قضية الأسبوع: برنامج “شريك السعودية” .. قراءة في التطلعات والتحديات

الورقة الرئيسة: برنامج “شريك السعودية” .. قراءة في التطلعات والتحديات

 

كاتب الورقة: م. خالد العثمان

المعقبون:
₋ د. عبدالرحمن العريني
₋ د. نوف الغامدي

مدير الحوار
₋ أ. لاحم الناصر

أطلق سمو ولي العهد حفظه الله قبل أيام برنامج “شريك السعودية” الرائد كأحد أهم برامج ومبادرات رؤية السعودية 2030 . يهدف هذا البرنامج إلى دعم وتفعيل مساهمة شركات القطاع الخاص الكبرى في التنمية الوطنية عبر الالتزام بتبني إطلاق مشاريع عملاقة وفق مستهدفات محددة تتضمن التزام كل شركة تنضم للبرنامج بضخ 20 مليار ريال بحد أدنى على مدى 10 سنوات وبحيث لا تقل قيمة المشروع الواحد عن 400 مليون ريال ، وذلك مقابل التزام الدولة بتقديم مجموعة من الحوافز وحزم الدعم والتمكين لهذه الشركات . وقد تضمن إطلاق البرنامج تحديد عدد 24 شركة من الشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودية لتكون باكورة الشركات الكبرى المنضمة لهذا البرنامج ، ومن المتوقع أن تتبعها العديد من الشركات الوطنية المدرجة وغير المدرجة والعاملة في مجالات التنمية والقطاعات الاقتصادية المختلفة . ويستهدف البرنامج الذي يشرف على تنفيذه لجنة خاصة برئاسة سمو ولي العهد شخصيا إلى ضخ 5 تريليون ريال في الاقتصاد السعودي ، وزيادة نمو الناتج المحلي ومساهمة القطاع الخاص فيه ، وتحقيق تقدم المملكة من المرتبة 18 إلى المرتبة 15 بين اقتصاديات العالم ، وتعزيز الثقة بمنظومة الاستثمار في المملكة . ومن بداهة القول أن برنامجا بهذا الحجم وهذا الطموح ليس مجرد مبادرة جزافية غير مدروسة ، إذ لابد أن تكون قد خضعت للكثير من الدراسة والتمحيص والتحليل في مطبخ الرؤية قبل وضعها على منصة الإطلاق . إلا أنها كذلك وبسبب هذا الحجم اللافت قد استفزت اهتمام المحللين والمختصين والمراقبين لتلمس ودراسة آثارها وتبعاتها على مجمل منظومة ومستويات التنمية الوطنية ومختلف مكونات القطاع الخاص خصوصا والاقتصاد السعودي عموما ، بما في ذلك الآثار الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية والأمنية على المملكة ومواطنيها بمختلف شرائحهم وفئاتهم وطبقاتهم . هذه الورقة تسعى إلى تسليط الضوء على بعض هذه الجوانب التي يمكن أن تكون إما فرصا أو تحديات أو نتائج يلزم استشرافها والتعامل معها بالاستثمار والاحتراز والتوعية وغير ذلك من الأدوات والمنهجيات التي تضمن تجويد الأداء ورفع مستوى كفاءة التنفيذ .

على أرض الواقع من المؤكد أن مجمل مكونات القطاع الخاص خصوصا والمجتمع عموما تترقب إعلان تفاصيل هذا البرنامج وطبيعة حزم وأدوات الدعم التي سيتضمنها ، ومعايير الاختيار والمتابعة والحوكمة للشركات المنضوية ومشروعاتها المستهدفة ، ووسائل قياس الأداء ومراقبة الآثار الاقتصادية والاجتماعية على مختلف الشرائح والمستويات . ومع ذلك فإنه من المؤكد أن هذا البرنامج سيحقق العديد من المزايا والإيجابيات التي تشمل على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :

  • تنويع الاقتصاد ومصادر الدخل عبر تطوير ومشروعات ريادية عملاقة في منظومة الاقتصاد الوطني .
  • تفعيل دور الشركات الكبرى خصوصا ومجمل كيانات القطاع الخاص في التنمية الوطنية بالتزامن مع خطط تنفيذ مجمل منظومة برامج الرؤية وخاصة برنامج الخصخصة .
  • زيادة فرص العمل وتوليد الوظائف بمستويات ومعدلات كبيرة تسهم في توفير الرخاء والاستقرار للشباب السعودي .
  • خلق فرص استثمارية وتعاقدية لكيانات القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة تسهم في تنويع فرص عملها وتقليل اعتمادها على عقود المشتريات الحكومية .
  • تحقيق قيمة اقتصادية أكبر للتوزيعات النقدية من أرباح الشركات عبر إعادة توجيهها للاستمثار في مشروعات التنمية .
  • دعم عمليات البنوك والصناديق وأدوات التمويل والتأمين المختلفة .
  • تعظيم فرص استقطاب المعارف والتقنيات والاستثمارات الخارجية في مختلف المجالات .
  • تعظيم فرص تنمية وتمكين الإبداع والابتكار ودعم تنميتها وتتجيرها وتمكين مساهمتها في الناتج المحلي .

وفي المقابل ، فإن هناك عددا من المحاذير والتحديات التي يمكن أن تواجه تنفيذ هذا البرنامج ، علاوة على بعض الآثار السلبية التي يمكن أن تنجم عنه أو عن بعض أدواته ، ومن الضروري هنا تسليط الضوء عليها للتنبه إليها ودراستها وتطوير الحلول والأدوات اللازمة لتجويد الأداء وتفادي تلك الآثار السلبية المحتملة . وأورد هنا بعضا من تلك التحديات على سبيل المثال لا الحصر أيضا :

  • يخشى من تركيز الاهتمام على شريحة الشركات الكبرى وبهذا الحجم الهائل أن يؤثر على فعالية حزم الدعم الموجهة إلى الكيانات الصغيرة والمتوسطة والتي تقع أيضا ضمن دائرة اهتمام الدولة وبرامجها المتنوعة .
  • إمكانية التأثير على وفرة وتكلفة أدوات التمويل للكيانات الصغيرة والمتوسطة في ظل الانحياز المتوقع للبنوك وصناديق الاستثمار لتوجيه أدواتها التمويلية للشركات المنضوية تحت برنامج “شريك السعودية” .
  • تناقص القدرة الشرائية بشكل عام نتيجة تناقص توزيعات أرباح الشركات وتوجيهها للاستثمار بدلا من الإنفاق .
  • إعادة تكريس ثقافة الأمن الوظيفي والتخلي عن توجهات ريادة الأعمال في ظل المغريات التي يتوقع أن تقدمها الشركات الكبرى للموارد البشرية المؤهلة والماهرة على وجه الخصوص .
  • الخشية من سطوة الشركات الأجنبية على الفرص والتعاقدات التي ستتضمنها تلك المشاريع الكبرى في ظل جاهزية تلك الشركات من جهة الكفاءة والقدرات المالية مقارنة بكيانات القطاع الخاص الوطنية خصوصا من فئة الكيانات الصغيرة والمتوسطة وما تعانيه من ضعف وضغوط اقتصادية خصوصا في ظل ظروف الجائحة .

ووفق هذا المسار التحليلي الاستشرافي الذي تدعو إليه هذه الورقة ، فإنه من الضروري العمل على النظر في التحديات والتبعات التي أثارتها وما سيثيره الزملاء في الملتقى أيضا خلال النقاش ، وتبني صياغة حزم موجهة من الأدوات والحوافز التي تضمن تعظيم الفرص وتحجيم الآثار السلبية وتحقيق التكامل المنشود بين هذا البرنامج الرائد وبقية برامج الرؤية . وقد يكون من المناسب أن تضم اللجنة التوجيهية لهذا البرنامج جميع المسئولين القائمين على برامج الرؤية لتكوين خلية عمل مركزية تعمل على تحقيق التناغم بين هذا البرنامج وبقية البرامج ، علاوة على تبني تطوير وتجديد ومتابعة حزم الدعم والمعالجة والتجويد بشكل ذكي وديناميكي وفعال بالتناغم مع تقييم دوري ومستمر لمخرجات البرنامج وآثاره المختلفة . ولعل من بين الأدوات التي يمكن تبنيها وتوظيفها على سبيل المثال لا الحصر أيضا المقترحات التالية :

  • تصميم أدوات وتشريعات تضمن إعطاء الأولوية في منح العقود والمهام المرتبطة بمشروعات البرنامج إلى الكيانات الوطنية مع منح الأولوية في ذلك للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة .
  • تصميم أدوات وبرامج موجهة لدعم قدرات الكيانات الصغيرة والمتوسطة وتجهيزها لأداء دور محوري في تنفيذ المشروعات والخدمات المرتبطة بمشاريع البرنامج .
  • تصميم أدوات تضمن تمكين وتعظيم مساهمة المحتوى المحلي المرتبط بهذه المشاريع .
  • تصميم أدوات تضمن تعظيم فرص العمل للشباب والشابات السعوديين على سبيل الأولوية ، مع ضمان نقل المعرفة والتدريب على رأس العمل في حال الحاجة إلى الاستعانة بالوافدين في مجال الخبرات المتخصصة .
  • تصميم أدوات تضمن توازن الإنفاق التمويلي من البنوك وصناديق الاستثمار على حزمة المشاريع الصغرى والكبرى وبين مختلف الشركات بكل أحجامها ومستوياتها .
  • تصميم أدوات تضمن التوسع في القروض الشخصية الضرورية للتعويض عن النقص المحتمل في القدرة الشرائية خصوصا في جوانب تمويل الادخار والسكن وغير ذلك من الاحتياجات الأساسية للمواطنين .

خلاصة القول ، برنامج “شريك السعودية” الذي دشنه سمو ولي العهد بالتزامن مع مرور خمس سنوات على إطلاق رؤية السعودية 2030 يمكن أن يكون المحرك النفاث الذي ينطلق بالاقتصاد السعودي إلى الفضاء الرحب بعد أن شكلت بقية برامج الرؤية الأسس المنهجية والعملية والتشريعية لهذه الانطلاقة الجديدة عبر هذا البرنامج الريادي الهام . ومن الضروري أن تتضافر كافة الجهود لتحقيق النجاح المنشود لهذا البرنامج ، والذي برأيي يعد الأداة الأهم في تأكيد قناعتنا بقدرتنا وقدرة الآخرين على تحقيق مستهدفات الرؤية بعد أن شاب هذه القناعة شيء من التردد والضبابية في فترة التأسيس والتحول الماضية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *