قضية الاسبوع: نحو مستقبل أفضل للصحة النفسية في المملكة العربية السعودية

قضية الاسبوع

نحو مستقبل أفضل للصحة النفسية في المملكة العربية السعودية

 كاتب الورقة: د. ياسمين بنت أحمد التويجري

تعقيب: د. ياسر الدباغ، د فهد سعود اليحيا

الصحة النفسية

“الصحة” هي حالة من اكتمال السلامة البدنية والنفسية والإجتماعية،  على حسب تعريف المنظمة العالمية للصحة.

تمثل اضطرابات الصحة النفسية إحدى مشاكل الصحة العامة الرئيسية، والسائدة على الصعيد العالمي، التي تؤثر على المجتمع، حيث يمتد أثرها ليشمل كافة الأعمار من كلا الجنسين، ومختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. عدد المصابين بالاضطرابات النفسية يستمر بالتزايد عالميا وقد تبين أن نسبة الاضطرابات النفسية مرتفعة أكثر عند فئة الشباب، والاكتئاب هو أكبر مرض نفسي مساهم في فقدان الصحة في جميع أنحاء العالم.

قُدرت التكاليف الاقتصادية العالمية للاضطرابات النفسية بـ 2.5 تريليون دولار أمريكي، وفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية، التي ركزت الأولوية على الصحة النفسية في عام 2019. وعلى الرغم من أن نفقات الرعاية الصحية تزداد في جميع أنحاء العالم بمعدل نمو سنوي وصل الى 4.3% من 2000 إلى 2017، إلى أن نسبة كبيرة من الأفراد المصابين باضطرابات نفسية لا تحصل على علاج. ومن بين أولئك الذين يسعون للحصول على خدمات الصحة النفسية، هناك الكثير من يتوقف قبل إكمال دورة العلاج الموصى بها.

 

أهداف برنامج المسح الوطني السعودي للصحة النفسية

في محاولة لتحدید مدى انتشار الاضطرابات النفسیة في المملكة العربیة السعودیة، قام مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة بإطلاق مشروع المسح الوطني السعودي للصحة النفسیة في عام 2010، كجزء من مبادرة المسح العالمي للصحة النفسیة التابع لمنظمة الصحة العالمیة وجامعة ھارفارد ،والتي أجریت في أكثر من 36 دولة حتى الآن. یسعى المسح الوطني إلى الإلمام بجمیع جوانب الصحة النفسیة في المملكة العربیة السعودیة بالإجابة على الأسئلة التالیة حول المجتمع السعودي:

  • من ھم الأفراد ً الأكثر عرضة للإصابة في المملكة العربیة السعودیة ؟
  • ما ھي الاضطرابات النفسیة الأكثر شیوعا؟
  • ما ھي أفضل الطرق لتقدیم خدمات الصحة النفسیة في المملكة العربیة السعودیة؟
  • ما ھو العبء الذي تشكلھا الاضطرابات النفسیة على المجتمع السعودي؟

تكمن أهمية هذا المشروع في تزويد الأطباء وصانعي القرار في مجال الصحة، برؤية لتوفير الخدمات الوقائية، والعلاجية، والتأهيلية ذات الصلة في المملكة. ونأمل أن تحفز نتائج أبحاثنا اهتمام البلدان الأخرى في المنطقة التي نتطلع إلى تبادل خبراتنا معهم.

وقد حظي المشروع الوطني للصحة النفسية بدعم العديد من الجهات كوزارة الصحة، وجامعة الملك سعود، ومستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، بالإضافة إلى الهيئة العامة للإحصاء، وتم دعم المشروع عبر مِنَح متعددة من شركة سابك، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وشركة أبراج.

 

منهجية المسح الوطني السعودي للصحة النفسية

استخدم المسح عينة وطنية تمثيلية، شملت اكثر من 4004 فرد من الذكور و الإناث الذين اختيروا عشوائياً من جميع مناطق المملكة، و تراوحت أعمارهم بين 15 الى 65 عاما، حيث أجريت المقابلات وجهاً لوجه في منازل المشاركين، بإستخدام أداة المسح (النسخة السعودية للمقابلة التشخيصية الدولية المركبة CIDI 3.0) و عبر أجهزة الكمبيوتر المحمولة لضمان الدقة العالية و جودة المعلومات.

شارك في المسح الوطني السعودي للصحة النفسية  أكثر من 76% من الأسر السعودية التي تم التواصل معها على أن تكون جزءًا من الدراسة – ويعتبر هذا المعدل المرتفع من التجاوب إنجاز مميز ، نظرًا لأن هذه الدراسات الاستقصائية الصحية الدقيقة تتطلب وقت و جهد من المشاركين.

 

أبرز نتائج برنامج المسح الوطني السعودي للصحة النفسية 

  • وجدت نتائج المسح، الذي تم الكشف عنها في أواخر عام 2019، أن حوالي 34% من السعوديين تنطبق عليهم معايير تشخيص اضطرابات الصحة النفسية في وقت ما من حياتهم. وبشكل أكثر تحديداً، يستوفي اثنان من كل خمسة شباب سعوديين معايير تشخيص اضطرابات الصحة النفسية في وقت ما من حياتهم. هذه النتائج مماثلة لإحصاءات البلدان الأوروبية مثل فرنسا وهولندا، وأقل من نيوزيلندا و الولايات المتحدة الأمريكية.
  • أظهرت النتاج أن حوالي 13% من السعوديين فقط يسعون لتلقي العلاج لاضطراباتهم الصحية النفسية في إحدى السنوات من حياتهم. و ما يثير الإنتباه هو ان 80% من السعوديين الذين شُخِّصوا باضطرابات حادة في الصحة النفسية لا يسعون لتلقي أي نوع من العلاج.
  • كما أظهرت النتائج أن حالات اضطرابات الصحة النفسية تؤثر على السعوديين الأكثر تعليماً مقارنة بالأقل تعليماً. وهذا ليس مستغرباً، لأن العديد من هؤلاء المتعلمين هم من الشباب ويشكلون غالبية السكان السعوديين. وتؤكد هذه النتائج على الحاجة إلى إجراء البحوث المستقبلية التي تستهدف هذه النتيجة بشكل خاص وتستند عليها، نظرًا لأنّ فئة الشباب تمثل موردًا حيويًّا في جميع البلاد.
  • بلغت نسبة انتشار الاضطراب النفسي بين الشباب السعودي 1%، حيث أثرت اضطرابات القلق على 26.8% من العينة، تليها اضطرابات السلوك التخريبي 15.4%، واضطرابات المزاج 9.7%، واضطرابات تعاطي المواد المخدرة 4%، ثم اضطرابات الأكل 7.1%. أيضا 14.5% فقط من الشباب السعودي سعوا لتلقي العلاج لاضطراباتهم الصحية النفسية في إحدى السنوات من حياتهم.
  • وبحسب المسح الوطني أن أكثر الحالات النفسية انتشارًا بين النساء في المملكة اضطراب قلق الانفصال بنسبة 13%، ويأتي ثانيًا الاضطراب الاكتئابي الرئيسي بنسبة 9%، في المرتبة الثالثة الرهاب الاجتماعي بنسبة 7%، وفي المرتبة الرابعة اضطراب نقص الانتباه / فرط الحركة بنسبة 6.0%، ثم في المرتبة الخامسة اضطراب الوسواس القهري بنسبة 4.9%.
  • كما بينت نتائج المسح الوطني أن أكثر الحالات النفسية انتشارًا بين الرجال في المملكة اضطراب قلق الانفصال بنسبة 11% ، ويأتي ثانيًا اضطراب نقص الانتباه / فرط الحركة بنسبة 10%، في المرتبة الثالثة الرهاب الاجتماعي بنسبة 3%، وفي المرتبة الرابعة اضطراب ثنائي القطب بنسبة 4.0%، ثم في المرتبة الخامسة الاضطراب الانفجاري المتقطع بنسبة 3.8%.
  • من بين الأشخاص الذين يعانون من الأمراض الجسدية المزمنة، 24% منهم يعانون من اضطراب نفسي. وكانت اضطرابات الاكتئاب، والرهاب الاجتماعي، ورهاب قلق الانفصال من أكثر الاضطرابات النفسية الشائعة لدى البالغين في هذه الفئة.
  • بالنسبة للتأثير في العمل، فعلى الرغم من انخفاض معدل انتشار الاضطرابات النفسية (9%) مقارنة بالاضطرابات الجسدية (47.1%) بين المشاركين بالمسح، إلا ان الاضطرابات النفسية تؤثر بشكل أكبر على الأداء اليومي الوظيفي (أيام دون عمل/عدم القدرة على العملDays Out Of Role – ) (32.9%) مقارنة بتأثير بالاضطرابات الجسدية المزمنة (27%).
  • فيما يتعلق بتأثيرات التمدن على الصحة النفسية، وجدت دراستنا أن اضطرابات المزاج والقلق كانت شائعة أكثر عند الأشخاص الذين نشأوا في المدن الكبيرة. وتتماشى هذه النتائج مع الدراسات السابقة التي وجدت روابط بين التمدن في مرحلة الطفولة والاكتئاب.
  • ومن العقبات التي لعبت دوراً رئيسياً في منع  طلب العلاج هي الحواجز  السلوكية، مثل وصمة العار والرغبة في معالجة المشاكل بشكل مستقل.

