منظمة اليونسكو .. ماذا استفاد العرب؟!

” منظمة اليونسكو .. ماذا استفاد العرب؟! “

الأحد 22 / 3 / 1439
الموافق 10 / 12 / 2017

الورقة الرئيسة:

د.زياد الدريس

كنت قبل أن أذهب للعمل في اليونسكو (عام ٢٠٠٦) أتساءل: ماذا استفاد العرب؟ لكني بعد تجربة عشر سنوات هناك، جعلت سؤالي: ماذا خسر العرب؟!
هذان السؤالان، المتفائل والمتشائم، ينطبقان على المنظمات الدولية كافة وليس على اليونسكو فقط، لكن مع تفاوت في درجة الاستفادة أو الخسارة من منظمة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى.
سبق أن قلت بأننا أمضينا زمناً طويلاً أقنعنا فيه أنفسنا بأن المنظمات الدولية لعبة بيد القوى المتنفذة، لكن من يدخل دهاليزها سيكتشف خطأ اعتقادنا، فالمنظمات ليست لعبة بل هي ملعب!
كلنا يعلم أن الركض المثمر في الملعب يتطلب:
مهارات
لياقة
معرفة باللاعبين الآخرين
معرفة التوقيت المناسب للهجوم والمناسب للدفاع.
نحن العرب ظللنا سنوات طويلة، للأسف، ندخل (ملعب) المنظمات الدولية قبل أن نستعد ونأخذ بأسباب الكسب فيها.
في السنوات الأخيرة تحسن الوضع العربي كثيراً، ليس فقط في اليونسكو، ولكن في منظمات أخرى غيرها. كأننا بدأنا نتجاوز فكرة (العضوية الصامتة) والانتظام في دفع المساهمة السنوية، لكن دون الانتظام في صف المستفيدين من مجالات المنظمة واختصاصاتها.
التحرك العربي في اليونسكو بدأ ينتعش بعد إدراك تأثير (القوة الناعمة) في حلبة التزاحم الدولي، بعد أن كان العرب لعقود طويلة لا يمنحون الاهتمام لغير الأمم المتحدة في نيويورك!
استطاع العرب أن يشاركوا في وضع بنود اتفاقية التنوع الثقافي، واتفاقية صون التراث الشفوي، واتفاقية الأخلاقيات الحيوية، كما التفت العرب كثيرا إلى تسجيل تراثهم العظيم في لائحة التراث العالمي، بعد أن ظلت اللائحة شبه محتكرة لتراث الدول الغربية.
التصويت لدولة فلسطين عام ٢٠١١ لتكون دولة كاملة العضوية في اليونسكو شكّل منعطفاً في مسيرة اليونسكو، كما أثّر بقوة في المنظمات الأخرى.
إنشاء احتفالية (اليوم العالمي للغة العربية) صنع فارقاً ملموساً من الاهتمام بالعربية بين اللغات الدولية الست.
هل هذا يكفي؟
سأجيب بإيجاز، حتى لا أطيل عليكم:
في الحقيقة فإن هذه النتائج تُعتبر بداية فقط لتحرك (اللاعب) الذي ظل سنين طويلة قابعاً في وسط (الملعب) دون أن يلعب!
ما زال أمام العرب مساحة واسعة يمكنهم التحرك فيها وتحقيق أهدافهم من عضوية المنظمات الدولية، سواءً أهدافهم الدولية أو الإقليمية أو حتى المحلية/ الوطنية.
لحسن الحظ أن (الفيتو) الذي يسبب الإحباط للمستضعفين، لا يوجد في غير نيويورك. أما في المنظمات الأخرى فإن أضعف دولة عربية لها صوت مثل صوت أقوى دولة غربية.
فلماذا لا نتحرك ونبني الاتفاقيات التي تخدم احتياجاتنا بما لا يتعارض مع الاحتياج الإنساني، ونطالب بحقوقنا التي ظلت مشكوكاً فيها لزمن طويل. ونتواضع قليلاً فنستفيد من المنظمات بوصفها بيوت خبرة في معالجة أخطائنا التي تعيق تَقدّمنا وتنميتنا؟

تعقيب:
د.سعود كاتب

الأستاذ القدير زياد الدريس عبر بحرقة عن وضع العرب في منظمة اليونسكو وباقي المنظمات الدولية الأخرى، مقدما كشف خسائر بدلا من كشف أرباح لذلك التواجد العربي خلال عقد كامل من الزمن. وأنا أتفق معه وأشاركه تلك الحرقة، التي هي في الواقع لا تذهب بعيدا عن كونها جزء من حرقة الأداء العربي الشامل في كافة المجالات وليس في المنظمات الدولية فحسب.
ولو سمح لي أخي الدكتور زياد بأن أختلف معه قليلا في جزئية وضع العرب جميعا في “صندوق” واحد، أو وضعنا معهم في ذلك الصندوق ثم توقع النجاح أو تحقيق نتائج متفائلة جماعية أو فردية، قائمة على التشاركية أو التوافق الجماعي الذي كان ولا زال عائقا، واستمرار تعلقنا به هو مدعاة للتراجع أكثر من كونه مدعاة للتقدم والنجاح.. نعم، هي دعوة مني للاعتماد على النفس ووضع يدنا فقط بيد من تجمعنا به مصالح حقيقية مشتركة وليس مجرد شعارات وعواطف.
وعودة لليونسكو، فإنه من محاسن الصدف أن أكون عدت اليوم من باريس بعد قضاء يومين حافلين في اليونسكو تكللا بالنجاح وردود الفعل الإيجابية ولله الحمد من قبل النخب الثقافية والسياسية والإعلامية التي حضرت. واحدة من تلك الفعاليات كانت لسيدات سعوديات أذهلن الحضور بما لديهن من ثقافة وتعليم وسرعة حضور وبديهة، حيث أثبتت المرأة السعودية أنها قوة ناعمة لا يستهان بها عند منحها الفرصة التي تليق بها.
سعيد لأن الدكتور زياد أشار إلى انتعاش الحراك العربي في اليونسكو واعتباره بداية جيدة. وكلي أمل في استمرار ذلك، ولو من قبل مجموعات عربية متناسقة ومتناغمة قادرة على التحرك بمرونة وسرعة وفاعلية لا يعوقها السعي لإرضاء “كيان” “واحد” يتحرك كل جزء منه في اتجاه مختلف.
لدي تفاؤل كبير بكون المملكة تسير بخطى ثابتة ومدروسة حيال التواجد الفاعل في جميع المنظمات الدولية، ومن ذلك استقطاب الكفاءات السعودية في عمل المنظمات العربية والدولية بشكل يتناسب مع المرحلة الجديدة والمتغيرات التنموية التي تعيشها بلادنا على كافة الأصعدة، بما في ذلك استقطاب الكفاءات النسائية لتمثيل المملكة في تلك المنظمات، بالرغم من خيبة الأمل الأخيرة الناتجة عن تصويت بعض أعضاء مجلس الشورى ضد تمكين المرأة من المناصب القيادية الحكومية.

تعقيب:
أ.آمال المعلمي:

بداية قبل ان نستعرض سويا ماذا استفاد العرب وماذا خسر العرب من وجودهم في منظمة اليونيسكو لابد أن نتوقف قليلا أمام 10 سنوات تحرك فيها الدور السعودي في اليونسكو بشكل لم يسبق له مثيل في العقود السابقة وأتمنى أن يستمر ذلك في السنوات القادمة. كل الإنجازات التي ذكرها الدكتور زياد الدريس تمت خلال العشر سنوات الماضية. فما الذي تغير؟ هل تغيرت اليونيسكو والتفتت الى الأعضاء المهمشين وقررت أن تدعمهم (وتمكنهم) من التواجد بإيجابية وتفاعل؟ بالتأكيد لأ. نحن الذين تغيرنا ونحن الذين بادرنا بالتحرك بشكل إيجابي للاستفادة و الإفادة من تمثيلنا في هذه المنظمات الدولية. نحن الذين طورنا من أساليب دعمنا وتمويلنا للمشاريع والبرامج التي اقتصرت في عقود سابقة على دفع مبالغ ضخمة لتمويل مراكز إسلامية ومدارس وطباعة الكتب المدرسية في المناهج الإسلامية وتوزيع نسخ مترجمة من المصحف الشريف.
واقتصرت المساعدات الثقافية على العنصر البشري الذي يقوم بالتدريس في المعاهد الإسلامية والإ مداد بالمراجع والكتب الثقافية الإسلامية وعقد ندوات ومحاضرات كلها تهتم بالجانب الديني من الثقافة فقظ.
مرت المملكة العربية السعودية بحدثين مهمين شكلا اختباراً ومعيارا ً للعلاقات مع المملكة العربية السعودية ومدى تأثيرها وتواجدها على الساحة الدولية من خلال مشاركتها في المنظمات الدولية وإنشاءها للمراكز الإسلامية ودعمها في العالم. هذان الحدثان هما حرب الخليج الأولى ( غزو النظام السابق للكويت وتهديده للسعودية) والهجمة الإعلامية الشرسة التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م. تابعنا بأسى ردود الفعل المعارضة لسياسة المملكة والهجوم الغير متوقع عليها من قبل الرأي العام المسلم في العالم. كان من الواضح أن الشارع الإسلامي لا يعي بشكل واضح توجهات المملكة ورؤيتها السياسية. شعر السعوديون بأن كل الدعم الذي قدمته المملكة في العقود الماضية لم يقدر وأن الدعم المعنوي والسياسي الذي توقعوا الحصول عليه لم يتحقق بالشكل الكافي على المستوى الشعبي في العالم الإسلامي.
لذا فإنه من الضروري أن نستوعب الدرس وأن يكون هناك تطويراً لأدائنا السياسي وتواجدنا الدولي من خلال عمل منهجي منظم وفق خطة واضحة لها أهداف يمكن قياسها وأن يوجه الدعم والتمويل السعودي ليشمل جوانب اجتماعية وخيرية وثقافية وتعليمية وإعلامية. كما اتضح أنه من المهم التعريف (بالشعب السعودي) بصفته وهويته الوطنية ومكوناته الثقافية والاجتماعية وأن يصاحب ذلك تغطية إعلامية للإعلان عن جهود المملكة وإطلاق مسميات سعودية عن المبادرات والمنشآت والمراكز التي تدعمها المملكة. وتنظيم لقاءات مباشرة للشباب والنخب الفكرية في المملكة مع نظرائهم في الغرب واستخدام التقنية الحديثة بشكل فاعل وإقامة معارض فنية وغيرها. وقد بدأ بالفعل هذا التوجه بالنسبة لمنظمة اليونيسكو من خلال الدعم الذي قدمته المملكة لبرامج (مشروع الملك عبدالله -الحوار من أجل السلام) والذي يهدف إلى نشر ثقافة الحوار والتواصل الحضاري البنّاء. وتم في إطار هذا المشروع الكثير من الفعاليات المتميزة في عدة دول عربية وأجنبية. إضافة إلى المشاركات الثقافية من جهات اخرى في المملكة كوزارة الثقافة والإعلام ووزارة الخارجية ومسك ومركز الحوار الوطني وغيرها.
هذا الوجود المتنوع والمشاركة بالفكر والأعمال الفنية وإبراز الجوانب التراثية من خلال المعارض والفعاليات المتنوعة ساهم في إبراز دورنا ومشاركتنا في هذه المنظمة.
هل هذا يكفي؟ أزمة قطر الأخيرة كشفت أننا بحاجة لبذل المزيد من الجهد والتركيز على مراكز الدراسات والبحوث وإعداد كوادر مؤهلة من الشباب السعودي نساءً ورجالاً للحديث في وسائل الإعلام العالمية للتعبير عن مواقف المملكة وتوجهاتها وهذا ما نأمل أن ننجح به في المرحلة المستقبلية.
إذاً عودة لسؤال البداية ماذا استفاد العرب؟ أقول ماذا استفادت السعودية؟ وكيف نفعّل دورها أكثر. كل تقدم للدور السعودي سينعكس إيجابياً على العرب والمسلمين. لذا لعله من الأجدى في المرحلة المقبلة أن نسأل ما الذي ستستفيده السعودية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *