تقرير رقم (117) تطور جهود السلام في اليمن على ضوء الوساطة السعودية العمانية

 تقرير رقم (117)

تطور جهود السلام في اليمن على ضوء الوساطة السعودية العمانية (13/11/ 2023 م)

لجنة الشؤون السياسية والدبلوماسية

للاطلاع على التقرير وتحميله أضغط هنا

  • تمهيد:

يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر نوفمبر 2023م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة؛ حيث تناولت: تطور جهود السلام في اليمن على ضوء الوساطة السعودية العمانية، وأعد ورقتها الرئيسة د. ناصر محمد علي الطويل، وعقب عليها كلاً من أ. سليمان العقيلي، د. سعيد صالح الغامدي، وأدار الحوار حولها أ. جمال ملائكة.

المحتويات

  • تمهيد
  • فهرس المحتويات
  • الملخص التنفيذي.
  • الورقة الرئيسة: د. ناصر محمد علي الطويل (ضيف الملتقى) *
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: أ. سليمان العقيلي
  • التعقيب الثاني: د. سعيد صالح الغامدي
  • إدارة الحوار: أ. جمال ملائكة
  • المداخلات حول القضية
  • العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة على الأزمة اليمنية وانعكاساتها.
  • التحديات الراهنة لإقرار السلام في اليمن.
  • تصورات مقترحة لحل الأزمة اليمنية.
  • التوصيات
  • المصادر والمراجع
  • المشاركون 

 

  • الملخص التنفيذي.

يتناول هذا التقرير قضية تطور جهود السلام في اليمن على ضوء الوساطة السعودية العُمانية. وأشار د. ناصر محمد علي الطويل في الورقة الرئيسة إلى أن تتابع الجهود التي بذلتها المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان منذ إعلان الرياض لمبادرتها حول إنهاء الحرب باليمن في 22 مارس 2021، أدى إلى مراكمة جملة من التطورات الهادفة إلى تمديد وتوسيع الهدنة غير الرسمية، والدفع نحو تسوية سياسية قد تفضي إلى إنهاء الحرب وبناء السلام في اليمن، ومع هذا فإن حدود تلك التطورات، والمآلات التي ستنتهي إليها غير معروفة على وجه اليقين. وقد رصدت هذه الورقة أبرز التطورات في مسار التسوية السياسية وإحلال السلام في اليمن في ضوء الجهود التي تبذلها المملكة والوساطة التي تقوم بها سلطنة عُمان.

بينما أكَّد أ. سليمان العقيلي في التعقيب الأول على أن المملكة لا تتفاوض مع الحوثيين حول الحل النهائي ولا تنوي فرض تسوية معينة على اليمنيين. ومع أن محادثات الرياض الأخيرة تقدم المزيد من الأمل في هدنة مستدامة، ونحو إرساء أجواء الثقة، وهو ما سيكون ضرورياً لمسار سلام دائم في اليمن. لكن المخاوف لا تزال قائمة من أن أي اتفاق سلام نهائي لا يلبي طموحات الطرفين أو أحدهما، وفي ظل خروج المملكة المتوقع من المشهد ربما يؤدي إلى صراع مدمر مع تجدد الحرب بين الحوثيين والفصائل اليمنية الأخرى. ومن المحتمل في ضوء رصد الأسلوب الإيراني لتثمير الصراعات؛ أن تدفع حرب غزة الحوثي لمزيد من التسويف والمماطلة. لكن الاستحقاق اليمني بالحوار والسلام قادم طال الوقت أم قصر.

في حين ذكر د. سعيد صالح الغامدي في التعقيب الثاني أن هناك عدداً من العوامل التي قد لا تساعد في تحقيق الرغبة الصادقة للمملكة العربية السعودية، وشركائها، في تحقيق سلام دائم وبمشاركة سياسية فاعلة من جميع الأطراف في اليمن الشقيق من أبرز تلك العوامل: طبيعة التركيبة السياسية والاجتماعية في اليمن، والدعم المباشر وغير المباشر للحوثي من القوى الغربية، والدعم السياسي والعسكري المباشر للحوثيين من إيران، بجانب سيطرة مليشيات الحوثي العسكرية القمعية على أجزاء من اليمن، وسياساتها الطائفية التي لا تسمح بأي صوت أخر معارض يظهر في البلاد، فضلاً عن الأطماع الجنوبية في الانفصال، والأطماع الإماراتية في يمنين منفصلين والحصول على مكاسب اقتصادية من خلال الاستثمار في موانئ اليمن مثل عدن وجزيرة سقطرى. وعلى الرغم من كل تلك الصعوبات والمعوقات المذكورة فإن المملكة لم تركن للوضع الراهن، بل تواصل جهودها الحثيثة، وتشارك المجتمع الدولي في سبيل حل الأزمة اليمنية.

وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

  • العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة على الأزمة اليمنية وانعكاساتها.
  • التحديات الراهنة لإقرار السلام في اليمن.
  • تصورات مقترحة لحل الأزمة اليمنية.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • التنسيق مع المجلس الرئاسي لدمج جميع المكونات السياسية والقبلية ضمن جولات الحوار والمفاوضات القادمة.
  • ‏‎أهمية طرح جميع السيناريوهات على الطاولة، وإعادة تقييم الموقف من الفرقاء في ضوء الواقع على الأرض، والأخذ بمنهجية الحلول العاجلة ‏‎مع الاستعداد لحلول أخرى متوسطة وطويلة الأجل.
  • حث الحكومة اليمنية لدعم القطاع الإعلامي في اليمن، بشريا وفنيا وماديا، من خلال استقطاب أفضل المذيعين اليمنيين وإنتاج البرامج التحليلية والسياسية بما يخدم الهدف الوطني الواحد.
  • اهمية التمسك بنظام الاقاليم الوارد في مشروع الدستور الجديد الصادر عن الحوار الوطني عام 2014 . بحيث يكون لكل اقليم نوع من الاستقلال الذاتي. بما يكفل توفير حقوق المناطق الجغرافية في الثروة والسلطة.
  • وضع خطة لتقليص تأثيرات القوى الإقليمية والدولية على الأوضاع الداخلية اليمنية بما يحول اليمن لمنصة تهديد للمملكة. وقطع الطريق على الأجندات السياسية المشبوهة التي ترمي للهيمنة على المصالح الاستراتيجية اليمنية، والتأثير على المصالح السعودية في الجوار الجغرافي.
  • وضع خطة متدرجة لإدماج اليمن في عضوية مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حتى قيام حكومة مركزية متماسكة وقوية قادرة على تلبية شروط العضوية الكاملة.
  • التعامل مع مسار السلام في اليمن من خلال مقاربة أمنية وسياسية واسعة تراعي المصالح الوطنية العليا للمملكة واليمن وتستجيب لــ :
    • مخاوف ومصالح الكتل السكانية الكبيرة في اليمن.
    • تراكم حضور السعودية في الاوساط والتيارات الشعبية.
    • تدعيم صورة السعودية كسند وحليف موثوق.
  • أن تشمل المعالجات الاقتصادية في اتفاق توسيع الهدنة إجراءات وخطوات لتدعيم العملة الوطنية في مناطق السلطة الشرعية وتحسين مستوى الخدمات، مع الاستمرار في تقديم الإعانات الإنسانية من قبل برنامج الملك سلمان.
  • تدعيم موقف مجلس القيادة الرئاسي والعمل على تماسكه وتحييده عن اية رتدادات سلبية لتعثر المفاوضات مع الحوثين، وخاصة ما يتعلق بموقف مكون المجلس الانتقالي والأعضاء المتعاطفين معه داخل المجلس.
  • تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني في البلدين للقيام بدور سياسي وفكري وثقافي واجتماعي يدفع لتطوير علاقات البلدين ويعزز الفهم المتبادل بين الشعبين والدولتين.

 

  • الورقة الرئيسة: د. ناصر محمد علي الطويل

مقدمة:

أدى تتابع الجهود التي بذلتها المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان منذ إعلان الرياض لمبادرتها حول إنهاء الحرب باليمن في 22 مارس 2021، إلى مراكمة جملة من التطورات الهادفة إلى تمديد وتوسيع الهدنة غير الرسمية، والدفع نحو تسوية سياسية قد تفضي إلى إنهاء الحرب وبناء السلام في اليمن، ومع هذا فإن حدود تلك التطورات، والمآلات التي ستنتهي إليها غير معروفة على وجه اليقين.

هذه الورقة الموجزة ترصد أبرز التطورات في مسار التسوية السياسية وإحلال السلام في اليمن في ضوء الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية والوساطة التي تقوم بها سلطنة عُمان.

أولاً: مؤشرات التطور:

أفضت الجهود التي بذلتها المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان خلال المرحلة الماضية إلى جملة من الخطوات في مسار إنهاء الحرب وبناء تسوية سياسية شاملة، وبالرغم من أن تلك الخطوات لا تزال بحاجة إلى مراكمة، فضلا عن قوة دفع إضافية تمكنها من تجاوز ما يعترضها من صعوبات وتحديات، إلا إنه من المهم رصدها وابرازها، لما لها من أهمية في المسار الطويل لبناء السلام والأمن في اليمن والمنطقة، ومن هذه المؤشرات:

  • إقرار الحوثيين الضمني بدور السعودية كوسيط

كشفت زيارة الوفد الحوثي للرياض في شهر سبتمبر الفائت (2023م) عن تجاوز واحدة من العقد التي كانت تعترض مسار المفاوضات بين الطرفين، ونقصد بها التحفظات العلنية التي كان يُبديها الحوثيون حول طبيعة الدور السعودي خلال المرحلة الراهنة، إذ كانوا يرفضون القبول بدور السعودية كوسيط، وقد رأينا كيف أن تصريح السفير السعودي باليمن “محمد آل جابر” أثناء ترأسه للوفد السعودي الذي كان في زيارة لصنعاء والذي أوضح فيه “أن هدف زيارته تثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار .. وبحث سبل الحوار بين المكونات اليمنية للوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام في اليمن1.” أثار لغطا كبيرا في أوساط الحوثيين، واستدعى الكثير من التصريحات التي ترفض التعاطي مع الموقف السعودي على هذا النحو.

لكن اعتراض الحوثيين تجاه هذا الأمر بدا خافتا ومتواريا أثناء زيارة وفدهم إلى الرياض، وهو ما يُشيء إلى تسليمهم الضمني بهذا الدور وقبولهم به، وهو ما يعنى تجاوز واحدة من أهم العقد في المفاوضات، وفتح آفاق أوسع للدور السعودي في المرحلة القادمة.

  • فرض التصور السعودي للتسوية

إذ يلحظ المراقب وجود تدافع بين ما يمكن أن نسميه بالمسار السعودي للتسوية السياسية في اليمن وبين المسار الذي يقوده المبعوث الدولي ومن خلفه الدول الأوروبية والولايات والمتحدة، وقد تمكنت السعودية من خلال خطوات كثيرة، ومنها المفاوضات المباشرة مع الحوثيين من فرض المسار الذي تراه لإنهاء الحرب وصولاً إلى تسوية سياسية شاملة، وقد لاقى هذا الأمر قبولا لدى جماعة الحوثي فهي تحرص على التفاهم المباشر مع السعودية وتدرك أهميته، وهذا ما يعني أن الرياض هي صاحبة اليد العليا في هذا المسار.

وبطبيعة الحال فإن هذا لا يعني استبعاد أي دور لبقية الأطراف الدولية الأخرى بما فيها المبعوث الأممي، لكنه يشير إلى أن هذا الدور سيكون متماشيا مع التصور السعودي، بل وفي الغالب سيكون في حدود ما ترسمه الرياض.

قيادة السعودية لمسار التسوية السياسية في اليمن ينطوي على عدد من الأبعاد الإيجابية، ومنها:

  • أن السعودية هي المعنية أكثر من غيرها باستقرار وأمن اليمن، كما أنها الأكثر قدرة على توفير متطلبات التسوية والاستقرار خاصة في الجوانب الاقتصادية والتنموية، ويأتي هذا متسقا مع الرؤية التي أعلن عنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والتي تربط بين الأمن في المملكة والأمن في اليمن فضلا عن بقية المنطقة، فقد شدد على أن تحقيق التقدم والازدهار في السعودية “يعني أننا بحاجة إلى منطقة مستقرة. ولكي تكون هناك منطقة مستقرة، فأنت تحتاج إلى تنمية اقتصادية في المنطقة بأكملها. لا تريد أن ترى مشاكل في اليمن”، ولهذا شدد على أن “هدفنا منذ اليوم الأول هو أن تكون هناك حياة طيبة لليمنيين، … نريد زيادة ذلك، ونريد أن نبدأ الاستثمار في اليمن اقتصادياً وفي كافة المجالات. نحن نقوم بذلك حتى لو كان هناك وقف لإطلاق النار، فإنه لا يوجد اتفاق سياسي حتى الآن، ولكن نحاول الدفع في كل المجالات إلى الأمام يوماً بعد يوم2، ويأتي أيضا منسجماً مع الرؤية العامة لولي العهد السعودي لمنطقة الشرق الأوسط والتي “يجب أن تكون منطقة مستقرة، وتنعم وكافة دولها بالأمن والاستقرار لتتقدم اقتصادياً3،
  • إن اشراف السعودية على مسار التسوية في اليمن يجنبها (أي التسوية) تضارب التصورات الناتجة عن تضارب الدوافع والمصالح التي تحرك الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة. ومع هذا فإنه يخلق توجس لدى عدد من الأطراف الإقليمية والدولية، وقد يدفع بعضها بصورة أو بأخرى لإعاقة الجهود التي تبذلها الرياض في محاولة لإفشال إشراف السعودية على الملف اليمني وانفرادها به.

 

  • التحييد الجزئي للمؤثرات الإقليمية السلبية

فقد أدى عودة العلاقات بين السعودية وإيران، وحالة خفض التصعيد التي تشهدها المنطقة بشكل عام إلى التخفيف من التأثير السلبي للاستقطابات والأجندة الإقليمية المتضاربة وخاصة إيران، والتي بات دورها أكثر تقييدا بفعل حرصها على تحسين علاقتها مع المملكة، ووجود الضمانات الصينية.

  • قطع شوط كبير في مناقشة قضايا التسوية

فعلى الأرجح أن المفاوضات بين السعودية والحوثيين قد تمكنت من مناقشة عدد من القضايا ذات الاهمية في مسار التسوية، وبناء تفاهمات حولها بعضِ منها، والاقتراب كثيرا حول البعض الآخر، وهذا ما أشار له بيان وزارة الخارجية السعودية عقب زيارة وفد الحوثيين الأخيرة للرياض من أن اجتماع فريق التواصل والتنسيق السعودي مع الحوثيين “توصل إلى العديد من الأفكار والخيارات لتطوير خريطة طريق تتوافق عليها الأطراف اليمنية كافة”4. وأبدى الحوثيون ذات الموقف فقد أكد الناطق باسمهم “محمد عبد السلام” من أن وفد الحوثيين “أجرى في الرياض لقاءات مكثفة مع الجانب السعودي، ناقش فيها بعض الخيارات والبدائل لتجاوز قضايا الخلاف التي وقفت عندها الجولة السابقة5.”

  • كسر الحواجز النفسية

فقد أدت اللقاءات العلنية بين كل من: فريق التواصل والتنسيق السعودي، والحوثيين إلى كسر الحواجز النفسية التي كانت تُمثل أحد العوائق أمام مسار التسوية، خاصة لدى أتباع الحوثيين، بسبب حالة الشحن والتعبئة الكثيفة والمغلوطة التي كانوا يتعرضون لها مقرونة بادعاءات دينية وتحريفات تاريخية وشطحات سياسية، كما أن تلك اللقاءات، والمفاوضات عموما أسهمت في بناء قدر يسير من الثقة، ومع الإقرار بأن مستوى الثقة لازال ضعيفاً وهشاً، إلا أن شيئا ما منه قد تم تحقيقه، ووجد له انعكاس في الخطاب السياسي لدى الحوثيين.

ثانياً: ما الذي يحدد مستوى التطور في مسار السلام؟

ومع ذلك فإن مستوى ما يمكن إنجازه في مسار التسوية الشاملة، والمدى الذي يمكن أن يصل إليه يبقى مرهون بعدد من المحددات، نتوقف عند أهمها:

  • وضع الحوثيين وسلوكهم تجاه السلام

“فـالمشروع السياسي والفكري للحوثيين” يُمثل المعضلة الأكبر في مسار إنهاء الحرب وبناء تسوية سياسية تفضي إلى سلام دائم في اليمن، وإلى جانبه فإن الانقسامات الداخلية التي يعاني منها الحوثيين، وعلاقاتهم المتوترة مع السكان في مناطق سيطرتهم، توفر تحديات إضافية لمسار التسوية وإمكانية بناء السلام في اليمن، إذ أن هذه الأمور – وغيرها – تؤثر في موقفهم من إنهاء الحرب والانخراط في مفاوضات جادة تنتج تسوية شاملة وتنتقل بالبلاد إلى حالة من التماسك والاستقرار.

وحقيقة، فإن بناء سلام دائم وشامل في اليمن والمنطقة يظل أمراُ بعيد المنال في ظل بقاء المشروع الفكري والسياسي للحوثيين دون تغيير، ولا يتوقع أن يحدث تحول في هذا المشروع ما لم يتم كسرهم عسكريا6، وبدوره، فإن التوتر المتصاعد بين الحوثيين والسكان في مناطق سيطرتهم يوفر الكثير من الضغوط على الحوثيين، وتدفعهم نحو الانخراط في المفاوضات أملا منهم في تحميل السلطة الشرعية أو السعودية أو الطرفين معا الموازنة الخاصة بمرتبات الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرتهم بما يخفف السخط الشعبي المتنامي ضدهم.

أما الانقسام الداخلي، فإنه ذو أثر مزدوج، فهو من ناحية يضعف الحوثيين وهذا الأمر يجعلهم أكثر تعاطيا مع المفاوضات، وهو من ناحية أخرى يجعل قضايا التسوية موضوعاً للمزايدة بينهم بما يعيق أي جهود تبذلها الرياض أو غيرها.

فأثناء زيارة الوفود السعودي إلى صنعاء في شهر ابريل الماضي (2023) استغل جناح من الحوثيين تصريح سفير المملكة “محمد آل جابر” الذي سبق الإشارة إليه، للتحريض ضد مسار التسوية والسلام، وحدث نفس الأمر بعد زيارة الوفد الحوثي إلى الرياض، وما أنبنى عليه من تفاهمات وأجواء ايجابية، فقد تعرض موقع عسكري لقوات التحالف في الحدود السعودية مع اليمن لضربات أدت إلى مقتل عدد من الضباط والجنود البحرينيين وقد فُسر هذا الأمر على أنه سعي جناح داخل الحوثيين لإفساد التفاهمات التي تم التوصل بخصوصها مع السعودية.

  • التطورات الإقليمية والدولية:

تبقى اليمن بفعل بُنيتها السياسية والمجتمعية الهشة والمنقسمة ومواردها المحدودة منطقة رخوة، وهي لهذا تعد من أكثر المناطق انفتاحا على الاستقطابات الإقليمية وتأثرا بها، وغالبا ما تكون استجابتها لحالة تصاعد الاستقطاب أكثر بكثير من حالة استجابتها لحالة خفض التصعيد بين الأطراف الإقليمية الفاعلة.

ومع محدودية تأثيرها، فإن حالة خفض التصعيد التي تشهدها المنطقة في الفترة الأخيرة توفر فرصة أكبر لإمكانية نجاح الجهود السعودية والعمانية المعنية بإنهاء الحرب وبناء السلام في اليمن.

ومع هذا فإن حالة الاضطراب التي تعاني منها المنطقة وإمكانية التبدل السريع في العلاقات والتوجهات، فضلا عن سياسات القوى الدولية وتشابكها مع الفاعلين الإقليميين والمحليين يجعل من البيئة الإقليمية بيئة مضطربة، وهي سريعا ما تترك تداعياتها السلبية على مآلات الجهود السعودية والمساعي العُمانية.

ومن ذلك أن الحرب في غزة قد تعرض المنطقة لموجة كبيرة من الاضطراب، وقد تدخلها في مسارات من الاستقطابات المربكة، وربما تؤدي إلى تآكل محصلة الجهود التي راكمتها الرياض لدفع الحوثيين واليمن نحو مسار للسلم، وقد تدفع القضية اليمنية مجددا نحو الحرب.

وحتى الآن يمكن القول بأن تبني الحوثيين لإطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار باتجاه إسرائيل قد يؤخر – في أحسن الأحوال- مسار المفاوضات بين الحوثيين والمملكة والحكومة الشرعية اليمنية، ولكن الوضع سيختلف كثيرا إذا ما استهدف الحوثيون سُفن أو أهداف عسكرية تابعة لإسرائيل أو الولايات المتحدة في المياه البحرية جنوب البحر الأحمر، إذ من شأن هذا التطور أن يُشعل النار في المنطقة، وقد يدفع باليمن إلى مسار من التعقيد تكون فرص الحرب فيه أكبر من فرص السلام.

التعقيبات:

  • التعقيب الأول: أ. سليمان العقيلي

مقدمة:

  في 14 سبتمبر الماضي وصل وفد وفريق من الدبلوماسيين العمانيين إلى الرياض لإجراء محادثات حول حل النزاع في اليمن، مما يشكل أعلى مستوى من المفاوضات الرسمية بين المملكة والحوثيين على الأراضي السعودية منذ بدء الحرب الأهلية في اليمن قبل تسع سنوات.

وفي 20 سبتمبر رحب بيان لوزارة الخارجية السعودية بما أسماه “النتائج الإيجابية للنقاشات الجادة بشأن التوصل إلى خارطة طريق لدعم مسار السلام في اليمن، التي عقدها فريق التواصل والتنسيق السعودي برئاسة سفير خادم الحرمين الشريفين لدى اليمن محمد بن سعيد آل جابر، بمشاركة الأشقاء في سلطنة عمان مع وفد صنعاء، برئاسة محمد عبدالسلام في الرياض”. وفق نص البيان.

وتعبير وفد صنعاء استخدمته المملكة ممثلة في وزارة الخارجية وحساب سمو وزير الدفاع على منصة اكس ووكالة الأنباء السعودية لأول مرة في خطوة جادة لإضفاء الشرعية على الحوار مع الوفد الحوثي على ما يبدو.

وبالإضافة إلى العبارات الصريحة من الخارجية السعودية حول “النتائج الإيجابية” و”النقاشات الجادة” مع “وفد صنعاء” عبّر البيان بوضوح عن النوايا السعودية المستقبلية، عندما أشاد بمضامين لقاء سمو الأمير خالد مع الوفد وتأكيدات سموه لمواقف المملكة تجاه اليمن. ومنها حرص المملكة على تشجيع الأطراف اليمنية للجلوس على طاولة الجوار للتوصل إلى حل سياسي شامل ودائم في اليمن تحت إشراف الأمم المتحدة.

وهذا يؤكد أن المملكة لا تتفاوض مع الحوثيين حول الحل النهائي ولا تنوي فرض تسوية معينة على اليمنيين.

وجاءت هذه التطورات في محادثات الرياض بعد توقف دام خمسة أشهر منذ الجولة الأخيرة من المفاوضات السعودية الحوثية في صنعاء خلال إبريل / رمضان التي قادها السفير السعودي لدى اليمن محمد ال جابر مع وساطة عمانية. بعد نحو شهر واحد من المصالحة السعودية الإيرانية في بكين.

ويرى المراقبون أن محادثات الرياض الأخيرة تقدم المزيد من الأمل في هدنة مستدامة بين الحوثيين والمملكة ونحو إرساء أجواء الثقة، وهو ما سيكون ضرورياً لمسار سلام دائم في اليمن.

لكن المخاوف لا تزال قائمة من أن أي اتفاق سلام نهائي لا يلبي طموحات الطرفين أو أحدهما، وفي ظل خروج المملكة المتوقع من المشهد ربما يؤدي إلى صراع مدمر مع تجدد الحرب بين الحوثيين والفصائل اليمنية الأخرى.

عقبات إجراءات الثقة:

حاولت المملكة في مفاوضتها مع الحوثيين تعبيد الطريق للوصول إلى طاولة مفاوضات مستديرة تشارك فيها جميع الأطراف المنخرطة في الصراع.

وقد حرصت المملكة على تطبيع الأوضاع لتحسين بيئة التفاوض ولتخفيف الأزمة الإنسانية عبر عدة إجراءات منها تسهيل تبادل الأسرى وفك الحصار عن تعز وفتح الطرقات وتطبيق اتفاق ستوكهولم فيما يتعلق بتحويل عائدات ميناء الحديدة إلى البنك المركزي.

لكن الحوثيين كان لهم أيضاً مطالب مماثلة تسببت في تعقيد النقاش في مفاوضات صنعاء وربما تم التغلب عليها لاحقاً في الرياض وهي:

  • دفع رواتب موظفي القطاع العام في الشمال الذي يسيطرون عليه، لكن خصومهم في الحكومة قلقون من أن الأموال ستمول آلة الحرب الحوثية.
  • المطالبة بتوزيع عائدات النفط والغاز. ليحصل الحوثيون على نسبة منها. وقد سبق أن قصفوا بالصواريخ والمسيرات ميناء التصدير في حضرموت، وتوقف التصدير بعدها. وهددوا بأنهم لن يسمحوا بتصدير النفط والغاز حتى يؤخذ بمطالبهم.
  • السماح بإعادة فتح مطار صنعاء الدولي دون قيود، ورفع الرقابة عن الموانئ البحرية وتفتيش السفن.
  • المسألة الأخيرة مطالب الحوثيين بالوصول إلى البنك المركزي اليمني في عدن. وقد ذكرت التقارير أن المحادثات تناولت كيفية إعادة توحيد البنك المركزي.

آفاق الحوار اليمني اليمني:

من المحتمل أن جولة المفاوضات الرسمية الثانية بين المملكة والحوثيين خلال سبتمبر/أيلول الماضي قد حسمت معظم قضايا الخلاف، وترجع المصادر عقد جولة ثالثة، يتم خلالها الاتفاق على التفاصيل النهائية، تمهيداً لبدء المفاوضات المباشرة بين الطرفين اليمنيين على اتفاق الهدنة.

وفيما يبدو أن الوساطة السعودية العمانية قد استطاعت تهيئة الأرضية المناسبة للمضي صوب تلك النتائج المتوخاة، على الأقل إقرار اتفاق هدنة طويلة وشاملة. يؤكد ذلك لقاء سمو وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان برئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي معظم أعضاء المجلس. وعادة لا يكون لقاء سموه مع رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي إلا لاطلاعهم على ما تم مع جماعة الحوثيين ومن ثم موافقتهم على الخطوات التالية، كما سبق وكان قبل بدء المفاوضات الرسمية مع الحوثيين في صنعاء ما بين 8-13 إبريل الماضي. وفي تدوينة لسمو الأمير على منصة (إكس) أوضح أنه بحث مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي “آخر تطورات ومستجاد الشأن اليمني والجهود المشتركة لدعم مسار السلام وأكدت تشجيع الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي شامل ودائم تحت إشراف الأمم المتحدة، يًنهي الأزمة اليمنية ويحقق الأمن والسلام والتنمية لليمن وشعبه الشقيق”. ووفقاً لمصادر رسمية يمنية فقد بحث اللقاء ترتيبات بدء المفاوضات المباشرة بين الحكومة والحوثيين عقب توصل المملكة مع الجماعة إلى شبه اتفاق على ما يعرف بإجراءات بناء الثقة، والمتعلقة بصرف مرتبات الموظفين العموميين في مناطق سيطرة الجماعة، ورفع القيود على مطار صنعاء وميناء الحديدة، والاتفاق على آلية لإطلاق الأسرى وفتح الطرقات مقابل ما تشترطه الحكومة وبخاصة استئناف تصدير النفط في مناطق نفوذها.

وشهدت الرياض مؤخراً اجتماعات متوالية لمجلس القيادة الرئاسي اليمني، أفضت – على ما تسرب – إلى حسم الخلاف حول تشكيل الفريق التفاوضي للحكومة المعترف بها في مشاورات السلام مع (الحوثيين).

ومن الواضح أن الرياض حققت اختراقاً هاماً في كسر الجمود على الساحة اليمنية. واقنعت بدبلوماسيتها الصبورة مختلف الأطراف على انتهاج سياسة واقعية. ومن هذه المنجزات إقناع المملكة للحوثيين بدور المملكة كوسيط ودفعهم إلى طاولة المفاوضات مع شركائهم في الوطن، ومن جهة أخرى إقناع المملكة أطراف الحكومة عل الوصول إلى تشكيل وفد تفاوضي موحد وتجاوز اعتراضات المجلس الانتقالي الذي كان يصر على تمثيل الجنوب بوفد منفرد.

الانعكاسات اليمنية لحرب غزة:

لطالما استثمرت إيران وفصائلها وأحزابها الولائية في الأزمات والصراعات والحروب، ونذكر في هذا الصدد أن الحشد الشعبي تشكل على ضوء أزمة داعش واندفاعها داخل الأراضي العراقية، كما تشكلت ميليشيات طائفية من سوريا والعراق وأفغانستان وباكستان في سوريا خلال الحرب الأهلية بزعم الدفاع عن مرقد السيدة زينب، وفي اليمن سيطر الحوثيون على صنعاء في سبتمبر 2014 أثناء مرحلة سياسية انتقالية غير مستقرة أعقبت ما سمي ثورة الشباب.

واليوم تحاول مليشيات الحوثي المشاركة في حرب غزة رغم بعدها عن موقع الصراع بما لا يقل عن 1800 كم في تجسيد لما يسمى وحدة الساحات لمحور المقاومة.

في الواقع أن هذا المحور لم ينخرط بصورة حقيقية في الحرب إنما يناوش من بعيد لإثبات الوجود وقطف بعض المكاسب بغض النظر عن نتائج الحرب.

وفيما يتعلق بالحوثيين تسعى الجماعة في إطلاقها الصواريخ والمسيرات على ميناء إيلات الإسرائيلي والتي لم تبلغ مقاصدها قط إلى تحقيق أهداف منها:

  • السعي إلى إضفاء الشرعية الداخلية والخارجية على الجماعة المفتقدة للشرعية. وهي وسيلة تاريخية لطالما توسلتها الأنظمة العربية والجماعات السياسية لاكتساب الشرعية الشعبية.
  • محاولة تحويل شعار الصرخة المفتقد للمصداقية (الموت لأمريكا والموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام) إلى ممارسة واقعية.
  • استغلال حرب غزة لتحصيل الأموال والتبرعات الشعبية للجماعة تحت عنوان دعم المجهود الحربي.
  • ترهيب الخصوم السياسيين في اليمن بقدرات قوة الجماعة التي تصل إلى إسرائيل. مما يوفر ورقة ضغط إضافية على طاولة المفاوضات.

وبناء عل خبرة المراقبين في رصد الأسلوب الإيراني لتثمير الصراعات. من المحتمل أن تدفع حرب غزة الحوثي لمزيد من التسويف والمماطلة. لكن الاستحقاق اليمني بالحوار والسلام قادم طال الوقت أم قصر.

 

  • التعقيب الثاني: د. سعيد صالح الغامدي

تعقيا على الورقة الرئيسة من د. ناصر محمد علي الطويل، والتي ناقش فيها فرص السلام القادمة في اليمن في ضوء الوساطة السعودية العمانية وفي ضوء المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة، وعلى الرغم من الطرح الذي قدمه ورؤيته عن كسر الحاجز النفسي والقبول بالمفاوضات وإقرار الحوثيين الضمني بدور السعودية كوسيط في الأزمة اليمنية، وأن هناك شوطا كبيرا تم قطعة في سبيل مناقشة قضايا التسوية النهائية في اليمن، إلا أن هناك عدد من العوامل التي قد لا تساعد في تحقيق الرغبة الصادقة للمملكة العربية السعودية، وشركائها، في تحقيق سلام دائم وبمشاركة سياسية فاعلة من جميع الأطراف في اليمن الشقيق. تلك العوامل تتمثل فيما يلي:

  1. طبيعة التركيبة السياسية والاجتماعية في اليمن. تبقى اليمن بفعل ما تتسم به بٌنيتها السياسية والمجتمعية من انقسامات إلى جانب محدودية الموارد الاقتصادية منطقة رخوة. وبنظرة فاحصة إلى التاريخ اليمني القديم والحديث نجد، وللأسف الشديد، تجسد هذه الحقيقة الصعبة على أرض الواقع اليمني. حيث تعد اليمن من أكثر الدول انفتاحا على الاستقطابات الإقليمية والدولية، وتأثرا بها، سواء كان ذلك قبل أو أثناء الوحدة اليمنية أو بعد اندلاع الصراع الراهن. وفي الغالب تكون استجابتها لحالة تصاعد الاستقطاب أكثر بكثير من حالة خفض التصعيد بين الأطراف الإقليمية الفاعلة، اعتمادا على قوة ونفوذ تلك الأطراف.
  2. الدعم المباشر وغير المباشر للحوثي من القوى الغربية. فالمتابع للأزمة اليمنية يرى كيف أن بعض الدول الغربية مثل (الولايات المتحدة، وبريطانيا وفرنسا) ومنذ اجتياح ميليشيات الحوثي للعاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، واستيلائهم على ميناء الحديدة في أكتوبر 2014، ومحاصرة القصر الرئاسي في صنعاء، ومحاصرة مقر إقامة الرئيس عبد ربه منصور هادي، قبل لجوئه إلى عدن، يرى أن تلك القوى توافق ضمنيا على ما قامت به المليشيات. كما أن تلك القوى النافذة منعت وحدات الجيش اليمني من الدخول إلى صنعاء والحديدة، بعد أن كانت قواته على مسافة قريبة جدا من الاستيلاء عليهما، كما تم إيقاف تقدمه في الساحل الغربي، بحجج واهية، ومنها البدء بمفاوضات سلام بين المتحاربين. وبالفعل ففي ديسمبر 2018م، بدأت محادثات سلام، برعاية الأمم المتحدة بين الأطراف اليمنية المتنازعة في العاصمة السويدية ستوكهولم، وأسفرت عن اتفاق لوقف إطلاق النار في مدينة الحديدة وتبادل الأسرى وتفاهمات حول محافظة تعز7. ولكن العجيب، أنه وبعد كل تلك المفاوضات، وما سبقها، نجد أن الميليشيات الحوثية تعود أكثر تسليحا وأكثر سيطرة على الأرض بينما لا يتحقق ذلك للحكومة الشرعية أو لقواتها.
  3. الدعم السياسي والعسكري المباشر للحوثيين من إيران. فقد كانت إيران، ولا زالت إلى هذا اليوم، الداعم الرئيس لميليشيات الحوثي في اليمن، تمثل ذلك في الدعم المالي المباشر، والدعم الاستشاري من خلال إرسال ضباط وخبراء إيرانيين وعناصر ميليشيات حزب الله اللبنانية وغيرها، وكذلك تزويد المتمردين بالصواريخ الباليستية والمسيرات في انتهاك صريح لقرار مجلس الأمن رقم 2216. وقد أكد الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، في كلمة له في 10 ديسمبر 2017م، على استمرار التدخل العسكري الإيراني عن طريق دعم ميليشياته في اليمن، على غرار التدخل الذي يقوم به الحرس الثوري، بدعم ما أطلق عليهم “مقاتلي محور المقاومة” في العراق وسوريا ولبنان”، حسب تعبيره. وأكد روحاني في كلمته التي ألقاها أمام مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني وبثها التلفزيون الإيراني، على استمرار دعم ميليشيات إيران في المنطقة واليمن، قائلا: “أقبل أبادي مقاتلي المقاومة الذين زرعوا البأس في قلوب الاستكبار العالمي والصهيونية، إنهم نشروا الأمن في ربوع العراق وسوريا ولبنان وسينعم اليمن بالأمن أيضا”8. لذلك وعلى الرغم من الاتفاق السعودي الإيراني الأخير برعاية الصين، إلا أن الأطماع الإيرانية وسوء النية تجاه المملكة لا زالت قائمة، وتمثلت في استمرار دعمها للمليشيات الحوثية إلى يومنا هذا، ونتيجة لذلك الدعم نرى استمرار الاعتداءات الحوثية على الأراضي السعودية وقتل عدد من الجنود السعوديين خلال الشهر الأخير على الرغم من التفاهمات والاتفاقات الأخيرة مع إيران ومع الحوثيين أنفسهم.
  4. سيطرة ميليشيات الحوثي العسكرية القمعية على أجزاء من اليمن، وسياساتها الطائفية التي لا تسمح بأي صوت أخر معارض يظهر في البلاد. والمتابع للشأن اليمني يرى أن مليشيات الحوثي لا تريد حلا سياسيا ينهي سيطرتها على اليمن وتحكمها فيه؛ لأن الشراكة السياسية الوطنية وإنهاء الحرب في اليمن سيكبِّدها خسائر كبيرة، وفقا لمصالحها ككيان طائفي عنصري يحقق الكثير من الأرباح بعيدا عن المصالح الوطنية. فهي تبحث عن إيجاد آلية فقط لصرف رواتب الموظفين بما يدر عليها أموالا، وبما يهدِّئ حالة الغليان والاحتقان الشعبي في مناطق سيطرتها. وقد اتضح ذلك جليا فيما ذكره المسؤول السياسي في الحركة، محمد علي الحوثي، في منشور على مواقع “إكس” تويتر سابقا ” أن الحوار مع السعودية سيشمل مناقشة الملف الإنساني المتمثل في “صرف مرتبات الموظفين اليمنيين وفتح المطارات والموانئ والإفراج عن كافة الأسرى والمعتقلين وإعادة الأعمار وصولا إلى الحل السياسي الشامل”
  5. الأطماع الجنوبية في الانفصال، ويمثلها المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي. ففي شهر مايو 2023 م، عقد المجلس الانتقالي فعاليات الحوار الجنوبي في مديرية خور مكسر شرقي مدينة عدن، العاصمة المؤقتة، وشارك في الحوار نحو 280 شخصية جنوبية حسبما أعلنت اللجنة المنظمة. وشهد الاجتماع حضور شخصيات من بينها وزير الدفاع السابق اللواء محمود الصبيحي الذي أُفرج عنه مؤخرا من سجون الحوثيين. وتم في ذلك الحوار توقيع وثيقة “الميثاق الوطني الجنوبي” الذي وحّد الفصائل الجنوبية، ومثل توافقا سياسيا ورؤية موحدة وداعمة لعودة الأوضاع إلى ما قبل تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990. أي أن المجلس والذي يضم 37 مكونا وفصيلا وهيئة، ممن وقعوا على “الميثاق الوطني” يسعى إلى الوصول إلى رؤية موحدة بشأن المطالبة بانفصال الجنوب. وبذلك يمثل المجلس الانتقالي قوة رئيسية في الساحة الجنوبية، ويمتلك الأدوات السياسية لاستعادة الدولة الجنوبية مع شركائه الجدد10.
  6. الأطماع الإماراتية في يمنين منفصلين والحصول على مكاسب اقتصادية من خلال الاستثمار في موانئ اليمن مثل عدن وجزيرة سقطرى. فالإمارات العربية المتحدة تدعم وبقوة المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يعمل على انفصال اليمن الجنوبي، وقدمت له الدعم السياسي والعسكري، والذين تمكن من خلالهما من تشكيل عدد من الفرق العسكرية في مختلف مناطق الجنوب لتحقيق هذه الهدف. ورغم أن الإمارات أنهت إلى حد كبير وجودها العسكري على الأرض اليمنية في عام 2019، إلا أنها تواصل تأثيرها على مناطق الجنوب اليمني من خلال السيطرة على القوات اليمنية التي سلحتها ودربتها ومنها ألوية العمالقة العسكرية11. كما أن المتابع للتغطية الإعلامية الإماراتية يرى إبراز السيد عيدروس الزبيدي، رئيس هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، والذي اختير عضوا في مجلس القيادة الرئاسي في 7 أبريل 2022، بمسمى الرئيس، وانتشار المساحات والحسابات على منصة اكس تدافع عن انفصال الجنوب، وتشيد به كرئيس قادم في جنوب اليمن. ومن جانب أخر تسعي الإمارات، ومنذ سنوات، إلى تجنيس أبناء جزيرة سقطرى، على اعتبار أن لهم صلة قرابة مع أهالي إمارة عجمان. ففي مقابلة في محطة BBC وجهت مقدمة البرنامج سؤالا لعيدروس الزبيدي قالت بأن هناك من يتحدث من الإمارات عن تجنيس الإمارات لأبناء سقطرى على اعتبار تمتعهم بصلة قرابة مع أهالي إمارة عجمان ما رأيك؟ وجاء رد الزبيدي لها بالقول “ولله هناك شراكة تاريخية ونحن في الجزيرة العربية قبائل متماسكة لو تجي تدرسي التاريخ العربي ستجدين أننا قبائل متماسكة ومنتشرة في أرجاء الجزيرة العربية من العراق إلى الشام وما عندنا مشكلة.. ومن يريد أن يحمل الجنسية الإماراتية محد بيغصبه ممكن يحمل الجنسية أيش، فقاطعته مقدمة البرنامج وقالت له: لا مانع لديك في هذا..!! ورد عليها الزبيدي بالقول “هذا حقه الشخصي نحن ما نجبر أحد يتمسك بشيء أهم شيء الهوية العربية موجودة ما عندنا مشكلة”12. وتأكيدا لهذا التوجه قال متحدث إماراتي أثناء لقائه في إمارة عجمان مع شيوخ يمنيين ومواطنين من جزيرة سقطرى اليمنية “أؤكد لكم أن أهل سقطرى سيكونون جزءا من الإمارات ويستحقون الجنسية بدون طلب، لأن بيننا وبينهم منذ زمن قديم ملاحم وتاريخا”.13
  7. ضعف وهشاشة مجلس القيادة الرئاسي اليمني. يرى الكثير من اليمنيين أن المجلس الرئاسي ليس له تأثير على الأرض بأي شكل من الأشكال، ولم يتخذ الإجراءات الفاعلة لمحاوله إنهاء الأزمة اليمنية، فهناك قصور واضح في المواقف السياسية، وضعف تواجدي في الميادين وفي المجالات العسكرية. بمعنى أخر، لا يوجد للمجلس أي تأثير على الأرض بل أصبح مجلسا صوريا، فقد ثقته أمام المواطن اليمني وأمام المجتمع الدولي.
  8. ضعف الأمم المتحدة في اتخاذ قرارات ملزمة للطرف المعتدي، ودليل ذلك عقد عشرات الاجتماعات، وإدارة عشرات اللقاءات بين مليشيات الحوثي والسلطة اليمنية، وتغيير أربعة مبعوثين لليمن (أبن عمر، ولد الشيخ، غريفيث، غرندبرغ) دون نتيجة تذكر، مما يؤكد الانطباع الدائم، وفي مختلف الصراعات الدولية، قديما وحديثا، أن المنظمة الدولية تدير الصراعات فقط، وتعجز عن حلها؟
  9. عدم الرغبة الصادقة من القبائل اليمنية في مقاومة الحوثي في مختلف الجبهات. وقد يعود السبب إلى أن البعض يميل إلى المذهب الزيدي الذي يلتقي مع الحوثي في التفكير الأيديولوجي، أو بسبب الخوف من بطش المليشيات الحوثية وانتقامها منهم بقتلهم أو نسف منازلهم أو التنكيل بهم. وهناك قسم آخر يرى مصلحته في الوقوف مع المليشيات، وقسم يحاول أن يرضي طرفي النزاع حيث ينطبق عليهم المثل الشعبي اليمني (اشتي كبدة كبشي واشتي كبشي يمشي).
  10. اختفاء أصوات الأحزاب اليمنية الأخرى الفاعلة في الميدان مثل حزب الإصلاح ذي الحاضنة الشعبية، وكأنه تماهى مع الحوثي وقبل بالوضع الراهن في اليمن.
  11. التأثير العميق للأوضاع الدولية على الوضع اليمني (الحرب الروسية في أوكرانيا، حرب العدو الصهيوني في غزة) وانشغال الدول الفاعلة في العالم بعيدا عن الأزمة اليمنية بتلك الأزمات الملتهبة.

وعلى الرغم من كل تلك الصعوبات والمعوقات المذكورة فإن المملكة العربية السعودية لم تركن للوضع الراهن، بل تواصل جهودها الحثيثة، وتشارك المجتمع الدولي في سبيل حل الأزمة اليمنية. فالوساطة السعودية العمانية، كما نعلم، تركز على الحل السلمي في اليمن وفقا للمرجعيات الثلاث وهي مخرجات الحوار الوطني اليمني، والمبادرة الخليجية، والقرار الأممي 2216.  كما أن الدور السعودي في هذه الأزمة يتماشى تماما مع التصريحات الرسمية من جانب المملكة بما فيها تصريحات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، الأخيرة لقناة فوكس نيوز، التي تؤكد سعي المملكة العربية السعودية الكبير من أجل حلحلة الأزمة، وتحقيق المصلحة وإقرار الشرعية، ودعم السلام والاستقرار في اليمن. يضاف إلى كل ما سبق، ما تقدمه المملكة من دعم سياسي ومادي متواصلين لمجلس القيادة الرئاسي اليمني، واستضافة الحوثيين في الرياض في شهر سبتمبر الماضي 2023م، ولقاء سمو وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز  مع رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي في 18 أكتوبر 2023، ومواصلة دعم جهود الأمم المتحدة من خلال تسهيل لقاءات المبعوث الأممي، هانس غرندبرغ، مع سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، ورئيس المجلس الرئاسي، والسفير السعودي لدى اليمن، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي في الرياض، يؤكد وقوف المملكة مع اليمن وتشجيع الأطراف اليمنية جميعا بما فيها (ميليشيات الحوثي) على التوصل إلى حل سياسي شامل ومستدام؛ لإنهاء الأزمة اليمنية.

وبعيدا عن الشأن السياسي فإن المملكة تستمر إلى يومنا هذا في دعم اليمن من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية حيث وصل حجم الدعم إلى (14,108,596,728) دولار، لعدد(1139) في مختلف المجالات الصحية والخدمية والتعليمية والاجتماعية والإغاثية في اليمن.14، كما قامت المملكة بتأسيس البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن بناءً على أمر سامي كريم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- في عام 2018م، لوضع الخطط والاحتياجات التنموية الخاصة بالجمهورية اليمنية الشقيقة، وبما يتماشى مع الأهداف العالمية للتنمية المستدامة، وأخذاً بالتجارب الدولية السابقة في التنمية وإعادة الإعمار. وقد بلغت المشاريع التي نفذها البرنامج إلى اليوم (229) مشروعا ومبادرة وبتكلفة (1,089,148,927.85) دولار،  في التعليم والصحة والمياه والطاقة والمشاريع الحكومية والنقل والزراعة والثروة السمكية.15 كما سمحت الحكومة السعودية لأعداد كبيرة من أبناء اليمن بالعمل في المملكة، إذ  يقدر عددهم الإجمالي، وفقا لوزارة شؤون المغتربين اليمنية،  ما بين مليون وأربعمائة الف إلى مليون وخمسمائة الف، علما بأن مجال عمل المغتربين اليمنيين في غالبه ذات طابع (حرفي يدوي – عمالي) وبشكل واسع وفي جميع المهن المتواجدة في سوق العمل السعودي، وهي عمالة في الغالب الأعم غير متعلمة وغير مدربة مهنياً باستثناء نسبة بسيطة منهم من يزاولون مهن ذات طابع تخصصي بل وفيهم من يترأسوها وساعدهم في ذلك تحصيلهم العلمي16.

وبعد كل ذلك كيف يمكن للمملكة العربية السعودية أن ترضى بأن يبقى اليمن في وضع غير مستقر، أو مجال مساومة مع الغرب أو الشرق، وهي تقوم بكل هذه الجهود الكبيرة السياسية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية والإغاثية والإنسانية دعما لليمن وأهله.

وتبقى الحقيقية المرة، أن الوضع القائم في اليمن مقلق ومستقبله غير واضح، وبالتالي فإن المملكة العربية السعودية تريد أن يحل اليمنيون إشكالياتهم بأنفسهم، وتريد أن تبقى وسيطا وليست شريكا فيما يحدث في اليمن. لقد دخلت المملكة إلى اليمن في عام 2015م بدعوة من الرئيس الشرعي لمحاولة مساعدة اليمن في تلك الأزمة، والأمر متروك، الآن، لليمنيين أنفسهم، إن أرادوا إصلاحا فلأنفسهم، وإذا أرادوا غير ذلك فهم المسؤولون عن قراراتهم.  فالمعطيات على الأرض تفرض نفسها في أحيان كثيرة، كما أن الواقع يقول إنه لا يمكن صياغة حل مستدام للنزاع إلا من قِبل اليمنيين أنفسهم، وأن تجتمع الأطراف اليمنية مع آخرين في إطار جامع لبناء مستقبل سلمي مشترك.

  • المداخلات حول القضية
  • العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة على الأزمة اليمنية وانعكاساتها.

تتسم الأزمة اليمنية بالتعقيد وتداخل العوامل الداخلية والخارجية، ويعزي ذلك إلى ما يلي:

  • أولاً: الطبيعة الرخوة للنظام السياسي اليمني وعدم سيطرته المباشرة على عموم البلاد، وتحوله إلى ما يشبه الدولة الفاشلة أدى لإتاحة الفرص للفواعل الإقليمية والدولية للتدخل في الشؤون الداخلية اليمنية.
  • ثانياً: ساعد في السبب الأول ونتج عنه ثقافة الساسة اليمنيين الذين يعتبرون استثمار الفواعل الخارجية مسألة تتعلق بذكاء اليمني وقدرته على استغلال العامل الخارجي لخدمة مصالحه السياسية والمادية! فيما يرى كثيرون أن هذه نقطة ضعف في السياسة اليمنية عندما تقدم المصالح الشخصية والحزبية على المصالح الوطنية! وبالتالي كانت طبيعة النظام السياسي اليمني التعددية من جهة والمرنة حد السيولة من جهة ثانية والرخوة لحد الاقتراب من الدولة الفاشلة من جهة ثالثة كلها اجتمعت لتوفر لبعض السياسيين والأحزاب السياسية فرصة استثمار الوكيل الخارجي الذي ليس بالضرورة أن يروم مصالح اليمن بل يسعى لمصالحه المتعددة.
  • ثالثاً: السرعة التي أبرمت فيها الوحدة اليمنية استعداداً لنزاعات جيوسياسية لاحقة في الإقليم. دون وضع أسس قوية ومتدرجة لتحولات الدولة الوليدة ونظامها السياسي الذي غدا غير متوازن.
  • رابعاً: لقد كانت المزايا الجيوسياسية للجمهورية اليمنية ومنها موقعه الجغرافي المتمثل بإشرافه على مضيق باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر. وكذلك حدوده الطويلة مع القوة الرئيسية في الجزيرة العربية والشرق الأوسط (السعودية). كلها مثلت مصدر جذب للأطماع الخارجية. للتأثير في الأمن القومي اليمني والأمن الإقليمي وبمقدمته أمن ومصالح المملكة العربية السعودية مركز الثقل الخليجي والعربي والاسلامي.

كل هذه العوامل منفردة ومجتمعة انعكست على وأدت لاحقاً إلى ما يلي:

  • عدم تماسك مفاهيم العقيدة الوطنية للنخبة اليمنية التي كان ينبغي أن تمثل خط الدفاع الأول عن البلاد.
  • الضغط على السيادة اليمنية والأمن القومي لليمن والسلامة الإقليمية بشكل عام.
  • تفجر الأزمات الداخلية ومنها مشكلات العملية الانتخابية التي أدت لتهميش بعض الأقاليم والمحافظات.
  • اندلاع ما سمي (ثورة الشباب) الناتجة عن عدم توازن السلطة إثر الفراغ الذي تركته وفاة الشيخ القبلي رئيس مجلس النواب الشيخ عبدالله حسين الأحمر.
  • استنزاف جهود مجلس التعاون الخليجي الذي كان خير معين لتماسك الدولة اليمنية.

كل ذلك تسبب في خلق الظروف المناسبة لتشكل وبلورة الأزمات الأمنية والسياسية المتطورة وتعقد تفاعلاتها الداخلية والخارجية. سواء تعلق الأمر بمطالب الشباب أو أزمة انقلاب الحوثي أو المطالب التي طرحتها القضية الجنوبية التي وصلت للانفصال وتفرعات وتفاعلات هذه القضايا على الساحات المحلية والإقليمية والدولية.

كل هذه العوامل والأسباب والتداخلات جعلت المراقب ينظر إلى الأزمة اليمنية باعتبارها قضية معقدة وحلها يتطلب وقتاً وصبراً ومجالدة وحكماء وحنكة سياسية.

وثمة وجهات نظر تذهب إلى أن المتغيرات المشار إليها أعلاه متواجدة في الحالة اليمنية منذ سبعينيات القرن الماضي على الأقل في شمال اليمن لكن الحضور السعودي كان له دور كبير في احتوائها وخلق حد أدني من الانسجام بين مختلف المكونات اليمنية وتوجيهها نحو المخاطر التي كانت تتهدد اليمن (الشمالي طبعا) والسعودية على السواء. لكن مع تراجع الخطر الشيوعي في عقد الثمانينات وبعض ممارسات الرئيس الراحل “علي عبدالله صالح” تراجع الحضور السعودي، وتعرض هذا الحضور لما يشبه القطعية على إثر الأزمة التي أعقبت غزو صدام حسين للكويت وما أنتجته من تداعيات سلبية في العلاقة بين الدولتين. وقد وفر التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين قوة دفع جديدة وقد تلمس الملك عبدالله بن عبدالعزيز مسارا ناجعا للتعامل مع الحالة المضطربة في اليمن، مسارا بديلا عن الحضور السعودي في تفاصيل الحياة اليمنية المعقدة والمزعجة ويقصد به وضع اليمن في مسار تدريجي للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي.

هذا المسار هو الأقل عبئا على المملكة والأقدر على توفير حد أدنى من الاستقرار والتماسك في اليمن، ولو أنه تم التسريع في هذا المسار لكان بالإمكان تلافي التطورات المؤسفة التي آلت إليها اليمن ومعه ربما لم نكن في حاجة إلى عاصفة الحزم والتدخل العسكري.  فمعالجة الأوضاع الاقتصادية سيخفف إلى حد كبير من الاستقطابات والاضطرابات الأمنية والسياسية في اليمن، وبإمكانها كذلك أن تحد من تدخلات الأطراف الإقليمية المنافسة.

لكن على الجانب الآخر لا يجب تجاهل أن الغياب الخليجي الذي أتاح للحوثيين التسليح وتسهيل الامدادات من إيران في السنوات السابقة للانقلاب الحوثي بعام 2014 كان مرده إلى ما يلي:

  1. تواطؤ السلطة اليمنية (سلطة صالح) في تسليح الحوثيين. ثم ايقافها جميع الحروب الستة معهم بمحافظة صعدة (منذ 2004) دون أي انجاز أو حل!!! ومع الأسف تم ذلك بمساعدة وبوساطة من إحدى دول الخليج.
  2. صدمة الدوائر الخليجية بالأحداث في العراق (بما في ذلك الغزو الأمريكي، الحرب الطائفية، انفجار داعش ثم استيلائها على ثلث الأراضي العراقية، وأخيراً تمدد عملياتها الإرهابية للمساجد السعودية ومحاولتها خلق فتنة طائفية بالمملكة). لقد كان هناك ما يشبه الاشغال وصرف الأنظار عن ترتيب السيناريوهات في اليمن.!!
  3. ومن ضمن عملية الاشغال والاستنزاف هو إشعال الحروب الأهلية عبر المنطقة العربية بما سمي الربيع العربي. وانشغال الدوائر السياسية والأمنية بتحصين الأمن الداخلي.
  • التحديات الراهنة لإقرار السلام في اليمن.

إن أكبر معضلتين تواجهان السلام والاستقرار في اليمن، هما:

  • المشروع الفكري للحوثيين الذي يسيطر على جزء كبير من مقدرات الدولة بما فيها المقدرات العسكرية وجزء من المكونات القبلية الداعمة، فهذا المشروع هو السبب الرئيسي في الصراع القائم، وهو العامل الذي يمكن أن يعيق أي جهود للسلام، فقد تسبب في تقسيم المجتمع اليمني إلى كتلتين: كتلة مع نظرية الولاية التي يقوم عليها حكم الحوثيين وكتلة أكبر ترفضها وتقاومها ولا تقبل بها، ومن ثم فإن أي حل لا يتضمن كسرا عسكريا يحيد هذا المشروع عن القوة العسكرية ربما لن يكتب له الدوام.
  • المواد الاقتصادية المحدودة، وهي الجذر الأساسي للصراع في اليمن والتي تجعل البيئة اليمنية قلقة وشديدة الاضطراب فهي متغير يساهم بشكل كبير في اذكاء التناقضات الاجتماعية والفكرية والجغرافية والسياسية ويدفعها نحو الصراع، ولذا فإن أي حل للقضية اليمنية يهمل معالجة الوضع الاقتصادي فإنه كذلك لن يكتب له الدوام.

ومن ناحية أخرى فإن الأمية في اليمن تعني أن المشروع الإمامي الذي يمثله الحوثي قد وجد ضالته في بيئة يملؤها “الفقر والجهل والمرض” ومن هذه البيئة استقطب الحوثي الأطفال والمراهقين من مدارسهم ودفع بهم إلى جبهات القتال، وهي الجريمة التي دفعت أعداداً كبيرة من طلاب اليمن للتسرب من التعليم والانخراط في المليشيات المسلحة.  إن المناطق الأقل تعليماً والأكثر جهلاً هي البيئة الخصبة لاستقطاب مقاتلي الحوثي ونشر أفكارهم وخرافتهم، لذلك عمقت من نفوذها في هذه المناطق الموبوءة، واستغلت الجهل المطبق والظروف المعيشية السيئة، وفتحت مدارس خاصة لنشر الأفكار المتطرفة الوافدة (الطائفية/ السلالية) وحشو أدمغة الأطفال بتعبئة مغلوطة وتحريض مستمر. لذا فإن أول خطوات السلام تبدأ من التعليم والاهتمام بمؤسساته ورعايتها… وإن كانت النتائج متأخرة لكنها مضمونة.

وبالتأكيد فإن الشأن اليمني مهم جدا للمملكة العربية السعودية، ووجود يمن مستقر سياسيا واقتصاديا وأمنيا مطلب سعودي بامتياز، والجهود متواصلة لإيجاد ذلك المخرج المناسب للجميع، كما أن المثل يقول (لا بد من صنعاء وإن طال السفر) وقد طالت الرحلة وأصبح الموضوع استنزافا صارخا وواضحا لكل ذي لب، السعودية بثقلها هناك، ولكن هل بقية الأطراف لديها الرغبة والقدرة على الحل، حتى لو كان هناك تنازلات أو تضحيات من أجل يمن واحد مستقر أمن مزدهر؟

ولا يمكن تجاهل التعبئة التي مارسها الحوثي تجاه السعودية في مناطق سيطرته والتي حشد فيها سيل من الخرافات الدينية المغلوطة والأحداث التاريخية المزعومة والمغالطات السياسية والهدف خلق مستوى عال من الضغائن والكراهية وحب الانتقام. لكن تبادل الزيارات العلنية بين فريق التواصل والتنسيق السعودي والحوثيين أفقد تلك التعبية جزء من مصداقيتها لدى أتباعه مع ملاحظة أن هذه التعبئة كان لها ما يسبقها؛ فقد مارس تيار اليسار والقوميين منذ السبعينات في اليمن والمنطقة تعبئة ضد السعودية، ونفس الأمر ولكن بشكل جزئي مارس نظام الرئيس علي عبدالله خاصة في بعض وحدات الجيش، لكن ما تم ممارسته في السابق لا يقارن بحال مع حجم التعبئة التي قام بها الحوثيين.

لكن ورغم التحديات المرتبطة بالتغلغل الحوثي في اليمن، إلا أن هناك وجهات نظر على قدر كبير من الأهمية تذهب إلى أنه ثمة تحولات واسعة حدثت في المجتمع اليمن خلال السنوات التي فرض فيها الحوثي نفسه في مناطق سيطرته، وأن هذه التحولات تؤشر إلى أن حجم اختراق الحوثي للمجتمع اليمني محدود جدا وفي تآكل مستمر. حيث تشير المتابعة الدقيقة للشأن اليمني إلى أن استقطاب المقاتلين التابعين للحوثين وتوجيههم إلى ما يسميه الجبهات يأتي من مصدرين رئيسيين:

  • المصدر الأول: عبارة عن بؤر شبه منغلقة ظلت عصية على كل التأثيرات الايجابية للاغتراب في السعودية. والتعليم العام وهما أهم متغيران ساهما في تغيير التصورات الدينية وأنماط الدين في المجتمع اليمني خلال العقود الخمسة الأخيرة. وظلت تلك البؤر تحتفظ بالتصور الديني الذي يتبناه الفكر الزيدي، وهذه البؤر متناثرة في بعض مناطق شمال اليمن مثل آنس في ذمار …  بني مطر وبني حشيش وسنحان وبلاد الروس في محافظة صنعاء وبشكل أكبر في عدد من مناطق محافظتي حجة وصعدة.  هذه البؤر كانت موجودة ومع ظهور الحوثي والحروب تم انعاشها وتفعيلها وهي المسؤولة إلى حد كبير عن توفير المقاتلين العقائديين إذا غالبا ما تكون الأسرة بكاملها منخرطة في التحشيد للحوثي ومشاركة في الأنشطة التي ينفذها.
  • المصدر الثاني، وهو المصدر الرئيسي ويتمثل في الحاجة والفقر والعوز.. فقد أدى انقطاع المرتبات لما يقرب من ست سنوات إلى توسيع وتعميق الفقر والعوز والحاجة.. وهو ما دفع ويدفع كثير من الشباب للانضمام إلى الحوثي ليس اقتناعا بفكرة ولكن طلبا لراتب وإعانات مادية يمكن الحصول عليها.. وأيضا للحصول على امتيازات اجتماعية تحت ذريعة أن أفراد من الأسرة مشاركين في الجبهات.

ويضاف إلى ما تقدم سببان آخران لسهولة التجنيد في الحرب وفرض السلطة:

  1. سيطرة الحوثيين على الهضبة الشمالية وهي تحتضن 80٪ من سكان اليمن؛ مما وفر له قوة ديمغرافية هائلة سهلت له التجنيد للجبهات وتعزيز أمن سلطته.
  2. الاستثمار الأيدلوجي في عقيدة الحوثي السياسية القائمة على توظيف الدين والميراث المذهبي خاصة مع فشل الساسة والسياسة في معالجة الأزمات، وأيضا الادعاء بمواجهة أمريكا وإسرائيل والاستعمار كائن ما كانت مصداقية تلك الشعارات!

وفي تقدير البعض فإن معضلة الحوثي مع السعودية معضلة مركبة وهي لا تقتصر على العلاقة الثنائية؛ في العلاقة الثنائية يمكن جذب الحوثي إلى السعودية، لكن وجود الحوثي في الحكم بهذه الطريقة يعني بقاء الصراع وعدم الاستقرار في اليمن نتيجة حجم التناقضات بينه وبين بقية الأطراف اليمنية من جهة ولأن الحوثي طرف لا يقبل الشراكة مع الآخرين لطبيعة الفكر والتصور الديني حول الحكم الذي يتبناه وبقاء الصراع في اليمن لا يخدم أمن المملكة ومصالحها.

  • تصورات مقترحة لحل الأزمة اليمنية

يجب الاعتراف بتعقيدات الأزمة اليمنية والتي لا يمكن حلها بسهولة أو التخفيف من آثارها، وستشكل عوائق في سبيل اتفاق سياسي شامل في اليمن؛ حيث يبقى دائماً تطبيق أي حل هو المعضلة الحقيقة؛  فلا المجتمع الدولي يرغب في الحل السلمي في اليمن، ولا الوضع الداخلي السياسي والاجتماعي والقبلي يستطيع الحل، حيث يتشبث كل طرف بموقفه، ويبقى الحوثي المدعوم إقليميا ودوليا، يسيطر على المشهد في الشمال والانتقالي، المدعوم إقليميا، وربما دوليا، يسيطر على المشهد في الجنوب، وكي لا تكون الصورة سوداوية فلعل الحل يكمن في أيدي اليمنيين أنفسهم، صغيرهم قبل كبيرهم، بالعمل معا ونبذ كل أشكال الاحتراب الداخلي، ولا زال بالإمكان التعويل على القبائل اليمنية التي كانت في يوم من الأيام عامل توازن قوي في اليمن. أما فيما يخص الوضع الاقتصادي فالتصور أنه لا توجد دولة في العالم تدعم اليمن كما تفعل السعودية، وهي إلى اليوم تقوم بالدعم المتواصل للأشقاء في اليمن، وللمجلس الرئاسي، ولكن على الرغم من كل ذلك الدعم فلا يمكن تلبية كافة الاحتياجات، وعلى الأطراف الدولية المانحة المشاركة في ذلك المجهود، والمأمول أن يؤدي ذلك إلى تهدئة الوضع المعقد في اليمن، ولكن في نفس الوقت قد لا يكون من المناسب تقديم أي دعم للحوثي الذي قد يستغل أي موارد لمصلحته وتقوية موقفه العسكري في الجبهات بدلا من دفع الرواتب أو تقديم الخدمات للشعب.

والواقع أن دور المصالحة السعودية الإيرانية في دعم وتثبيت الهدنة وتهيئة الأجواء الحل باليمن يبدو واضحاً في ضوء ما يلي:

  • سافر السفير السعودي لدى اليمن “محمد ال جابر” إلى صنعاء بعد نحو شهر واحد من توقيع المصالحة في بكين بتاريخ 10 مارس 2023.
  • توصل السفير في محادثاته مع الحوثيين في إبريل لكثير من نقاط الاتفاق التي استكملت في سبتمبر بالرياض.
  • رحب الحوثيون بالمصالحة وقال دبلوماسيون إيرانيون بعدها أن الابواب فتحت لحل في اليمن.

ومع ذلك لا يمكن الاعتقاد بأن الدعم الإيراني للحوثيين سيتوقف فقد ضبطت عدة سفن محملة بالسلاح في بحر العرب وهي متجهة إلى اليمن. كما سجلت عدة اختراقات للهدنة من قبل الحوثيين.

وفي تصور بعض المتخصصين فإن اتجاهات التفكير الأساسية التي يجب أن تكون محل اهتمام المؤسسات البحثية والاستشارية تتمثل في الآتي:

  • كيف يمكن أن نخفف من معاناة الشعب اليمني دون أن يستفيد منها الحوثي؟ وهذا أمر ملح وعاجل، ومن الظلم أن تستمر أوضاع الشعبي اليمني على هذا النحو.
  • كيف يمكن توفر ظروف مناسبة لإحداث انكسار عسكري جزئي أو كلي للحوثيين؟
  • التفكير في مرحلة ما بعد الحوثي، فالخشية أن تكون أكثر صعوبة من المرحلة الحالية.
  • كيف يمكن وضع مسار استراتيجي لمعالجة الأوضاع الاقتصادية في اليمن بشكل دائم؟

وفي حين يرى البعض أن حل الأزمة اليمنية سيكون ممزوج بين القوة العسكرية للسيطرة على صنعاء أولا وإعادتها للشرعية، فإنه في المقابل تذهب آراء أخرى إلى أن الحل سيكون سياسيا في نهاية المطاف؛ فمهما طالت الحرب أو الاحتلال الحوثي لشمال اليمن، لا بد من الجلوس على طاولة المفاوضات لإنهاء الصراع، كما أن التطورات الجيوسياسية الأخيرة مثل الاتفاق السعودي الإيراني، قد تساهم في حلحلة الوضع والعودة إلى المرجعيات الثلاث، والأقاليم الستة المقترحة في تلك المرجعيات.

ويبدو أن قدرا كبيرا من حل الأزمة اليمنية يجب أن يكون سعوديا؛ فلدى قطاعات واسعة من المكونات السياسية وبشكل أكبر الاجتماعية ارتباط نفسي ومزاجي ووجداني بالسعودية قيادة وشعبا، وحالة عالية من التسليم، والكثير يعول على المملكة في هذا الجانب لضبط الأطراف السياسية وحتى القبلية والتي يتلقى الكثير منها نصائح وتوجيهات المؤسسات السعودية بالقبول والامتثال.

ومع أن هناك فئة من اليمنيين المؤدلجين التي تلقي بالتهم جزافاً من قبيل قولهم إن المملكة لا تريد أو ليس من مصلحتها وجود يمن آمن ومستقر !!إلا أن هذا الطرح الساذج والمخادع مردود عليه، ولعل أبلغ رد هو الأزمة التي تعيشها منطقة الخليج والجزيرة العربية حالياً بسبب عدم الاستقرار في اليمن. والجهود والقدرات والامكانات التي نزفتها المنطقة والمملكة بوجه خاص بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في اليمن.

ومن المؤكد أن أمن المملكة مرتبط عضويا باليمن شماله وجنوبه والعكس صحيح. نظرا لطول الحدود بين البلدين والعوامل الضاربة بالقدم التي تربط بين الشعبين والبلدين وتأثر وتفاعل أحوال بعضهما ببعضهما.

اليمن مصدر تهديد واضح للأمن القومي السعودي سواء تعلق الأمر بالتهديد الأمني المباشر أو تهديد مضيق باب المندب وخطوط الملاحة بالبحر الأحمر أو تهريب الأسلحة والمخدرات أو تسلل المهاجرين الاقتصاديين عبر الحدود من اليمن أو عبره من إفريقيا. وجميع هذه التهديدات وغيرها تكبر وتتفاقم في ظل عدم وجود حكومة قوية في صنعاء تثبت دعائم الأمن والاستقرار في داخل البلاد وعلى حدودها.

ومن ناحية أخرى وفيما يتعلق بتضارب توجهات دول الخليج على مبادرة السلام السعودية الحالية؛ من الواضح أن عدم انجاز المهمة العسكرية لعاصفة الحزم جميع أهدافها سببه الأجندات المختلفة لبعض الدول عن أهداف حملة (عاصفة الحزم). وربما جرى استنزاف جهود التحالف عسكرياً وسياسياً بسبب تفجير حروب جانبية مثل تلك التي فجرتها ميليشيات المجلس الانتقالي في الجنوب ضد الجيش الحكومي مما تسبب في صرف الأنظار عن المعركة الرئيسة. ولازالت الأطماع الذاتية لبعض الدول مستمرة حيث تدفع المجلس الانتقالي إلى الاشتباك مع أهالي حضرموت وشبوة غير المؤيدين لهم. ولقد نجحت الجهود السعودية حتى الان في اقناع (الانتقالي) بالانخراط في الوفد التفاوضي الحكومي. لكن الوضع قابل للانفجار عند وصول المتفاوضين إلى شكل التسوية النهائية، حيث يطالب المجلس الانتقالي مدعوما من داعمه الإقليمي بانفصال الجنوب. وقد تدفع مطالب حضرموت بالاستقلال عن دولة الجنوب (عدن) إذا لم يقوم النظام الفيدرالي لدولة الوحدة إلى تأجيل مناقشة الانفصال لما بعد قيام النظام الجديد!

وبالنظر إلى أن الوضع المقلق والمعقد في اليمن يفرض على المملكة تحديات مستقبلية كثيرة؛ فإنه وبعد الجهود التي قدمتها المملكة طوال العقود الماضية من المهم مراجعة ما تم على أرض الواقع ومعرفة نقاط الضعف والأخطاء والفرص القادمة. ولعل من التصورات الملائمة أن تبحث المملكة عن شركاء حقيقيين وفاعلين في الساحة اليمنية يمكن الوثوق بهم لبناء أسس علاقات سياسية واقتصادية قادمة.  بمعنى طرف موثوق وفاعل على الأرض اليمنية. لذلك فإن العمل مع الأطراف الأخرى التي لها وجود قوي على الساحة اليمنية (أحزاب وتيارات قبلية) قد يغير المعادلة ويرسم صورة أفضل لعلاقات مستقبلية سعودية يمنية. لعلنا نعود إلى دراسة طبيعة العلاقات بين البلدين وكيف كانت في فترات زمنية سابقة لسيطرة الحوثي على صنعاء، فقد نجد أن هناك دروسا يمكن الاستفادة منها في بناء علاقات جيدة بين السعودية واليمن.

والوضع الأكثر تشاؤما هو بقاء اليمن في هذه الدوامة في حالة من الحرب الأهلية والانقسامات؛ وهذا بلا شك سيبقي المنطقة في حالة من عدم الاستقرار، وقد يصل الأمر إلى انقسام اليمن إلى يمنين شمالي وجنوبي. وهذا يحقق المطامع لبعض الدول الإقليمية مثل الإمارات وإيران وكذلك تحقيق الأجندات الدولية (الاستخبارية) لإشغال العرب بهذا الملف الساخن.  إن هذا الانقسام، لو تم لا سمح الله، سيؤثر على المملكة بشكل سلبي، أمنيا واقتصاديا. حيث أن انفصال الجنوب الغني بثرواته وبكفاءاته سيترك الشمال في مزيد من التشرذم والفقر.

ولكن السيناريو المتفائل يتطلب من الأطراف اليمنية أن يجتمعوا على كلمة سواء، ويتحدوا معا لمواجهة الحوثي وبالتالي يجلسوا على طاولة المفاوضات ويقبلوا بمخرجات الحوار الوطني وغيرها من المرجعيات، حتى يبقى اليمن موحدا وعندها سيجد من المملكة ودول مجلس التعاون كل الدعم والمؤازرة. ولعل الأطراف اليمنية يقتنصوا الفرصة بعد الاتفاق السعودي الإيراني، وكذلك دعوة الحوثي والمجلس الرئاسي إلى الرياض واستمرار زخم الوساطة السعودية العمانية لحلحلة الموقف والوصول إلى تفاهمات سياسية تجنب اليمن ويلات الحرب والخراب.

ولعله ثمة انفراجة طفيفة حصلت بحضور الحوثي إلى الرياض، ولكن المعطيات على الأرض تفرض واقعا مختلفا. المملكة نجحت أن تكون وسيطا موثوقا بين الحكومة الشرعية والحوثي وهذا قد يساهم في جلوس الأطراف اليمنية المختلفة معاً. وحيث أن هناك مطالبا مهمة مختلفة من كل طرف فالحل لكل ذلك هو الجلوس على طاولة المفاوضات والتي قد تعيدنا إلى مراحل الحوار الوطني اليمني السابق والمبادرة الخليجية والتي ترى وجود يمن بستة أقاليم وهذا يخرج اليمن من أزمته ويجنبه الانفصال.

 

  • التوصيات
  • التنسيق مع المجلس الرئاسي لدمج جميع المكونات السياسية والقبلية ضمن جولات الحوار والمفاوضات القادمة.
  • ‏‎أهمية طرح جميع السيناريوهات الطاولة، وإعادة تقييم الموقف من الفرقاء في ضوء الواقع على الأرض، والأخذ بمنهجية الحلول العاجلة ‏‎مع الاستعداد لحلول أخرى متوسطة وطويلة الأجل.
  • حث الحكومة اليمنية لدعم القطاع الإعلامي في اليمن، بشريا وفنيا وماديا، من خلال استقطاب أفضل المذيعين اليمنيين وإنتاج البرامج التحليلية والسياسية بما يخدم الهدف الوطني الواحد.
  • الالتزام بالتنظيم الإداري في اليمن المقترح من قبل مجلس التعاون بحيث يكون لكل قطاع نوع من الاستقلال الذاتي في إطار أقاليم متصالحة (على شاكلة الإمارات العربية المتحدة).
  • وضع خطة لتقليص تأثيرات القوى الإقليمية والدولية على الأوضاع الداخلية اليمنية بما يحول اليمن لمنصة تهديد للمملكة. وقطع الطريق على الأجندات السياسية المشبوهة التي ترمي للهيمنة على المصالح الاستراتيجية اليمنية، والتأثير على المصالح السعودية في الجوار الجغرافي.
  • وضع خطة متدرجة لإدماج اليمن في عضوية مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حتى قيام حكومة مركزية متماسكة وقوية قادرة على تلبية شروط العضوية الكاملة.
  • أن يتم التعامل مع مسار السلام في اليمن من خلال مقاربة أمنية وسياسية واسعة تراعي المصالح الوطنية العليا للمملكة وتستجيب لــ :
  • مخاوف ومصالح الكتل السكانية الكبيرة في اليمن.
  • تراكم حضور السعودية في الاوساط والتيارات الشعبية.
  • تدعيم صورة السعودية كسند وحليف موثوق.
  • أن تشمل المعالجات الاقتصادية في اتفاق توسيع الهدنة إجراءات وخطوات لتدعيم العملة الوطنية في مناطق السلطة الشرعية وتحسين مستوى الخدمات، مع الاستمرار في تقديم الإعانات الإنسانية من قبل برنامج الملك سلمان.

 

  • المصادر والمراجع
  • سفير السعودية لدى اليمن: زيارتي إلى صنعاء هدفها وقف إطلاق النار وتثبيت الهدنة، موقع (CNN) عربية، على الرابط:

https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2023/04/10/saudi-ambassador-to-yemen-visited-sanaa-cease-fire

  • النص الكامل لمقابلة الأمير محمد بن سلمان مع قناة “فوكس نيوز”، الشروق، على الرابط:

https://www.asharqbusiness.com/article/54751

  • شاهد مقابلة ولي العهد السعودي الكاملة مع “فوكس نيوز” الأميركية”، موقع العربية، على الرابط:

https://www.alarabiya.net/saudi-today/2023/09/21

  • السعودية ترحب بما وصفته بالنتائج الإيجابية لمحادثاتها مع الحوثيين، موقع ال بي بي سي العربية، على الرابط:

https://www.bbc.com/arabic/articles/c72npz36wdyo

  • السعودية تعلق على نتائج المفاوضات مع الحوثيين، موقع (CNN) عربية، على الرابط:

https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2023/09/20/saudi-arabia-negotiations-houthis

https://www.youtube.com/watch?v=lgF8IcPcEXk&ab_channel=%D9%82%D9%86%D8%A7%D8%A9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D8%B1%D9%8A%D8%A9%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B6%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9

 

  • المشاركون.
  • الورقة الرئيسة: د. ناصر محمد علي الطويل
  • التعقيب الأول: أ. سليمان العقيلي
  • التعقيب الثاني: د. سعيد صالح الغامدي
  • إدارة الحوار: أ. جمال ملائكة
  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • أ عبدالرحمن باسلم
  • د خالد المنصور
  • الفريق عبدالإله الصالح
  • د حسام زمان
  • د حمد البريثن
  • د مساعد المحيا
  • د فواز العنزي
  • د محمد الثقفي
  • أ إبراهيم ناظر
  • د صالحة آل شويل
  • أ عبدالله الرخيص
  • د عبدالرحمن الهدلق