للاطلاع على التقرير وتحميله يرجى الضغط هنا
(مايو 2024م)
- تمهيد:
يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر مايو 2024م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة؛ وجاءت بعنوان: المسؤولية الاجتماعية ودورها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأعد ورقتها الرئيسة أ. سمها الغامدي، وعقب عليها كلاً من د. نجاح القرعاوي، د. طلحة فدعق وأدار الحوار حولها م. محمد المعجل.
المحتويات
- تمهيد
- فهرس المحتويات
- الملخص التنفيذي
- الورقة الرئيسة: أ. سمها الغامدي
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: د. نجاح القرعاوي
- التعقيب الثاني: د. طلحة فدعق
- إدارة الحوار: م. محمد المعجل
- المداخلات حول القضية
- أبرز تصنيفات المسؤولية الاجتماعية.
- المسؤولية الاجتماعية كاستثمار اجتماعي واقتصادي.
- المسؤولية الاجتماعية في القطاعين الحكومي والخاص.
- المسؤولية الاجتماعية للشركات الهادفة للربح.
- آليات تفعيل المسؤولية الاجتماعية في التنمية المستدامة.
- التوصيات
- المصادر والمراجع
- المشاركون
- الملخص التنفيذي.
يتناول هذا التقرير قضية المسؤولية الاجتماعية ودورها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وأشارت أ. سمها الغامدي في الورقة الرئيسة إلى أن الحكومات لها دور أساسي في تشجيع الشركات على المساهمة في التنمية المستدامة وهناك عدة أدوار ممكن أن تقوم بها الحكومة في هذا المجال من خلال : تقديم سياسة مؤسسية تشجع وتكافئ السلوك المسؤول بيئيا واجتماعيا، وترسيخ الجهود للتواصل حول السلوك المسؤول؛ ويمكن أن يتحقق ذلك عن طريق وضع اتجاه استراتيجي ووضع سياسة في التنمية المستدامة والدور المنوط فيها، فضلاً عن دعم التنمية والتطبيق المستمر للممارسات الجيدة، والعمل مع الشركاء وتجنب الازدواج في الجهد وتحديد معايير المنظمة والتشريعات. كما أنه و وفقا لمفهوم المسؤولية الاجتماعية يمكن للقطاع الخاص أن يساعد على تشجيع الإبداع وفعالية ومرونة المصادر التمويلية وهذا ربما يساهم في القيمة المضافة عن طريق استخدام استراتيجيات متجددة أو عن طريق مواجهة المشكلات الاجتماعية التي تكون فيها الحكومة غير قادرة على مواجهتها بصورة كاملة بسبب القيود التمويلية أو نتيجة للتحديات ذات الطبيعة السياسية للعالم. وفي هذا الإطار فقد صدر قرار مجلس الوزراء بأن يكون اليوم الثالث والعشرين من شهر مارس يوماً للمسئولية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية استمراراً لدعم وتمكين القيادة الرشيدة -أيدها الله- للقطاع غير الربحي وتحفيز القطاع الخاص على المشاركة في المسؤولية الاجتماعية؛ والحرص على التركيز على المسئولية الاجتماعية وأثرها على المجتمع وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
بينما أكَّدت د. نجاح القرعاوي في التعقيب الأول على أن الجامعات يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تعزيز المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص، ويجب تعزيز هذه الأدوار من خلال سياسات داعمة وتعاون موسّع بين المؤسسات التعليمية والشركات، واستمرار هذا التعاون وتعميقه سيسهم بلا شك في تحقيق تقدم كبير نحو مجتمع أكثر استدامة ومسؤولية في المملكة العربية السعودية.
في حين ذكرت د. طلحة فدعق في التعقيب الثاني أن المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص هي قضية هامة لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار من ناحية تحرير المصطلحات والمفاهيم المتعلقة بها وتفنيد المؤسسات المعنية بها إضافة إلى تحديد دورها في تحقيق التنمية المستدامة للمجتمع بشكل عام وضمن رؤية المملكة 2030 بصفة خاصة. هذه القضية تتطلب اشراك القطاعات المتعلقة بها سواء الحكومية أو الخاصة أو القطاع غير الربحي في تحديد موقفهم من القضايا الشائكة المتعلقة بها إضافة إلى ضرورة عمل أبحاث كمية وكيفية وحلقات نقاش حول الموضوع خصوصا من مراكز الفكر والأبحاث المتخصصة بما يساعد صانع القرار في سن وتوجيه قراراته بالطريقة المناسبة.
وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
- أبرز تصنيفات المسؤولية الاجتماعية.
- المسؤولية الاجتماعية كاستثمار اجتماعي واقتصادي.
- المسؤولية الاجتماعية في القطاعين الحكومي والخاص.
- المسؤولية الاجتماعية للشركات الهادفة للربح.
- آليات تفعيل المسؤولية الاجتماعية في التنمية المستدامة.
ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:
- إجراء دراسات وصفية واستشرافية لواقع ومستقبل المسؤولية الاجتماعية للشركات، تشمل: (الدور، مدى المشاركة، الفرص، المعوقات الخارجية، وآليات التفعيل).
- تحفيز الشركات المتميزة في مجال المسؤولية الاجتماعية داخل وخارج بيئاتها من خلال تخصيص جوائز لهذا الغرض تتولاها جهة رسمية محددة.
- التأكيد على الشركات لزيادة مساهمتها في برامج التوعية بثقافة المسؤولية الاجتماعية وتعزيز التفاعل معها.
- أن تتولى جميع الادارات المعنية في الأجهزة الحكومية برامج مجتمعية تكاملية من خلال لجنة تنسيقية تنشأ لهذا الغرض.
- تعزيز التنسيق بين برامج المنشآت البنكية والمالية لتحقيق تكاملية الجهود.
- إطلاق دبلوم المسؤولية الاجتماعية في البرامج الأكاديمية للجامعات السعودية.
- الورقة الرئيسة: أ. سمها الغامدي
مقدمة:
رغم أن معظم ما كتب عن المسؤولية الاجتماعية بدأ في الدول الغربية إلا أن نشأة المسؤولية الاجتماعية بدأت من خلال تنامي اقتصاديات الدول وما تتضمن اقتصاديات الشركات العابرة للقارات والتي تعد بمثابة مجتمعات ضمن مجتمعات عالمية بالإضافة إلى أن الاهتمام بالبيئة وعدم الإضرار بها جاء نتيجة توسع الأنشطة الاقتصادية والإنتاج على مستوى الكوكب الأرضي وما خلفه من أضرار بيئية تستلزم إعادة النظر في مفهوم الرأسمالية الذي يقوم على الحرية الفردية. لذا فإن مفهوم المسؤولية الاجتماعية بمنطلقات اقتصاديات العصر الحديث قد لا ينطبق على ظروف نشأة وتطور التطبيقات الخيرية والاجتماعية في تاريخ الحضارة الإسلامية؛ إلا أنه بالرغم من ذلك فإن شمولية المفهوم الإسلامي للعمل الخيري تستوعب كافة تلك النشاطات الاجتماعية والإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع وقد ورد ذلك في أحاديث كثيرة منها الحديث الشريف (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إلى آخر الحديث). أما على مستوى التطبيق الفعلي للمسؤولية فقد تجلت أروع صورها في الوقف الإسلامي والذي يعد من أهم الأنظمة الاقتصادية التي أسهمت في بناء المجتمعات الإسلامية على مر العصور وكان الوقف من أهم وسائل التقدم العلمي والفكري والثقافي للبلاد الإسلامية من خلاله أنشأ أصحاب الأعمال المستشفيات والجسور والطرق ومساهمات عديدة غيرها، لذلك لابد أن يحرر مفهوم المسؤولية الاجتماعية على المستوى المحلي لينطلق من رؤية إسلامية أكثر شمولا وليس فقط من رؤية غربية.
ولقد أصبح المتعارف عليه الآن أن القضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة لا يمكن أن يقتصر على الجهود الحكومية. وصناع السياسة يولون اهتماما متزايدا لدور القطاع الخاص في تحقيق أهداف المجتمع؛ لذا فإن مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات يستخدم أحيانا مرادفا لإسهام رجال الأعمال في التنمية المستدامة كما أن عدد كبيرا من قضايا التنمية الرئيسية هي بمثابة أسس جوهرية لأجل المسؤولية الاجتماعية الدولية والتي تتضمن العمل وحقوق الإنسان والتعليم والصحة والطفولة والقضاء على الفقر والتأثير على البيئة…الخ. وإذا كان الربح هدفا أساسي للشركات الخاصة وهو وسيلة للبقاء في مجال النشاط؛ إلا أن هذا الهدف لم يعد هو الهدف الوحيد لها؛ فقد ظهرت وظيفة أخرى وهي وظيفة المسؤولية الاجتماعية والتي تتمثل في الاهتمام ببعض الجوانب الاجتماعية مثل العاملين والمستهلكين والمواطنين والمنطقة المحيطة والمجتمع بصفة عامة. لذا فان المسؤولية الاجتماعية تساعد رجال الأعمال لتعزيز المصداقية والثقة في أعمالهم كما تساعد في الحصول على سمعة مميزة بين المستهلكين والمستثمرين. ومما لاشك فيه أن العطاء الفردي لازال يفوق بمراحل العطاء المؤسسي.
تحرير مصطلح المسئولية المجتمعية:
تعتبر المسئولية الاجتماعية نظرية أخلاقية تقترح أن أي كيان سواء كان منظمة أو فردا يقع على عاتقة العمل لمصلحة المجتمع ككل فالمسئولية الاجتماعية هي أمر يتعين على كل منظمة أو فرد الالتزام بها للحفاظ على التوازن ما بين الاقتصاد والنظم البيئية.
ومن هذا المنطلق فالمسؤولية المجتمعية للشركات هي المساهمة الاختيارية للشركة أو المنشأة في التنمية المجتمعية من خلال تنفيذ المشاريع والبرامج التنموية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وغيرها في الدولة فهي تعني الحفاظ على التوازن بين الاثنين فلا تنطوي على مؤسسات الأعمال وحسب، بل على كل من تؤثّر أعماله على البيئة. إنه مفهوم يهدف إلى ضمان تأمين رعايةٍ صحية للأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية وإزالة جميع العقبات المتمثّلة في المسافة والوضع المالي، إلخ.
ويمكن أن نعرف المسؤولية الاجتماعية على المستوى المحلي بأنها مساهمة منشآت القطاع الخاص في تحقيق رفاهية حياة موظفيها وتحقيق أهداف التنمية المستدامة للمجتمع الذي تعمل به مع التصرف بمسؤولية لدوافع دينية وأخلاقية ولتعزيز مكانتها التنافسية في مجال نشاطها.
وقد جاءت المسئولية الاجتماعية وفقًا للمواصفة الدولية آيزو (26000) بمسئولية المنشأة تجاه تأثير قرارتها وانشطتها وعلاقاتها في المجتمع والبيئة والمساهمة في التنمية المستدامة؛ متضمنة صحة ورخاء المجتمع، ولتُحقق المشاريع التنموية أهدافها ومستهدفات رؤية الوطن وتطلعات القيادة، تحت إشراف ومتابعة وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
لذلك تعتبر المسؤولية الاجتماعية عملية استثمار تهدف إلى احداث تغيرات اجتماعية تبدأ صغيرة وتكبر بمرور الوقت بغرض دعم البنية الاجتماعية اللازمة للتطور الاقتصادي وتحقيق التنمية الاجتماعية وتوجد نوع جديد من التعاقد الاجتماعي يسمح بتنمية مهارات كل الأفراد في المجتمع وخاصة الفقراء ويسمح أيضا بتوزيع العائد العادل من الأصول الإنتاجية والملكية وهكذا تصبح المسؤولية الاجتماعية التزام لكل أطراف المجتمع المدني خاصة القادرين على تحقيق تنمية اجتماعية مستدامة.
وفي دراسة لمفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات قامت بها الغرفة التجارية بالرياض اتضح التأكيد الواضح من قبل القائمين لفكرة مبدأ التكافل بما يعني الوصول لنسبة تصل إلى 77% منهم على اعتبار أن المسؤولية الاجتماعية بمثابة حق للمجتمع ويجب على الشركات التكفل يعني به وكانت نسبة 43% يعتقدون أنه عامل خيري تقوم به الشركات وأنه ليس الزامي. كما أن نسبة مشاركة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي بلغت 43% في عام 2023م مما يؤكد الأهمية العالية لمسئولية هذا القطاع في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
دور الشركات في تحقيق المسئولية الاجتماعية:
عندما نتحدث عن المسؤولية الاجتماعية للشركات فإن لها تاريخ طويل ارتبط في العصر الحديث بالأحداث الرئيسية في العالم مثل الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية والكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن العشرين لذلك تعرض العالم لثلاثة مراحل أساسية أثرت في العلاقة بين المجتمع ورجال الأعمال وهي الثورة الصناعية ودولة الرفاهية في منتصف القرن العشرين والعولمة ولكل منها تفصيل لن نتطرق له في هذه الورقة لكنه ربما ننطلق من مرحلة العولمة التي أخذت المسؤولية الاجتماعية موقعها في الاهتمام العالمي وكانت المحور الرئيسي في أعمال مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية الذي عقدت في كوبنهاجن عام 1995م وركز على بحث سبل الوفاء باحتياجات الأفراد في إطار العولمة وأهمها احتياجات العمل والدخل وصدرت في عام 1997م معايير المسؤولية المجتمعية للمؤسسات وتعتبر أول معايير دولية تصدر بهذا المجال وركزت على حقوق الإنسان وحقوق العاملين وحقوق وحماية البيئة ووفر ذلك مشاركة فعالة من القطاع الخاص في المبادرة الدولية لتعزيز مبادئ المسؤولية الاجتماعية وعرف باسم الاتفاق العالمي للأمم المتحدة Global Compact ، وهي مبادرة تطوعية أطلقها الأمين العام في ذلك الوقت كوفي عنان في دورة المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس في 31 يناير عام 1999م اتحدت فيها منظمات المجتمع المدني ومنظمات العمل لدعم تسع مبادئ عالمية ترتبط بالمسؤولية في مجال حقوق الإنسان والعمل والبيئة مع التركيز على مشاركة قطاع الأعمال. وجاء جزء من الحل في مواجهة تحديات المجتمع وتشجيع للشركات على التحلي بروح المواطنة من خلال المساهمة الفعلية في برامج هذه الحلول وقد جاء هذا الاتفاق العالمي كمبادرة طبيعية لتعزيز مواطنة الشركات من خلال تحقيق هدفين أساسيين هما:
- جعل الاتفاق العالمي ومبادئه جزء من استراتيجية القطاع العام وعملياته.
- تيسير التعاون فيما بين أصحاب المصالح الرئيسيين وتعزيز شركات داعمين لأهداف الأمم المتحدة.
وقد تطور هذا الاتفاق بتاريخ 26 يونيو 2004 م عندما تعهد رؤساء العمل حول العالم بالتزامهم بمحاربة الفساد وبذلك أضاف مبدأ عاشر إلى مبادئ الاتفاق العالمي.
وتعتبر المسؤولية الاجتماعية للشركات المفتاح للمساهمة في التماسك الاجتماعي والقضاء على الفقر وبث عناصر الفعالية والمنافسة ومن المتوقع أن تشجع القطاع الخاص في البحث عن حلول شاملة وصديقه للبيئة ومن الجدير ذكره أن الهند تلزم الشركات ذات الدخل العالي باستثمار 2% من أرباحها في المسئولية الاجتماعية.
ووفقا لمفهوم المسؤولية الاجتماعية يمكن للقطاع الخاص أن يساعد على تشجيع الإبداع وفعالية ومرونة المصادر التمويلية وهذا ربما يساهم في القيمة المضافة عن طريق استخدام استراتيجيات متجددة أو عن طريق مواجهة المشكلات الاجتماعية التي تكون فيها الحكومة غير قادرة على مواجهتها بصورة كاملة بسبب القيود التمويلية أو نتيجة للتحديات ذات الطبيعة السياسية للعالم ويقدم مفهوم المسؤولية الاجتماعية إطار لتحديد سلوك الشركات ويشير إلى ثلاثة عناصر أساسية وهي كالآتي:
- سلوك الشركات له تأثير مباشر على المجتمعات التي تعمل بها.
- كذلك فإنها مسؤولة عن التأثير الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والحقوق البشرية وأنشطة القطاع عبر العالم.
- القطاع الذي تعمل فيه الشركة يسعى لتحقيق المنافسة عن طريق العمل في شراكة مع الجماعات والمنظمات الأخرى.
وقد زاد الاهتمام العالمي بالمسؤولية الاجتماعية في مرحلة العولمة نتيجة لعدة عوامل من أهمها:
- تصاعد ضغوط المجتمع وتنامي وتوسع في أحجام منظمات الأعمال وتشعب علاقاتها.
- إسهام كبرى منظمات الأعمال في تعزيز القيم الإنسانية والاجتماعية.
- أهمية رضا المجتمع وقبوله لأهداف منظمات الأعمال ووسائل عملها.
- تطور وعي الإنسان وإدراكه لذاته وللمجتمع.
- الاهتمام العالمي الذي تبديه الجامعات الكبرى مراكز البحوث بتدريس مواد تخص علاقة الأعمال بالمجتمع.
- اثراء البحوث العلمية والنظرية والتطبيق في هذا المجال.
ولذلك فان الحكومات لها دور أساسي في تشجيع الشركات على المساهمة في التنمية المستدامة وهناك عدة أدوار ممكن أن تقوم بها الحكومة في هذا المجال من خلال:
- تقديم سياسة مؤسسية تشجع وتكافئ السلوك المسؤول بيئيا واجتماعيا.
- ترسيخ الجهود للتواصل حول السلوك المسؤول ويمكن أن يتحقق ذلك عن طريق وضع اتجاه استراتيجي ووضع سياسة في التنمية المستدامة والدور المنوط فيها.
- دعم التنمية والتطبيق المستمر للممارسات الجيدة.
- العمل مع الشركاء وتجنب الازدواج في الجهد وتحديد معايير المنظمة والتشريعات.
ممكنات المسئولية الاجتماعية في القطاع الخاص:
لقد صدر قرار مجلس الوزراء بأن يكون اليوم الثالث والعشرين من شهر مارس يوماً للمسئولية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية استمراراً لدعم وتمكين القيادة الرشيدة -أيدها الله- للقطاع غير الربحي وتحفيز القطاع الخاص على المشاركة المسؤولة في المسؤولية الاجتماعية؛ والحرص على التركيز على المسئولية الاجتماعية وأثرها على المجتمع وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وقد خطت المملكة خطوات كبيرة في هذا المجال خلال السنوات الماضية، حيث أصبح غالبية الكيانات الحكومية ومنشآت القطاع الخاص تحرص على تأسيس إدارات تعنى بالمسؤولية الاجتماعية للتخطيط واعتماد استراتيجيات لكيفية المساهمة في خدمة المجتمع ومتابعة هذه المساهمات وقياس الأثر الذي يتحقق منها، وهذا الأمر الإيجابي أسهم في إنجاز العديد من المشاريع الكبيرة من خلال تكاتف وتعاون القطاع الخاص وقيامه بمسئولياته تجاه الوطن والمواطن في مختلف المجالات.
يُذكر أن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وضعت خارطة طريق لجميع المبادرات للمسئولية الاجتماعية، لرفع مستوى التنسيق مع الجهات الأخرى ونشر كل النتائج بشفافية، كما أطلقت الوزارة بالتعاون مع الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة المواصفة القياسية للمسؤولية الاجتماعية (SASO) لتسهم المواصفة في رفع الوعي بالمسؤولية الاجتماعية وتعزيز دور الشركات في تفعيلها مما ينعكس على مساهمة القطاع الخاص في تنمية المجتمع والاقتصاد والبيئة و هذا المشروع الوطني الكبير سيحقق أهدافه بإذن الله ويسهم في تحقيق رؤية الوطن 2030 وتجويد حياة كل من يعيش على ثرى وطننا الغالي.
استراتيجية المسؤولية الاجتماعية:
من ركائز استراتيجية المسؤولية الاجتماعية بالمملكة ما يلي:
- أولا: إقامة الشراكات لتعزيز المسؤولية الاجتماعية ووضع حوكمة وطنية للمسؤولية.
- ثانيا: تطوير أنظمة متكاملة المسؤولية الاجتماعية لشركات.
- ثالثا: وضع إطار عمل شامل للتخطيط الوطني للمسؤولية الاجتماعية وإطلاق مبادرات وطنية كبرى مؤثرة بالتعاون مع قطاعات الأعمال.
- رابعا: إنشاء محفظة متوازنة لتشجيع الشركات في تبني المسؤولية الاجتماعية والمساهمة المجتمعية.
- خامسا: رفع الوعي بالمسؤولية الاجتماعية وتطوير وتمكين القدرات المؤسسة ورفع مسؤولية قطاع الأعمال.
- سادسا: إعداد أدوات لرصد وقياس المسؤولية الاجتماعية.
منصة المسئولية الاجتماعية:
أنشأت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في العام الماضي عام 2022 م منصة وطنية للمسؤولية الاجتماعية يعرض فيها الفرص التنموية الموجودة في القطاع غير الربحي أو في القطاع العام، وكذلك الفعاليات التي تتم في هذا المجال ويتضمن موقع المنصة الفرص التنموية المعروضة من القطاع غير الربحي في مجالات عديدة منها التنمية الاجتماعية، الرعاية الصحية، التعليم، الإسكان وغيرها؛ بحيث تضع الجمعيات ما لديها من فرص ويتجه القطاع الخاص بالبحث في هذه المنصة للوصول لها. كما تتضمن المنصة الفرص المعروضة من القطاع العام بحيث يمكنهم أن يضعوا الفرص التي تقدمها القطاعات العامة وتستطيع تلك المؤسسات الخاصة والشركات أن تقدم على هذه الفرص كما يتضمن الموقع تقارير الاستدامة التي تقدمت بها الشركات في مجال المسؤولية الاجتماعية و يعتبر مركزا للمعرفة يساعد الشركات لتحذو حذو من قام قبلها بتقديم هذه المساهمات التنموية.
إصدار مسودة نظام المسؤولية الاجتماعية:
لقد جاء مؤخرا هذا النظام ليساعد في حوكمة وتوحيد ممارسات المسؤولية الاجتماعية وتحديد أدوار الجهات الحكومية ذات العلاقة في تفعيلها لتعزيز أداء الشركات تجاه المسؤولية الاجتماعية، ولقد تم إصدار نظام المسؤولية الاجتماعية بنسخة تجريبية في منصة استطلاع الرأي على موقع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية حيث ينتهي هذا الاستطلاع في 5 فبراير 2024 بهدف مشاركة المجتمع في تقييم هذا النظام.
وبالاطلاع على هذا النظام نجد أنه في مادته الأولى كان هناك التعريفات المعتادة ومن أهمها تعريف المسؤولية الاجتماعية بأنها: التزام منشآت القطاع الخاص الطوعي بالعمل على خلق أثر مستدام لتنمية المجتمع والاقتصاد والبيئة وأن يكون ذلك ضمن استراتيجياتها في كافة علاقاتها وأنشطتها الداخلية والخارجية.
أيضا تعريف بعض ما تضمنه النظام مثل المنصة حيث أن هناك المنصة الوطنية للمسؤولية الاجتماعية – كما تم الإشارة سابقا – وعرفها بأنها مجتمع تقنية تلتقي فيه القطاعات الثلاث من أجل تولي مسؤوليتها في تلبية الاحتياجات التنموية.
وحدد أهداف النظام وفق ما يلي:
- تعزيز مساهمة منشآت القطاع الخاص في تلبية الأولويات التنموية من خلال المسؤولية الاجتماعية
- وضع حوكمة وطنية للمسؤولية الاجتماعية وتحديد أدوار الجهات الحكومية ذات العلاقة في تفعيلها وتعزيز البيئة التنظيمية للجهات ذات العلاقة بالمسؤولية الاجتماعية للمنشئات.
- تحديد نطاق المسؤولية الاجتماعية للمنشآت في القطاع الخاص ومجالاتها.
- تحديد أدوات لرصد وقياس ممارسات المسؤولية الاجتماعية بالمملكة.
- دعم مبادرات الجهات الحكومية والقطاع غير الربحي.
- استحداث محفظة وطنية متنوعة للمحفزات المالية وغير المالية التي تتوافق مع الأولويات المتبقية عليها.
- الموائمة مع المعايير الدولية في مجال المسؤوليات الاجتماعية.
وتم التأكيد على وجود الإدارة العامة للمسؤولية الاجتماعية وتحديد مواردها وتضمن الباب الثاني مجالات المسؤولية الاجتماعية التي أكدت على عدم اقتصار المسؤولية الاجتماعية على الأعمال الخيرية والهبات والتبرعات بل تشمل أيضا حقوق الإنسان والبيئة و ممارسات العمل وممارسات التشغيل العادلة وحماية المستهلك و مكافحة الغش والفساد، كما وضعت أيضا مبادئ المواصفات القياسية آيزو 26,000 وهي المبادئ الأساسية كالشفافية، والمساءلة والالتزام بالسلوك الأخلاقي واحترام سيادة النظام واحترام معايير السلوك المحلية واحترام حقوق الإنسان.
ووضع في المادة السابعة عددا من المعايير أو المواضيع الجوهرية التي ينبغي الاهتمام بها وهي الحوكمة المؤسسية للمسؤولية الاجتماعية وممارسة العمل وممارسات التشغيل العادلة وسلاسل الإمداد والممارسات البيئية والتفاعل مع قضايا المستهلك والتنمية وإشراك المجتمع.
كما ألزمت المادة الثامنة الشركات الكبيرة والمتوسطة بإنشاء وحدات إدارية للمسؤولية الاجتماعية وترتبط إداريا وتنظيميا بالإدارة العليا كما أن النظام لم يشترط على منشآت القطاع الخاصة الصغيرة والمتناهية الصغر إنشاء هذه الإدارة إنما أو جبت عليها النظر في ممارسة أنشطة المسؤولية الاجتماعية.
وتناولت المادة الحادية عشر تخصيص ميزانية مستقلة ضمن الميزانية السنوية للشركات وتحديد موارد مخصصات تمول من خلالها برامج المسؤولية الاجتماعية وطلبت من المنشآت إعداد سياسة لممارسة المسؤولية الاجتماعية ومؤشرات أداء تقيس مستوى تقدمها في المسؤولية ورفعها على المنصة.
كما تضمن الفصل الثاني الأنشطة الاقتصادية والأنشطة الاجتماعية وكذلك النشاط البيئي وحدد الفصل الثالث دور الجهات الحكومية في المسؤولية الاجتماعية و على مسؤولية اللجنة الوطنية للمسؤولية الاجتماعية عن إصدار اللوائح والأنظمة الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية وفقا لقرار مجلس الوزراء السابق الذي صدر في عام1422هـ وأكدت المادة الثامنة عشر على أن الإدارة العامة للمسؤولية الاجتماعية في وزارة الموارد البشرية هي المرجعية الأساسية للمسؤولية الاجتماعية بالمملكة وألزمت كل وزارة أو جهة حكومية تشرف على منشئات القطاع الخاص بإنشاء إدارة التمكين والإشراف على المسؤولية الاجتماعية، وفي المادة التاسعة عشر حددت المهام التي تقوم بها تلك الإدارات ومنها تعزيز قيام منشآت تهتم بالمسؤولية الاجتماعية وعقد الشراكات و الاهتمام باستراتيجية المسؤولية الاجتماعية وتمكين القطاع الخاص من المساهمة الاجتماعية وتقديم تقارير عن المسؤولية أيضا في المنصة، كما طرح النظام في الفصل الثاني ما يخص القطاع غير الربحي وأن يسجل في المنصة ويعرض الفرص المتاحة للشراكة مع القطاع الخاص بما يحقق تمويل المبادرات أو تنفيذها من خلال القطاع الخاص وأيضا التزام القطاع الخاص بالتسجيل في منصة المسؤولية الاجتماعية ورصد ممارسته بها والإفصاح عن البيانات المتعلقة بذلك.
كما أفرد الباب الرابع تفصيلا يخص منصة المسؤولية الاجتماعية وهي منصة وطنية معتمدة بتنظيم كل ما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص بحيث ترصد قوائم جهات القطاع الخاص ومشاريع وبيانات والخبراء في هذا المجال وأي بيانات أخرى تراها، وتقدم المحفزات لمنشآت القطاع الخاص بناء على ما يتم رصده في هذه المنصة، وتضمن الباب الخامس الأحكام الخاصة بالإفصاح و التي تلزم القطاع الخاص بالإفصاح عن كل البيانات والمعلومات المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية وخاصة للمنشآت التي لها خمس سنوات منذ تأسيسها وأورد الباب السادس الحوافز والمنشآت والامتيازات للقطاع الخاص أنها حوافز تقديرية وحوافز مادية قد يتمتعون بالإعفاء والتسهيلات.
ما هو الدور المطلوب حالياً من الشركات؟
عند إصدار النظام الخاص بالمسئولية الاجتماعية فسيكون واضحا ماذا ينبغي على القطاع الخاص أن يقوم به ولعلنا نلخص هذا الدور من خلال ما سبق:
- التخطيط الاستراتيجي لبرامج المسئولية الاجتماعية.
وهي المرحلة الابتدائية التي تتحدد فيها الملامح الأساسية لطبيعة البرامج التي ستتبناها أو تشارك فيها الشركة وتتضمن خطوات التخطيط ما يلي:
- التقييم ويقصد به تقييم البيئة الداخلية والخارجية وذلك لتحديد البدائل الاستراتيجية المناسبة.
- وضع الخطة الاستراتيجية حيث أنها تتضح للشركة بعد تقييم البيئة الداخلية والخارجية.
- تطوير التوجهات الاستراتيجية للشركة بالنسبة إلى المسؤولية الاجتماعية.
- وضع الخطة التشغيلية لمشاريع المسؤولية الاجتماعية التي قررتها الشركة.
- تنفيذ خطة البرامج: وذلك من خلال:
- وضع الهيكل التنظيمي والتسلسل في اتخاذ القرارات للجان وفرق العمل التي تتولى عملية تنفيذ مشاريع المسؤولية الاجتماعية.
- وضع السياسات والإجراءات التي ستوجه طريقة تنفيذ هذه المشاريع كما تبين توجه الشركة بالنسبة لهذه المشاريع.
- تأسيس فرق العمل واللجان اللازمة لتنفيذ المشاريع.
- تطوير الالتزام الداخلي تجاه الموظفين وتعميم رسالة الشركة وبرامجها لكافة الموظفين.
- تطوير الشراكات مع الجهات الأخرى للتنفيذ ويكون ذلك من خلال فتح قنوات الاتصال وتنفيذ برامج المسؤولية والتسجيل في المنصة الوطنية.
3– مرحلة التقييم :
- في هذه المرحلة يتم التقييم ومتابعة التنفيذ وينبغي أن توضع مؤشرات الأداء لكل هدف من الأهداف التشغيلية ضمن الخطة ومقارنتها مع النتائج ووضع قائمة بالمبادرات والتوصيات اللازمة لردم الفجوة بين النتائج المستهدفة والنتائج الحالية والتحسين المستمر من خلال الدروس المستفادة.
- وضع منهجية لإعداد تقارير المسؤولية الاجتماعية يكون متضمن الرسالة والاستراتيجية والتعريف بالشركة ونظامها الإداري ومؤشرات الأداء.
تجربة بنك الجزيرة في المسئولية الاجتماعية كنموذج:
لقد تضمن تقرير بنك الجزيرة المعروض في منصة المسؤولية الاجتماعية نموذجا مميزا للمسئولية الاجتماعية؛ حيث أن لديهم لجنة مختصة في الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية ويعتبر بنك الجزيرة من المؤسسات أو الشركات الخاصة التي تهتم بالمسؤولية الاجتماعية ولها مشاركات فاعلة خلالها قدمت العديد من البرامج سعيا نحو تحقيق المسؤولية الاجتماعية وقد حصل البنك على جائزة أفضل بنك في المسؤولية الاجتماعية لعام 2022 وورد في تقريره أكثر من 12 مبادرة تم تقديمها للمجتمع و دعم أكثر من 1800 مشروع وبلغ عدد المستفيدين من برامج البنك أكثر من 20,000 مستفيد وكان ذلك على مستوى المملكة وحصل على عدد من دروع التكريم من عدد من الجهات وهذه المساهمة الفاعلة بالنسبة لهم المقدمة للعديد من الجمعيات يعتبر نموذج تضمنت مبادرات تمكين وتأهيل الشباب وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة وتمكين القطاع غير الربحي ومبادرة الجزيرة للابتكار وريادة الأعمال ومشاركات مجتمعية نوعية أيضا ساهم في مركز التميز للتوحد وكذلك القروض الحسنة وخير الجزيرة لموظفي الجزيرة.
لقد أحدثت برامج المسئولية الاجتماعية التي تبناها القطاع الخاص في المملكة طوعا خلال السنوات الماضية أثرا ملموسا لا يمكن انكاره الا أنه نسبة إلى حجم القطاع الخاص ومقارنة بالتزايد المضطرد في حجم القطاع غير الربحي لازال محدودا، ولذا اقترح التوصيات التالية لتعزيز التنفيذ الفعلي لمفهوم ومبادئ المسئولية الاجتماعية والتطبيق الفعلي لبنود النظام الذي سيعلن قريبا:
- تدريب وتأهيل القطاع الخاص على مفاهيم وأهداف المسئولية الاجتماعية.
- إيجاد مدونات سلوك مهنية تحدد أطر مسئولية الجهات الخاصة تجاه عملائها ومجتمعها المحلي.
- الاهتمام بالوقف كمصدر مستدام لتقديم برامج المسئولية.
- قياس أثر الاعمال والمبادرات المجتمعية بأدوات مهنية.
- ان تتضمن اللائحة التنفيذية للنظام القادم تشجيع القطاع الخاص الملتزم ببرامج المسئولية الاجتماعية من خلال إعفاءات ضريبية واضحة وغيرها.
- تفعيل المنصة الوطنية للمسئولية الاجتماعية ونشرها إعلاميا لنحقق المعرفة والأداء الفعلي لها.
- الاهتمام بقنوات الإعلام والتسويق للمسئولية الاجتماعية لتحقق الانتشار المطلوب.
وأخيرا..
لتبقى المؤسسات ذات قدرات عالية في بنيتها التحتية فإنه يتوجب عليها أن تكون ممثلة لمجتمعها، مناصرة لقضايا مستفيديها، تستخدم البيانات بطريقة أكثر فاعلية، تتقاسم مع أشباهها أفضل الممارسات، مستمرة في تدريب العاملين وتطويرهم. نقص البيانات واستثمارها ستبقى أولوية وهي في الوقت نفسه الحلقة الأضعف في الاستثمار لدى القطاع الخيري.
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: د. نجاح القرعاوي
الورقة الرئيسة تفصّل وبعمق دور القطاع الخاص في تعزيز المسؤولية الاجتماعية، مركزة على التحولات الجذرية التي شهدتها المملكة العربية السعودية في هذا المجال وتأثيرها في تحقيق رؤية 2030، كما تشمل الورقة مناقشة للمبادرات الحكومية، الإطار التنظيمي، ومساهمات الشركات الكبرى والمؤسسات الخاصة. ويركز هذا التعقيب على إبراز الدور المتنامي للجامعات كعنصر حيوي في هذا النظام الإيكولوجي للمسؤولية الاجتماعية، إذ تلعب الجامعات دورًا حيويًا في استكمال دور القطاع الخاص في المسؤولية الاجتماعية، وبالتالي تؤثر بشكل إيجابي على نتائج المؤشر الذي تطوره وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مع تداول المالية السعودية.
فانطلاقاً من رؤية المملكة العربيّة السعوديّة 2030 والتي تعتمد على ثلاثة محاور أساسيّة هي المجتمع الحيويّ والاقتصاد المزدهر والوطن الطموح، وتركيز الهدف السادس منها على تمكين المسؤوليّة الاجتماعيّة، ساهمت وزارة التعليم في تفعيل دور الوظيفة الثالثة للجامعات السعوديّة في خدمة المجتمع والمساهمة في تحقيق هذا الهدف بشكل مؤسسيّ مستدام؛ فلم يعد من الممكن اعتبار الجامعات مؤسسات تعليميّة تُعنى بالتأهيل المعرفيّ والبحث العلميّ فحسب، كما أنه لم يعدّ من الممكن أن تعيش أي جامعة بمعزل عن المجتمع المحيط بها، بل أصبح من أهم المسلّمات التي تقوم عليها علاقة الجامعة بمجتمعها هي أن جامعاتنا تصنعُ مجتمعاتنا، ولم يعد اتصال الجامعات بمجتمعها المحلّي أمراً اختيارياًّ يمكن أن تقوم به الجامعات أو تتركه، بل أصبح هدفاً استراتيجيّاً وضرورة حتميّة فرضتها العديد من المتغيّرات.
ومن هنا جاءت أهميّة مشاركة الجامعات السعوديّة للقطاع الخاص، رغبةً في تكامل الأدوار في المسؤوليّة المجتمعيّة تأكيداً على أن يتم تفعيل المسؤوليّة المجتمعية تفعيلاً مؤسسياً ضمن دور الجامعات في وظائفها الثلاث (التعليم، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع) وضمن دور الشركات ومؤسسات القطاع الخاص في هذا المجال باعتبار القطاع الخاص جزء لا يتجزأ من المجتمع، بحيث تكون المسؤولية المجتمعية محوراً رئيساً ضمن أولويات التخطيط الاستراتيجي لرؤية المملكة مفهوماً وممارسةً وتطبيقاً، والنظر إليها نهجاً أخلاقياً التزاماً ومشاركة؛ للمساهمة في تنمية المجتمع وفق مؤشرات أداء معتمدة، بما يسهم في تحقيق رؤية المملكة وأبعاد التنميّة المستدامة.
أهم ممكّنات شراكة الجامعات مع القطاع الخاص لدعم وتمكين المسؤوليّة المجتمعيّة:
- رغبة الجامعات بالمساهمة في تحقيق محور “المواطن المسؤول” ضمن رؤية المملكة 2030 والتي ترتكز على تحمّل المسؤولية في مجتمعنا وتطوير الإطار المؤسسي للخدمات المجتمعية، ودعم البرامج ذات الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، والتركيز على تعظيم النتائج ومضاعفة الأثر.
- خدمة المجتمع هي الوظيفة الثالثة للجامعات ومن خلالها يمكن تفعيل المسؤولية المجتمعية للوظيفتين الأولى والثانية (التعليم، والبحث العلمي).
- وجود كيانات قائمة حالياً مختصة بخدمة المجتمع ضمن الهيكل التنظيمي للجامعات.
- تضمين المسؤولية المجتمعية ضمن مستهدفات الخطط الاستراتيجية للجامعات.
- الموارد البشريّة الضخمة والتنوع في التخصصات الأكاديمية والخبرات الإدارية والمشاركات الطلابية.
- تجهيزات البنية التحتية الضخمة والتنوع في المباني التعليمية والمستشفيات الجامعيّة والمعامل والمختبرات.
- المكانة والثقة التي تحظى بها الجامعات لدى رجال المال والأعمال والمجتمع.
بعض الأدوار التي يمكن أن تقوم بها الجامعات وتنعكس إيجاباً على تعظيم أثر القطاع الخاص في المسؤولية المجتمعية:
- البحث والابتكار: كلنا نعلم بأن الجامعات هي التي تقود الطريق في البحث وتطوير الابتكارات التي تساعد الشركات على تبني ممارسات مسؤولة اجتماعياً. ومن خلال البحوث المشتركة ومشاريع التعاون والأبحاث المسؤولة تسهم الجامعات في صقل الأدوات والمنهجيات التي تساعد في حل بعض المشكلات المجتمعية وإيجاد الحلول المناسبة لها، مما يسهم في تحسين الأداء الاجتماعي للشركات، وبالتالي تحسين تصنيفها في المؤشر. كما أن الجامعات يمكن أن تكون مراكز للابتكار في مجال المسؤولية الاجتماعية، مقدمة حلولًا جديدة ومبتكرة يمكن للشركات تبنيها لتحسين أدائها في المسؤولية الاجتماعية.
- التعليم والتوعية: تُسهم الجامعات من خلال تخصصاتها المختلفة ودبلوماتها التخصصية بتعليم الجيل القادم من المهنيين والقادة بأساسيات المسؤولية الاجتماعية بمنهجية علمية، مما يضمن تخريج الأشخاص المؤهلين الذين يمكنهم قيادة مجالات المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص، واستمرار تدفق الأفكار الجديدة ودمج هذه المفاهيم في الاحتياجات المجتمعية. أضف إلى ذلك دور الجامعات في تفعيل المقررات الأكاديمية في خدمة المجتمعات على أرض الواقع من خلال المقررات المسؤولة بالشراكة مع القطاع الخاص.
- خدمة المجتمع: وهي الوظيفة الثالثة للجامعات، حيث تبثق منها عدد من المشاريع التنموية المستدامة من التخصصات العلمية المتنوعة التي تزخر بها الجامعات، بشراكة فاعلة مع بعض شركات ومؤسسات القطاع الخاص ذات الأهداف المشتركة مع أهداف تلك المشاريع، بما يحقق التنمية المستدامة لدى الجهتين، ويضمن ارتفاع مؤشر أدائهما في المسؤولية الاجتماعية.
- تحليل البيانات والتقييم: الجامعات مجهزة بخبرات في تحليل البيانات وتقييم السياسات، مما يساعد الشركات على فهم تأثير مبادراتها الاجتماعية وتحسينها بناءً على مؤشرات موضوعية وعلمية؛ مما يوفر تغذية راجعة قيّمة للشركات حول كيفية تحسين استراتيجياتها الاجتماعية، وتقيس الأثر من مبادراتها وبرامجها.
- الشراكات الاستراتيجية: تعاون الجامعات مع الشركات يخلق منصة للابتكارات الاجتماعية والاستدامة التي يمكن أن تؤدي إلى تحسينات ملموسة في المجتمع. هذه الشراكات تمكّن الشركات من الاستفادة من الموارد الأكاديمية وتحقيق أهدافها الاجتماعية بشكل أكثر فعالية؛ مما يعود بالنفع على المجتمع، وهذا بدوره يعزز من أداء الشركات في المؤشر المتعلق بالمسؤولية الاجتماعية.
وقبل أن أنهي تعقيبي أود الإشارة إلى أهمية طرح النقطتين التاليتين:
- التحديات والمعوقات: يجدر التطرق للتحديات التي تواجه الجامعات والقطاع الخاص في تحقيق هذه الشراكات، مثل محدودية الموارد أو التحديات البيروقراطية التي قد تعيق الابتكار والتعاون.
- قياس الأثر والاستدامة: من المهم التأكيد على أهمية تطوير أساليب فعالة لقياس الأثر الاجتماعي وضمان استدامة المشاريع الاجتماعية التي يتم تطويرها.
الخلاصة
يمكن القول إن الجامعات تلعب دورًا محوريًا في تعزيز المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص، ويجب تعزيز هذه الأدوار من خلال سياسات داعمة وتعاون موسّع بين المؤسسات التعليمية والشركات، واستمرار هذا التعاون وتعميقه سيسهم بلا شك في تحقيق تقدم كبير نحو مجتمع أكثر استدامة ومسؤولية في المملكة العربية السعودية.
- التعقيب الثاني: د. طلحة فدعق
القت الورقة الرئيسة الضوء على كثير من القضايا الهامة المتعلقة بالمسئولية الاجتماعية وعلاقتها بالقطاع الخاص ودور الشركات في تحقيقها إضافة إلى واقع المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص بالمملكة وذلك من خلال استعراض ممكناتها ومنها استراتيجية المسئولية الاجتماعية، ومنصة المسئولية الاجتماعية، وأيضا نظام المسئولية الاجتماعية. واختتمت الورقة الطرح بتقديم الماحة عن الدور المتوقع من القطاع الخاص وبعض التوصيات الهامة لتعزيز التنفيذ الفعلي لمفهوم ومبادئ المسئولية الاجتماعية.
في هذا التعقيب تم التوسع في بعض القضايا النظرية المتعلقة بالمسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص ومنها تعريف مفهوم المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص من منظور عالمي، أهميتها، عناصرها وابعادها، أيضا العلاقة بين المسئولية الاجتماعية والتنمية الاجتماعية سواء ما يتعلق بتنمية المجتمع المحلي أو دعم المشاريع الصغيرة التي تعتبر بدورها رافدا هاما للتنمية. تم القاء الضوء ايضا على عوامل نجاح القطاع الخاص للوفاء بالمسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع، إضافة إلى التحديات التي يواجهها في هذا الصدد. ولان المجتمعات المسلمة لها اطارها المفاهيمي الخاص الذي يعكس بدوره خصوصيتها الاجتماعية والثقافية تم التطرق للمسئولية الاجتماعية في الفكر الإسلامي. وأخيرا تم طرح أهمية القطاع الخاص في رؤية المملكة 2030 ودوره المعول عليه في التنمية المستدامة وذلك من خلال الشراكات الفاعلة، وأخيرا تم التطرق لأهم التحديات التي تواجه هذا القطاع في تحقيق المسئولية الاجتماعية وكيفية مواجهتها.
المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص من منظور عالمي:
أجمعت الادبيات العالمية بان المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص عبارة عن التزام الشركات بتحسين الظروف المعيشية للقوى العاملة وليس فقط تحقيق الأرباح وتنمية الاقتصاد القومي. وتعرف بانها “مسئولية الشركات نحو أصحاب المصالح لتشمل البيئة والعاملين فيها وفئات أخرى وليس فقط المسئولية نحو الاقتصاد القومي للمجتمع”. ويعرف البنك الدولي المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص بانها ” التزام أصحاب النشاطات بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم والمجتمع المحلي والمجتمع ككل لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم التجار ويخدم التنمية في أن واحد”. أما الغرفة التجارية العالمية فقد عرفت المسئولية الاجتماعية لشركات القطاع الخاص بانها “جميع المحاولات التي تساهم في تطوع الشركات لتحقيق أهدافها”. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي فيركز في تعريفه للمسئولية الاجتماعية على كونها “مفهوم تطوعي لا يستلزم سن القوانين ولا وضع قواعد محدده تلتزم بها الشركات للقيام بمسئوليتها تجاه المجتمع”.
وهكذا تتفق تلك التعريفات السابقة على أن المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص تعتمد على المبادرات المقدمة من الشركات دون وجود إجراءات ملزمة قانونيا.
أهمية المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص:
تتضح أهميتها من خلال الاتي:
- تلعب المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص دورا هاما حيث تعتبر الركن الأساسي للوصول لهدف تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي لمجتمع الاعمال.
- تعتمد المسئولية الاجتماعية للشركات بشكل أساسي على طبيعتها التطوعية والاختيارية.
- المسئولية الاجتماعية ليست جامدة بل لها صفة ديناميكية متحركة تتصف بالتطور المستمر لمجاراة مصالحها حسب التغيرات في السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع.
- تعتمد المسئولية الاجتماعية على المبادرات التي تقدمها الشركات وهي مبادرات وفعاليات متعددة ومختلفة بحسب اختلاف طبيعة كل شركة أو قطاع، وبحسب اختلاف البيئة المحيطة وأيضا إمكانيات الشركة وقدرتها البشرية والمالية. وتلعب تلك المبادرات دورا أساسيا في إحداث التغيير الاجتماعي.
- زاد الاهتمام ببرامج المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص بتزايد الاهتمام بقضايا مثل الفقر وانخفاض مستوى المعيشة لبعض الأفراد والفئات الاجتماعية وأيضا انتشار البطالة. هذه القضايا ارهقت الحكومات وتطلبت ضرورة اشراك القطاع الخاص في حلها.
المسئولية الاجتماعية للشركات (عناصرها وأبعادها):
حدد المجلس الاقتصادي والاجتماعي الهولندي – وهو هيئة استشارية للحكومة الهولندية – عنصرين للمسئولية الاجتماعية للشركات وهي:
- وجود علاقة مع أصحاب المصالح والمجتمع عامة.
- وجود ما يكفي من التركيز من جانب الشركة المساهمة في رفاهية المجتمع على المدى الطويل. من جهة أخرى فتلك المساهمة ينبغي أن تركز على ثلاث أبعاد هي:
- البعد الاجتماعي: ويشمل الجوانب التي تتعلق بتأثير عمليات الشركة على البيئة الاجتماعية بما فيها من بشر وعلاقات سواء داخل المنظمة أو خارجها.
- البعد الاقتصادي: ويتعلق بخلق القيمة من خلال انتاج السلع والخدمات وخلق فرص العمل ومصادر الدخل.
- البعد البيئي: ويتعلق بأثار أنشطة الشركة على البيئة الطبيعية.
المسئولية الاجتماعية للشركات ودورها في تنمية المجتمع المحلي:
تقوم الشركات بتطوير أنشطتها الموجهة للمجتمع المحلي، وتطوير برامج المسئولية الاجتماعية والعمل بفعالية في نقل المهارات والتقنيات إلى أفراد المجتمع المحلي من خلال:
- قنوات التوزيع وسلسلة التوريد إلى الشركات الصغيرة المحلية.
- تبني ممارسات التجارة العادلة ورعاية الصناعات المحلية.
- توفير التمويل للمشاريع الصغيرة وتسهيل الاتصال والتفاعل بين المجتمعات المحلية.
المسئولية الاجتماعية للشركات ودورها في دعم المشروعات الصغيرة:
من خلال توفير الخدمات التي تعمل على رفع المستوى للمؤسسة بشكل خاص والمجتمع بشكل عام تساهم المسئولية الاجتماعية للشركات في تنمية المشروعات الصغيرة وذلك عبر عدة محاور هي:
- المحور التعليمي: وهو من أهم المحاور ومن خلاله تقوم الشركات بتبني البرامج ومنح التعليم والتدريب بما يمكن من تطوير المهارات وتحسين فرص الشباب في إيجاد وظائف مناسبة.
- محور العمل: وذلك عن طريق توفير فرص وظيفية لعدد من الشباب في مختلف المجالات ومساعدتهم في انشاء مشاريع صغيرة تعود بالفائدة على المجتمع.
- المحور الصحي: وذلك من خلال تنظيم الحملات التي تساهم في نشر الوعي الصحي بين أفراد المجتمع بمختلف طبقاتهم، وتنظيم الحملات الصحية التي تعمل على توجيه وتنظيم تدريبات للموظفين في مختلف التخصصات، والتوجيه في كيفية التعامل مع الامراض والوقاية منها.
- المحور الخاص بالمتقاعدين الذين لديهم قدرة على العطاء وذلك من خلال ابتكار مشاريع تتناسب مع أعمارهم واهتماماتهم بحيث توفر لهم دخل مناسب.
- تنمية المجتمع المحلي: وذلك بتشجيع التعاقد مع عدد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتمثيل عمليات معينة، واستغلال الطاقات المتاحة واستقطاب عدد آخر منها للانخراط بسلسلة التوريد العالمي لهذه الشركات بما يتيح فرص تصديرية لهذه المشروعات.
عوامل نجاح القطاع الخاص للوفاء بالمسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع:
- ضرورة ايمان الشركة بقضايا المسئولية الاجتماعية، حيث يجب أن يكون لدى كل مسئول فيها يقين وايمان بأهمية هذا الدور الذي تقع عليه مسئولية كل الشركة تجاه المجتمع.
- وجود رؤية واضحة لدورها الاجتماعي والقضايا الرئيسية المتعلقة بجهودها في حل المشكلة، وكذلك المبادرات التي ستعرض على المجتمع.
- أن يكون (الحدث) هو الجزء الرئيس من أنشطة الشركة الذي يتابعه رئيس الشركة ويتم أيضا مراقبة الأنشطة التجارية وتوضيح الخطط التي سيتم تحقيقها.
- تخصيص موظفين متفرغين لهذا النشاط وتحديد الأهداف والخطط المطلوبة له والتواصل المباشر مع الإدارة العليا وأن يمنح الصلاحيات المطلوبة.
- أن يكون البدء من خلال أهداف صغيرة محددة تنمو مع الوقت لتحقيق مشاريع وخطط كبيرة.
- أن يتم تقديم البرامج بعناية مع أداء قوي وممتاز وجودة عالية حيث هذه البرامج تعتبر منتج تجاري يجب الاهتمام به وتقديمه بطريقة تساعد على خدمة المجتمع لتحقيق أهدافه.
- التأكد من أن هذه البرامج الاجتماعية تسعى إلى التعاون والتنسيق مع البرامج والأنشطة المماثلة القائمة لتجنب ازدواجية الجهود وهدر الوقت والمال للبرامج القائمة.
تحديات تواجه المسئولية الاجتماعية للشركات:
- التسييس: الذي يؤثر بشكل مباشر على مفهوم المجتمع والحكومة سوياً، والذي سيكون مقبول اجتماعيا من وجهة نظر سياسية، وبالتالي ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار كيفية تنفيذ تلك المشاريع بطريقة تتوافق مع السياسة الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني بشكل لا يؤدي لحدوث مشكلة.
- المنافسة: حيث أن المنافسة بين الشركات المسئولة والشركات غير المسئولة يجب أن يحكمه كون السلوك المسئول ميزة تنافسية للشركة، لكن في الواقع تؤدي المسائلة إلى خسارة حصة السوق لمنافسين غير مسئولين وبالتالي كيف يمكن للشركات والحكومات والمجتمعات المحلية المسئولة منع ما يسمى “المنافسة من السباق إلى القاع” !!.
- التنسيق: أحيانا يكون التنسيق بين المسئوليات الاجتماعية للشركات وبين الاستراتيجيات الوطنية والمحلية وبين أصحاب المصلحة غير منسق بشكل جيد يحقق الهدف.
- المسئولية: في كثير من الأحيان يكون سبب فشل المسئولية الاجتماعية للشركات هو الفشل في إعطاء الرعاية المهنية اللازمة لإدارات الشئون الاقتصادية التي لا تمتلك أدوات محدثة في صياغة وسائل صناعة التنمية الشاملة في مجتمعاتهم، وبالتالي لا يتماشى ذلك مع التطور الملموس في المعاملات الاقتصادية المعاصرة. وتحدث هذه المشكلة غالباً لدى الشركات في بعض الدول التي يحكمها النظام الاقتصادي الإسلامي ومبادئه ومعاييره التي بلا شك ليس لها علاقة بلب المشكلة؛ حيث أن السبب الأساسي هو سوء الإدارة وضعف استخدام الموارد بطريقة تحقق الخطة الاستراتيجية.
المسئولية الاجتماعية في الفكر الإسلامي:
إن دوافع المسئولية الاجتماعية في الفكر الإسلامي يصنع من المسؤولين التكافليين وشعور أفراد المجتمع ومؤسساته بعضهم ببعض إطار تنفيذي لها. ويهدف القائمين على إدارتها إلى الإحساس الأخلاقي، وينظرون اليها كواجب تفرضه الشريعة لضرورة اشباع حاجات الاخرين والاهتمام بالربح الاقتصادي إضافة إلى الربح الاجتماعي مما يعكس طبيعة التراحم والتعاون والتكافل في المجتمع المسلم.
بالتالي هذا يجعل المسئولية الاجتماعية للمؤسسات الإسلامية مسئولية أخلاقية تختلف عن المسئولية الاجتماعية في الفكر التقليدي في المجتمعات ذات الصبغة القانونية، وعليه يكمن الاختلاف بين محتوى هذه المسئولية في النقاط التالية:
- أن المسئولية القانونية هي مسئولية شخص أمام شخص، أما المسئولية الأخلاقية هي المسئولية أمام الله اساسها التعامل بالضمير وطلب الاجر في الاخرة.
- دائرة الآداب أوسع من دائرة القانون، لذا فإن نطاق المسئولية الأخلاقية أوسع من نطاق المسئولية القانونية.
- في نطاق المسئولية القانونية يعد الضرر ركن من أركان هذه المسئولية ولا يشترط القيام بالمسئولية الأخلاقية حدوث الضرر للغير.
- لا تتغير المسئولية الأخلاقية أما المسئولية القانونية فهي تتغير حسب ما تسير عليه من قوانين.
- تنظر المسئولية الأخلاقية إلى الاعمال والدافع لها، أما المسئولية القانونية لا تنظر إلى الاعمال الخارجية ودوافعها.
- تمارس المسئولية الاجتماعية على اساس قوة داخلية هي قوة الوجدان والضمير، اما المسئولية القانونية فهي تقوم على مسئولية خارجية هي سلطة القضاء والامن.
- تكلف المسئولية الأخلاقية الأفراد من الكماليات والضروريات، أما المسئولية القانونية فتكلف الأفراد بالواجبات التي يتوقف عليها بقاء المجتمع وتطوره.
الشراكة مع القطاع الخاص ورؤية المملكة 2030 (توقعات وتحديات)
تركز المسئولية الاجتماعية – كما ذكر آنفا – على العمل التطوعي وقيام مبادرات فعالة تسهم في التنمية الاجتماعية المستدامة وتلبية احتياج المجتمع، وقد ركزت رؤية المملكة 2030 بشكل أساسي على تفعيل العديد من المبادرات التي تم تقديمها ضمن متطلبات هدف “عقد الشراكات” وهو أحد أهداف التنمية المستدامة “الهدف رقم 17”. وضمن هذا الهدف تم التركيز على الشراكة مع القطاع الخاص والتي عرفت بانها “اتفاقية تعاون بين وكالة حكومية ومؤسسة خاصة؛ توفر إمكانية تبادل الخبرات والأصول لكل من الطرفين لتقديم خدمة أو منتج للمنفعة العامة” ومن هنا كان “تمكين القطاع الخاص” أحد المتطلبات والأهداف الهامة لبرنامج التحول الوطني. من جهة أخرى هناك العديد من المؤسسات التي يمكن أن تلعب دورا محوريا في تفعيل المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الغرف التجارية الصناعية، فما هو دورها وهل هناك تحديات تواجهها؟!!
الغرف التجارية الصناعية ودورها في تعزيز وتفعيل المسئولية الاجتماعية للشركات:
الغرف التجارية الصناعية هي الهيئات التي تمثل في دوائر اختصاصها المصالح التجارية والصناعية والإقليمية لدى السلطات العامة. وتعتبر هذه الغرف من المؤسسات العامة، ويكون لها الشخصية الاعتبارية. تنشأ الغرف التجارية بقرار من وزير التجارة يحدد فيه مقر الغرفة ودائرة اختصاصها وعدد أعضائها.
فما هو دور الغرف التجارية الصناعية في تفعيل المسئولية الاجتماعية للشركات وربط أو توجيه برامج المسئولية الاجتماعية حسب احتياج منظمات المجتمع المدني وفئاته التي تتطلع للقطاع الخاص وشركاته كقطاع مساهم في تنمية المجتمع وتلبية احتياجاته؟ ايضا هل أدت تلك الغرف الدور المنوط بها والمتوقع منها؟
من جهة أخرى لا يمكن إغفال دور الغرف التجارية الصناعية في المملكة؛ حيث أن لها دور في نشر مفهوم المسؤولية الاجتماعية، وكان الدور البارز للغرفة التجارية الصناعية في الرياض، حيث تبنت أول ملتقى للمسؤولية الاجتماعية في عام 2006م، برعاية ولي العهد آنذاك الأمير سلطان بن عبدالعزيز – رحمه الله – ومن ثم انبثق عنها مجلس للمسؤولية الاجتماعية في الرياض لنشر هذا المفهوم، ودعم هذا المجلس دراسة عن المسؤولية الاجتماعية في عام 2009م، وكذلك أقامت معرضين في مدينة الرياض للمسؤولية الاجتماعية.، وكذلك الغرفة التجارية في محافظة جدة حيث لديها لجنة للمسؤولية الاجتماعية ولها نشاط، وكذلك غرفة المنطقة الشرقية والتي لها مساهمات في هذا المجال، اضافة إلى الغرفة التجارية في المدينة المنورة ولديها لجنة للمسؤولية الاجتماعية. لكن بالرغم من الجهود التي تقوم بها تلك الغرف الا أن المقدم لم يكن حسب المتوقع منها في خدمة احتياجات المجتمع وحث الشركات على القيام بأدوارها. وقد تعرضت تلك الغرف وما زالت للنقد الآتي: أن أغلب رجال الأعمال الذين يقومون بتبني مفهوم المسؤولية الاجتماعية يتبنونه من منطلق (الإعلان والدعاية للشركات فقط)، وليس من واقع تفعيل خدمة المجتمع وبالتالي دور الغرف التجارية هنا يعد ضئيلاً جداً في ما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية حيث تصبح مهمتها الدفاع عن مصالح التجار ورجال الاعمال بالدرجة الأولى.
تحديات وتوصيات
يلعب القطاع الخاص دورا كبيرا في التنمية المستدامة تعول عليه المملكة لاسيما في رؤية 2030. ويمكن القول بانه من خلال تفعيل دور المسئولية المجتمعية للشركات يمكن لهذا القطاع تحقيق أهدافه المتوقعة منه لكن مع هذا يبدو أن هناك العديد من التحديات التي تواجه المسئولية الاجتماعية للشركات من أهمها:
- جهلها بالتشريعات أو جود عقبات في تطبيقها.
- عدم جود خارطة طريق أو استراتيجية واضحة.
- عدم وجود متخصصين مؤهلين ومدربين.
- عدم وجود بيئة محفزة ودافعه للبرامج والمبادرات.
وبالتالي يتطلب الوضع الراهن من الشركات عمل الاتي للتغلب على بعض التحديات:
- أنشطة لدعم مهارات الشباب للانخراط في سوق العمل وبالتالي لا بد للشركات أن تلعب دورا رائدا في هذا المجال وان تكون اقسام المسئولية الاجتماعية في الغرف التجارية والصناعية هي حلقة الوصل لتفعيل هذا الدور الهام.
- تبدأ من داخل النشاط في تطبيق معايير الجودة في الإنتاج، بحرفية إدارية، وفنية عالية، وليونة إدارية، في تطبيق المعايير
- أن يدركوا أن معدلات نمو الشركات التي توازن بين مصالحها وبين المسؤولية الاجتماعية مختلفة بين شركة وأخرى، بحسب القطاع الذي تعمل فيه، والظروف المحيطة الداخلية والخارجية
- للإدارة الجيدة المتخصصة دوراً مفصلياً في تحقيق النمو، والإدارة الجيدة هي القادرة على استثمار إمكاناتها المادية والبشرية بأقل التكاليف نحو تحقيق أهدافها.
وختاما لا يسعنا إلا التأكيد على أن المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص هي قضية هامه لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار من ناحية تحرير المصطلحات والمفاهيم المتعلقة بها وتفنيد المؤسسات المعنية بها إضافة إلى تحديد دورها في تحقيق التنمية المستدامة للمجتمع بشكل عام وضمن رؤية المملكة 2030 بصفة خاصة. هذه القضية تتطلب إشراك القطاعات المتعلقة بها سواء الحكومية أو الخاصة أو القطاع غير الربحي في تحديد موقفهم من القضايا الشائكة المتعلقة بها إضافة إلى ضرورة عمل أبحاث كمية وكيفية وحلقات نقاش حول الموضوع خصوصا من مراكز الفكر والأبحاث المتخصصة مما يساعد صانع القرار في سن وتوجيه قراراته بالطريقة المناسبة.
- المداخلات حول القضية
- أبرز تصنيفات المسؤولية الاجتماعية.
لا يمكن فصل المسؤولية المؤسساتية الاجتماعية عن المسؤولية الفردية الاجتماعية، ولو أخذنا هرم كارول للمسؤولية الاجتماعية، فإنه بالإمكان القول بأن ما يثبت بحق المؤسسات في كل مرتبة من هذا الهرم، نجدها تبرز وبنفس الأهمية بالنسبة للأفراد، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:
- المسؤوليات الاقتصادية: أهمية بحث دور الفرد ومسؤولياته في الجانب الاقتصادي سواء بالادخار والحفاظ على الموارد المجتمعية وكذلك توعيته بأهمية دوره في الحفاظ على دورة المال من خلال مزاحمة العمالة الأجنبية في كل الوظائف المتاحة، وغيرها مما يمكن قوله في هذه المحور.
- المسؤوليات القانونية: وهنا يبرز دور الأفراد في الالتزام بالأنظمة والقيام بدورهم التوعوي تجاه احترامها والالتزام بها، وتتضمن هذه المسؤولية التفاعل مع الأنظمة التي تحقق التنمية مثل الالتزامات الضريبية، أو تلك الأنظمة التي تحمي التنمية المستدامة وتسعى للحفاظ على بيئة حاضنة لها، ومنه التفاعل مع الأنظمة الأمنية كنظام مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال وغيرها.
- المسؤوليات الأخلاقية: ومما يندرج تحتها مسؤوليات الأفراد الأخلاقية تجاه سلوكياتهم وأفكارهم ومنتجاتهم. وقد ورد في إحدى المقالات حول المسؤولية الأخلاقية للأفراد ما مفاده “تنصّ إحدى وجهات النظر الشائعة على أن العلماء والمهندسين مسؤولون أخلاقيًا عن العواقب السلبية التي تنجم عن التطبيقات المختلفة لمعرفتهم واختراعاتهم. وإذا كان العلماء والمهندسون يعتزّون شخصيًا بالإنجازات الإيجابية العديدة للعلم والتكنولوجيا، فلماذا ينبغي السماح لهم بالتنصّل من المسؤولية عن التبعات السلبية الناجمة عن استخدام أو إساءة استخدام المعارف العلمية والابتكارات التكنولوجية؟”
- المسؤوليات التطوعية: وهنا يبرز دور الفرد في التفاعل مع الأعمال التطوعية سواء من خلال المساهمة في إدارتها أو تقديم المشورة والنصح لمن يقوم عليها، وكذلك الارتقاء بالنظرة المجتمعية في طريقة التعاطي معها.
