_التقرير رقم (125) نحو مستقبل أفضل للصحة النفسية في المملكة العربية السعودية – ملتقى اسبار

 تقرير رقم (125)

نحو مستقبل أفضل للصحة النفسية في المملكة العربية السعودية فبراير 2024 م

للاطلاع على التقرير وتحميله

 

  • تمهيد:

يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر فبراير 2024م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة بعنوان: نحو مستقبل أفضل للصحة النفسية في المملكة العربية السعودية، وأعد ورقتها الرئيسة د. ياسمين التويجري، وعقب عليها كلاً من د. فهد اليحيا، د. ياسر الدباغ وأدار الحوار حولها د. ماجد الغريبي.

 

المحتويات

  • تمهيد
  • فهرس المحتويات
  • الملخص التنفيذي.

الورقة الرئيسة: د. ياسمين التويجري[1]

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. فهد اليحيا[2]
  • التعقيب الثاني: د. ياسر الدباغ[3]
  • إدارة الحوار: د. ماجد الغريبي
  • المداخلات حول القضية
  • الإشكالات ذات الصلة بقضية الصحة النفسية في المجتمع السعودي.
  • الصحة النفسية والتعليم.
  • العلاج النفسي عن بُعد وتقييم مدى فعاليته.
  • استشراف مستقبل الصحة النفسية في المملكة.
  • التوصيات
  • المصادر والمراجع
  • المشاركون
  • الملخص التنفيذي.

يتناول هذا التقرير قضية “نحو مستقبل أفضل للصحة النفسية في المملكة العربية السعودية”، وأشارت د. ياسمين التويجري في الورقة الرئيسة إلى أنه في محاولة لتحديد مدى انتشار الاضطرابات النفسية في المملكة، قام مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة بإطلاق مشروع المسح الوطني السعودي للصحة النفسية في عام 2010، كجزء من مبادرة المسح العالمي للصحة النفسية التابع لمنظمة الصحة العالمية وجامعة هارفارد، والتي أجريت في أكثر من 36 دولة حتى الآن. سعى المسح الوطني إلى الإلمام بجميع جوانب الصحة النفسية في المملكة. وقد حظي المشروع الوطني للصحة النفسية بدعم العديد من الجهات كوزارة الصحة، وجامعة الملك سعود، ومستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، بالإضافة إلى الهيئة العامة للإحصاء، وتم دعم المشروع عبر مِنَح متعددة من شركة سابك، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وشركة أبراج. ومن أبرز نتائج برنامج المسح الوطني السعودي للصحة النفسية التي تم الكشف عنها في أواخر عام 2019، أن حوالي 34% من السعوديين تنطبق عليهم معايير تشخيص اضطرابات الصحة النفسية في وقت ما من حياتهم. وأن حوالي 13% فقط من السعوديين يسعون لتلقي العلاج لاضطراباتهم الصحية النفسية في إحدى السنوات من حياتهم.

بينما أكَّد د. فهد اليحيا في التعقيب الأول على أن الوقاية من الاضطرابات النفسية تتمثل في التشخيص المبكر. لذا تكون التوعية المستمرة ضرورة. كما يجب إعداد المعلمين والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين في المدارس بمناهج حديثة وبرامج مستمرة. وأضاف أنه كثيراً ما تنعكس المشاكل الأسرية والمنزلية على نفسية الطالب. كما أن صعوبات التعلم منتشرة بشكل أكبر مما نتوقع.

في حين ذكر د. ياسر الدباغ في التعقيب الثاني أن الأمراض الجسدية وبخاصة المزمنة منها تعد سبباً رئيساً في السعي للخدمات الصحية، ونظراً لكون الوصول للرعاية الصحية الأولية أسهل وذلك لانتشار مراكز الرعاية الأولية في أنحاء البلاد، ونظراً لكون نموذج تقديم الرعاية الصحية الأكثر كفاءة في معظم بلاد العالم التي تقدم رعاية صحية عالية الجودة وسهلة الوصول يعتمد على التسلسل الهرمي الذي قاعدته الرعاية الصحية الأولية والتي بدورها تحيل الحالات التي تستدعي ذلك للرعاية الصحية الثانوية في المستشفيات العامة والتي بدورها تحيل الحالات التي تستدعي ذلك لقمة الهرم وهي المراكز والمستشفيات المتخصصة (الرعاية الثالثية)، فإن تحويل النظام الصحي إلى نظام يعتمد تلك المنظومة المعتمدة على الرعاية الصحية الأولية سيكون ذا أثر عظيم في تسهيل الوصول للخدمات الصحية النفسية. وهذا هو ما يحدث حالياً في النظام الصحي في السعودية. ويتطلب هذا التحول تهيئة مراكز الصحة الأولوية لتقديم الخدمات الصحية النفسية؛ وهو الأمر الذي يحتاج لخطة شمولية ولكوادر بشرية وموارد مالية عظيمة. ونتوقع لمثل هذا التخطيط والاستثمار أن يترك عظيم الأثر وأن يسهم في رفع جودة الحياة في المملكة.

وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

  • الإشكالات ذات الصلة بقضية الصحة النفسية في المجتمع السعودي.
  • الصحة النفسية والتعليم.
  • العلاج النفسي عن بُعد وتقييم مدى فعاليته.
  • استشراف مستقبل الصحة النفسية في المملكة.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • تنظيم حملات توعوية واسعة النطاق لزيادة الوعي بأهمية الصحة النفسية وكيفية التعامل مع الاضطرابات النفسية.
  • زيادة عدد المستشفيات والمراكز المتخصصة في العلاج النفسي في جميع مناطق المملكة، مع التركيز على توفير العلاج المجاني أو المدعوم للمحتاجين.
  • تعزيز برامج التدريب والتأهيل للأطباء، المعالجين، والمرشدين النفسيين لضمان توفير خدمات علاجية عالية الجودة.
  • تشجيع وتمويل البحوث والدراسات التي تهدف إلى فهم أفضل للمشكلات النفسية في المجتمع السعودي وتطوير طرق علاجية فعالة.
  • تطوير نظام يحتوي على ملف رقمي للصحة النفسية لكل مواطن يشمل تاريخه الصحي النفسي ويسهل الوصول إليه من قبل المتخصصين.

 

 

 

  • الورقة الرئيسة: د. ياسمين التويجري

الصحة النفسية

“الصحة” هي حالة من اكتمال السلامة البدنية والنفسية والاجتماعية، على حسب تعريف المنظمة العالمية للصحة.

تمثل اضطرابات الصحة النفسية إحدى مشاكل الصحة العامة الرئيسية، والسائدة على الصعيد العالمي، التي تؤثر على المجتمع، حيث يمتد أثرها ليشمل كافة الأعمار من كلا الجنسين، ومختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

عدد المصابين بالاضطرابات النفسية يستمر بالتزايد عالميا وقد تبين أن نسبة الاضطرابات النفسية مرتفعة أكثر عند فئة الشباب، والاكتئاب هو أكبر مرض نفسي مساهم في فقدان الصحة في جميع أنحاء العالم.

قُدرت التكاليف الاقتصادية العالمية للاضطرابات النفسية بـ 2.5 تريليون دولار أمريكي، وفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية، التي ركزت الأولوية على الصحة النفسية في عام 2019.

وعلى الرغم من أن نفقات الرعاية الصحية تزداد في جميع أنحاء العالم بمعدل نمو سنوي وصل إلى %4.3 من 2000 إلى 2017، إلا أن نسبة كبيرة من الأفراد المصابين باضطرابات نفسية لا تحصل على علاج. ومن بين أولئك الذين يسعون للحصول على خدمات الصحة النفسية، هناك الكثير من يتوقف قبل إكمال دورة العلاج الموصى بها.

 

أهداف برنامج المسح الوطني السعودي للصحة النفسية

في محاولة لتحديد مدى انتشار الاضطرابات النفسية في المملكة العربية السعودية، قام مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة بإطلاق مشروع المسح الوطني السعودي للصحة النفسية في عام 2010، كجزء من مبادرة المسح العالمي للصحة النفسية التابع لمنظمة الصحة العالمية وجامعة هارفارد، والتي أجريت في أكثر من 36 دولة حتى الآن. سعى المسح الوطني إلى الإلمام بجميع جوانب الصحة النفسية في المملكة العربية السعودية بالإجابة على الأسئلة التالية حول المجتمع السعودي:

  • من هم الأفراد الأكثر عرضة للإصابة في المملكة العربية السعودية؟
  • ما هي الاضطرابات النفسية الأكثر شيوعاً؟
  • ما هي أفضل الطرق لتقديم خدمات الصحة النفسية في المملكة العربية السعودية؟
  • ما هو العبء الذي تشكله الاضطرابات النفسية على المجتمع السعودي؟

تكمن أهمية هذا المشروع في تزويد الأطباء وصانعي القرار في مجال الصحة، برؤية لتوفير الخدمات الوقائية، والعلاجية، والتأهيلية ذات الصلة في المملكة. والمأمول أن تحفز نتائج أبحاثنا اهتمام البلدان الأخرى في المنطقة التي نتطلع إلى تبادل خبراتنا معهم.

وقد حظي المشروع الوطني للصحة النفسية بدعم العديد من الجهات كوزارة الصحة، وجامعة الملك سعود، ومستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، بالإضافة إلى الهيئة العامة للإحصاء، وتم دعم المشروع عبر مِنَح متعددة من شركة سابك، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وشركة أبراج.

 

منهجية المسح الوطني السعودي للصحة النفسية

استخدم المسح عينة وطنية تمثيلية، شملت أكثر من 4004 فرد من الذكور والإناث الذين اختيروا عشوائياً من جميع مناطق المملكة، وتراوحت أعمارهم بين 15 إلى 65 عاما، حيث أجريت المقابلات وجهاً لوجه في منازل المشاركين، باستخدام أداة المسح (النسخة السعودية للمقابلة التشخيصية الدولية المركبة CIDI 3.0) وعبر أجهزة الكمبيوتر المحمولة لضمان الدقة العالية وجودة المعلومات.

شارك في المسح الوطني السعودي للصحة النفسية أكثر من 76% من الأسر السعودية التي تم التواصل معها على أن تكون جزءًا من الدراسة – ويعتبر هذا المعدل المرتفع من التجاوب إنجاز مميز، نظرًا لأن هذه الدراسات الاستقصائية الصحية الدقيقة تتطلب وقت وجهد من المشاركين.

 

أبرز نتائج برنامج المسح الوطني السعودي للصحة النفسية

  • وجدت نتائج المسح، الذي تم الكشف عنها في أواخر عام 2019، أن حوالي %34 من السعوديين تنطبق عليهم معايير تشخيص اضطرابات الصحة النفسية في وقت ما من حياتهم. وبشكل أكثر تحديداً، يستوفي اثنان من كل خمسة شباب سعوديين معايير تشخيص اضطرابات الصحة النفسية في وقت ما من حياتهم. هذه النتائج مماثلة لإحصاءات البلدان الأوروبية مثل فرنسا وهولندا، وأقل من نيوزيلندا والولايات المتحدة الأمريكية.
  • أظهرت النتاج أن حوالي %13 من السعوديين فقط يسعون لتلقي العلاج لاضطراباتهم الصحية النفسية في إحدى السنوات من حياتهم. وما يثير الانتباه هو أن %80 من السعوديين الذين شُخِّصوا باضطرابات حادة في الصحة النفسية لا يسعون لتلقي أي نوع من العلاج.
  • كما أظهرت النتائج أن حالات اضطرابات الصحة النفسية تؤثر على السعوديين الأكثر تعليماً مقارنة بالأقل تعليماً. وهذا ليس مستغرباً، لأن العديد من هؤلاء المتعلمين هم من الشباب ويشكلون غالبية السكان السعوديين. وتؤكد هذه النتائج على الحاجة إلى إجراء البحوث المستقبلية التي تستهدف هذه النتيجة بشكل خاص وتستند عليها، نظرًا لأنّ فئة الشباب تمثل موردًا حيويًّا في جميع البلاد.
  • بلغت نسبة انتشار الاضطراب النفسي بين الشباب السعودي %40.1، حيث أثرت اضطرابات القلق على %26.8 من العينة، تليها اضطرابات السلوك التخريبي %15.4، واضطرابات المزاج %9.7، واضطرابات تعاطي المواد المخدرة 4%، ثم اضطرابات الأكل %7.1. أيضاً %14.5 فقط من الشباب السعودي سعوا لتلقي العلاج لاضطراباتهم الصحية النفسية في إحدى السنوات من حياتهم.
  • وبحسب المسح الوطني فإن أكثر الحالات النفسية انتشارًا بين النساء في المملكة اضطراب قلق الانفصال بنسبة %13، ويأتي ثانيًا الاضطراب الاكتئابي الرئيسي بنسبة %8.9، في المرتبة الثالثة الرهاب الاجتماعي بنسبة %7، وفي المرتبة الرابعة اضطراب نقص الانتباه / فرط الحركة بنسبة %6.0، ثم في المرتبة الخامسة اضطراب الوسواس القهري بنسبة %4.9.
  • كما بينت نتائج المسح الوطني أن أكثر الحالات النفسية انتشارًا بين الرجال في المملكة اضطراب قلق الانفصال بنسبة %11، ويأتي ثانيًا اضطراب نقص الانتباه / فرط الحركة بنسبة %10، في المرتبة الثالثة الرهاب الاجتماعي بنسبة %4.3، وفي المرتبة الرابعة اضطراب ثنائي القطب بنسبة %4.0، ثم في المرتبة الخامسة الاضطراب الانفجاري المتقطع بنسبة %3.8.
  • من بين الأشخاص الذين يعانون من الأمراض الجسدية المزمنة، %24 منهم يعانون من اضطراب نفسي. وكانت اضطرابات الاكتئاب، والرهاب الاجتماعي، ورهاب قلق الانفصال من أكثر الاضطرابات النفسية الشائعة لدى البالغين في هذه الفئة.
  • بالنسبة للتأثير في العمل، فعلى الرغم من انخفاض معدل انتشار الاضطرابات النفسية (%19.9) مقارنة بالاضطرابات الجسدية (%47.1) بين المشاركين بالمسح، إلا أن الاضطرابات النفسية تؤثر بشكل أكبر على الأداء اليومي الوظيفي (أيام دون عمل/عدم القدرة على العملDays Out Of Role -) (%32.9) مقارنة بتأثير بالاضطرابات الجسدية المزمنة (%27).
  • فيما يتعلق بتأثيرات التمدن على الصحة النفسية، وجدت دراستنا أن اضطرابات المزاج والقلق كانت شائعة أكثر عند الأشخاص الذين نشأوا في المدن الكبيرة. وتتماشى هذه النتائج مع الدراسات السابقة التي وجدت روابط بين التمدن في مرحلة الطفولة والاكتئاب.
  • ومن العقبات التي لعبت دوراً رئيسياً في منع طلب العلاج هي الحواجز السلوكية، مثل وصمة العار والرغبة في معالجة المشاكل بشكل مستقل.

 

توصيات برنامج المسح الوطني السعودي للصحة النفسية

أولا: الوصول إلى خدمات الصحة النفسية هو أمر أساسي. هناك حاجة إلى أن تتضمّن الأهداف الرئيسية في جدول أعمال السياسات تقديم الخدمات التي يَسهُل الحصول عليها، والتي تلبي احتياجات الصحة النفسية للسكان السعوديين. قد يتمثل الحل العلمي للدراسات البحثية في العلاجات الإلكترونية، التي يقدّمها المتخصصون بشكل آمن وفعَّال، عبر الإنترنت. ويمكن أن يؤدي تحسين تكنولوجيا الرعاية الصحية عن بُعد إلى تقليل الحاجة إلى رعاية الصحة النفسية غير الملباة من خلال توفير الوصول إلى علاج الصحة النفسية.

ثانيا: أن تركز الدراسات المستقبلية على اضطرابات محددة في مجال الصحة النفسية، وعوامل الخطر، والعواقب الصحية المرتبطة بها في المجتمع السعودي وعند فئة الشباب بالتحديد. كما ذُكِر سابقًا فئة الشباب والأكثر تعليما هم الأكثر عرضة للاضطرابات النفسية، بالأخص القلق والاكتئاب. يجب القيام ببرامج نفسية خاصة بهذه الفئة لتكون أكثر فعالة، مثل التركيز على العلاجات الإلكترونية وتوفيرها في الجامعات بالتحديد.

ثالثا: تدعم نتائج هذا المسح الوطني المشاركين في جهود تعزيز الصحة لإزالة الوصمة المرتبطة باضطرابات الصحة النفسية. المجتمع السعودي مترابط بشكل وثيق، ووجود عضو مقرب في هذه الدائرة الاجتماعية يعاني من اضطراب نفسي يعتبر غير مرغوب فيه. تحسين ثقافة الصحة النفسية عامل مهم قد يساهم في تقليل الاحتياجات غير الملباة للعلاج. فإن الدراسات تبين أن هذه الوصمة تماثل إلى حد كبير العديد من البلدان الغربية ولدى المجتمع السعودي معتقدات ومواقف للوصمة مماثلة تجاه اضطرابات الصحة النفسية والسعي نحو العلاج منها، وهي مشكلة تتقاسمها معظم بلدان العالم. سيكون من المفيد لنظام الرعاية الصحية في السعودية إطلاق حملة لتعزيز الصحة لزيادة الوعي بين عامة الناس حول التأثير الخطير للاضطرابات النفسية على الأداء اليومي والحاجة إلى التماس العلاج المبكر.

رابعا: هناك صلة قوية بين الصحة النفسية والبدنية. يشير ذلك إلى ضرورة إجراء بحث لدراسة تأثير الاضطرابات النفسية لدى المرضى، الذين يعانون من الأمراض المزمنة كأمراض القلب، والسكري، وغيرها من الأمراض الجسدية كالسرطان. هناك حاجة إلى بذل جهود وطنية لزيادة الوعي بهذه الأمراض المصاحبة بين عامة السكان، وتطوير خدمات الوقاية والعلاج المصممة خصيصًا لتلبية احتياجات الأفراد المعرضين لخطر الإصابة بهذه الأمراض.

خامسا: إجراء تقييم لمدى فعالية الإصلاحات الجارية والمقترحة في خدمات الصحة النفسية من تخفيض عبء الاضطرابات النفسية وتقاس بمختلف مؤشرات الإعاقة أو فقدان الإنتاجية، بما في ذلك قضاء أيام دون عمل. سيكون من المفيد أيضاً تقييم مدى فعالية البرامج من انتشار الاضطرابات الجسدية، مما يسمح بمعالجة الشكوك حول دور الاضطرابات النفسية كعوامل خطر مسببة للاعتلال النفسي والجسدي المشترك.

نأمل أن تفتح النتائج التي توصلنا إليها الحوار حول الصحة النفسية، وتزيد من الوعي، وأن تكون موردًا تعليميًا يزيد من فهم ظروف الصحة النفسية السائدة بين السعوديين، ويساهم في تحدي الوصمة، ليس فقط في المملكة العربية السعودية، ولكن أيضاً في المنطقة كلها.

 

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. فهد اليحيا

كنا بصفتنا مختصين بالطب النفسي نرنو منذ سنين لمثل هذا المسح المشار إليه بالورقة الرئيسة، وبعد أن اعتزمت الدولة إطلاق هذا المشروع صرنا نتوق إلى معرفة مخرجاته، وهو مشروع جبار يعد إنجازاً كبيراً بمنهجية احترافية.

تبنى إعلان ألما-آتا (كازخستان) 1978؛ المؤتمر الدولي للرعاية الصحية الأولية هدف “توفير خدمة الرعاية النفسية لكل إنسان بحلول عام 2000. ولأن الإعلان يشمل كل جوانب الصحة كان من ضمن أهدافه توفير خدمات الصحة النفسية في مراكز الرعاية الصحية الأولية (طب الأسرة والمجتمع).

وفي أوروبا وأمريكا يشخص أطباء هذه المراكز الأمراض النفسية ويعالجون ما لا يقل عن 70% ممن يعاني من اضطرابات نفسية والنسبة الباقية هي التي يقومون بتحويلها إلى مراكز متخصصة بالطب النفسي.

وعلى الرغم من أن مقرر الطب النفسي في كليات الطب في الجامعات السعودية قوي وعلى الرغم من أن مجلس طب الأسرة والمجتمع يشترط عمل الطبيب الملتحق ببرنامج الاختصاص أن يمضي شهرين (كانت قبلا ثلاثة أشهر) في التدريب في مستشفى أو قسم للطب النفسي. إلا أن دورهم يقتصر على تحويل المرضى للطب النفسي وفي بعض الأحيان يصفون دواء يتناوله المريض إلى أن يأتي موعده في الطب النفسي.

من جانب أخر، يتكون فريق الطب النفسي من: الطبيب النفسي، والأخصائي النفسي، والأخصائي الاجتماعي النفسي، والمعالج الوظيفي النفسي، والممرض النفسي. ولكن جل الاهتمام كان منصبا على إعداد الطبيب النفسي وابتعاثه -وما زال كذلك- مع قصور في الاهتمام بباقي أفراد الفريق. حقا تقوم بعض المستشفيات بإعداد برامج قوية لتدريبهم وتبتعث بعضا منهم ولكن دون المطلوب بكثير.

وأؤكد أن الابتعاث مهم جداً لتطوير قدرات أعضاء الفريق لأن عليهم أدوارا في التشخيص والعلاج.

نموذج مثلث الصحة في منظمة الصحة العالمية يتكون من الصحة الجسدية والصحة النفسية والصحة الاجتماعية. وقد ذكرت الأخصائي الاجتماعي النفسي في الأسطر السابقة، بيد أن الصحة الاجتماعية تتجاوز هذا الدور لتشمل الأمن الوظيفي والاقتصادي والمعيشي والتعليم والاستقرار الأسري وغيره من الجوانب. وكما أن لظروف البيئة الأسرية ومستوها المعيشي علاقة بصحة الإنسان الجسدية لها علاقة قوية بالاضطرابات النفسية.

تتمثل الوقاية من الاضطرابات النفسية في التشخيص المبكر. لذا تكون التوعية المستمرة ضرورة. كما يجب إعداد المعلمين والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين في المدارس بمناهج حديثة وبرامج مستمرة. كثيرا ما تنعكس المشاكل الأسرية والمنزلية على نفسية الطالب. كما أن صعوبات التعلم منتشرة بشكل أكبر مما نتوقع.

  • التعقيب الثاني: د. ياسر الدباغ

بدأت كاتبة الورقة الرئيسة بالتعريف بالصحة النفسية وبأثرها الضخم عالمياً سواء من المنظور الصحي أو الاقتصادي، وهي بداية موفقة لتأطير تلخيصها لمنهجية ونتائج المسح الوطني للصحة النفسية وتُظهر ضرورة وجود دراسات مسحية شاملة لقياس انتشار الاضطرابات النفسية ومدى وصول واستفادة المصابين بها من الخدمات الصحية المناسبة. ثم قدمت ملخصاً لمنهج المسح الوطني. ونظراً لاطلاعي على كامل تفاصيل منهج الدراسة وعلى الدراسات المماثلة لها عالمياً، فبإمكاني القول بأن منهجها على درجة عالية من الرصانة والجودة العلمية، بل أكاد أجزم بعدم وجود دراسات مسحية لأي “مجموعة من الأمراض” بهذه الجودة المنهجية. معظم الدراسات المسحية تركز على مرض واحد أو اضطراب واحد، والقيام بمسح لعدد كبير من الأمراض في ذات الدراسة مسألة تزيد تعقيدها بشكل كبير.

وعلى الرغم من هذه الجودة غير المسبوقة، إلا أن المسح الوطني دراسة بحثية مثل كل البحوث العلمية، ينقصها الكمال. وتوجد دائماً الحاجة لإلقاء الضوء على ما ينقص أي دراسة ونقدها لكون ذلك مبدأً محورياً في العلم يمكننا من إحراز التقدم المتواصل. لذا سأشير لبعض المآخذ على الدراسة والتي لا تنتقص من أهميتها العظيمة في مجال الصحة النفسية في البلاد.

اقتصرت الدراسة على مدىً عمريّ بين الخامسة عشر والخامسة والستين. وعلى الرغم من كونها تبحث عن أي تاريخ مرضي مر به المشارك، فإنه من المعلوم أن النسبة العظمى من الاضطرابات النفسية في الطفولة لا تُكتشف أو تُعالَج وليس من السهل إحصاؤها بأثر رجعي، لذا فمن الممكن لكثير من هذه الاضطرابات ألا تظهر بشكل كامل في مسح لا يشمل من هم أصغر من خمسة عشر عاماً. كما أنه من المعلوم عالمياً أن ٥٠٪؜ من الاضطرابات النفسية يكون منشؤها في السنوات الخمس عشر الأولى من العمر. كما أن هنالك اضطرابات نفسية وضمورية لا تنشأ أعراضها قبل سن الخامسة والستين، وهو السقف الأعلى لعمر المشاركين في الدراسة. لذلك فإن هذا المدى العمري يؤدي بالضرورة لتقدير يقل عن الواقع، ولكن ليس بإمكاننا تحديد درجة هذا الأثر لعدم وجود بيانات كافية من مصادر أخرى تمكننا من ذلك.

كذلك فإن المسح حدد هدفاً طموحاً لدرجة يستحيل تحقيقها، فالاضطرابات النفسية يزيد عددها عن ثلاثمائة اضطراب، وإجراء مسح يشملها كلها محال. لذلك شملت الدراسة ستة عشر اضطراباً من الاضطرابات الأكثر شيوعاً. وهذا عامل آخر يزيد من الفرق بين تقديرات المسح من جهة والواقع من جهة أخرى.

كما أن الوقت الذي تطلبته الدراسة لجمع العينة كان طويلاً بحيث أن انتشار بعض الاضطرابات قد يكون متغيراً خلال فترة جمعها، إضافة للتغييرات المتوقعة في تعداد السكان والتركيبة الديموغرافية. وهذه إشكالات من الممكن التخفيف من أثرها جزئياً ولكن ليس كلياً.

وأخيراً فإن حجم العينة (٤٠٠٠) يزيد من صعوبة تقدير بعض الاضطرابات وذلك لقلة انتشارها المتوقع وبالتالي حاجتها لعينات أكبر. وكلما ازداد عدد الاضطرابات المدروسة، كلما ارتفع حجم العينة المطلوبة. مما يقلل من أثر هذه الملاحظة كون أحجام عينات عديد من الدراسات المماثلة عالمياً متقاربة من حجم هذه العينة، وكون تمثيل العينة للشعب على درجة عالية من الدقة.

في الجزء التالي من الورقة الرئيسة نجد تلخيصاً لنتائج المسح الوطني. وكان من أبرز تلك النتائج نسبة انتشار قلق الانفصال. وهذه ظاهرة تستحق الدراسة بشكل منفصل. فمن الممكن نظرياً أن تكون هذه النتيجة متأثرة بدرجة مواءمة المقاييس المستخدمة في المسح للثقافة المحلية وتنوعها في مناطق المملكة، وفي هذه الحالة قد يكون التقدير مبالغاً فيه. كما أنه من ما قد لا يعلمه كثيرون هو أن المنظور التحليلي للقلق يجد أن قلق الانفصال أساس قد يكون خفيّاً لكثير من حالات القلق أن لم يكن معظمها، مما قد يؤيد بيانات المسح بخصوص هذا الاضطراب. إلا أن هذا الاضطراب يكون أشد انتشارا بين الأطفال في سن مبكرة، وكون عينة المسح قد ابتدأت من سن خمسة عشر عاماً فإن ذلك يزيد من درجة الشك في دقة هذا التقدير.

كما أظهرت البيانات التي ذُكرت في الورقة ندرة السعي للعلاج والحصول عليه، غير أن تلك البيانات تبدو أعلى مما أظهرته دراسات أخرى وما يبدو للممارسين في المجال خلال السنوات الأخيرة. ولعل هذا يكون ناتجاً عن الفترة الزمنية التي تطلبتها الدراسة لاستكمال جمع العينة، حيث ارتفع خلالها معدل وصول المرضى للعلاج. وحالياً تقدر وزارة الصحة نسبة الساعين للعلاج والحاصلين عليه بين ٣٠-٤٠٪؜ من المصابين، ولا تزال هذه النسبة منخفضة جداً وتنم عن الحاجة الماسة لتوسيع رقعة الخدمات الصحية النفسية وتسهيل الوصول إليها.

في الجزء الأخير من الورقة الرئيسة طُرحت خمس توصيات. أتفق معها جملة وتفصيلاً ولكن أود أن أطرح رأياً بخصوص أولاها وأن أزيد على هذه التوصيات بتوصية سادسة.

أما رأيي بخصوص التوصية الأولى فهو أن الحلول الإليكترونية، مع أهميتها ودورها المحوري في تسهيل الوصول للخدمات لمن يعيشون بمنأى عن مقدمي الخدمات الصحية النفسية، إلا أن وضعها كأولوية قد لا يكون حلاً مثالياً. الإشكال الأكبر تأثيراً في ظاهرة الوصول للخدمات هو قلة عدد مقدمي تلك الخدمات وضعف تدريبهم وبالتالي تقل جودة مخرجات تلك الخدمات. نسبة مقدمو الخدمات العلاجية للسكان منخفضة، وكون العلاج عن بعد مماثلاً للعلاج الذي يحضر فيه المريض للعيادة من حيث الوقت الذي يخصصه المعالج، فإن تلك النسبة المنخفضة هي العامل الذي يشكل “عنق الزجاجة”. لذا فإن توجيه الخطط وتخصيص الموارد يجب أن يضع إعداد المختصين وتدريبهم ورفع جودة الخدمات التي يقدمونها على درجة أعلى من الأولوية.

أما التوصية التي أود إضافتها فهي متعلقة جزئياً بالتوصية الرابعة في الورقة الرئيسة. نظراً لكون الأمراض الجسدية وبخاصة المزمنة منها سبباً رئيساً في السعي للخدمات الصحية، ونظراً لكون الوصول للرعاية الصحية الأولية أسهل وذلك لانتشار مراكز الرعاية الأولية في أنحاء البلاد، ونظراً لكون نموذج تقديم الرعاية الصحية الأكثر كفاءة في معظم بلاد العالم التي تقدم رعاية صحية عالية الجودة وسهلة الوصول يعتمد على التسلسل الهرمي الذي قاعدته الرعاية الصحية الأولية والتي بدورها تحيل الحالات التي تستدعي ذلك للرعاية الصحية الثانوية في المستشفيات العامة والتي بدورها تحيل الحالات التي تستدعي ذلك لقمة الهرم وهي المراكز والمستشفيات المتخصصة (الرعاية الثالثية)، فإن تحويل النظام الصحي إلى نظام يعتمد تلك المنظومة المعتمدة على الرعاية الصحية الأولية سيكون ذا أثر عظيم في تسهيل الوصول للخدمات الصحية النفسية. وهذا هو ما يحدث حالياً في النظام الصحي في السعودية. ويتطلب هذا التحول إلى تهيئة مراكز الصحة الأولوية لتقديم الخدمات الصحية النفسية وهو الأمر الذي يحتاج لخطة شمولية ولكوادر بشرية وموارد مالية عظيمة. ونتوقع لمثل هذا التخطيط والاستثمار أن يترك عظيم الأثر وأن يسهم في رفع جودة الحياة لشعب هذا البلد العظيم.

 

  • المداخلات حول القضية
  • الإشكالات ذات الصلة بقضية الصحة النفسية في المجتمع السعودي.

الصحة النفسية في المجتمع قضية مركبة تمس جميع جوانب الحياة وتتأثر بها كذلك. والصحة النفسية لا تعني فقط غياب المرض النفسي. الصحة النفسية هي حالة من الرفاهية العامة النفسية والعاطفية للفرد، وتشمل العديد من العوامل التي تؤثر على الشعور بالسعادة والرضا والتوازن النفسي. الشخص السوي نفسيا يملك القدرة على التعامل مع التحديات والضغوط، المرونة والتكيف مع التغيرات في الحياة، والاستثمار في علاقات صحية وملائمة ومستدامة، والوفاء بالاحتياجات العاطفية والنفسية الأساسية لنفسه ولمن حوله، والادراك المناسب لحاجته للدعم الاجتماعي، واللجوء إلى المساعدة عند الحاجة.

ومن الإشكالات التي يجدر الإشارة إليها فيما يخص الصحة النفسية في المجتمع؛ أن المناهج السعودية بالمدارس لا تذكر أي شي عن الصحة النفسية، ولا حتى تحتوي على تعريف الصحة وهي حسب تعريف منظمة الصحة العالمية (WHO) الصحة هي “حالة من اكتمال السلامة بدنيًا ونفسياً واجتماعيًا، وليس مجرد غياب المرض أو العجز”. ويؤكد هذا التعريف على الطبيعة الشمولية للصحة، والتي لا تشمل فقط غياب المرض ولكن أيضاً وجود الرفاهية العامة في أبعاد متعددة.

كما أن المتابع لتنوع التخصصات في العلوم الطبية التي تدرس في الكليات والجامعات يجد بشكل واضح التقسيمات للتخصصات المتعلقة بالجسد أو الجسم مثل مقسمة إلى كل أمراض عضو في جيم الانسان مثل: (طب عيون وتخصصاتها، وطب أنف وأذن وحنجرة، وطب باطنية، وطب عظام، وجلدية …. إلخ). ولكن بالاطلاع على التخصصات في العلوم الطبية النفسية نجدها محدودة جدا كأن فقط طب نفسي عام بينما نعرف جميعا أن هناك العديد من الحالات النفسية المتعددة فلما لا يكون هناك كليات طبية نفسية متخصصة؛ لأن الحالات المرضية النفسية.

أيضاً وعلى الرغم من حساسية المرض النفسي، إلا أنه للأسف يعد مادة ثرية في بعض الأعمال الفنية. حيث يتم تناوله في عدد من الأعمال الأدبية والأفلام والمسلسلات بطريقة ليست عادلة. وساهمت في نقل صورة مغلوطة وغير واقعية عن الطب النفسي، وشكلت صورة غير صحيحة للمشاهد، وقد تصل لمستوى الرهبة والخوف من العلاج النفسي بسبب مشاهدتهم للشخص الذي يعاني من اضطراب نفسي، وقد تم تصويره على أنه مريض عقلي داخل مصحة عقلية مقيد اليدين ويتم علاجه بجلسات كهربائية مؤلمة.  ومن الخطر إطلاق سراحه؛ لأنه سيتسبب بمشاكل خطيرة للمجتمع. لذا فهناك ضرورة لأن تكون هناك توعية عامة عن الأمراض النفسية المنتشرة وبالأخص الأمراض النفسية الخطيرة بشكل مستمر في كافة وسائل التواصل؛ حيث أن عدم توفر المعلومات الكافية لدى أفراد المجتمع قد يخلق نوعًا من التشويش عند العامة عن هذه الأمراض النفسية ومدى خطورتها على حياة الفرد والمجتمع.

وثمة إشكالية تتعلق بالسبيل الأمثل للتصدي لمن يتربحون من الأمراض النفسية، في ظل وصمة العار التي يعاني منها المريض النفسي وأهله. سواء من يعالجون بعلم الطاقة أو بالرقية الشرعية وغيرها، بدلًا من إرساله للطبيب النفسي المختص قبل أن يدمر المريض نفسيًا وتسوء حالته!

كما أن هناك حلول وبرامج وعلاجات كثيرة أثبتت نجاحها للتصدي للأمراض النفسية وعلاجها في الدول الغربية ويمكننا الاستفادة من تجاربهم نظرياً ولكن لا يمكن أن نطبقها كما هي في المملكة؛ فيجب علينا أن نقوم أولاً بالتكييف الثقافي لهذه البرامج والعلاجات للتأكد من أنها مناسبة لمجتمعنا المحلي، وهي تتطلب دعم مادي ليس قليل لتغطية تكاليف الأبحاث التي سوف تدرسها بين السعوديين، وقد يكون عدم توفر الدعم المادي الكافي لهذه الأبحاث أحد العوائق لإيجاد الحلول بشكل سريع.

وثمة إشكالية تتعلق بالوصمة الاجتماعية للمرض النفسي؛ حيث أن المجتمع السعودي بحاجة إلى برنامج متكامل يعنى بتوعية المجتمع حول الصحة النفسية بشكل عام وحول توضيح أن زيارة الطبيب النفسي ليس عيباً أو جرماً بل مصلحة للإنسان وللمجتمع.

ويمكن الإشارة هنا لجانب من معاناة بعض الأسر التي تم تشخيص مريضها النفسي التشخيص السليم الذي يستدعي تنويمه ولكن يصعب توفير سرير له، فيكون وجوده في أي منزل معاناة كبيرة لكل من معه من النواحي التالية:

  • أطفال يهابونه ويؤثر فعليًا على شخصياتهم في المستقبل.
  • والدان يتحملان الأمرين في محاولة التوفيق بين علاج ابنهم المريض وتربية بقية أبناءهم بشكل سوي، بالإضافة إلى معاناتهم المستمرة وحاجتهم المستمرة إما لتبرير غياباتهم أو تأخرهم أو انصرافهم مبكرًا، أو حاجتهم للحصول على إجازات مرافقة مستمرة أو متقطعة وغير ذلك.
  • العاملون في المنزل، نجد منهم من هو متعاطف لكن يخاف ويهرب، وتبقى الأسرة في حالة تغيير مستمر للعاملين وهذا يرهق الأم بشكل خاص. أو عامل غير متعاطف ويقوم بابتزاز المريض، ويستخدم القوة ضده مما يزيد من سوء حالته.
  • أقارب منقسمون، محبون ويحافظون على أسرار المريض لكن يخافون من التعامل معه والقدوم لمنزله. أو غير محبين، ويقومون بإفشاء المعلومات عن مرضه وتحذير الكل منه وفي بعض الأحيان تصل لمبالغات تشوه سمعته.
  • تتضاعف المعاناة لو كانت تمس أحد الوالدين وخطرها الذي وصل إلى حد حصول حوادث مميتة.

لذلك كأولوية قصوى يجب تصحيح النظرة المجتمعية السلبية للمريض النفسي، كما أننا في أمس الحاجة لزيادة عدد المستشفيات المتخصصة في العلاج النفسي، وعدد العاملين فيها من جميع الكوادر المؤهلة القادرة على متابعة هؤلاء المرضى وفق معايير مراقبة ومحاسبة وتوجيه وعقوبة تقف بالمرصاد لكل متخاذل أو متهاون أو مبتز.

وثمة إشكالية أخرى مهمة ترتبط بالصحة النفسية وتتركز في ضعف الاهتمام بأدوات التشخيص التي يحتاجها الطبيب النفسي أو المعالج. فالواقع أن هناك نقص الشديد بل وندرة في وجود مختصين في القياس النفسي. ويبدو أمراً غير مفهوم أن تُشخص الحالات النفسية والأمراض بالاعتماد فقط على المقابلات. هناك المئات بل وربما الآلاف من الاختبارات النفسية التي تطبق في التشخيص على نطاق واسع، على الأقل في الولايات المتحدة. ويمكن الاطلاع على غالبية المنشور منها في مطبوعات Burus الدورية.

وبالتأكيد فإن هناك مشكلات معقدة قد تقف أمام التطرق لمشكلة الاختبارات النفسية ودورها في التشخيص، لعل أهمها صعوبة ميدان الاختبارات النفسية وما يتطلبه من خلفيات في الإحصاء والرياضيات، ونقص في التأهيل تحول دون مناقشة المضامين المترتبة على استخدام مثل هذه الأدوات أو تطويرها، لكن لا عذر في تجاهلها. ولعل من المهم في هذا الصدد إيجاد مقررات في الجامعات تعنى بتأهيل مختصين في تطوير الاختبارات النفسية وأدوات التشخيص السيكومترية واستخدامها. بل وجعل إلمام المتخصص النفسي بهذه الاختبارات والأدوات شرطا في الحصول على ترخيص بمزاولة المهنة.

  • الصحة النفسية والتعليم.

إن نظرة سريعة إلى واقع ما يملكه التعليم من امكانات بشرية وتنظيمية تخدم مجال الصحة النفسية نجد أنها “متخلفة” عن الطموح ببون شاسع، وأولها تدريب المعلمين في الدبلومات التربوية والذي لا يلقي للصحة النفسية بالا فيتخرج المعلم مهلهل الثقافة في هذا الجانب ويضاف له ضعف تقديم المواد المكملة لذلك مثل علم نفس النمو وعلم النفس التربوي وضعف تطبيقاتهما التدريبية في فترة (التطبيق العملي) والذي يمر شكلياً. كل ذلك ينتج معلم يملك معلومات “نظرية” ليستخدمها في اجتياز اختبارات القبول للمهنة بينما لم يمكنه التدريب الجامعي من الإيمان بها. هذا فيما يخص جيل المعلمين الجديد، أما الاجيال السابقة والتي ربما هي تمثل 80% من القوة البشرية الحالية فلا تُسأل عن هذا الجانب لأنه شبه غائب في دراساتهم وتأهيلهم الجامعي.

أما فميا يتعلق بالمرشد الطلابي والذي هو معلم يحمل أي تخصص (جغرافيا، دين علوم، اقتصاد …الخ) ولكنه حضر دورات تدريبية حفظ خلالها معلومات ثم انتقل من عمل المعلم “المضني” وربما كراهية الطلاب له إلى مهمة المرشد الطلابي حيث المكتب المريح والصداقات مع الطلاب واولياء امورهم (باختلاف مناصبهم والمصالح المترتبة من ذلك) وكذلك رضاء تام من ادارة المدرسة؛ وذلك أن نصف وقته يساند الادارة في أعمالها وربما يشرف على أنشطة وما إلى ذلك مما يبرز اسم المدرسة. وهناك أعمال كثيرة يطلبها الاشراف التربوي المختص بالتوجيه من المرشد الطلابي ولكن جلها كتابي في سيل من السجلات يملؤها لإثبات عمله الارشادي وهي مهمة يتقبل تعبها بكل ترحيب مقابل المكاسب الأخرى.

ولعل أهم قضية تؤرق المرشد الجاد هي المشكلات السلوكية بالمدرسة فهي ما يشعر بمسؤوليته عنها، أما الاضطرابات والأعراض النفسية سواء تشخيصا أو توعية فهو أولاً لا يملك كثيرا من المعرفة والتدريب الأصيل عنها كما أنه يبتعد عنها ليركز على هم الإدارة التي تقيمه وهي سلوكيات الطلاب.

وفي جانب آخر مهم فإن التنظيمات لا تساعد العاملين الجادين في التعليم لدعم الصحة النفسية؛ فالموضوع نفسه يأخذ قليلا جدا من الاهتمام ولا تتوافر له اجراءات واضحة ولا تملك المؤسسة التعليمية ادارات أو مراكز داعمة للصحة النفسية وذلك منذ تواجد ما يسمى بإدارة الصحة المدرسية ثم لاحقا اصبحت بمستوى “وكالة الصحة المدرسية” وحتى انتقلت بعدئذ إلى وزارة الصحة. ولهذا فان العاملين (نادرين الوجود) والذين قد يهتمون بحالات الصحة النفسية المحتاجة لرعاية لن تدعمهم مكونات مؤسستهم التنظيمية ولا حتى ثقافة العمل فيها.

ثلاث مراحل دراسية و18 سنة من عمر الانسان السعودي في يد هذه المؤسسة والتي يمضي فيها الطالب أكثر من ثلث يومه لا تقدم كثيراً في هذا المجال هو امر يستحق التوقف.

واستناداً إلى ذلك، فمن المهم تبني وزارة التعليم لمشروع يركز على تدريب المعلم في الجامعات ويمر عبر مراجعة مكونات تأهيل المرشد الطلابي بما يحقق تقدم الصحة النفسية وانتهاء بسن تنظيمات تتعلق بالصحة النفسية وانشاء مراكز تمثل منصة تجسيرية platform بين الجهة التعليمية وجهات الصحة النفسية العلاجية والبحثية سواء للتشخيص المتقدم والاستشارات أو للتوعية والتدريب المستمر.

ومن المهم مراعاة أنه ليس لكل طفل يعاني من اضطراب نفسي احتياجات خاصة من المنظور التعليمي المتمركز على محتوى المنهج، فذلك ينطبق على ذوي اضطرابات التعلم والإعاقات الذهنية والاضطرابات النمائية بشكل عام. ولكن قد تكون للأطفال احتياجات عاطفية وعلاقية واجتماعية يندر أن يكون النظام التعليمي قادر على تقديم ما يناسب فيها. هناك محاولات واجتهادات من بعض المرشدين في المدارس من ذوي الخلفية في علم النفس ومن بعض إدارات المدارس ومن بعض المعلمين، ولكن حسب ما يظهر لنا هي اجتهادات فردية. وفي الحقيقة كثير من هذه الاجتهادات رائعة ومفيدة جداً، ولكننا بحاجة لنظام متكامل.

  • العلاج النفسي عن بُعد وتقييم مدى فعاليته.

نظر الباحثون في أكثر من 60 دراسة ووجدوا أن زيارة المعالج افتراضيا هي بنفس فعالية الجلسات وجها لوجه بالنسبة لمعظم الأشخاص الذين يعانون من القلق والاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة (PSTD). وأظهرت 40 دراسة أخرى أن العلاج عبر الإنترنت لعلاج الاكتئاب أكثر فعالية من عدم تلقي العلاج بأي شكل من الأشكال. لكن هذا لا يعني أن العلاج عبر الإنترنت مناسب للجميع. ليس الجميع مرشحًا جيدًا للعلاج الافتراضي. كما أن معظم العلاجات عبر الإنترنت تتبع العلاج السلوكي المعرفي وهو علاج مناسب لمشاكل الصحة النفسية الخفيفة إلى المتوسطة.

إذا كان الشخص يعاني من مشاكل صحية نفسية أكثر خطورة أو أعراض حادة تتداخل بشكل كبير مع حياته اليومية وقدرته على العمل، فإن العلاج عبر الإنترنت لا يزال أكثر فعالية من عدم العلاج. ولكن كلما كان ذلك ممكنًا، يجب على الأشخاص الذين يعانون من حالات أكثر خطورة أن يختاروا جلسات وجهًا لوجه مع المعالج. كما توفر الاجتماعات وجهًا لوجه فرصة أكبر للتدخل الشخصي والاستجابة السريعة والفعالة في حالة حدوث أزمة تتعلق بالصحة العقلية.

ولا بد أن نذكر أن هناك نقص شديد في الكفاءات سواء أطباء طب نفسي أو معالجين نفسانيين، ولا يمكن الاعتماد على الزيارات وجهاً لوجه لمكافحة وعلاج الكم الهائل من الحالات والاضطرابات النفسية المنتشرة بين أفراد المجتمع، فنحن نمر بأزمة عالمية، يمكن اعتباره وباء عالمي للصحة النفسية، ولابد من اللجوء للحلول التقنية لسد الفجوة الناتجة عن قلة أعداد الأطباء والمعالجين.

وللعلاج النفسي عن بعد عيوبه، وأكثرها متعلق بالجوانب التنظيمية له (الخصوصية، الملفات الطبية، إمكانية الوصول للمستشفيات والتعامل مع الطوارئ والحاجة للتنويم ومتابعة وصف الأدوية وتثبيت البيئة والهيئة التي يتم التواصل بها… الخ) ولكن له مميزاته ومنها (تسهيل الوصول لمن يصعب وصولهم للخدمات الحضورية). وهذه الأخيرة هامة لعدة أسباب ومنها عدم تساوي توزيع الموارد البشرية بين المدن والمناطق بالإضافة لصعوبة المواصلات لبعض المستفيدين. الخدمات المقدمة تشمل الخدمات الطبنفسية والعلاج النفسي بالجلسات. لكن توجد استثناءات كثيرة لا تسمح بالإفادة من العلاج عن بعد ومنها الحاجة للفحص الجسدي والحاجة لاستكمال اختبارات ورقية تقييمية والحاجة للقيام بفحوصات مخبرية أو إشعاعية وغير ذلك.

وفيما يتعلق بالجلسات العلاجية بالكلام، فإن هناك تفضيلاً للجلسات الحضورية بشكل عام ولكن في حالات كثيرة بالإمكان الحصول على جُلّ الفائدة عن بُعد مع الأخذ بكل التحفظات المذكورة أعلاه. في مقابل ذلك، قد لا يكون من المجدي على الإطلاق القيام بتقييم طب نفسي للأطفال، وبخاصة ذوي الاضطرابات النمائية، عن بعد. ولكن من الممكن القيام ببعض مواعيد المتابعة الطبية عن بعد.

أما بخصوص الدراسات التي تمت لتقييم دور هذه التقنية، فقد كان معظمها متمركزاً حول العلاج النفسي (وبخاصة المعرفي السلوكي) ولم تجد الدراسات فروقاً ذات أهمية عن الجلسات الحضورية ولكن تعميم هذه النتيجة على كل الخدمات المقدمة عن بعد غير ممكن حالياً، كما أنها ليست حلاً مثالياً والمسألة بحاجة لجهد كبير على المستوى الوطني لتنظيمها. وتوجد نماذج لتطبيق التدخلات الطبية عن بعد (Telemedicine/Telepsychiatry) تتفادى معظم العيوب والمآخذ ولكنها مكلفة وصعبة التطبيق على نطاق واسع. وتوجد عدة مبادرات متعلقة تحت الدراسة.

وفي سياق متصل وتفادياً للبس يجب أن نفرق بين ثلاثة أمور:

  • أولاً: التشخيص ووصف العلاج.
  • ثانياً: العلاج النفسي أي بعيدا عن الأدوية وينقسم إلى نوعين كبيرين وهما: العلاج المعرفي السلوكي، والعلاج التحليلي.
  • ثالثاً: التحليل النفسي (فرويد ومدرسته وتابعييه) وعلم النفس التحليلي يونغ (وتابعيه) وميلاني كلاين، وإدلر، والمدرسة البريطانية، والفرويديون الجدد، وما بعدهم، وغيرهم كثير.

وفي العيادة النفسية لا يهتم الطبيب والأخصائي والمعالج بالمعلومات فحسب، ولكن عليه الاهتمام بالتواصل البصري، ومواصفات الكلام واللغة غير اللفظية (ويدخل تحت هذا الوصف لغة الجسد وكل شيء في الكلام غير محتوى اللفظ).

هذه الأمور يمكن أن تكون كافية في العلاج عن بعد بالصوت والصورة للوصول إلى تشخيص مناسب ووصف العلاج الدوائي والنفسي.

وهذا يمكن أن ينطبق على العلاج المعرفي السلوكي؛ لكنه قد يكون محدود الفعالية في أنواع العلاج التحليلي. ممارسة هذا النوع من العلاج على صورتين:

  • الصورة الأولى: الأكثر شيوعاً حالياً: هي الجلوس متقابلين في جهتي الركن بحيث تكون زاوية الرؤية متسعة كي لا يضطر المريض أو المراجع بالأحرى إلى النظر إلى المعالج طوال الوقت، أو يكون المعالج مسلطا عليه نظراته طوال الوقت.
  • الصورة الثانية اختيارية: أن يكون المراجع مستلقيا على الأريكة (كما نشاهد في الأفلام القديمة) وكان المعالج التحليلي يجلس بالقرب من رأس المراجع ولكنهما لا يران بعضهما البعض. وهذا هو الأسلوب التقليدي القديم كي لا يكون هناك أي حاجز بين المراجع والتداعي الحر أي الكلام بحرية على كل ما يطرأ على باله.

هنا تهمنا الصورة الأولى عن ما يظهر في التواصل عن بعد بالصورة لا يمثل الوضع الجسدي الكامل لكلا الطرفين. وهذا يحد من تقدير المعالج معرفة اللغة الجسدية للمراجع كما أن المراجع لا يستطيع وهذا يحدث على مستوى ما دون الوعي. ذلك أن العلاقة تبادلية بشكل قوي عجيب لا يعرفه إلا الممارسون. الأمر الآخر، هو الجو العام الذي يسود جلسة العلاج التحليلي.

  • استشراف مستقبل الصحة النفسية في المملكة.

الاضطرابات النفسية يمكن أن تشكل عبئًا كبيرًا على أي مجتمع، بما في ذلك المجتمع السعودي، من خلال التأثيرات الصحية، الاجتماعية، والاقتصادية الواسعة، وهناك تحديات تتعلق بالتعرف على الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية في مراحل مبكرة والتدخل الفعال لمساعدتهم. وهذا يتطلب تدريب المهنيين الصحيين، بما في ذلك الأطباء العامين والممرضين، على التعرف على أعراض الاضطرابات النفسية وتقديم الدعم المناسب أو الإحالة للمتخصصين. وبالتوازي مع ذلك، يجب الاستثمار في البحث العلمي لفهم أفضل لأسباب الاضطرابات النفسية وطرق الوقاية منها وعلاجها في سياق المجتمع السعودي خاصة. ومع تحسن القدرات على مواجهة هذه التحديات، يكون المجتمع السعودي أكثر استعدادًا لتحقيق نتائج صحية واجتماعية واقتصادية إيجابية، لاسيما من خلال ما يلي:

  • فيما يخص تحديات سياسة الصحة العامة: يجب التخطيط للسياسات العامة بما يضمن تضمين قضايا الصحة النفسية ضمن الأجندة الوطنية للصحة.
  • فيما يخص الاحتياج للبحث والتوعية: هناك حاجة مستمرة للبحث في مجال الصحة النفسية ولإجراء حملات توعية لتحسين الفهم العام للمشاكل النفسية والتقليل من الوصمة المرتبطة بها.

وتجدر الإشارة إلى أن الدولة تقوم حالياً بتطوير الخدمات الصحية. ويوجد الآن برنامج من برامج الرؤية هو برنامج التحول في القطاع الصحي. وقد سبقه التحول ضمن وزارة الصحة كجزء من برنامج التحول الوطني (أيضاً أحد برامج الرؤية). وضمن هذا الأخير بدأ العمل على استراتيجية للصحة النفسية والإدمان والاضطرابات النمائية منذ ٢٠١٧. وتم الانتهاء من وضع الاستراتيجية في ٢٠١٩ ولكن كانت منحصرة على قطاع وزارة الصحة (وشركة صحة القابضة التي تدير الآن منشآت الوزارة). وتعطل تطبيقها بسبب الجائحة ولكنها دخلت حيز التنفيذ جزئياً وتدريجياً في منشآت الوزارة.  وكان الجهد خلال السنوات الأخيرة مبذولاً في انضمام القطاعات الأخرى للاستراتيجية، ومؤخراً في تحديثها لتواكب بيانات التعداد السكاني الأخير والتواؤم مع برنامج التحول في القطاع الصحي والذي يشمل كافة قطاعات الدولة. ونتوقع خلال أشهر معدودة أن تعرض الاستراتيجية على المقام السامي.

وفي سياق ذي صلة، يعد من أهم ركائز الاتزان النفسي هو التوافق مع العالم الخارجي. والأسرة تعتبر أهم تلك الركائز، ومعاملة الأسرة غير الصحيحة لهذه الفئة من المرضى تتسبَّب في ضغوط نفسية على المريض. لذلك يجب التركيز على دور الأسرة الهام في تأهيل مريضها النفسي للعلاج ومساعدته على التكيف مع المجتمع.

كما أن المدارس، هي فعلاً عامل مهم في نشر الوعي وتتبع الأمراض النفسية ومكافحتها، خاصة وأن أغلب الامراض النفسية تبدأ خلال مرحلة الطفولة والشباب؛ فبين المصابين بالأمراض النفسية 50% منهم بدأ المرض قبل سن 14 سنة؛ ولذلك فالمدرسة مهمة للوعي، للمكافحة وأيضاً للكشف المبكر عن المرض.

وبالنظر إلى أن أغلب الامراض النفسية؛ يكون أساسها مشاكل أثناء مرحلة الطفولة كالعيش في أسره مفككة أو التعرض للعنف والايذاء أو التعرض للعنف المجتمعي والتنمر وطلاق الوالدين وغيرها من الأسباب التي تؤثر على نمو الطفل النفسي والاجتماعي؛ لذلك فثمة حاجة ماسة للاهتمام بمرحله الطفولة المبكرة كأساس لكثير من الأمراض النفسية في الكبر من خلال برامج الوقاية من العنف والايذاء ودعم الأسر ونشر برامج الوالدية الفعالة وغيرها من البرامج التي تعنى برعاية ورفاهية الأطفال.

وبالنظر إلى أن جزء لا يستهان به من الضغوطات النفسية المعاصرة مرتبطة بالاحتراق الوظيفي الموجود في بيئة العمل، وقد يكون أحد الحلول هو وجود برامج متكاملة لتعزيز الصحة النفسية للموظفين وبالأخص المرأة التي تعاني الأمرين للحفاظ على التوازن المطلوب بين منزلها وعملها. من خلال إطار متكامل وليس كما هو معمول به حاليًا في بعض الجهات، وهو عبارة عن خلق وظيفة تسمى “أخصائي السعادة”؛ فهي كمبادرة قد تساعد البعض من الناحية الترفيهية فقط لكن لا تفي بالغرض المأمول من الناحية النفسية. ومن جهة أخرى فإن كثير من المرضى النفسيين يحتاج للمساندة والدعم النفسي والاجتماعي ممن حوله؛ للقضاء على وصمة العار التي تلحقهم، وللخروج من أزمة المرض النفسي قبل أن يتفاقم. وهذا يحتاج لتوعية خاصة ومكثفة بنشر الوعي وتصحيح تلك المفاهيم المغلوطة عن المرض النفسي لأهل المريض ومن يرافقه بصفة مستمرة وهذا بكل صراحة ليس متوفر.

ومن جهة أخرى وحيث أن المريض النفسي قد لا يعلم أنه مريض وانه بخطر ولكن يمكن لمن حوله مساعدته؛ فمن المهم عمل حملات توعوية عن أي ظاهرة نفسية وايجاد بيئة أمنه لمواجهتها، كما أن من المهم لدى طلب المساعدة التجاوب بشكل صحيح وليس طلب كبت مشاعر بحجة أن الكل لديه همومه، ولابد من المحافظة على سرية المعلومات ومعاقبه كل من يفشيها. وكل ذلك يحتاج للوائح وانظمه تعزز الصحة النفسية داخل المؤسسات سواء تعليميه أو في بيئة العمل.

أيضاً فإن الاهتمام بالصحة النفسية والارتقاء بها في المملكة يمكن أن يشمل إضافة لما تقدم أعلاه ما يلي:

  1. بناء خطة إستراتيجية عليا على غرار برامج رؤية 2030 وتوزيع المهام على القطاعات ومتابعة تنفيذها سيحقق الأهداف المرجوة والمرسومة؛ لنبني صحة نفسية عالية المستوى وبنسب مرتفعة.
  2. يتعين على الأخصائيين النفسيين في المدارس وفي الجامعات بدلا من انتظارهم الحالة أن يبادروا ببناء خطة لتتبع الحالات النفسية والاجتماعية، بالتعاون مع المعلمين والأساتذة؛ بحيث ينطلقون من مرحلة الوقاية ثم الاكتشاف المبكر ثم الحلول والمعالجة، هذه تكون خطة يسير عليها جميع المرشدين حسب توجيهات عليا مع استمرارية خضوعهم للتدريب والتطوير حسب المستجدات في المجال.
  3. توجد أهمية لأن يكون هناك ملف رقمي لكل طالب يبدأ من المرحلة الابتدائية أو قبلها ويستمر إلى ما بعد التخرج أيضاً، ومن المهم ربطه بملفه الصحي في المراكز والمستشفيات مع نظام دقيق يحافظ على السرية للمعلومات، على أن يكون ذلك من ضمن خطة برنامج التحول الصحي.
  4. يجب تفعيل دور الجمعيات والمراكز في الاهتمام بالصحة النفسية – فللأسف هناك الكثير من الجمعيات في السعودية لم يفعل دورها لتحقيق الأهداف المنشودة – مثلا يوجد في المملكة المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية والجمعية الاجتماعية للصحة النفسية وغيرها من الجهات يجب أن يكون لها دور بالشراكة مع وزارة الصحة أو المستشفيات أو الجامعات وتحال إليها ملفات ومبادرات للنظر فيها واستكمالها والسعي لتطبيق التوصيات والنتائج التي توصلت إليها هذه الملفات أو الأبحاث والدراسات واستحداث خطط في المجال.
  5. تحقيق الشراكات مع القطاع الخاص والدعوة -بتسويق مميز -لمشاركة رجال الأعمال والشركات ذات العلاقة لتقديم مشروعات ودعم استحداث كراسي أبحاث في الجامعات؛ لتبني خطط وزارة الصحة في المجال واستكمال مشروعاتها التي توقفت.
  6. تشجيع الجامعات في التخصصات ذات العلاقة على أن يتناول الطلبة في مشروعات التخرج موضوعات وقضايا يكون لها الأولوية في المجال ويتم التركيز على الجانب التطبيقي وربطه بالذكاء الاصطناعي.
  7. توجيه أبحاث الترقية وتشجيع الابتكار لأصحاب التخصص في المجال مما يخرج بمنتج تقني أو مسح ميداني وغيره.
  8. التكامل بين الجهات ذات العلاقة وتوحيد الجهود وتصنيفها لتوكل كل قضية لجهة معينة، مثلاً: كل جامعة تأخذ جانبا من جوانب الصحة النفسية وكذلك المراكز الصحية النفسية والجمعيات بإشراف تام من قبل وزارة الصحة، لتكون القضايا حديثة متوافقة مع مستهدفات برامج الرؤية، وتبدأ من حيث انتهى إليه الآخرون وقابلة للتطبيق.
  9. ضرورة تفعيل الشراكات ما بين وزارة الصحة والجهات الخاصة ذات العلاقة للتركيز والانتشار أكثر في مجال الوقاية. والتركيز على المدارس منذ المراحل المبكرة من خلال (إعداد العاملين فيها إعداداً تأهيلياً مناسباً لمهارات الاكتشاف المبكر للظروف الأسرية الضاغطة على استقرار الطفل نفسياً).
  10. أهمية عقد الشراكات ما بين وزارة الصحة والجهات الخاصة مثل المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية الذي لا يألوا جهداً في إعداد البرامج والدورات ونشر التوعية النفسية والشراكات (لكن مازال بحاجة لدعم مالي وبشري أقوى) حتى تصل رسالته وخدماته للمناطق الأخرى.
  11. في عام ١٤٤٠ هـ أصدرت اللجنة الوطنية لتعزيز الصحة النفسية (الدليل الشرعي الميّسر للمريض النفسي)، وهذا الدليل يعد مصدراً مهماً للاطلاع لذوي المريض النفسي ‘ والعاملين معه ‘ وأيضاً للعاملين في مجال القضاء.
  12. فتح المجال لرجال الأعمال للتعزيز من خدمات الصحة النفسية لكي تصل لكل مواطن محتاج لها بدون متاجرة بحاجته ومرضه! فالمجمعات للصحة النفسية تُعدّ على الأصابع مقارنة بالكثافة السكانية للمملكة!

وقد يكون أحد الحلول العملية لتفعيل الاهتمام بالصحة النفسية في المجتمع السعودي، إطلاق برنامج مشترك بين وزارة الصحة ووزارة التعليم ووزارة الموارد البشرية تحت مسمى “برنامج الصحة النفسية للجميع”، ويكون أحد مبادرات هذا البرنامج حصر جميع الاضطرابات النفسية أو أكثرها انتشاراً في المملكة وبناء على ذلك يتم تطوير دليل صحي /طبي/علاجي مبني على البراهين للتعامل مع هذه الحالات سلوكياً وعلاجياً وإدارياً بالشكل السليم. ويتم متابعة تطبيق هذا الدليل بمؤشرات أداء ومراجعين داخليين للتأكد من تطبيق الدليل بالشكل السليم (مع تمكين الجهات والمرافق من تعديل وتطوير الدليل بما يتلائم مع قدراتها وإمكانياتها ويكون ذلك تحت إشراف الجهة المطورة له) وذلك لجعل الدليل قابل للتطبيق وكذلك تتمكن الجهة المسؤولة من قياس أثر تطبيقه على الفرد والمجتمع. ومن شأن هذا الدليل أن يسهم في:

  • حصر الاضطرابات النفسية الأكثر شيوعاً في المملكة من خلال دراسات مسحية تشمل جميع فئات المجتمع.
  • تسليط الضوء على الفجوة والاحتياج فيما يتعلق بتوفير الخدمة المناسبة للمستفيد تشمل:
  • توفير كوادر متخصصة في الصحة النفسية، وإتاحة مستشفيات للصحة النفسية بسعة سريرية تكفي الاحتياج والأدوية وغرف العلاج السلوكي …إلخ.
  • بناء سياسات وإجراءات واضحة تضمن سلامة الفرد النفسية في المنظمة التي يعمل أو يدرس بها.
  • سن قوانين وتشريعات في البيئات الدراسية والعملية تأخذ بعين الاعتبار الجانب النفسي والسلوكي للموظف أو الطالب.

 

  • التوصيات
  • تنظيم حملات توعوية واسعة النطاق لزيادة الوعي بأهمية الصحة النفسية وكيفية التعامل مع الاضطرابات النفسية.
  • زيادة عدد المستشفيات والمراكز المتخصصة في العلاج النفسي في جميع مناطق المملكة، مع التركيز على توفير العلاج المجاني أو المدعوم للمحتاجين.
  • تعزيز برامج التدريب والتأهيل للأطباء، المعالجين، والمرشدين النفسيين لضمان توفير خدمات علاجية عالية الجودة.
  • تشجيع وتمويل البحوث والدراسات التي تهدف إلى فهم أفضل للمشكلات النفسية في المجتمع السعودي وتطوير طرق علاجية فعالة.
  • تطوير نظام يحتوي على ملف رقمي للصحة النفسية لكل مواطن يشمل تاريخه الصحي النفسي ويسهل الوصول إليه من قبل المتخصصين.
  • إنشاء برامج تعاون بين وزارتي الصحة والتعليم لتوفير الدعم النفسي للطلاب وتدريب المعلمين على التعرف على علامات الاضطرابات النفسية وكيفية التعامل معها.
  • إنشاء برامج دعم لأسر المرضى النفسيين توفر لهم المشورة والإرشاد والدعم العملي في التعامل مع تحديات رعاية أحد أفراد الأسرة المصابين بالاضطرابات النفسية.
  • مراجعة وتحديث القوانين والتشريعات لتعزيز حقوق المرضى النفسيين وضمان حصولهم على الرعاية والحماية الكافية.
  • تأسيس فرق عمل متنقلة لتقديم الدعم النفسي في المناطق النائية والمجتمعات التي يصعب فيها الوصول إلى الخدمات الصحية النفسية.
  • توفير خطوط ساخنة مجانية أو منصة رقمية تعمل على مدار الساعة لتقديم الاستشارات النفسية والإرشاد للأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الفورية.
  • حث القطاع الخاص على الاستثمار في مجال الصحة النفسية من خلال إنشاء مراكز علاجية أو دعم البرامج والمبادرات الموجهة للصحة النفسية.
  • تشجيع التعاون بين الجهات الحكومية والجمعيات الأهلية والمنظمات غير الربحية لتوفير خدمات الدعم النفسي والتوعية.
  • تأسيس برامج تعليمية ودورات تدريبية تستهدف تخصصات الصحة النفسية لزيادة عدد المتخصصين المؤهلين في هذا المجال.
  • تشجيع المؤسسات على تقديم برامج الدعم النفسي لموظفيها وتطوير بيئات عمل داعمة تسهم في الحفاظ على الصحة النفسية للعاملين.
  • إنشاء برامج ومبادرات تستهدف الشباب بشكل خاص لمكافحة الأمراض النفسية، والكشف المبكر عنها، وتوفير العلاجات المناسبة، بما يتوافق مع الثقافة والقيم المجتمعية.
  • تدريب الكوادر الطبية في مراكز الرعاية الصحية الأولية على التعرف المبكر وإدارة الحالات النفسية البسيطة والتوجيه الصحيح للحالات التي تحتاج تدخلات أكثر تخصصًا.
  • تشجيع رجال الأعمال والمؤسسات على توجيه جزء من أعمالهم الخيرية نحو إقامة ودعم المستشفيات والمراكز المتخصصة في الصحة النفسية، بما في ذلك برامج معالجة الإدمان وتقديم الخدمات في مختلف مناطق المملكة، مع التأكيد على أهمية العلاج المجاني أو المدعوم والإشراف والمراقبة وفقًا للمعايير المعتمدة من وزارة الصحة.

 

  • المصادر والمراجع
  • السبيعي، جوزاء معيض مفرج. (2019). أثر ممارسة العمل التطوعي على جودة الصحة النفسية لدى عينة من الشباب في المملكة العربية السعودية. عالم التربية، ع 67، ج 3، 135-148.
  • الزهراني، عبدالرحمن بن درباش موسى. (2019). دور مكونات الذاكرة العاملة في التنبؤ باضطراب الوسواس القهري لدى عينة من المترددين على مستشفيات الصحة النفسية بالمملكة العربية السعودية. المجلة الدولية للدراسات التربوية والنفسية، مج 6، ع 2، 237 – 252 .
  • العنزي، حسن مشهور دليمان العبدلي. (2000). اتجاهات أسر المرضى النفسيين نحو المرض النفسي: دراسة سوسيولوجية على عينة من أسر مرضي مستشفى الصحة النفسية عمان.
  • الغامدي، إبراهيم بن علي. (2022). تقييم الخدمات العلاجية غير الدوائية المقدمة للمستفيدين في مستشفيات الصحة النفسية الحكومية بالمملكة العربية السعودية: دراسة ميدانية. مجلة الخدمة الاجتماعية، ع 74، ج 3، 119 – 146.
  • المطيري، ذيب بن تريحيب الجبرين، الحربي، وجدان نواف، و الصيخان، ريم ماجد. (2023). جودة الخدمات المقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة لتحقيق الصحة النفسية لديهم في سوق العمل في المملكة العربية السعودية وفق رؤية 2030. مجلة العلوم التربوية، مج 10، ع 2، 286 – 332 .
  • الوعيل، أمل بنت عمر. (2021). التفكير الإيجابي وعلاقته بأبعاد الصحة النفسية لدى طالبات كلية التربية في جامعة الأميرة نوره بالمملكة العربية السعودية. مجلة التربية، ع 189، ج1، 183 – 224 .
  • الوعيل، أمل بنت عمر. (2021). علاقة أبعاد الصحة النفسية بالتحصيل الدراسي لدى طالبات كلية التربية في جامعة الأميرة نورة بالمملكة العربية السعودية. مجلة العلوم التربوية والنفسية، مج 5، ع 13، 188 – 164.

 

  • المشاركون.
  • الورقة الرئيسة: د. ياسمين التويجري
  • التعقيب الأول: د. فهد اليحيا
  • التعقيب الثاني: د. ياسر الدباغ
  • إدارة الحوار: د. ماجد الغريبي
  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • أ. فائزة العجروش
  • د. زياد الحقيل
  • د. أماني البريكان
  • المحامي أحمد المحيميد
  • د. حميد الشايجي
  • م. محمد المعجل
  • د. خالد المنصور
  • د. محمد الملحم
  • بروف. مها المنيف
  • د. محمد الغامدي
  • د. وفاء طيبة
  • د. عبدالعزيز العثمان
  • د. مساعد المحيا
  • د. نادية الشهراني
  • د. فايزة الحربي
  • د. نوال الثنيان
  • معالي الفريق د. عبدالإله الصالح
  • د. موضي الزهراني
  • د. عائشة الأحمدي
  • د. فوزية البكر
  • م. أسامة كردي
  • د. نياف الجابري
  • د. عبير برهمين
  • د. سكينة الشيخ
  • د. إبراهيم الدوسري
  • د. نجاح القرعاوي

 

[1] – كبيرة الباحثين ورئيسة قسم الإحصاء والبحوث الوبائية في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث.

[2] – استشاري الطب النفسي.

[3] – استشاري الطب النفسي وطب نفس الأطفال والتحليل النفسي.

تحميل المرفقات