للاطلاع على التقرير وتحميله يرجى الضغط هنا
(يوليو 2024 م)
- تمهيد:
يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر يوليو 2024م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة؛ وجاءت بعنوان: التجمع العرقي في بعض الأحياء السكنية وأثره على الأمن الوطني، وأعد ورقتها الرئيسة د. فوزية الدوسري، وعقب عليها كلاً من د. إيمان المحمدي، د. فهد الغفيلي، د. عبدالله المهنا، وأدار الحوار حولها د. مشاعل العيسى.
المحتويات
- تمهيد
- فهرس المحتويات
- الملخص التنفيذي
- الورقة الرئيسة: د. فوزية الدوسري
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: د. إيمان المحمدي
- التعقيب الثاني: د. فهد الغفيلي
- التعقيب الثالث: د. عبدالله المهنا
- إدارة الحوار: د. مشاعل العيسى
- المداخلات حول القضية
- التحديات المرتبطة بالتجمعات العرقية في المجتمع السعودي.
- أثر التجمعات العرقية على الأمن الوطني في المملكة.
- البعد النفسي للتجمعات العرقية.
- التجمعات العرقية والعزلة الاجتماعية والثقافية.
- آليات إدماج والإفادة من التجمعات العرقية في المجتمع السعودي.
- التوصيات
- المصادر والمراجع
- المشاركون
- الملخص التنفيذي.
يتناول هذا التقرير قضية التجمع العرقي في بعض الأحياء السكنية وأثره على الأمن الوطني. وأشارت د. فوزية الدوسري في الورقة الرئيسة إلى أن الكثير من المدن حول العالم شهدت في العقود الماضية نمواً ديموغرافياً وتطوراً هائلاً نتيجة للأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ حيث أصبحت تلك المدن مراكز جذب للقوى البشرية، مما أدى إلى تنوع متزايد في الخلفيات الثقافية والعرقية للسكان. وفي حين يعد هذا التنوع مصدر إثراء واستفادة للمجتمعات الحضرية، إلا أنه قد ينطوي على تحديات كبيرة تتعلق بالتماسك الاجتماعي والشعور بالانتماء. وهناك بعض المدن الحديثة كانت سباقة في وضع استراتيجيات للحد من ظاهرة التجمع العرقي بالأحياء السكنية، وقد نجحت هذه المدن في التغلب على التحديات المرتبطة بذلك من خلال الالتزام بالاستراتيجيات الوطنية والخطط المقننة والآليات القانونية والسياسية الواضحة المنصوص عليها بنظام الدولة والجمع بين السياسات القوية وبرامج للتنمية الاجتماعية والأمنية. وقد مكّن التكامل بين الاستراتيجيات المتنوعة هذه المدن من تحقيق نتائج إيجابية وملموسة في التنوع والتماسك المجتمعي.
بينما أكَّدت د. إيمان المحمدي في التعقيب الأول على أن الزيادة في أعداد المهاجرين يمكن أن تكون فرصة لتعزيز التنوع والإثراء الثقافي والاقتصادي في المجتمعات المستضيفة، إلا أن تزايد أعداد المهاجرين يؤدي إلى التمركز العرقي في مناطق معينة دون غيرها. ومما لا شك فيه أن فحص وفهم أسباب وجود هذه التجمعات العرقية يعد أمراً هاماً لصنع السياسات والإجراءات الفعالة لضمان تحقيق أقصى الفوائد والتقليل من التحديات المحتملة. كما أن التعامل الواعي والشامل مع التحديات الناجمة عن التمركز العرقي يتطلب جهوداً مشتركة من الحكومات والمجتمعات المحلية لضمان تحقيق التعايش السلمي وتعزيز الأمن الوطني وتحقيق مجتمع أكثر تماسكاً واستقراراً قادر على الاستفادة من تنوعه الثقافي والعرقي.
في حين ذكر د. فهد الغفيلي في التعقيب الثاني أن نشوء الجماعات العرقية التي تستوطن منطقة بعينها يعد طبيعة بشرية، وهو يصب في إيجابية التنوع الثقافي أكثر منه في أي مجالات سلبية محتملة، ولكن المشكلة تبدأ حين تقوم الأغلبية بعزل مجموعة من الأقليات في أحياء وممارسة التمييز العنصري بحقهم، بحيث لا يعاملون بنفس الطريقة التي يعامل بها بقية السكان، وهذه المعاملة قد تقود إلى احتقان الأقلية المضطهدة وربما تطور هذا الاحتقان إلى سلوكيات سلبية كأن تصبح المنطقة بؤرة للجريمة وتصدير أعمال العنف ضد بقية السكان، والإخلال بالأمن الوطني. ولهذا، يجب التأكيد على أهمية العناية بمجتمع الأقليات وعدم اهماله وتصحيح أوضاع سكانه بشكل مستمر.
وأوضح د. عبدالله المهنا في التعقيب الثالث أنه عند تحليل ظاهرة التجمعات السكنية نجد أنها ناتجة عن سلوك فطري وليست سلوكاً طارئاً، وذلك نتيجة حاجة تلك المجموعات البشرية للأمن الاجتماعي، أو حاجتها للتميز عن غيرها كما هو الحال في التجمعات حسب المستوى المادي. والواقع أن طريقة التعامل مع الظاهرة الاجتماعية أو معالجتها لن يكون مثمراً ما لم يكن مبنياً على فهم طبيعتها، فإن كانت الظاهرة الاجتماعية ظاهرة أصيلة فالأنسب هو التعامل معها ومحاولة الاستفادة منها وتوظيفها؛ لأن محاربتها أو محاول القضاء عليها سينتج عنه نتائج سلبية غير متوقعة. وإن كانت الظاهرة الاجتماعية ظاهرة طارئة فالأنسب هو معالجتها ومحاولة تحجيمها قدر الإمكان حتى اختفائها.
وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
- التحديات المرتبطة بالتجمعات العرقية في المجتمع السعودي.
- أثر التجمعات العرقية على الأمن الوطني في المملكة.
- البعد النفسي للتجمعات العرقية.
- التجمعات العرقية والعزلة الاجتماعية والثقافية.
- آليات إدماج والإفادة من التجمعات العرقية في المجتمع السعودي.
ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:
- وضع خطة استراتيجية تتماشى مع مشاريع رؤية المملكة ٢٠٣٠ ترسم خارطة طريق للتعامل مع كافة الجنسيات، مع توفير الحياة الكريمة الآمنة لهم بل والعمل على زيادة وتنمية دخلهم لضمان حصولهم على الأمن النفسي والعدالة الاجتماعية والنمو المالي؛ وهذا مما يسهم في ضمان ولائهم وحبهم ودفاعهم.
- إجراء دراسات وصفية واستشرافية للتأثيرات الشاملة للتجمعات العرقية الوافدة على الأمن الوطني، وكيفية التعامل معها.
- الاستفادة من التجارب الدولية المميزة في مجال إدماج التجمعات العرقية، والاستفادة منهم.
- استخدام نظام المعلومات الجغرافية (GIS) الذي يوفر بيانات مكانية لتحليل أنماط التنوع والتوزيع السكاني والاستفادة منه في رسم خرائط مفصلة عن التركيبة السكانية ودرجة التنوع العرقي والمقارنة بين مستوى التنوع في الأحياء ومناطق التوزيع العرقي داخل المدينة.
- تقديم مبادرات وتطبيقات تدعم الهواتف الذكية تقوم بوضع مؤشرات للتنوع والاندماج العرقي لقياس التقدم وتقييم الأثر عن طريق إدارة الإحصاءات بالتعداد السكاني وربطه مع الأمن الوطني.
- تفعيل المنصة الحكومية (إيجار) للمساعدة في تفكيك التجمع العرقي بحيث تقدم فرص سكنية منخفضة التكاليف بأحياء أخرى لمنع التجمع العرقي وحساب نسبة للتنوع العرقي بهذه الأحياء.
- الورقة الرئيسة: د. فوزية الدوسري
– المقدمة:
شهدت الكثير من المدن حول العالم في العقود الماضية نمواً ديموغرافياً وتطوراً هائلاً نتيجة للأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية حيث أصبحت تلك المدن مراكز جذب للقوى البشرية، مما أدى إلى تنوع متزايد في الخلفيات الثقافية والعرقية للسكان.
في حين يعد هذا التنوع مصدر إثراء واستفادة للمجتمعات الحضرية، إلا أنه قد ينطوي على تحديات كبيرة تتعلق بالتماسك الاجتماعي والشعور بالانتماء. فقد نشأت توترات واحتكاكات بين الجماعات المختلفة بسبب الاختلافات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. والتي أدت لظهور تجمعات عرقية في بعض الأحياء السكنية في المدن لذلك باتت قضية إدارة التجمعات العرقية السكانية من أبرز القضايا التي تواجه أمن المجتمع.
حيث يعتبر الأمن المجتمعي أساساً لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة في المدن الحديثة، وهو المؤشر للشعور بالأمان والانتماء والتماسك بين مختلف فئات المجتمع، وبفقد هذا الأمن تظهر خطورة نشوب التوترات والاضطرابات الاجتماعية التي تؤدي لتمركز بعض الجماعات العرقية أو الدينية في أحياء سكنية محددة. مما يزيد من الإحساس بالعزلة والتمييز لدى تلك المجموعات عن باقي سكان المدينة. وترتب على ذلك ظهور مشكلات مختلفة اقتصادية وثقافية واجتماعية وأمنية وقد أكدت دراسة Taylor, 2019)) أن التجمعات العرقية لها تأثير واضح على العنف خاصةً جرائم القتل والسرقة، وأن هناك علاقة ارتباطية بين التوازن المجتمعي ومعدل الجريمة فكلما كان هناك توازن مجتمعي كلما انخفض التوتر العرقي وأصبح معدل الجريمة أقل. وأكدت نتائج الدراسة أن التجمع العرقي يعد مسببا للمشاكل الاقتصادية والثقافية والسياسية، التي تؤدي في النهاية إلى العنف والجريمة. كما أثبتت دراسة (فوزي، 2022) أنه عندما ينتشر أفراد المجموعة العرقية في جميع أنحاء المدينة بشكل عام، فإن فرص العنف العرقي ستنخفض، في حين أنه عندما يكون هناك تركيز مجموعة عرقية واحدة في منطقة معينة تزداد احتمالات العنف والجريمة مما يؤكد وجود علاقة بين درجة التوزيع العرقي واحتمال تصعيد أو انخفاض العنف العرقي.
ولعل المستقرئ لتلك العلاقة يلمس الآثار السلبية للتجمع العرقي في الأحياء السكنية على المجتمع، فعلى سبيل المثال ما يحدث في حي (مولينبيك) بروكسل في بلجيكا والذي يتميز بالكثافة السكانية العالية من أصل عرقي مختلف ثقافياً واجتماعياً عن باقي المدينة، فأصبحت هذه المنطقة معزولة اجتماعياً واقتصادياً عن بقية المدينة مما أدى إلى عواقب كثيرة منها غياب الاندماج وتكوين شبكات إجرامية متطرفة، فتبين أن العديد من الإرهابيين المتورطين في هجمات باريس عام 2015 وتفجيرات بروكسل عام 2016 يعيشون أو يعملون في مثل هذه الأحياء السكنية.
وكما يحدث أيضاً في حي (روزنجارد) مالمو في السويد، فهي منطقة تضم نسبة عالية من السكان من خلفيات مهاجرة وتجمعات عرقية دينية، وقد واجهت الحكومة المحلية الكثير من أعمال الشغب والعنف والأنشطة الإجرامية، فبدأ الإعلام بتسمية هذه المدينة (شيكاغو السويد). والتجمع العرقي له أثر واضح أيضاً بدولة نيجيريا حيث تعد دولة في حالة حرب مع نفسها، فتعمل تلك الجماعات العرقية والطائفية على تغيير النظام السياسي لصالحها حيث تدفع التجمعات العرقية إلى التمرد وفرض تهديدات على الدولة مما أدى لعدم الاستقرار السياسي فيها رغم الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية لمعالجة قضايا انعدام الأمن الوطني بها.
كذلك يؤدي التجمع العرقي إلى تأجيج التوترات والصراعات القائمة على أساس طائفي عرقي، مما قد يتطور إلى أعمال العنف والتطرف في المستقبل، فنجد أنه في دولة العراق وبالأخص مدينة بغداد قد شهدت فصلاً طائفياً وعرقياً كبيراً، والذي تفاقم بسبب الصراع الذي أعقب غزو عام 2003 حيث سبب هذا التجمع العرقي الكثير من الأنشطة المسلحة فأصبحت الأحياء المعزولة وخاصةً التي تسيطر عليها الميليشيات المتطرفة منبعاً للتجنيد الإرهابي المتطرف، وهذا ما أكدته دراسة (حامد،2011) أن التجمع العرقي بالسودان أصبح يشكل أكبر مهددات بقاء الدولة واستقرارها وتطورها.
إضافةً إلى ذلك فإن تأثير التجمع العرقي على الأمن يمكن أن يؤثر سلباً على أمن المنطقة فمن الصعب على السلطات الأمنية التنسيق والتعامل بفعالية مع مجموعات عرقية منعزلة عن المجتمع. هذا التحدي في التنسيق الأمني قد واجهته المملكة العربية السعودية تحديداً في مدينة الرياض حيث بدأ الشغب في حي (منفوحة) عام 2013، (صحيفة الرياض)، بعد بدء حملة تصحيح المهاجرين غير الشرعيين. مما أدى إلى اشتباكات أمنية مع مجموعة عرقية متكدسة في هذه الحي واستوطنته لسنوات طويلة.
وعليه يمكننا القول بأن التجمع العرقي في الأحياء السكنية داخل المدن ينتج عنه آثار سلبية تعرقل التماسك الاجتماعي والأمن المجتمعي، لذا من المهم على السلطات المعنية وضع سياسات وخطط لتعزيز التنوع والتكامل في المجتمعات المحلية.
– تجارب دولية وممارسات ناجحة في إدارة التنوع العرقي وتعزيز الأمن:
هناك بعض المدن الحديثة كانت سباقة في وضع استراتيجيات للحد من ظاهرة التجمع العرقي بالأحياء السكنية نتيجةً لما شهدته الدول المجاورة من آثار على الأمن المجتمعي ومن أبرز هذه الدول التي نجحت في إدارة التنوع العرقي بطريقة تعزز الأمن والاستقرار المجتمعي دولة كندا بمدينة (تورنتو)، برغم من أنها تعتبر واحدة من أكثر المدن تنوعاً عرقياً وثقافياً في العالم، إلا أنها تتمتع بمعدلات منخفضة للجريمة والاضطرابات المجتمعية. وجاء هذا نتيجةً لما طبقته الدولة من سياسات وقوانين مدروسة للهجرة. وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، بمدينة (نيويورك) على الرغم من تنوعها العرقي الكبير، إلا أنها نجحت في خفض معدلات الجريمة بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، ويعود ذلك لبرامج الإصلاح الشرطي والمبادرات المجتمعية التي عززت العلاقات بين السكان والشرطة. كما تعتبر دولة سنغافورة نموذجاً مميزاً لكيفية إدارة التنوع العرقي والديني الناجح من خلال سياسات التكامل والتفاهم بين الجماعات المختلفة، حيث تمكنت من تحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي.
هذه النجاحات لم تحقق بسهولة فقد واجهت هذه الدول كثير من العقبات والتحديات للسيطرة على هذه القضية ومن أبرزها مواجهة المعارضة السياسية والفكرية من بعض الجماعات المتطرفة ضد سياسات الهجرة والتعددية الثقافية، كما واجهت الكثير من التحديات الاقتصادية والاجتماعية فوضعت تلك الدول سياسات لمعالجة الفقر والبطالة والتسول في المناطق المهمشة والمتنوعة عرقياً، وعملت على تخصيص الموارد الكافية لبرامج التكامل والتنمية المجتمعية، ووضعت خطط لمواجهة الصراعات والتوترات بين الجماعات ذات الخلفيات الثقافية والدينية المختلفة للحفاظ على التوازن بين الهوية الوطنية والتنوع الثقافي. وقد عززت فكر مقاومة التغيير وحفظ الوضع الراهن وذلك بإشراك جميع الأطراف المعنية في عملية التغيير والتطوير. رغم كل التحديات، إلا أن هذه المدن نجحت في التغلب عليها من خلال الالتزام بالاستراتيجيات الوطنية والخطط المقننة وآليات قانونية وسياسية واضحة منصوصة بنظام الدولة والجمع بين السياسات القوية وبرامج للتنمية الاجتماعية والأمنية.
– سياسات وبرامج لتعزيز التفاعل والتماسك المجتمعي:
ومن السياسات التي اتبعتها هذه المدن الناجحة إشراك جميع الأطراف المجتمعية لجعل عملية التجمع العرقي السكني متوازنة بشكل يحفظ الأمن المجتمعي.
- الحوار المجتمعي والمشاركة المجتمعية:
– تنظيم ندوات وورش عمل لفتح قنوات حوار بين مختلف الجماعات والمجتمع المدني.
– إشراك السكان المحليين في وضع السياسات والبرامج ومراقبة تنفيذها.
– تعزيز دور منظمات المجتمع المدني في التخطيط والرقابة على المبادرات المجتمعية.
- برامج وأنشطة عملية:
– برامج التوظيف والتدريب للمجتمعات المهاجرة والتي تساعد في بناء المهارات وتسهيل الاندماج.
– فعاليات وأنشطة ثقافية مشتركة لتعزز التفاعل والتعارف بين المجتمعات المختلفة.
- بناء الشراكات والتحالفات:
– إنشاء منصات للتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني.
– تشجيع مبادرات التوأمة والتبادل بين المدن ذات التجارب المشابهة.
– مجلس التنوع واندماج المجتمع كهيئة استشارية تجمع أصحاب المصلحة.
– شراكات مع المنظمات المجتمعية لتقديم خدمات وبرامج موجهة للفئات المستهدفة.
- تطوير القدرات المؤسسية:
– تدريب موظفي الخدمة المدنية على مهارات التعامل مع التنوع والاختلاف.
– تعزيز قدرات المؤسسات الحكومية المحلية على التخطيط، والتنفيذ والرصد والتقييم.
- برامج التواصل والتوعية المجتمعية:
– إطلاق حملات إعلامية وتربوية لتعزيز قيم التسامح والتعددية.
– تنظيم أنشطة ثقافية واجتماعية مشتركة بين مختلف الجماعات.
- آليات الرصد والمساءلة:
– إنشاء هيئات رقابية مستقلة لمتابعة تنفيذ السياسات وتقييم النتائج.
– تطوير مؤشرات قياس التنوع والاستقرار المجتمعي.
وقد مكّن التكامل بين تلك الاستراتيجيات المتنوعة هذه المدن من تحقيق نتائج إيجابية وملموسة في التنوع والتماسك المجتمعي.
– التوصيات:
تعد قضية التجمع العرقي في الأحياء السكنية من أهم القضايا التي تستدعي الدراسة والتحليل للحفاظ على الأمن الوطني، وبعد البحث والاطلاع على الدراسات والأدبيات المتخصصة والتجارب الدولية التي أثبتت نجاحها يمكننا عرض بعض التوصيات للحد من الآثار السلبية للتجمعات العرقية في بعض الأحياء السكنية داخل المدن ومنها ما يلي:
- استخدام نظام المعلومات الجغرافية (GIS) الذي يوفر بيانات مكانية لتحليل أنماط التنوع والتوزيع السكاني والاستفادة منه في رسم خرائط مفصلة عن التركيبة السكانية ودرجة التنوع العرقي والمقارنة بين مستوى التنوع في الأحياء ومناطق التوزيع العرقي داخل المدينة.
- دراسة التوسع العمراني للمدن والأحياء القديمة والتوزيع السكاني بها والعمل على إنشاء مراكز أمنية داخلها لحل المشكلات الأمنية الواقعة بها.
- ضرورة إجراء فحص للأحياء السكنية ودراسة التجمع العرقي السكني والعمل على التوزيع الجغرافي لهم وانصهارهم داخل المجتمع وذلك بتقديم المزيد من البحث والتقصي من قِبل المؤسسات الحكومية والأهلية والهيئات المجتمعية.
- تقديم مبادرات وتطبيقات تدعم الهواتف الذكية تقوم بوضع مؤشرات للتنوع والاندماج العرقي لقياس التقدم وتقييم الأثر عن طريق إدارة الإحصاءات بالتعداد السكاني وربطه مع الأمن الوطني.
- تفعيل المنصة الحكومية (إيجار) للمساعدة في تفكيك التجمع العرقي بحيث تقدم فرص سكنية منخفضة التكاليف بأحياء أخرى لمنع التجمع العرقي وحساب نسبة للتنوع العرقي بهذه الأحياء.
- طرح بعض البرامج التفاعلية والترفيهية لتعزيز الترابط المجتمعي ودمج الثقافات مما يزيد من التفاعل بين مختلف فئات المجتمع لتوطيد الترابط والانتماء المجتمعي.
- وضع برنامج تدريبي للمجتمعات المهاجرة توفر فيها فرص مهنية وبناء الكفاءات اللغوية ودمجهم مع المجتمع في سوق العمل.
- برنامج مبادرة (شهادة التنوع المجتمعي) حيث تضع معايير واضحة للتقييم والاعتماد في مجالات التنوع العرقي في الأحياء السكنية، وتمنح هذه الشهادة للمؤسسات والشركات وملاك العقارات بحيث تُقدَّم لهم بعض الميزات مما يحفزهم على الالتزام بالتنوع والشمول في إداراتها السكنية، ويمكن أن تشجع هذه المبادرة المسؤولين وتكافح التمييز والعزلة المجتمعية.
- إطلاق برنامج (سفراء المجتمع) بحيث يقوم باستقطاب المميزين من مختلف الأعراق ليعززوا التواصل بين مختلف فئات المجتمع وأعراقه فيكونوا سفراء بالتنوع والشمول، من خلال تنظيم فعاليات توعوية داخل الأحياء للحد من الجريمة وتعزيز الأمن.
- إطلاق تطبيق (المواطن النشط) والذي يشكل جهة رسمية لتشجيع التفاعل والتعاون بين مختلف فئات المجتمع، حيث يجعل المستخدم قادر على مشاركة خبراته ومهاراته، وفتح مجال التطوع في المحافل والفعاليات المجتمعية داخل الأحياء السكنية فيساعد في تعزيز الإحساس بالانتماء والمسؤولية المشتركة، وتكون المناطق الأكثر تضرراً من التجمع العرقي هي الهدف الأول حيث سيساهم في زيادة الوعي وبناء الثقة وترميم النسيج المجتمعي.
- تسخير منصة (كلنا أمن) في تعزيز التعاون بين الجهات الأمنية ومختلف فئات المجتمع العرقية لمكافحة الجريمة وتعزيز الأمن في الأحياء السكنية.
هذه الموارد والأدوات يمكن أن توفر نماذج قابلة للتكيف مع احتياجات المدن الأخرى وتساعدها في تطوير ممارسات فعالة لتعزيز التنوع والاندماج.
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: د. إيمان المحمدي
تشهد العديد من الدول حول العالم، ومنها المملكة العربية السعودية، تزايدا ملحوظا في أعداد المهاجرين، حيث تشير الهيئة العامة للإحصاء (2023) إلى وجود 13,382,962 مهاجرا في المملكة العربية السعودية، مما يشكل نحو 41.6 % من إجمالي سكان البلاد. وتحظى المملكة العربية السعودية بعدد كبير من العمال الأجانب من مختلف الجنسيات، في مقدمتهم الجنسية البنقلاديشية، والهندية، والباكستانية، واليمنية، والمصرية، والسودانية، والفلبينية على التوالي، بالإضافة إلى العديد من الجنسيات الأخرى المختلفة. هؤلاء المهاجرون يساهمون في تشكيل تركيبات سكانية جديدة تمتاز بتنوع عرقي وثقافي ولغوي وديني، حيث يأتي المهاجرون من خلفيات متنوعة ويجلبون معهم ثقافاتهم وتقاليدهم، مما يضيف إلى النسيج الاجتماعي للدول المستقبلة.
ولكن في العديد من الأحيان، يؤدي تزايد أعداد المهاجرين إلى تشكيل تجمعات عرقية في مناطق معينة من المدن، فعلى سبيل المثال، يوجد تجمع برماوي في أحياء المسفلة والنكاسة والكعكية في مكة المكرمة، وتجمع أفريقي في شارع منصور بمكة المكرمة أيضا، وتجمع يمني في أحياء الهنداوية والنزلة والسبيل في جدة، كذلك شارع الهنود بمدينة جدة وحي البخارية في مدينة الطائف. ويمكن أن تكون لهذه التجمعات تأثيرات متعددة على المجتمع المحلي.
وتعزى هذه الظاهرة إلى أسباب متعددة ومتداخلة ترتبط بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية (Caron, McAvay & Safi, 2023). ومن أبرز الأسباب التي تؤدي إلى التجمع العرقي:
- الدعم الاجتماعي: يبحث العديد من المهاجرين عن بيئة مألوفة يمكنهم فيها من التواصل والتفاعل مع أفراد يتحدثون لغتهم ويفهمون ثقافتهم. هذا التفاعل يوفر دعماً اجتماعياً ونفسياً مهماً خصوصاً في مجابهة تحديات جديدة مثل تعلم لغة جديدة أو التكيف مع ثقافة مختلفة.
- العوامل الاقتصادية: يميل المهاجرون إلى العيش في مناطق تجذبهم اقتصادياً، حيث يجدون فرص عمل ومسكن بأسعار تناسبهم. كذلك قد تتوفر في هذه الأحياء خدمات ونشاطات اقتصادية تتناسب مع احتياجاتهم وتفضيلاتهم، مثل متاجر تبيع منتجات من بلدانهم الأصلية.
- الحواجز اللغوية: تشكل اللغة حاجزاً أمام الاندماج السريع في المجتمعات الجديدة، مما يدفع المهاجرين إلى التجمع في مناطق يمكنهم فيها التواصل بلغتهم الأم. هذا يعزز التجمع العرقي ويخلق بيئة مألوفة تسهل عليهم الحياة اليومية.
- الاندماج الاجتماعي: يجد العديد من المهاجرين صعوبة في الاندماج الاجتماعي مع المجموعات السكانية المحلية بسبب الفوارق الثقافية أو بسبب التجارب السلبية مثل التمييز والعنصرية. بناءً على ذلك، يميلون للتجمع مع أفراد من نفس الخلفية العرقية الذين يشاركونهم نفس التحديات والتجارب.
- الممارسة الدينية: يسعى الكثير من المهاجرين لممارسة شعائرهم الدينية بحرية وأمان، مما يمكن أن يعزز من تجمعهم في مناطق معينة تحتوي على أماكن عبادة تتوافق مع معتقداتهم.
وقد ناقش (Constant & Zimmermann, 2016) بشكل موسع مزايا وعيوب هذه التجمعات العرقية. ومن أبرز التأثيرات الإيجابية للتجمعات العرقية:
- التنوع الثقافي: يمكن للتجمعات العرقية أن تساهم في تعزيز التنوع الثقافي، ما يساعد على تبادل الثقافات والفنون والعادات بين مختلف أفراد المجتمع.
- شبكات الدعم: توفر التجمعات العرقية شبكات دعم قوية يمكن أن تساعد الأفراد في التغلب على تحديات الحياة اليومية وتحسين جودة حياتهم، مما يقلل من تكاليف الاندماج الاقتصادي والثقافي للمجتمع المستضيف، عندما يتكيف المهاجرون في مجموعات وليس كأفراد (Hatton & Leigh,2011).
- الفعالية المجتمعية. يستفيد أعضاء هذه التجمعات من شبكة اجتماعية موثوقة تشاركهم المعلومات التي قد تؤدي إلى فرص وفوائد اقتصادية ومالية لهم.
- الديناميكية الاقتصادية: يجلب المهاجرون معهم مهارات وأفكار جديدة للمجتمع المستضيف، مما قد يؤدي إلى تعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي. على سبيل المثال لا الحصر، تعد الأحياء الصينية “Chinatown ” المنتشرة في كل مدينة رئيسية في الولايات المتحدة معلما جاذبا للسياح بالإضافة لكونها تعد مراكز حيوية للثقافة والتجارة حيث تعتبر مراكز داعمة لصناعات المطاعم والعقارات بالإضافة إلى دعم الواردات والصادرات مع الصين.
ومع ذلك، وجود هذه “المجتمعات الموازية” يمكن أن يخلق مجموعة من التحديات المتعلقة بالأمن الوطني، وذلك بسبب تأثيراتها على التماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي والاقتصادي (Corvalan & Vargas, 2015; Matuszeski & Schneider, 2006). فيما يلي بعض التحديات التي تواجه الأمن الوطني في المجتمعات نتيجة التمركز العرقي:
- التوترات العرقية والدينية: قد تؤدي التجمعات العرقية المكثفة إلى زيادة التوترات بين المجموعات المختلفة، مما قد يؤدي إلى نزاعات عرقية ودينية. هذه التوترات يمكن أن تشعل صراعات داخلية تهدد الاستقرار الوطني وتزيد من صعوبة تحقيق التعايش السلمي.
- التطرف والعنف: في بعض الحالات، يمكن أن تصبح مناطق التجمعات العرقية بيئة خصبة لتنامي الأفكار المتطرفة أو العنيفة، حيث يمكن استغلال التهميش والتمييز لدفع الأفراد إلى الانخراط في أنشطة تهدد الأمن الوطني مثل الإرهاب أو العصابات المسلحة.
- العزلة الاجتماعية: التمركز العرقي يمكن أن يؤدي إلى عزلة اجتماعية وثقافية، مما يعوق التواصل بين المجموعات المختلفة ويجعل من الصعب تحقيق الوحدة الوطنية. هذا الانعزال قد يجعل بعض الفئات أكثر عرضة للتجنيد من قبل جهات خارجية أو داخلية تهدف إلى زعزعة الاستقرار.
- الفقر والتفاوت الاقتصادي: قد تتجمع معدلات أعلى من الفقر والبطالة في المناطق ذات التركيز العرقي المرتفع. حيث أن نقص الفرص الاقتصادية والتعليمية في هذه المناطق قد يؤدي إلى دورة من الفقر المستدام ويجعل من الصعب على الأفراد تحسين أوضاعهم الاقتصادية، وقد ينتج عن ذلك شعور بعدم الرضا والظلم، مما يزيد من احتمالات حدوث اضطرابات اجتماعية. هذه الاضطرابات يمكن أن تستغلها جهات تهدف إلى زعزعة الأمن الوطني.
- التمييز والإقصاء: يمكن أن يؤدي التمركز العرقي إلى تفاقم مشكلات التمييز والإقصاء. فقد يجد الأفراد من هذه المناطق صعوبة في الوصول إلى الفرص المتاحة في بقية المجتمع بسبب التحيزات والتصورات النمطية السلبية. قد يؤدي ذلك إلى زيادة الشعور بالانعزال والغضب، مما يخلق بيئة خصبة لتنامي النزاعات والتمرد.
- التحفيز السلبي للسلوك العنصري: وجود تجمعات عرقية متعددة قد يكون ذريعة لبعض الفئات لاستخدام الخطاب العنصري أو العداء. فقد يستغل البعض هذا الوضع لتبرير التمييز أو العنصرية، مما يزيد من الانقسامات في المجتمع.
- تأثير الشبكات غير الرسمية: قد تساهم التجمعات العرقية في تشكيل شبكات غير رسمية للتهريب أو الجريمة المنظمة، مما يهدد القانون والنظام العام. بالإضافة إلى ذلك، هذه الشبكات يمكن أن تكون وسيلة لنقل الموارد المالية والدعم للأنشطة غير القانونية.
- التحديات الأمنية المحلية: التمركز العرقي يمكن أن يؤدي إلى زيادة الجرائم المحلية كتجارة المخدرات والعنف، مما يضع ضغوطاً إضافية على الأجهزة الأمنية المحلية ويستنزف مواردها.
- تحديات الهوية: يمكن لعملية التمركز العرقي أن تؤدي إلى تعزيز الهوية العرقية على حساب الهوية الوطنية. مما قد يؤدي ذلك إلى شعور بالانفصال عن المجتمع الأوسع وزيادة في النزاعات القائمة على الهوية العرقية والدينية.
مما سبق، يمكن القول إن الزيادة في أعداد المهاجرين يمكن أن تكون فرصة لتعزيز التنوع والإثراء الثقافي والاقتصادي في المجتمعات المستضيفة، إلا أن تزايد أعداد المهاجرين يؤدي إلى التمركز العرقي في مناطق معينة دون غيرها. ومما لا شك فيه أن فحص وفهم أسباب وجود هذه التجمعات العرقية يعد أمراً هاماً لصنع السياسات والإجراءات الفعالة لضمان تحقيق أقصى الفوائد والتقليل من التحديات المحتملة. أن التعامل الواعي والشامل مع التحديات الناجمة عن التمركز العرقي يتطلب جهوداً مشتركة من الحكومات والمجتمعات المحلية لضمان تحقيق التعايش السلمي وتعزيز الأمن الوطني وتحقيق مجتمع أكثر تماسكاً واستقراراً قادر على الاستفادة من تنوعه الثقافي والعرقي.
توصيات:
- تعزيز برامج الاندماج: تطوير وتنفيذ برامج فعالة تساعد على دمج المهاجرين وأفراد التجمعات العرقية في المجتمع الأوسع، مع التركيز على التعليم، والتوظيف، والمشاركة المدنية.
- تحسين العلاقات المجتمعية: تعزيز الحوار والتفاهم بين مختلف المجموعات العرقية والدينية من خلال مبادرات ثقافية واجتماعية تهدف إلى بناء جسور التواصل والتفاهم.
- السياسات الاقتصادية المتوازنة: معالجة الفقر والتفاوت الاقتصادي عبر سياسات اقتصادية تهدف إلى توفير الفرص وتحسين البنية التحتية والخدمات في المناطق المهمشة.
- تعزيز الأمن المحلي: تقوية الأجهزة الأمنية المحلية وتزويدها بالموارد اللازمة لمكافحة الجرائم المحلية ومنع تنامي الشبكات غير الرسمية والتطرف.
- التوعية ومكافحة التمييز: تنفيذ حملات توعية وتثقيف تهدف إلى مكافحة التمييز وتعزيز مفهوم المواطنة المشتركة والقيم الديمقراطية.
- التعاون الدولي: العمل على تعزيز التعاون الدولي والإقليمي لمكافحة الهجرة غير النظامية والأنشطة الإرهابية والمنظمات الإجرامية التي قد تستفيد من التجمعات العرقية لتحقيق أجنداتها.
- التعقيب الثاني: د. فهد الغفيلي
وصفت كاتبة الورقة الرئيسة التجمع العرقي بأنه مصدر إثراء واستفادة للمجتمعات الحضرية، إلا أنه قد ينطوي على تحديات كبيرة تتعلق بالتماسك الاجتماعي والشعور بالانتماء، بسبب ظهور تجمعات عرقية في بعض الأحياء السكنية في المدن. هذا الطرح يشتمل على مجموعة من النقاط التي تستحق التعقيب والتعليق، إلا إني سأركز حديثي في محاولة فهم لماذا تتكون هذه التجمعات في الأساس؟ وكيف تتحول إلى مصدر خطر على الأمن الوطني؟
إن من يبحث في موضوع التجمع العرقي سيلاحظ بأن هناك مجموعة من النظريات العلمية التي تبين الدوافع التي تقود مجموعة من الناس لتعيش مع بعضها، من أبرز هذه النظريات، نظرية الاختيار السكني، Residential Choice Theory وهذا يعني أن هناك أشخاصاً يختارون طواعية العيش في أحياء سكانية بعينها لواحد أو أكثر من عوامل الجذب Pull Factor وقد يكون عامل الجذب متعلقاً بانخفاض التكلفة المعيشية، في حي بعينه، أو وجود عرق يتحدث لغة أو يعتنق دين. وهذه النظرية تتحدث عن مجموعة من عوامل الجذب وعوامل الطرد Push Factors ولكل من الباحثين تفسيراته الخاصة وفقاً لهذه النظرية (Bell, 1968, Gans, 1967).
ورغم اجتهاد النظرية في التفسير، إلا أني أرى أن هذه النظرية لا تفسر أسباب تكون هذه التجمعات، صحيح أن النظرية تشرح لماذا يختار بعض الأشخاص العيش في هذا النوع من التجمعات وتحديداً “التجمع العرقي” في حي بعينه، ولكنها لا تذهب بعيداً في تفسير أسباب تشكل هذه التجمعات العرقية.
وعلى الجانب الآخر، تذهب نظرية التمييز السكني Housing Discrimination Theory (Banton, 1979) إلى تفسير التجمع العرقي بعنصرية الأغلبية التي تجبر أقلية بعينها على استيطان منطقة أو حي، ولا تتسامح مع من ينتمي إلى الأقليات بالسكن في الأحياء التي تقطنها الأغلبية. ولهذا السبب، ربما يلاحظ في بعض الأحياء خلوها من ذوي بشرة مختلفة، أو ثقافة مختلفة. وهذا النوع من التمييز ربما يتم بشكل شبه رسمي، أو يكون رسميا، ولكنه غير معلن، وذلك بسبب تكون صورة نمطية عن أقلية أو مجموعة أقليات بأنها مصدر للجريمة، والفوضى، ولهذا، يشكل وجودها مصدر قلق لسكان الحي، وربما يؤدي تكاثرهم في منطقة إلى هجرة أهلها منها، وبالتالي تبدل حالتها المعيشية وانخفاض أسعارها.
هجرة السكان الأصليين من منطقة إلى أخرى، ربما تفسر تزمت بعض المتنفذين ورفضهم قبول من ينتمون إلى ثقافات مختلفة مشاركتهم العيش في نفس المنطقة. ولتوضيح هذه المسألة يمكن الرجوع إلى نظرية الاستبدال (Great Replacement Theory) التي روج لها الروائي والفيلسوف الفرنسي رينو كامو Renaud Camus التي يؤمن بها كثير من الغربيين ويستغلها بعض السياسيين المتطرفين في حملاتهم الانتخابية، والتي تتحدث عن تغول الأعراق الأخرى على العرق الأبيض في أوربا، مما يتسبب في هجرة معاكسة أو هروب السكان المحليين إلى مناطق أخرى، أو بمعنى أدق استبدال الأعراق غير الأوربية بالأعراق الأوربية لتستوطن قارتهم (Nellie, 2019).
وقد استغلت الأحزاب اليمنية المتطرفة هذه النظرية في حملاتها الانتخابية لكسب تأييد الناخبين، بتبني سياسات أكثر تشدداً مع الأقليات والمهاجرين. وكشاهد على هذا الاستغلال، قيام رئيس حزب ديمقراطي السويد شارلي فايمرز، المعادي للمهاجرين، في حملته الانتخابية، بالتحذير من حدوث عملية استبدال سكاني تجري في بلاده، ومما جاء في حديثه، وهذا هو الشاهد، أن عائلات سويدية انتقلت من مدينة مالمو بأكملها، وليس فقط في ضاحية روزينغورد Rosengård، كما أشارت أ.د. فوزية الدوسري في ورقتها، لأن أطفال تلك العائلات السويدية باتوا يرددون كلمات عربية (alkompis.se).
ولمزيد من التوضيح حول كيفية تكون التجمع العرقي في حي بعينه ثم تحوله مع الوقت إلى منطقة لا تحظى بسمعة جيدة، سأعطي مثالاً لحي موزلي Moseley في مدينة برمنغهام، فهذا الحي الذي أسسه مجموعة من الأغنياء الإنجليز عام 1858م، حافظ على هويته البريطانية النصرانية، حتى بدأت الجاليات العربية والباكستانية والهندية تستوطنه قبل خمسين سنة. وفي عام 2001 أصبحت تلك الجاليات تمثل أقلية تشكل 31% من سكان الحي (ons.gov.uk). ولكن في عام 2021 ارتفع عدد السكان المنتمين إلى العرقية غير البيضاء ليصل إلى 53%، بدلاً من 31% (citypopulation.de). وإحصائية السكان البريطانية الرسمية المقبلة ستكون في عام 2031، وربما تغيرت هذه النسب بشكل أكبر. ولهذا فحالياً، يعد حي موزلي من الأحياء ذات سمعة جيدة أقل مقارنة بالأحياء الأخرى، وصارت أسعار إيجارات السكن أقل تكلفة، بينما ترتفع أسعار التأمين.
وحالة حي موزلي في مدينة برمنغهام تمثل شاهداً على ميل الأعراق إلى العيش مع بعضهم، ونزوح السكان الأصليين. وحالة حي موزلي ليست حكراً على بلد أو مجتمعات محددة، بل يمكن ملاحظتها في كل مكان. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، أثبت مجموعة من الباحثين، منهم، تشارلز (Charles, 2003) أن السود واللاتينيين والبيض نادرًا ما يعيشون في نفس الأحياء. وبدلاً من ذلك، يميل أفراد الأقليات العرقية إلى العيش في أحياء ومجتمعات مستقلة ومتجانسة. وبشكل أكثر تحديدًا، ففي حين تميل المجموعات والأقليات العرقية إلى الإقامة في الأحياء الفقيرة داخل المدينة، فإن أفراد أغلبية السكان يميلون إلى الإقامة في الأحياء الثرية والمرموقة في منطقة العاصمة.
ولعلي أتوقف عند ما ورد في الورقة الرئيسة من أن دراسة (فوزي، 2022) أثبت أنه عندما ينتشر أفراد المجموعة العرقية في جميع أنحاء المدينة بشكل عام، فإن فرص العنف العرقي ستنخفض، في حين أنه عندما يكون هناك تركيز مجموعة عرقية واحدة في منطقة معينة تزداد احتمالات العنف والجريمة مما يؤكد وجود علاقة بين درجة التوزيع العرقي واحتمال تصعيد أو انخفاض العنف العرقي. ويمكن القول بأن المشكلة ليست في تجمع عرقية بعينها في منطقة محددة، وحتى لو سلمنا بالانعزال الثقافي عن المجتمع الأم، إلا أنه لن يكون هناك مخاطر أمنية من هذا التجمع، مالم تمارس ضد هذه الأقليات عنصرية، خاصة حين يشعرون بأنهم غير مرحب بهم في المشاركة في الأنشطة العامة، أو تعمد عدم توظيفهم لمجرد انتمائهم لحي بعينه، أو معاملتهم كمهاجرين وليسوا مواطنين رغم أن بعضهم ولد وتربى في نفس الحي، ويحمل جنسية البلد، بل أن بعضهم لا يعرف أي شيء عن بلده الأصلي، كما وقفت على ذلك بنفسي بالنسبة لكثير من الآسيويين الذين يعيشون في المملكة المتحدة، ويشعرون بالانتماء إليها، ولكن كثير من السكان الأصليين، وبتأثير الإعلام العنصري وتساهل الحكومة، لا يعدونهم مواطنين بل مهاجرين.
ويترتب على هذا التمييز العنصري شعور تلك الأقليات بالإحباط بسبب الاضطهاد الممارس بحقهم، ولجوء بعض شبابهم إلى العزلة والانفصال التام عن المجتمع الأم، وبالتالي إلى الجريمة والمخدرات، وربما أصبحت منطقتهم بيئة خصبة للاستقطاب والاستغلال من قبل الجماعات المتطرفة. وهذه العواقب قد تكون معلومة لدى السلطات المحلية، ولكن ربما يتم تجاهلها لتحقيق غايات أخرى.
وكما يذكر سيميونوف وغليكمان (Semyonov and Glikman, 2009) بأن علماء الاجتماع يرون التمييز السكني العرقي شكلا من عدم المساواة في المدن وآلية هيكلية يتم من خلالها حرمان الأقليات العرقية من الوصول إلى الفرص الوظيفية والاقتصادية المتاحة لبقية المواطنين. ولهذا يذهب غور (Gurr, 2000)، في نظريته حول العلاقة بين العنصرية والعنف، إلى أن شعور الأقليات بالتهميش، ينتج عنه احتجاجات ولجوء إلى العنف.
وأخيراً، فإنه يمكن القول بأن نشوء الجماعات العرقية التي تستوطن منطقة بعينها يعد طبيعة بشرية، وهو يصب في إيجابية التنوع الثقافي أكثر منه في أي مجالات سلبية محتملة، ولكن المشكلة تبدأ حين تقوم الأغلبية بعزل مجموعة من الأقليات في أحياء وممارسة التمييز العنصري بحقهم، بحيث لا يعاملون بنفس الطريقة التي يعامل بها بقية السكان، وهذه المعاملة قد تقود إلى احتقان الأقلية المضطهدة وربما تطور هذا الاحتقان إلى سلوكيات سلبية كأن تصبح المنطقة بؤرة للجريمة وتصدير أعمال العنف ضد بقية السكان، والإخلال بالأمن الوطني. ولهذا، أؤكد على أهمية العناية بمجتمع الأقليات وعدم اهماله وتصحيح أوضاع سكانه بشكل مستمر.
- التعقيب الثالث: د. عبدالله المهنا
تعتبر ظاهرة التجمع العرقي من الظواهر الشائعة في المدن حول العالم، أي أنها ليست ظاهرة فريدة لدولة معينة أو تميز بلد عن بلد آخر، وهذا يؤكد على تجانس الظواهر الاجتماعية على مستوى العالم، ولهذا حظيت هذه الظاهرة بالكثير من الدراسات والبحوث الاجتماعية.
وتاريخياً بدأ التغير في التركيبات السكانية للمدن بعد الحرب العالمية الثانية، حيث شهدت دول غرب أوروبا هجرة أكثر من ثلاثين مليون شخص (Peach, C. 1987)، وقد حدد هذا الباحث أسباب تلك الهجرات بالتالي: (1) عودة المواطنين نتيجة إنهاء الاستعمار والتغيرات في السياسات والتشريعات الدولية، (2) حركة اللاجئين الباحثين عن اللجوء السياسي في دول أوروبا الغربية، (3) هجرة النخب نتيجة الروابط الدولية في الاقتصاد، (4) هجرة العمالة الجديدة الباحثة عن فرص العمل. ومع وصول هذه الهجرات للمدن الأوروبية بدأت هذه المجموعات المتشابهة في السكن حول بعضها البعض مكونة ما يسمى اليوم بظاهرة التجمعات السكنية العرقية.
أما بالنسبة لدول الخليج فقد بدأ توافد العمالة الأجنبية مع تطور صناعة النفط في المنطقة، حيث أدى ذلك التطور إلى زيادة هائلة في المداخيل المادية لدول الخليج، مما زاد من وتيرة التحديث والتطوير في البنية التحتية، ونمو المدن بشكل سريع، وازدهار الصناعة، ومن هنا بدأت دول الخليج – ومن ضمنها المملكة – في استقطاب أعداد كبيرة من العمالة الأجنبية (Gardner, 2011)، وبدأت تتركز العمالة الأجنبية في الأحياء السكنية المنخفضة في ايجاراتها.
فالتجمعات في الأحياء السكنية يمكن تصنيفها بطريقتين مختلفتين: (1) الطريقة الأولى حسب الإرادة: فهناك تجمعات اختيارية – وهي التجمعات التي تنشأ من رغبة السكان في التجمع حول بعضهم، وهناك تجمعات اجبارية – وهو ما يسمى بالفصل العنصري – وهي التجمعات التي تشأ نتيجة تشريعات أو أنظمة معينة تفصل السكان عن بعضهم في أحياء مختلفة. (2) الطريقة الثانية حسب الفترة الزمنية لتلك التجمعات: فهناك تجمعات دائمة – وهي التجمعات للسكان الأصليين، وهناك تجمعات مؤقتة – وهي التجمعات السكنية للعمالة الأجنبية.
والمقصود هنا هو تجمع الجاليات العاملة في المملكة في أحياء سكنية معينة، وهي تجمعات اختيارية ومؤقتة. فهذه التجمعات ناتجة من رغبة تلك الجاليات في السكن حول بعضها وليست نتيجة لتشريعات وأنظمة معينة وبالتالي فهم غير مجبرين على ذلك، كما أنها تجمعات مؤقتة – أي أنها مرتبطة بعقود عمل تلك الجاليات. ومثال على تلك التجمعات في مدينة الرياض، تواجد الجالية الباكستانية في حي الشميسي، وتواجد غالبية الجالية المصرية في حي منفوحة.
وأما أسباب تلك التجمعات فهي ناتجة عن تجمع المجموعات البشرية المتشابهة لتسكن قريبة من بعضها، وهذا التشابه – القواسم المشتركة – يشمل العوامل المادية، أو العرقية، أو المناطقية، أو القبلية، أو أنها تنتمي لجنسية واحدة، أو مذهبية، أو دينية، وهذا يتوافق مع تعريف (Fawzi, 2022) للمجموعات العرقية بأنها أي مجموعة بشرية يشترك أفرادها في العادات والتقاليد واللغة والديانة وسمات مميزة أخرى مثل الأصل أو الصفات الجسدية. وأصبحت كل مجموعة عرقية معينة تتجنب الأحياء التي تسكنها عرقيات مختلفة عنها كما نشاهده الآن في أحياء الرياض القديمة.
وعند تحليل هذا الظاهرة – التجمعات السكنية – نجد أنها ناتجة عن سلوك فطري وليست سلوكاً طارئاً، وذلك نتيجة حاجة تلك المجموعات البشرية للأمن الاجتماعي، أو حاجتها للتميز عن غيرها كما هو الحال في التجمعات حسب المستوى المادي.
فالعمالة الأجنبية – التي تنتمي إلى جنسية واحدة – تتجه للسكن حول بعضها في أحياء معينة من المدن التي تعمل فيها، لأن ذلك يوفر لها الأمن الاجتماعي، وبعض الباحثين يعتبر هذه الظاهرة سمة من سمات التحضر، وأنها ظاهرة إيجابية يجب الاستفادة منها، حيث أوصى (Leitner, 1986) بمنح العمال الأجانب كامل حقوقهم القانونية وأن يكون لهم مشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلد المستضيف.
وبناء على ذلك فإن طريقة التعامل مع الظاهرة الاجتماعية أو معالجتها لن يكون مثمراً ما لم يكن مبنياً على فهم طبيعتها، فإن كانت الظاهرة الاجتماعية ظاهرة أصيلة فالأنسب هو التعامل معها ومحاولة الاستفادة منها وتوظيفها، لأن محاربتها أو محاول القضاء عليها سينتج عنه نتائج سلبية غير متوقعة. وإن كانت الظاهرة الاجتماعية ظاهرة طارئة فالأنسب هو معالجتها ومحاولة تحجيمها قدر الإمكان حتى اختفائها.
وما ذكرته كاتبة الورقة الرئيسة من توصيات يتوافق مع هذا المبدأ، كمقترح سفراء المجتمع، وطرح بعض البرامج التفاعلية والترفيهية، والبرامج التدريبية للمجتمعات المهاجرة، وإنشاء المراكز الأمنية داخل تجمعاتهم السكنية، والتوصية بإجراء دراسات لهذه الظاهرة والتعرف عليها بشكل أكبر، واستخدام التقنية كنظام المعلومات الجغرافية (GIS) ومنصة ايجار، وبناء مؤشرات لهذه الظاهرة، جميعها توصيات للتعامل مع الظاهرة.
وبالنسبة لربط كثرة الجرائم بالتجمعات السكنية للعمالة الأجنبية فنرى أن هناك متغيرات كثيرة تم اغفالها في الأدبيات العلمية التي تناولت تلك الظاهرة، فمتغير الجنسية، ومتغير الحالة الاقتصادية، ومتغير الحالة النظامية لتلك العمالة لم تؤخذ بعين الاعتبار عند محاولة ربط متغير معدل الجريمة مع متغير التجمعات السكنية. فقد تكون الجرائم مرتبطة بجنسية معينة بذاتها، وليست مرتبطة بظاهرة التجمع السكاني لعموم الجنسيات، وقد يكون هناك ارتباط بين نوع معين من الجرائم بكل جنسية معينة، وهذا يتوافق مع ما ذكره (Sirat and Ghazali, 2010) عند دراستهم لمشاكل تمركز العمالة الأجنبية في مدينة بينانج الماليزية، حيث ذكروا بأن هناك ارتباط جزئي بين المشاكل الاجتماعية وتمركز العمالة الأجنبية في بعض أحياء مدينة بينناج.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالدراسات التي أوصت بتفرقة العمالة الأجنبية السكنية نرى أنها لم تأخذ بعين الاعتبار مبدأ (survival bias)، فتلك الدراسات تعاملت مع البيانات الحاضرة أمامها وهي معدل الجرائم والتجمعات السكنية الكبيرة، وفي نفس الوقت لا يوجد بيانات عن معدل الجرائم والتجمعات السكنية الصغيرة، وبالتالي يصعب التوصية بتفرقة العمالة على أساس أنها الحالة العكسية لتجمعاتهم.
- المداخلات حول القضية
- التحديات المرتبطة بالتجمعات العرقية في المجتمع السعودي.
لا شك أن التجمعات العرقية مشكلة تعاني منها معظم الدول، وربما هي لا تمثل مشكلة في المملكة بقدر ما هي تمثل تحدي لأن ما حدث من تجمعات عرقية (أحياء عشوائية) في المملكة العربية السعودية كان نتاجاً طبيعياً كونها وجهة ومقصد لجميع المسلمين ومطلب للعيش والاستقرار منذ مئات السنين ودولة مسلمة ومتعاطفة مع كل من هو مسلم؛ لهذا كانت هناك تجمعات عرقية طبيعية يحكمها الوازع الديني وتحت مظلة نظام يقوم على اساس الشرع لهذا لا يمكن مقارنتها بالتجمعات العرقية الموجودة في أغلب دول العالم.
وثمة بعض نظريات علم اجتماع العلاقات الإثنية والعرقية التي يمكن في ضوءها دراسة القضية كما تتجلى أبعادها في المجتمع السعودي، كما في دراسة العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لأن الدولة لم يخضع مجتمعها بما فيها التجمعات العرقية للاستعمار الذي ولدّ المشكلات العرقية والعنصرية وبسبب ذلك ظهرت الدراسات وخرجت النظريات التي تحكم هذه العلاقة.
وإذا كان الأمن الوطني يعرف بأنه “ابتكار وتنمية واستدامة المقومات والمصالح الوطنية وحمايتها من المهددات والمخاطر الوطنية الداخلية والخارجية”؛ فإن ذلك يدعو للنظرة الشاملة للقضايا المطروحة وصفا أو استشرافا.
ويلاحظ في هذا السياق وارتباطاً بالنظريات المفسرة للتجمعات العرقية، أن هناك أحياء طاردة للجاليات، ويتم رفع أسعار المساكن بها لهذا الغرض، ومؤخرا تم تأجير أحد المنازل في شمال الرياض لعمالة أجنبية، وكان هذا محل تسخط، وقوبل بعدم ترحيب من الجيران، وهذا يمكن تفسيره من خلال نظرية التمييز السكني. وهذه النظرية تفسر حتى التمييز ضد الطبقات؛ فهناك أحياء يتم رفع أسعار الأراضي والمساكن بغرض منع افراد بعض الطبقات الاجتماعية من استيطانها، بسبب سلوكيات تلك العوائل خاصة أطفالهم والشغب الحاصل منهم وتأثيرهم السلبي على الحي وقاطنيه.
وفي هذا الإطار فإن التجمعات العرقية تمثل تحدياً للمملكة، وأصبح هناك مطلباً لوضع استراتيجية للسكان والتنمية ضمن استراتيجية التنمية المستدامة التي تسعى لها رؤية 2030 تشمل وضع حلول للمناطق والتجمعات العرقية العشوائية التي تعاني منها المدن الكبرى كالرياض وجدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة والمنطقة الشرقية.
والتصور أن لدى الجهات الأمنية بالمملكة تجارب ومعلومات عميقة جدا عن سيطرة بعض العرقيات على أحياء شعبية بالكامل في مكة وجدة والمخالفات التي عانت منها في هذه الأحياء كمراكز لبيع المخدرات والبغاء وبيع أجزاء البشر. والتصور كذلك أن أي طرح أكاديمي للمشكلة سيكون منقوصا مالم يكون مبنيا على بيانات ومعلومات دقيقة وفعليه من الجهات الأمنية التي عانت من مشاكل العرقيات في الأحياء العشوائية.
ولا يمكن تجاهل أننا الآن في عصر مختلف، فالإعلام ومواقع التواصل قد تشعل الفتيل في أية لحظة، إما بوسم (هاشتاق) مثير للفتنة، أو مقطع حقيقي أو مزور (مفبرك)؛ وقد تنجح بعض الأطراف في إثارة هذه التجمعات العرقية من خلال الضغط على وتر العاطفة، وادعاء المظلومية؛ مما قد يشحن هذه العرقيات ضد الوطن، وهذا وارد وغير مستبعد أبداً، حينها كيف سنواجه المشكلة فيما لو ثارت ثائرة هذه التجمعات، وتنادت وتكدست في الشوارع مدعية المطالبة بحقوقها، أو الانتصار لها في قضية ما أثيرت في مواقع التواصل ووجدت الزخم الإعلامي من قنوات معادية؟!
هذه اللحظة الحرجة التي نتمنى ألا نصل إليها أبداً، ولكنها اللحظة التي لا ينبغي أن نسقطها من حساباتنا ونحن نخطط للمستقبل.
- أثر التجمعات العرقية على الأمن الوطني في المملكة.
ترتب على تمركز بعض الجنسيات في مناطق معينة وبشكل عشوائي في المدن السعودية على الأمن الاقتصادي والأمان الاجتماعي، ظهور ما يلي:
- تخلخل في التركيبة السكانية لمعظم الأحياء المقصودة. مما يشكل خطر مستقبلي؛ فالوافدين يأتون مع أسرهم وثقافتهم وأيديولوجياتهم. والخوف من امتداد أثرها للأحياء المحاورة لها؛ فهذه المناطق كانت صغيرة ثم تحولت لأحياء بكاملها، نشأت إما بسبب نزوح بعض ساكنيها المواطنون لأحياء جديدة وتأجير منازلهم للوافدين؛ مما دفع سكانها الآخرين للنزوح عنها بعد أن فاضت بالسكن العشوائي الكثيف لبعض هذه الجاليات العربية والأجنبية؛ لشعورهم بالغربة وعدم الارتياح فيها!
- انتشار مشاهد التشوه البصري، وتدني مستوى “جودة الحياة” في بعض الأحياء المسكونة من قبل هؤلاء الوافدين، ومن ثم تدنيها في المجتمع السعودي مقارنة بالمجتمعات المتقدمة.
- ازدياد عدد المخالفين فيها لأنظمة الدولة، وتسترهم على بعض، ومساهمتهم في زيادة تواجد “البضاعة المقلدة والمغشوشة ” وترويجها وبيعها.
- استحواذ بعض الجنسيات لمهن ومجالات معينة، منهم: الإثيوبيات كعاملات منزليات، وتواجدهم في حي واحد سهل لهم سرعة التواصل والاتفاق فيما بينهم على وضع حد أدنى لرواتبهم، وشروط معينة للعمل وعدم السماح بغير ذلك.
- بروز مفاهيم جديدة عند الجيل السعودي الجديد، بعد انتشار عادات وتقاليد مستنكرة وغريبة من هذه الأقليات. الأمر الذي قد يؤدي مستقبلًا لافتقاد للهوية والثقافة السعودية، مما يُصعّب من ضبط السلوك المجتمعي العام.
- اضطرار الحكومة لاحقا إلى إنفاق المليارات للتخلص من هذه الأحياء العشوائية. وإعادة بناءها من جديد.
- البعد النفسي للتجمعات العرقية.
إن فهمنا للعمليات النفسية الداخلية التي تدفع الأفراد نحو التجمعات العرقية يقدم رؤى أعمق حول الدوافع النفسية وراء هذه الظاهرة، مما يساعد في تطوير استراتيجيات فعالة لمواجهتها.
على سبيل المثال، الحاجة إلى الانتماء، التي تعد حاجة أساسية لدى الأفراد، يمكن إشباعها من خلال التجمعات العرقية التي توفر شعورًا بالأمان والاستقرار النفسي وتشكيل علاقات اجتماعية مستقرة وذات معنى. ومع ذلك، تؤدي هذه التجمعات في الوقت نفسه إلى تعزيز الحواجز بين المجموعات المختلفة وتقوية الهوية العرقية، مما يزيد من صعوبة الاندماج الوطني.
التجمعات العرقية تستمد احترامها للذات من هويتها العرقية، وأي هويات مختلفة قد تُنظر إليها كتهديدات محتملة أو واقعية على الأصعدة النفسية، الاجتماعية، والأمنية. واستجابةً لهذه التهديدات، قد يتطور لدى الأفراد توجهات دفاعية، سواء كانت واعية أو لا واعية، بهدف الحفاظ على هويتهم العرقية. هذه السلوكيات الدفاعية قد تتراوح بين العزلة والانسحاب الاجتماعي إلى ظهور سلوكيات عدائية ضد المجتمع الذي يُشعرهم بالغربة.
كل هذا قد يؤدي إلى تعميق الفجوة بين الانتماء العرقي والاندماج الوطني، مما يعقد جهود تحقيق التماسك الاجتماعي ويؤثر سلبًا على الاندماج في النسيج الوطني. ولتفادي ذلك يمكن العمل على تركيز الاستراتيجيات على أهمية اشباع الحاجة للشعور بالانتماء للهوية العرقية مع الاندماج في النسيج الوطني.
في المقابل ثمة وجهة نظر أخرى تذهب إلى أنه وبالنسبة للتجمعات العرقية المرتبطة بالعمالة الوافدة من جنسيات متعددة تفد إلى المملكة؛ وحتى لو كان الهدف الاساسي للعمالة الوافدة هو كسب المال والعودة لأوطانهم؛ فالتجربة الانسانية متداخلة ومتشابكة فالتأثير في جانب ينعكس على بقية الجوانب الأخرى، ومن ذلك على سبيل المثال تحسين بيئة العمل من خلال برامج الاندماج وتوفير بيئة تفاعلية ومفتوحة على نحو يمكن أن يقلل من سوء الفهم والتمييز، وبالتالي يشعر العامل الوافد بأنه جزء من المجتمع المضيف ويكون اكثر رضا واستقرار واكثر انتاجية وشعور بالأمان وعدم التهديد، فمثلا سنغافورة لديها برامج تدريبية وتأهيلية للعمالة الوافدة لديها حتى وان كانت اقامتهم مؤقتة. فالواقع أن الاهتمام بالجانب النفسي للعاملة الوافدة من خلال برامج الاندماج والتوجيه والدعم النفسي ينعكس على انتاجية العامل وشعوره بالرضا داخل المجتمع مما يصب في اهتمامه بالمساهمة في المحافظة على أمن هذا المجتمع.
- التجمعات العرقية والعزلة الاجتماعية والثقافية.
ثمة جانب مهم يجب تسليط الضوء عليه، وهو ذلك المرتبط بالعزلة الاجتماعية والثقافية للتجمعات العرقية في بعض الأحياء السكنية؛ حيث هم من المهمشون الذين لا نشعر بوجودهم كبشر متكاملين إلا عند حاجة لنا. وما دام أننا أقررنا أن هذه التجمعات موجودة في كافة انحاء المعمورة وليس في المملكة فقط، فلا اقل من أن نستفيد من تجارب الغير في محاولات ادماج هؤلاء والاستفادة منهم كقوي عاملة لديها دخل ثابت وتقدم لها الخدمات الإسكانية والتعليمية والطبية كما يحصل في السويد مثلا وهي التي شهدت نزوح مئات الالاف من السوريين بسبب حرب السنوات السبع المستمرة ولكنهم قدموا برامج التأهيل في اللغة والتدريب المهني وقدموا إعانات شهرية لفترات محددة لضمان اندماج هؤلاء في المجتمع المهني على الاقل وضمان عملهم ودخلهم.
وربما لدى بعض المواطنين شعور بالفوقية تجاه عدد كبير من الجنسيات التي اعتادوا أن يرونها تعمل في مهن متدنية الأجور، كما أن كثير من المواطنين يجهل البلدان التي أتوا منها من حيث تاريخها وطبيعتها ومنتجاتها المادية والثقافية، ولم تتمكن أنظمة التعليم أو الثقافة أن تجسر هذا الجهل وتمكننا من التفاعل الايجابي مع هذه المجموعات الموجودة فعلا على ارض الوطن وتشكل نسبة لا باس بها من عدد السكان.
وتأسيساً على ذلك يجب وضع دراسات ميدانية حول هذه التجمعات لتجسير الهوة الثقافية بيننا كمواطنين وبين هذه الأقليات التي تعيش وستظل تعيش بيننا ما حيينا فهذه ارض الحرمين وسوف يهفو فؤاد كل مسلم للقدوم اليها اضافة الي أن رؤية ٢٠٣٠. وضعت المملكة والحمدالله على مصاف أكبر الدول مما يجذب الناس للقدوم والمعيشة هنا وهو ما يجب استثماره في التفاعل الثقافي والاجتماعي والاقتصادي.
- آليات إدماج والإفادة من التجمعات العرقية في المجتمع السعودي.
لتحليل مخاطر تأثير التجمع العرقي على الأمن الوطني، فذلك يتطلب النظر للخطر المحتمل في شكليه المتناقضين (الايجابي والسلبي) وفقا للمنظور الحديث للمخاطر الذي ظهر منذ ٢٠١٩م؛ بمعنى عدم النظر للمخاطر من منظور سلبي كتحديات (فقط)، فإن التعامل مع هذه الظاهرة يتطلب التخطيط المبكر للتعامل معها مبكراً؛ لتحويلها كفرص ممكنة، وفي ذات الوقت التعامل الشامل والمحكم معها في حال تحولها لمخاطر سلبية وبأدوات واليات قانونية تراعي مبادئ حقوق الإنسان.
والجدير بالذكر أن الحلول الأمنية فقط (للتعامل مع قضية التجمعات العرقية) لم تنجح في أي دولة في العالم، بيد أن الحلول الشاملة في التعامل المبكر والآني للتعامل معها يحقق أثرا ايجابيا في مثل هذه القضايا.
وفي الواقع السعودي تنبهت الجهات المعنية وصولا إلى أعلى المستويات لأهمية قضية التجمعات العرقية وعلاقتها بالأمن الوطني، وبدأت في اتخاذ إجراءات توازن بين الحفاظ على السلم المجتمعي، وبين حقيقة وجود هذه التجمعات وضرورة إيجاد حلول جذرية مع مراعاة الجانب الإنساني وطبيعة الظروف التي تشكلت بموجبها هذه المجتمعات، دون التهاون في قضية الأمن الوطني الذي يعتبر قضية لا تقبل انصاف الحلول وإنما الحل الجذري وفق عمل مرحلي منظم ومنسق بين عدة جهات، وكان أكبر مشهد ملاحظ لهذه الإجراءات والتنفيذي منها على وجه الخصوص، هو إزالة الكثير من الأحياء العشوائية مع إعادة إسكان أهلها، وتشكيل لجان استباقية للتنظيم ومعالجة أي أمر محتمل قد يظهر أثناء التنفيذ وبعده.
وفي سياق متصل، فإن قضية التجمعات العرقية وحيث أنها تحتمل دراسات متعددة وطروحات متنوعة، يجب ألا تقتصر على اجتهادات منفصلة من واقع طبيعة اهتمام المؤسسة. فقضايا الأمن الوطني تحتاج لمركزية في القرار والتنفيذ وتداول الأفكار. لذلك الجانب النظري جانب تثقيفي في مستويات معينة، ومدخل لقياس مدى توسع الظاهرة وخطورتها، وليس مفتاح لعمل منفصل يمكن الاجتهاد فيه بالتوعية أو التنبيه. بل ربما يكون لمحاولة الاجتهاد والمبادرة أثر عكسي.
القضية في غاية الأهمية وحساسة جدا، وهي هم حقيقي يحتاج أن يشار إليه وفي الوقت نفسه، كما يحتاج لممارسة عالية المستوى في طرحه وتناوله اجتماعيا وإعلاميا وعلميا، وحتى على مستوى اللغة بالابتعاد عن المفردات التي قد تشكل وصم اجتماعي يؤثر على تفكير النشء ويرسخ صورة ذات بعد واحد عن هذه التجمعات والمجتمعات. لأنها في حقيقتها ليست على شكل واحد.
نحن بحاجة لتحقيق أهداف الرؤية كمجتمع حيوي يسعى إلى إعادة تهيئة وتخطيط عمراني يتوافق مع إعادة التوازن لمعدلات النمو الاقتصادي والنمو السكاني لتحسين المعيشة وتحقيق مطالب العدالة الاجتماعية في توزيع الخدمات وتحسين جودة الحياة والتعليم والرعاية الصحية وتحسين ظروف المعيشة ومواجهة ومجابهة الفقر في الأحياء السكنية التي تتركز بها بعض التجمعات العرقية، وكل ذلك سينعكس ايجاباً على الاستقرار الأمني.
وثمة ضرورة كذلك لتكثيف الحملات الإعلامية بلغات التجمعات العرقية المختلفة في المملكة وبقنوات وأدوات فاعلة لضمان الوصول لشريحة كافية منهم تنشره للبقية. لان فهمهم لأنظمة المملكة وقنوات التعامل معها أمر مهم للتقليل من الإحساس بالمظلومية في حال ظهور سبب أو داعٍ لها. مع التدقيق على فعالية أي نشاط إعلامي وفي صياغة الرسالة والهدف منها، والتركيز على تقييم الاثر.
ومن ناحية أخرى تذهب بعض وجهات النظر إلى أن معالجة التجمعات الاثنية مكلف جدا، لأنه يتضمن اعادة توزيع مخطط لها سيكون لها تبعاتها المالية دون أن تضمن مستقبلا عدم عودة التجمعات للتشكل بطريقة أو بأخرى، خاصة إذا لاحظنا أن هذه التجمعات لدينا بالمملكة تتمحور حول الدخل المنخفض. وفيما يخص حوادث الشغب البسيطة هنا وهناك فلا تعتبر ظاهرة بالسعودية كما هي في الغرب مثلا، ولو قارناها بتاريخ تواجد هذه التجمعات لوجدناها قابلة للإهمال. ومع هذا فلاشك أن الحذر واجب ومن الضروري الاستمرار في مراقبة التجمعات ورصد تطوراتها.
أيضاً فإن قضية التجمعات العرقية في ارتباطها بالأمن الوطني في المملكة تحتاج إلى:
- بيانات ومعلومات دقيقة يتم في ضوءها وضع استراتيجية إنمائية شاملة لتحقيق التوازن في الأحياء السكنية التي تتركز بها التجمعات العرقية أو العشوائية، وإعادة التنمية والتأهيل لها سعياً للحصول على الأقل على الحد الأدنى من الحاجات الأساسية.
- الاستفادة من التجارب المحلية المتميزة في (جدة ومكة) بعد تحليلها وتقييمها.
كذلك وانطلاقاً من أثر التجمعات العرقية على الأمن الوطني في المملكة، من المهم التأكيد على ما يلي:
- أن وجود هذه التجمعات فرض تحديات لها منزلة الضرورة المستعجلة الآن؛ ما يستدعي أن نضعها على الطاولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية للتفكير فيها، والاستدراك الاستباقي لمستقبل أكثر أمانًا، وقبل أن تتضخم تداعيات وجودها -أي التحديات – في البنية السكانية للسعودية.
- أهمية استمرار وتكثيف التدقيق الأمني والمجتمعي لهذه التجمعات العرقية من خلال الجهات المعنية المتخصصة؛ لمواجهة أي مخاطر مستجدة إذا لم تكن هناك مراقبة جيدة لهذه النقاط وإعطائها الاهتمام اللازم.
- العمل على توسيع القواسم المشتركة للمصالح مع هذه الأقليات، وتعزيز التنسيق والتفاعل الإيجابي مع أكثرها عددًا وأهمها احتياجًا وأبرزها عملًا. وذلك لن يتحقق إلا من خلال العودة إلى مقاصد ومبادئ الشريعة الإسلامية وتعزيز مصداقيتها والعمل على تحقيق مفهوم الحوكمة المتسمة بالتشاور والتعاون والنفع للجميع.
- أنْ تكون لدينا خارطة بالقوى البشرية الوافدة في أوضاعها الراهنة، المعطلة والمنتجة، وطبيعة الوظائف والمهن وعوائدها المالية. والدفع نحو تشكيل معادلة للعلاقات معهم تتميز بالتعايش السلمي والاستقرار العام والتنمية المتوازنة. وأن يكون الانفتاح الاجتماعي معهم محكومًا بتشريعات ذكية تضمن الحقوق الأساسية للمواطنة، وتعمل على تحصين أيديولوجية مجتمعنا السعودي المحافظ.
- أن تساهم وزارة السياحة في إبراز أحياء معينة، وتطوير مبانيها وتدريب قاطنيها، بعد أن تطلق عليها اسم الدول التي ينتمي لها معظم سكانها، وتجعلها كمزار سياحي أسوة بالحي اللاتيني في باريس والأحياء الصينية في مختلف دول العالم.
- إقامة جلسات عصف استشرافية بمشاركة مجموعة مستقلة من الخبراء في علوم السياسة والاقتصاد والاجتماع، بمختلف فروعها المتخصصة والدقيقة، يجمعهم الحس الوطني، مُتفرِّغة للبحث والدراسة والاستقصاء تجد حلول للأسئلة التالية: هل معالجة أوضاعهم الراهنة مقبولة؟ وما هو التالي من القضايا التي يتوقع بروزها فوق السطح؟ ورسم خرائط بالمهددات والحلول وتزويد صناع القرار بها في الوقت المناسب.
وقد يكون من الممكن في مدننا الكبرى مثل الرياض تشجيع بعض أحياءها لتكون مجتمع لبعض القوميات أو الجنسيات ثم تحوكم وتنظم. فالواقع أن وجود التجمعات العرقية منتشر عالميا وبالذات في المدن الكبيرة في الدول الغنية، ومن المهم الاهتمام بتلك المناطق ورصدها بشكل أمني متكامل، يضاف لذلك توفير الخدمات مثل التعليم والصحة. كما أن من المفيد كذلك إيجاد عمد (جمع عمدة) لتلك المناطق من أبناء تلك الجنسيات أو من المجنسين أو ممن يفهم ثقافتهم.
واتصالاً بما سبق، وحيث أن العمالة الوافدة لها دور مهم جدا للبناء في المملكة العربية السعودية ونحن من قمنا باستقدامها سواء على شكل شركات أو حتى افراد، والامر الاهم اننا لازلنا بحاجه لهذه العمالة باستمرار للبناء وتشغيل هذه المشاريع الكبيرة، أيضاً المصانع والقطاع الصناعي يحتاج لمنافسه في الاسعار مع الدول الاخرى سواء كانت الخليجية أو العربية أو الدولية والمنافسة يجب أن تكون إما من خلال مكننة الصناعات؛ وهذه تحتاج إلى سنوات طويله لان كل هذه التقنيات يجب شرائها وعندما تشترى هذه التقنيات الألية فيعني استحواذ الشركات التي قامت ببيعها على جزء كبير من أرباح المصنع، حيث أن تكلفه التحديث للبرامج كبيرة واما من خلال اختيار العمالة الجيدة ذات السعر المقبول.
وبالطبع فإن المملكة تمر في هذه المرحلة بفترة بناء ضخمة جدا وغير مسبوقة في كافة المشاريع في شمال المملكة وجنوبها وسطها وشرقها لقياده المملكة نحو عالميه كبيره غير مسبوقة؛ وهذا الامر يحتاج لحشد كبير من الخبرات والعمالة على مختلف الصعد، ومن ثم يجب أن نبحث عن تحقيق ووضع خطط استراتيجية لكيفية التعامل مع كافة هذه الجنسيات. وحتى تبقى هذه العمالة بيننا بأمن وسلام سواء تجمعوا في أحياء معينه أو أحياء متفرقة.
- التوصيات
- وضع خطة استراتيجية تتماشى مع مشاريع رؤية المملكة ٢٠٣٠ ترسم خارطة طريق للتعامل مع كافة الجنسيات، مع توفير الحياة الكريمة الآمنة لهم بل والعمل على زيادة وتنمية دخلهم لضمان حصولهم على الأمن النفسي والعدالة الاجتماعية والنمو المالي؛ وهذا مما يسهم في ضمان ولائهم وحبهم ودفاعهم.
- إجراء دراسات وصفية واستشرافية للتأثيرات الشاملة للتجمعات العرقية الوافدة على الأمن الوطني، وكيفية التعامل معها.
- الاستفادة من التجارب الدولية المميزة في مجال إدماج التجمعات العرقية، والاستفادة منهم.
- استخدام نظام المعلومات الجغرافية (GIS) الذي يوفر بيانات مكانية لتحليل أنماط التنوع والتوزيع السكاني والاستفادة منه في رسم خرائط مفصلة عن التركيبة السكانية ودرجة التنوع العرقي والمقارنة بين مستوى التنوع في الأحياء ومناطق التوزيع العرقي داخل المدينة.
- تقديم مبادرات وتطبيقات تدعم الهواتف الذكية تقوم بوضع مؤشرات للتنوع والاندماج العرقي لقياس التقدم وتقييم الأثر عن طريق إدارة الإحصاءات بالتعداد السكاني وربطه مع الأمن الوطني.
- تفعيل المنصة الحكومية (إيجار) للمساعدة في تفكيك التجمع العرقي بحيث تقدم فرص سكنية منخفضة التكاليف بأحياء أخرى لمنع التجمع العرقي وحساب نسبة للتنوع العرقي بهذه الأحياء.
- اقتراح تنفيذ البرامج التالية:
- برنامج تدريبي للمجتمعات المهاجرة توفر فرص مهنية وبناء الكفاءات اللغوية ودمجهم مع المجتمع في سوق العمل.
- إطلاق برنامج مبادرة (شهادة التنوع المجتمعي) بحيث يوضع معايير واضحة للتقييم والاعتماد في مجالات التنوع العرقي في الأحياء السكنية، وتمنح هذه الشهادة للمؤسسات والشركات وملاك العقارات بحيث تُقدَّم لهم بعض الميزات مما يحفزهم على الالتزام بالتنوع والشمول في إداراتها السكنية، ويمكن أن تشجع هذه المبادرة المسؤولين وتكافح التمييز والعزلة المجتمعية.
- إطلاق برنامج (سفراء المجتمع) بحيث يقوم باستقطاب المميزين من مختلف الأعراق ليعززوا التواصل بين مختلف فئات المجتمع وأعراقه فيكونوا سفراء بالتنوع والشمول، من خلال تنظيم فعاليات توعوية داخل الأحياء للحد من الجريمة وتعزيز الأمن.
- إطلاق تطبيق (المواطن النشط) والذي يشكل جهة رسمية لتشجيع التفاعل والتعاون بين مختلف فئات المجتمع، حيث يجعل المستخدم قادر على مشاركة خبراته ومهاراته، وفتح مجال التطوع في المحافل والفعاليات المجتمعية داخل الأحياء السكنية فيساعد في تعزيز الإحساس بالانتماء والمسؤولية المشتركة، وتكون المناطق الأكثر تضرراً من التجمع العرقي هي الهدف الأول حيث سيساهم في زيادة الوعي وبناء الثقة وترميم النسيج المجتمعي.
- تعزيز برامج الاندماج: تطوير وتنفيذ برامج فعالة تساعد على دمج المهاجرين وأفراد التجمعات العرقية في المجتمع الأوسع، مع التركيز على التعليم، والتوظيف، والمشاركة المدنية.
- تسخير منصة (كلنا أمن) في تعزيز التعاون بين الجهات الأمنية ومختلف فئات المجتمع العرقية لمكافحة الجريمة وتعزيز الأمن في الأحياء السكنية.
- معالجة الفقر والتفاوت الاقتصادي عبر سياسات اقتصادية تهدف إلى توفير الفرص وتحسين البنية التحتية والخدمات في المناطق المهمشة.
- تنفيذ حملات توعية وتثقيف تهدف إلى مكافحة التمييز وتعزيز مفهوم المواطنة المشتركة والقيم الديمقراطية.
- تعزيز التعاون الدولي والإقليمي لمكافحة الهجرة غير النظامية والأنشطة الإرهابية والمنظمات الإجرامية التي قد تستفيد من التجمعات العرقية لتحقيق أجنداتها.
- أهمية اشباع الحاجة للشعور بالانتماء للهوية العرقية مع الاندماج في النسيج الوطني من خلال:
- تطوير حلات إعلامية وبرامج توجيهية للوافدين الجدد والمجموعات العرقية المختلفة تهدف إلى تعريفهم بالثقافة المحلية مع تقديم فهم عميق لثقافتهم الخاصة وقيمهم.
- إنشاء منصات للتبادل الثقافي حيث يمكن للأفراد من مختلف الخلفيات مشاركة تقاليدهم وتجاربهم، مما يعزز الفهم المتبادل والتقدير.
- توفير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي التي تعالج قضايا الهوية والانتماء، مثل ورش عمل حول الهوية الذاتية وكيفية التعامل مع التمييز والإقصاء.
- تنظيم جلسات توجيه جماعية تشجع على بناء الثقة بالنفس واحترام الذات، مما يساعد الأفراد على التغلب على الشعور بالغربة والعزلة.
- تطوير برامج تعليمية تركز على التاريخ والتقاليد الثقافية للمجموعات العرقية المختلفة داخل المدارس لتعزيز التقدير للتنوع منذ سن مبكرة.
- تشجيع المشاريع المدرسية التي تجمع الطلاب من خلفيات مختلفة للعمل معًا على مبادرات تعزز الانتماء وتقدير الثقافات المتنوعة.
- تنظيم فعاليات دورية تحتفي بالتنوع الثقافي والعرقي، مثل مهرجانات الطعام، الأفلام، والفنون، التي تشجع المشاركة الواسعة من جميع أفراد المجتمع.
- المصادر والمراجع
- دراسة بحث (Comparing the E Comparing the Effects of Racial Segr ects of Racial Segregation on Homicide T egation on Homicide Trends in Two Major US Cities Taylor Sullivan University at Albany, State University of New York,2019))
- مقال صحفي BBC https://www.bbc.com/arabic/articles/cgl8nd7m800o
- مقال صحيفة الشرق الأوسط الإلكترونية 2017، https://aawsat.com/home/article/925216/%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%B5%D8%A8%D8%AD-%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88-%D8%B4%D9%8A%D9%83%D8%A7%D8%BA%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%AF%D8%9F
- حامد. محمد محمود حسين (2011) التنوع العرقي في السودان وأثره على استراتيجية الأمن الوطني، جامعة أم درمان الإسلامية، معهد البحوث والدراسات الاستراتيجية , رسالة ماجستير, غير منشورة. السودان.
- صحيفة الرياض، شغب إثيوبي في منفوحة يقتل سودانياً ويصيب 17 شخصاً ويحطم 30 سيارة https://www.alriyadh.com/883969
- الاستبدال السكاني من نظرية متطرفة منبوذة إلى عنوان حملة SD الانتخابية، تاريخ النشر 5/6/2024، https://shorturl.at/4vbxV
- محمود، موفق ويسي. (2003). التنوع العرقي والثقافي: ” تضاد أم تضامن.” آداب الرافدين، ع 37، 77 – 98 .
- ولد أندارى، أحمد ولد محمد الأمين. (2018). التنوع العرقي ودوره في إغناء الثقافة الموريتانية. مجلة مقاربات، ع 31، 133 – 147 .
- الريحان، وفاء. (2020). مناهج التنوع الثقافي: الاستيعاب الثقافي نموذجا. آفاق سياسية، ع 59. 37 – 28.
- محفوظ، محمد. (2018). سؤال الهوية والتنوع الثقافي. مجلة الكلمة، س 25 , ع 99، 5-25.
- فزاني، إبراهيم سعد الشاكر. (2022). التنوع الثقافي في الجزائر: التعايش مع الاختلاف. مجلة معالم، مج 15، ع 2، 103 – 114 .
- Ethnic groups, National Security, Political Participation, Political legitimacy, Globalization. 2023, https://www.ajol.info/index.php/gjedr/article/view/260392
- The Impact of Ethnic Groups on National Security, 2022 Seham Fawzi Political Science Department – FEPS, FUE
- https://digitalcommons.aaru.edu.jo/cgi/viewcontent.cgi?article=1024&context=fjss
- Constant, A. F., and K. F. Zimmermann. 2016. “Diaspora Economics: New Perspectives.” International Journal of Manpower 37(7): 1–28. doi:10.1108/IJM-07-2016-0151.
- Corvalan, A., and M. Vargas. 2015. “Segregation and Conflict: An Empirical Analysis.” Journal of Development Economics 116: 212–222.
- Hatton, T. J., and A. Leigh. 2011. “Immigrants Assimilate as Communities, Not Just as Individuals.” Journal of Population Economics 24(2): 389–419. doi:10.1007/s00148-009-0277-0
- Louise Caron, Haley McAvay & Mirna Safi. (2023) Born Again French: Explaining Inconsistency in Citizenship Declarations in French Longitudinal Data. American Sociological Review 88:6, pages 1066-1103.
- Matuszeski, J., and F. Schneider. 2006. Patterns of Ethnic Segregation and Civil Conflict. Unpublished, Harvard University. last accessed on 01.06.2023. Available at https://www.cgdev.org/sites/default/files/archive/doc/events/02.09.07/Matuszeski-JMP.pdf.
- Musterd, S. (2005). Social and Ethnic Segregation in Europe: Levels, Causes, and Effects. Journal of Urban Affairs, 27(3), 331–348. https://doi.org/10.1111/j.0735-2166.2005.00239.x
- Banton, M., (1979), Two theories of racial discrimination in housing, Ethnic and Racial Studies, Vol.2,4, P.416-427
- Bell, W. L. (1968) The city, suburb and a theory of social choice, in: S. Greer (Ed.), The new urbanization,pp. 132–168 (New York: St Martin’s Press).
- Charles, C. Z. (2003). The Dynamics of Racial Residential Segregation. Annual Review Sociology, 29, 167-207.
- Gans, H. J. (1967) The Levittowners: ways of life and politics in a new suburban community (London: AllenLane The Penguin Press).
- Gurr, Ted Robert. 2000. People Versus States: Ethnopolitical Conflict and Accommodation at the End of the Twentieth Century. Washington, DC: United States Institute of Peace Press.
- Semyonov, M. and Glikman, A., (2009), Ethnic Residential Segregation, Social Contacts, and Anti-Minority Attitudes in European Societies.
- The modern census – Office for National Statistics. www.ons.gov.uk. retrieved 2 July 2024.
- Fawzi, S., 2022. The impact of ethnic groups on national security. Future Journal of Social Science, 1(2), pp.1-17.
- Gardner, A.M., 2011. Gulf migration and the family. Journal of Arabian Studies, 1(1), pp.3-25.
- Leitner, H. 1986., The state and the foreign worker problem! a case study of the Federal Republic of Germany, Switzerland and Austria, in Environment and Planning C 4: 199-219.
- Peach, C. 1987. Immigration and segregation in Western Europe since 1945. In Foreign minorities in continental European cities, eds G.Glebe and J.O’Loughlin. Stuttgart: Franz Steiner Verlag Wiesbaden GmbH: 30-51.
- Sirat, M. and Ghazali, S., 2010. Migrant labour, residential conflict and the city: The case of foreign workers’ invasion of residential neighbourhoods in Penang, Malaysia. In Asian cities, migrant labor and contested spaces (pp. 191-216). Routledge.
- المشاركون.
- الورقة الرئيسة: د. فوزية الدوسري
- التعقيب الأول: د. إيمان المحمدي
- التعقيب الثاني: د. فهد الغفيلي
- التعقيب الثالث: د. عبدالله المهنا
- إدارة الحوار: د. مشاعل العيسى
- المشاركون بالحوار والمناقشة:
- أ. فهد القاسم
- د. مساعد المحيا
- العميد د. مطير الرويحلي
- د. حميد الشايجي
- د. سعيد مزهر
- اللواء د. عبدالله المهنا
- د. عبدالله العمري
- معالي الفريق د. عبدالإله الصالح
- أ.د خالد الثبيتي
- أ.د. سعد الزهراني
- د. محمد الملحم
- أ. محمد الأسمري
- أ. جمال ملائكة
- د. محمد الثقفي
- د. نجوى العتيبي
- د. حمد البريثن
- د. إحسان بوحليقة
- أ. إبراهيم ناظر
- د. فيصل المبارك
- د. خالد بن دهيش
- أ. حمد السمرين
- د. لولوه البريكان
- د. فوزية البكر
- د. زياد الحقيل
- أ. فائزة العجروش
- د. حسين الجحدلي
- د. عبدالعزيز العثمان
- د. عبدالرحمن العريني
- د. الجازي الشبيكي
- د. سعود الغربي
- د. عبدالرحمن باسلم