- المسؤوليات الإعلامية: وبالإضافة إلى ذلك فهناك مسؤوليات إعلامية للفرد ربما يواجهها في أي من المسؤوليات الأربع في هرم كارول. كما يذكر كيرتس مونتغرى الباحث في المسؤولية الاجتماعية بأنه يجدر بالمتلقي ألا يتعامل مع ما يتلقاه في وسائل الإعلام على أنه بضاعة يشتريها من محل تجاري، بل من المهم أن يعي الواقع، ولا يتقبل ما يتلقاه كما هو بل يحلله ويسهم في بلورة رأي تجاهه يكون قابلاً للنقاش، وفي هذا مزيداً من الثراء المعرفي.
- المسؤولية الاجتماعية كاستثمار اجتماعي واقتصادي.
مما لا شك فيه أن المسؤولية الاجتماعية تعتبر عملية استثمار اجتماعي فضلا عن كونه استثمار اقتصادي؛ فهي تتناول احتياجات المجتمع المحلي وتسعى إلى تلبية هذه الاحتياجات وفق أهداف المنشأة، ولذلك تحدث أثرا أكبر ومستدام في عملية التنمية لارتباطها بالجانب الإنساني؛ وأكبر دلالة على ذلك أن الشركات التي تطبق مبدأ المسؤولية الاجتماعية على موظفيها بدءا قبل اعتبارها متطلب للمجتمع فإنها تجني نتائج إيجابية كبيرة على المستوى الداخلي والخارجي في كسب الولاء وزيادة الإنتاج؛ ولذلك تعتبر عملية استثمار يزيد في التسويق للمنشأة ويدعم السمعة لها.
ويمكن اعتبار المسؤولية الاجتماعية عملية استثمارية لأسبابٍ متعددة، منها:
- تحسين صورة المؤسسة العامة: تُساهم الممارسات المسؤولة اجتماعيًا في تحسين صورة المؤسسة أمام العملاء والمستثمرين والمجتمع ككل، مما يُعزز الثقة والولاء.
- جذب العملاء والمستثمرين: يُفضل العديد من العملاء والمستثمرين التعامل مع الشركات التي تُظهر التزامًا بالقضايا الاجتماعية والبيئية، ممّا يُؤدّي إلى زيادة المبيعات وجذب الاستثمارات.
- تعزيز الابتكار: تُحفّز المسؤولية الاجتماعية الشركات على الابتكار وتطوير منتجات وخدمات جديدة تُلبي احتياجات المجتمع، ممّا يُؤدّي إلى زيادة الأرباح.
- خفض التكاليف: تُساعد الممارسات المسؤولة اجتماعيًا على خفض التكاليف، مثل خفض استهلاك الطاقة والمياه، وتحسين السلامة في مكان العمل، ممّا يُؤدّي إلى زيادة الأرباح.
- الحصول على الحوافز الحكومية: تقدّم بعض الحكومات حوافز ضريبية وغيرها للشركات التي تُمارس المسؤولية الاجتماعية، ممّا يُقلّل من التكاليف ويزيد من الأرباح.
ومن الأمثلة التي يمكن التطرق إليها فيما يخص الشركات التي حققت عائدًا على الاستثمار من خلال المسؤولية الاجتماعية:
- شركة “Ben & Jerry’s”: تُعرف هذه الشركة بالتزامها بالقضايا الاجتماعية والبيئية، ممّا ساعدها على بناء قاعدة عملاء مخلصين وتحقيق نموٍّ قويٍّ في المبيعات.
- شركة “Patagonia”: تُركز هذه الشركة على الاستدامة البيئية، ممّا ساعدها على جذب العملاء الذين يُقدّرون المنتجات الصديقة للبيئة.
- شركة “TOMS”: تُتبرّع هذه الشركة بزوج من الأحذية مقابل كلّ زوجٍ يتمّ شراؤه، ممّا ساعدها على بناء صورة إيجابية وتحقيق نموٍّ قويٍّ في المبيعات.
أيضاً تُعدّ المسؤولية الاجتماعية استثمارًا ذكيًا يُمكن أن يُحقّق عائدًا ماليًا واجتماعيًا للشركات. من خلال الالتزام بمسؤوليتها الاجتماعية، يمكن للمؤسسات تحسين صورتها، وجذب العملاء والمستثمرين، وتعزيز الابتكار، وخفض التكاليف، والحصول على الحوافز الحكومية.
- المسؤولية الاجتماعية في القطاعين الحكومي والخاص.
لا تقتصر المسؤولية الاجتماعية على القطاع الخاص، ولكن كانت البداية في هذا القطاع والان لدى الوزارات الحكومية ادارات متخصصة في المسؤولية الاجتماعية، وبدأت فعلا في وضع مستهدفات واتفاقيات تعاون مع القطاع الخاص وكذلك القطاع غير الربحي، كما أن المسؤولية الاجتماعية تعد أحد المفاهيم التربوية المهمة للأفراد منذ طفولتهم؛ لذلك لا تقتصر في منظورها الاجتماعي على الكيانات وإنما الأفراد.
ويلاحظ في هذا الإطار أن الكثير من فرص الشراكات مع القطاع الخاص في بعض الجامعات لا يتم استثمارها؛ لعدم استيعاب الفريق المسؤول دور هذه الشراكات وأهدافها وأهمية مخرجاتها، وقد تلغي هذه الشركات اتفاقياتها أو تتوقف عن استكمالها لتنتقل لجهة أخرى؛ بسبب البيروقراطية المتبعة في بعض الجهات الحكومية، لذا من المهم أن يكون هناك فريق مرن ومتخصص ومستوعب أهداف المسؤولية المجتمعية ومستقطب لهذه الشراكات، مع البعد عن البيروقراطية التي لم تتعود عليها أنظمة وإجراءات كثير من الشركات وبخاصة العالمية منها، مما يدفعها إلى الهروب إلى جهة أخرى تتبنى مبادراتها بمرونة أكثر.
والقطاع الخاص ليس هو المسئول فقط لكن هناك ايضا القطاع الحكومي ومؤسساته بكافة اطيافها، إضافة إلى القطاع غير الربحي. ومسئولية القطاع العام لابد أن تتضافر لتسهيل أداء القطاع الخاص في هذا المضمار.
ومن وجهة نظر البعض فإن كل عمل القطاع العام هو مسؤولية اجتماعية، مادامت هذه القطاعات غير ربحية، أما القطاع الخاص فهو قطاع ربحي، فإلزامه بها والتزامه بها هو من توضع له السياسات وآليات تنفيذها. وهذا هو الأصل ولكن المفهوم اتسع وأصبح لزاما على بعض الكيانات الحكومية استثماره في تنفيذ بعض متطلبات عملها وفق رؤية المملكة؛ ولابد أن تعي فعلا مؤسسات القطاع العام (الحكومية) هذا الدور بالتركيز على كيفية عمل القطاع العام على استقطاب استثمارات القطاع الخاص الموجهة لخدمة المجتمع (المشاريع والمبادرات وفرص التطوع) بطريقه فعالة ومحفزة للقطاع الخاص ذاته وداعمه له ايضاً.
- المسؤولية الاجتماعية للشركات الهادفة للربح.
هناك مشكلة التداخل بين التكاليف الاجتماعية والاقتصادية.. وهي تعتبر مشكلة موجودة في أغلب بيئات الاعمال والدول في هذا الجانب وهي صعوبة فصل التكاليف الاجتماعية عن التكاليف الاقتصادية، فالتشابك بين الأنشطة الاجتماعية والأنشطة الاقتصادية نابع من طبيعة نشاط المنشأة الذي يؤدي إلى مشاكل كيفية القياس (المحاسبي) مالياً لكل نشاط بشكل مستقل.
فتكاليف البحوث والتطوير أو تكاليف زيادة درجة الأمان للمنتج، يمكن النظر لها باعتبارها تكاليف اجتماعية لازمة لخلق حالة من الرضى والإشباع عن منتجات الشركة داخل نفوس العملاء، إلا أنه من جهة ثانية يمكن اعتبارها تكاليف اقتصادية لازمة لإعطاء قوة دفع تنافسية للمنتج وزيادة نصيبه في السوق بهدف زيادة ربح الشركة، وكذلك بالنسبة لتكاليف تدريب الموظفين في الشركة والتي أصبح عليها فرض من وزارة الموارد البشرية في الآونة الأخيرة؛ فهي من ناحية تكاليف اجتماعية ضرورية لإتاحة الفرصة أمام العاملين للترقية والتدرج الوظيفي لخلق حالة من الولاء والانتماء لديهم تجاه الشركة، ومن ناحية ثانية يمكن النظر إليها كالتكاليف الاقتصادية اللازمة لزيادة الانتاجية والارتقاء بها كماً ونوعاً لزيادة الربحية في الشركة.
أما المشكلة الأخرى فتتعلق بقياس التكاليف الاجتماعية على مستوى المنظمة؛ وفي هذا الإطار تكمن كافة المشكلات المتعلقة بالتكاليف الاجتماعية في التضارب الحادث في تفسير ماهية التكاليف الاجتماعية فمن وجهه النظر المحاسبية هي الأعباء المالية التي تنفقها المنشأة ولا يتطلبها نشاطها الاقتصادي، فضلاً عن عدم حصول المنشأة على أية منفعة أو عائد اقتصادي مباشر مقابل هذه التكاليف، بل يتم إنفاقها نتيجة لالتزام المنشأة ببعض المسؤوليات الاجتماعية أو تطبيقاً لقوانين تفرضها الحكومة.
أما من وجهه النظر الاقتصادية فإنها قيمة ما يتحمله المجتمع من أضرار نتيجة لممارسة المشروع لنشاطه الاقتصادي؛ فقد يترتب على هذا النشاط تلوث الهواء أو المياه أو تشويه الجمال الطبيعي، أي أن التكلفة الاجتماعية تمثل الأعباء التي تحملها المجتمع نتيجة للآثار الخارجية السلبية للمشروع. وكما انه يوجد صعوبات في تحديد قيمة نقدية للأضرار التي تصيب المجتمع.
وثمة ممارسات دولية فيما يخص أهم الأساليب المستخدمة لقياس التكاليف الاجتماعية ومن أهمها:
- قياس تكاليف منع حدوث الاضرار: أن التكلفة الاجتماعية هي قيمة الأضرار التي تقـع على المجتمع نتيجة قيام المشروع بأنشطته الاقتصادية، وقد يكون من الصعب أو غير العملي تحديد قيمة هذه الأضرار، ومن ثم يجب الالتجاء إلى أسلوب بديل يمكننا مـن تحديـد رقـم يقارب التكلفة الاجتماعية الصحيحة. ويمكن القول إن التكلفة الاجتماعية التي يمكن قياسها على مستوى المشروع هي تكلفة تجنب الأضرار الاجتماعية أي تكاليف المنع، ففي مجال التلوث البيئي تكون التكاليف الاجتماعية معادلة تقريباً لتكاليف منع التلوث، ويقوم هذا الأسلوب على افتراض أنه كلما قامت الشركة بالإنفاق على منع التلوث، انخفضت الأضرار التي تصيب المجتمع، وكانت تكاليف المنع أقرب التكاليف الاجتماعية (قيمة الأضرار) المترتبة على الأنشطة الاقتصادية للمشروع. ومع ذلك فإن الافتراض بوجود علاقة عكسية بين قيمة الأضرار التي يتحملها المجتمع وتكاليف المنع ليس صحيحا في جميع الحالات فإنفاق مبلغ ضئيل نسبيا قد يمنع أضراراً اجتماعية ذات قيمة كبيرة نسبياً ثم أن التكاليف التي ينفقها المشروع لمنع حدوث الأضرار الاجتماعية لا تكون عادة مساوية قيمة هذه الأضرار ومع ذلك فإن تكلفة المنع تمثل أفضل رقم تقريبي لقيمة الأضرار التي تصيب المجتمع إي أفضل رقم بديل للتكاليف الاجتماعية الصحيحة
- تكاليف إعادة الوضع إلى ما كان عليه (تكاليف التصحيح): وهي تكاليف تقريبية أخرى بديلة للتكاليف الاجتماعية. تمثل المبالغ التي يقوم المشروع بإنفاقها سواء لإعادة بعض موارد المجتمع لحالتها الأصلية تقريباً أو لإنشاء مورد جديد يحل محل المورد الاجتماعي الذي تأثر بالأنشطة الاقتصادية للمشروع. فمثلا أن التكاليف الاجتماعية المترتبة على شركة الأسمدة الناجمة عن تلوث مياه البحر أو بحيرة مجاورة للشركة تتمثل في التكاليف التي تتحملها الشركة في سبيل تطهير هذه المياه أو هذه البحيرة لإعادة حالتها إلى ما كانت عليه قبل التلوث.
