قضية الاسبوع : تنظيم فروع للجامعات الأجنبية في السعودية الفرص والتحديات

قضية الاسبوع : الورقة الرئيسة

تنظيم فروع للجامعات الأجنبية في السعودية

الفرص والتحديات

 

كاتب الورقة الرئيسة: د. منيرة بنت محمد العبودي

التعقيبات: أ.د. خالد الثبيتي  ، د. عبدالعزيز العثمان

إدارة الحوار: د. فوزية البكر

 

يعتبر التعليم عالي الجودة المرتبط ارتباطاً وثيقاً بأنشطة البحث والتطوير والابتكار هو العمود الفقري للاقتصاد.

وقد ارتبط النمو الاقتصادي عالميا ارتباطا وثيقا بتزايد الطلب والحاجة الى أنشطة البحث والتطوير والابتكار ومنتجاته، وخدمات التعليم العالي المبتَكَر، كجزء لا يتجزأ من دعم وتعزيز تسارع هذا النمو الاقتصادي ورفع مستوى تنافسية الدول على الأصعدة الإقليمية والعالمية، ويعتبر قطاع التعليم العالي المرتكز على سد فجوات العرض والطلب في سوق العمل والفاعل في تعزيز الناتج البحثي والابتكاري للدولة أحد أهم القطاعات المسؤولة في المقام الأول عن النمو الاقتصادي وتعزيز القدرة التنافسية للدول على مستوى العالم.

ومن أحد أبرز التوجهات العالمية في هذا الاتجاه هي التوسّع في تقديم خدمات التعليم العالي المبتكر الفاعل في أنشطة البحث والتطوير والابتكار، والمتوائم مع التوجهات العالمية والاقليمية لسوق العمل، وخصوصا استقطاب أفرع للجامعات الأجنبية وتكوين تحالفات محلية-دولية لتقديم خدمات وتشغيل أنشطة ابتكارية ونوعية تعمل كقنوات لتوطين المعرفة والتكنولوجيا وتنمية المواهب والقدرات المحلية، مما يساهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة وتعزيز الأمن الوطني -الاقتصادي والاجتماعي- لها.

وفي هذا السياق، تستهدف أنشطة استقطاب وانشاء أفرع للجامعات الأجنبية في المملكة العربية السعودية تعزيز الوصول -المواطنين والمقيمين على حد سواء- إلى تعليم مبتكر عالمي وعالي المستوى محلياً، وبالتالي سد الفجوات الحرجة في المهارات في القوى العاملة، وتحفيز النمو الاقتصادي والاستعداد للمتغيرات المستقبلية وتعزيز ثقافة وانتاجية البحث والتطوير الابتكار.

أحد أهم المكتسبات المتوقعة لاستقطاب أفرع جامعات ابتكارية أجنبية واستقطاب المشغلين الدوليين لها هي تحسين جودة مخرجات وأنشطة التعليم والبحث والتطوير والابتكار:

حيث نجد أنه على مستوى المملكة العربية السعودية هناك جامعتان فقط مصنفتان ضمن أفضل 200 جامعة على مستوى العالم؛ وأن حوالي 60% من طلاب التعليم العالي في المملكة حالياً ينتمون الى جامعات مصنّفة بشكل متدنّي دولياً (1000 فأكثر).

وحسب هذه الاحصاءات هناك حاجة فورية لمعالجة الفجوة في الجودة، وبما أن معالجة هذه الفجوات تتطلب إصلاحات تنظيمية وتشغيلية طويلة المدى للوصول للنتائج المستهدفة، فقد اعتمدت عدة دول عالمياً على استيراد الجودة من خلال الاستقطاب المستهدف لمنظومات تعليمية وبحثية ناضجة متمثلة في أفرع للجامعات الاجنبية الابتكارية لجامعات ومراكز أبحاثها المرموقة؛ مثل كلية إمبريال البريطانية في سنغافورة، وجامعة نيويورك بأبوظبي، وجامعة كارنيجي ميلون في قطر، وجامعة برمنغهام بدبي، مع ضمان الحكومات في هذه الدول بدعمها بحوافز معينة وعقود بحثية تتكفل الأعباء والمخاطر التشغيلية والتمويلية.

ومن هذا المنطلق، فقد تحالفت عدة جهات حكومية في المملكة العربية السعودية (ممثلة بوزارة التعليم، ومجلس شؤون الجامعات، ووزارة الاستثمار، وهيئات تطوير المناطق) بهدف جذب أفرع للجامعات الأجنبية ومراكز أبحاثها في المملكة، عن طريق الاستقطاب الاستراتيجي المستهدف لإنشاء تحالفات محلّية ممثّلة بتلك الأفرع لتقديم خدماتها للمواطنين، وأبناء المقيمين، والطلاب والباحثين الدوليين.

وتبرز أهمية أفرع الجامعات الأجنبية ذات التصنيف العالي -والمستهدف استقطابها للمملكة- في كونها تعمل كمراكز في شبكات دولية لأنشطة البحث والتطوير الابتكار والتعليم، حيث يضم طاقم الكلية العالمية مجموعة مختلطة من أعضاء هيئة التدريس من منسوبي الحرم الجامعي المحلي (من المواطنين والمستقطبين من الجامعة الأم والمواهب الأجنبية) حيث يعملون عبر جسور دولية تعاونية تتمثل بإجراء الأبحاث بالشراكة مع منسوبي الحرم الجامعي ومنشآت القطاع الخاص في الدولة الأم والبلد المضيف، وبالتالي بناء مراكز بحثية ذات صلة بالتقدم الاقتصادي للبلد المضيف، وبذلك فالمستهدف أن تعمل أفرع الجامعات الأجنبية في المملكة كمراكز في شبكات محلية-إقليمية-دولية تضم تحالفات بين شركات القطاع الخاص المعتمدة في نموها واستدامتها على الأنشطة البحثية، وعلى شبكة الجامعة الدولية ذاتها المعتمدة في جودة عملياتها ومخرجاتها على تلك الأنشطة المستهدفة لسد فجوات التعليم والبحث والابتكار المبني على استشراف المستقبل وحاجات سوق العمل المستقبلية وليس فقط على حاجاته على المدى القصير والمتوسط.

ومن المتوقع أن تعمل تلك التحالفات على تسريع الجهود الوطنية المرتبطة بتنفيذ رؤية المملكة 2030 واستدامة نموها الاقتصادي وتنويعه، مثل الدعم في مبادرات توطين سلاسل الامداد، وانشاء قواعد صناعية للتصنيع المتقدم، والمبادرات المتعلقة بالاستراتيجيات الوطنية القطاعية مثل استراتيجيات البحث والتطوير والابتكار، والصناعة والفضاء والذكاء الاصطناعي.

 

الآثار الاقتصادية والمالية:

يتم تمويل التحالفات التعليمية ذات الجودة العالية في جميع أنحاء العالم من خلال الاستثمار الحكومي والحوافز لكونها مراكز صرفية (cost centers) لا غنى عنها للنمو الاقتصادي وتعزيز التنافسية الدولية.

وتم تحليل الاستثمار المالي المطلوب لإنشاء وتمويل ما بين اثني عشر الى خمسة عشر 12-15 جامعة من التصنيف الأعلى في المملكة (QS top 200) والجامعات المتوسطة (QS top 200-500) في المملكة العربية السعودية إنفاقًا سنويًا بقدر 2-3 مليار ريال سعودي، بالإضافة إلى مبلغ النفقات الرأسمالية لمرة واحدة. ومن المتوقع أن يحقق هذا الاستثمار الكبير عوائد مزايا اجتماعية واقتصادية كبيرة على المدى الطويل.

ومن الناحية الاقتصادية، يمكن أن تؤدي استضافة فروع الجامعات الدولية إلى زيادة الاستثمار في البنية التحتية والخدمات التعليمية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تدفق الطلاب الدوليين يعزز الاقتصاد المحلي من خلال الرسوم الدراسية والإقامة والإنفاق على السلع والخدمات. غالبًا ما يصبح خريجو هذه المؤسسات سفراء عالميين مؤثرين، حيث يجذبون الشركات والشراكات الأجنبية.

حيث تم احتساب ما سيتم توليده من القيمة الاقتصادية بما يقرب من 11-14 مليار ريال سعودي، مع الأخذ في الاعتبار كلاً من القيمة المضافة المباشرة (الأنشطة الاقتصادية) والقيمة المضافة غير المباشرة (استخدام السلع والخدمات).

ومن المتوقع أيضاً أن يتم توليد ما يقرب من 30-35 مليار ريال سعودي من الفوائد الاقتصادية الإيجابية نتيجة لتعزيز رأس المال البشري والفكري الذي يتحقق من خلال وجود عدد أكبر من الجهات التعليمية التي تركز على البحث والتطوير والابتكار. بالإضافة إلى ذلك، فإن أبناء المغتربين والطلاب القادمين إلى المملكة العربية السعودية للدراسة سيعززون من التنمية الاقتصادية بشكل مباشر (Transnational Education TNE)

وستساهم تلك الجامعات المستقطبة أيضًا في خلق فرص عمل لـما يقارب 7-10 آلاف من أعضاء هيئة التدريس والباحثين والاداريين.

حيث ستعمل تلك الجامعات كمراسِ لجذب واستقطاب المواهب العالمية من الكفاءات التعليمية والبحثية (anchor institutions) عن طريق منح فرص توظيفية مميزة (employment value propositions EVPs)  تمنح الفرصة للمشاركة في الأنشطة البحثية والتعليمية المبتكرة في خلق مستقبل مبني على حل المعضلات العالمية مثل مستقبل المدن (نيوم) والطاقة المتجددة (تصنيع الهيدروجين الأخضر)  واستدامة الحياة الفطرية والبحرية (أنشطة البحر الأحمر والقطاع البحري) وغيرها من الأمثلة الوطنية المنبثقة من استراتيجيات رؤية المملكة 2030.

ومن حيث جودة ونوعيّة البرامج، من المستهدف أن تعكس أفرع الجامعات الأجنبية في المملكة الحرم الجامعي الأصلي -في البلد الأم- في الإدارة والمناهج والمعايير، حيث أنها ستوفر برامج أكاديمية مماثلة مع بعض التكييف حسب الطلب لتناسب احتياجات المملكة وبرامجها التنفيذية لرؤية 2030، وضمان الاعتراف العالمي بالدرجات العلمية، والحفاظ على جودة التدريس العالية من خلال توظيف أعضاء هيئة التدريس بقيادة الجامعة الأم.

ومن المحوريّ لدعم نجاح هذه الأفرع المستقطبة أن يتم متابعتها والمساهمة في ادارة مخاطرها التشغيلية بتكوين تحالفات بين القطاع الحكومي حسب الاختصاص في إدارة ومتابعة وتقييم الجودة -ممثلا بهيئة تقويم التعليم والتدريب- وإدارة ودعم متابعة الأداء التعليمي والبحثي -ممثلا بمجلس شؤون الجامعات ووزارة التعليم وهيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار-.

 

 

 

ختاماً بالإمكان اختصار مميزات أفرع الجامعات الأجنبية للدول المضيفة المزايا كالتالي:

  • تعزيز إمكانية الوصول إلى التعليم الجيد لمجموعة واسعة من المواطنين السعوديين مقارنة ببرنامج المنح الدراسية السعودية، حيث تستهدف توطين البرامج النوعية بشكل مستمر ومستدام.
  • مساهمة خيارات التعليم الدولي عالية الجودة في استبقاء وتطوير أفضل المواهب الأجنبية وأبناء المقيمين على المدى الطويل في المنطقة بدلاً من السعي للحصول على التعليم في الخارج وبالتالي الحدّ من هجرة الأدمغة (the brain drain)
  • انشاء أفرع الجامعات الأجنبية لتحالفات ممثلة ببرامج تتماشى مع احتياجات القوى العاملة في المملكة العربية السعودية، وبالتالي ضمان زيادة العرض في التخصصات ذات الصلة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات حيث يوجد في المملكة العربية السعودية حاليًا عجزًا عاليا في تلك البرامج كمّا ونوعًا، وتعزز تقديم جهات نظر علمية متنوعة، ترتكز على الابتكار وتعزز التعليم المعولم الذي يعدّ الطلاب لعالم مترابط في بيئة ومنظومة ممكّنه للتنوّع الثقافات والعلمي المؤدي إلى تنمية مجموعة مهارات شاملة، مما يعزز قدرة القوى العاملة على التكيف والقدرة التنافسية في سوق العمل العالمي.

وفي جوهر الأمر، فإن جذب أفرع الجامعات الأجنبية وأنشطة البحث والتطوير والابتكار في المشهد التعليمي لأي بلد يعزز قدرتها التنافسية، ويعزز التنوع الثقافي، ويغذي الابتكار، ويؤثر بشكل إيجابي على الاقتصاد، مما يجعله استثماراً ذو عوائد استراتيجية لتحقيق النمو والتنمية المستدامين، ومن المهم أن يتم بناء هذا النموذج في مراحل التخطيط والتنفيذ أخذاً بالاعتبار الأولويات الوطنية وأوجه التنفيذ الأمثل عبر الاستفادة من الممارسات الدولية الناجحة في هذا المجال.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

وقت البيانات لتقنية المعلومات شركة برمجة في الرياض www.datattime4it.com الحلول الواقعية شركة برمجة في الرياض www.rs4it.sa