قضية الأسبوع : مرونة المدن السعودية أمام الكوارث الطبيعية معطيات الواقع وتحديات المستقبل

مرونة المدن السعودية

معطيات الواقع.. وتحديات المستقبل

                                                         إعداد/ فائزة بنت أحمد العجروش

مقدمة

إعصار.. وزلزال … والنتيجة دمار

تم تصنيف عام 2023 بعام الأرقام القياسية في الكوارث الطبيعية وعدد الضحايا، حيث كان هناك ضحايا ومفقودين بالآلاف بسبب موجة من الأحداث المناخية القاسية التي طالت مناطق كثيرة في جميع أنحاء العالم. بدءًا بالزلازل المدمرة، والفيضانات العنيفة، وحرائق الغابات الواسعة، وانتهاءً بالعواصف المدارية غير المسبوقة، وارتفاع درجات الحرارة القياسية. وقدمت لنا لغة الأرقام خطابًا واضحًا على ضرورة تعزيز قدرة المدن على الصمود أمام الكوارث الطبيعية خاصة تلك المتعلقة بأسباب تعاظم الخسائر البشرية والمادية والتي تصدرتها التأثر بالتغير المناخي.

وحين تقع الكوارث بمختلف مسمياتها الطبيعية والبيئية والبشرية، فإنها سرعان ما تضع بصمتها السوداء على وجه الحياة، وينتج عنها خسائر بشرية هائلة، وتأثيــرات بيئية كارثيــة. وهذه التداعيات بلا شك ترهــق كاهــل أي دولة علــى تحقيــق أهدافهــا التنمويــة، وتؤثر علــى رفاهيــة مواطنيهــا وتحقيــق حاجاتهــم الأساسية.

وعليه، فتعزيز مرونة المدن السعودية أمر حيوي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بشكل عام، وعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة بشكل خاص. وانطلاقًا من أهداف الرؤية الوطنية لتكون ثلاثة مدن سعودية من ضمن أفضل 100 مدينة في العالم، وفوز المملكة باستضافة معرض اكسبو العالمي في 2030 ومونديال كأس العالم 2034، ومساعي دولتنا الحثيثة للنهوض بمستوى جودة الحياة على أرضها، وصياغة رؤى مستقبلية نحو التحول لمرونة المدن السعودية، كان الهدف الأبرز من كتابة هذه الورقة. وستتناول الورقة المحاور التالية:

  • المحور الأول: الأخطار والكوارث البيئية
  • المحور الثاني: ماذا نقصد بالمرونة؟ وما هو مفهوم المدن المرنة؟
  • المحور الثالث: المرونة الحضرية والمرونة المناخية وأهميتها للمدن السعودية
  • المحور الرابع: خصائص المدن المرنة
  • المحور الخامس: هيكلة المدن المرنة (الأساسيات العشر، المزايا الرئيسية) ومتطلبات توسيع نطاق قدرة المدن السعودية على الصمود
  • المحور السادس: الأخطار والتوقعات
  • المحور السابع: التحديات والممكنات
  • المحور الثامن: قراءة واقعية.. نماذج حية.. وأولويات قصوى
  • توصيات

المحور الأول: الأخطار والكوارث البيئية

  1. الأخطار والكوارث البيئية

توجد عدة تصنيفات للأخطار والكوارث البيئية، إلا أن التصنيف الآتي هو الأكثر شيوعًا:

الكوارث الطبيعية، وهي: الأخطار والكوارث التي تتسبب فيها الطبيعة، ويتم تصنيفها حسب المسبب:

 1/ كوارث طبيعية، تحدث بشكل طبيعي نتيجة عوامل تعود إلى بنية وتركيب مكونات الكرة الأرضية وغلافها الجوي ولا دخل للإنسان فيها، مثل: الزلازل والبراكين والفيضانات والأعاصير 2/ كوارث طبيعية، سببها الإنسان بسبب عبث الإنسان في النظام البيئي الطبيعي، مثل: التجارب النووية تحت سطح البحر 3/ كوارث بشرية، وهي الكوارث الناتجة عن التصرفات الخاطئة للإنسان كالحروب والحرائق.

والجدير بالذكر، أن الخطر البيئي يتحول إلى كارثة بيئية في المنطقة التي تتعرض له عندما يتحول ذلك الخطر إلى حقيقة فعلية تؤدي لوفاة 10أشخاص على الأقل، وجرح 100شخص، أو تؤدي إلى إلحاق خسائر في الممتلكات تصل إلى 16 مليون دولار.

  1. قضاء وقدر؟ أم هناك عوامل ومؤثرات أخرى؟

في ظل ازدياد وتنوع وتقاطع أسباب الكوارث الطبيعية في جميع أنحاء العالم على نحو ملحوظ في السنوات الأخيرة، يتبادر للذهن سؤال: هل

ما تعرضت له بعض الدول من كوارث طبيعية خلال العام الفائت هو أمر طبيعي يعود- بعد إرادة الله – إلى التغيرات المناخية فقط، أم أن هناك عوامل ومؤثرات أخرى ساهمت في حدوثها؟

والمتتبع الحصيف للمناطق التي تعرضت لكوارث طبيعية وما نتج عنها من خسائر بشرية ومادية كبيرة يلاحظ، أن بعضها كان بسبب أثر نشاط بشري ساعد في حدوث الكوارث وزيادة الخسائر؛ نتيجة تجاهل الإنسان لأثر المناخ عند تخطيطه للمناطق السكنية، أو سوء اختيار مواقع بناء المنشأة والطرق والجسور والأنفاق والمزارع. فأقامها في مجاري الأودية أو قريبًا منها (يمكن الرجوع للورقة الرئيسية).

 

المحور الثاني: ماذا نقصد بالمرونة؟ وما هو مفهوم المدن المرنة؟

  1. المرونة

هي صفة تطلق على الأشخاص وكذلك على الأشياء، مثل: المدن، العضلات، النباتات.

وكمفهوم تعني: <<القدرة على التعامل مع الظروف العصيبة وتحمّل الصدمات والتكيف المستمر والانطلاق بسرعة كافية لتجاوز الاضطرابات والأزمات التي تظهر مع مرور الزمن>>، بالإضافة إلى عملية التعلم المستمرة وتعديل الخبرات بناءً على التجارب.

ولأن المرونة هي واحدة من أهم مبادئ التخطيط لاستدامة أي مدينة؛ فالمدن التي لا تتميز بخصائص المرونة تكون عرضة لمستوى عال من الخسائر البشرية والاقتصادية عند حدوث الكوارث. مما يستوجب امتلاك المعرفة الضرورية لمفهوم المرونة الحضرية وماهية المؤشرات التي يمكن من خلالها تحديد مدى مرونة المدينة أو المنطقة الحضرية، وهذا ما تم استعراضه بالتفصيل في الورقة الأساسية.

  1. المدن المرنة؟

    تؤكد معظم التعريفات في مجملها على أن مفهوم المدينة المرنة، هو: تلك المدينة التي تكون جاهزة للتأقلم مع ما هو متوقع وغير متوقع.

أما تصنيف المرونة للمدن.. يتطلب تحقيق الاستدامة في المدن، وضرورة التوافق بين الركائز الثلاث للاستدامة، وهي: المطالب

الاجتماعية، والبيئية، والاقتصادية.

وبين المفهوم والاستجابة هناك ثمان مزايا رئيسية (شكل 1 الورقة الأساسية) يجب أن تتسم بها المدن المرنة، وهي:

الاستباقية، الاستعداد للمستقبل، استغلال الموارد، سهولة التكيف، المشاركة، التركيز على المواطنين، الابتكار، الشمولية.

 

المحور الثالث: المرونة الحضرية والمرونة المناخية وأهميتها للمدن السعودية

  1. المرونة الحضرية

تشير الأبحاث إلى أن المرونة الحضرية هي عامل حيوي لنجاح أي مدينة، وأن المدن التي تتمتع بمستوى عالٍ من المرونة الحضرية تكون أكثر قدرة على التكيف مع التغييرات والتحديات، وتحقق نتائج أفضل في مجالات الاقتصاد والبيئة والصحة والسلامة.

وهناك عدة تعريفات لمفهوم المرونة الحضرية، من بينها تعريف برنامج موئل الأمم المتحدة ” أنها القدرة القابلة للقياس لأي نظام حضري مع سكانه، للحفاظ على الاستمرارية أثناء الصدمات والضغوط كافة، مع التكيف تكيفًا إيجابيًا والتحول نحو الاستدامة “.

  1. المرونة المناخية

تُعرف المرونة المناخية على أنها: قدرة المجتمع أو البيئة على توقع وإدارة الأحداث المناخية الخطرة والتعافي والتحول بعد الصدمة، مع الحد الأدنى من الضرر الذي يلحق بالرفاهية المجتمعية والنشاط الاقتصادي والبيئي.  ومن الأمثلة عليها: زيادة بناء القدرة على مواجهة الأزمات في المجتمع، التخطيط طويل الأجل، أنظمة الإنذار المبكر، التدريب على المهارات الجديدة، تنويع مصادر دخل الأسرة، تعزيز الحلول القائمة على الطبيعة، وبناء استجابة مجتمعية قوية وقدرات التعافي.

  1. أهمية تمتع المدن السعودية بالمرونة الحضرية

لأن المملكة العربية السعودية تعد من أكبر بلدان العالم تحضرًا، حيث يقطـن 83 % مـن سـكانها في المدن. ويعيش مالا يقـل عـن 90 % من سكان المدن على طول ثلاثة محـاور تنمويـة: المحور الأوسط، محور الساحل الشرقي، ومحور الساحل الغربي (الرياض، الدمام، جـدة). ومثل هـذا المرتكز الحضري إلى جانـب الزيادة في أحجام هـذه المدن والتخطيط غـير الفاعل يشكل ضغوطًا هائلة على المساكن والمياه والصرف الصحي والنقـل والبنى التحتيـة الأخرى ما ينعكـس سـلبًا على سلاسة وكفـاءة أداء المدن في المملكة العربيـة السـعودية.

غير أن التوسع الحضري الذي يفتقر إلى الإدارة الجيدة يمكن أن يتسبب في تفاقم المشكلات والتحديات القائمة، ويجعل المدن السعودية أكثر هشاشة وأضعف حالاً عند مواجهة أي كوارث طبيعية. لذلك يجب العمل على تهيئة مدننا لمواجهة مخاطر الكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية وتعزيز مرونة مناطقها الحضرية لحماية السكان أولًا وضمان تنميتها بشكل مستدام. ومن جهة أخرى، تزداد أهمية مرونة المدن لما لها من آثار إقليمية مرتبطة بسلاسل القيمة؛ لذا من المهم تعزيز مرونة المناطق الحضرية والريفية على حد سواء، وهو أمر أساسي لضمان التنمية المستدامة ونجاح الجهود الرامية إلى الحد من الفقر في كافة أنحاء الدولة، وتعزيز كفاءة الطاقة ووسائل النقل والبنية التحتية المنخفضة الكربون وتحقيق جميع أهداف الاستدامة الوطنية.

المحور الرابع: خصائص المدن المرنة

لا بد من تمتع المدن ببعض الخصائص التي تُمكن من تصنيفها كمدن مرنة، أهمها:

إدارة حضرية، أنظمة رقابة وحوكمة، مخزون معلوماتي، تشريعات عمرانية تتماشى مع طبيعة كل منطقة، تمويل العمل المناخي، مشاركة مجتمعية، شراكة مع أصحاب المصلحة.

ويلاحظ أنها تتقاطع بشكل واسع مع مفهوم جودة الحياة. (لمزيد من التفاصيل الهامة يرجى الرجوع للورقة الأساسية)

 

المحور الخامس: هيكلة المدن المرنة (الأساسيات العشر، المزايا الرئيسية) ومتطلبات توسيع نطاق قدرة المدن السعودية على الصمود

  1. الأساسيات العشر لتمكين المدن من القدرة على الصمود

 بحسب تعريف مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، فإن الكوارث تقع عندما يكون المجتمع المحلي «غير مزوّد بموارد كافية أو غير منظم بحيث يمكنه أن يتحمّل التأثير»، وأن تفادي الكوارث يكمن في الأساسيات العشر لتمكين المدن من القدرة على الصمود (شكل 1 الورقة الأساسية).                                                                                                                                                                                                                                 

ولأنه منطقيًا..  لا تستطيع أي دولة مهما أوتيت من قوة مادية أو علمية أن تمنع وقوع الكوارث الطبيعية، لكن يمكنها أن تحد من خطرها وتخفف من الخسائر الناتجة عنها.

وواقعيًا..  يعتمد أي نجاح في إدارة الأزمات والكوارث أساسًا على اتخاذ عدد من الإجراءات والتدابير الاحتياطية في مراحل الكارثة الثلاث، وهي مرحلة ما قبل الأزمة / الكارثة، مرحلة الاحتواء أثناء الأزمة / الكارثة، مرحلة إعادة التأهيل فيما بعد الأزمة / الكارثة.

إذن عمليًا.. لابد أن يسير تبني المرونة الحضرية في ثلاثة مراحل مترابطة:

أولًا: قبل وقوع الكارثة من خلال ثلاثة أنشطة رئيسية، هي: (التأهب والتنظيم والوقاية).

ثانيًا: أثناء وقوع الكارثة من خلال أربعة أنشطة رئيسية، هي: (الإنقاذ والتخفيف والتقييم والمتابعة).

ثالثًا: بعد وقوع الكارثة من خلال :(أنشطة التعافي التي تسمح بالتكيف والتحول الإيجابي لإعمار شامل). وتتكامل هذه المراحل مع بعضها البعض ضمن سلسة واحدة تشمل: (إعداد، إغاثة، تخفيف، تأهيل، إعادة، إعمار) (شكل 2 الورقة الأساسية).

  1. مزايا رئيسية يجب أن تتسم بها المدن المرنة

يتمحور مفهوم المدن المرنة حول الاتي:

أولًا: الطريقة التي تستطيع من خلالها التعامل مع المتغيرات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية بفكر استشرافي احترازي، والعمل على تهيئة كافة منظومات العمل فيها كبناها التحتية وقدراتها البشرية بطريقة تمكنها من عدم الولوج إلى (صدمة المدينة City Shock).

ثانيًا: ارتباط مرونة المدينة وقدرتها على الصمود بالموازنة بين التنمية والاستدامة.

 ثالثًا: اعتماد قدرة المدن على الصمود من ناحية الاستجابة، على وجود استراتيجية تحسين مستمرة، ترتكز على الواقعية وسرعة

الاستجابة والقدرة على التكيف (مبدأ المرونة والصمود)، وقابلية التقييم والمراجعة والتطوير عن طريق توفير كافة الوسائل البشرية والتقنية والمالية اللازمة وفق إجراءات دائمة لتحقيق الأهداف المتوخاة.

وبين المفهوم والاستجابة هناك ثمان مزايا رئيسية يجب أن تتسم بها المدن المرنة، هي: (الاستباقية، الاستعداد للمستقبل، استغلال الموارد، سهولة التكيف، المشاركة، التركيز على المواطنين، الابتكار، الشمولية) الشكل (3) في الورقة الأساسية

  1. متطلبات توسيع نطاق قدرة المدن السعودية على الصمود                                             

لأنه غالبًا ما ترتبط الكوارث الطبيعية بالتغيرات المناخية التي أصبحت أمرًا واقعًا لا مناص منه، ومن أهم المشاكل التي تؤرق المجتمعات على

المستوى الدولي، الوطني والمحلي في العقود الأخيرة. ولأن التأثير الناجم عن التغير المناخي بات من المسلم به أن تأثيره يختلف من مكان لآخر؛

فقوة تأثيره تعتمد على حسب المدن التي أهملت الاستثمار في الوقاية من الكوارث والحدّ منها لصالح الشوارع الواسعة والساحات الكبيرة والمباني الشاهقة، أو بناء أحياء جديدة في المناطق المنخفضة، أو في المناطق المعرضة للكوارث الطبيعية، دون إيلاء اهتمام يُذكر لمخاطر الكوارث عند التخطيط للتوسع؛ مما يؤدي لتعاظم الخسائر بشكل كبير.

وهذا يستدعي البناء عليها، بأن تتحول التدابير والاجراءات المتخذة لمواجهة تغيّر المناخ على الصعيد المحلي إلى أولوية تنموية وطنية يتم التنسيق

بشأنها بين مختلف الأطراف المعنية في القطاعين الحكومي والخاص والمجتمع المدني. الأمر الذي يستلزم تعزيز الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والصحية لأنسنة المدن، والتوعية بالتغيرات المناخية وأهمية وضعها في الحسبان عند التخطيط العمراني. وتبادل التجارب والخبرات العالمية فيما يخص الاستدامة العمرانية والاستدامة البيئية التي تخدم أهداف الرؤية الوطنية 2030.

ووضع الجوانب التالية في الحسبان عند وضع خطط التوسع والتصحيح والمعالجة والرقابة، بما يسهم في تحسين المشهد الحضري وتعزيز مرونة المدن السعودية:

  • ربط مناقشة استدامة البيئة وإدارة المخاطر في المملكة العربية السعودية بالاستراتيجيات العمرانية، وكيفية تعزيز مرونة المدن السعودية بكافة الوسائل الممكنة، ورفع جاهزيتها لتكون على أهبة الاستعداد للتعامل مع أي مخاطر وتهديدات.
  • التأكيد على أن تغير المناخ وزيادة النمو السريع في أي مدينة سعودية، دون بذل جهد مماثل لتعزيز مرونة المدينة بكافة الوسائل الممكنة، قد يكون له آثار ليست محمودة قد يعرض المدينة لمخاطر كبيرة في المستقبل نحن في غنى عنها إلا إن تم دراسة أسبابها والاستعداد لها مبكرًا.