- آليات تفعيل المسؤولية الاجتماعية في التنمية المستدامة.
ثمة عدد من الآليات المقترحة تضاف إلى ما ورد بالورقة الرئيسة والتعقيبات عليها، فيما يتعلق بتفعيل الدور التنموي للمسؤولية الاجتماعية ومن أبرزها:
- بالنظر إلى أن المسؤولية الاجتماعية هي ثقافة تشكلها مؤسسات الوعي الاجتماعي (التعليم، الإعلام، المؤسسات الثقافية،….)؛ فإن مسؤولية القطاعات المختلفة خاصة وعامة لابد أن تكون من خلال بناء سياسات وآليات لدورها في تمكين الأفراد داخلها من الممارسة الحقيقية لدورهم نحو المسؤولية الاجتماعية من خلال برامج هذه السياسات التي رسمت في تلك القطاعات المختلفة، لتكتمل الحلقة. كذلك فإن الشركات لا تستطيع القيام بدورها دون الأضلع الأخرى لمنظومة الشركاء في المسؤولية المجتمعية، وهذا يؤكد على أن المسؤولية المجتمعية هي دور مناط بكل من القطاعات الثلاث: العام والخاص وغير الربحي، وتقوم بها بشكل تكاملي كل بحسب اختصاصه.
- السعي لتبني جائزة الامتثال لمعايير المسؤولية الاجتماعية؛ منها حقوق الإنسان والحوكمة.. الخ على مستوى السعودية، وذلك على غرار جائزة الامتثال التي كانت تقدم على مستوى الدول العربية.
- الاستفادة من “جمعية المسؤولية المجتمعية” في السعودية وجهودها المميزة في هذا المجال، وتحقيق التكامل معها من قبل وزارة الموارد البشرية ولجنة المسؤولية الاجتماعية المشكلة بقرار من مجلس الوزراء؛ توحيدا للجهود واستثمارا للخبرات في المجال.
- بناء نظام إداري مرن في القطاع الحكومي تحديدا، بعيدا عن طول الإجراءات والتعقيدات.
- بالإشارة إلى المحور التعليمي وأهمية تبني برامج التدريب المقدمة للشباب من ضمن المسؤولية الاجتماعية للقطاعات الثلاث وبخاصة فترة الإجازة الصيفية، حيث تكثر هذه البرامج التي تتبناها الشركات والقطاعات الحكومية، من المهم أن تُعتمد هذه البرامج حسب معايير مميزة وضوابط عالية من الجهات ذات العلاقة؛ لتكون قيمة مضافة في إكساب المهارات واكتشاف المواهب واستثمارها، ومن الأهمية بمكان أن يخضع هؤلاء المتدربون بعد الانتهاء من هذه البرامج إلى تقييم دقيق للمستوي الذي تحقق، والمهارات التي اكتُسبت وذلك من جهة محايدة معتمدة.
ومن الجدير بالذكر أنه عندما توائم الجامعات خططها الاستراتيجية مع رؤية السعودية ٢٠٣٠؛ وتجعل من المسؤولية المجتمعية أهداف استراتيجية وركائز هامة في المسيرة التعليمية، وتؤمن بأن خدمة المجتمع هي وظيفة أساسية بجانب كل من التعليم والبحث العلمي؛ فهي إذا تصنع المجتمعات وتسهم بشكل كبير في رسم الصورة الوطنية؛ حيث يجب أن تكون وتقود مسارات التنمية فكرا وانجازا ملموسا على كافة الاصعدة. والمتأمل في أي مشروع تنموي يدرك كيف هو اسهام الشريك العلمي (الجامعات) والثقل الذي يشكّله على مستوى التخطيط والانجاز
- من المفيد النظر إلى إمكانية وجود مرصد مسؤولية اجتماعية معني بالقطاع الخاص ذو موثوقية وشفافية، وأن يكون لدى المركز الوطني للقطاع غير الربحي منصة دقيقة لاحتياجات الجمعيات ومشاريعها يستطيع القطاع الخاص كالشركات والبنوك الوصول للمعلومة ويحقق توزيع عادل لمساهماتهم.
- دراسة الأولويات التنموية للاستفادة من برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات.
- التوصيات
- إجراء دراسات وصفية واستشرافية لواقع ومستقبل المسؤولية الاجتماعية للشركات، تشمل: (الدور، مدى المشاركة، الفرص، المعوقات الخارجية، وآليات التفعيل).
- تحفيز الشركات المتميزة في مجال المسؤولية الاجتماعية داخل وخارج بيئاتها من خلال تخصيص جوائز لهذا الغرض تتولاها جهة رسمية محددة.
- التأكيد على الشركات لزيادة مساهمتها في برامج التوعية بثقافة المسؤولية الاجتماعية وتعزيز التفاعل معها.
- أن تتولى جميع الادارات المعنية في الأجهزة الحكومية برامج مجتمعية تكاملية من خلال لجنة تنسيقية تنشأ لهذا الغرض.
- تعزيز التنسيق بين برامج المنشآت البنكية والمالية لتحقيق تكاملية الجهود.
- إطلاق دبلوم المسؤولية الاجتماعية في البرامج الأكاديمية للجامعات السعودية.
- إدماج المسؤولية الاجتماعية والعمل التطوعي في مناهج التعليم في المراحل الدراسية المختلفة.
- إيجاد آلية للإفصاح الكامل فيما يخص برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات حتى لا يكون هناك تداخل بين التكاليف الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك إيجاد طرق ملائمة لقياس التكاليف التي يتعين على الشركات أن تدفعها للمجتمع سواءً تكاليف إعادة الوضع إلى ما كان عليه (تكاليف التصحيح) أو تكاليف منع حدوث الأضرار؛ لأن مساهمة الشركات في بعض الأحيان تكاد لا تذكر مقابل الضرر الذي يحصل منها.
- التأكيد على الدور الأساسي للجامعات في المسؤولية المجتمعية كوظيفة أساسية وركن ثالث من وظائف الجامعات.
- التأكيد على أن المسؤولية المجتمعية قائمة على التكامل بين منظومة الشركاء الثلاث: (الشريك العلمي، والشريك المالي، والشريك المستفيد) والقطاعات التي يمثلها كل شريك حسب اختصاصه.
- توسيع نطاق التأهيل الأكاديمي للقيادات في مجال المسؤولية المجتمعية.
- تمكين الاستثمار المجتمعي كأحد نواتج التعليم وتعزيز أوجهه ومجالاته.
- المصادر والمراجع
- مجموعة تقارير الشبكة الإقليمية للمسئولية الاجتماعية.
- تحرير مفهوم المسئولية الاجتماعية للشركات، مجلس المسئولية الاجتماعية 2010م.
- الدليل الارشادي للسياسات لبرامج المسئولية الاجتماعية مجلس المسئولية الاجتماعية 2010م.
- المسئولية الاجتماعية لمنظمات الاعمال د. محمد فلاق 2016م.
- ورقة عمل العمل التطوعي بأسلوب الإدارة الاستراتيجية، غرفة الرياض 2018م.
- المناخ العالمي للعمل الخيري 2018م.
- المنصة الوطنية للمسئولية الاجتماعية.
- تقرير بنك الجزيرة 2022م.
- مسودة نظام المسئولية الاجتماعية 2024م.
- الشبكة السعودية للمسئولية الاجتماعية، 2016، الشركات والمؤسسات في المملكة.. أين مسؤولياتها الاجتماعية؟ https://www.csrsa.net/post/400
- فهد العضياني وهند العتيبي (2021): أساسيات المسئولية الاجتماعية وجوانبها، جدة: مجموعة تكوين للطباعة والنشر والتوزيع.
- رؤية المملكة 2030، تمكين القطاع الخاص: https://www.vision2030.gov.sa/ ar/explore-more/empowering-the-private-sector/
- وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، استراتيجية المسؤولية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية.
- التويجري، محمد بن إبراهيم. (1988). المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص في المملكة العربية السعودية: دراسة ميدانية استطلاعية. المجلة العربية للإدارة، مج 12، ع 4. 20 – 34.
- الذبياني، حسن بن مرشد معتق. (2022). دور القطاع الخاص من خلال المسؤولية الاجتماعية في تنمية المجتمع: دراسة وصفية تحليلية لعينة من منشآت القطاع الخاص في مدينة ينبع. مجلة العلوم الإنسانية، ع 13، 171 – 191 .
- بلهاشمي، جهيزة. (2019). المسؤولية الاجتماعية للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص ودورها في تحقيق عملية التنمية في إطار الالتزام بمعايير الشفافية والمساءلة: دراسة نظرية تحليلية. مجلة الحوكمة، المسؤولية الاجتماعية والتنمية المستدامة، ع 1، 71 – 86 .
- عيد، عادل عزت محمد. (2019). المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص ودورها في تحقيق التنمية المستدامة. مجلة جامعة أم القرى للعلوم الاجتماعية، مج 11، ع 2، 233 – 288 .
- عثمان، شيرين السيد عبدالله محمد. (2021). دور المسؤولية الاجتماعية في تحقيق التنمية المستدامة. مجلة سوهاج لشباب الباحثين، ع 1، 32 – 46 .
- عولمي، بسمة. (2016). المسؤولية الاجتماعية لمنشآت الأعمال اتجاه التنمية المستدامة. مجلة دفاتر اقتصادية، مج 7، ع 12، 78 – 94 .
- المشاركون.
- الورقة الرئيسة: أ. سمها الغامدي
- التعقيب الأول: د. نجاح القرعاوي
- التعقيب الثاني: د. طلحة فدعق
- إدارة الحوار: م. محمد المعجل
- المشاركون بالحوار والمناقشة:
- د. محمد الثقفي
- د. عائشة الأحمدي
- د. طلحة فدعق
- أ. فاطمة العثمان
- د. عبدالرحمن الهدلق
- د. حميد الشايجي
- د. فهد الغفيلي
- د. حمد البريثن
- د. خالد المنصور
- أ. فهد القاسم
- د. نوال الثنيان
- د. مرام الحربي
- د. محمد الزهراني