 

توصيات برنامج المسح الوطني السعودي للصحة النفسية

 

أولا: الوصول إلى خدمات الصحة النفسية هو أمر أساسي. هناك حاجة إلى أن تتضمّن الأهداف الرئيسية في جدول أعمال السياسات تقديم الخدمات التي يَسهُل الحصول عليها، والتي تلبي احتياجات الصحة النفسية للسكان السعوديين. قد يتمثل الحل العلمي للدراسات البحثية في العلاجات الإلكترونية، التي يقدّمها المتخصصون بشكل آمن وفعَّال، عبر الإنترنت. ويمكن أن يؤدي تحسين تكنولوجيا الرعاية الصحية عن بُعد إلى تقليل الحاجة إلى رعاية الصحة النفسية غير الملباة من خلال توفير الوصول إلى علاج الصحة النفسية.

 

ثانيا: نبغي أن تركز الدراسات المستقبلية على اضطرابات محددة في مجال الصحة النفسية، وعوامل الخطر، والعواقب الصحية المرتبطة بها في المجتمع السعودي وعند فئة الشباب بالتحديد. كما ذُكِر سابقًا فئة الشباب والأكثر تعليما هم الأكثر عرضة للاضطرابات النفسية ، بالأخص القلق و الإكتئاب. يجب القيام ببرامج نفسية خاصة بهذه الفئة لتكون أكثر فعالة , مثل التركيز على العلاجات الإلكترونية وتوفيرها في الجامعات بالتحديد.

 

ثالثا: تدعم نتائج هذا المسح الوطني المشاركين في جهود تعزيز الصحة لإزالة الوصمة المرتبطة باضطرابات الصحة النفسية. المجتمع السعودي مترابط بشكل وثيق، ووجود عضو مقرب في هذه الدائرة الاجتماعية يعاني من اضطراب نفسي يعتبر غير مرغوب فيه. تحسين ثقافة الصحة النفسية عامل مهم قد يساهم في تقليل الاحتياجات غير الملباة للعلاج. فإن الدراسات تبين أن هذه الوصمة تماثل إلى حد كبير العديد من البلدان الغربية ولدى المجتمع السعودي معتقدات ومواقف للوصمة مماثلة تجاه اضطرابات الصحة النفسية والسعي نحو العلاج منها، وهي مشكلة تتقاسمها معظم بلدان العالم. سيكون من المفيد لنظام الرعاية الصحية في السعودية إطلاق حملة لتعزيز الصحة لزيادة الوعي بين عامة الناس حول التأثير الخطير للاضطرابات النفسية على الأداء اليومي والحاجة إلى التماس العلاج المبكر.

 

رابعا: وجد هناك صلة قوية بين الصحة النفسية والبدنية. يشير ذلك إلى ضرورة إجراء بحث لدراسة تأثير الاضطرابات النفسية لدى المرضى، الذين يعانون من الأمراض المزمنة كأمراض القلب، والسكري، وغيرها من الأمراض الجسدية كالسرطان. هناك حاجة إلى بذل جهود وطنية لزيادة الوعي بهذه الأمراض المصاحبة بين عامة السكان، وتطوير خدمات الوقاية والعلاج المصممة خصيصًا لتلبية احتياجات الأفراد المعرضين لخطر الإصابة بهذه الأمراض.

خامسا: إجراء تقييم لمدى فعالية الإصلاحات الجارية والمقترحة في خدمات الصحة النفسية من تخفيض عبء الاضطرابات النفسية و تقاس بمختلف مؤشرات الإعاقة أو فقدان الإنتاجية، بما في ذلك قضاء أيام دون عمل. سيكون من المفيد أيضًا تقييم مدى فعالية البرامج من انتشار الاضطرابات الجسدية، مما يسمح بمعالجة الشكوك حول دور الاضطرابات النفسية كعوامل خطر مسببة للاعتلال النفسي والجسدي المشترك.

نأمل أن تفتح النتائج التي توصلنا إليها الحوار حول الصحة النفسية، وتزيد من الوعي، وأن تكون موردًا تعليميًا يزيد من فهم ظروف الصحة النفسيه السائدة بين السعوديين، ويساهم في تحدي الوصمة، ليس فقط في المملكة العربية السعودية، ولكن أيضًا في المنطقة كلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

وقت البيانات لتقنية المعلومات شركة برمجة في الرياض www.datattime4it.com الحلول الواقعية شركة برمجة في الرياض www.rs4it.sa