيرة بسبب استدعاء المنتجات الملوثة أو اغلاقها فقدان الثقة من قبل المستهلكين، والدعاوى القضائية المحتملة.
التأثيرات الاجتماعية:
ذكرت منظمة الصحة العالمية أن “هناك ارتباط وثيق بين السلامة الغذائية والتغذية والأمن الغذائي. وتولّد الأغذية غير المأمونة حلقة مفرغة من الأمراض وسوء التغذية إذ تؤثر بشكل خاص في الرُضع وصغار الأطفال والمسنّين والمرضى”. ولعل الفئات الهشة والفئات الأكثر فقرًا وهشاشة غالبًا ما تكون الأكثر عرضة للإصابة بالتسمم الغذائي بسبب نقص الوعي، التعليم، والوصول إلى مصادر غذاء آمنة. هذا يعمق التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية الذي يؤثر على اهداف التنمية المستدامة.
كما أن للتسمم الغذائي تأثير على الحياة الأسرية؛ حيث أن تسمم أحد أفراد الأسرة يؤدي إلى ضغوط عاطفية ونفسية على الأسرة بأكملها، فضلاً عن الأعباء المالية الناتجة عن الرعاية الصحية.
وللوقاية من التسمم الغذائي لابد من الالتزام بالنظافة الشخصية مثل غسل اليدين بانتظام قبل إعداد الطعام. كذلك الحرص على التخزين السليم بمراعاة تخزين الأطعمة في درجات الحرارة المناسبة لتجنب نمو البكتيريا. والاهتمام بالطهي الجيد للأطعمة بدرجات حرارة كافية لقتل الميكروبات الضارة.
التسمم الغذائي يمثل تحديًا صحيًا كبيرًا، ويمكن الوقاية منه عبر اتباع ممارسات السلامة الغذائية الصحيحة والتوعية بمخاطره.
لمواجهة هذه التحديات، تحتاج الحكومات والمجتمعات إلى تبني سياسات وإجراءات فعالة تشمل:
- التشريعات بتطوير ووضع وتطبيق قوانين صارمة لضمان إدارة سلامة الغذاء والعاملين.
- التوعية من خلال زيادة الوعي للمستهلك والمنتج حول أفضل ممارسات السلامة الغذائية بين العامة والنظافة والتعقيم.
- الرصد والمراقبة بتعزيز نظم الرصد والمراقبة للكشف عن حالات التسمم الغذائي بسرعة والاستجابة لها بفعالية.
- تعزيز البحوث والتطوير والتقنيات النظيفة ودعم البحوث في مجال سلامة الغذاء لتطوير تقنيات جديدة وتحسين الممارسات الزراعية والصناعية.
- بناء استراتيجية وطنية لإدارة سلامة الغذاء بأهداف استراتيجية واضحة ومبادرات فاعلة تتحقق من خلال مؤشرات قياس الأداء.
- المداخلات حول القضية
- العوامل المؤثرة على سلامة الغذاء قبل وصوله إلى المستهلك.
توجد عدة عوامل مهمة تؤثر على سلامة الغذاء قبل وصوله إلى المستهلك مثل:
- درجة الحرارة: فدرجة الحرارة المناسبة للتخزين هي من العوامل الرئيسية التي تؤثر على سلامة الأغذية. فالحفاظ على درجة الحرارة المناسبة يمنع نمو الكائنات الممرضة والفطريات التي قد تسبب تلوث الأغذية.
- الإضاءة: التعرض المفرط للضوء، وخاصة الضوء المباشر، قد يؤدي إلى تحلل بعض المواد الغذائية والفيتامينات والعناصر الغذائية الأخرى.
- الرطوبة: المستويات العالية من الرطوبة قد تؤدي إلى نمو الفطريات والبكتيريا الضارة على الأغذية المخزنة.
- التهوية: التهوية السيئة يمكن أن تؤدي إلى تراكم الغازات السامة أو تفاعلات كيميائية غير مرغوب فيها.
- النظافة: النظافة والتعقيم المناسبين للمساحات التخزينية وأوعية التخزين أمر بالغ الأهمية لمنع التلوث البكتيري أو الميكروبي.
- مدة التخزين: تخزين الأغذية لفترات طويلة جدًا قد يؤدي إلى تدهور جودتها الغذائية وسلامتها.
هذه العوامل مجتمعة تؤثر بشكل كبير على سلامة الأغذية قبل وصولها للمستهلك النهائي. لذلك من المهم مراعاتها بدقة خلال جميع مراحل التداول والتخزين.
في الماضي كنا نجد مثلا موزعين الالبان والعصائر يضعون منتجاتهم على باب البقالة وتحت الشمس إذا وصل الموزع قبل موعد عمل البقالة. هذه الممارسة انتهت نتيجة تلف المواد الغذائية من الحرارة.
أحد الأمثلة على متابعة نقل الأغذية هي في نقل كميات الحليب من المزرعة للمصنع. تسببت ممارسات السائقين في تأثر جودة الحليب. الشركات السعودية الآن تضع مستشعرات على خزانات الحليب لمراقبة درجة الحرارة. تقريبا كل شركات الالبان توقف الإنتاج في مصانعها وتنظف انابيب نقل الحليب والخزانات بشكل دوري. هذه الممارسات لم تكن بسبب إجراءات حكومية انما بسبب المنافسة المباشرة بين شركات الالبان وتطبيق الممارسات السليمة في إنتاج الألبان.
- الأسباب الشائعة لحدوث التسمم الغذائي.
من الأسباب الشائعة لحدوث التسمم الغذائي الأسباب التالية:
- ظاهرة الأكل خارج المنازل: نلاحظ في العقود الأخيرة، تساهل الناس حول الغذاء الصحي والنظيف، وتفضيلهم للأكل في المطاعم أو الفنادق والأسواق وغيرها، ولعل الحالات التي تم الإعلان عنها في أبي عريش أو الرياض أو غيرها من الحالات في مختلف دول العالم تؤكد ذلك.
- الممارسات الخاطئة داخل المنازل: هناك سلوكيات عديدة تتم داخل مطابخ المنازل، منها:
- عدم تنظيف مكونات الغذاء بشكل جيد قبل طبخها.
- عدم تسخين الأكل بشكل مناسب.
- الاحتفاظ بالطعام لفترات طويلة قبل إعادة تسخينه وأكله.
- عدم الانتباه لفترات تخزين وانتهاء صلاحية اللحوم ومنتجات الألبان وغيرها من الأطعمة.