وعليه، لنا أن نسأل كيف يمكن للدولة توسيع نطاق قدرة المدن السعودية على المرونة والصمود؟ وما وسائل تعزيز ذلك في ظل التهديدات المستقبلية للتعرُّض للأنواء المناخية والزلازل؟

والإجابة النظرية، ستكون: تعزيز قدرة المدن السعودية على الصمود يكمن في توفر العوامل التالية:

 أن تكون قائمة على التخطيط الحضري المناسب من حيث التوزيع العمراني المناسب للطبيعة الجغرافية والبيئية للمدينة، وتحديد النظم البيئية باعتبارها حواجز طبيعية من ناحية. ومن ناحية أخرى تعزيز قدرة تلك المدن على إدارة الأزمات والمخاطر في حال وقوعها، وإمكانات توفير استراتيجيات إعمار وتأهيل سريعة بعد الكوارث.

والإجابة العملية، كانت بإنشاء مجلس المخاطر الوطنية برئاسة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ومشاركة (12) وزيراً في عضويته. وخُول له مباشرة الاختصاصات التي كانت مناطة بمجلس الدفاع المدني، وربطه تنظيميًا بمجلس الوزراء، بحيث يتولى تحديد التوجهات والرؤى والأهداف ذات الصلة بشؤون المخاطر والطوارئ والأزمات والكوارث واستمرارية الأعمال على المستوى الوطني.  لاسيما فيما يتعلق بإمدادات المياه والغذاء والطاقة والمستلزمات الطبية، وتتمحور مهام هذا المجلس في الآتي:

تقويم شامل للمخاطر الوطنية، إنشاء مركز إدارة الأزمات والكوارث، إنشاء مركز التميز لنشر ثقافة ادارة المخاطر وتأهيل خبراء إدارة المخاطر والطوارئ. ودعم الجهات المعنية، لنشر الوعي العام بالمخاطر، دراسة واعلان رفع مستوى الجهوزية ضد المخاطر والتدريبات المنجزة ضمن المنظومة العامة، ومباشرة اختصاصات مجلس الدفاع المدني.

 

المحور السادس: الأخطار والتوقعات

  1. الأخطار التي تهدد المملكة

تعرضت السعودية لبعض الكوارث الطبيعية سابقاً ولا زالت آثارها واضحة كالبراكين، ومنها ما وقع قديمًا ولازال يهددها أو جزءًا منها من فترة لأخرى كالزلازل والهزات الأرضية. ويتبين من خلالها أن معظم رقعة المملكة ولله الحمد مستقرة من الناحية الزلزالية إلا أن هناك احتمالية لحدوث زلازل متوسطة إلى كبيرة عند حواف أطراف البلاد حسب كمية النشاط الزلزالي في المملكة (جدول 1 الورقة الأساسية).

وحسب تصنيف الخطة الوطنية لمواجهة مخاطر الكوارث الطبيعية لكمية النشاط الزلزالي في المملكة، هي: من منخفضة ومتوسطة إلى شديدة. وهذا يعني أن احتمالية حدوث الزلازل تكون من نادرة إلى كبيرة.

كان علينا أن نربط مناقشة استدامة البيئة وإدارة المخاطر بالاستراتيجيات العمرانية، وكيفية تعزيز مرونة المدن السعودية بكافة الوسائل الممكنة، ورفع جاهزيتها لتكون على أهبة الاستعداد للتعامل مع أي مخاطر وتهديدات. وعلى الأخص العاصمة ومدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة اللتان تعجان بالزوار والمعتمرين من كافة دول العالم على مدار العام. وهو ما يتطلب التحرك مبكرًا للتعامل بشكل صحيح وآمن مع المشكلات التي تعاني منها مدننا السعودية ومعرفة متطلبات النهوض بها؛ للصمود أمام أي أزمات أو كوارث طبيعية مستقبلية، وبما يتماشى مع السياسات الوطنية وأهداف التنمية الشاملة للدولة.

  1. توقعات مستقبلية

تمت الإشارة في الورقة الرئيسية إلى توقعات مُفادها، زيادة في درجات الحرارة بحلول منتصف القرن في 5 مواقع استراتيجية بجميع أنحاء المملكة العربية السعودية، مع زيادة في كثافة وتواتر حالات هطول الأمطار في شهر أغسطس، لا سيما على طول الساحل الغربي الجبلي للبلاد؛ مما يشير إلى إمكانية تجميع ـ المياه – لنزيد بها من مخزون المياه الجوفية المحلية وتكملة إمدادات المياه في أماكن أخرى. وانخفاضًا كبيرًا في

معدلات هطول الأمطار في مساحة كبيرة من الصحراء تمتد من الجزء الجنوبي من البلاد المعروف باسم الربع الخالي.

وتوقعات أخرى للدكتور محمد الغامدي، وهو كاتب سعودي متخصص في المياه. حيث نبه على أن الكوارث البيئية تقع بعد ظهور المؤشرات بعشرات الـسنين. وطالب بإنقاذ المدرجات الحجرية والمدر الـزراعي في جبال مناطقنا المطيرة في الجنوب الغربي من المملكة قبل أن تحل كارثة فقدها؛ نظرًا لوظيفتها ودورها في تغذية المياه الجوفية الـتي تشكل 90% من مصدر احتياجاتنا من المياه.

وحذر من خطورة موت الغطاء النباتي في تلك المناطق الجبلـية المطيرة، بسبب غياب الفكر البيئي أيضا عن مشاريع تأسست على تجريف المدرجات وضياع مياه الأمطار وتحولـها إلـى فيضانات عارمة تتبخر في نهاية المطاف، في وقت تنفق الدولة مليارات الريالات لأعذبة مياه الـبحار!

وتلك التوقعات تتطلب ضرورة أخذها على محمل الجد لاسيما في طور التوسع العمراني الذي تشهده المملكة على السواحل الشرقية والغربية واستهداف جزر البحر الأحمر ونيوم كوجهة سياحية عالمية. والتصدي لها بحلول استباقية ووقائية، والعمل على دراسة وتحليل تأثير تلك التوقعات التي قد تختلف في كل مدينة من المناطق الخمس المذكورة حسب موقعها الجغرافي ومدى التطور الحضاري بها وسلامة بنيتها التحتية.         

 

 

المحور السابع: التحديات والممكنات

  1. تحديات التخطيط العمراني في مدن المملكة

تتسم ممارسة التخطيط العمراني في المملكة العربية السعودية بالعديد من الاتجاهات وتُحيط بها عدد من التحديات يوضحها الشكل التالي

الشكل رقم (5) تحديات التخطيط العمراني في مدن المملكة

المصدر: الباحثة استنادًا إلى (البطحي 2023)

 

وتتمثل في الآتي:

أولاً: التخطيط الإقليمي، الذي يواجه عدة تحديات على مسارات مختلفة، منها: الهيمنة الحضرية في المدن الكبرى، المشاريع الجديدة والمشاريع الممتدة بين عدة مناطق والتي تتطلب نهج تكاملي ومستدام من أجل صناعة مشاريع متناغمة تتفادى النهج الأحادي في التخطيط وعند التنفيذ.

ثانيًا: صناعة الأماكن، لإعادة اكتشاف المجاورات والأحياء السكنيَّة التي تُعاني من تدهور مستمر من فترة لأخرى ومن ضعف العلاقات الاجتماعيَّة فيها. وهو الأمر الذي يستلزم العمل على تهيئة بيئة كاملة للمناطق والأحياء المحيطة بمشاريع النقل العام في عددٍ من المدن؛ لمساعدة السكان على المشي والارتقاء بجودة المكان ومحفِّزًا على رفع نسبة الإركاب؛ وصولاً إلى تعزيز الجودة الاقتصادية لنظام النقل.

 ثالثًا: التنمية العمرانية المستدامة، التي أهم مرتكزاتها العمل على تعزيز التفاعل بين الناس والشكل العمراني لتحقيق مستوى معيشي ملائم للجميع.

رابعًا: الحوكمة الحضريَّة، التي تواجه عدد من التحدِّيات التي تُضعف الأداء الحضري بكامله، ومنها: (التحدي الأول) توزيع المهام والمسؤوليَّات

الحضريَّة على عددٍ من الجهات التي لها مرجعيَّات إداريَّة مختلفة، وتكون دوافعها متضاربة، بالإضافة إلى عدم وجود منصَّة مشتركة للتنسيق

فيما بينها ولا قناة مناسبة للوصول لرؤية موحَّدة. (التحدي الثاني) محدوديَّة الموارد سواءً ما يتعلَّق بالسلطات المخوَّلة أو الميزانيَّات. (التحدي الثالث) احتياج الجهات الإدارية إلى فرق فاعلة على مستوى عالٍ من المهنيَّة تعمل على تعزيز مفهوم الحوكمة الحضريَّة، والاستجابة بمرونة للمشاكل الكبيرة والتحديات الحالية والمستقبليَّة وذلك بصورة استباقية وبقدرٍ من الشغف والحدس السليم.  (التحدي الرابع) ضرورة تطوير الإطارات القانونية والتشريعات الحضريَّة لتهيئة مسار ممهَّد لإحياء وتجديد الحوكمة الحضريَّة الذكيَّة، المستندة بقوة على أحد الأهداف الرئيسيَّة. ويجب أن تُؤخذ هذه القضايا كـمجموعة متكاملة وليس كعناصر فرديَّة منفصلة. وذلك لتحقيق النتائج المرغوبة تماشيًا مع الشعار السائد   “فكِّر عالميَّاً، خطِّط إقليميَّاً، وتصرَّف محليَّاً”.

  1. الممكِّنات الحالية لتطبيق مفهوم المرونة للمدن السعودية

في تقديرنا الخاص هناك عدد من الممكنات في اللحظة الراهنة التي تمكن الدولة من هذا الانتقال (انظر شكل 6)

 

الشكل رقم (6) الممكنات الحالية لتطبيق مفهوم المرونة للمدن السعودية

                                                                                                               المصدر: الباحثة.

 

أولها، حرص الدولة الواضح على التنمية المتوازنة للمدن والقرى والجهود المبذولة بشأن تعزيز أدوار المحافظات وتمكينها، وتفعيل دور

الإدارة المحلي؛ كهدف استراتيجي يحقق عدالة التنمية والنمو الحضري المتوازن.

ثانيها، إنشاء مجلس المخاطر الوطنية، وارتباط مرجعيته بقائد مسيرة التغيير   ومهندس الرؤية الوطنية، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله -.  والنتائج الإيجابية، والنقلة النوعية التي ستحدث من خلال تحقيق المستهدفات الوطنية الموكلة إليه ومواجهة ما قد يتعارض معها من سلبيات والحد منها تحقيقًا للمصلحة العامة. ومن أحدث إصدارات هذا المجلس دليل تصنيف المخاطر والذي يمكن أن يكون أحد المصادر المهمة التي تساعد المنظمات في تحديد المخاطر لمعالجتها والتعامل معها بشكل صحيح. ومنح جائزة مجلس المخاطر الوطنية، كجائــزة سـنوية للجهـات والأفـراد المتميزيـن فـي مجالات إدارة المخاطـر والطـوارئ واســتمرارية الأعمــال وسلاسل الإمــداد؛ لتعزيــز الصمــود الوطنــي وثقافــة التميــز والريــادة والابتكار فيــه، ورفــع روح التنافســية، والارتقاء بجــودة الإعمــال ومشــاركة التـجارب المتمـيزة، والمـساهمة في تـشجيع وتحفـيز المتميزين والاحتفاء بإنجازاتـهم

ثالثها، المطالبات الحثيثة من قبل المهندسين والمعماريين والمهتمين بتنمية المدن بتحديث نظام التخطيط وإعادة تنظيم التشريعات العمرانية المنبثقة منه شاملًا تحديث الحوكمة العمرانية.

أما الممكن الرابع والمهم، هو: تغير الحالة التي عاشتها المدينة السعودية خلال السنوات الخمس الأخيرة، والتي بسببها تمت إعادة تشكيل

وتكوين تلك الصورة الذهنية القديمة، حيث تحول الفضاء العام في المدينة السعودية من فضاء ذكوري تمنع فيه ثقافة (العيب) وجود المرأة

إلى فضاء (مختلط) تلعب فيه المرأة دوراً أساسياً في تشكيله.

وفي ظل هذا التوجه الواضح من جانب الدولة، لتحقيق الأهداف المرسومة لاستدامة المدن السعودية، والتي تعتمد على عملية التحول نحو مرونة المدن، يجب مراعاة العديد من الأمور الدقيقة التي لا تجعل من الاستدامة هدفًا نهائيًا، إنما إستراتيجية مترافقة مع سلسلة من الإجراءات دائمة التحرك، من أهمها: وجود تعاون وتكامل بين الجهات التنفيذية المختلفة للقيام بدور تنموي فاعل ومدروس، وصولاً إلى الآتي:

أولًا: إعداد خطة تستهدف تعزيز مرونة المدن السعودية، والتكامل الاقتصادي بين مناطق المملكة.

ثانيًا العمل على تحويل بعض مناطق المملكة، منها على سبيل المثال: منطقتي القصيم والجوف اللتان تشتهران بجودة محاصيلهما الزراعية إلى

سلة غذائية تغذي مناطق المملكة المختلفة حال حدوث الكوارث.

وهذا لن يتحقق إلا من خلال تنفيذ ما يلي:

  1. قيام إمارة كل منطقة بتقدير ميزانيات وتكاليف مشروعات البنية التحتية الأساسية لها.
  2. أن تقوم وزارة الاقتصاد والتخطيط ممثلة بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بإعادة تقييم للاحتياجات المقدمة من إمارات المملكة (13 إمارة) وذلك من منظور المرونة الحضرية.
  3. أن تقدم كل من وزارة الاستثمار والهيئة العامة للمنشآت المتوسطة والصغيرة مبادرات تشجيعية جادة للمستثمرين بعد دراسة

الفرص الاستثمارية لتعزيز مرونة المدن في كل منطقة.

  1. تعظيم دور أبناء المجتمع.

وحيث إنَّ الهدف الاستراتيجي الذي تصبو إليه الرؤية المستقبلية لمدن سعودية مرنة قادرة على الصمود ينشد غايات معينة لن تكتمل إلا بتحقيق المبادئ التوجيهية التالية:

  • أن تكون الخطة التنموية الوقائية لكل مدينة نابعة من السياق البيئي والحضري والاجتماعي والاقتصادي الخاص بها، وجعل الحد من مخاطر الكوارث جزء أساسي وضروري من التنمية المستدامة للدولة.
  • وضع نموذج عمل مرن ومستدام قادر على توفير الحلول التي يحتاجها سكان المدن. بمعنى أن تكون هذه الحلول مكتفية ذاتيًا وماليًا وقادرة على حفظ الموارد الحالية للأجيال القادمة وتضمن إمكانية حصول كافة شرائح المجتمع على المنافع والخدمات بإنصاف دون أي تمييز.
  • تحقيق الدور الريادي المنتظر للمدن في إعادة تشكيل سلوك ساكنيها من نواحي الاستهلاك الرشيد والبصمة البيئية إلى نواحي

التكيف مع المخاطر ودعم الاقتصادات والأنشطة الخضراء والمشاركة في تمويل العمل المناخي وتعزيز فعل الاستدامة.

  • توجيه اسـتراتيجيات الحد من الأخطار توجيهًا سليمًا إلى أشد الفئات ضعفًا، وتنفيذها بصورة فعالة بحيث تمثل المرأة والرجل على قدم المساواة في أنشطة التخطيط للتأهب.
  • أن تعكس النتائج المحققة في إطار جهود تمويل العمل المناخي التأثير الإيجابي في جميع المدن السعودية والدور الملموس في دعم الحلول المبتكرة والقابلة للتطوير، عدا تحقيقها لمنافع تفوق تكلفتها بأضعاف مضاعفة، وتضمن استخدام التمويل المتاح بطريقة فعّالة وعادلة بما يتوافق مع احتياجات المجتمعات وأولوياتها.
  • ربط التكنلوجيا الحديثة بما يخدم أهداف المجتمع.

وتستند النقطة الأخيرة بشكل كبير على دعم إرساء المدن الذكية الذي أصبح ضرورة ملحة للاستجابة لمبادئ التنمية المستدامة. والتي تستند بدورها على مجموعة من الأسس المرتبطة ببنية تكنولوجيا الاتصال والمعلومات.

وتتمثل هذه الأسس في: الشبكات (أولًا)، قاعدة البيانات (ثانيًا)، التطبيقات (ثالثًا).

 

المحور الثامن: قراءة واقعية.. نماذج حية.. وأولويات قصوى

عندما تكون المرونة والاستدامة ركنًا أساسيًا في حياة الشعب عن معرفة واطلاع، فإنَّ النقاش والحديث عنه يكون مبدأه المصارحة والواقعية والمسؤولية، وتكون الحلول مبنية على رؤية أبعد بكثير من مجرد الحديث عن تخطيط وقائي أو أسلوب حياة؛ فهذه الجوانب على الرغم من

أهميتها إلا أنها لا تكون شيئًا في عالم التنظير مالم يتم توجيه بوصلة الاستدامة والمرونة الإستراتيجية للمدن بقراءة الوقائع الدولية والاستفادة منها محليًا.

 

  1. قراءة واقعية

لا شك أن إنشاء مجلس المخاطر الوطنية، وضع أسسًا لإدارة المخاطر من أعلى المستويات تعكس ثبات الخطى، ومنهجية احترافية تحقق

أهداف الرؤية الوطنية. وخطوة كبيره تعزز الفكر المستقبلي للمملكة لمواجهة المخاطر الطبيعية (الزلازل والبراكين والسيول والحرائق ومصادر التلوث)؛ لتفعيل وتوحيد الجهود تحت مظلة واحدة مبنية على دراسات واقعية. كما سيكون لنشر ثقافة إدارة المخاطر أثر كبير في تجويد وتسارع الأعمال نحو الإنجاز والإبداع.

والارتقاء بالمنظومة الوطنية الحالية لإدارة الازمات والكوارث لن يتحقق إلا من خلال عمل هذا المجلس بدوره المناط به على الوجه الاكمل، من حيث إجراء تقويم شامل للمخاطر الوطنية، وتحديد مواطن الضعف، وإعداد سجل للبنية التحتية الحيوية وشبكة معلومات الاتصال مع الجهات ذوات العلاقة. وإقرار الإستراتيجيات والخطط والسياسات والأطر والبرامج والمنهجيات والمعايير والضوابط والإرشادات ومؤشرات قياس الأداء ذات الصلة بتحديد المخاطر الوطنية، وتقييمها، والوقاية منها، والتخطيط والاستعداد للطوارئ والأزمات والكوارث، والاستجابة لها، والتعافي منها، وضمان استمرارية الأعمال، وتعزيز القدرات والثقافة والارتقاء بالأداء في هذا المجال لدى الجهات ذات العلاقة، ووضع معايير ومؤشرات قياس الجاهزية لديها، والرفع بها إلى مجلس المخاطر الوطنية لاعتمادها.  ورفع مستوى الوعي بالمخاطر الوطنية، بأنواعها وآثارها. والتأكيد على أن ثقافة المخاطر هي رحلة مستمرة، والتقييم والتحسين المستمر هما المفتاح للحفاظ على إطار قوي

ولأن الواقع الدولي يخبرنا بأن الدول التي عانت من اخفاقات في مجال التنمية والتخطيط الحضري والعمراني وتوزيع السكان، هي من تعاظمت فيها الخسائر البشرية والمادية بشكل كبير. في حين يخبرنا الواقع السعودي، أنه على الرغم من أننا شهدنا تقدمًا كبيرًا في البيئة الحضرية وفي المجال التقني والبيئي وفي تقنيات البناء وهندسة المدن وغيرها من الخصائص، إلا أنه لازالت المدن السعودية في حاجة إلى مستويات عالية من الأمان والمرونة، وتحديد للمواقع التي تحتاج إلى حماية وعناية أكثر من غيرها عند التخطيط التنموي (يوضحها الشكل 7 في الورقة الأساسية).

 

 

 

  1. نماذج حية لجهود المملكة في تعزيز مرونة المدن السعودية

لقد كانت رعاية حكومتنا الرشيدة بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – في الفترة الفائتة متعاظمة وتعكس رؤيته في الحفاظ على البيئة والموارد الوطنية ودرء كل الأخطار والكوارث التي تحيق بالوطن وتعزيز مرونة المدن السعودية وقدرتها على الصمود؛ فكانت الرعاية شاملة، والاهتمام لافتًا. وهو ما يبعث على الارتياح لما يشكله ذلك من أهمية كبيرة في بقاء كافة الوزرات والأجهزة حاضرة أبدًا باعتبارها الركن الأساس في منظومة حماية الدولة من كل ما يحيط بها من أخطار. ويمكننا رؤية تطبيق واقعي للمرونة بأشكالها المتنوعة على أرض الوطن، مثل: المرونة الحضرية، المرونة البيئية، المرونة الاجتماعية، المرونة التنظيمية وذلك بشكل أكثر تفصيلًا في الورقة الأساسية

  1. أولويات قصوى للتحول نحو مدن سعودية مرنة

أولًا: معرفة المعايير التي تساعد في تحديد أي المدن لها الأسبقية القصوى لتعزيز مرونتها، من حيث: درجة التعرض للكوارث الطبيعية أو البشرية، حجم المدينة وكثافتها السكانية والمرافق والأنشطة فيها، درجة التبعية لمصادر الطاقة والموارد غير المستدامة أو غير المتجددة، ودرجة التأثر بالتغيرات المناخية والبيئية.

ثانيًا: العمل على جعل المرونة والاستدامة ركنًا أساسيًا في حياة الشعب عن معرفة واطلاع؛ حتى يكون النقاش والحديث عنها مبدأه المصارحة والتخطيط لها مستنداً على الواقعية ومرتكزاً على المسؤولية.

ثالثًا: أن تكون الحلول مبنية على رؤية أبعد بكثير من مجرد الحديث عن تخطيط وقائي أو أسلوب حياة.

وعلى الرغم من أهمية هذه الجوانب إلا أنها لا تكون شيئًا في عالم التنظير مالم يتم توجيه بوصلة الاستدامة الإستراتيجية للوطن نحو الآتي:

  1. تحويل الخطة الوطنية لإدارة الكوارث إلى استراتيجية شاملة متكاملة لإدارة مخاطر الكوارث تحت مظلة مجلس المخاطر الوطنية
  2. تبني فكرة المرونة في العمران والتخطيط العمراني في السعودية.
  3. إدراج علم مستقل بالأزمات والكوارث في المناهج الدراسية.

خاتمة

تدعو هذه الورقة للتفكير خارج الصندوق ورسم توجه جديد لمرونة المدن وتخطيطها العمراني نحاكي من خلاله ظاهرة تغير المناخ، ومحاربة

جشع الإنسان، واستنزافه للموارد الطبيعية. وعدم التعامل مع الكوارث وكأنها حوادث عارضة تحتاج لحلول وقتية وعاجلة؛ فمرونة المدن

تتطلب عدم الاستمرار في معركة الفعل ورد الفعل عبر معالجات لا تسمن ولا تغني من جوع.

ومن جهة أخرى، تؤكد على أن تضمين مفهوم المرونة لنظام وعملية التخطيط العمراني هو من المواضيع ذات الأهمية الكبيرة، نظرًا لما يواجه

المملكة من تحديات كبيرة حاليًا ومستقبليًا في مجال التغيرات المناخية، وارتفاع في درجات الحرارة واحتمالية نضوب للموارد المائية، وعددًا من المشاكل البيئية الناتجة عن التحضر السريع ونمط الحياة العالي لسكان مدنها الكبرى. الأمر الذي يستدعي إيلاء اهتمام أكبر لمدننا فيما يخص المرونة أمام الأخطار الطبيعية والبشرية، وفي المجالات التي تخص الاحتياجات الأساسية والبيئة الحضرية والاقتصاد والمجتمع وإمكانيات الاستجابة والتعافي والتحول. وتفاصيل هذا الموضوع أطول من أن تحتويها هذه الورقة. وستكون من المهام المستقبلية الملقاة على عاتق مجلس المخاطر الوطنية، والمخططين العمرانيين والبلديات، والباحثين المهتمين بتنمية المدن وشؤون البيئة والعمران والتخطيط العمراني.

 

التوصيات:

  1. أن يقوم مجلس المخاطر الوطنية بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة للعمل على إعداد استراتيجية وطنية للحد من آثار وتداعيات مخاطر الكوارث، بالتوافق مع الإستراتيجية العربية والأهداف العالمية للتنمية المستدامة شاملة .أولاً: (تحديد المخاطر والأولويات والمسؤوليات والموارد والآليات المناسبة للتخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقييم)، ثانيًا: (إعداد قاعدة بيانات توفر معلومات كافية عن حجم ومدى خطورة الحوادث الطبيعية المهددة للمملكة من فترة لأخرى وتوزيعها الزماني والمكاني وغيرها)، ثالثاً: (تأهيل ورفع مستوى الكفاءات والخبرات البشرية العاملة في مجال الإنقاذ والإغاثة، والعمل على تطوير الأساليب القيادية التي تعزز من مرونة المدن السعودية)،  مع الاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال.
  2. أن تتولى وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان تعزيز الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والصحية لأنسنة المدن وتعزيز صمود البنى التحتية الحيوية وإسهامها في تقديم الخدمات الأساسية، والتوعية بالتغيرات المناخية والبيئية وأثرها على التخطيط العمراني واستدامته بما يخدم أهداف رؤية 2030. وهذا يحتاج لرصـــد المخاطر وتوقعها والتنبؤ بها ومراقبتها وتقييم مخاطر كل مدينة ونقـــاط الضعف فيها، ووضع حلول وقائية للحد منها، من خلال تطوير أنظمة الإنذار المبكر، ومشاركة البيانات والمعلومات. وتنفيذ أنشطة المحاكاة والتطبيقات الفرضية لاختبار السيناريوهات المحتملة للاستعداد للطوارئ. مع العمل على تطوير مراصد حضرية ومراكز فكر عمرانية تسعى بشكل مستمر إلى قراءة وتحليل المكون الثقافي والاجتماعي والإنساني والعمراني في المدن، وتحديث المبادئ والتشريعات التخطيطية والأكواد العمرانية ضمن سياق الحالة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في العمران؛ بهدف تعزيـــز التخطيط الاستباقي للمخاطر والأزمات ودعم صناعة واتخاذ القرار.
  3. قيام وزارة المالية ومجلس المخاطر الوطنية بدراسة الوضع الراهن للقطاع المالي المرتبط بتمويل العمل المناخي، وتشخيص أبرز التحديات المتعلقة به، واقتراح الحلول والمبادرات والمشاريع المطلوب تنفيذها، والتنسيق مع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لتنفيذ برامج اجتماعية تعوّض وتحمي المواطنين الأقل حظًا من تبعات ارتفاع الاسعار والتضخم؛ لتعزيز قدرتهم على الصمود.
  4. استمرار وزارة السياحة بالعمل على مضاعفة جهودها لتعزيز الاستدامة واعتماد المعايير العالمية في القطاع السياحي في إطار محور الطريق نحو تحقيق الحياد المناخي، وتشجيع السياحة البيئية للمساهمة في الحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي الوطني، والتي أسفرت عن الإعلان عن إنشاء المركز العالمي للسياحة المستدامة في المملكة.
  5. أن تقوم وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان بتشكيل لجنة عليا للمرونة على مستوى البلاد تتولى ما يلي:
  • تقييم وضع المرونة الحالي لكل مدينة، بهدف تطوير عمل إستراتيجية المرونة وتحديد أولوياتها وآليات التنفيذ حسب المستجدات.
  • وضع مواصفات للمباني والمنشآت في المناطق المهددة بالزلازل والهزات الأرضية، من أجل استدامة المشاريع وإطالة عمرها للأجيال الحاضرة والمستقبلية. وتبني عملية المراقبة المستمرة للسدود والخزانات ومناطق النشاط التعديني، وإقامة مشاريع تشجير لصد زحف الرمال لحماية القرى والمزارع والطرق القريبة منها.
  • توجيه الأجيال لتجاوز الكوارث الطبيعية ومواجهة التغييرات المناخية من خلال الحث على إدراج مقرر علمي يبدأ من المراحل الدُنيا في المراحل التعليمية.
  • العمل على تمكين الشراكات الإستراتيجية البيئية بين الشركات الكبرى والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لخلق فرص عمل والاستفادة من أفكار المواهب الشابة التي يمكنها خلق روافد دخل جديدة، وصولاً نحو تحقيق الأهداف المناخية.
  • تشجيع الجمعيات والفرق التطوعية واللجان الخيرية لتلمس حاجة الأسر المعسرة في المجتمع وإيجاد حلول ذات ديمومة مستمرة لها عبر تدريبهم على برامج حرفية أو صناعات تقليدية وغيرها.
  • عقد ورش عمل وندوات وطنية بشكل دوري تطرح فيها جميع مسائل المرونة الحضرية، مع فتح المشاركة للجميع. وبالأخص

المؤسسات التعليمية لرفع مستوى اهتمام الطلبة المبكر بالاستدامة في سياق أسلوب حياتهم وأعمالهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

وقت البيانات لتقنية المعلومات شركة برمجة في الرياض www.datattime4it.com الحلول الواقعية شركة برمجة في الرياض www.rs4it.sa