الورقة الرئيسة
الفضاء: اقتصاده و دوره في رحلة التحول الرقمي
كاتب الورقة: د. حسين الجحدلي
تعقيب: د. عبدالرحمن سليمان العريني
إدارة الحوار: د. عبدالعزيز الحرقان
مقدمة:
تعتبر سيادة الدول من أهم المفاهيم السياسية، لذلك تحرص الدول على تثبيت حدودها البريه، البحرية و الجوية لتتمكن من فرض سلطتها على أراضيها. مؤخراً تم الاعتراف ببعدين جديدين ليكونا من ضمن حدود الدول ألا و هما الفضاء الخارجي و الفضاء السيبراني.
كان الفضاء الخارجي ميداناً للدول المتقدمة، حيث يعتبر قطاع الفضاء من القطاعات المكلفة جداً من حيث المتطلبات المالية و نوعية الكوادر البشرية العاملة به. و يعتبر قطاع الفضاء من القطاعات الباعثه بالفخر لذلك يتم تقبل ميزانياته العالية في حال قررت الدولة خوض تجربته. و في ظل تغير الاحوال و انخفاض تكاليف التقنية بناء على مبداء مور، و سباق الدول للتميز الحكومي و كفاءة الانفاق نجد أن الفضاء وفر حلولاً مجدية مقارنة بتقنيات أخرى خصوصا فيما يتعلق بالاتصالات و الأمن و المراقبة و التتيع الفضائي.
اليوم نجد كثير من الدول تتوجه للفضاء ليكون لها موطىء قدم في هذا الميدان المهم و الذي يعتبر المستقبل.
نبذة تاريخية عن تجربة المملكة في الفضاء:
بدأت قصة مملكتنا العزيزة بالفضاء في أوائل الثمانينات و ذلك بمشاركة أول رائد فضاء سعودي – صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز- ثم بدأت باستكشاف الفرص و بناء القدرات في مجالات الفضاء.
لقد كانت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم و التقنية هي حاضنة هذه الجهود، حيث كان معهد بحوث الفضاء و الطيران يضم عدداً من المراكز المتخصصه من دراسات الفلك إلى دراسات القمر و الاجرام القريبة من الأرض وصولا إلى المركز الوطني للاقمار الاصطناعية.
لقد تمكنت المملكة حتى الأن من أطلاق 16 قمراً صناعياً تنوعت حمولاتها و قدراتها من أقمار الاتصالات حتى أقمار المراقبة و الاستشعار عن بعد. حيث أسهمت مجموعة الاقمار السعودية من تعزيز شبكات الاتصالات الأمنة و التصوير الجوي و الملاحة البحرية. لقد كان للاقمار السعودية دور في دراسة النظريات العلمية كمهمة القمر 14 الذي كانت حولته تجربة علمية لاختبار نظرية أينشتاين بالتعاون مع جامعة ستانفورد، حيث كان دور الجانب السعودي تجهيز القمر لحمل التجربة و التي كانت تجربة فريدة مميزة.
و لقد تميزت المملكة في الدراسات العلمية الخاصة بالفلك و علاقة القمر بالأرض و تحديد المواقيت و المواسم سواء التي لها بعد ديني أو حياتي كالزراعة.
فالراصد لجهود المملكة يجد أنها استثمرت في بناء القدرات بمجالات عدة، من مرحلة علوم الفضاء و دراسات الفلك إلى بناء قدرات تصنيع الاقمار الاصطناعية مروراً ببناء كوادر بشرية نوعية كرواد الفضاء.
و اليوم نجد جهاز من أهم أجهزة الدولة، و هو الهيئة السعودية للفضاء لتعلن مملكتنا الحبيبة أنها تضع الفضاء نصب عينيها و تعزز استثمارتها السابقة بقطاع الفضاء ليضفي عليها التميز في سباقها للقيادة الرقمية العالمية.
نبذة فنية عن الفضاء و الاقمار الاصطناعية السعودية:
صناعة الاقمار الاصطناعية تعتبر من أهم صناعات الفضاء و أكثرها طلباً للمهارات المتقدمة، فهي أدوات الاستكشاف و سبر الفضاء. لذلك من المهم معرفة أنواعها و كيفية أختلافها.
تنقسم الاقمار الاصطناعية من حيث البعد المداري الى ثلاثة أقسام، أشهرها هي (LEO and GEO) و هي المدارات القريبة من الأرض و المدرات الثابتة من الأرض، و الحقيقة أن كلا النوعين يدور حول الأرض و لكن أقمار المدار البعيد تتمركز ببعد يمكنها من الدوران مع سرعة الأرض فتبدو كأنها ثابته في مركزها بالنسبة للحد الجغرافي من الأرض. بينما أقمار المدار القريب تدور حول الأرض أكثر من مرة في اليوم. و لكل مدار تطبيقاته و مزاياه.
أما من حيث الحمولة، فتتنوع حمولات الأقمار بحسب المهمة المرادة. فالقمر يتكون من جزئين مهمين هما الهيكل و الحمولة، الهكيل هو الأنظمة الأساسية من نظام الطاقة و التحكم و اتصالات التحكم التي يحتاجها القمر ليخدم مهمته. بينما الحمولة هي الغرض من القمر و هي ما سيتم التركيز عليه لفهم طبيع القدرات الفضائية.
من أشهر و أهم الحمولات هي الاتصالات، و الهدف إما تعزيز شبكات الاتصالات أو تأمين اتصالات أمنه غير قابلة للاختراق، رغم أن الحمولة واحدةو لكن أختيار المدار مهم، فأقمار المدار البعيد تكون تغطيتها محدودة بنطاق جغرافي ثابت كما جرت العادة أن أقمار الاتصالات ذات المدار البعيد تكون كذلك للبث الفضائي – البث التلفزيوني – بينما أقمار المدار القريب تكون لوسيع الشبكات و التغطية مثل أقمار ستار لنك.
ثم تأتي حمولة المراقبة و القصد هنا هو مراقبة الأرض أو ملاحظة الأرض من الفضاء، و هي تتنوع بتنوع تقنياتها فمنها من يستخدم التصوير الفوتغرافي و الفيديو و منها من يستخدم الأشعة حسب الغرض و منها من يستخدم موجات الرادار. و هي في غالبها أقمار قريبة المدى و يتم الاستفادة منها لمسح الأرض عن الماء و المعادن و التصوير الطبقي للأرض، فهي توفر الجهود و تقلص الوقت و تعطي نتائج دقيقة و تمكن من استكشاف مناطق شاسعة في زمن قياسي.
ثم تأتي حمولات الملاحة و التي تسهم في تتبع و مراقبة الملاحة البحرية حيث تنعدم التقنيات التي تغطي البحار لمتابعة السفن و ما لذلك من أهمية على خطوط التجارة و الخدمات اللوجستية، و الأن يمكن أن تكون هذه التقنية للملاحة الجوية فتمكن من تتبع الطائرات خارج منظومة أبراج المراقبة و ما يترتب على ذلك من إعادة فتح لكثير من مسارات الطيران و توفير في أوقات الرحلات و الوقود اللازم لاتمام الرحلة. و من أهم الأنظمة في الملاحة البرية (GPS) المشهور، و هي منظومة مكنت إلى تطور العلم في المجال فأصبحت الأقمار الأن أكثر دقة لدرجة يمكن تمييز الدور حتى لو تطابقة أحداثيات الأجسام.
أما من حيث الحجم، فتعتبر القمار الاصطناعية كبيرة و ثقيلة الوزن فالأقمار ذات المدار البعيد تصل في أحجامها إلى 6 طن و تزيد أما للأقمار قريبة المدى فهي تصل إلى نصف طن. و الأن يوجد ما يعرف بالأقمار النانونية و هي صغيرة الحجم و تحمل باليد، هذا التطور في أحجام الأقمار و التطور التقني مكن من خلق حمولات جديدة و بناء أنظمة لا يمكن أن يكون لها جدوى بغير الفضاء.
هذه أهم أنواع الأقمار من حيث المدار و من حيث الحمولات و الحجم، و ما زال تطوير الأقمار مستمراً و أصبح التركيز على ماهي المهام التي يمكن أن تكون مربحة في حال تم توظيف قدرات الفضاء.
أهم مجالات اقتصاد الفضاء و فرصه:
يتضح مما سبق أن البشرية لم تستثمر الفضاء و تستغل كل ما به من فرص، بل كان التركيز على سيادة الدول و رفع شأنها لتكون من الدول القوية عسكرياً و القادرة على المنافسة النوعية. و من ثم تهيأت الفرصة ليكون الفضاء هو الاقتصاد القادم و ذلك على عدة أصعدة.
يمكن للفضاء أن يكون مجدياً أقتصادياً و ذلك من خلال تطبيقاته، و هنا تكمن أهمية الأقمار الاصطناعية فهي الحاضن لهذه الأنظمة و الممكن لتنفيذها و أدارتها و من ذلك مثلاً مد شبكات الأنترنت للمناطق النائية و تمكين الاتصال بالأنترنت للاستفادة من كل الخدمات المقدمة بشكل رقمي كالصحة و التعليم.
لذلك أول مجال من مجالات أقتصاد الفضاء و أهمها هو بناء القدرات في تصنيع الأقمار الاصطناعية، و تمكين العلماء في مجالات المعرفة الأخرى أو القطاعات كالتعدين و الخدمات اللوجستية من الأندماج في الحلول الفضائية. و هنا يجدر القول بأن رغم أهمية الأقمار الأصطناعية و بناء قدراتها فالهدف أن يكون لدينا زخم في التصنيع بكثافة عالية، و لكن هذه القدرات لا يمكن أن تنتج تطبيقات مربحه دون أشراك القطاعات الأخرى و التي يمكن أن تنفذ تطبيقاتها و خدماتها من خلال قدرات الأقمار الاصطناعية و هنا تكمن ميزة الفضاء فهو متجدد من هذا المنطلق و هو انعكاس لواقع الدولة مما يعطيها تميزا في قطاعات تملكها و تقودها كالطاقة مثلاً.
كذلك من أهم مجالات الفضاء، إرسال البشر في رحلات استكشاف و دراسة الفضاء و هو مجال خصب له أثر على كثير من مجالات الحياة على سبيل المثال الزراعة، فظروف الفضاء تحتم على رواد الفضاء نوع معين من الطعمة و هو ما لا يتناسب مع طبيعة البشر فلا يمكن أخذ المنتجات التي تحوي ماء بسنب عالية كالطماطم و الورقيات و هي مكون غذائي مهم فعزز هذا البحث في آليات الزراعة المحدودة فنجد قدرات الزراعة دون الحاجة إلى تربة، ضوء أو محدودية الماء و هو ما يمكن تبنيه في الأرض ليعالج مشاكلا تواجهها دول كثيرة معرضة للمجاعة بسبب الظروف المناخية أو الطبيعة الجغرافية.
و من أكثر المجالات أهتماماً هي بناء القدرات العسكرية الفضائية و من ذلك بناء منصات إطلاق الأقمار الاصطناعية و ما يترتب على ذلك من بناء قدرات في الصوارخ عابرة القارات.
يظل الفضاء غير مستكشف في كثير من جوانبه، و لكن هذه نبذة عن أهم المجالات الحالية و التي تلعب دوراً رئيسياً في اقتصاديات الفضاء.
استراتيجية السعودية للفضاء:
المتابع لدولتنا الحبيبة يلاحظ بكل سهولة طموحها العالي، فلا ننسى كلمة سيدي ولي العهد صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان عندما قال طموحنا عنان السماء – و هي ذات العبارة التي كتبها على القمر السعودي SGS للاتصالات و هو أول قمر سعودي بمدار بعيد – و في ظل وجود الهيئة السعودية للفضاء و المعنية برسم استراتيجية الفضاء سيكو هناك تميز بحول الله و قوته لمملكتنا الحبيبة في قطاع الفضاء.
لا يمكن الجزم بمعرفة استراتيجية الفضاء السعودية، و لكن يتضح مما يعلن توجه المملكة لبناء القدرات في الاقمار الاصطناعية و كذلك الاعلان عن مشاركة أول رائدة فضاء سعودية، فيبدو هناك توجه للاستكشافات العلمية و الرحلات البشرية للفضاء. و كلها مهمة و تتطلب جهوداً حثيثة لتحقيقها.