- عدم نظافة العاملين على إعداد وطهي الطعام: ولعل المراقب لهذا الأمر يرى ذلك بوضوح تام، مظاهر، أو سلوكيات العمالة التي تعمل على تجهيز أو طهي الطعام في المطاعم المختلفة، أو البوفيهات المنتشرة، التدني الشديد في مستوى النظافة الشخصية، لمعظمهم، خاصة في الأحياء الشعبية. كذلك يرى عدم اكتراثهم أو اتباعهم للاشتراطات الصحية المفروضة من الجهات الرقابية في كل وقت وحين.
- ظاهرة توصيل الأطعمة إلى المنازل: ففي السنوات الأخيرة أصبحت الطلبات اليومية، من المطاعم، هي ديدن الأسر بمختلف مستوياتها، وهذه الظاهرة الملفتة، والمزعجة في نفس الوقت، لا يخلو بيت منها. وسيتم الاستغناء التدريجي عن أكل البيوت النظيف والمضمون، واستبداله، بطعام، لا يمكن ضمان سلامته من التلوث أو الفيروسات، سواء من المصدر، أو من العامل الذي يقوم بتوصيله، أو بسبب الوقت الطويل الذي مر عليه من تحضيريه إلى وصوله إلى المستهلك، خاصة في أجواء الصيف اللاهبة.
- السفر والسياحة: من الطبيعي أن يتعرض الأفراد للتسمم الغذائي أثناء السفر وتناول الطعام في بلدان أخرى. فاختلاف الممارسات الصحية والنظام الغذائي والمعايير الصحية قد يزيد من احتمالية التعرض للأطعمة الملوثة. والمتأمل لأكل الشوارع في مختلف البلدان حول العالم يشاهد تدني جودة ونظافة تلك الأطعمة، على الرغم من تهافت الناس عليها.
- تلوث الماء: قد يتعرض الماء المستخدم في ري المحاصيل أو غسيل أو تحضير الأطعمة للتلوث بالميكروبات الضارة أو المواد الكيميائية السامة. والكارثة الكبرى عندما تختلط مياه الري بمياه الصرف الصحي.
- تلوث الأغذية بالمبيدات الضارة: يحدث تلوث الأطعمة في أي مرحلة من سلسلة التوريد الغذائي، بدءًا من إنتاج المحاصيل الزراعية وتربية المواشي وحتى التصنيع والتوزيع. إن استخدام المبيدات الزراعية الضارة أو الأساليب الزراعية غير السليمة يسبب تلويث الأغذية. وتطالعنا وسائل الإعلام بين وقت وأخر بتحذيرات للجهات المعنية حول الاستخدام المفرط للأسمدة الكيميائية أو المبيدات من قبل العمالة الوافدة في زراعة الورقيات أو التمور في مختلف المناطق.
- الفواكه والخضروات كأحد أهم أسباب التسمم الغذائي: ثمة ملصقات على منتجات الفواكه والخضار تحتوي عادةً على أرقام تُعرف بـ “رموز PLU” (Price Look-Up) التي تساعد في التعرف على نوع المنتج وكيفية زراعته. وفي عام 2009، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية قانونًا يُعرف بـ “قانون وضع العلامات لبلد المنشأ” (Country of Origin Labeling – COOL). يلزم هذا القانون تجار الفواكه والخضروات وغيرهم من بائعي المواد الغذائية بإخبار المستهلكين عن البلد الذي تم إنتاج هذه الثمار فيه. وهذا القانون يهدف إلى تزويد المستهلكين بمعلومات واضحة حول مصدر المنتجات الزراعية التي يشترونها، تعزيز الشفافية في سلسلة الإمداد الغذائي، أيضاً تمكين المستهلكين من اتخاذ قرارات شراء الفواكه والخضراوات بناءً على تفضيلاتهم للمنتجات المحلية أو المنتجات من بلدان معينة، على سبيل المثال:
- رمز مكون من 4 أرقام: يشير إلى أن الفاكهة أو الخضار زُرعت باستخدام الزراعة التقليدية، مع استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية.
- رمز مكون من 5 أرقام يبدأ برقم “8”: يشير إلى أن المنتج معدل وراثيًا.
- رمز مكون من 5 أرقام يبدأ برقم “9”: يشير إلى أن المنتج زُرع باستخدام الزراعة العضوية، بدون أسمدة أو مواد كيميائية.
- الفاكهة بدون ملصق: عدم وجود ملصق لا يعني أن الفاكهة غير صالحة للاستهلاك، وقد يكون بسبب إغفال وضعه أو أن المنتج جاء من مزرعة صغيرة محلية.
أيضا وضع الاتحاد الدولي لمعايير المنتجات الطازجة(IFPS) The International Federation for Produce Standards مجموعة من الأرقام المخصصة لتجار التجزئة بعيدًا عن مكان زراعة الثمرة. يتم إعطاء نفس الثمرة نفس الرقم في أي مكان في العالم. على سبيل المثال، رمز الموز في فلوريدا هو 4011 ورمز الموز في المكسيك هو 4011. هذا النظام يساعد على تسهيل تحديد المنتجات على التجار في جميع أنحاء العالم.
- واقع ومسببات التسمم الغذائي في المملكة.
تقع مسؤولية الرقابة على الأغذية في المملكة على عدة هيئات أو وزارات. وقد تكون أدوار هذه الهيئات والوكالات ومسؤوليتها مختلفة وقد يكون هناك ازدواج في النشاط أو تشتت في الرقابة وفي التنسيق. كما قد تتعارض مسؤولية حماية الصحة العامة مع التزامات تيسير التجارة أو تطوير الزراعة أو تحسين انتاج قطاع الدواجن واللحوم أو إحدى الصناعات أو التعليب الخ.
والتشريعات بالمملكة لا تخوّل سلطة واضحة لهيئة معينة للرقابة على الأغذية من أجل منع وقوع مشكلات في سلامة الأغذية؛ لوجود عده وزارات معنيه بهذا الملف وهي وزارة الصحة ووزارة الزراعة ووزارة التجارة ووزارة البيئة ووزارة الصناعة. والنتيجة هي أن برامج سلامة الأغذية تكتفي بالعمل بعد وقوع المخالفة وتتجه نحو الإنفاذ بدلاً من أن تتجه نحو الوقاية. مما يؤدي إلى الضغط على أصحاب المطاعم والمنتجين والموزعين.. الخ بسبب قلة التنسيق بين الجهات. اضافه إلى ضعف اليات التفتيش وتعارضها بين الوزارات.
وإجمالاً يشير واقع المملكة فيما يتعلق بالتسمم الغذائي إلى ما يلي:
- وجود أنظمة واجهزة رقابية من جهات متعددة حول قضية التسمم الغذائي دون عمل تكاملي.
- هناك جهود ملحوظة تقوم بها الجهات المعنية في اداره العمليات والمتابعة واشراك المستخدم من خلال الخطوط الساخنة جعلت السيطرة أفضل رغم الأعداد المهولة من مصادر التغذية من مصانع ومطاعم ونحوها.
- مناخ المملكة يمثل بيئة خصبة لحدوث التلوث خاصّة درجة الحرارة المناسبة لحياة الميكروبات وغيرها.
- وجود عمالة غير متعلمة وغير صحية وغير مدربة وبالتالي غير لائقة صحيا أو غيره.
- قلة الوعي الصحي لدى المستثمر والعامل والمستهلك بالمخاطر البيولوجية والكيميائية والفيزيائية؛ وبالتالي يكون اعداد الغذاء تحت أيدي عاملة غير واعية بأسس سلامة الغذاء.
- التوعية بالتشريعات الغذائية غير معلن كما ينبغي.
- هناك ضعف في الرقابة على الأغذية عالية الخطورة مثل الدواجن واللحوم والبيض، ومنتجات الألبان، والفواكه والخضروات، والأغذية البحرية من الجهات الرقابية نتيجة للاستهلاك الهائل.
- ضعف التقصي وآليات التحكم في مصادر الميكروبات كالإنسان العامل والحيوان كمصدر للغذاء والمياه والأسمدة والأدوية البيطرية وغيره.
- ضعف الرقابة على الظروف الصحية والوقائية للمنشأة الغذائية.
وفي تصور البعض فإن معظم الجهود لمواجهة التسمم في القطاع الغذائي بالمملكة تنصب في المرحلة الثانية من ناحية المراقبة ووضع الأنظمة والقوانين لضمان سلامة الأغذية، بينما أقل مرحلة من ناحية العناية والرقابة هي المرحلة الأخيرة، ومن ثم فإننا نحتاج لرفع التوعية للمستفيد خصوصا في المواسم والشفافية في ادارة ورصد الحالات ووضع لوائح صارمة لجهات التوصيل من ناحيه الحفظ والتبريد، فعلى سبيل المثال: كيف لعامل التوصيل أن يضع الطعام في سيارة غير مكيفة ويضع الطعام في اماكن وضع القدم في السيارة الخاصة دون الالتزام بمعايير واضحة لكيفيه نقل وحفظ الطعام اثناء التوصيل؟ وكيف لعامل التوصيل أن يستغرق لتوصيل الطعام أكثر من الوقت المطلوب لأنه اختار أن يقوم بتوصيل أكثر من طلب بنفس الوقت ما يزيد من احتماليه التسمم مع حرارة الجو خصوصا في الصيف؟
ويلاحظ انه لدى المملكة مشكله في التعاون والترابط بين الجهات المسؤولة بسبب تشعب الاختصاص وكثرة عدد هذه الجهات، كما لا يوجد جهة عليا واحدة مسؤولة عن سلامة الغذاء بالمملكة من جميع النواحي، صحيح أنه لدينا هيئة الدواء والغذاء ولدينا هيئه الصحة العامة لكن كلاهما ليس لديهم القدرة على التحكم بما تقدمه الوزارات الأخرى المسؤولة عن سلامة الغذاء مثل وزارة البيئة والبلديات أو وزاره الزراعة.. الخ. ففي اي قضية يتعدد فيها الأطراف والمؤسسات يكون صعب التعاون والترابط بينهما وهذه المشكلة هي من اهم اسباب استمرار حدوث حالات التسمم الجماعي بسبب عدم امان الغذاء من خضروات أو دواجن أو لحوم أو معلبات.
وللأسف فإن أغلب المنشآت المختصة بمجال التغذية لا تلقي بالا لمبدأ الجودة النوعية ومراقبة الجودة. ويعتبرونها إجراء هامشي لا يؤثر بشكل كبير على سير المنشأة. والواقع أن عملية صناعة العلامة التجارية Branding يهتم بالدرجة الأولى بالجودة النوعية ومراقبة الجودة، كما أن هناك مفهوم خاطئ بين أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة وخاصة في مجال الأغذية يظنون أن التغليف وديكور المكان هو من يصنع العلامة التجارية.
- التأثيرات الناجمة عن التسمم الغذائي.
يُعتبر التسمم الغذائي بلاشك من أبرز التحديات الصحية التي تواجه العالم اليوم، إذ يُعزى إلى تناول أطعمة ملوثة بالبكتيريا أو الفيروسات أو الطفيليات أو السموم الكيميائية. تتراوح أعراضه بين الخفيفة والشديدة، وقد تصل في بعض الحالات إلى تهديد الحياة.
في السعودية، يُعد قطاع الأغذية جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد الوطني، حيث يعتمد بشكل كبير على جودة وسلامة المنتجات الغذائية المقدمة للمستهلكين. إن حدوث حالات التسمم الغذائي يمكن أن يلحق ضررًا بالغًا بسمعة هذا القطاع، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة وتأثير سلبي على ثقة المستهلكين.
ومن ثم يعد التسمم الغذائي من مهددات الأمن الوطني، وصحيح أنه ليس من المهددات والمخاطر الوطنية الكبرى، نظرا لتكرار حدوثه، وسرعة اكتشافه وإمكانية السيطرة عليه من خلال الإجراءات الوقاية الروتينية، وكذلك في حال تحوله إلى أزمة. بيد أن ارتباطه بقضايا ومؤسسات عديدة يزيد من أهميته، وقاية وعلاجاً.
ويعد التلوث الغذائي أحد أهم عناصر الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي في المملكة الصادرة عام 1439، سيما في الهدف الاستراتيجي الرابع الذي ينص على ضمان الحصول على غذاء آمن ومغذ في المملكة وتشجيع العادات الغذائية والصحية.
ومن الاهتمام العالمي للغذاء فقد صمم له عدد من المعايير، أبرزها المعيار الدولي لإدارة السلامة الغذائية آيزو 22000. فعندما يحدث تفشي للتسمم الغذائي بسبب طعام ملوث، يمكن أن يؤدي ذلك إلى إصابة عديد من الناس وتدهور الحالة الصحية العامة، مما يمكن أن يؤثر على قدرة البلد في الحفاظ على صحة السكان. وربما يتسبب التسمم الغذائي في توقف الإنتاج الزراعي أو الصناعي، وبالتالي يمكن أن يؤثر على القطاع الاقتصادي والاستقرار الاقتصادي للبلد. وهذا بدوره قد يؤثر على الأمن الغذائي للدولة، خاصة إذا كان مصدر التسمم مجهولا. ولهذا فإن عمليات التسميم الغذائي التي قد تكون متعمدة، ربما تتسبب في زعزعة الاستقرار الاقتصادي وكذلك التأثير سلباً على الامن الغذائي وهو ما يخشى أن يقود إلى اضطرابات اجتماعية، وبالتالي تهديد الاستقرار الاجتماعي والسياسي للبلد.
- التسمم الغذائي في المملكة من الناحية القانونية.
- تقوم لجنة مكونة من وزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة الداخلية ووزارة الصحة والهيئة العامة للغذاء والدواء بالتحقيق في حوادث التسمم الغذائي وتحديد السبب والمتسبب وحصر المسؤولية وترفع اللجنة نتائج التحقيق إلى وزير الشؤون البلدية والقروية متضمنة التوصية بالعقوبة المناسبة ليقرر بدوره توقيع تلك العقوبة ويجوز التظلم من القرار الصادر بالعقوبة أمام ديوان المظالم خلال ستين يوما من تاريخ تبليغ القرار.
- رصد ومتابعة حالات التسمم من اختصاص امانات المناطق والمنشآت الصحية ويهدف الاجراء إلى تمكين المنشآت الصحية من تسجيل بلاغ تسمم غذائي بشكل آلي ومتكامل من خلال البوابة الالكترونية لأمانة المنطقة مع متابعة حالة الطلب على البوابة الالكترونية للخدمات البلدية لأمانة منطقة الرياض.
- كشفت لائحة الغرامات والجزاءات عن المخالفات البلدية، وفقًا لدليل عقوبات حوادث التسمم الغذائي، الغرامات التي تقع عند حدوث حوادث تسمى مثبتة، التي تصل إلى 10 آلاف ريال عن كل متضرر مصاب، ولا تقل عن ألف ريال، مع غلق المنشأة المتسببة لمدة لا تقل عن شهر.
- الاجراءات الوقائية عند وقوع حالة تسمم:
- إبلاغ أمانة المنطقة ت 940
- مباشرة البلاغ واتخاذ الاجراءات الاحترازية
- الرقابة الصحية
- معالجة الحالات المرضية
- ضبط المواد المسببة للتسمم
- اغلاق المنشأة احترازيا لمدة لا تقل عن خمسة ايام
- التحقيق واعداد التقارير وتطبيق العقوبات
- تفعيل الاشتراطات الصحية
- العقوبات جميعها في الحق العام ويجوز لكل متضرر اصيب بحالة تسمم رفع مطالبة بالحق الخاص عن الاضرار التي اصيب بها رغم عدم وجود نص نظامي خاص بحالات التسمم؛ الا أن نظام المعاملات المدنية اجاز لكل متضرر المطالبة بالتعويض، حيث نصت المادة الثامنة والثلاثون بعد المائة على تحديد الضرر الذي يلتزم المسؤول بالتعويض عنه بقدر ما لحق المتضرر من خسارة فاتته أو كسب له، إضافة إلى التعويض عن الفعل الضار، والتعويض عن الضرر المعنوي وما يلحق بالشخص ذي الصفة الطبيعية، سواء ضررًا نفسيًّا أو حسيًّا نتيجة المساس بجسمه أو حريته أو سمعته. وتقدر المحكمة الضرر والتعويض بالنقد أو ما تراه المحكمة مناسبًا للمتضرر ومناسبًا طبقًا للمادة المنصوص عليها في النظام.
- المنتجات المستوردة وعلاقتها بالتسمم الغذائي في المملكة.
بحكم أن السعودية تستورد الكثير من المنتجات الغذائية وبشكل كبير جداً؛ فقد يحدث بعض صور التلاعب والتزوير والاحتيال في شهادات المنشأ والمواصفات، وقد يكون له تأثير كبير على سلامة المنتجات الغذائية ويمكن أن يكون أحد الأسباب في التسمم الغذائي. ومن أشكال ذلك ما يلي:
- تزوير شهادات المنشأ: ويتضمن ذلك:
- تغيير بلد المنشأ: يقوم بعض المصدرين بتغيير بلد المنشأ لمنتجاتهم لتجنب الأنظمة والقيود الجمركية أو للاستفادة من اتفاقيات التجارة مثل تجنب الازدواج الضريبي والبعض بغرض الاحتيال والتلاعب لعدم دفع المقابل المالي سواءً الجمركي أو الضريبي، مما يمكن أن يخفي ممارسات وموصفات المنتجات الزراعية أو تصنيعية غير آمنة في البلد الأصلي.
- إخفاء المعلومات الحقيقية: قد تحتوي الشهادات المزورة على معلومات غير صحيحة حول طريقة إنتاج أو معالجة المواد الغذائية، مما يجعل من الصعب تتبع مصدر المشاكل الصحية على سبيل المثال هناك بعض المناطق في العام تعتبر غير امنه أو لا تقع تحت راقبه ولا يوجد فيها معايير صارمة للإنتاج والتغليف أو اعادة التعليب.
- تزوير شهادات المواصفات والجودة: ويشمل ذلك:
- إصدار شهادات غير صحيحة: فقد يتم إصدار شهادات جودة من جهات غير معترف بها أو مزورة بالكامل، مما يوحي بأن المنتج يطابق معايير السلامة والمواصفات الغذائية في السعودية، بينما هو في الحقيقة غير آمن.
- تقديم شهادات منتهية الصلاحية: كاستخدام شهادات تحليل قديمة أو منتهية الصلاحية التي لم تعد تعكس حالة المنتج الحالية.
- التلاعب بالوثائق الصحية: ومن صور ذلك:
- تزوير تقارير الفحوصات المخبرية: وهذا كان أحد قضايا الفساد في قضية التسمم الأخيرة التي أظهرت تلاعب في التقارير، عندما تم نشرها من قبل نزاهة قبل ٣ أسابيع.
- تقديم تقارير مخبرية مزورة تظهر أن المنتج خالٍ من الملوثات أو المكونات الضارة، رغم عدم خضوعه للفحص الفعلي أو فشله في الفحوصات.
- يضاف إلى ذلك أن المناطق الحرة، مثل منطقة جبل علي في الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، توفر بيئة مواتية للتسهيل للتجارة والاستثمار من خلال تقديم مزايا مثل الإعفاءات الضريبية وتسهيلات الجمارك. كما توفر المناطق الحرة سهولة في حركة البضائع وتخزينها وإعادة تصديرها، مما قد يجعلها عرضة لاستخدامها كنقاط لإعادة تغليف أو تغيير الوثائق، كما أن تشجيع الإعفاءات الجمركية على دخول وخروج البضائع من المناطق الحرة قد يُستغل من قبل البعض لتجنب القيود المفروضة على المنتجات الغذائية.
ويلاحظ مما تقدم، أن هناك تحديات مرتبطة بهذه المناطق، تشمل احتمال حدوث تلاعب وتزوير في الوثائق والشهادات، مما قد يؤثر على سلامة المنتجات الغذائية المستوردة للسعودية.
- آليات مواجهة التسمم في القطاع الغذائي في المملكة.
يندرج ضمن آليات مواجهة التسمم في القطاع الغذائي في المملكة ما يلي:
- النظر في إمكانية وجود استراتيجيه وطنيه مسؤوله عنها جهة أو لجنه عليا مكونه من عده جهات تستطيع أن تمنع الخلط وازدواجية الجهود ونقص الكفاءة في الأداء وتبديد الموارد.
- ضرورة وضع استراتيجية رقمية متكاملة للتعامل مع سلامة الغذاء وجودته تكون تحت مظلة هيئة الغذاء ويشارك في وضعها جميع الجهات ذات العلاقة.
- ضرورة وضع خطة طوارئ لإدارة وقيادة أزمات ومخاطر التسمم الغذائي يشارك في إعدادها وتنفيذها جميع الجهات ذات العلاقة بالغذاء وسلامته.
- ضرورة استحداث نظام وطني رقمي لتبادل المعلومات والتواصل بين الجهات الحكومية المشرفة والرقابية ذات العلاقة وبين المؤسسات والشركات الموردة والمصنعة وكل من يُقدم الخدمة لمراقبة ورصد توريد وتصنيع وسلامة الغذاء.
- ضرورة إعداد وتدريب المفتش الغذائي الحالي في الإلمام بالتسمم الغذائي نظريا وعلمياً وعمليا واعطائه الصلاحيات والمسؤولية الكاملة في اتخاذ القرار في الحد من التسمم الغذائي. باعتبار أن هناك أنظمة ولوائح واجراءات للتفتيش ونماذج ذات معايير والمفتش هو من يقوم بعملية التقييم للوضع الذي وجده في المنشأة ورأيه مهم في اتخاذ القرار بناءً على ما وجده من تطبيق للمعايير من عدمها، وكونه من حدد المؤشرات والمعلومات التي وفقها سيكون اتخاذ القرار. ومن ثم فإنه إذا كانت هناك معايير جودة متفق عليها فإن مؤشراتها ستكون كافية لاتخاذ القرار؛ أي أن دور المفتش هنا داعم لاتخاذ القرار بناءً ما وصل إليه من تطبيق للمعايير من عدمها. مع مراعاة أن اتخاذ الاجراء اللازم ضمن لجنة مختصة بالتسمم الغذائي يكون مفيد كذلك في بعض الأحيان لضمان تخفيف الخطأ البشري في اتخاذ القرار.
- وضع انظمه رصد مركزيه مثله مثل نظام نجم بحيث يكون مع كل مفتش كاميرا رصد توثق الجولة التفتيشية يمكن الرجوع لها واستخدام بياناتها لعمل قواعد بيانات وعمل نماذج ذكاء اصطناعي لرصد مدى جاهزية المنشأة أو درجة الخطورة إن وجد.
- استحداث تخصص التفتيش الغذائي والصحي في كليات الزراعة وكليات خدمة المجتمع لإعداد المختصين علمياً وعملياً في الرقابة على الغذاء وسلامته ومؤسساته.
- هناك حاجة ملحة لوجود هيئة عليا أو جهة عليا مسؤولة عن سلامة الغذاء بدلا عن لجنة التسمم. وتكون جهة مستقلة بها ممثلين من كل الجهات ذات العلاقة لتيسير عملية الاستقصاء الوبائي واختصار الوقت اللازم لإجراء التحقيقات. ولضمان درجة تنسيق أعلى بين كل الجهات ذات العلاقة.
- هيكلة الأنظمة على المستوى التشريعي والتنظيمات على المستوى التنظيمي بحيث يقسم فضاء حماية وجودة الأغذية إلى مرحلتين؛ الأولى ضبط الجودة وهي ما يتم في مراحل الانتاج والنقل والتوزيع. وهذه مرحلة تتعلق بالمنتج والناقل والموزع بناء على أنظمة وبروتوكولات معلنة للعامل والمشرف والمدير وممثل الجهة الرقابية وجهة التأمين. والثانية مرحلة مراقبة الجودة؛ والتي تشترك فيها الجهات الرقابية والمعامل والمختبرات والمستهلك.
- إن ادماج عوامل تحفيزية ورقابة داخلية في إطار استدامة اقتصادية يفرض النظر في إدخال صناعة التامين في بعض مراحل الانتاج خصوصا وان الدولة تتبع لتوسع قطاع التامين من حيث المستويات والشمول والتنوع والاستقرار؛ لذلك من المهم دراسة إدخال صناعة التامين في مجال الانتاج والتوزيع والنقل.
- إجراء دراسات ميدانية شاملة لرصد واقع الظاهرة، ودرجة مخاطرها، واستشراف مآلاتها، والاستفادة من التجارب الدولية في هذا المجال.
- ينبغي على الجهات المعنية بالوقاية من التسمم الغذائي توضيح مسؤولياتها وفق مفاهيم الحوكمة، بحيث تُحدد المسؤوليات وبالتالي تُضمن المساءلة.
- ضرورة وجود وسيلة لطلب الاستشارة ودورات إلزامية على الأمن الغذائي تقدم للعمالة التي تعمل في المنازل والمطاعم وفق معايير متفق عليها. هذه الدورات يمكن أن تكون شرطاً للحصول على تصاريح العمل، مما يضمن أن جميع العمالة المنزلية والمطاعم على دراية تامة بممارسات الأمن الغذائي السليمة.
يضاف إلى ما تقدم أن مواجهة التسمم في القطاع الغذائي في المملكة يستلزم العمل بـمبدأ “الوقاية خير من العلاج”، وهذا يستدعي العمل على المستوى الوطني على ما يلي:
- تشكيل فرق خاصة تهتم بدراسة الأنماط الغذائية لدى فئات المجتمع والتعرف على نوعية الوجبات الأكثر رغبة وبيعًا لدى السعوديين وخاصة الفئة العمرية من 5-19، وآثارها الصحية. وتهدف إلى تعزيز الدور الرقابي على تلك الوجبات، ومعرفة مدى جودتها وسحب عينات عشوائية وإرسالها إلى المختبرات؛ للتأكد من مدى صلاحيتها للاستهلاك الآدمي حفاظاً على صحة وسلامة المستهلكين.
- توحيد الخطوات الأساسية الواجب على العاملين في قطاع رقابة الأغذية والرقابة الصحية اتباعها عند البدء في التحقيق في حالات التسمم الغذائي.
- نحتاج لحلول مبتكرة فيما يتعلق بالملوثات الكيميائية في الأغذية، والتسمم بالمعادن الثقيلة “الخطر المخفي في أدوات الطبخ”، والسموم الفطرية والميكروبات الممرضة.
- رفع القدرات الوطنية في مجال سلامة وجودة الغذاء، ورفع الوعي العام لديهم بقضايا سلامة وجودة الغذاء.
- دراسة آثار استخدام المبيدات في المنتجات الزراعية، ودراسة التشريعات والقوانين واللوائح الخاصة بسلامة وجودة الأغذية المستوردة والمنتجة محليًا، وتقييم وتطوير نظم سلامة الغذاء المتبعة في المؤسسات والمنشآت الغذائية بشكل مستمر.
- إنشاء قاعدة بيانات للمنتجات الغذائية المحلية والمستوردة، ورفع وعي المستهلكين والمنتجين ومتخذي القرار في مجال سلامة وجودة الغذاء.
- مناشدة المواطنين والمقيمين بضرورة تجنب الأسر المنتجة غير المرخص لها، التي تعد الأطعمة في المنازل؛ لعدم مأمونية استهلاكها واتقاءً لأي مخاطر صحية قد تنجم من ذلك.
من جهة أخرى، وكما أظهرت مؤشرات التسمم في الورقة الرئيسة أن الفئة العمرية من 5-19 كانت الأكثر عرضة للإصابة بالتسمم الغذائي، حيث بلغت 47.3% من إجمالي الحالات. ولأن معظم أفراد هذه الفئة يعتبرون في مرحلة الطفولة، التي من المفروض أن يكون المنزل مصدر رئيسي لتأمين وجباتهم، ومصدر توعوي هام للمراهقين منهم؛ وهذه النسبة المرتفعة تستلزم تكثيف الجهود لغرض تحقيق ما يلي:
- رفع مستوى الوعي لدى كافة شرائح المجتمع وبالأخص هذه الفئة العمرية، بأهمية سلامة وجودة الغذاء متضمنة عددًا من الفعاليات والأنشطة والبرامج المدرسية ذات العلاقة بسلامة الغذاء بمختلف المناطق والمدن.
- التعاون مع جمعيات المرأة السعودية والفرق الرياضية الكبرى واللجان الشبابية؛ لزيادة تثقيف الأم وربة المنزل، وتنظيم مسابقات رياضية ومعسكرات عمل وعروض مسرحية توعوية في مجال سلامة الغذاء.
- تعريف العاملين بالمطاعم والمقاهي ومراكز بيع المواد الغذائية بالمبادئ الأساسية عن الإعداد والتخزين والعرض السليم، وحثهم على اتباع السلوك الإيجابي عند التعامل مع الأغذية حتى وصول المنتج للمستهلك خالياً من أي ملوثات.
- استمرار تكثيف جهود أعمال الرقابة الصحية خلال المواسم، التي من أهمها: شهر رمضان المبارك وفترة الحج والأعياد والإجازات، في إطار الجهود المبذولة لمراقبة الوجبات الغذائية المعروضة؛ حيث يزداد الإقبال على شراء الوجبات والمواد الغذائية باختلاف أنواعها وتجنباً لحدوث أي حالات للتسمم الغذائي.
- هناك جانب آخر لا ينبغي إغفاله مع انتشار عربات الطعام المتجولة، والتي تساهم ارتفاع درجات الحرارة صيفًا في سرعة فساد الطعام فيها؛ لذلك يجب منع البيع عبرها إلا بعد أن يلتزم أصحابها بأن تكون فترة العرض والبيع بعد الساعة الرابعة والنصف عصرًا وأن تبدأ فترة التحضير قبلها بساعات قصيرة. مع ضرورة أن يتم عرض المأكولات داخل واجهات عرض زجاجية مبردة ومغلقة. والتوجيه بأهمية استخدام الملاقط والقفازات الصحية عند تقديم الطلبات للمستهلكين، واستخدام الأواني المناسبة في عملية التحضير وعدم استخدام زيوت القلي لأكثر من مرة واحدة ولصنف غذائي واحد؛ بهدف تعزيز السلامة الغذائية للمستهلك.
وبالنظر إلى أهمية التوعية ودورها في الوقاية من التسمم الغذائي؛ فتوجد أهمية للقيام بحملات مستمرة سواء من قبل أجهزة الدولة المختصة، ومن داخل المنزل والمدرسة على مدار العام، وبالأخص مع بداية كل موسم دراسي وفي الأعياد وفي فصل الصيف حيث تكثر حفلات الأعراس التي قد يتعرض من يحضرها للتسمم؛ بسبب أن بوفيهات الطعام تعد قبل ساعات طويلة من وقت التقديم!
كما نحتاج بشكل خاص لحملات توعية تهتم بفئة الأطفال دون سن الخامسة والأفراد الذين يعانون من نقص المناعة والنساء الحوامل. وكذلك لكبار السن؛ كونهم معرضين لخطر أكبر لأن مناعتهم تتناقص مع تقدم العمر، ويصبح من الصعب على الجسم محاربة البكتيريا الخطرة. فالخبراء يوصون الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر تجنب الأطعمة الحيوانية غير المطبوخة جيدًا أو النيئة مثل: البيض وبعض المأكولات البحرية والبراعم النيئة، وتجنب منتجات الألبان والعصائر والأجبان الطرية غير المبسترة.
كذلك ربات المنازل يحتجن لحملات توعية مستمرة فيما يخص الآتي:
- الطريقة والمدة الصحيحة لحفظ الخضروات والفواكه الطازجة والطعام المطبوخ.
- الاهتمام بالمخازن المنزلية وطريقة حفظ المعلبات والبهارات وغيرها من الأطعمة الجافة؛ فطريقة التخزين مهمة جدًا منعًا للتسمم الغذائي وفقدان الأموال حال تلفها.
- التعريف بالأطعمة التي لا يجب تسخينها في المايكروويف والأخرى الآمنة.
- الطريقة الصحيحة لتنظيف لوح التقطيع، وضرورة وجود واحد للحوم وثاني للخضار وثالث لتقطيع السلطة، وتغييرهم كل فترة مع أسفنجة غسيل الصحون.
وفي سياق متصل، وفي المجمل لكل ما ورد سابقاً من آليات، يمكن تعزيز سلامة الغذاء فثمة عدد من الإجراءات المهمة التي يمكن العمل على مراعاتها وتتضمن ما يلي:
- تعزيز نظم السلامة الغذائية: من خلال:
- تبني نظم إدارة سلامة الغذاء (HACCP): ينبغي على جميع المؤسسات الغذائية تطبيق نظام تحليل المخاطر ونقاط التحكم الحرجة لضمان مراقبة العمليات الغذائية في كافة مراحل الإنتاج والتوزيع.
- الاعتماد على المعايير الدولية: الالتزام بمعايير السلامة الغذائية المعترف بها عالميًا، مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة الأغذية والزراعة .(FAO)
- التعليم والتوعية: من خلال:
- تدريب العاملين: تنظيم دورات تدريبية مستمرة للعاملين في قطاع الأغذية حول ممارسات النظافة الشخصية وطرق الوقاية من التلوث الغذائي.
- توعية المستهلكين: إطلاق حملات توعوية عبر وسائل الإعلام المختلفة لتعليم المستهلكين كيفية تخزين وتحضير الطعام بشكل آمن.
- التفتيش والرقابة: من خلال
- تشديد الرقابة: تعزيز عمليات التفتيش على المؤسسات الغذائية بانتظام لضمان الالتزام بالمعايير الصحية.
- استخدام التكنولوجيا الحديثة: تطبيق تقنيات الرقابة الحديثة مثل الرصد الإلكتروني وتحليل البيانات لضمان الكشف المبكر عن أي مخالفة.
- التعاون الدولي: وذلك من خلال:
- الشراكات العالمية: تعزيز التعاون مع المنظمات الصحية الدولية لتبادل المعلومات والخبرات حول أفضل الممارسات في مجال سلامة الغذاء.
- البرامج التقييمية: المشاركة في برامج التقييم والمراقبة الدولية لتحسين مستوى السلامة الغذائية على المستويين المحلي والدولي.
- البحث والتطوير: من خلال
- دعم الأبحاث: تمويل الأبحاث والدراسات العلمية المتعلقة بسلامة الغذاء وتطوير تقنيات جديدة للكشف عن الملوثات الغذائية.
- الابتكار في التغليف: تشجيع الابتكار في مجالات التعبئة والتغليف الذكي لحماية الأغذية من التلوث وضمان سلامتها.
- الاستجابة السريعة للطوارئ:
- خطط الطوارئ: تطوير وتنفيذ خطط استجابة سريعة لحالات التسمم الغذائي للحد من انتشار التلوث والسيطرة عليه بفعالية.
- مراكز الاتصال للطوارئ: إنشاء مراكز اتصال مخصصة للطوارئ لتلقي شكاوى المستهلكين والتعامل معها بسرعة وفعالية.
- تقنية البلوك تشين (Blockchain) والحد من التسمم الغذائي.
أصبح من الممكن حالياً استثمار التقنيات الحديثة في تتبع سلاسل الإمداد مثل تقنية البلوك تشين (Blockchain) لتقليل خطر التلوث والتسمم الغذائي، ومن فوائد تطبيق تقنية البلوك تشين في هذا الصدد:
- تتبع مكونات المنتجات: فالبلوك تشين تمكّن من تتبع مكونات كل منتج غذائي من المصدر حتى يصل إلى المستهلك. مما يعني أنه يمكن تتبع كل خطوة في العملية، من الحصاد، النقل، التخزين، وحتى البيع بالتجزئة، كما تتضمن معرفة تفاصيل كثيرة مثل درجة الحرارة والرطوبة التي تعرض لها المنتج في كل مرحلة. يساعد ذلك في تحديد وإزالة المنتجات الملوثة أو التي قد تسبب مخاطر صحية بسرعة وفعالية.
- شفافية العمليات: باستخدام تقنية البلوك تشين، يمكن لجميع الأطراف في سلسلة الإمداد مشاهدة البيانات المتعلقة بالمنتجات في الوقت الحقيقي. هذه الشفافية تعزز المصداقية وتساعد على ضمان التزام الجميع بالمعايير الصحية والسلامة الغذائية.
- تقليل الهدر: يمكن لتقنية البلوك تشين المساعدة في التحكم بأفضلية استهلاك المنتجات استنادًا إلى تواريخ انتهاء الصلاحية، مما يقلل من الهدر الناجم عن تلف الطعام. كما يساعد ذلك المطاعم على تحسين إدارة مخزونها وتقليل تكاليف العمليات.
- الاستجابة السريعة للمشاكل: في حال حدوث تلوث أو تسمم غذائي، يمكن لتقنية البلوك تشين أن تساعد في تحديد المشكلة ومصدرها بسرعة كبيرة، مما يسهل عملية سحب المنتجات المتأثرة من السوق بشكل فعال وبالتالي حماية الصحة العامة.
- التحقق من الامتثال: يمكن استخدام البلوك تشين لتسجيل ومراقبة الامتثال للمعايير الصحية والتنظيمية على كل مرحلة من مراحل سلسلة الإمداد. يضمن ذلك أن جميع الأطراف تلتزم باللوائح اللازمة لضمان سلامة الغذاء.
والخلاصة أن تطبيق تقنية البلوك تشين في سلسلة الإمداد الغذائية يُعد خطوة كبيرة نحو تحقيق نظام غذائي أكثر أمانًا وكفاءة، مما يعود بالفائدة على الشركات والمستهلكين على حد سواء من خلال تعزيز قدرة تتبع المنتجات والمساءلة في سلسلة توريد الأغذية، تدعم تقنية البلوك تشين تحسين سلامة الغذاء، وتقليل مخاطر التلوث، وبالتالي تقود إلى تجربة تناول طعام أكثر صحة للجمهور.
- الإعلام ودوره في التوعية بمخاطر التسمم الغذائي ومسبباته.
يمكن للإعلام أن يلعب دورًا مهمًا في التوعية والحد من حالات التسمم الغذائي في المجتمع السعودية من خلال اتخاذ الإجراءات التالية:
- نشر المعلومات الصحيحة والتثقيف: يمكن لوسائل الإعلام نشر معلومات موثوقة ودقيقة حول السلامة الغذائية وأفضل الممارسات في التعامل مع الطعام، حيث يمكن تقديم معلومات موثوقة حول التخزين الصحي للأطعمة، وطرق الطهي الآمنة، وتجنب التلوث المتعلق بالأطعمة.
- التوعية بمخاطر التسمم الغذائي: يمكن للإعلام تسليط الضوء على أخطار التسمم الغذائي والتأثيرات الصحية السلبية التي يمكن أن تنتج عنها، حيث يمكن استخدام القصص الحقيقية والأمثلة والحجج والبراهين والشواهد الميدانية لإظهار تأثير التسمم الغذائي على الأفراد والمجتمعات.
- إبراز التشريعات والسياسات والقوانين: يمكن للإعلام دعم التشريعات والسياسات التي تهدف إلى تحسين سلامة الأغذية والقضاء على الممارسات الغذائية الخطرة وحماية المجتمع. يمكن تسليط الضوء على الجهود المبذولة من قبل الجهات الحكومية والخاصة المعنية بالتشريعات الصارمة وتنفيذها.
- تغطية حالات التسمم الغذائي: يمكن لوسائل الإعلام تسليط الضوء على حالات التسمم الغذائي التي تحدث في المجتمع، وذلك للتوعية والتنبيه واستلهام العبر. يمكن أن تشمل التغطية تفاصيل حول أسباب التسمم والتدابير التي يجب اتخاذها لتجنبه وعدم تكرار السلوك الخاطئ في المستقبل.
- تعزيز المسؤولية الاجتماعية للمطاعم والمنشآت الغذائية: تقوم وسائل الإعلام بتعزيز ذلك من خلال التركيز على معايير السلامة الغذائية والرقابة الصحية، وتسليط الضوء على الممارسات الجيدة من تلك المطاعم والشركات والمنشآت الغذائية، وإعطاء الفرصة للجميع للحوار والنقاش حول كيفية تحسين السلامة الغذائية والخروج بمبادرات ومشاريع مشتركة لتحسين سلامة الأغذية والحد من حالات التسمم في المجتمع.
- التوصيات
- تعزيز نظم السلامة الغذائية: من خلال تبني نظم إدارة سلامة الغذاء (HACCP) والاعتماد على المعايير المعترف بها عالميًا، مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO).
- التعليم والتثقيف: من خلال تنظيم دورات تدريبية مستمرة للعاملين في قطاع الأغذية حول ممارسات سلامة الغذاء وتوعية المستهلكين بإطلاق حملات توعوية مستمرة عبر وسائل الإعلام المختلفة.
- التفتيش والرقابة: من خلال مراجعة اللوائح والاشتراطات وجعلها تفصيلية قابلة للتطبيق ويسهل التعامل معها. وكذلك تشجيع استخدام التكنولوجيا الحديثة لتطبيق تقنيات الرقابة مثل البلوك تشين (Blockchain). وتوظيف الذكاء الاصطناعي لمراقبة سلامة الغذاء في كل مراحله.
- البحث والتطوير: من خلال دعم الأبحاث والدراسات العلمية المتعلقة بسلامة الغذاء وتطوير تقنيات جديدة للكشف عن الملوثات الغذائية وتشجيع الابتكار في مجالات التعبئة والتغليف الذكي لتقليل التلوث وضمان سلامة الغذاء.
- الاستجابة السريعة للطوارئ: وخاصة لحالات التسمم الغذائي للحد من تداعيات المشكلة الصحية والاقتصادية والأمنية.
- التوصية بضرورة إدخال صناعة التأمين في مجال الانتاج والتوزيع والنقل لضمان استقرار سلامة الغذاء وتقليل حالات التسمم الغذائي.
- ضرورة قيام وزارة السياحة بدورها في مراقبة المطاعم وأماكن تقديم الطعام بشكل آمن وتقوم بإعطاء تقييمات على الجودة على غرار نظام نجوم ميشلين.
- ضرورة ادراج التثقيف بسلامة الغذاء والوقاية من التسمم وطرق التعامل مع حالات التسمم الغذائي من الصفوف الأولية في التعليم الالزامي، وكذا الحقوق القانونية والقضائية المترتبة عليه.
- المصادر والمراجع
- Estimating the burden of foodborne diseases
- who.int/activities/estimating-the-burden-of-foodborne-diseases#:~:text=Each%20year%20worldwide%2C%20unsafe%20food,diseases%20and%20420%20000%20deaths
- Etiological Agents Implicated in Foodborne Illness World Wide – PMC (nih.gov)
- قناة يورو نيوز/الدنمارك تسحب معكرونة كورية شهيرة من الأسواق قائلة إنها قد تتسبب في تسمم (nabdapp.com)
- https://www.alyaum.com/articles/6438240/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85/%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%A2%D8%AE%D8%B1-5-%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D8%A5%D8%B5%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B3%D9%85%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B0%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9
- سعدابي، عبدالمنعم محمد عبدالرحمن. (2005). التسمم الغذائي الميكروبي. حولية كلية المعلمين، أبها، ع 5، 89 – 99 .
- معايعه، تماضر سالم. (د.ت). تعاريف ومصطلحات سالمة الغذاء. https://www. jfda.jo/ EchoBusV3.0/SystemAssets/PDF/AR/Topics/67_41.pdf
- ناصر، لينا عباس. (د.ت). التسمم الغذائي. https://faculty. uobasrah.edu.iq /uploads /teaching/1660170673.pdf
- نظام الغذاء بالمملكة العربية السعودية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/1) بتاريخ 6/1/1436هـ.
- أ. عماد الدغيثر، تقنية البلوك تشين (Blockchain)ودورها في الحد من التسمم الغذائي، تغريدة على منصة (X).
- الهيئة العامة للغذاء والدواء. اشتراطات صحة الغذاء. https://www.sfda.gov.sa /sites/default/files/2020-12/FoodHygieneRequirementsAR.pdf
- المشاركون.
- الورقة الرئيسة: أ.د. مها المنيف، أ. علاء الدين برادة
- التعقيب الأول: د. سكينة الشيخ
- التعقيب الثاني: د. مرام الحربي
- إدارة الحوار: د. عبير برهمين
- المشاركون بالحوار والمناقشة:
- د. سعيد مزهر
- د. أماني البريكان
- معالي الفريق د. عبدالاله عثمان
- د. عبدالعزيز الحرقان
- أ. أحمد المحيميد
- د. محمد الزهراني
- د. حمد السمرين
- أ. محمد الاسمري
- أ. فايزة العجروش
- د. عائشة الأحمدي
- د. عبدالله العمري
- د. وفاء طيبة
- د. حميد الشايجي
- د. صالحة ال شويل
- د. محمد المعجل
- أ. فهد الاحمري
- د. عبدالعزيز العثمان
- د. لولوه البريكان
- د. عبدالرحمن سليمان
- د. سعيد الغامدي
- أ.د نوال الثنيان
- د. فهد الغفيلي
- د. لمياء البراهيم
- د. مشاعل العيسى
- د. سعود الغربي