عقد ملتقى أسبار (إحدى المبادرات التابعة لمركز أسبار) برنامجا افتراضيا تحت عنوان: “لماذا أهمية مراكز الفكر في أوقات الأزمات؟”، وذلك يوم الجمعة 29 يناير الجاري، بمشاركة عدد من مراكز البحوث والثنك تانك السعودية، وعدد من الخبراء والمهتمين.
وسلط ملتقى أسبار من خلال هذا البرنامج الضوء على ماهية مراكز الفكر، والقيمة التي تضيفها، ولماذا أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى لاسيما في ظل جائحة كوروناCOVID-19 ، باعتبارها أزمة عالمية لها وقع جذري ومؤثر على كافة الأنشطة التجارية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، سواء في المملكة أو في العالم.
وتضمنت فعاليات البرنامج إقامة ثلاث جلسات، وقد استهل الجلسة الافتتاحية د. فهد العرابي الحارثي رئيس مركز أسبار بالترحيب بالمشاركين والحضور والمتابعين عبر منصة “الزووم” منوهاً بأهمية البرنامج الذي يعقده مركز أسبار بالتنسيق مع برنامج المراكز الفكرية والمجتمعات المدنية التابع لمعهد لاودر بجامعة بنسلفانيا، مؤكدا فخر مركز أسبار باستضافة 8 مراكز بحثية تمثل أهم المراكز البحثية في المملكة في هذا البرنامج.
فيما أكد م. أسامة كردي رئيس الهيئة الإشراقية لملتقى أسبار، أن الملتقى بات مثالاً حياً للتعريف بالنشاطات المرتبطة بمؤسسات المجتمع المدني مثل البحث عن الحقيقة بدون مواربة، وعدم التأثر بالآراء التي قد تكون لها أغراض معينة، وكذلك الابتعاد عن التأثر بوسائل التواصل الاجتماعي، مبينا أن أهم ما يميز ملتقى أسبار، والتنوع الكبير في القضايا التي يطرحها سواء اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، إضافة إلى أنه يضم حوالي المائة من المفكرين والباحثين المهتمين بالشأن العام.
أما الجلسة الثانية فعقدت بعنوان: “دور مراكز الفكر خلال الأزمات”، وتحدث فيها أ. أسامة يوسف باحث بالنيابة عن البروفيسور يحيى بن جنيد رئيس “مركز البحوث التواصل المعرفي” موضحاً أن المراكز الفكرية والبحثية باتت تحظى باهتمام واسع على مستوى العالم في العقود الأخيرة، مبيناً أن نشأتها مع وجود الأزمات والمشكلات التي تعيشها البشرية أو المتوقع حدوثها أو استقراؤها أو قراءة أبعادها، مؤكدا على الأهمية الاستراتيجية للمراكز الفكرية والبحثية في مساعدة صانع القرار في وضع السياسات التي تمكنه من مجابهة العراقيل التي تقع في طريقه بشكل طارئ، لافتا إلى الدور الكبير الذي تضطلع به مراكز البحوث والفكر اليوم في استشراف المستقبل، من خلال إجراء الدراسات المستقبلية والتنموية والتنبؤ بالمشكلات قبل أن تقع، والعمل على تدارك الأوضاع قبل وقوع الأزمات المحتملة.
فيما أشارت د. عفاف الأنسي رئيس لجنة قضية الأسبوع بملتقى أسبار إلى أبرز ما تقدمه مراكز الفكر ومنها توليد الأفكار الحديثة ومواجهة التحديات السياسية والإدارية على المديين القصير والطويل، وتوفير الخبراء في مختلف المجالات التخصصية وكذلك الخبرات المرجعية، واطلاع الجماهير على القضايا بأسلوب مبسط من خلال استخدام منشورات وتعليقات المواقع الإلكترونية والمساعدة في تشجيع وتوفير أرضية خصبة للحوار البناء، والمساعدة في وضع أجندة السياسة، مؤكدة أن دور مراكز الفكر في الأوقات العادية لا يختلف عنه أثناء الأزمات، لافتة إلى أن طبيعة الأزمات المفاجئة تحتم على مراكز الفكر العمل سريعا، من أجل مساعدة وعدم صانع القرار أثناء الأزمات ببدائل سياسية أو مقترحات سريعة.
بينما قال د. ماجد التركي “رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية الروسية” إننا حينما نناقش دور مراكز البحوث وقت الأزمات، نجد أن هناك إشكالية رئيسية تتمثل في الفراغ القائم بين تلك المراكز وصانعي القرار، سواء فراغاً في القناعة أو فراغا في تقدير مخرجات تلك المراكز، كما تحدث عن إشكالية أخرى تتمثل في أن مراكز البحوث مازلت تتحدث مع نفسها، فهي تجتهد وتعمل لكن دائرة الارتداد والاستفادة من مخرجاتها ضيقة ولا تتعدى مساحات ومسافات ومدارات مؤثرة، والسبب عدم الاهتمام المهني من صناع القرار بدور مراكز البحوث، مبينا أنه حينما تأتي أزمة وطن شاملة يجب أن ترعى الدولة توظيف هذه المراكز كل في تخصصه لحل تلك الأزمة.
في حين أوضح د. محمد السلمي مؤسس ورئيس “المعهد الدولي للدراسات الإيرانية” (رصانة)، أن مراكز الفكر تستطيع تقدير العديد الحلول المباشرة دون تجميل في ظل الأزمات سواء حلولا علمية أو عملية للجهات المستفيدة وصناع القرار المختلفين، من خلال تقديم الرؤى المناسبة والاستفادة من الخبرات التي تملكها هذه المراكز، أو من خلال شبكة علاقاتها الداخلية والخارجية، وسهوله الوصول إلى الخبراء المختصين حول العالم وحتى في الداخل، والوصول لمخرجات وحلول عملية لتلك الأزمات كما تستطيع مراكز الفكر الإسهام في رفع الوعي العام لدى الجمهور خاصة وقت الأزمات من خلال تقديم مقترحات وأفكار من خارج الصندوق تساعد صانع القرار في وضع الحلول المناسبة التي تفيده في التعامل الأمثل مع تلك الأزمات.
بدورها ذكرت د. نورا منصوري باحث مشارك أول بمركز “كابسارك” مركز الملك عبدالله لدراسات الطاقة، أنه على الرغم من كل الآثار السلبية لجائحة كورونا التي يعيشها العالم اليوم، إلا أنها أتاحت فرصاً عظيمة لمراكز الفكر القائمة على مستوى العالم عموما، والقائمة في منطقة الشرق الأوسط خصوصا لتوسيع أدوراها في إطار خطاب السياسات وصياغتها، ذلك أن الحكومات والمنظمات الدولية والقطاع الخاص على سبيل المثال تبحث عن الدعم اللازم، لتقليل الآثار المترتبة على هذه الجائحة اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا إضافة إلى المساعدة في الحصول على أجوبة لبعض الأسئلة المهمة حول أفضل السبل الكفيلة للخروج من هذه الجائحة، وإعادة البناء بشكل أفضل.
من جهتها، أوضحت مدير الجلسة د. هناء المسلط عضو الهيئة الإشرافية بملتقى أسبار، أن مراكز الفكر حظيت باهتمام واسع المدى والنطاق، لاسيما خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، حيث أصبحت تشكل إحدى البدائل المهمة في تطوير الدول واستشراف آفاق المستقبل، كما أصبحت جزءا لا يتجزأ من المشهد التنموي في العديد من البلدان المتقدمة، وارتقت إلى مكانة أصبحت فيها أحد الفاعلين الرئيسيين في رسم التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية للدول وأحد المؤثرين فيها.
وقد عقدت الجلسة الثالثة من البرنامج تحت عنوان: “دور مراكز الفكر في مواجهة جائحة كورونا”، وتحدث فيها د. أحمد العسكر المدير التنفيذي “مركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث الطبية” (كيمارك)، مستعرضاً دور المركز ومساهماته خلال أزمة كورونا، وما قدمه من أبحاث دراسات طبية تتعلق بالوباء ومسبباته وطرق انتقاله وأيضا طرق تشخيصه وإجراءات الوقاية, والممارسات السريرية وصولاً لتوفير وتطوير اللقاحات والأدوية المناسبة، مبينا أن لدى “كيمارك” أكثر من 150 مشروعا بحثيا و150 ورقة علمية و 10 براءات اختراع قائمة تتعلق بفيروس كورونا وأمراض أخرى.
أما م. إلياس عبدالكريم من مرصد كورونا للقطاع غير الربحي في تحفيز التكاتف الاجتماعي في الأزمة فسلط الضوء على تجربة المرصد في رصد المبادرات المقدمة من الجمعيات الخيرية أو المؤسسات المانحة والأوقاف لمواجهة جائحة كورونا، مبينا أن إنشاء المرصد جاء ليؤكد على أن للجميع دوراً في احتواء هذه الأزمة والتخفيف من آثارها، ومساندة للجهود الحكومية ودعمها، كاشفا أن المرصد استطاع رصد 939 مبادرة مقدمة من منظمات القطاع غير الربحي تزيد قيمتها على نصف مليار ريال بلغ عدد المستفيدين منها أكثر من 46 ألف مستفيد، مبينا أن أنشطة المرصد تغطي مجموعة من المجالات ذات الأولوية مثل المجال الإغاثي، المجال الاجتماعي، المجال التعليمي، المجال التوعوي، المجال الخدمي، المجال الصحي، ومجال الإيواء.
بدوره لفت د. عبد العزيز بن صقر “رئيس مركز الخليج للأبحاث” إلى أن هناك الكثير من المراكز البحثية اضطرت إلى تغيير عدد من البرامج وتأجيلها تماشيا مع التطورات التي فرضتها الجائحة وتم التركيز بالمقابل على الدراسات التي تعنى بتأثير الجائحة في المنطقة من أبعاد مختلفة كالبعد الاقتصادي والأبعاد المرتبطة بالطاقة، مبينا أن مركز الخليج نهض بدور مهم في دعم جهود التصدي للجائحة من خلال إجراء الدراسات الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الدفاعية أو الأمنية بعيداً عن الجانبين الطبي والعلمي. موضحاً أن هذه الدراسات كان من شأنها التخفيف من تلك الآثار السلبية على الاقتصاد والصحة والتعليم مشيرا إلى أن الكثير من المراكز البحثية استطاعت من الانسجام مع التغييرات التي فرضتها الجائحة ومن بينها التطورات التقنية التي رافقت هذه المرحلة وكانت من أبرز سمات هذه الفترة، فقد استطاعت المراكز البحثية المن إيصال صوتها وتقوم بتسجيل الورش عبر المنصات الافتراضية المتنوعة.
بينما أكد د. عبد الله حميد الدين رئيس وحدة التحرير وباحث رئيس في “مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية”، فتطرق لتجربة مركز الملك فيصل في التعاطي مع أزمة كورونا وما شهده من تغيير للتكيف مع الوباء، سواء تغييرا في أنماط البحث المستخدمة، أو تغييرا في الجمهور المستهدف أو في التركيز على الأمور العملية وتوفير التنبؤات والتحليلات التي من شأنها التخفيف من تلك الآثار السلبية على الاقتصاد والصحة والتعليم.
فيما سلط د. فهد العرابي الحارثي رئيس مركز أسبار للبحوث والدراسات الضوء على تجربة مركز أسبار والمبادرات التابعة له؛ بصفته أحد المراكز الفكرية والبحثية، في مواجهة أزمة جائحة كورونا، لافتا إلى تنظيم أسبار والمبادرات التابعة له (سواء من خلال ملتقى أسبار، أو من خلال منتدى أسبار الدولي)، العديد من الفعاليات والنشاطات التي تتضمن رصدا تحليليا نقديا لراهن العالم واستشرافا لمستقبله المنظور، من خلال تسليط الضوء على عوامل وآثار وتداعيات هذا الوباء.
وأوضح الحارثي أن منتدى أسبار الدولي قدم جهودا معتبرة في بحث وتحليل عوامل وتبعات فيروس كورونا، إذ نفذ عدد 9 ويبنارات تحدث فيها 44 خبيراً ومختصا مـن داخـل المملكـة وعلى مستوى العالم، كما شاركت فيها جهات علمية معتبرة منها على سبيل المثال: منظمة اليونسكو، وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) وغيرهما. كما أصدر المنتدى (18) تقريراً باللغتين العربية والإنجليزية، تناولت بالتفصيل نتائج هذه الويبنارات. إضافة لذلك فقد خصص المنتدى خلال دورته الخامسة (مستقبل المستقبل)، عددا من فعالياته لمناقشة هذه الأزمة واستشراف مستقبل العالم حيالها، بمشاركة نخبة من أهل الخبرة والاختصاص محليا ودوليا.
كما تناول د. فهد العرابي الحارثي جهود ملتقى أسبار في التصدي لجائحة كورونا بأبعادها المتنوعة وتداعياتها وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المجتمع السعودي وذلك بمشاركة 100 عضو من النخب السعودية الفكرية المثقفة المهتمة بالشأن العام. لافتا إلى إصدار الملتقى تقريراً مطولاً باللغتين العربية والإنجليزية بعنوان (السعودية وتداعيات جائحة كورونا)، استعرض خلاله خلاصة نقاشات الملتقى حول فيروس كورونا، والتي عقدت بمشاركة عدد من الخبراء والمختصين والأكاديميين، سلطوا الضوء على انعكاسات الجائحة على المجتمع السعودي، ورصدوا تأثيراتها وتداعياتها، وما اتخذ من إجراءات وتدابير للتكيف معها، كما خصص ملتقى أسبار قسما ضمن تقريره الشهري الـ 68 لشهر أكتوبر 2020م للحديث عن أزمة كورونا جاء تحت عنوان (ماذا لو استمرت كورونا عاما آخر؟) بمشاركة نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، إضافة لذلك نظّم ملتقى أسبار مؤخرا ندوة افتراضية بعنوان: “لقاح كورونا بين العلم والتعالم”، سلط خلالها الضوء على ماهية اللقاح وأهميته ومدى نجاعته وفعاليته إلى جانب الآثار الجانبية المرصودة لهذا اللقاح وكذلك الإشاعات الكاذبة التي تدور حوله.
من جهته، أشار مدير الجلسة أ. فهد الأحمري “أمين عام ملتقى أسبار” إلى أنه على الرغم من كل الآثار السلبية للجائحة إلا أنها أتاحت للمؤسسات فرصة عظيمة لتعزيز التعاون في المجال البحثي بين المراكز البحثية في المنطقة، لكنه شدد على أنه أهمية أن يكون لكل مركز أجندة معينة واستشراف للمستقبل ينعكس على دوره واهتماماته وتخصصاته وقدرات الباحثين الموجودين والجمهور.
يذكر أن تنظيم ملتقى أسبار لهذا البرنامج يأتي استمراراً للتعاون مع جامعة بنسلفانيا الأمريكية ممثلة في برنامج المراكز الفكرية والمجتمعات المدنية (TTCSP) بصفته أحد مراكز التفكير المعتبرة think tanks المنوط بها المساهمة في اتخاذ وصناعة القرار في مجال السياسات العامة في مختلف المجالات.
للمشاهدة على اليوتيوب: